الحمير تطالب بأكل الشعير!

التقيت منذ أيام أستاذا في جامعة الجزائر، قابلني ضاحكا بطريقة غير عادية عندما عرف اسمي.. ولغبائي ظننت في بادئ الأمر أنه يضحك لي إعجابا بما أكتب في هذا الركن.. لكن الرجل صحح لي هذا الاعتقاد قائلا: إنني أضحك عليك ولا أضحك لك! ثم جلس يشرح لي الأسباب التي جعلته يضحك عليّ ولا يضحك لي! فقال لي:
أتعتقد يا أيها الصحفي الفطن الشرس أن رجال الدولة وأركان السلطة عاجزون عن حل مشاكل البلاد مثلما تكتب أنت كل يوم في عمودك؟! أنا أجزم بخلاف ذلك تماما.. فرجال السلطة لا يريدون حل مشاكل الشعب والبلاد عن قصد ومع سبق الإصرار والترصد..! ألم تسمع يا (محترم) بالمثل الشعبي الذي يقول: اضربه على التبن ينسى الشعير؟!
فإذا كانت مشاكل الشعب هي العمل والسكن والتعليم والأمن والأكل وهي بمثابة "التبن" فإن حل هذه المشاكل يجعل الشعب يطالب بحل مشاكل السياسة التي هي الشعير؟! فإذا حلت السلطة المشاكل التبنية المتمثلة في السكن والعمل والتعليم والأكل فإن الشعب سيطالب بحل المشاكل السياسية المتصلة بالسلطة وهي مشاكل الحكومة والبرلمان والرئاسة والأحزاب السياسية والجمعيات وحقوق الإنسان وغيرها..!
ألا ترى يا محترم أن الحكام الذين تصفهم بالغباء والعجز في أعمدتك يستجيبون بسرعة لمطالب الشنابط الخاصة بزيادة الأجور.. ويقومون بصرف مئات الملايير من الدولارات لتوفير السكن والعمل والتعليم للشباب.. لكن عندما يتعلق بالمظاهرات التي تطالب بتغيير النظام فإن الأمر يواجه بهراوات الشرطة بلا شفقة؟!
إن رجال السلطة يا هذا فيهم صفات إلهية لا يغفرون أن يشرك بهم ويغفرون ما دون ذلك لم يشاؤون! ألم يغفروا لعتاة الإرهابيين كل منا كرههم لمجرد أنهم تخلوا عن فكرة المطالبة بالشعير! ورجعوا إلى المطالبة بالتبن فقط؟! ألم تتساءل يا محترم ولو مرة: لماذا يقول رجال السلطة دائما نحن مع تكوين أحزاب سياسية تشارك في السلطة بإرادتنا وضد تكوين أحزاب سياسية موصلة للسلطة خارج إرادتنا؟! ولماذا لم يقل رجال السلطة دائما: إن مطالب العمل والسكن والأجور مشروعة ومطالب انتخابات برلمانية حرة وغير مزورة مطالب غير مشروعة؟! لأن الحمير عندنا لم تطالب أبدا بأكل الشعير؟! وكل طموحها هو أكل التبن؟! البلد يا هذا تعاني من فراغ تنموي عملت السلطة على تنميته منذ 1962 كي يبقى التبن الذي تلهي به الشعب عن المطالبة بالشعير؟!
لو أرادت السلطة لحلت مشكل السكن ومشكل العمل ومشكل التعليم في سنوات فقط ولكنها لن تفعل ذلك حتى تترك الصراع جاريا في مستوى التبن ولا ينتقل إلى الشعير!؟
وعندما أنهى الأستاذ كلامه قلت له: الآن فهمت لماذا بلادنا شاسعة وبها إطارات بمستوى فهمك للأمور وعندها إمكانيات رهيبة ومع ذلك تتخبط في المشاكل التبنية عوض مشاكل الشعير!؟

أنا أعتقد بأنهم غير قادرون على حل مشاكلنا...ويجب أن نفرق بين الحل وممارسة الحل,التصور النظري ومغامرة الممارسة المسلحة بالتجربة الفكرية القادرة على تحقيق اٍنتاج حلول....واٍدعاء أنهم لا يريدون حلا لأسباب ما،هى أكبر كذبة يروج لها هذا الأستاذ الجامعي المقفل...ونسي مقولة يا أما الحل أولا حل .. والحل يقابله لا حل...ما يقوله الاستاذ الجامعي في الحقيقة هو تعبير عن بنيتنا الفكرية غير المستقلة وليست لعبة سياسية مغرضة.....عموما نحن نفهم الحياة بالطريقة التى نمارس بها السياسة....وتأخرنا وإرهابنا وشوارعنا كلها واجهة معفنة ورسم لذاوتنا ....الذين يتكلم عنهم الأستاذ الجامعي نعرفهم منذ الاستقلال بأنهم متخلفون وغير قادرون،وهذا ليس جديدا ياأستاذي....حتى بوتفليقة يبدو عليه تجاوزته الظاهرة.
وأستاذنا يناقش ويرى المسألة السياسية في الجزائر بمرجعية دينية محاطة بهالة من السرية والتأويلات....ذهنية القرون الوسطى تتلاعب بمقدرات الشعب الجزائري.

صدقوني نحن نقترب من ثورة شعبية كبيرة ونغيرما يمكن تغييره بأنفسنا بإذن الله وليذهب بوتفليقة وجماعاته إلى البحر.