قضية مغربية ـ هولندية صامتة عنوانها: جاسوس صاحب الجلالة في بلاط صاحبة الجلالة

جاسوس صاحب الجلالة في بلاط صاحبة الجلالة.. هذا ليس عنوان فيلم من أفلام (جيمس بوند) بل حادثاً حقيقياً تتناوله الصحافة الهولندية والأوروبية عامة بعدما جرى ضبط شرطي هولندي من اصول مغربية يعمل لصالح المخابرات المغربية التي طرد عضوان منها من البلد.
تعود وقائع هذه الفضيحة التي انفجرت هذه الأيام إلى شهور خلت عندما رصدت المخابرات الهولندية شرطيا (هولنديا) يعمل في مدينة روتردام يسرب معلومات حساسة إلى المخابرات العسكرية المغربية.
وتماشيا مع الأعراف المعمول بها في عالم الجاسوسية حيث يُنظر في أغلب الحالات التي تجري معالجتها في صمت، فقد سحب المغرب دبلوماسيين من طاقمه ينتميان إلى المخابرات العسكرية وبدون شك التزم بتعويض هولندا بالقيام بخدمة ما لصالحها في ملف معين تهتم به استخبارات ملكة هولندا. وكان نصيب الشرطي الهولندي من أصول مغربية الطرد تحت ذريعة 'ارتكاب خطأ فادح'.
وبينما كانت الرباط وأمستردام تعتقدان أن الملف جرى تطويقه والسيطرة عليه، تدخل الإعلام الهولندي ممثلا في قناة التلفزيون 'نوفا' التي بثت تحقيقا حول الشرطي الذي أراد خدمة جهاز المخابرات في المغرب، فانفجرت الفضيحة السياسية التي أجبرت حكومة أمستردام على الالتزام بفتح تحقيق قضائي في هذا الملف وتقييم المعلومات التي جرى تسريبها.
وما يزيد هذا الحادث تشويقا أن 'الشرطي الجاسوس' استطاع بعد طرده من العمل تأسيس جمعية غير حكومية وأن يقنع الأميرة ماكسيما (ابنة ملكة هولندا) بالحضور في بعض نشاطاته. هنا اعتقدت الأجهزة الهولندية أنه استطاع الاقتراب من بلاط صاحبة الجلالة، وأن الأمر يتطلب تحركا ما، حيث قامت جهة في المخابرات بتسريب الخبر للصحافة.
وزير الخارجية الهولندي ماكسيم فيرهاخن أعرب الأسبوع الجاري عن استيائه من محاولة السلطات المغربية التجسس على أنشطة الشرطة الهولندية، وأكد أنه لا يعرف كيف سينتهي الملف مستقبلا خاصة بعدما طرح في البرلمان وفتحت النيابة العامة تحقيقا قضائيا.
ووجد المعادون للهجرة والمهاجرين من أصول إسلامية في الفضيحة فرصتهم الذهبية. فالبرلمان سيخصص الأسبوع المقبل جلسة لبحث هذا الملف بعدما ألحت أحزاب اليمين المحافظ والمتطرف على ضرورة نقاشه في مجلس الشعب. أما النائب الهولندي خيرت فيلدرز صاحب فيلم 'فتنة'، الذي ينتقد فيه الإسلام وأثار زوبعة السنة الماضية، فاعتبر الحادث دليلا آخر على 'غزو' الجالية الإسلامية لهولندا، وطالب بتجريد الشرطي من الجنسية الهولندية وطرده إلى المغرب، وهو مطلب أيده فيه حتى اليسار.
ووضعت فضيحة التجسس هذه الجالية المغربية في موقف حرج للغاية، إذ تزامنت والنقاش الحاد في هولندا بشأن ولاء المهاجرين وضرورة اختيارهم للجنسية الهولندية أو جنسية البلد الأم.
ويرى محجوب بنموسى من نشطاء العمل غير الحكومي في هولندا أن هذه الفضيحة 'ستجعل وصول المغاربة إلى مؤسسات الدولة الهولندية أمرا صعبا جدا وتفتح ابواب التشكيك في الذين يحتلون مناصب أمنية وسياسية في الوقت الراهن'.
أما فؤاد الحاجي (من أصول مغربية)، وهو عضو مجلس بلدية روتردام حيث كان يعمل الشرطي، فيؤكد بالمناسبة أن السلطات المغربية درجت دوما عبر سفارتها وقنصلياتها في هولندا، على تجنيد الناجحين من أفراد الجالية المغربية وأنه تعرض شخصيا للاستقطاب.