مستغانم كوم
هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل
ويسعدنا كثيرا انضمامك لنا..

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مستغانم كوم
هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل
ويسعدنا كثيرا انضمامك لنا..
مستغانم كوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
tariksalama27000
tariksalama27000
عضو نشيط
عضو نشيط
عدد الرسائل : 365
العمر : 52
الأوسمة : التوجه المعادي للعربية والإسلام  في السياسة الفرنسية في الجزائر (1830 - 1962 م)  للدكتور ناصر الدين سعيدوني Empty
البلد : التوجه المعادي للعربية والإسلام  في السياسة الفرنسية في الجزائر (1830 - 1962 م)  للدكتور ناصر الدين سعيدوني Male_a11
نقاط : 561
السٌّمعَة : 18
تاريخ التسجيل : 07/08/2010

التوجه المعادي للعربية والإسلام  في السياسة الفرنسية في الجزائر (1830 - 1962 م)  للدكتور ناصر الدين سعيدوني Empty التوجه المعادي للعربية والإسلام في السياسة الفرنسية في الجزائر (1830 - 1962 م) للدكتور ناصر الدين سعيدوني

الثلاثاء 05 يوليو 2011, 11:22
هو مقال من مؤلف للأستاذ الجزائري القدير الدكتور ناصر الدين سعيدوني "الجزائر منطلقات و آفاق" أرجو أن يستفيد منه جميعا :


في الظروف الحالية التي ارتفعت فيها بعض الأصوات المتناغمة على وتر الديمقراطية والتحرر الفكري والشفافية الثقافية، منادية بإحياء الثقافات الشفاهية وإعادة الاعتبار للمميزات الإقليمية بحجة تأصيل الثقافة وبعث التراث، وأمام ما يعرب عنه بعض المنتسبين إلى الثقافة بين الحين والآخر من أن في أصالة الماضي العربي الإسلامي للجزائر وفي إطارها الحضاري الإسلامي من الحواجز والأغلال ما يحول دون الاندماج في مسيرة التقدم ومسايرة الحضارة الإنسانية المعاصرة، وفي مواجهة التعتيم الإعلامي وما يحمله من المخططات المضادة للتوجهات الوطنية للجزائر والتي نسجت خيوطها فيما وراء البحر وأصبحت الآن - تحت غطاء حرية الفكر والرأي - تنسج شبكتها بالجزائر بفعل نشاط ممثليها وتواطؤ المتعاملين معهم بهدف الحيلولة دون استكمال الجزائر بناءها الثقافي وترسيخ مقوماتها الحضارية واكتساب مناعتها الذاتية - في مواجهة كل ذلك، أصبح من الضروري بل من المحتم إزاحة جزء من الغطاء وإماطة بعض اللثام وكشف أهم الأوراق في هذه اللعبة الرهيبة أو المخطط الاستعماري، وذلك بالبحث عن جذور هذه الأعراض المرضية وتتبع أصولها التاريخية ومنطلقاتها الأولى، بالرجوع إلى المخطط الاستعماري الفرنسي بالجزائر وتعرُّف بعده الشعوبي الطائفي. وذلك لفهم واقعنا اليوم وما يفرزه من سلوكات ومفاهيم منافية لأصالة الجزائر وهادفة إلى نسف الأسس التي يقوم عليها التماسك الاجتماعي للشعب الجزائري العربي المسلم. والتنكر لانتماءاته ومقومات شخصيته تحت غطاء التنوع والتعدد والاختلاف في إطار مفهوم مجتمع مدني لائكي وفي مناخ سلم اجتماعي متقبل لكل الحساسيات والميول والثقافات، بحيث تكون البيئة ملائمة والتربة مُتقبلة لظهور شرائح اجتماعية وفئات متنفذة متأثرة بالثقافات الأجنبية، بل مصابة في بعض الأحيان بالاستلاب الفكري والفراغ الإيديولوجي.

ونظراً لخطورة التوجه المعادي للعربية والإسلام في السياسة الفرنسية في الجزائر وأبعاد مخططه التدميري على مقومات الشعب الجزائري في الماضي والحاضر والمستقبل، سوف يقتصر القسم الأول من دراستنا هذه على أسس هذا التوجه ومنطلقاته وخططه وأساليبه في الفترة الاستعمارية، على أمل مواصلة البحث في مظاهر هذا التوجه وأعراضه المرضية في مرحلة الثورة وفترة الاستقلال في دراسات لاحقة، نظراً لانعكاس ذلك على الساحة الوطنية، التي أصبحت تشكو اليوم من صمت المثقفين ومن تحويل الحوار من الفكر الموضوعي إلى حماسة الشارع وميول السياسيين وطموحاتهم الشخصية.



1. أسس التوجه المعادي للعروية والإسلام في السياسة الفرنسية في الجزائر

تعود هذه الأسس إلى المشروع الاستعماري الفرنسي بالجزائر والآثار التي تركها والجروح العميقة التي أحدثها في بناء المجتمع الجزائري. فقد استطاعت الآلة الاستعمارية المدمرة التي تعرضت لها الجزائر لاثنتين وثلاثين ومئة سنة أن توقف - لفترة معيَّنة - نمو المجتمع الجزائري المتكامل في إطاره الحضاري العربي الإسلامي. ولولا رد فعل الشعب الجزائري المتمثل في الحركة الوطنية والثورة التحررية، لما أمكن الوقوف أمام آليات الاستعمار ووسائله المدمرة، والحد من آثارها وانعكاساتها السلبية على الهوية الوطنية والانتماء الحضاري للجزائر. فقد مكّن رد الفعل الوطني الجزائري إلى حد ما من إبطال خططه الرامية إلى تصفية الأسس المادية التي يقوم عليها المجتمع الجزائري، والحد من قوانينه وإجراءاته الهادفة لتفكيك الشعب الجزائري بالقضاء على وحدة القبيلة وتماسك الأسرة الجزائرية وذلك بإبطال مفعول نظام المكاتب العربية (1834 - 1870 م) ومراسيم السيناتوس كونسولت (1863 - 1865 م) وقوانين الأهالي (الأنديجينا) [Code Indigénat] (1871 - 1927 م)؛ كما استطاع الحس الوطني الديني الجزائري إحباط سياسة الاستعمار التبشيرية الهادفة إلى القضاء على المعتقد الإسلامي بتمسيح الأطفال الجزائريين سنة 1868 م وإحياء كنيسة إفريقيا الرومانية سنة 1939 م، والتي أخذت بالمقولة الصليبية »بأن العرب لا يطيعون فرنسا إلا إذا أصبحوا فرنسيين، ولن يصبحوا فرنسيين إلا إذا أصبحوا مسيحيين«([1]).

هذا، وبعد أن بدأ فشل هذه الطرق التي تقوم عليها الخطة الاستعمارية واضحاً للعيان مع نهاية الحرب الأولى في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وتأكد ذلك مع مطلع القرن العشرين، اضطر الاستعمار إلى مراجعة منهجه وتعديل أسلوبه الرامي إلى إلغاء الوجود المادي والمعنوي للشعب الجزائري. فأصبح يهتم أساساً بضرب مقومات الشعب الجزائري من الداخل والعمل على تشتيت وحدته وفصله عن محيطه العربي وانتمائه الإسلامي وإدماجه في بوتقة الحضارة الغربية وتحويل اهتماماته وتطلعاته عن مسارها الطبيعي لتكون في خدمة المصالح الفرنسية، وذلك باتباع سياسة »فرق تسد« انطلاقاً من البعد الطائفي الذي حاولت فرنسا تطبيقه في العديد من البلاد التي حكمتها في أفريقيا وآسيا.

ومما شجع الاستعمار الفرنسي على المضي في هذا النهج أن المدرسة الفرنسية بدأت تُحدِث على الساحة الثقافية توجهات معاكسة للمنطلقات الوطنية الجزائرية وتترك آثاراً سلبية في الوسط الجزائري بعد الحرب العالمية الثانية. ولولا تفطن الحركة الوطنية بجناحيها الاستقلالي (»حزب الشعب«) والإصلاحي (»جمعية العلماء المسلمين«) لهذه الخطة، وتصدي الثورة التحررية (1954 - 1962 م) للوجود الاستعماري في أساسه، والقضاء عليه بتحقيق الاستقلال، لأمكن للتوجه الطائفي والمخطط الشعوبي أن يخلقا وضعاً غير طبيعي في الجزائر يتنافى ووحدة الشعب الجزائري ويتناقض وتطلعاته التحررية، ولا سيما أنه أوجد في البنية الجزائرية الرافضة له بعض العينات من المثقفين ابتليت بالاستلاب الحضاري وأصيبت بالتبعية الثقافية والفكرية، مما قد يؤدي إلى خلق مشاكل مصطنعة وردود فعل موجهة قد تنال من وحدة الشعب الجزائري، وقد تتمكن أيضاً من ربط شرائح منه أبدياً بعجلة الاستعمار بحجة التمايز اللغوي والمفاهيم اللائكية.



2. مُنْطَلَقات التوجه المعادي للعربية والإسلام في السياسة الفرنسية في الجزائر

ترتكز على مفاهيم ونظريات كثيراً ما أهملها الباحثون ولم يولها الدارسون ما تستحقه من أهمية، على الرغم من خطورة الآثار التي يمكن أن تترتب عليها، ولا سيما أنها كانت تهدف في مجملها إلى محاولة خلق وضع رافض للانتماء الحضاري العربي الإسلامي، انطلاقاً من منهج محدد يقوم على التسليم بأطروحات وأفكار مسبقة كفيلة بتوفير المناخ الملائم والمساعد على التأثير والإاقناع، ثم الانتشار ومحاصرة القوى الوطنية الجزائرية. ومن أهم هذه المنطلقات:

أ. محو اللغة العربية بالجزائر وطمس الثقافة العربية الإسلامية لدى الجزائريِّين، لكون هذه اللغة والثقافة تشكلان أرضية لانتماء الشعب الجزائري الحضاري، وتعتبران الوسيلتين الوحيدتين اللتين تمكنانه من الوقوف في وجه هيمنة اللغة الفرنسية وسيطرتها على الأجهزة الإدارية ودواليب الدولة ومؤسسات التعليم ووسائل الإعلام. ومما زاد في حنق الاستعمار الفرنسي على اللغة العربية كونها من أمهات اللغات الناقلة للعلوم والتي يمتد مجالها الحيوي من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي باعتبارها لغة العبادة لكافة المسلمين؛ كما أنها لغة وطنية ورسمية للعديد من الدول ابتداء من العراق حتى المغرب الأقصى. ولعل أهم خصائصها أنها لغة مقدسة: فهي لغة القرآن ولغة الحضارة الإسلامية التي ساهمت فيها الجزائر طيلة خمسة عشر قرناً بقسط وافر، وهي أقرب ما تكون إلى اللسان العامي المستعمل في العديد من الجهات الجزائرية، سواء منه ما يعرف باللهجات العربية العامية أو اللهجات البربرية التي تعايشت مع العربية وتفاعلت معها ووجدت في كنفها الرعاية والتأقلم الطبيعي قبل أن تحل الضرة الدخيلة، ألا وهي اللغة الفرنسية، لتفرق ما جمعه الله وربطه التاريخ وولَّدته المصحلة المشتركة.

لقد اتبع الفرنسيون في مسعاهم لطمس معالم اللغة العربية بالجزائر أسلوباً متدرجاً بدأ بإغلاق المدارس والمعاهد وتشريد المعلمين والطلبة في السنوات الأولى للاحتلال، ثم تدرج مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إلى منع تعلم اللغة العربية باعتبارها لغة أجنبية وعدم السماح لأي شخص أن يمارس تعليمها أو يتولى إدارة مدرسة للعربية أو كتاب لتحفيظ القرآن الكريم إلا بترخيص خاص لا يمنح إلا في حالات استثنائية، كما نص على ذلك قانون أكتوبر 1894 م. وهذا ما تسبب في الربع الأول من القرن العشرين في حالة مزرية من الأمية والجهل التي أصبح عليها الجزائريون. وأثناء ذلك، بدأ العمل على نشر اللغة الفرنسية عن طريق المدارس والأجهزة الإدارية والمعاملات التجارية. فاشترط في كل ترقية اجتماعية تعلم اللغة الفرنسية. وقد نجح الفرنسيون في ذلك إلى حد بعيد عندما حاولوا فصل اللغة العربية عن الإسلام وإيجاد بديل عن ترابطهما العضوي بالترويج لفكرة أن الجزائريين مسلمون فرنسيون والإيحاء غير المباشر إلى بعض الجزائريين برفع شعارات وأطروحات الجزائر الجزائرية. ولولا رفض الشعب الجزائري لهذا الواقع وتعلقه العميق بلغته ومعتقده وإيمانه بأن لا إسلام من دون عربية ولا عربية من دون إسلام، وأنهما وجهان لعملة واحدة، بل هما بمثابة الروح والجسد للإنسان الجزائري لا يعيش أحدهما من دون الآخر؛ ولولا تضافر جهود المدارس والمعاهد الحرة، لتمكنت فرنسا من تحقيق أغلى أمانيها بإقبار اللغة العربية بالجزائر ووأدها إلى الأبد. وقد أشار إلى هذه المخاطر محمد فريد بك الزعيم المصري الذي زار الجزائر في مطلع القرن العشرين، فكتب في جريدة "اللواء" واصفاً الواقع المأساوي للغة العربية بالجزائر بقوله: »ولو استمر الحال على هذا المنوال، لحلت اللغة الفرنسية محل اللغة العربية في جميع المعاملات، بل وربما تندرس العربية بالمرة مع بعض الزمن، فلا الحكومة الفرنسية تسعى في حفظها ولا تدع الأهالي يؤلفون الجمعيات لفتح المدارس«([2]).

وإلى هذا الوضع أيضاً أشار تقرير مجلس إدارة »جمعية العلماء المسلمين الجزائريين«، برئاسة الشيخ الجليل محمد البشير الإبراهيمي، مندداً بموقف الولاية العامة (G.G.A) وسلوك الإدارة الفرنسية بالجزائر في اجتماع 15 أوت 1944 م بقوله: »إن أشد ما في تلك القرارات (يعني القوانين المعادية للعربية) إيلاماً وجرحاً لعواطف المسملين عامة والعرب خاصة، ما جاء في بعض بنود تلك القرارات من اعتبار اللغة العربية لغة أجنبية في بلاد عربية هي الجزائر«([3]).



ب. الاهتمام باللهجات المحلية واللسان العامي على حساب تعلم اللغة العربية الفصحى واستعمالها: أحدث رجال الإدارة الفرنسية بالجزائر إجازات باللهجات المغربية »البربرية« أو ما يعرف اليوم سياسياً بـ»الأمازيغية«، وشهادات باللسان العامي الدارج (العربية الدارجة)، واعتبروها مماثلة أو بديلة عن اللغة العربية الفصحى لغة القرآن الكريم. وحتى تربط الإدارة الفرنسية في الجزائر هذه الإجراءات بالواقع المعاش وتشجع الطلبة على الإقبال عليها، أصبحت تشترط هذه الإجازات - التي هي في واقع الأمر شهادات في الجهل والأمية - في الوظائف العمومية وعند الترقية في السلك الإداري؛ وجعلوها كذلك من الشروط المطلوبة للحصول على الجنسية الفرنسية، كما نص على ذلك قانون 8 مارس 1944 م، الذي أصدرته اللجنة الفرنسية للتحرير برئاسة الجنرال ديغول، حيث نصت المادة الثالثة منه والمثبتة في نشرية فرنسا الحرة: »إن قدماء المحاربين وحملة إحدى الدرجات الآتية وهي: دبلوم التعليم العالي، وبكالوريا التعليم الثانوي، وإجازات اللغة العربية الفصحى أو في اللسان العربي أو في اللهجة البربرية (القبائلية) يعتبرون مواطنين فرنسيين«([4]).

والغريب في الأمر أن الفرنسيين انتهوا في هذا السياق إلى مواقف مضحكة تبعث على السخرية. فاعتبروا اللغة العربية في الجزائر لغة ميتة، بل غير موجودة في الواقع. وهذا ما توصل إليه المفتشون العامون الأوربيون للتعليم بالجزائر في 5 مارس 1954 م في عريضتهم التي يردون فيها على تسليم الحكومة الفرنسية بإمكان تعليم العربية بالجزائر تحت ضغط الحركة الوطنية. فقد قرّر هؤلاء المربون أن لا عربية إطلاقاً في الجزائر، لأن العربية - حسب رأيهم - ثلاث لغات في الواقع، كلاسيكية قديمة ميتة، وفصيحة جديدة معروفة في المشرق وغير معروفة في الجزائر، وعربية دارجة لا تصلح للإدارة ولا للعلم، وإذن فلا عربية إطلاقاً في الجزائر! ([5]).

ومن العجيب أن هذا التصور الساذج إذا لم نقل الحاقد ظل يغلب على كثير من المثقفين الجزائريين حتى اليوم، بدليل أن إحدى المختصات باللسانيات لم تتردد في أن تعلق في إحدى حصص التلفزيون الجزائري بأن تعلم العربية في المدرسة الابتدائية عملية عنف تمارس ضد الطفل الجزائري([6]).

على أن الحس الحضاري للشعب الجزائري وجهاد الحركة الوطنية جعل تلك الأحكام تقبع في حيز الخيالات والتصورات اللاواقعية في تلك الفترة التي كان فيها الاستعمار خارج الذهنية الجزائرية. وقد كان الفضل في ذلك للكتاتيب القرآنية والزوايا ومدارس حرب الشعب، ولا سيما مدارس »جمعية العلماء المسلمين« التي زاد عددها عن أربعمئة مدرسة عشية الثورة التحريرية، وفي طليعتها معهد ابن باديس بقسنطينة. فقد استطاعت هذه المؤسسات تكوين مئات من الطلبة الجزائريين الذين آمنوا برسالة لغة القرآن وأقبلوا على دراستها ونشرها بحماس منقطع النظير. وهذا ما جعل أحد الكتاب الجزائريين الوطنيين ذوي الثقافة الفرنسية، وهو عمر أوزقان، يصرح بقوله: »ليس من الصدفة أن تغذي اللغة العربية اليوم شعور الانتماء للوطن الجزائري«([7]). بل ذهب كاتب مفرنس آخر، وهو مالك حداد، بفعل شعوره الوطني إلى حد اتخاذ موقف مبدئي من اللغة الفرنسية، وذلك بالكف عن الكتابة بها لأنه كان يعتبر نفسه منفياً فيها حسب قوله ([8]).



ج. إيجاد تفسيرات مغرضة وأحكام متحيزة لأحداث التاريخ الجزائري تتنافى والمقومات الأساسية للشخصية الجزائرية وتتعارض وتفاعل الشعب الجزائري مع محيطه العربي الإسلامي. وهي التفسيرات والأحكام التي دعا إليها العديد من الكتاب الفرنسيين والتي تجمع على اعتبار الفترة العربية الإسلامية من تاريخ الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي، مرحلة انهيار وفوضى وتفكك وجمود.

فحسب ما يستنتج من كتابات هؤلاء المؤرخين والكتاب الفرنسيين أن الحواضر بالجزائر انكمشت، والأراضي الزراعية تقلصت بفعل انتشار البداوة التي ارتبطت - حسب هذه الآراء - بالهجرة الهلالية في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي. وحتى الحياة الثقافية والفكرية - حسب هذه الاستنتاجات - تجمدت وتحجرت بتحولها إلى حركة تصوفية مرابطية، بعد أن تعمق الإسلام في الوسط الريفي الجزائري، وبعد أن اتخذت الجزائر موقفاً معادياً للغرب المسيحي بِمُمارستها للجهاد البحري ضد الأساطيل الأوربية منذ القرن السادس عشر حتى أوائل القرن التاسع عشر، وذلك حتى ينتهوا أخيراً إلى الحكم بأن »العهد الروماني« هو الفترة التي عرفت فيها الجزائر الاستقرار وتطور الزراعة وانتشار العمران. وتماثلها في ذلك فترة »الاحتلال الفرنسي للجزائر« التي أعادت هي أيضاً أمجاد رومة ووضعت حداً للفوضى والاضمحلال، بل تميزت كذلك بالاستقرار واتصفت بالرقي والتقدم. فالجزائر - حسب هذه النظرة المتحيزة - ما هي إلا قطعة من الغرب الأوربي عاشت فترات مظلمة تحت الاستبداد الشرقي (الإسلامي) قبل أن يسترجعها الفرنسيون الذين يعتبرون من خلال هذه الأحكام المتحيزة آخر الفاتحين وأكثرهم تحضراً وإنسانية([9]). وفي هذا الصدد، أورد الكاتب بوسكي (G.H. Bousquet) في آخر كتابه حول البربر([10]) أن عميد جامعة بالو (Balout) قد قال له: »إن البربر كان من الممكن أن يكون لهم مصير أوربي، ولكنهم منعوا من ذلك لمرتين مع القرطاجنيين ثم مع الإسلام«. وقد علق بوسكي على ذلك بقوله: »إنّه لا يستبعد أن تتكرر هذه الحالة التي أشار إليها بالو للمرة الثالثة تحت أنظارنا في هذه اللحظة (أفريل 1961 م)«، ملمحاً بذلك إلى إمكان استقلال الجزائر عن فرنسا، وكانت آنذاك قد بدأت الاتصالات والمفاوضات بين الحكومة المؤقتة والحكومة الفرنسية.

وعلى الرغم من أن التاريخ يكذب هذه الادعاءات ويدحض هذه الآراء، لأنه من المعروف أن العهد الروماني لم يتميز بالاستقرار والرفاهية، وأن الفترة الإسلامية لم تغلب عليها الفوضى وتجتحها البداوة، وأن القبائل الهلالية لم تتسبب في خراب الأرياف، وأن ظاهرة البداوة كانت معروفة بالمغرب وقد ارتبطت منذ القديم بالقبائل الزناتية التي تحالفت وامتزجت بالهلاليين لتماثل طرق العيش والعادات، وأن الهجرة الهلالية التي بالغ المؤرخون في تقدير عدد أفرادها حدثت في الواقع بفعل الضغط البشري الذي أحدثه تحول العديد من بطون كتامة وصنهاجة إلى مصر، ولوجود مجال رعي ملائم بالمغرب الأوسط بعد تزحزح بطون زناتة نحو المغرب الأقصى، ولحاجة الدول الإقليمية بالمغرب وزعماء العشائر المغربية إلى مُحَالَفة الهلاليين، مما يؤكد التلاحم البشري لشعوب المغرب في نطاق الروابط الإسلامية.

وهكذا يتضح لنا أن أغلب الكتابات التاريخية الفرنسية الصادرة في فترة الاحتلال، وفي مقدمتها ما كتبه غوتيي (E.F. Gautier) ([11])، وما نشره برنار (Au. Bernard) ([12])، تتجاهل الحقائق التاريخية وتضحي بالمصداقية العلمية والموضوعية الأكاديمية من أجل خدمة أهداف السياسة الاستعمارية والمساهمة في إنجاح المشروع الاستعماري الفرنسي بالجزائر بغرس الشكوك في الأذهان وطرح التساؤلات لدى الدارسين وتحويل الاتجاه لدى بعض المتأثرين بالثقافة الفرنسية عن البعد العربي الإسلامي في تاريخ الجزائر حتى يتقبلوا الواقع الاستعماري ويعملوا على الترويج له وخدمته ولو بشكل غير مباشر، مما يؤدي إلى توطين الثقافة واللغة الفرنسيتين بالجزائر وربط الجزائريين بالمجال الحضاري الغربي. وبالفعل، فقد كان لذلك آثار ملموسة في مواقف بعض المثقفين اليوم على الساحة الجزائرية الذين يروجون لهذا الاتجاه تحت غطاء الخصوصية الإقليمية والتمايز العرقي لبعض فئات الشعب الجزائري.

د. اعتبار العنصر البربري من أصل أوربي والحكم عليه بأنه مُعاد بطبعه للعرب. وقد انتهى بهم الحكم إلى أقوال في غاية السطحية والسذاجة، أقرت في الكتب المدرسية، وأدرجت في النشريات التبشيرية، وباركتها الجهات الرسمية، وحاولت إثباتها وإيجاد أدلة عليها في المؤلفات والبحوث الجامعية التي تركزت آنذاك بجامعة الجزائر. فحسب هذه الآراء، »فإن البربر هم من حيث الأصول غاليون ورومان، وإنهم بسليقتهم معادون للعرب، وإن إسلامهم سطحي. ولهذا فليرجع لهم معتقدهم المسيحي«.

وعندما رفضت هذه المقولة حتى من بعض الفرنسيين الذين تبرأوا منها، فإن الدراسات والبحوث في هذا المجال لم تسلم بالروابط بين العناصر البشرية بالشمال الأفريقي والأقوام التي كانت تعيش بمنطقة الشرق الأوسط، بل أصبحت تحاول إيجاد الأدلة عن طريق الإثنوغرافيا وآثار ما قبل التاريخ وتحاول تفسيرها لتنتهي إلى أن سكان منطقة المغرب، ومنها الجزائر، هم من سلالة بشرية هي أقرب إلى العناصر الأوربية منها إلى سكان مناطق الشرق الأوسط. فالبربر - حسب هذه الآراء - هم نوع من المجموعة البشرية التي تتشكل منها العائلة الأوربية المنتشرة بالحوض الغربي للبحر المتوسط. ولهذا الغرض أحدثت مراكز بحث، أهمها: مركز الأبحاث للأنثروبولوجية ولما قبل التاريخ وللإثنوغرافيا المعروف بمركز الكراب (C.R.A.P.E)([13])بالجزائر، الذي دأب على نشر نتائج أبحاثه في مجلة "ليبيكا" (Libyca)، هذه المجلة التي ظلت تصدر حتى في فترة ما بعد الاستقلال، وكانت منطلقاً للترويج لخصوصية بعض الأقاليم مثل منطقة القبائل التي تستعمل لهجة بربرية محلية (هي »القبائلية«) وضرورة توجيهها بعيداً عن التطور العام للجزائر.

وفي إطار هذا التوجه، ظل الاهتمام مركزاً على فترة ما قبل التاريخ؛ كما أصبح مجال الدراسة يكاد ينحصر في مجال الأنثروبولوجيا، وذلك تجنباً للحقبة الإسلامية وهروباً من الفترة التاريخية التي بدأت مع الفنيقيين واستمرت مع الفتح الإسلامي، حيث تأكد الامتزاج البشري بين بلاد المغرب وأقطار المشرق.

وبهذا السلوك، أصبح بعض الكتاب الفرنسيين ومن تأثر بهم من الجزائريين يتجاهلون حقيقة بديهية وأمراً لا يقبل الجدال، وهو أن التعريب في أقطار المغرب العربي كان عملية ذاتية وتحولاً حضارياً بناءً ارتبط بالإسلام وتدعم بالالتحام مع أقطار المشرق. فلم يكن أساس هجرات واسعة ولم يتم عن طريق إحلال عنصر بشري محل آخر. فشعوب المغرب، ومنها الجزائر، من أرومة واحدة هي الأرومة البربرية التي تشكل بعداً أساسياً للعربية بالمغرب العربي، لأن العربية في هذه المنطقة هي قضية مصير ترتكز على الماضي المشترك والمستقبل الواحد. فالتاريخ - كما هو معروف - لم يسجل ولو مرة واحدة قبل حلول الفرنسيين أيّ حركة، مهما كان لونها أو نوعها أو طبيعتها بالمغرب، تعادي العربية أو تتنكر للإسلام أو تدعو إلى التمايز العرقي، بل كانت كل أحداث التاريخ الجزائري تندرج في سياق واحد هو العمل على نشر لغة القرآن وتعزيز مكانتها والمساهمة في حضارته العربية الإسلامية. وجهود الدول الإسلامية بالمغرب التي هي من أصول بربرية قحة، من رستميين وحماديين ومرابطين وموحدين وبني زيان وبني حفص وغيرهم...، تؤكد هذا التواصل في تاريخ بلاد المغرب قبل أن يحل الاستعمار بربوعه.

هذا، وقد كان رد الفعل عنيفاً على مثل هذه الأحكام المتحيزة والتصورات المنافية لواقع الشعب الجزائري والتي دأب الكتاب الفرنسيون على الترويج لها، كما سنتعرض لها لاحقاً، وإن كنا نثبت هنا رأي أحد الكتاب الذين كان الفرنسيون يعتبرونهم من أصول معادية للعرب حسب زعمهم، وهو المناضل عمر أوزقان الذي علق على هذه الأطروحة بقوله:



إن الكلمة المركبة عربي - بربري، عند الاستعمار تعبر عن فكرة التعارض بين الشعبين واللغتين والثقافتين، وهي تستعمل بهذا الشكل لإعطائها قوة سلبية لا تتفق مع الواقع الجزائري. ولهذا فإن النزعة البربرية المعتمدة على مبدإ التجزئة الاستعمارية الذي قدم في شكل مجموعات قبائلية معادية للعرب لم يتعد نجاحها تشكيل مجموعة »فرنسية - مسلمة« للقضاء على الشعور القومي الموحد([14]).



وفي نفس السياق، كان رد أحد أبناء ميزاب البررة، وهو المصلح أبو اليقظان الذي علق على هذه الآراء بقوله: »إن كل مقاومة للعربية في بلاد سرى فيها القرآن الكريم والسنة القويمة سريان الدم في العروق، لا محالة تعود بالخيبة والفشل، بل لا تعود على العربية إلا بالتغذية والإنعاش«([15]).

كما أن ابن باديس علق على مبدإ التفرقة الاستعماري بقوله: »لأننا عرفنا إيماناً وشاهدنا عياناً أن الإسلام والعربية قضى الله بخلودهما، ولو اجتمع الخصوم كلهم على محاربتهما« ([16]).


هـ. اعتبار الصلة بالمشرق نوعاُ من االتبعية والاستلاب والضياع: فالروابط الطبيعية مع البلاد العربية التي تعتمد على المصلحة المشتركة ووحدة العقيدة واللسان والتراث الحضاري، أصبحت بهذا المنطق تتنافى وطبيعة المنطقة المغربية وأوضاع الجزائر بالخصوص، في حين اعتبر الارتباط بالغرب - ولا سيما فرنسا - يتماشى وطبيعة الأشياء وتوجهات شعوب المغرب ومصالحها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وقد عبر عن ذلك أحد دعاة هذا الاتجاه، وهو الحسين المتوكـي، بقوله:



من الجناية على النفس ومن الخطإ السياسي السماح بانضمام منطقة المغرب إلى منطقة المشرق العربي أو استخدامها مطية لمطامع الشعوب العربية المشرقية. فالمغرب لم يكن أبداً مشرقياً ولم يكن عبر تاريخه إلا بعيداً عن تأثيرات المشرق، لأن علاقاته كانت مع القارة الأوربية التي زادها التاريخ تلاحماً. فالمغرب منطقة وصل بين أوربا وأفريقيا، ومستقبله يكمن في إنشاء الولايات المتحدة الأورو-أفريقية([17]).



لقد صاحب هذا التقييم في علاقة الجزائر بالمشرق، الحط من شأن العرب واعتبارهم عاملاً مخرباً في الجزائر، وإشعار بعض شرائح المجتمع بأنهم أكثر قرباً من الحضارة الفرنسية وأنهم أكثر ذكاء ونشاطاً وتقبلاً للحضارة المعاصرة. وهذا ما عبر عنه أحد الكتاب الفرنسيين وهو كاريت (Carette ) في كتابه "بحوث في أصول وهجرات القبائل الرئيسة بأفريقيا الشمالية"([18]) بقوله: »كان هجوم العرب الفاتحين كالإعصار يقتلع الأشجار ويهدم المنازل؛ وهجوم الهلاليين كالحريق الهائل الذي يذر الأشجار والمساكن دماراً تذروه الرياح. فما أبقاه الإعصار قضى عليه الحريق«.

ولا يختلف عنه العديد من الكتاب الذين كانوا يرمون من وراء كتاباتهم إلى إحياء العصبية البَرْبَرِيّة التي تتنافى والواقع الوطني وتتعارض والتوجهات الوطنية. وقد حملت كتابات لويس برتران (Louis Bertrand) حِقْداً أعمى على كل ما هو عربي مسلم في الجزائر؛ وكانت كلها ترمي إلى غرس فكرة لدى الأجيال الجزائرية مفادها أن العنصر البربري هو الأصل، وأن العرب هم غزاة دخلاء([19]).

لكن تلك السموم والتقولات لم تستطع أن تغير من الواقع شيئاً. فالشعب الجزائري في أصوله وتكوينه وبنيته بَرْبَري عرّبه الإسلام كما عرب غيره من شعوب المنطقة من الرافدين إلى المحيط الأطلسي. وفي ذلك يعلق الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بقوله: »من قال إن البربر دخلوا في الإسلام طوعاً، فقد لزمه القول بأنهم قبلوا العربية عفواً، لأنهما شيئان متلازمان حقيقة وواقعاً، لا يمكن الفصل بينهما؛ ومحاولة الفصل بينهما كمحاولة الفصل بين الفرقدين«([20]).



3. خطة العمل المتبعة في تنفيذ السياسة الفرنسية المعادية للعربية والإسلام في الجزائر:

بعد هذه المنطلقات التي اعتمدتها الإدارة الفرنسية في تنفيذ مخططها الاستعماري الرامي إلى تفكيك وحدة الشعب الجزائري وفصله عن واقعه العربي الإسلامي، يجدر بنا تعرُّف الممارسات العنصرية من خلال التعرض إلى خطة العمل من حيث كونها الإطار النظري والممارسة الميدانية لهذه السياسة الاستعمارية.

فقد تميزت هذه الخطة التي اعتمدها الاستعمار بأسلوب عمل منهجي، ينطلق من تصور مسبق أساسه المنطلقات والأحكام التي سبقت الإشارة إليها، ويرتكز على فكرة سخيفة أفرزتها تلك الأحكام والتصورات مفادها أن الشعب الجزائري يتكون في أساسه من مجموعات بشرية تنتمي إلى أعراق مختلفة، وبالتالي يجب النظر إليه لا على أنه شعب واحد ذو أصول بشرية متجانسة استمدت تلاحمها من تفاعل حضاري يضرب بجذوره في أعماق التاريخ ويستند في هذا التلاحم إلى المقوّم الإسلامي لغة وديناً. بل - حسب خطة العمل الاستعمارية - يجب نفي كل ذلك واعتبار الجزائر تكويناً جغرافياً مصطنعاً يتميز باختلاف العناصر وانعدام العامل الموحد، وبالتالي تصبح الإدارة الفرنسية وما تحمله من ثقافة واقتصاد العامل المشترك. وهذا ما يجعل التوجه الفرنكوفوني يتحكم في تصورات المستقبل.

ومن خلال هذه النظرة يجب إبعاد التوجه الإسلامي ونفي الهوية العربية عن الشعب الجزائري. وقد اختيرت بعض المناطق لاتخاذها حقلاً للتجارب وميداناً لتطبيق السياسة الطائفية، وذلك للحيلولة دون استعادة الجزائر وحدتها الحضارية. وقد تفتقت عبقرية الإدارة الفرنسية عن اختيار بعض المناطق الجزائرية ذات الكثافة البشرية المرتفعة، أو ذات الموقع الإستراتيجي المتحكم في المواصلات، مثل مناطق بلاد القبائل والأوراس ووسط الصحراء (ميزاب والهقار). ومن الملاحظ أن أغلب هذه المناطق تسود بها لهجات محلية وتتوفر على بنيات اجتماعية مميزة؛ كما أنها كانت من أهم المناطق التي لقي الفرنسيون بها مقاومة شديدة وكفاحاً مريراً. ولعل مقاومة تلك المناطق وتصديها لجيوش الاحتلال من أهم الأسباب التي جعلتها مجال دراسة وملاحظة من طرف الضباط الفرنسيين والباحثين الجامعيين الذين اتخذوها نماذج لتطبيق خطة ذات توجه طائفي.

ولقد تنبه لذلك أهالي تلك المناطق، وعرف رجال الزوايا والطرق بها ما يراد لهم وما يخطط لمستقبل أبنائهم. فأعلنوها في وجه الفرنسيين مُقاومة إسلامية وانتفاضة وطنية. وهذا ما تؤكده الثورات المختلفة بمنطقة القبائل، مثل ثورة المجاهد محمد بن عبد الله الملقب بـ»بوبغلة« سنة 1851 - 1854 م، وثورة المجاهدة لالا فاطمة نسومر سنة 1857 م، وثورة الرحمانيين بتوجيه من الشيخ الحداد وبزعامة الشيخ المقراني سنة 1871 م؛ وكذلك بناحية الأوراس من خلال ثورة زاوية سيدي الصادق بلحاج 1858 م، وثورة محمد أومزيان بن عبد الرحمن سنة 1879 م، وثورة بلزمة سنة 1916 م. ونفس الانتفاضات عرفتها المناطق الوسطى من الصحراء مثل ثورة ابن ناصر بن شهرة وبوشوشة بمناطق الجنوب وجهات المنيعة والشعانبة وتوات سنة 1869 م، وثورة الشيخ عبد السلام بميزاب وورقلة سنة 1902 م، وثورات منطقة الهقار سنوات 1873 و1916 و1919 م. وقد لقي أثناءها الراهب دوفوكو مصرعه في 1 ديسمبر سنة 1916 م، مما أفشل مخططه الرامي إلى محاربة الطابع العربي الإسلامي لمنطقة الهقار.

بعد هذا، استهدفت الإدارة الفرنسية - بعد أن استتب لها الأمر - شيوخ الزوايا ورجال الإصلاح في هذه المنطقة خاصة، في محاولتها لخلق واقع رافض للانتماء الحضاري العربي الإسلامي. ففي الأوراس مثلاً، سلط العقاب على شيوخ الزوايا ورجال الإصلاح. فتعرضت العديد من الزوايا للهدم، وكان مصير رجالها - لمواقفهم البطولية - النفي أو السجن على أثر قمع الانتفاضات. فأبعد عن الأوراس الشيخ الصادق بلحاج وأولاده الذين عرضوا للنفي، ونفي الشيخ الهاشمي دردور إلى جزيرة كورسكا، وأرسل الشيخ محمد أومزيان إلى كاليدونيا. وبعد أن تكونت في الثلاثينيات من هذا القرن بنواحي الأوراس الجمعيات الدينية وتأسست أثناء ذلك الشعبة الإصلاحية المنتسبة لـ»جمعية العلماء المسلمين الجزائريين« بحيدوس (واد عبدي) في شهر أوت سنة
1936 م([21])، بادرت السلطات الفرنسية إلى التضييق على كل نشاط يقوم به رجال الإصلاح. فألقت القبض على العديد منهم وأودعت السجن بعضهم، مثل الشيخ عمر دردور في شهر أكتوبر 1937 م؛ وضيقت على بعضهم، مثل الشيخ المكي بن تازروالت. وتتبعت رجال الجمعية بنواحي مشونش، حيث حط رجال التبشير رحالهم وبدأوا يحاولون توجيه السكان بعيداً عن انتمائهم الحضاري([22]).

وفي منطقة القبائل، تعرض كذلك شيوخ الزوايا ورجال الإصلاح إلى التضييق والمتابعة، وأصبحوا تحت المراقبة المشددة للإدارة الفرنسية بعد أن بدأت مدارس الإصلاح تنتشر بالمنطقة مع بداية سنة 1937 م. فمنع الوعظ والإرشاد بالمساجد، كما وقع للشيخ الفضيل الورتلاني في مسجد لإنزات في 22 أكتوبر 1937 م؛ وأغلقت العديد من المدارس التي أنشئت حديثاً بأموال الأهالي بحجة عدم توافر الشروط الصحية ومنافاتها للقوانين المحلية سنة
1938 م. وبعد أن استمرت بعض هذه المدارس في تعليم اللغة العربية، التجأت الإدارة الاستعمارية إلى إجراءات قمعية ضد معلميها سنة 1945 م، فرفعت ضد سبعة وعشرين معلماً قضايا متابعة أمام العدالة بحجج واهية خلال العام الدراسي 1948 - 1949 م، وأصدرت أحكاماً بالتغريم والحبس في حق بعض المعلمين مثل الشيخ السعيد صالحي والشيخ يوسف اليعلاوي في منطقة بني يعلى بدعوى انتمائهما لـ»جمعية العلماء المسلمين«، وكذلك الشيخ محمد الأكحل شرفاء الذي اتهم بإدارة مدرسة إيغيل علي دون رخصة في شهر جانفيي 1950م، والشيخ محمد الطاهر الأطرش المعلم بنفس المدرسة والذي غرم هو أيضاً 1200 فرنك بتهمة فتحه مدرسة قرآنية دون إذن مسبق؛ كما تعرضت العديد من المدارس العربية الأخرى ببلاد القبائل لمثل هذه الإجراءات القمعية. وهذا ما دفع جريدة "البصائر" آنذاك إلى إثارة القضية والإشارة إلى متابعات المحاكم الفرنسية للعديد من المعلمين في كل من ذراع الميزان وتيزي وزو وبجاية وغيرها([23]).

صاحب هذه الإجراءات الإدارية والنشاطات التبشيرية المكثفة في بعض المناطق الجزائرية، وفي طليعتها بلاد القبائل، توجيه الدراسات والأبحاث لتكون في خدمة هذا المخطط الاستعماري. ولهذا الغرض ساهم العديد من الضباط العسكريين ولفيف من رجال الدين والكتاب والباحثين الجامعيين بالعديد من الدراسات والتقارير والاقتراحات والتوجيهات، لتكون مرجعاً للإدارة الفرنسية في تنفيذ خطتها في هذا المجال؛ كما سوف تصبح فيما بعد مصدراً لبعض المثقفين الجزائريين الذين حاولوا مواصلة هذا التقليد بهدف إيجاد منطلق لإحياء ما يعرف بالتراث والثقافة »الأمازيغية« خارج الإطار العربي الإسلامي، متناسين أن هذا الإطار هو في الواقع البوتقة الحضارية التي انصهرت فيها مكونات الشعب الجزائري.

فمن الضباط والكتاب الإداريين الذين اشتهروا بمثل هذه الدراسات والتقارير التي أصبحت تشكل الإطار النظري للسياسة الطائفية الجهوية بالجزائر، نذكر، على سبيل المثال لا الحصر، الأسماء التالية حسب الترتيب الأبجدي([24]): البارون أوكابيتان (Le Baron. H. Aucapitaine) وبيربروجي (Berbrugger) وبورو (Boureaux) وبيجو (Bugeaud) وكاريت (E. Carette) وفيرو (Féraud) وغان (Guin) وهانوتو (A. Hanoteau) ولابين (La Pène) وليونيال (Lioniel) ومايير (A. Meyer) وفرعون (Pharaon) وبيشو (Péchot) وراندان (Randon) وروبان (N. Robin) وتروملي (C. Trumelet) ودوما (E. Dumas) ودوبلان (Ch. Duplan) وفابار (Fabar).

ومن الكتاب والباحثين الجامعيين الذين ساهموا بقسط وافر في توفير المادة العلمية لهذا التوجه الطائفي، نذكر بعض من كان لهم تأثير مباشر في هذا الميدان، وهم([25]): باري (R. Barret) وبوديكور (L. Baudicour) وهنري باسي (H. Basset) وروني باسي (R. Basset) وبل (A. Bel) وبرنار (A. Bernard) وبيبيسكو (H. Bibesco) وبورداس (Bordas) وبوليفة (S.A. Boulifa) وبوسكي (G.H. Bosquet) وكامب (G. Camp) وشارفيريا (Charveriat) وكورتوا (Ch. Courtois) ودوجا (J. Dugas) ودوفو (C. Devoulx) وقوتييه (E.F. Gautier) وقربابي
(A. Guerbabi) وهايغ (Le Père E. Huyghe) ولامارك (L. Lamarque) ولوتورنو (Le Tourneau) وكرهيال (Y.G. Gerhuel) وماووقال (M. Maougal) ووليام وجورج مارسي (G. et W. Marcais) وماتيو (A. Mathieu) وماسكوراي (E. Masqueray) ومرسيي (E. Mercier) وموريزو (J. Morizot) وموسار (E. Moussart) وبريي (J.M. Perier) وبايروني (Peyronnet) ورينال (Abbé Raynal) ورونان (E. Renan) وتيليون (Tillion) وفيري (A. Viré) وماسينيون (A. Massignon) وغيرهم.

وبالاعتماد على إنتاج هؤلاء الضباط ورجال الدين والكتاب والباحثين الذين أثبتنا بعض أسمائهم، أصبح في حوزة الإدارة الفرنسية بالجزائر معطيات ونظرة متكاملة حول المخطط الطائفي الذي جعلته الخط الدفاعي الأخير لسياستها الاستعمارية بالجزائر. وقد أكدت أغلب التقارير والدراسات أن نجاح المخطط مرهون بمدى الآثار التي يحدثها في البناء الاجتماعي للشعب الجزائري والانعكاسات التي تتعرض لها الثوابت الحضارية للأمة الجزائرية، وذلك من خلال التركيز على بعض المناطق كمنطقة القبائل التي عرفت بشدة مقاومتها للاحتلال والتي تتميز بصعوبة تضاريسها وكثافة سكانها ونوعية الحياة الاجتماعية بها والتي أعطت العادات الشعبيةَ بها نوعاً من الثقافة المحلية التي هي في الواقع إغناء وتنويع للتراث الثقافي الأصيل للأمة الجزائرية.

وقد استهدفت هذه السياسة، من خلال الأدبيات التي وفرها الكتاب والضباط والرهبان، تحويل هذا التكامل إلى تنافر، وهذا التنوع إلى تناقض، وهذا الغنى إلى تمايز، وذلك بالتركيز على إحياء النعرات والأحاسيس الجهوية. وقد انتهى بهم الأمر إلى محاولة جعل اللهجة المحلية القبائلية لغة معادية للغة الضاد الحضارية للشعب الجزائري، في حين قدموا اللغة الفرنسية درعاً وهميّاً واقياً من التأثيرات العربية الإسلامية، ومهدوا للحروف اللاتينية أن تكون وسيلة لكتابة تلك اللهجة القبائلية التي تعايشت في وئام وانسجام مع لغة القرآن لفترة تزيد عن أربعة عشر قرناً قبل أن يحل الاستعمار بالجزائر.

انطلاقاً من هذا التوجه، نحاول أن نتلمس انعكاسات المخطط الطائفي في الواقع الجزائري، مع التركيز على بعض المناطق التي تعرضت لهذا العدوان بشكل خاص.



4. انعكاسات المخطط الاستعماري في الواقع الجزائري

بدأ المخطط الاستعماري الفرنسي الهادف لمحاصرة التوجهات الوطنية الجزائرية ونسف إطارها الحضاري العربي الإسلامي، وإضعاف الحس الوطني الرافض لكل تبعية أو تجزئة، تنعكس آثاره على الواقع الجزائري. وظهر تأثيره واضحاً على بعض الشرائح من المجتمع الجزائري التي خضعت لتأثيره. وهذا ما يتضح لنا في المجال الثقافي والاجتماعي والسياسي.

أ. ففي المجال الثقافي: كانت الجهود منصبة على تكوين نخبة متفهمة ومتعاطفة مع التصورات والأحكام والتوجهات الفرنسية، ورافضة للمقومات الأساسية للشخصية الجزائرية بأصالتها العربية الإسلامية ونزعتها التحررية. ففي الوقت الذي أغلقت فيه الكتاتيب القرآنية وحوربت الزوايا وخضعت المدارس الإصلاحية لمراقبة مشددة للحد من نشاطها الثقافي كما سبقت الإشارة إلى ذلك، تم فتح العديد من المدارس الأوربية وإنشاء المراكز التبشيرية، وكان التركيز منصباً أساساً كما سبق التعرض إلى ذلك على بعض المناطق المتميزة بأوضاعها البشرية والجغرافية التي تؤهلها لأن تتحكم في ميزان القوى في الجزائر المعاصرة وتؤثر مباشرة في تطور الأوضاع وتوجهات المستقبل، وفي مقدمتها المناطق الجبلية شرق الجزائر العاصمة المعروفة بمنطقة بلاد القبائل، حيث تم فتح العديد من مدارس الإرساليات التبشيرية، وبنيت بعض الكنائس ووجه نشاطها للأعمال الخيرية والخدمات الاجتماعية لربطها بواقع السكان هناك. وقد بلغ عدد الكنائس ثلاثين كنيسة، فتح بها الرهبان سبع عشرة مدرسة بها ستون قسماً يعمل بها أربعة وثلاثون قسيساً وخمسون من الأخوات البيض، هذا بالإضافة إلى المؤسسات الخاصة بإرسالية الآباء البيض والتي كانت توفر التعليم بالمنطقة لـ 1044 طفلٍ و1114 بنتٍ يقوم على تعليمهم ستة وأربعون راهباً([26]).

ومما يلاحظ أن هذا النشاط التبشيري كانت تعززه مئات المدارس الفرنسية الحكومية المنتشرة ببلاد القبائل. فحسب إحصائيات الإدارة الفرنسية بالجزائر، كانت منطقة القبائل وحدها تتوفر على مدرسة لكل 2100 طفل، بينما في عمالة الجزائر كلها لا توجد سوى مدرسة لكل 27000 طفل، وفي عمالة عنابة مدرسة لكل 40000 طفل؛ كما أن نصف طلبة مدرسة دار المعلمين ببوزريعة - وهي الوحيدة في الجزائر - كانوا من منطقة القبائل بتشجيع وتوجيه من الإدارة الفرنسية، وذلك في الفترة الممتدة من سنة 1882 إلى سنة 1939 م([27]).

وقد كان لهذا التركيز على تعليم اللغة الفرنسية وغرس القيم الغربية أثره في تكوين شرائح اجتماعية منفصلة عن واقعها الحضاري، تؤمن بالقيم والمبادئ الفرنسية وتتفاعل مع نوعية الحياة الغربية في سعيها لتحقيق المساواة مع المستوطنين الأوربيين والاندماج في الوسط الفرنسي. وهي في موقفها هذا لم تشذ عن باقي الجماعات الأخرى بالأقاليم الجزائرية التي تأثرت هي أيضاً بالمدرسة الفرنسية، على أنها في هذه المنطقة كانت تشكل شريحة اجتماعية لها تأثيرها ووزنها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للجزائر. ولهذا نلاحظ أنه لولا نشاط رجال الإصلاح بالمنطقة وجهود الزوايا ومعاهد العلم التي احتضنها الأهالي وكان عددها يقدر بثلاث وثلاثين زاوية لتعليم القرآن وتلقين مبادئ الشريعة واللغة العربية. ولولا عمل مدارس الإصلاح المنتسبة لجمعية العلماء والتي بلغ عددها في الفترة من سنة 1931 إلى سنة 1956 م إحدى وثلاثين مدرسة([28])؛ وكذلك لولا نشاط حزب الشعب وتضحيات رجال المنطقة المخلصين وزخم الثورة التحريرية التي حطمت هذا المخطط من أساسه - لولا ذلك كله، لتمكن الاستعمار من خلق واقع مناف ومعاد لأصالة الأمة الجزائرية في هذه المنطقة المتميزة بحيويتها الاقتصادية وتفاعلها الاجتماعي ومبادرتها السياسية. وهذا ما دفع الشيخ أحمد توفيق المدني إلى إبداء قلقه والتساؤل عن مصير تلك المنطقة في "كتاب الجزائر" الصادر سنة 1931 م، إذ كتب ما نصه([29]):



فإن كانت بلاد الجرجرة مزدانة اليوم برجال يعدون من فطاحل علماء القطر الجزائري ورجاله العاملين، فمن ذا الذي يخلفهم من بعد؟ وماذا تكون حالة البلاد عندما تضمحل الطبقة الموجودة وتحل محلها الطبقة التي لا تعرف لغة غير اللغة الفرنسية والتي عمل فيها التبشير أعماله...



ب. وفي المجال الاجتماعي: سعت الإدارة الاستعمارية إلى عزل بعض المناطق والحيلولة دون اتصالها أو تفاعلها مع باقي المناطق الأخرى، وكان التركيز أيضاً في هذا المجال منصباً على منطقة بلاد القبائل التي عملت السلطات الفرنسية بها على رعاية الميول الجهوية والنزعات الإقليمية التي تتنافى والوحدة الوطنية للشعب الجزائري، وذلك عن طريق الاهتمام بالأعراف والتقاليد والفولكلور واللهجات على حساب الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة التي كان للمنطقة مساهمة متميزة فيها. وقد بدأ الفرنسيون العمل في هذا الاتجاه الذي يمس التكوين الاجتماعي للسكان باكراً، وذلك بإلغاء الأحكام الشرعية الإسلامية وتعويضها بالعرف والعادات على أثر القضاء على ثورة الرحمانيين وإرجاع الهدوء إلى المنطقة سنة 1874 م. وبعد ذلك بفترة وجيزة، حولت المعاملات اليومية من اختصاص القاضي المسلم إلى سلطة قاضي الصلح الفرنسي. ولم يطل الأمر حتى ألغيت فيه مجالس الجماعة التقليدية سنة 1882 م وعوضت بعد فترة بالموثقين وقاضي الصلح المدني سنة 1989 م. وفي هذا الاتجاه أيضاً، رفعت الإدارة الفرنسية بالمنطقة شعارات تمجد أهالي المنطقة وتعتبرهم أفضل من غيرهم، وبالتالي فهم أقرب لتمثيل الحضارة الغربية اللائكية واكتساب العادات الفرنسية، متجاهلة أن كل الجزائريين هم من عنصر بشري واحد أساسه الأرومة البَرْبَرِية ذات الطابع العربي والتوجه الإسلامي.

دأب الفرنسيون على هذا التوجه بغية تفريق أبناء الشعب الواحد. فقد كتب إميل شارفيريا (E. Charveriat) في كتابه "عبر بلاد القبائل وفي المسائل القبائلية" سنة 1889 م ما ترجمته: »بأنه يوجد في الجزائر عنصران متميزان من حيث اللغة والعادات وحتى الدين، وهما العنصر القبائلي والعنصر العربي، ويجب علينا أن نبقي على هذا التمايز والانقسام«!([30]). ويؤكد بروسلار (Brosselard) ذلك بقوله: »يجب علينا حماية القبائل وتفضيلهم في كل الظروف على العرب«!.

وفي هذا التوجه أيضاً ورد في "دليل بجاية" (Guide de Bougie) الصادر في عام 1914 م أن »القبائل أفضل من العرب ولهم قابلية للاندماج في بوتقة التقدم لحضارتنا (أي الحضارة الفرنسية)«([31]).

ومما يلاحظ أن هذه الخطة الهادفة لفصل منطقة القبائل عن باقي القطر الجزائري بدأ تنفيذها بالفعل فيما يخص المجالس التمثيلية. فأصبح لأهالي هذه المنطقة تمثيل خاص بهم في المجالس المالية سنة 1898 م. وقد واكب ذلك تشديد المراقبة للحيلولة دون عملية الامتزاج والتلاقي بين أهالي المنطقة وباقي السكان. وهذا ما أثار حفيظة أبناء المنطقة، فاعتبروا ذلك مسّاً بحقوقهم، ووجهوا عرائض احتجاج للسلطات الفرنسية يطلبون فيها إلغاء تلك الإجراءات التعسفية، منها العريضة التي نشير إليها على سبيل المثال والتي نشر نصها في جريدة "البصائر" الصادرة في 6 ديسمبر 1948 م بإمضاءات أصحابها كاملة والتي علق عليها الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بعد أن أشاد برجالات زواوة ودور الزوايا بها لموقفهم المناهض للاحتلال بقوله: »إن الغاية التي يرمي إليها الاستعمار من تمكين العوائد وجعلها أساساً للأحكام هي إبعاد طوائف من المسلمين عن الإسلام بالتدريج حتى تضعف فيهم النعرة الدينية وعاطفة التآخي الإسلامي وتصير الأمة الواحد أُمتين أو أمماً«([32]).

هذا، ولولا المواقف الشجاعة والتضحيات التي قدمها أبناء منطقة القبائل لإفشال هذه الخطة، لأمكن للمخطط الاستعماري تدمير البنية الاجتماعية التقليدية وخلق واقع لا يمت بصلة للمقومات الأسياسية للشعب الجزائري في تلك المنطقة. فمن الأمانة التاريخية أن نشيد في هذا الصدد بدور رجال الإصلاح بالمنطقة؛ فقد كان دورهم حاسماً في الحد من الآثار المدمرة لهذه السياسة التي لم تحظ بدراسات علمية مفصلة حتى الآن من الجزائريين. ومن هؤلاء الرجال المخلصين الوطنيين نذكر، على سبيل المثال لا الحصر، كلاًّ من الشيخ أرزقي الشرفاوي، من شرفة بهلول والمدرس بالمعهد اليلولي (ت. 1945 م)، وا


عدل سابقا من قبل tariksalama27000 في الثلاثاء 05 يوليو 2011, 12:49 عدل 2 مرات
المسلم
المسلم
عضو خبير
عضو خبير
عدد الرسائل : 687
العمر : 42
الموقع : بورسعيد
البلد : التوجه المعادي للعربية والإسلام  في السياسة الفرنسية في الجزائر (1830 - 1962 م)  للدكتور ناصر الدين سعيدوني Female31
نقاط : 1007
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 01/07/2010

التوجه المعادي للعربية والإسلام  في السياسة الفرنسية في الجزائر (1830 - 1962 م)  للدكتور ناصر الدين سعيدوني Empty رد: التوجه المعادي للعربية والإسلام في السياسة الفرنسية في الجزائر (1830 - 1962 م) للدكتور ناصر الدين سعيدوني

الثلاثاء 05 يوليو 2011, 12:23
المقولة الصليبية »بأن العرب لا يطيعون فرنسا إلا إذا أصبحوا فرنسيين، ولن يصبحوا فرنسيين إلا إذا أصبحوا مسيحيين«([1

قد بدت البغضاء من افواههم
tariksalama27000
tariksalama27000
عضو نشيط
عضو نشيط
عدد الرسائل : 365
العمر : 52
الأوسمة : التوجه المعادي للعربية والإسلام  في السياسة الفرنسية في الجزائر (1830 - 1962 م)  للدكتور ناصر الدين سعيدوني Empty
البلد : التوجه المعادي للعربية والإسلام  في السياسة الفرنسية في الجزائر (1830 - 1962 م)  للدكتور ناصر الدين سعيدوني Male_a11
نقاط : 561
السٌّمعَة : 18
تاريخ التسجيل : 07/08/2010

التوجه المعادي للعربية والإسلام  في السياسة الفرنسية في الجزائر (1830 - 1962 م)  للدكتور ناصر الدين سعيدوني Empty رد: التوجه المعادي للعربية والإسلام في السياسة الفرنسية في الجزائر (1830 - 1962 م) للدكتور ناصر الدين سعيدوني

الثلاثاء 05 يوليو 2011, 12:43
شكرا على تفاعلك و فضلت فيما بعد أن أورد الموضوع كاملا أحسن لتعميم الفائدة شكرا
المسلم
المسلم
عضو خبير
عضو خبير
عدد الرسائل : 687
العمر : 42
الموقع : بورسعيد
البلد : التوجه المعادي للعربية والإسلام  في السياسة الفرنسية في الجزائر (1830 - 1962 م)  للدكتور ناصر الدين سعيدوني Female31
نقاط : 1007
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 01/07/2010

التوجه المعادي للعربية والإسلام  في السياسة الفرنسية في الجزائر (1830 - 1962 م)  للدكتور ناصر الدين سعيدوني Empty رد

الخميس 07 يوليو 2011, 01:35
لقد كتبت تلك القصه من قبل واسف للتكرار وهى ان فى اواخر الستينات وبدايه السبعينات خرج كتابا رهيبا لكاتب عربى سورى اسمه الحركى جلال العالم هذا الكتاب بعنوان( قاده الغرب يقولون دمروا الاسلام وابيدو اهله ) يتحدث عن واقعه معروفه هزت فرنسا وهى ان وزراه التعليم الفرنسيه اختارت اربعه عشر فتاه جزائريات جامعيات لتلقى العلوم والثقافه الفرنسيه لمده سته سنوات كامله ليكونوا نواه لجمعيه نسائيه ثقافيه تقوم بدور التعليم والتغريب لفتيات الجزائر الحرائر حينذاك وبعد ان تربوا تماما بالثقافه الفرنسيه وتفوقهم الرهيب فى استيعاب الفكر الغربى الادبى والثقافى واثناء حفل التخرج الذى حضره كل نجوم واعلام المجتمع الفرنسى فوجىء الحاضرون ان كل الفتيات قد حضرن بالحجاب الشرعى وقتها يقول المؤلف تم ايقاف البرنامج التفرنس بعد ان اثبت فشله الزريع فى حفله التخرج تلك .

اسف للتكرار ولكن الموضوع ذكرنى بالقصه مره اخرى
المدير
المدير
مؤسس المنتديات
مؤسس المنتديات
عدد الرسائل : 4124
نقاط : 5640
السٌّمعَة : 38
تاريخ التسجيل : 31/05/2008
http://mostaghanem.com

التوجه المعادي للعربية والإسلام  في السياسة الفرنسية في الجزائر (1830 - 1962 م)  للدكتور ناصر الدين سعيدوني Empty رد: التوجه المعادي للعربية والإسلام في السياسة الفرنسية في الجزائر (1830 - 1962 م) للدكتور ناصر الدين سعيدوني

الخميس 07 يوليو 2011, 08:07
المسلم كتب:لقد كتبت تلك القصه من قبل واسف للتكرار وهى ان فى اواخر الستينات وبدايه السبعينات خرج كتابا رهيبا لكاتب عربى سورى اسمه الحركى جلال العالم هذا الكتاب بعنوان( قاده الغرب يقولون دمروا الاسلام وابيدو اهله ) يتحدث عن واقعه معروفه هزت فرنسا وهى ان وزراه التعليم الفرنسيه اختارت اربعه عشر فتاه جزائريات جامعيات لتلقى العلوم والثقافه الفرنسيه لمده سته سنوات كامله ليكونوا نواه لجمعيه نسائيه ثقافيه تقوم بدور التعليم والتغريب لفتيات الجزائر الحرائر حينذاك وبعد ان تربوا تماما بالثقافه الفرنسيه وتفوقهم الرهيب فى استيعاب الفكر الغربى الادبى والثقافى واثناء حفل التخرج الذى حضره كل نجوم واعلام المجتمع الفرنسى فوجىء الحاضرون ان كل الفتيات قد حضرن بالحجاب الشرعى وقتها يقول المؤلف تم ايقاف البرنامج التفرنس بعد ان اثبت فشله الزريع فى حفله التخرج تلك .

اسف للتكرار ولكن الموضوع ذكرنى بالقصه مره اخرى

أرادت فرنسا بعد مرور مائة سنة على إحتلال الجزائر إظهار بأن الجزائر قد تمت فرنستها لذا جربت تعليم الجزائريات التقاليد الفرنسية إلا أنها فشلت كما ذكرت أخي أحمد , وبالمناسبة ذكرتني بهذا الكتيب الرائع الذي قٍرأته في المرحلة الثانوية ومازال راسخا في ذهني لما فيه من معاني رائعة.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى