مهرجان عربي للرسم الكاريكاتيري

لقد أسست الثورات الفكرية وعلى مر العصور لتحولات جذرية أثرت على السياسة ونظمها وفى المجتمعات وان تاريخ الحضارات ليزخر بهذه الثورات التي شكلت محطات تطور للبشرية على جميع المستويات وبعكس هذا المسار التسلسلي – فكر ينتج ثورة - والذي نكاد نجزم بحتمية جدليته ، فجأت الثورات العربية الأخيرة الفكر والمفكرين حيث انطلقت بدون إذن منهم ، انطلقت قي القرى والشوارع والساحات والميادين لتطالب بما لم تصل شعوب الدنيا بمطالبته منذ أقدم الحقب ،تطالب بالعدالة والحرية والكرامة والمساواة .

أجل فؤجى الفكر العربي وهو الذي كان في سبات عميق لايكاد يستفيق فيه طرف حتى تنقض عليه أدوات المؤسسات القمعية التي كانت لهم بالمرصاد لمصادرة حرية الفكر والإبداع ، عدا الإبداع النمطي الرسمي الذي جعل شعوبنا تفر مكرهاً إلى المقاهي والملاعب ودور الترفيه إن وجدت ،ولكن ظل الإبداع الفكري في كل مجالاته حاجة لامفر منه مثل الطعام والشراب ، بل ومثل الهواء الذي نتنفسه .

أفقنا فجأة على هذا الفراغ الفكري والثقافي المميت وأدركنا إننا تخلفنا عن قطار الربيع الذي أورد وأزهر بعيدا عن إرادتنا

بالمقابل استحوذ الشأن السياسي والاقتصادي على هموم الناس

واستقطب أولوياتهم ،واضحي الفكر والإبداع من يتامى هذه الثورات ، ماعدا مقالات تنشر هنا وهناك وأدبيات مستلهمة من ضوضاء الثورة لا يقراها ولا يهتم بها إلا قلة قليلة من النخبة ، أما سواء الناس فقد رجعوا إلى المقاهي والملاهى يملئون بها فراغهم الوجودي في ظل هذه الحيرة التي تلازم أنفاسهم، وفى انتظار مستقبل مجهول . نحن إذا في حاجة ملحة لدفع قطار الفكر والثقافة إلى الأمام وصار من أولى اهتماماتنا وواجباتنا بعث ثورة فكرية وثقافية شعبية تكتسح الساحات والشوارع والميادين وتخرج من عزلية وعبثية الصالونات لتستنفر العقول وتؤسس لشعارات حضارية جديدة نحن في اشد الحاجة إليها اليوم . منذ قيام ربيعنا العربي – بما يعتريه من تقلبات جوية وارتدادات مناخية – ونحن نصدر إلى العالم صورة الاحتشادات والاعتصامات ن والمطالب السريالية ،تتخللها الانفلاتات الأمنية الشبه يومية التي تؤثر سلباً على نمونا وتلهينا عن تصوراتنا العاجلة والآجلة ، وتحول أحلامنا المشروعة إلى كوابيس مزعجة من هنا نرى انه حان الوقت لكي نعمل على إظهار صورتنا الحقيقية للعالم ، صورة شعوب عربية متحضرة ومثقفة ومؤثرة ، تزخر بالعديد من الطاقات الفكرية والفنية ، ناهيك وان بعض رواد الفكر العربي نادوا بعقد قمة ثقافية عربية للنهوض بالفكر العربي ولتاسيس اليأت جديدة وإقرار ثوابت عمليه ترجع له بريقه .

لقد ضاق المبدع العربي ذرعاً بالتعتيم والإقصاء ، وها هو اليوم وفى ظل الربيع الواعد تبرز براعمه جريئة تواقة إلى الانضمام لركب الحضارة العالمي ومادامت الإرادة السياسية الجديدة مؤمنة بهذا المشروع الفكري الابداعى ، داعماً له ومعتبرة انه ركيزة إستراتيجية هامة لتدارك قرون التخلف ولإرساء أسس شعب عربي قادر على الانصهار في عجلة الحضارة والالتحاق بمركب التفوق والإبداع . الغاية من المهرجان المهرجان العربي للرسم الكاريكاتيري هو مشروع ينبثق من هذا التصور ، ونحن كمنظمين لهذا الحدث مدركين كل الإدراك بالمستحقات التي تنتظر مثقفينا من رواد الراى والإبداع ، شاعرين بخطورة المسئولية وثقل المهمة ! وتمثل حرية التعبير البوابة الأساسية التي سيمر منها الفكر الثقافي العربي الجديد الذي نؤسس جميعاً لاارسائه . وإذ يعتبر الإعلام من المؤشرات التي لا تخطئ في تقييم الحريات ، فالكاريكاتير بدوره هو مقياس الحرارة لهذه الحريات والمعبر عن هذا التوجه الفكري الابداعى الثوري الجديد . وقد راينا مدى حضور الكاريكاتير منذ انطلاق الثورات العربية ، بل وحتى سبقها ، وخاصة على شبكة المعلومات العالمية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ، حيث اظهر مبدعينا جرأة غير مسبوقة وحرية إبداع أدخلت الأمل إلى القلوب .

تساءل الرئيس الفرنسي الراحل (شارل دى غول) ذات مرة وفى حيرة شديدة ، لماذا تجاهلته الصحيفة الشهيرة الساخرة ( Le Canard Enchaîné ) على صفحاتها في إحدى الأعداد وهى التي لا تغفل عن ذكره في رسومها ولو لعدد واحد !!! وهكذا نرى في الغرب إن مقياس الشهرة عند السياسي هو أيضا مدى تعرضه للنقد الكاريكاتيري، فذلك أهم لديه من مقال يمدح فيه . هذه هي الديمقراطية، بل وتلك هي الحضارة ، ونحن من خلال هذا المهرجان نريد ان يعرف العالم من أدناه إلى أقصاه إننا أهلا لهذه الثورات.

منقول من موقع المهرجان العربي للرسم الكاريكاتيري