الشاهد".. تلسكوب قمري سيوحد كلمة المسلمين

ساعات قليلة ويحل علينا شهر رمضان المبارك وبعده عيد الفطر ثم ذو القعدة ثم ذو الحجة وفريضة الحج، ويتكرر الخلاف في الدول الإسلامية حول بدايات الأشهر الهجرية التي تحدد بدايات تلك العبادات ونهايتها، فيتفرق المسلمون في أداء العبادات الربانية كما هم متفرقون في أمور دنياهم.. وبينما يصر بعضهم على عدم الأخذ بالعلم الحديث أو معطياته في تحديد بدايات الشهور، فإن آخرين يرون أن العلم الحديث هبة ربانية للبشر حتى يختصروا كثير من المسافات ويتجاوزوا كثيرا من الخلافات، ويتخلصوا من الشعار الذي يرفعونه دايماً "اتفقنا على ألا نتفق" .

وقد سعى بعض المسلمين بكل ما آتاهم الله من علم أن يضعو حداً فاصلاً لتلك الخلافات التي لا تمزق الصف الإسلامي فحسب، وإنما تشوش على الناس عباداتهم وعلاقاتهم بربهم، وأبرزهم العالم التونسي الدكتور محمد الأوسط العياري أحد العلماء البارزين في وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" والذي انتهى مؤخرا من اختراع "الشاهد" وهو أهم منظار فلكي لرصد وتحديد ولادة الشهور القمرية ويمكن أن يضع حدا لهذه الخلافات، لأنه يرصد ولادة القمر رأى العين في كل دولة إسلامية، وهو ما سيضع حدا للجدل الدائر حول هذه المسألة إن أراد حكام المسلمون ذلك.

وقام العالم الدكتور محمد الأوسط العياري بشرح الاختراع الجديد، الذي دشنه بشكل فعلي عبر برنامج "بلا حدود" الذي يقدمه الإعلامي أحمد منصور على قناة الجزيرة الفضائية، حيث أكد أن تلسكوب "الشاهد" هو منظومة فلكية متكاملة تسمح لأى شخص في العالم أن يشاهد ولادة القمر الجديد رؤي العين، وأن يوثق رؤيته للهلال، ثم يتم التحقق من تلك الرؤية عبر مركز مراقبة متخصص يتحرى من صحة تلك الصور، ويحدد بدايات الشهور بشكل علمي صحيح، ويتوافق مع الحديث النبوي الشريف " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته".

وأضاف العياري أن تلسكوب الشاهد يعمل عبر منظومة علمية تتكون من مركز مراقبة، وعدة مراكز رصد منتشرة حول العالم، بحيث يتيح مركز الرصد لأى إنسان أن يتابع منازل القمر وأن يلتقط صورة لولادة الهلال، وأن يبعث بها لمركز المراقبة الرئيسي من خلال شبكة اتصال تربطه بالمركز، وذلك للتحقق من صحة الصورة الملتقطة، ويتم ذلك في آن واحد عبر العديد من مراكز الرصد المنتشرة حول العالم.

وقد أثار مقدم البرنامج نقطة مهمة وهي محل نقاش الكثيرين، وهي أن هناك دولة تقول أنها رأت الهلال وبالتالي تصوم، بينما تقول دولة أخرى مجاورة أنها لم ترى الهلال وبالتالي تنتظر لحين رؤيته ومن هناك يأتي الخلاف والجدل بين الدول الإسلامية.. فكيف سيحل تلسكوب الشاهد هذه المشكلة؟ّ!!

وبدوره، أجاب العالم محمد الأوسط عن هذا التساؤل، وأكد أن الهلال يولد مرة واحدة في الكرة الأرضية كلها، فإذا شوهد الهلال في دولة ما فيجب على الدول المجاورة أن تصوم لرؤية تلك الهلال، ولا يجوز أن تتمسك دولة ما برأيها ولا تصوم لأنها لم ترى الهلال بينما شاهدته دولة أخر، لأن الهلال إذا ولد فإنه يولد مرة واحد فقط، لكن الاختلاف هنا أن الهلال من الممكن أن يظهر في دولة ما بسبب صفاء الجو، ولا يظهر في دولة أخرى بسبب وجود سحب تحجب رؤيته ، وهذا ما ستعالجه منظومة الشاهد من خلال مراكز الرصد التي سوف تنشره في دول العالم وتتواصل مع مركز المراقبة الرئيسي الذي سيوحد ولادة الهلال في الدول الإسلامية جمعاء.

<td width=1>
وبشكل تفصيلي، أكد الأوسط أن أهل الصين أو أهل باكستان مثلا إذا رأوا الهلال في الساعة السابعة والثلث مساءً "وذلك على سبيل المثال"ً فسيتمكن دول العالم أجمعين من رؤية الهلال في نفس التوقيت في كل بلد، بعد حساب فروق التوقيت بينها وبين تلك الدول، وهذه مسألة محسوبة وبدقة تامة ولا يوجد عليها خلاف، لذا سوف يتمكن المرصد من تحديد ولادة الهلال ومكانة بالضبط في كل دولة من دول العالم عند رؤيته في أي مكان على الأرض.

وهنا يظهر على السطح تسائل آخر، وهو أنه إذا تمكن سكان الصين مثلا من مشاهدة الهلال غروب يوم الأحد فإن منطقة ما من الكرة الأرضية لا تستطيع رؤيته إلى في اليوم التالي وهو يوم الإثنين، إذا فإن المشكلة تظل قائمة وسيصوم كل على حسب رؤيته ولا تتفق الأقطار الإسلامية في يوم معين للصيام...

ويرد العالم محمد الأوسط بالقول: إنه إذا شوهد الهلال في أي منطقة في الكرة الأرضية فإنه يتحتم على الباقين أن يصوموا لرؤية هذا الهلال ولا ينتظرون لأن يظهر عندهم، لأن القمر هو قمر واحد في الكرة الأرضية، وبذلك يتوحد المسلمون في جميع الأقطار على يوم واحد للصيام كما يحدث يوم وفقة عرفات .

رمضان الاثنين القادم

وقد بدأت بالفعل أولى بشائر تلسكوب " الشاهد"، حيث أكد محمد الأوسط أن رؤية هلال شهر رمضان هذا العام ستبدأ مع غروب شمس يوم الأحد 31 أغسطس ويبدأ رصده في جنوب أفريقيا، وبالتحديد من منطقة شرق أفريقيا حيث يتم رؤيته بوضوح، لأن ولادة القمر عادة تبدأ من النصف الغربي من الكرة الأرضية حيث تبدأ في الجنوب الغربي من قارة أفريقيا ثم تتوالى إلى باقة مناطق العالم .

<td width=1>
اطوار القمر
وعن التجارب السابقة للتلسكوب، فقد أكد العياري أنه تم تجربة التلسكوب بشكل فعلي ونجح في رصد الهلال في مناطق عديدة مثل تونس وعدة ولايات أمريكية، وقال إنه يعمل على تجربة التلسكوب ويرصد الأهلة القمرية منذ سنة ونصف، وأكد أن التلسكوب نجح بامتياز في الاختبارات العديدة لرصد الأهلة على مدى السنة والنصف الماضية وتم عقد مؤتمر علمي في مدينة مرسيليا لطرح الابتكار الجديد ومراجعة هذه المنظومة وتم فيه إلإعلان عن نجاح التجربة.

وأكد أن المنظومة المتكاملة لمرصد الشاهد بما فيها مراكز المراقبة والرصد ستدخل الخدمة بشكل فعلي في غضون سنة ونصف إلى سنتين، ومن المرجح أن يكون المركز الرئيسي للمرصد في السعودية، بجانب مركز ثاني في دولة أخرى بحيث لو حدث أي خلل في المركز الرئيسي يقوم المركز الأخر بالمهمة المطلوبة.

فكرة الشاهد

يروى العالم محمد الأوسط فكرة تلسكوب الشاهد فيقول: " الفكرة جاءتني من بنت صغيرة تبلغ من العمر 12 سنة كانت تلعب في الحي، شاهدتها أثناء زيارتي الصيفية إلى مسقط رأسي في تونس، وقالت لي "لما لا تجدون لنا حلا يوحد الخلاف حول رؤية هلال رمضان"، فقلت لها "حاضر"، ومنذ ذلك الحين بدأت أفكر في عمل هذا التلسكوب ".

وأضاف : " بدأت بالفعل العمل في هذا الاختراع أثناء أوقات فراغي وحاولت أن أستمع إلى أراء الخبراء في هذا الموضوع لكي أجمعها في شيء واحد وهو ما تمخض عنه ولادة تلسكوب الشاهد".

وقال إن مدة العمل في هذا الاختراع استمرت لثلاث سنوات تقريبا، وبدأت فيه بنفسي ثم بمعاونة أصدقائي وتلاميذي، ويبلغ عددهم سبعة أشخاص من جنسيات مختلفة وهم كندي وأمريكي وطالب كوري وسعودي وليبي وأخى محمد الأكبر .
<td width=1>
صورة تخيلية لمرصد الشاهد

وعن تكلفة مرصد "الشاهد" العملاق، قال الأوسط إن تكلفة نشر منظومة الشاهد العملاقة بما فيها مركز المراقبة ومراكز الرصد المنتشرة في دول العالم تتطلب مبلغ 66 مليون دولار، أما عن تكلفة التلسكوب بدون مراكز الرصد فقد بلغت 150 ألف دولار، وهي من مالي الخاص وبمساعدة أخي محمد الأكبر، ولم أتلق أي مساعدات من أي دولة .

منظومة متكاملة

أكد محمد الأوسط أن منظومة تلسكوب الشاهد ليست مشروع ولادة هلال فقط، بل إنه أكبر من ذلك بكثير، حيث يمكن استعمال تلك المنظومة في العديد من المجالات منها التصحر، والرؤية الأفقية لسطح القمر، ورصد العديد من الظواهر الفلكية وحركة النجوم، كما يمكن الاستفادة بها من خلال رصد حالة الطقس والسحب وغيرها، وبالتالي فإن منظومة الشاهد هي منظومة علمية متكاملة ورؤية الهلال هي جزء هام منها .

وأشار إلى أنه في المستقبل سيتاح منظار الشاهد للجميع، لأن حجمه لا يتعدى 50 سنتمتر تقريبا، فيمكن لأي شخص شرائه ومشاهدة الهلال رؤي العين، وذلك بخلاف رصد العديد من الظواهر الفلكية الأخرى كالمسح الجيولوجي للأرض وغيرها من المسائل الفلكية الأخري، واعتبر أن منظومة الشاهد هي مشروع ضخم يمكن أن تنبثق منه مشروعات وأفكار كثيرة تفيد البشرية في مختلف المجالات.

د. محمد العياري في سطور

ولد في تونس عام 1958

حصل على دكتوراه في الهندسة الميكانيكية من جامعة بولدر في ولاية كولورادو الأمريكية عام 1988.

عمل أستاذا في قسم الهندسة الميكانيكية في جامعة مانيتوبا حتى عام 1995.

عمل مستشارا للعلوم الفضائية والهندسية في مؤسسة بولدر بولاية كولورادو الأمريكية.

ساهم في العديد من المراصد الكبرى في وكالة ناسا الفضائية كالمرصد هابل والعربات الفضائية مثل اسبريت لاستكشاف كوكب المريخ، وصاحب اختراع منظار الرؤية للعربات التي تجوب المريخ الآن .

مهندس ورئيس فريق العمل في ميكانيكا آلية النظام الشمسي في مركز الاستشعار عن بمؤسسة لوكسيد أند مارتن.

عضو في الأكاديمية العالمية للفلكيين.

عضو في المعهد الأمريكي للملاحة الجوية والفضائية.

عضو في رابطة المهندسين المحترفين في جامعة منيتوبا بكندا ورئيس قسم الأبحاث في نفس الجامعة.

له أكثر من مائة مؤلف في مجالات الهندسة الميكانيكية وهندسة الفضاء والإنشاءات

صاحب اختراع منظومة الشاهد لرصد وتحديد بداية الشهور القمرية.