دروس ما بعد التوتر الرياضي بقلم‏:‏ د‏.‏ إيمان بيبرس الخبيرة الدولية في قضايا النوع والتنمية

بعدما حدث في المباراة التي أقيمت بالسودان‏,‏ أريد أن ألقي الضوء علي الدروس المستفادة‏,‏ سواء علي ما كان يجب القيام به قبل هذه المباراة‏,‏ أو ما هو رد الفعل المناسب تجاه ما حدث‏.‏

أولا‏:‏ أهمية التخطيط لتنظيم أي حدث‏,‏ والتعامل مع المهام‏,‏ حتي ولو كانت بسيطة‏,‏ بجدية وعدم ترك أي شيء للمصادفة‏,‏ والتخطيط لشيء ما تكون أول خطوة به هي جمع المعلومات التي علي أساسها يتم اتخاذ القرارات‏,‏ ثم مرحلة التنفيذ‏,‏ فعندما تم اختيار السودان فرحنا لأن المعلومات المتاحة لدينا كانت أنها مثل بلدنا الثاني‏,‏ وأن شعبها هم جزء لا يتجزأ من شعب مصر‏,‏ ولم نعرف مثلا أعداد الجزائريين الذين توافدوا علي الخرطوم من اليوم التالي لمباراتهم معنا في مصر‏,‏ حيث وصلوا إلي‏30‏ ألف مشجع‏(‏ كما سمعت‏),‏ ولم يصل لنا أنهم اشتروا الأسلحة البيضاء فور نزولهم السودان‏.‏

كما أن تجربتنا في التعامل مع دولة الجزائر من خلال الألعاب الرياضية تتسم بالعنف دائما في أي مكان‏,‏ أو أي دولة توجد فيها الجماهير الجزائرية‏,‏ خاصة أن الجماهير المصرية ذهبت لأنها كانت علي يقين تام بالفوز لسهولة المباراة‏,‏ ولم يكن ليأتي في مخيلتهم ما يمكن أن تفعله الجماهير الجزائرية‏,‏ فهل تتخيلون ماذا كان من الممكن حدوثه في حالة فوزنا‏,‏ فبالرغم من خسارتنا فإنهم اعتدوا علي الجماهير المصرية بمنتهي العنف‏,‏ مما كان يستلزم منا تأمين الجماهير المصرية والتعاون مع رجال الأمن السوداني لسد الثغرات وتنظيم الحدث بما يضمن الأمان للجماهير‏,‏ كما أن المشجعين المصريين عندما خرجوا انتظروا ساعات طويلة لقدوم الطائرات‏,‏ فالمصري يجب أن يشعر بقيمته عند بلده‏,‏ وأن له سندا يلجأ إليه‏,‏ وهذا لا يحدث بالصوت العالي‏,‏ وشن حروب من السباب والألفاظ البذيئة‏,‏ وإنما بتوفير الأمن له والوسائل التي يشعر بها أنه له ظهر‏.‏

ثانيا‏:‏ أهمية تنظيم رد الفعل‏,‏ فعلي الرغم من أن الجمهور الجزائري هو المعتدي فإن الجزائريين استطاعوا القيام بحملة عبر الإنترنت باللغة الفرنسية لتصل إلي أغلب وكالات الأنباء العالمية‏,‏ فظهرت الـبي‏.‏ بي‏.‏ سي وغيرها لتقلل من الحدث‏,‏ وتتهم المصريين بأنهم قاموا بالشغب لخسارتهم المباراة‏,‏ بينما قمنا نحن بإطلاق مجموعة من الانفعالات العاطفية من خلال قنواتنا الفضائية باللغة العربية‏,‏ أي أننا نتحدث لأنفسنا‏,‏ لذلك فأنا أري أن دورنا الأكثر أهمية الآن هو استغلال هذا الغضب الشعبي الذي أدي إلي وحدة الرأي‏,‏ وتفجير الشعور بالانتماء‏,‏ كي نرسل لكل وسائل الإعلام الغربية لشرح ما حدث بشكل عاقل ومهني‏,‏ وبدون التطاول‏,‏ لكي نكسب الرأي العام العالمي‏.‏

ثالثا‏:‏ التصدي لمن يستغلون الأزمات في تصفية الحسابات مع خصومهم‏,‏ وضرورة الوقوف صفا واحدا دون إفساح الطريق للمهاترات والمعارك غير المجدية‏,‏ فحرية الصحافة ووجود صحف مستقلة شيء مهم‏,‏ ولكن الأهم ألا تظهر صحف خلال هذه الأزمة لتهاجم بعض الرموز السياسية أو الرياضية حتي لو اختلفنا معها‏,‏ فهذا ليس وقته‏,‏ فمن العيب أن نقلل من الحدث الذي وحدنا وجمعنا معا حول العلم المصري‏,‏ فاستغلال الفرصة كي نهاجم أعداءنا أو منافسينا أمام الأغراب ليس هو الوطنية‏,‏ فالوطنية هي ليست المزايدة علي حب مصر عن طريق الهجوم علي الحكومة أو السلطة‏,‏ فالأهم الآن هو أن نأخذ موقفا لرد كرامتنا‏.‏

وأخيرا يجب الدفاع عن مصالح المصريين في الجزائر‏,‏ سواء العاملين هناك أو استثمارات رجال الأعمال‏,‏ وهذا ما نادي به رئيس الجمهورية حين قال في كلمته بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة‏:‏ رعاية المواطنين المصريين في الخارج مسئولية الدولة التي ترعي حقوقهم‏,‏ ولا نقبل المساس بهم‏,‏ أو التطاول عليهم‏,‏ مشددا علي أن مصر لن تتهاون مع من يسيء لكرامة أبنائها‏,‏ وبالتالي يجب علي جميع الجهات في الدولة‏,‏ التي من ضمنها نقابة المحامين‏,‏ التحرك للحصول علي أحكام بتعويضات من قبل المحاكم الدولية التجارية عن الخسائر التي ألحقتها الجماهير الجزائرية بالشركات المصرية‏,‏ بالإضافة إلي تأمين هذه الاستثمارات في حالة بقائها أو الحصول علي قيمتها في سحبها‏,‏ فالتعامل مع هذه الأزمة يجب أن يكون بجدية وبتفكير منظم دون أن نتخلي عن شعورنا بالغضب أو التنازل عن حقنا‏.‏

وفي النهاية أكرر‏:‏ أنه لابد من أن نحسن طريقتنا في التخطيط والتنظيم لأي حدث أو مهمة حتي ولو كانت بسيطة‏,‏ ويبقي شيء واحد‏,‏ وهو أننا أصبحنا في حاجة ماسة إلي مشروع قومي ليوحد صفوفنا‏,‏ فنحن رأينا كيف أن ماتش كرة قدم استطاع أن يوحدنا ويشعر شبابنا وأطفالنا بالانتماء‏,‏ لذا لابد من مشروع قومي موثوق فيه ويتسم بالشفافية والصدق ليلتف حوله الجميع‏,‏ لأننا في النهاية كلنا فخورون بكوننا مصريين‏.‏