نتنياهو مشغول بالهم الايراني ..بقلم : عبد الباري عطوان
السبت 18 أبريل 2009, 07:01
تتعامل الحكومة الاسرائيلية الجديدة بازدراء شديد مع الادارة الامريكية والسلطة الفلسطينية في رام الله، وظهر ذلك واضحاً من خلال الاستقبال المهين للسناتور جورج ميتشيل المبعوث الامريكي للشرق الاوسط من قبل بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته افيغدور ليبرمان.
فبينما كان السيناتور ميتشيل يتحدث عن دعم ادارته لحل الدولتين، واقامة دولة فلسطينية مستقلة جنباً الى جنب مع الدولة العبرية، كان ليبرمان يتحدث عن 'جهازين' اقتصاديين، احدهما فلسطيني والآخر اسرائيلي، ويرى ان 'التنازلات' التي قدمتها الحكومات السابقة للفلسطينيين تحت عنوان السلام قادت الى حربي لبنان وقطاع غزة.
نتنياهو ذهب الى ما هو ابعد من ذلك عندما اشترط على الفلسطينيين الاعتراف باسرائيل دولة يهودية، قبل اي حديث عن السلام معهم، ودون ان يتلفظ بحل الدولتين، سلباً او ايجاباً، وكأنه يقول بأن هذه الارض كلها لنا، ولا مكان لأي شخص غير يهودي فيها، ومن لا يعجبه ذلك فليشرب من المحيط.
العقل الاسرائيلي مشهود له بالابداع في ميادين 'الابتزاز'، ولذلك لم يكن مفاجئاً بالنسبة الينا على الاقل، ان يخرج علينا نتنياهو بهذا الشرط الجديد، فقد تعود الاسرائيليون على املاء شروطهم واستسلام العرب لها، والسلطة الفلسطينية خاصة، سواء دفعة واحدة، او بالتقسيط المريح.
أليس السيد محمود عباس رئيس السلطة في رام الله هو الذي بادر بالاتصال بنتنياهو مهنئاً بعيد الفصح اليهودي، ومتمنياً له وللاسرائيليين عيداً سعيداً هنيئاً على ارض الاجداد (أي اجدادنا) في فلسطين، من باب الحفاظ على اللياقات والاعراف والأصول المتبعة بين الاصدقاء؟.
الحكومة الاسرائيلية وصلت الى السلطة عبر برنامج انتخابي يميني متطرف، تعمل حالياً على تنفيده حرفياً، وابرز معالمه طرد عرب الجليل والمثلث تحت ذريعة عدم الولاء للدولة، ولأنه لا مكان لغير اليهود فيها. اما الفلسطينيون في الضفة الغربية فليس لهم غير البقاء كعمالة رخيصة، يمكن تحسين ظروفها المعيشية.
السناتور ميتشيل أثلج صدر اهل السلطة في المقاطعة برام الله عندما اكد التزام حكومته بحل الدولتين، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وكأننا نسمع بهذا الكلام للمرة الأولى، وكان جورج بوش الابن، اكثر اصدقاء اسرائيل حميمية، لم يعد بالشيء نفسه مرتين، دون ان يفكك حاجزاً أمنياً واحداً في الضفة، ناهيك عن تفكيك مستوطنات، او منع بناء او توسيع اخرى جديدة او قديمة.
في الماضي كنا نسمع تهديدات خجولة على لسان بعض مسؤولي السلطة، وخاصة السيد احمد قريع رئيس فريق المفاوضات (سابقاً) كرد على التلكؤ الاسرائيلي في الالتزام بالحد الأدنى من شروط عملية السلام، خاصة تلك المتعلقة بالاستيطان، مثل التلويح بالتخلي عن حل الدولتين، والعودة الى الدولة الواحدة ثنائية القومية، ولكن حتى هذه التلميحات الخجولة الهامسة تبخرت، ولم نعد نسمع بها، وتبخر معها، او كاد، دور السيد قريع في السلطة، ولم يعد يشارك في اي من اجتماعاتها.
برنامج حكومة نتنياهو العنصري الرافض لحل الدولتين، وعملية انابوليس للسلام، يمكن ان يكونا ذريعة قوية لتحلل السلطة من كل التزاماتها وسياساتها السابقة، والعودة الى البدائل المنطقية المتاحة لشعب تحت الاحتلال، ولكن يبدو ان السيد عباس غير معني بهذا الخيار على الاطلاق، وبات يضع كل بيضه في سلة دول محور الاعتدال، نكاية بحماس ربما، وخروجاً على نهج الرئيس الراحل ياسر عرفات، بحجة عدم الوقوع في خطئه المتمثل في الوقوف في المعسكر الآخر المواجه للمشاريع الامريكية في المنطقة.
نتنياهو غير مهتم بالعملية السلمية لأنه يضع البرنامج النووي الايراني على قمة اولوياته الراهنة، فهو يعتبره الخطر الاكبر الذي يهدد وجود الدولة العبرية، ويريد ان يدمره قبل ان ينجح في تطوير رؤوس نووية، وتوريط الولايات المتحدة في حرب قد تؤدي الى تدمير مصالحها وتعريض امنها لخطر 'ارهابي' غير مسبوق.
ولم يكن من قبيل الصدفة ان يصدر روبرت غيتس وزير الدفاع الامريكي تحذيرات واضحة الى اسرائيل بعدم الاقدام على مثل هذه المغامرة، لأن نتائجها ستكون وخيمة، عليها وعلى امريكا، علاوة على فشلها المحتوم في تحقيق اهدافها. فأي ضربة اسرائيلية لايران ستؤدي الى توحيد الشعب الايراني خلف قيادته، والبدء في تنفيذ مخططات انتقامية ضد اسرائيل والغرب معاً.
القيادة الاسرائيلية تعلم جيداً ان ايران باتت تملك من اليورانيوم المخصب ما يكفي لبناء قنبلة نووية واحدة على الاقل، وتعلم ايضاً ان احمدي نجاد الذي وصف اسرائيل بأنها دولة 'القنبلة الواحدة'، اي ان قنبلة واحدة تكفي لانهاء وجودها، سيفوز حتماً في الانتخابات الرئاسية الايرانية في حزيران (يونيو) المقبل، حتى ان صحيفة 'التايمز' البريطانية نقلت عن دبلوماسي غربي قوله انه لم يقابل احداً في طهران يعارض انتخاب نجاد حتى الآن. وهذان التطوران هما مصدر تهديد وجودي لها، وقد لا يطول صبرها تجاههما.
فوجود ايهود باراك وزيراً للدفاع في حكومة نتنياهو يعزز النظرية التي تقول بقرب الهجوم الاسرائيلي على ايران، حتى ان بعض المحللين العسكريين في الغرب يؤكدون ان العملية العسكرية الاسرائيلية التي استهدفت ما يسمى بقافلة تهريب اسلحة ايرانية في الاراضي السودانية قبل شهرين كانت بمثابة 'بروفة' للخطة الاسرائيلية في هذا الاطار. فالطائرات الاسرائيلية القاذفة من طراز 'اف 16' والمحمية بطائرات 'اف 15' طارت مسافة 1750 ميلاً ذهاباً واياباً فوق البحر الاحمر، وتزودت بالوقود في الجو، وهي المسافة نفسها بين اسرائيل ومنطقة نطنز الايرانية حيث توجد معدات تخصيب اليورانيوم (نطنز تبعد 900 ميل عن فلسطين المحتلة).
وهكذا فإن مهمة ميتشيل الحقيقية لم تكن حل الدولتين، بقدر ما كانت بحث النوايا الاسرائيلية تجاه ايران، بدليل ان الرئيس شمعون بيريس حرص على التأكيد بأن بلاده تؤمن بأن الدبلوماسية هي الحل الوحيد للتعامل مع البرنامج النووي الايراني، في اعقاب لقائه مع المبعوث الامريكي يوم وصوله الى القدس المحتلة.
زيارة نتنياهو المقبلة لواشنطن، اذا ما تمت، لن تضع مسيرة السلام على قمة اولوياتها، وانما الموضوع الايراني، ولذلك لا نشاطر الرئيس عباس والمتحدث باسمه الدكتور صائب عريقات تفاؤلهما بالادراة الامريكية الجديدة واجندتها السلمية في المنطقة.
قد يجادل البعض بأن الخلاف الفلسطيني الراهن ربما يكون مفيداً على عكس ما يعتقده الكثيرون، فوجود معسكرين فلسطينيين احدهما مع المقاومة والدول الداعمة لها مثل ايران، وآخر مع الولايات المتحدة والدول العربية الحليفة لها، ربما يعطي ثماراً افضل، فعلى الاقل سيكون هناك فلسطينيون في المعسكر الرابح، سواء جرى التعامل مع البرنامج النووي الايراني سلماً أو حرباً.
خيارنا ان يقاطع الرئيس عباس حكومة نتنياهو وان يحث العالم كله على ان يفعل الشيء نفسه، لانها حكومة عنصرية تماماً مثل حكومة هايدر النمساوي، وجنوب افريقيا العنصرية، ولكنه لن يفعل، ولن نفاجأ اذا ما عانق نتنياهو قريباً جداً في واشنطن او شرم الشيخ تحت مظلة امريكية او مصرية.
الفلسطينيون يجب ان يقفوا في الخندق الآخر المواجه لاسرائيل، ومعهم العرب جميعاً، أو من امتلك الرؤية الحقة والكرامة الاصيلة من بينهم، ولكن المؤسف ان بعضهم في مقر المقاطعة في رام الله يرى عكس ذلك.
فبينما كان السيناتور ميتشيل يتحدث عن دعم ادارته لحل الدولتين، واقامة دولة فلسطينية مستقلة جنباً الى جنب مع الدولة العبرية، كان ليبرمان يتحدث عن 'جهازين' اقتصاديين، احدهما فلسطيني والآخر اسرائيلي، ويرى ان 'التنازلات' التي قدمتها الحكومات السابقة للفلسطينيين تحت عنوان السلام قادت الى حربي لبنان وقطاع غزة.
نتنياهو ذهب الى ما هو ابعد من ذلك عندما اشترط على الفلسطينيين الاعتراف باسرائيل دولة يهودية، قبل اي حديث عن السلام معهم، ودون ان يتلفظ بحل الدولتين، سلباً او ايجاباً، وكأنه يقول بأن هذه الارض كلها لنا، ولا مكان لأي شخص غير يهودي فيها، ومن لا يعجبه ذلك فليشرب من المحيط.
العقل الاسرائيلي مشهود له بالابداع في ميادين 'الابتزاز'، ولذلك لم يكن مفاجئاً بالنسبة الينا على الاقل، ان يخرج علينا نتنياهو بهذا الشرط الجديد، فقد تعود الاسرائيليون على املاء شروطهم واستسلام العرب لها، والسلطة الفلسطينية خاصة، سواء دفعة واحدة، او بالتقسيط المريح.
أليس السيد محمود عباس رئيس السلطة في رام الله هو الذي بادر بالاتصال بنتنياهو مهنئاً بعيد الفصح اليهودي، ومتمنياً له وللاسرائيليين عيداً سعيداً هنيئاً على ارض الاجداد (أي اجدادنا) في فلسطين، من باب الحفاظ على اللياقات والاعراف والأصول المتبعة بين الاصدقاء؟.
الحكومة الاسرائيلية وصلت الى السلطة عبر برنامج انتخابي يميني متطرف، تعمل حالياً على تنفيده حرفياً، وابرز معالمه طرد عرب الجليل والمثلث تحت ذريعة عدم الولاء للدولة، ولأنه لا مكان لغير اليهود فيها. اما الفلسطينيون في الضفة الغربية فليس لهم غير البقاء كعمالة رخيصة، يمكن تحسين ظروفها المعيشية.
السناتور ميتشيل أثلج صدر اهل السلطة في المقاطعة برام الله عندما اكد التزام حكومته بحل الدولتين، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وكأننا نسمع بهذا الكلام للمرة الأولى، وكان جورج بوش الابن، اكثر اصدقاء اسرائيل حميمية، لم يعد بالشيء نفسه مرتين، دون ان يفكك حاجزاً أمنياً واحداً في الضفة، ناهيك عن تفكيك مستوطنات، او منع بناء او توسيع اخرى جديدة او قديمة.
في الماضي كنا نسمع تهديدات خجولة على لسان بعض مسؤولي السلطة، وخاصة السيد احمد قريع رئيس فريق المفاوضات (سابقاً) كرد على التلكؤ الاسرائيلي في الالتزام بالحد الأدنى من شروط عملية السلام، خاصة تلك المتعلقة بالاستيطان، مثل التلويح بالتخلي عن حل الدولتين، والعودة الى الدولة الواحدة ثنائية القومية، ولكن حتى هذه التلميحات الخجولة الهامسة تبخرت، ولم نعد نسمع بها، وتبخر معها، او كاد، دور السيد قريع في السلطة، ولم يعد يشارك في اي من اجتماعاتها.
برنامج حكومة نتنياهو العنصري الرافض لحل الدولتين، وعملية انابوليس للسلام، يمكن ان يكونا ذريعة قوية لتحلل السلطة من كل التزاماتها وسياساتها السابقة، والعودة الى البدائل المنطقية المتاحة لشعب تحت الاحتلال، ولكن يبدو ان السيد عباس غير معني بهذا الخيار على الاطلاق، وبات يضع كل بيضه في سلة دول محور الاعتدال، نكاية بحماس ربما، وخروجاً على نهج الرئيس الراحل ياسر عرفات، بحجة عدم الوقوع في خطئه المتمثل في الوقوف في المعسكر الآخر المواجه للمشاريع الامريكية في المنطقة.
نتنياهو غير مهتم بالعملية السلمية لأنه يضع البرنامج النووي الايراني على قمة اولوياته الراهنة، فهو يعتبره الخطر الاكبر الذي يهدد وجود الدولة العبرية، ويريد ان يدمره قبل ان ينجح في تطوير رؤوس نووية، وتوريط الولايات المتحدة في حرب قد تؤدي الى تدمير مصالحها وتعريض امنها لخطر 'ارهابي' غير مسبوق.
ولم يكن من قبيل الصدفة ان يصدر روبرت غيتس وزير الدفاع الامريكي تحذيرات واضحة الى اسرائيل بعدم الاقدام على مثل هذه المغامرة، لأن نتائجها ستكون وخيمة، عليها وعلى امريكا، علاوة على فشلها المحتوم في تحقيق اهدافها. فأي ضربة اسرائيلية لايران ستؤدي الى توحيد الشعب الايراني خلف قيادته، والبدء في تنفيذ مخططات انتقامية ضد اسرائيل والغرب معاً.
القيادة الاسرائيلية تعلم جيداً ان ايران باتت تملك من اليورانيوم المخصب ما يكفي لبناء قنبلة نووية واحدة على الاقل، وتعلم ايضاً ان احمدي نجاد الذي وصف اسرائيل بأنها دولة 'القنبلة الواحدة'، اي ان قنبلة واحدة تكفي لانهاء وجودها، سيفوز حتماً في الانتخابات الرئاسية الايرانية في حزيران (يونيو) المقبل، حتى ان صحيفة 'التايمز' البريطانية نقلت عن دبلوماسي غربي قوله انه لم يقابل احداً في طهران يعارض انتخاب نجاد حتى الآن. وهذان التطوران هما مصدر تهديد وجودي لها، وقد لا يطول صبرها تجاههما.
فوجود ايهود باراك وزيراً للدفاع في حكومة نتنياهو يعزز النظرية التي تقول بقرب الهجوم الاسرائيلي على ايران، حتى ان بعض المحللين العسكريين في الغرب يؤكدون ان العملية العسكرية الاسرائيلية التي استهدفت ما يسمى بقافلة تهريب اسلحة ايرانية في الاراضي السودانية قبل شهرين كانت بمثابة 'بروفة' للخطة الاسرائيلية في هذا الاطار. فالطائرات الاسرائيلية القاذفة من طراز 'اف 16' والمحمية بطائرات 'اف 15' طارت مسافة 1750 ميلاً ذهاباً واياباً فوق البحر الاحمر، وتزودت بالوقود في الجو، وهي المسافة نفسها بين اسرائيل ومنطقة نطنز الايرانية حيث توجد معدات تخصيب اليورانيوم (نطنز تبعد 900 ميل عن فلسطين المحتلة).
وهكذا فإن مهمة ميتشيل الحقيقية لم تكن حل الدولتين، بقدر ما كانت بحث النوايا الاسرائيلية تجاه ايران، بدليل ان الرئيس شمعون بيريس حرص على التأكيد بأن بلاده تؤمن بأن الدبلوماسية هي الحل الوحيد للتعامل مع البرنامج النووي الايراني، في اعقاب لقائه مع المبعوث الامريكي يوم وصوله الى القدس المحتلة.
زيارة نتنياهو المقبلة لواشنطن، اذا ما تمت، لن تضع مسيرة السلام على قمة اولوياتها، وانما الموضوع الايراني، ولذلك لا نشاطر الرئيس عباس والمتحدث باسمه الدكتور صائب عريقات تفاؤلهما بالادراة الامريكية الجديدة واجندتها السلمية في المنطقة.
قد يجادل البعض بأن الخلاف الفلسطيني الراهن ربما يكون مفيداً على عكس ما يعتقده الكثيرون، فوجود معسكرين فلسطينيين احدهما مع المقاومة والدول الداعمة لها مثل ايران، وآخر مع الولايات المتحدة والدول العربية الحليفة لها، ربما يعطي ثماراً افضل، فعلى الاقل سيكون هناك فلسطينيون في المعسكر الرابح، سواء جرى التعامل مع البرنامج النووي الايراني سلماً أو حرباً.
خيارنا ان يقاطع الرئيس عباس حكومة نتنياهو وان يحث العالم كله على ان يفعل الشيء نفسه، لانها حكومة عنصرية تماماً مثل حكومة هايدر النمساوي، وجنوب افريقيا العنصرية، ولكنه لن يفعل، ولن نفاجأ اذا ما عانق نتنياهو قريباً جداً في واشنطن او شرم الشيخ تحت مظلة امريكية او مصرية.
الفلسطينيون يجب ان يقفوا في الخندق الآخر المواجه لاسرائيل، ومعهم العرب جميعاً، أو من امتلك الرؤية الحقة والكرامة الاصيلة من بينهم، ولكن المؤسف ان بعضهم في مقر المقاطعة في رام الله يرى عكس ذلك.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى