- فاروقمشرف منتدى الأخبار
- عدد الرسائل : 7766
العمر : 53
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 16819
السٌّمعَة : 53
تاريخ التسجيل : 09/08/2008
فقراء يحصلون على قصديرة عدس وقطعة شحم بدل قفة رمضان
الأربعاء 09 سبتمبر 2009, 17:22
جال ونساء وعجائز وأطفال ينتظرون تحت أشعة الشمس الحارقة، بعضهم يفترشون الأرض والآخرون يجلسون على الرصيف، ينتظرون ما يجود به مطعم الرحمة عليهم، كل واحد منهم يحمل قصديرة مخبأة داخل كيس، وعندما فتحت البوابة حدث ما لم يكن في الحسبان.. وصلنا إلى بلدية الرغاية في حدود الساعة الثانية عشرة زوالا، وجهتنا كانت مطعم الرحمة، هناك كان المكان شبه خال، لمحنا رجلا يجلس على بعد بضعة أمتار، يحمل كيسا بداخله شيء يضمّه إلى بطنه، بعد لحظات التحق طفل في الثانية عشرة من عمره وجلس غير بعيد عن الرجل، يحمل هو الآخر كيسا.. فاقتربنا منه وسألناه عن سبب مجيئه فرد قائلا ''جئت لكي آخذ الطعام'' وأخرج قصديرته من الكيس ليريها لنا، وأشار بأصبعه نحو الرجل قائلا ''هذا الشخص يسبقني دائما وكأنه يبيت هنا''.. فعلمنا بأن ذلك الرجل يحمل في كيسه قصديرة وينتظر هو الآخر أن يفتح المطعم أبوابه، لكن الوقت كان مبكرا على توزيع الطعام.. تساءلنا فرد الطفل ببراءة ''يجب أن أكون من الأوائل في الطابور''. واصلنا حديثنا مع الطفل الذي أثار انتباهنا لصغر جسده وهو يحمل قصديرة كبيرة الحجم، قال إنه يدعى عبد النور، ولا يتجاوز 12 سنة من عمره، وهو يتلهف لما سيجود به الطباخ عليه في مطعم الرحمة ويأخذها إلى 6 من أشقائه الأيتام وعائلهم الوحيد شقيقته الكبرى التي تعمل كخادمة عند النساء. أخبرنا عبد النور متأسفا بأنه لا يوفّق دائما في أخذ الطعام لأن الأطفال يطردون في معظم الأوقات، وإن سبق وأعطوهم الوجبة فلن يعطوهم التحلية والتي قد تكون كيس حليب أو قارورة مشروب أو زلابية أو بسكويت. ويتأسف عبد النور لأنه لا ينجح في الحصول على ما يحصل عليه الكبار، فيكتفي بالخبز وكمية من العدس أو اللوبيا أو حتى الشوربة ''الهجالة'' حسب قوله. داهمنا الوقت ونحن نتحدث إلى عبد النور، فصارت الساعة تشير إلى الواحدة إلا ربع زوالا، لاحظنا أن مجموعة من النسوة التحقن بالمكان وجلسن بالقرب من المطعم لا يأبهن لما يفترشنه على الأرض، توجهنا نحوهن وجلسنا بالقرب من إحداهن، وتدعى سامية، 30 سنة، زوجها مصاب بمرض عضال، ولها ابنتان، بدأت الدموع تنهمر من عينيها عندما سألناها إن كان زوجها يعمل، قالت ''لولا هذه القصديرة لما وجدت ابنتاي ما تأكلانه، ولولا الحاجة لما عدت إلى هنا''. استفسرنا عن السبب فأجابت بأنه عندما يفتح المطعم تجد الناس يتهافتون ويتشاجرون من أجل أن يكونوا الأوائل في الطابور العريض الطويل، وفيه رجال ونساء وأطفال وعجائز. وأكدت محدثتنا ''يقدمون لنا في سائر الأيام العجائن والعدس واللوبيا إضافة إلى الشوربة ''الهجالة''، ولا نرى اللحم إلا مع طبق الأرز على أن تكون قطعة صغيرة مكسوة بكثير من الشحم''. وأضافت ''باستثناء يوم الجمعة حيث يطبخون طاجين الزيتون لكن من دون لحم، أما أفضل تحلية كانت قارورة مشروبات غازية من 2 لتر، والتي لم نرها إلا يوما واحدا في رمضان كنا محظوظين جدا ذلك اليوم''. ومن جانب آخر، وجهنا سؤالا إلى عمي بوعلام، وهو شيخ متقدم في السن كان يحمل هو الآخر قصديرة وينتظر في الطابور، إن كان قد حصل على قفة رمضان فقال إنه لم يحلم بها حتى في المنام، رغم أنه يحوز على بطاقة معوز. ومثله مثل كل المعوزين الذين كانوا ينتظرون، حيث أكدوا لنا أنه تم إقصاؤهم من قائمة الاستفادة منها رغم حاجتهم لها.. وعلى حد تعبيرهم أن البلدية صرحت في أيام قليلة أنه تم توزيع قفة رمضان على 1100 عائلة معوزة، قيمتها المالية تفوق 5000 دج، حيث خصصت لها ميزانية تفوق 600 مليون سنتيم، كما أنهم اجتمعوا أمام مقر البلدية وطالبوا بإجراء تحقيق في عملية التوزيع لكن دون جدوى.. والدليل أنهم يتصارعون أمام باب المطعم لكي يحصلوا على لقمة يسدون بها جوعهم. وأخبرنا الجميع بأن مشهدا فظيعا يحدث عندما يشرع في توزيع الطعام، فقررنا الانتظار إلى غاية تلك اللحظات المشوقة.. بعد طول انتظار تحت أشعة الشمس الحارقة، رفع أذان الظهر، فبدأ الطابور يكبر أكثـر فأكثـر، وأصبح المكان يعج بالمئات من المحتاجين، كل يبحث عن مكان يستظل فيه، وبعد مرور نصف ساعة انقسموا إلى صفين واحد رجالي والآخر نسائي، والأنظار كلها كانت موجهة نحو بوابة المطعم، كأن الكل يهيئ نفسه لخوض معركة حامية الوطيس، انضممنا إلى الطابور النسائي، حيث كان الرجال أقل فوضى.. فجأة فتح الباب، هجم الجميع وكأنك أمام مشهد سينمائي يتهافت فيه الجنود للفوز بغنيمة الحرب عندما يفتح حصن القلعة المحاصرة، أخذوا يتسابقون للوصول إلى الشباك الذي توزّع منه الوجبات، لأن الأخير لن يحصل إلا على الفتات.. كان المنظر مضحكا وبائسا في ذات الوقت، كادت عجوز تقتل في وسط الزحام والكل لاحظ ذلك، المسكينة سقطت أرضا لكن لا أحد يأبه لأمرها.. أسرعنا لنساعدها على النهوض، فنفضت ملابسها وعادت إلى الطابور مسرعة بعد أن أخبرتنا أن 10 أطفال أيتام ينتظرون القصديرة التي كانت تحملها بين يديها وهي ترتجف.
نادية مكارمة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى