- فاطمة ليندةعضو خبير متطور
- عدد الرسائل : 3216
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 3912
السٌّمعَة : 29
تاريخ التسجيل : 08/07/2008
كيف تعامل الجزائريون مع صحيح البخاري
الأحد 13 سبتمبر 2009, 11:22
للجزائرييِّن مع (صحيح البخاري) تاريخٌ وتقاليد خاصَّة، اندثرت معظم معالمها، وبقيت بعض آثارها لائحة كالأطلال تنتظر مَن يُنعشها ويمدُّها بنفَس جديد تستعيد به الجزائر صفحات تاريخها المجيد، ويتبوَّأ مِن خلالها هذا الكتاب المنزلة التي كان عليها في سالف العصور...
*
فقد كانت له منزلته الخاصَّة، وتقاليده التي توارثها العلماء في مجالسهم، وطريقته المميَّزة التي حافظ عليها النَّاس منذ عهد قريب منَّا، ويكفي لبيان منزلة هذا الكتاب عند أهل الجزائر أن بلغ بالدُّكتور أبو القاسم سعد الله فصرَّح في كتابه (تاريخ الجزائر الثَّقافي) بأنَّ هذا الكتاب لكثرة قراءته في مساجد الجزائر كاد أن يضاهي كتاب الله فيها.
*
*
من هو البخاري ؟
*
*
هو الإمام الحافظ أبو عبد الله محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، ولد سنة 194هـ ببُخارى، وأخذ الحديث عن أزيد من ألف شيخ، جاب البلدان وطاف الآفاق في سبيل طلب العلم حتى بلغ فيه منزلة شهد له بها العلماء، ونال بها رفعة وتعظيماً، ألَّف مؤلَّفات كثيرة أشهرها كتابه الجامع الصَّحيح، توفي بمدينة سمرقند سنة 256هـ وقبره هناك.
*
*
صحيح البخاري:
*
*
هو أصحُّ الكتب بعد كتاب الله عزَّ وجلَّ، اتَّفق النَّاس على تقديمه وتعظيمه لِما اشتمل عليه من أحاديث انتقاها صاحبها انتقاءً بارعا، يحتوي على أزيد من (7000) حديث، تناول من خلالها صاحبه مواضيع فقهية وعقدية وجملة من أخبار السيرة النَّبوية وأخرى في التَّفسير، كما يتضمَّن فوائد حديثية يعرفها أهل الاختصاص.
*
*
1 ) متى وكيف دخل صحيح البخاري إلى الجزائر؟
*
*
لا يمكن بالتَّحديد رسم مسار وتحديد زمان وصول هذا الكتاب إلى أحضان بلدنا هذا، لكن يكفي أن نذكر بأنَّ منزلة الكتاب وعلوِّ مقام صاحبه تجاوزت الحدود وقطعت الآفاق في زمن مختصر جداًّ، وهو ما يفسِّر وصول الكتاب على أعقاب وفاة صاحبه مباشرة، وقد حاول الشَّيخ محمَّد ابن أبي شنب تحديد المسار الذي عن طريقه وصل هذا الكتاب إلى مدينة الجزائر خاصَّة، فكتب بحثاً حاضر به في مؤتمر المستشرقين المنعقد سنة (1905م) بمدينة الجزائر تحت عنوان: (كيف وصل صحيح البخاري إلى مدينة الجزائر)، ذكر فيه أبرز الأسانيد والطُّرق التي يروي عن طريقها علماء الجزائر هذا الكتاب.
*
*
2 ) أوَّل مَن شرح صحيح البخاري عالمٌ جزائري:
*
*
اختلفت آراء المختصِّين في تعيين أوَّل مَن كان له فضل الأسبقية في شرح هذا الكتاب العظيم، فذهب معظم المشتغلين بهذا الفنِّ إلى أنَّ أوَّل مَن شرح (صحيح البخاري) هو الإمام الخطَّابي المتوفي سنة (388 هـ)، في حين أنَّ بعض المؤرِّخين كالشَّيخ عبد الرَّحمن الجيلالي (حفظه الله) يرى بأنَّ العالم الجزائري أبو جعفر أحمد بن نصر الدَّاودي التِّلمساني المتوفي سنة (402 هـ) هو أوَّل مَن شرح هذا الكتاب، وهذه مزيَّة شريفة ومنقبة منيفة لأهل الجزائر، وكتابه (النَّصيحة) الذي شرح فيه (صحيح البخاري) ما يزال في حكم المفقود، على أنَّ بعض الباحثين يزعم بأنَّ هذا الشَّرح موجودٌ بإحدى مكتبات تركيا.
*
*
3 ) اهتمام علماء الجزائر بالكتاب:
*
*
اهتمَّ علماء الجزائر منذ القديم بهذا الكتاب عناية فائقة، فمنهم مَن رحل لسماعه وطلب الإجازة فيه، ومنهم مَن تجاوزت عنايته به إلى كتابة شرح عليه كما فعل ابن مرزوق التِّلمساني، ومحمَّد بن يوسف السَّنوسي، وأبي راس المعسكري، وأحمد بن قاسم البوني، وغيرهم كثير، ومنهم مَن كان يعقد مجالس سماع ورواية، وكثيرٌ منهم كان يشرحه في مجالسه لطلبته، بل كان الملوك والسَّلاطين يخطبون ودَّ العلماء لتخصيص مجالس سماع خاصَّة بهم، وينفقون الأموال للحصول على أصحِّ النُّسخ لهذا الكتاب، وهذه المظاهر اختفى بعضها مع دخول الاستعمار الفرنسي، وإن كان هذا الأخير احتفظ لهذه الأمَّة ببعض الرُّسوم الخاصَّة برواية وقراءة صحيح البخاري في بعض مساجد العاصمة، وأبقت منصت الحزَّاب الذي يقرأ (صحيح البخاري) كلَّ سنة على ما كان عليه في العهد العثماني، ثمَّ جاء الاستقلال فمُحيَت هذه المعاني التي ربما كان أهلنا يعتقدون بأنَّها من جملة ما ورثناه عن الاستعمار، وكان الأولى أن تغرس مثل هذه العادات الحسنة في المجتمع، وتهذَّب من بعض ما يعلق بها من الخرافات، وتدرج في إطار الإسلام الصَّحيح النَّقيِّ من الشَّوائب والسلوكيات الفاسدة.
*
*
4 ) بعض العادات:
*
*
من عادة أهل الجزائر أنَّهم يعقدون في كلِّ سنة في المساجد الكبيرة بالمدينة مجالس يحضرها العلماء وعامَّة النَّاس، تتلى فيها أحاديث البخاري، بطريقة محاطة بسياج من الأدب، وفي زمن مخصوص، وبتقاليد خاصَّة، وهي إلى عهد قريب كانت ما تزال موجودة، ثمَّ اندثر رسمها ولم يبق منها إلا الاسم، وقد حاول بعض الوزراء منذ عقد من الزَّمن إحياء هذه العادة، إلاَّ أنَّه لم يهيِّئ لها الأسباب التي يقوم كلُّ مشروع على أساسها، فذهب مشروعه أدراج الرِّياح، وجاء بعده مَن ألزم الأئمَّة بقراءة البخاري في المساجد على النَّحو الذي كان عليه علماء الجزائر فلم يزد على أن أصدر تعليمات لا ترقى إلى مستوى القضية، ومع ذلك فإنَّه ما تزال هذه العادة المستحسنة منتشرة في بعض الأماكن من وطننا، على غرار ما يفعله إمام المسجد الكبير بالجزائر العاصمة الشَّيخ ابن يوسف الذي على كبر سنِّه ما يزال قائما على إحياء هذه العادة.
*
*
5 ) مِن مظاهر هذه العادات:
*
*
من المظاهر الخاصَّة التي تميَّز بها أهل الجزائر في عقدهم لحلقات تلاوة أحاديث البخاري أنَّهم كانوا يفتتحون قراءته في يوم الأحد من الأسبوع الأوَّل من شهر رجب، ويختمونه في ليلة القدر من شهر رمضان المعظَّم.
*
وكانوا يجزِّؤون الكتاب على عشرة أجزاء معلومة يقرؤون في كلَّ أسبوع جزءًا مخصوصاً.
*
وكانوا يختارون أندى النَّاس صوتاً، وأجهرهم وأفصحهم قراءة لقراءته.
*
وكانوا يرتِّلونه على طريقة قراءة المصحف الشَّريف.
*
*
6 ) ختمة البخاري:
*
*
من الاحتفالات التي كانت تزدهي بها بعض المدن الجزائرية، الاحتفال بيوم ختم البخاري يوم ليلة القدر، فكان لهذا اليوم عند أسلافنا طابعه الخاص ونكهته الخاصَّة به، وهي أنَّه كان يجتمع فيه أعيان البلد وعلماؤه وحكَّامه وعامَّة الشَّعب في المسجد، وكان الأطفال يستقبلون الوفود ويرشُّونهم بماء الورد بالمرش المعروف عندنا بالجزائر، ويحيون ليلهم بالصَّلاة والذِّكر ويختتم المجلس بدعاء خاص: "اللهمَّ صلِّي أفضل صلاة على أشرف مخلوقاتك، سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلِّم، عدد معلوماتك، ومداد كلماتك، كلَّما ذكرك وذكره الذَّاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون".
*
وفي اليوم الموالي يفتتح مجلس الختم بعد صلاة الصُّبح بقراءة القرآن، وقراءة ترجمة الإمام البخاري، وبيان فضل كتابه الصَّحيح.
*
ثمَّ يقوم عالمٌ من أعيان العلماء بقراءة آخر الأحاديث من هذا الكتاب، وهو: "كلمتان حبيبتان إلى الرَّحمن، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"، ويسترسل في شرحه وذكر الأحكام المتعلِّقة به، فيعيد الجميع ذكر هذا التَّسبيح مائة مرَّة، ويختم المجلس بالدُّعاء المعهود: "الحمد لله حمد معترِف بذنبه ...الخ"، ويُرشُّ الحاضرون بماء الورد كذلك، وتوزَّع الحلويات بكلِّ أنواعها على الحاضرين، ثمَّ ينصرف الجميع إلى حاجته.
*
هذه بعض مظاهر هذا الحفل الذي كانت مدن الجزائر تعيشه في مثل هذا اليوم، والذي حاول بعض القائمين على إدارة الشُّؤون الدِّينية بالجزائر أن يعيدوا تجسيده وتحقيقه من غير أن يعدُّوا له عدَّته الخاصَّة به.
*
*
7 ) قراءته في النَّوازل:
*
*
ومن تقاليد أهل الجزائر أنَّهم كانوا إذا أصابتهم المحن والبلايا في الأنفس والأموال والأولاد فإنَّهم كانوا يلجؤون إلى عقد مجالس لختم البخاري، ومَن سبر الأخبار، فقد كان الحكَّام يلزمون العلماء في حروبهم أن يعقدوا حلقات تتلى فيها أحاديث (البخاري) ليلا ونهارا، ويختم الكتاب بدعاء بالنَّصر للمسلمين، وكان الطَّلبة الذين يقرؤونه يسمَّون بـ: (جيش البخاري)، كما أنَّهم كانوا يقرؤونه عند حلول الطَّعون والأمراض الوبائية التي تأتي على الأخضر واليابس، وهو عندهم من باب التَّوسُّل بالأعمال الصَّالحة.
*
*
8 ) وفي زاوية الهامل:
*
*
ولعلَّ آخر مَن أدركناهم ممَّن لا يزال على هذا العهد الشَّيخ أبو الأنوار الهاملي (قيِّم مكتبة زاوية الهامل)، فقد أخبرنا ابنه بأنَّ والده لجأ في العدوان الأخير على (غزَّة) إلى عقد مجالس في قراءة البخاري، ومن محاسن الصُّدف أن صادف أوَّل يوم لقراءته إعلان وقف العدوان.
*
*
9 ) بعض المظاهر الخرافية:
*
*
أ) سيدنا الخضر (عليه السَّلام) يروي صحيح البخاري (!)
*
لعلَّ مِن القضايا التي تسترعي انتباه المتتبِّع لقصَّة هذا الكتاب عندنا بالجزائر اعتقادُ كثير مِن علماء العصور المتأخِّرة بأنَّ الخضر صاحب موسى (عليهما السلام) ما يزال على قيد الحياة، وأنَّه أدرك الإمام البخاري وروى عنه (كتابه الصَّحيح)، رغم أنَّ هذا الإمام هو مِن أشدِّ العلماء إنكاراً على مَن يقول ببقاء الخضر (عليه السلام) على قيد الحياة، وكأنَّ الذي أدرج الخضر ضمن رواة هذا الكتاب أراد إفحام الإمام البخاري وإقناعه بأنَّ رأيه مخطئ، ولا أدلَّ على ذلك مِن رواية الخضر عنه(!)، والشَّيء الذي يثير العجب في هذه القضية أنَّ الخضر (عليه السَّلام) لم يروِ الكتب السِّتة وإنَّما اقتصر فقط على الرِّواية عن الإمام البخاري(!)، فهو طبعا الخصم الذي ينبغي توجيه السِّهام نحو رأيه ومذهبه.
*
*
ب) القاضي شمهروش وقصَّته مع الكتاب:
*
ومِن طريف ما يجده القارئ كذلك مبثوثا في بطون (الأثبات) و(المشيخات) التي كان يتداولها بعض علماء الجزائر في القرون المتأخِّرة، روايتهم عن الجنِّي المشهور بالقاضي أبي محمَّد عبد الرَّحمن شمهروش، وهي شخصية أقلُّ ما يمكن أن يعبَّر عنها بأنَّها أسطورة من نسج الخيال، ودليلٌ على الانحطاط السَّحيق الذي بلغته الأمَّة بل علماؤها في تلك الأزمان، إذ لا يُعقل أن يروي هذا الجنِّي ـ الصَّحابي في زعمهم ـ عن الإمام البخاري مباشرة، ثمَّ لا يورده العلماء في معاجم وطبقات المحدِّثين؟ ثمَّ كيف تسوِّغ لهم عقولهم ظهوره صدفة على مسرح الرِّواية وتحديث بعض العلماء وعقد المجالس معهم؟ ويا فوز مَن أدرك العلوَّ منهم بنيل إجازة منه خاصَّة، بل وصل الأمر عند بعضهم إلى أبعد من ذلك فاحتجَّ على وجوده وألَّف كتبا ورسائل على غرار ما فعله الشَّيخ عبد الحي الكتاني الذي صنَّف كتابين ينتصر فيهما لقضيَّته، الأوَّل سمَّاه: (مواهب الرَّحمن في صحبة القاضي أبي محمَّد عبد الرَّحمن) يعني (شمهروش)، والثّاني تحت عنوان: (المحاسن الفاشية عن الآثار الشَّمهروشية)، ليصل الجهل ببعضهم فيدَّعي حضور جنازة هذا الجنِّي المزعوم المختلق، وهكذا تستحوذ الخرافات على العقول فتصير الأبدان والبلدان لقمة سائغة لكلِّ عدوّ ماكر، ولعلَّ أن يكون انتشار مثل هذه المظاهر الخرافية قد ساهم بقدر كبير في انقطاع الرِّواية بهذا البلد وعزوف النَّاس عن رواية هذا الكتاب، واندراج أسمائهم ضمن سلسلة الإسناد.
*
*
10 ) خير خلف لخير سلف:
*
*
من علماء الجزائر الذين بقيت أسماؤهم مخلَّدة ضمن سلسلة الإسناد ونالوا شرف رواية كتاب (صحيح البخاري):
*
*
أ) الشيخ محمَّد شارف:
*
وهو مِن بقايا العلماء الذين حضروا مثل هذه المجالس، فإنَّه وحسب ما أخبرنا به فقد حضر بعض مجالس البخاري التي كان يعقدها الشَّيخ محمود كحول ابن دالي (مفتي العاصمة)، وسألناه مراراً هل له إجازة في روايته فأنكر ذلك، والعجيب أنَّ بعض أهل المشرق يدَّعي أنَّ الشَّيخ أجازه في روايته.
*
*
ب) الشَّيخ عبد الرَّحمن الجيلالي:
*
وهو من جملة علماء الجزائر الذين رَووا (صحيح البخاري) ولهم فيه إجازة، إذ يرويه مباشرة عن شيخه الشَّيخ عبد الحليم ابن سماية (رحمه الله)، وهو الآن متشدِّدٌ إلى الغاية في الإجازة.
*
*
ت) الشَّيخ الدُّكتور عبد الرَّحمن طالب:
*
زرناه السَّنة الماضية بمكتبه بمدينة وهران، وأخبرنا بأنَّه يروي (صحيح البخاري) وغيره من كتب الحديث عن شيخه الشيخ بخالد بن كابو، عن الشيخ بلقاسم بن كابو، عن الشيخ علي بن عبد الرَّحمن (مفتي وهران)، عن الشيخ ابن الحرَّار الجزائري، بسنده إلى البخاري، والدُّكتور طالب الآن في حالة صحِّية يحتاج إلى رعاية.
*
*
ج) الشَّيخ محمد بن زين العابدين الكُنتي:
*
من علماء الهقار الذين ما زالوا يدرِّسون كتب الحديث رواية ودراية بولاية تمنراست، وهو من ذرية الفاتح العظيم الجليل عقبة بن نافع، وسليل عائلة علمية مشهورة، يروي (البخاري) عن عمِّه عن والده عن حبيب الله بن عبد الله ابن مايابى الشَّنقيطي صاحب كتاب (زاد المسلم)، وله أسانيد أخرى في رواية (البخاري).
*
*
11 ) رأيٌ في الإجازة:
*
*
من الطرق والأساليب التي كان يعتمدها العلماء في رواية كتب الحديث خاصَّة، طريقة الإجازة، وهي أن يقول عالمٌ له رواية في كتاب لطالب متأهِّل يريد أن يندرج اسمه ضمن سلسلة الإسناد، يقول له: أجزتك أن ترويَ عنِّي هذا الكتاب بسندي إلى صاحبه (أي: مؤلِّفه)، وهي طريقة انتشر بها (صحيح البخاري) بين أفراد مجتمعنا، وذاع صيته، غير أنَّ أفضل وسيلة وأنجع طريقة لروايته هي أن يسمعه الطالب جميعا وفي مجالس متعدِّدة عن شيخه.
*
*
12 ) رأي الشَّيخ الإبراهيمي في ذلك:
*
*
ولعلَّ مِن أشدِّ النَّاقمين على هذه الطريقة (أي: الإجازة) في عصرنا الحديث هو الشَّيخ محمَّد البشير الإبراهيمي (رحمه الله) الذي يرى بأنَّ انتشار مثل هذه الأساليب ينشر في الأمَّة فنَّ التكاسل والتثاؤب والتَّعالم، ويذهب برونق العلم وبهائه، ويساعد على اختلاط الدَّخيل بالأصيل، وهو رأيٌ سديد، ولو أدرك الشَّيخ عصرنا هذا وسمع بأنَّ الإجازة تعطى وتؤخذ عبر الأنترنت لشدَّد أكثر وأكثر.
*
*
13 ) ما هكذا يا سعد .....:
*
*
شيء جميل أن يفكِّر بعض المسؤولين في إعادة إحياء قراءة هذا الكتاب العظيم بمساجد الجزائر، وعملٌ بارٌّ أن تَصدر تعليمات إلى الأئمَّة في وقت سابق تحثُّهم على ذلك، ولكن لو أخذ المسئولون هذا الأمر بجدِّيَّة أكثر لعملوا على توفير أرضية قانونية، وأخرى علمية، بل قبل ذلك تهيَّئ الأسباب والظروف الخاصَّة لإنجاح مثل هذه المشاريع، أمَّا أن يبقى هذا الأمر هكذا مِن غير هيئة علمية تُشرف عليه وتسهر على تكوين مَن يقوم به ويعمل على ترشيد أهله، فلا ينبغي أن نكذب على أنفسنا ونظهر للنَّاس على شاشة التلفزيون في ليلة القدر من كلِّ سنة (ختمة البخاري) على المباشر، يحظرها كبار المسؤولين في الدَّولة، وهي ربما الوحيدة عبر تراب الوطن، والتي ما يزال يحتفظ بقراءتها شيخٌ جليلٌ طاعنٌ في السِّنِّ الشَّيخ ابن يوسف (حفظه الله).
*
إنَّ إحياء قراءة (صحيح البخاري) بالمساجد الكبيرة ـ على الأقلّ ـ هو مِن أعظم الإنجازات التي ينبغي أن يفكِّر فيه أهل الرأي والتَّدبير، وإنَّ حضور العامة في مثل هذه المجالس هو أسلوبٌ حضاريٌّ وثَّقافي، زيادة على أنَّه عبادة وسلوك ديني، وفي إحياء مثل هذه المظاهر يتوحَّد النَّاس في الفكر، وتنشر المفاهيم الصَّحيحة للدِّين من مصدر اتَّفق أهل الإسلام قاطبة على أنَّه أصحُّ كتاب بعد كتاب الله تعالى.
*
فقد كانت له منزلته الخاصَّة، وتقاليده التي توارثها العلماء في مجالسهم، وطريقته المميَّزة التي حافظ عليها النَّاس منذ عهد قريب منَّا، ويكفي لبيان منزلة هذا الكتاب عند أهل الجزائر أن بلغ بالدُّكتور أبو القاسم سعد الله فصرَّح في كتابه (تاريخ الجزائر الثَّقافي) بأنَّ هذا الكتاب لكثرة قراءته في مساجد الجزائر كاد أن يضاهي كتاب الله فيها.
*
*
من هو البخاري ؟
*
*
هو الإمام الحافظ أبو عبد الله محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، ولد سنة 194هـ ببُخارى، وأخذ الحديث عن أزيد من ألف شيخ، جاب البلدان وطاف الآفاق في سبيل طلب العلم حتى بلغ فيه منزلة شهد له بها العلماء، ونال بها رفعة وتعظيماً، ألَّف مؤلَّفات كثيرة أشهرها كتابه الجامع الصَّحيح، توفي بمدينة سمرقند سنة 256هـ وقبره هناك.
*
*
صحيح البخاري:
*
*
هو أصحُّ الكتب بعد كتاب الله عزَّ وجلَّ، اتَّفق النَّاس على تقديمه وتعظيمه لِما اشتمل عليه من أحاديث انتقاها صاحبها انتقاءً بارعا، يحتوي على أزيد من (7000) حديث، تناول من خلالها صاحبه مواضيع فقهية وعقدية وجملة من أخبار السيرة النَّبوية وأخرى في التَّفسير، كما يتضمَّن فوائد حديثية يعرفها أهل الاختصاص.
*
*
1 ) متى وكيف دخل صحيح البخاري إلى الجزائر؟
*
*
لا يمكن بالتَّحديد رسم مسار وتحديد زمان وصول هذا الكتاب إلى أحضان بلدنا هذا، لكن يكفي أن نذكر بأنَّ منزلة الكتاب وعلوِّ مقام صاحبه تجاوزت الحدود وقطعت الآفاق في زمن مختصر جداًّ، وهو ما يفسِّر وصول الكتاب على أعقاب وفاة صاحبه مباشرة، وقد حاول الشَّيخ محمَّد ابن أبي شنب تحديد المسار الذي عن طريقه وصل هذا الكتاب إلى مدينة الجزائر خاصَّة، فكتب بحثاً حاضر به في مؤتمر المستشرقين المنعقد سنة (1905م) بمدينة الجزائر تحت عنوان: (كيف وصل صحيح البخاري إلى مدينة الجزائر)، ذكر فيه أبرز الأسانيد والطُّرق التي يروي عن طريقها علماء الجزائر هذا الكتاب.
*
*
2 ) أوَّل مَن شرح صحيح البخاري عالمٌ جزائري:
*
*
اختلفت آراء المختصِّين في تعيين أوَّل مَن كان له فضل الأسبقية في شرح هذا الكتاب العظيم، فذهب معظم المشتغلين بهذا الفنِّ إلى أنَّ أوَّل مَن شرح (صحيح البخاري) هو الإمام الخطَّابي المتوفي سنة (388 هـ)، في حين أنَّ بعض المؤرِّخين كالشَّيخ عبد الرَّحمن الجيلالي (حفظه الله) يرى بأنَّ العالم الجزائري أبو جعفر أحمد بن نصر الدَّاودي التِّلمساني المتوفي سنة (402 هـ) هو أوَّل مَن شرح هذا الكتاب، وهذه مزيَّة شريفة ومنقبة منيفة لأهل الجزائر، وكتابه (النَّصيحة) الذي شرح فيه (صحيح البخاري) ما يزال في حكم المفقود، على أنَّ بعض الباحثين يزعم بأنَّ هذا الشَّرح موجودٌ بإحدى مكتبات تركيا.
*
*
3 ) اهتمام علماء الجزائر بالكتاب:
*
*
اهتمَّ علماء الجزائر منذ القديم بهذا الكتاب عناية فائقة، فمنهم مَن رحل لسماعه وطلب الإجازة فيه، ومنهم مَن تجاوزت عنايته به إلى كتابة شرح عليه كما فعل ابن مرزوق التِّلمساني، ومحمَّد بن يوسف السَّنوسي، وأبي راس المعسكري، وأحمد بن قاسم البوني، وغيرهم كثير، ومنهم مَن كان يعقد مجالس سماع ورواية، وكثيرٌ منهم كان يشرحه في مجالسه لطلبته، بل كان الملوك والسَّلاطين يخطبون ودَّ العلماء لتخصيص مجالس سماع خاصَّة بهم، وينفقون الأموال للحصول على أصحِّ النُّسخ لهذا الكتاب، وهذه المظاهر اختفى بعضها مع دخول الاستعمار الفرنسي، وإن كان هذا الأخير احتفظ لهذه الأمَّة ببعض الرُّسوم الخاصَّة برواية وقراءة صحيح البخاري في بعض مساجد العاصمة، وأبقت منصت الحزَّاب الذي يقرأ (صحيح البخاري) كلَّ سنة على ما كان عليه في العهد العثماني، ثمَّ جاء الاستقلال فمُحيَت هذه المعاني التي ربما كان أهلنا يعتقدون بأنَّها من جملة ما ورثناه عن الاستعمار، وكان الأولى أن تغرس مثل هذه العادات الحسنة في المجتمع، وتهذَّب من بعض ما يعلق بها من الخرافات، وتدرج في إطار الإسلام الصَّحيح النَّقيِّ من الشَّوائب والسلوكيات الفاسدة.
*
*
4 ) بعض العادات:
*
*
من عادة أهل الجزائر أنَّهم يعقدون في كلِّ سنة في المساجد الكبيرة بالمدينة مجالس يحضرها العلماء وعامَّة النَّاس، تتلى فيها أحاديث البخاري، بطريقة محاطة بسياج من الأدب، وفي زمن مخصوص، وبتقاليد خاصَّة، وهي إلى عهد قريب كانت ما تزال موجودة، ثمَّ اندثر رسمها ولم يبق منها إلا الاسم، وقد حاول بعض الوزراء منذ عقد من الزَّمن إحياء هذه العادة، إلاَّ أنَّه لم يهيِّئ لها الأسباب التي يقوم كلُّ مشروع على أساسها، فذهب مشروعه أدراج الرِّياح، وجاء بعده مَن ألزم الأئمَّة بقراءة البخاري في المساجد على النَّحو الذي كان عليه علماء الجزائر فلم يزد على أن أصدر تعليمات لا ترقى إلى مستوى القضية، ومع ذلك فإنَّه ما تزال هذه العادة المستحسنة منتشرة في بعض الأماكن من وطننا، على غرار ما يفعله إمام المسجد الكبير بالجزائر العاصمة الشَّيخ ابن يوسف الذي على كبر سنِّه ما يزال قائما على إحياء هذه العادة.
*
*
5 ) مِن مظاهر هذه العادات:
*
*
من المظاهر الخاصَّة التي تميَّز بها أهل الجزائر في عقدهم لحلقات تلاوة أحاديث البخاري أنَّهم كانوا يفتتحون قراءته في يوم الأحد من الأسبوع الأوَّل من شهر رجب، ويختمونه في ليلة القدر من شهر رمضان المعظَّم.
*
وكانوا يجزِّؤون الكتاب على عشرة أجزاء معلومة يقرؤون في كلَّ أسبوع جزءًا مخصوصاً.
*
وكانوا يختارون أندى النَّاس صوتاً، وأجهرهم وأفصحهم قراءة لقراءته.
*
وكانوا يرتِّلونه على طريقة قراءة المصحف الشَّريف.
*
*
6 ) ختمة البخاري:
*
*
من الاحتفالات التي كانت تزدهي بها بعض المدن الجزائرية، الاحتفال بيوم ختم البخاري يوم ليلة القدر، فكان لهذا اليوم عند أسلافنا طابعه الخاص ونكهته الخاصَّة به، وهي أنَّه كان يجتمع فيه أعيان البلد وعلماؤه وحكَّامه وعامَّة الشَّعب في المسجد، وكان الأطفال يستقبلون الوفود ويرشُّونهم بماء الورد بالمرش المعروف عندنا بالجزائر، ويحيون ليلهم بالصَّلاة والذِّكر ويختتم المجلس بدعاء خاص: "اللهمَّ صلِّي أفضل صلاة على أشرف مخلوقاتك، سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلِّم، عدد معلوماتك، ومداد كلماتك، كلَّما ذكرك وذكره الذَّاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون".
*
وفي اليوم الموالي يفتتح مجلس الختم بعد صلاة الصُّبح بقراءة القرآن، وقراءة ترجمة الإمام البخاري، وبيان فضل كتابه الصَّحيح.
*
ثمَّ يقوم عالمٌ من أعيان العلماء بقراءة آخر الأحاديث من هذا الكتاب، وهو: "كلمتان حبيبتان إلى الرَّحمن، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"، ويسترسل في شرحه وذكر الأحكام المتعلِّقة به، فيعيد الجميع ذكر هذا التَّسبيح مائة مرَّة، ويختم المجلس بالدُّعاء المعهود: "الحمد لله حمد معترِف بذنبه ...الخ"، ويُرشُّ الحاضرون بماء الورد كذلك، وتوزَّع الحلويات بكلِّ أنواعها على الحاضرين، ثمَّ ينصرف الجميع إلى حاجته.
*
هذه بعض مظاهر هذا الحفل الذي كانت مدن الجزائر تعيشه في مثل هذا اليوم، والذي حاول بعض القائمين على إدارة الشُّؤون الدِّينية بالجزائر أن يعيدوا تجسيده وتحقيقه من غير أن يعدُّوا له عدَّته الخاصَّة به.
*
*
7 ) قراءته في النَّوازل:
*
*
ومن تقاليد أهل الجزائر أنَّهم كانوا إذا أصابتهم المحن والبلايا في الأنفس والأموال والأولاد فإنَّهم كانوا يلجؤون إلى عقد مجالس لختم البخاري، ومَن سبر الأخبار، فقد كان الحكَّام يلزمون العلماء في حروبهم أن يعقدوا حلقات تتلى فيها أحاديث (البخاري) ليلا ونهارا، ويختم الكتاب بدعاء بالنَّصر للمسلمين، وكان الطَّلبة الذين يقرؤونه يسمَّون بـ: (جيش البخاري)، كما أنَّهم كانوا يقرؤونه عند حلول الطَّعون والأمراض الوبائية التي تأتي على الأخضر واليابس، وهو عندهم من باب التَّوسُّل بالأعمال الصَّالحة.
*
*
8 ) وفي زاوية الهامل:
*
*
ولعلَّ آخر مَن أدركناهم ممَّن لا يزال على هذا العهد الشَّيخ أبو الأنوار الهاملي (قيِّم مكتبة زاوية الهامل)، فقد أخبرنا ابنه بأنَّ والده لجأ في العدوان الأخير على (غزَّة) إلى عقد مجالس في قراءة البخاري، ومن محاسن الصُّدف أن صادف أوَّل يوم لقراءته إعلان وقف العدوان.
*
*
9 ) بعض المظاهر الخرافية:
*
*
أ) سيدنا الخضر (عليه السَّلام) يروي صحيح البخاري (!)
*
لعلَّ مِن القضايا التي تسترعي انتباه المتتبِّع لقصَّة هذا الكتاب عندنا بالجزائر اعتقادُ كثير مِن علماء العصور المتأخِّرة بأنَّ الخضر صاحب موسى (عليهما السلام) ما يزال على قيد الحياة، وأنَّه أدرك الإمام البخاري وروى عنه (كتابه الصَّحيح)، رغم أنَّ هذا الإمام هو مِن أشدِّ العلماء إنكاراً على مَن يقول ببقاء الخضر (عليه السلام) على قيد الحياة، وكأنَّ الذي أدرج الخضر ضمن رواة هذا الكتاب أراد إفحام الإمام البخاري وإقناعه بأنَّ رأيه مخطئ، ولا أدلَّ على ذلك مِن رواية الخضر عنه(!)، والشَّيء الذي يثير العجب في هذه القضية أنَّ الخضر (عليه السَّلام) لم يروِ الكتب السِّتة وإنَّما اقتصر فقط على الرِّواية عن الإمام البخاري(!)، فهو طبعا الخصم الذي ينبغي توجيه السِّهام نحو رأيه ومذهبه.
*
*
ب) القاضي شمهروش وقصَّته مع الكتاب:
*
ومِن طريف ما يجده القارئ كذلك مبثوثا في بطون (الأثبات) و(المشيخات) التي كان يتداولها بعض علماء الجزائر في القرون المتأخِّرة، روايتهم عن الجنِّي المشهور بالقاضي أبي محمَّد عبد الرَّحمن شمهروش، وهي شخصية أقلُّ ما يمكن أن يعبَّر عنها بأنَّها أسطورة من نسج الخيال، ودليلٌ على الانحطاط السَّحيق الذي بلغته الأمَّة بل علماؤها في تلك الأزمان، إذ لا يُعقل أن يروي هذا الجنِّي ـ الصَّحابي في زعمهم ـ عن الإمام البخاري مباشرة، ثمَّ لا يورده العلماء في معاجم وطبقات المحدِّثين؟ ثمَّ كيف تسوِّغ لهم عقولهم ظهوره صدفة على مسرح الرِّواية وتحديث بعض العلماء وعقد المجالس معهم؟ ويا فوز مَن أدرك العلوَّ منهم بنيل إجازة منه خاصَّة، بل وصل الأمر عند بعضهم إلى أبعد من ذلك فاحتجَّ على وجوده وألَّف كتبا ورسائل على غرار ما فعله الشَّيخ عبد الحي الكتاني الذي صنَّف كتابين ينتصر فيهما لقضيَّته، الأوَّل سمَّاه: (مواهب الرَّحمن في صحبة القاضي أبي محمَّد عبد الرَّحمن) يعني (شمهروش)، والثّاني تحت عنوان: (المحاسن الفاشية عن الآثار الشَّمهروشية)، ليصل الجهل ببعضهم فيدَّعي حضور جنازة هذا الجنِّي المزعوم المختلق، وهكذا تستحوذ الخرافات على العقول فتصير الأبدان والبلدان لقمة سائغة لكلِّ عدوّ ماكر، ولعلَّ أن يكون انتشار مثل هذه المظاهر الخرافية قد ساهم بقدر كبير في انقطاع الرِّواية بهذا البلد وعزوف النَّاس عن رواية هذا الكتاب، واندراج أسمائهم ضمن سلسلة الإسناد.
*
*
10 ) خير خلف لخير سلف:
*
*
من علماء الجزائر الذين بقيت أسماؤهم مخلَّدة ضمن سلسلة الإسناد ونالوا شرف رواية كتاب (صحيح البخاري):
*
*
أ) الشيخ محمَّد شارف:
*
وهو مِن بقايا العلماء الذين حضروا مثل هذه المجالس، فإنَّه وحسب ما أخبرنا به فقد حضر بعض مجالس البخاري التي كان يعقدها الشَّيخ محمود كحول ابن دالي (مفتي العاصمة)، وسألناه مراراً هل له إجازة في روايته فأنكر ذلك، والعجيب أنَّ بعض أهل المشرق يدَّعي أنَّ الشَّيخ أجازه في روايته.
*
*
ب) الشَّيخ عبد الرَّحمن الجيلالي:
*
وهو من جملة علماء الجزائر الذين رَووا (صحيح البخاري) ولهم فيه إجازة، إذ يرويه مباشرة عن شيخه الشَّيخ عبد الحليم ابن سماية (رحمه الله)، وهو الآن متشدِّدٌ إلى الغاية في الإجازة.
*
*
ت) الشَّيخ الدُّكتور عبد الرَّحمن طالب:
*
زرناه السَّنة الماضية بمكتبه بمدينة وهران، وأخبرنا بأنَّه يروي (صحيح البخاري) وغيره من كتب الحديث عن شيخه الشيخ بخالد بن كابو، عن الشيخ بلقاسم بن كابو، عن الشيخ علي بن عبد الرَّحمن (مفتي وهران)، عن الشيخ ابن الحرَّار الجزائري، بسنده إلى البخاري، والدُّكتور طالب الآن في حالة صحِّية يحتاج إلى رعاية.
*
*
ج) الشَّيخ محمد بن زين العابدين الكُنتي:
*
من علماء الهقار الذين ما زالوا يدرِّسون كتب الحديث رواية ودراية بولاية تمنراست، وهو من ذرية الفاتح العظيم الجليل عقبة بن نافع، وسليل عائلة علمية مشهورة، يروي (البخاري) عن عمِّه عن والده عن حبيب الله بن عبد الله ابن مايابى الشَّنقيطي صاحب كتاب (زاد المسلم)، وله أسانيد أخرى في رواية (البخاري).
*
*
11 ) رأيٌ في الإجازة:
*
*
من الطرق والأساليب التي كان يعتمدها العلماء في رواية كتب الحديث خاصَّة، طريقة الإجازة، وهي أن يقول عالمٌ له رواية في كتاب لطالب متأهِّل يريد أن يندرج اسمه ضمن سلسلة الإسناد، يقول له: أجزتك أن ترويَ عنِّي هذا الكتاب بسندي إلى صاحبه (أي: مؤلِّفه)، وهي طريقة انتشر بها (صحيح البخاري) بين أفراد مجتمعنا، وذاع صيته، غير أنَّ أفضل وسيلة وأنجع طريقة لروايته هي أن يسمعه الطالب جميعا وفي مجالس متعدِّدة عن شيخه.
*
*
12 ) رأي الشَّيخ الإبراهيمي في ذلك:
*
*
ولعلَّ مِن أشدِّ النَّاقمين على هذه الطريقة (أي: الإجازة) في عصرنا الحديث هو الشَّيخ محمَّد البشير الإبراهيمي (رحمه الله) الذي يرى بأنَّ انتشار مثل هذه الأساليب ينشر في الأمَّة فنَّ التكاسل والتثاؤب والتَّعالم، ويذهب برونق العلم وبهائه، ويساعد على اختلاط الدَّخيل بالأصيل، وهو رأيٌ سديد، ولو أدرك الشَّيخ عصرنا هذا وسمع بأنَّ الإجازة تعطى وتؤخذ عبر الأنترنت لشدَّد أكثر وأكثر.
*
*
13 ) ما هكذا يا سعد .....:
*
*
شيء جميل أن يفكِّر بعض المسؤولين في إعادة إحياء قراءة هذا الكتاب العظيم بمساجد الجزائر، وعملٌ بارٌّ أن تَصدر تعليمات إلى الأئمَّة في وقت سابق تحثُّهم على ذلك، ولكن لو أخذ المسئولون هذا الأمر بجدِّيَّة أكثر لعملوا على توفير أرضية قانونية، وأخرى علمية، بل قبل ذلك تهيَّئ الأسباب والظروف الخاصَّة لإنجاح مثل هذه المشاريع، أمَّا أن يبقى هذا الأمر هكذا مِن غير هيئة علمية تُشرف عليه وتسهر على تكوين مَن يقوم به ويعمل على ترشيد أهله، فلا ينبغي أن نكذب على أنفسنا ونظهر للنَّاس على شاشة التلفزيون في ليلة القدر من كلِّ سنة (ختمة البخاري) على المباشر، يحظرها كبار المسؤولين في الدَّولة، وهي ربما الوحيدة عبر تراب الوطن، والتي ما يزال يحتفظ بقراءتها شيخٌ جليلٌ طاعنٌ في السِّنِّ الشَّيخ ابن يوسف (حفظه الله).
*
إنَّ إحياء قراءة (صحيح البخاري) بالمساجد الكبيرة ـ على الأقلّ ـ هو مِن أعظم الإنجازات التي ينبغي أن يفكِّر فيه أهل الرأي والتَّدبير، وإنَّ حضور العامة في مثل هذه المجالس هو أسلوبٌ حضاريٌّ وثَّقافي، زيادة على أنَّه عبادة وسلوك ديني، وفي إحياء مثل هذه المظاهر يتوحَّد النَّاس في الفكر، وتنشر المفاهيم الصَّحيحة للدِّين من مصدر اتَّفق أهل الإسلام قاطبة على أنَّه أصحُّ كتاب بعد كتاب الله تعالى.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى