يهود الجزائر يُبعثُون من مقابرهم

تنتابك الرهبة وتختلط المشاعر عندما تطأ أقدامك المقبرة اليهودية الوحيدة بالعاصمة في بولوغين أسماء عربية لعائلات يهودية معلقة في لوحة رخامية في مربع خاص بالعسكريين منهم من ساعد الثورة الجزائرية من أمثال عائلة بلعيش الذي كان عضوا بالبرلمان الفرنسي في الجزائر، وقتل أحد أفرادها سنة 1995 في السكوار بساحة الشهداء من قبل الجماعات الإرهابية. يقول حميد حمودي مرشدنا في المقبرة اليهودية إنه يستقبل العديد من الزوار الذين يرغبون في زيارة مقابر ذويهم من اليهود، لكنهم يأتون بطريقة محتشمة ويفضلون الولوج إليها عبر المقبرة المسيحية. وتم قبل ستة أشهر من الآن نقل رفاة المدعو طبول من المقبرة اليهودية إلى فرنسا، وهو المتوفي سنة 1941 وقتل من قبل الجيش الألماني في الجزائر في الحرب العالمية الثانية. وتضم المقبرة آلاف القبور بأشكال مميزة بعضها دائري يحمل السيرة الذاتية مكتوبة بالعبرية للميت، حسب المرشد حميد، والبعض الآخر يحمل صور الموتى وتاريخ ميلادهم ووفاتهم، أغلبهم ولد في الجزائر، إلا أن قبر الحاخامين إسحاق وميشان يدل على تاريخ 1408 مما يؤكد أنهما مولودان في إسبانيا وهربا من حروب الاسترداد الإسبانية، واستقرا في الجزائر، وأسسا أول المعابد بمذهب جديد تم تطويره هنا في بلادنا حسب حمودي دائما، وأنشأ داخل المقبرة مقر ومعبد هو اليوم يحتضن قبر الحاخامين. ويؤكد نفس المصدر أن المقبرة تحتوي على مغسل خاص وهو عبارة عن قاعة كبيرة بها لوحة رخامية كبيرة تقام فيها طقوس الغسل وفق الديانة اليهودية، إذ يغسل الميت ويدفن في نفس الوقت. وبحسب الإجراءات القانونية المعمول بها في تسيير المقابر فإن العائلات التي تملك قبورا في المقبرة هي التي تجدد عقد كراء المساحة بشكل دوري، لكن الكثير من عائلات الموتى لا تقوم بذلك إلا القليل منهم، وهناك ثلاث صيغ للكراء منها ما هو مدى الحياة أو 100 سنة أو 50 سنة أو 30 سنة. ومن بين أشهر الموتى الذين دفنوا في مقبرة بولوغين يوجد أب الفنان اليهودي الفرنسي المولود في باب الوادي، روجيه حنين، وأخ الوزيرة السابقة للثقافة الفرنسية وايف تون الذي أعدم ودفن في الجزائر. ولاحظنا أثناء تجولنا بالمقبرة وجود مربعات صغيرة عبارة عن صناديق صغيرة بعضها أتى عليها الزمن وتكسرت، ولما سئلنا مرشدنا قال إنها مخصصة لأولئك الذين انتهت فترة كرائهم للمكان فجمعت العظام في صناديق خاصة، ولقد اكتشفنا بدهشة كبيرة أن جمجمة ميت تكاد تخرج من الصندوق في مشهد رهيب أمام صناديق تحوي تواريخ الميلاد والوفاة أو صور لأطفال بالزي اليهودي. كما تم نقل العديد من الجثامين من الكيتاني أو باب الوادي إلى مقبرة بولوغين اليهودية بطلب من عائلاتهم التي تعمد إلى زيارة تلك القبور من حين إلى آخر.. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من النشطاء اليهود من أصول جزائرية يرغبون في نقل رفاة ذويهم، وهم الآن ينظمون أنفسهم في شكل جمعيات من أجل حث السلطات الجزائرية والفرنسية على حد سواء للاهتمام أكثـر بمقابر اليهود في الجزائر وحمايتها من المنحرفين الذين يعيثون فيها فسادا. كما استبشر اليهود من أصول جزائرية خيرا بإنشاء أول ممثلية لهم لدى مصالح وزارة الشؤون الدينية التي سيكون من مهامها الحفاظ على المقابر اليهودية في الجزائر. 
بلا رهبة وسيدي عباز فليذهب اليهود الجزائريين إلى الجحيم ...