منع مآذن سويسرا.. أسباب وعلاج وتحذير بقلم : راشد الغنوشي
الجمعة 04 ديسمبر 2009, 08:45
راشد الغنوشي
يأتي قرار منع بناء المآذن في سويسرا ليدل دلالة واضحة على تصاعد تيارات اليمين المتعصب متحالفة على امتداد أوروبا مع قوة اللوبي الصهيوني.. وهو تحالف غريب، لأن من المعروف أن تيارات اليمين وريثة المسيحية ووريثة النازية، وهما في الأصل عدوان لدودان لليهودية، ولكن مياهًا كثيرة قد جرت في النهر، بما رشح العداء للإسلام ليكون جسر التواصل وأساس التحالف.
يضاف إلى ذلك عامل المنافسة السياسية، بما جعل من استهداف المهاجرين وربط كل المشاكل بهم وبالإسلام من بطالة وفوضى وغيرها، لعبة رخيصة الثمن وطريقا سهلا للنفاذ إلى قلوب الناس ودغدغة مشاعرهم، والحصول على أصواتهم بالتلويح بـ"الخطر الإسلامي الداهم".
فلم تعد تلك الأحزاب محتاجة إلى تقديم برامج معقدة لإقناع الجمهور والحصول على أصواته، يكفيها التلويح ليل نهار بهذا "الخطر" وشن حملات على المسلمين والمهاجرين حتى يرتفع نصابها الانتخابي.
ولقد تعزز جانب هذه الجماعات اليمينية المتعصبة والصهيونية بأحداث 11 سبتمبر، حيث تعززت فكرة أن الإسلام هو الخطر وهو العدو، وأن هذا العدو يقيم بين أظهرنا.. والخلفية الإسرائيلية بالطبع واضحة لهذه الإستراتيجية، بعد أن ظهر الإسلام طليعة للمقاومة في فلسطين وغيرها، ومن يجرؤ على ضرب زعيم القوم فقد هدد القوم كلهم، ولذلك خرجت صبيحة ذلك الحدث المشئوم، (11سبتمبر) صحيفة لوموند الشهيرة حاملة على غلافها عنوانا ضخما "كلنا أمريكان".
أحد المساجد في سويسرا |
وفي هذا الصدد يختار الإعلام المعادي للحديث باسم الإسلام إما عناصر علمانية حاقدة ذات أصول إسلامية، إما مأجورة أو مخترقة، أو يختار شيوخا غير مؤهلين لمخاطبة الرأي العام الغربي، متجنبة شخصيات كفؤا لهذا الأمر.. مثل البروفسور السويسري طارق رمضان.. مثلا.
فشل الأقلية المسلمة
إن هذا القرار يعبر عن موجة عدائية ضد الإسلام متصاعدة في المجتمعات الغربية، كما يعبر عن فشل الأقلية المسلمة في سويسرا وفي عموم الغرب في تحويل وزنها العددي إلى قوة سياسية، بسبب عزلتها وتشرذمها وتدني مستوى وعيها العام وانشغالها بخلافات مستوردة من العالم الإسلامي، وهو ما سهل مهمة أعدائها في العدوان على مقدساتها ورموزها، ودفعها إلى الهامش والعزلة..
كما أن العالم الإسلامي يتحمل مسئولية في ذلك؛ لأنه ترك تلك الأقليات لنفسها، مع أهميتها المستقبلية البالغة في الدفاع عن المصالح الإسلامية والعربية.. لقد تركها في حالة يُتم، تصارع بمفردها قوى ضخمة مدربة مثل تيارات اليمين واللوبيات الصهيونية النافذة، بل قد يصل الأمر إلى الكيد لها والتوجس مما تتمتع به من حريات مما يمثل خطرا!! خلافا للأقلية اليهودية وما تتمتع به من دعم محلي ودولي، في حين لا تجد الأقلية المسلمة من العالم الإسلامي- غالبا - سوى الخذلان، فما حدث هو تعبير عن فشل الأقلية المسلمة في سويسرا في الدفاع عن نفسها وفي كسب أنصار لها وحلفاء من القوى التحررية من أبناء البلد الأصليين.
والعلاج يصبح واضحا في أن تخرج تلك الأقليات من عزلتها وتغادر خلافاتها الصغيرة، وتنخرط في الحياة السياسية في الأحزاب القائمة، وتخرج لها متحدثين أكفاء باسمها، وتبحث لها عن حلفاء وأصدقاء، من أجل أن تحول كثرتها العددية إلى قوة سياسية، فتكون لها القدرة على الدفاع عن نفسها.
الغرب متعدد وليس واحدا، فليس كله يمينا فاشستيا وجماعات صهيونية، رغم ما تتمتع به هذه من نفوذ واسع في الغرب ومنه سويسرا.. بل هناك قوى تحررية تناضل ضد التعصب والفاشية والإمبريالية والصهيونية مرشحة للتعاون مع الأقلية الإسلامية، كما حصل في بريطانيا خلال الحرب على العراق سنة 2003، حيث ظهر تحالف بين التيار الإسلامي وبين طيف واسع من الجماعات البريطانية النقابية واليسارية المضادة للعولمة، أمكن لذلك التحالف أن يقود مظاهرات مليونية، ضد سياسة الحرب.. ورغم أن بلير مضى إلى الحرب لا يبالي فإن أثر تلك المسيرات لا يزال يلاحقه..
للأسف لا تزال نزوعات المحافظة هي الغالبة على الوجود الإسلامي في الغرب، ما يدفعه إلى العزلة، وبالخصوص أمام ما يشن عليه من حملات عاتية منظمة من قبل خصومه، فينكمش ولا يبحث عن حلفاء له على أساس قضايا إنسانية ووطنية مشتركة، بما تتمكن به هذه الأقليات من الدفاع عن نفسها، على خلفية الدفاع عن الحقوق والحريات ومناهضة تيارات العولمة والهيمنة..
تحذير
إن أي ردود أفعال على هذا العدوان على الرموز الإسلامية ليس من شأنها إلا أن تؤدي إلى نتائج سيئة يمكن أن تكون كارثية، وليكن معلوما أنه ربما يكون جزءا من إستراتيجية هذا العدوان على الرموز الإسلامية ومنها المآذن، دفع الأقلية المسلمة للقيام بردود أفعال متشنجة، بما يوفر الوقود الكافي لتأجيج وتصعيد نيران العداوة والعدوان على الإسلام وأقلياته، والدفع نحو إنتاج صور أخرى من العدوان على الإسلام والمسلمين تعيد للذاكرة ما حصل للمسلمين في الأندلس، وبالأمس القريب في البوسنة من الطرد الجماعي للمسلمين.
بينما يمكن تحويل القرار إلى مادة توعية للمسلمين في سويسرا وفي الغرب عامة وفي كل مكان، أن عليهم مغادرة مواقع التشرذم والعزلة والانكماش، والانخراط في مشاغل مجتمعاتهم وهمومها، والبحث عن حلفاء ومتحدثين جدد أكفاء لتغيير الصور النمطية السلبية المرتسمة عن الإسلام، من حيث إنه دين حرب وعداوة متأصلة للحريات وللنساء وللفنون، صورة تصادم من كل وجه أنه رحمة للعالمين.
يمكن بذلك أن تتحول المصيبة إلى منحة {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}[لبقرة:216]، بما يجعل مثل هذا القرار المتعصب وأمثاله من منع الزى الإسلامي للمرأة جزءًا من الماضي، باعتباره جزءًا من سياسات متعصبة فاشستية لا مستقبل لها في عالم يتجه قدما صوب الحرية والإسلام.. قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8].
زعيم حركة النهضة التونسية
- فاروقمشرف منتدى الأخبار
- عدد الرسائل : 7766
العمر : 53
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 16819
السٌّمعَة : 53
تاريخ التسجيل : 09/08/2008
اليمين المتطرف يستولي على أوروبا
الجمعة 04 ديسمبر 2009, 12:05
يد العنصرية تطال المآذن الاسلامية
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى