- فاروقمشرف منتدى الأخبار
- عدد الرسائل : 7766
العمر : 53
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 16819
السٌّمعَة : 53
تاريخ التسجيل : 09/08/2008
السياسة بطريقة «أربعة - اثنين - أربعة»! بعيون مصرية
الأحد 06 ديسمبر 2009, 11:58
المصدر :مجلة أكتوبر
الكاتب:
بقلم :إسماعيل منتصر
أصبح واضحا أن الأزمة الملتهبة التى نشبت بين مصر والجزائر بسبب التصفيات المؤهلة لكأس العالم.. أصبح واضحاً أنها تسير فى طريق التهدئة والتبريد التدريجى!..
رئيس الوزراء المصرى الدكتور أحمد نظيف قال فى تصريحات أدلى بها عقب رئاسته لمجلس المحافظين.. إن ما حدث فى أم درمان لا يعدو خلافاً عادياً فى مباراة لكرة القدم التى تشهد الكثير من المشاحنات كل يوم..
قبل تصريح رئيس الوزراء أعلن أحمد أبو الغيط وزير الخارجية أن مصر تهدف إلى تهدئة الوضع مع الجزائر فى وجود وساطة ليبية وسودانية واهتمام من الجامعة العربية.
على الجانب الآخر أعلن وزير خارجية الجزائر أن بلاده تدعو إلى التهدئة وطى صفحة الماضى.. مع كل الحب والتقدير لمصر.. الحقيقة أيضاً أن الحكومة الجزائرية قامت مؤخراً بإيقاف رئيس إحدى الشبكات الإذاعية الجزائرية بعد أن قام بشن هجوم حاد على مصر وقيادات مصر.. وصل إلى حد التطاول!..
لا بأس ولا مانع.. فالصلح خير كما يقولون خاصة بين الأشقاء.. لكننا فى الحقيقة أمام إشكالية صعبة.. فقد تعلمنا أن أى مصالحة لابد أن تتم على أساس واضح وقوى.. ويقتضى ذلك أن نعرف أولا.. هل ما حدث كان أزمة سياسية أم أزمة كروية.. أم أنها أزمة سياسية تعاملنا معها وكأنها مباراة حاول فيها كل فريق تطبيق طريقة (4- 2- 4).. أكثر الطرق الهجومية فى لعبة كرة القدم؟!..
فإذا بدأنا بتغليب حُسن النوايا وقلنا إنها أزمة كروية بين شعبين يتميزان بولعهما الشديد بلعبة كرة القدم.. فإننا مطالبون فى نفس الوقت بالاحتكام للعقل والمنطق.. والعقل والمنطق يقولان إن مشجعى الفريق الخاسر عادة هم الذين يشعلون فتيل الأزمة!.. لكن ذلك لم يحدث.. فقد خسرت مصر المباراة الفاصلة وفازت الجزائر ومع ذلك فإن الذى أشعل الفتيل هو جمهور الفريق الفائز.. جمهور الجزائر!..
كان مقبولاً أن يردد الجمهور الجزائرى كنوع من رد الفعل لعصبية المباراة الفاصلة.. الهتافات العدائية لمصر وللفريق المصرى.. كان مقبولاً أن يخرج بعض الصبية عن الروح الرياضية.. لكن الغريب أن الأزمة بدت كما لو أنها معركة حربية خطّط لها الجزائريون وقرروا القيام بها فى الحالتين.. الخسارة أو الفوز!..
تربصت فرق كاملة ومنظمة من الجمهور الجزائرى للجمهور المصرى خلال عودته من استاد المباراة فى الطريق إلى مطار الخرطوم.. وقامت بالاعتداء عليه بطريقة وحشية لا تتناسب مع فرحة الجزائريين بالفوز والصعود إلى نهائيات كأس العالم!..
فإذا أضفنا لذلك كله حكايات حرق الأعلام المصرية والتطاول على مصر ورموزها والاعتداء على المصريين فى الجزائر وتحطيم الممتلكات المصرية هناك.. فمن المؤكد أنها مسألة أكبر من كونها مباراة فى كرة القدم.. من المؤكد أنها ليست أزمة كروية!..
هل يعنى ذلك أنها أزمة سياسية؟!..
التاريخ يقول إن الشعبين المصرى والجزائرى من أكثر الشعوب العربية تقارباً.. الشعب المصرى ساند الشعب الجزائرى فى معركة استقلاله وكان القادة الجزائريون دوماً محل إعجاب الشعب المصرى وتقديره.. وفى المقابل وقفت الجزائر مع مصر فى معركتها لتحرير سيناء موقفاً لا ينساه الشعب المصرى.. بل إنه فى الحقيقة كان دائماً موضع اعتزاز المصريين وفخرهم..
الحاضر أيضاً يؤكد أن مصر تساعد الجزائر بكل قوة وكانت أكثر الدول العربية تعاطفاً مع محنتها خلال سنوات الإرهاب.. ثم إن الاستثمارات المصرية فى الجزائر تعكس الثقة المتبادلة بين الجانبين.. وفى المقابل نجد أن مواقف الجزائر المختلفة تجاه مصر - وآخرها تصويت الجزائر لفاروق حسنى فى معركة اليونسكو- دليل على عمق ودفء العلاقات المصرية الجزائرية..
لكن المشكلة أن الجانبين تناسيا كل ذلك.. والمشكلة الأكبر أن الأحداث التى شهدتها أم درمان لم تكن تلقائية بفعل المتعصبين وإنما كانت بتوجيهات من مسئولين فى الحكومة الجزائرية!..
لا أريد أن أعيد ما هو معروف عن إرسال قوات قتالية جزائرية وليس مشجعى كرة القدم إلى الخرطوم.. ولا عن قيام الجمهور الجزائرى بشراء الخناجر والسكاكين من متاجر الخرطوم.. ولا عن الطائرات العسكرية التى نقلت جمهور الجزائر ومعه وجبات (قتالية) كما كان مطبوعاً على علب الوجبات..
ثم هذه التكنيكات العسكرية التى تعامل بها الجمهور الجزائرى مع المصريين.. فرق تهاجم وفرق تموه وفرق تراقب قدوم أجهزة الشرطة السودانية.. بالإضافة إلى السبب الرئيسى والأساسى وهو أن الاعتداء الذى قام به الجمهور الجزائرى على الجمهور المصرى.. كان اعتداء غير مبرر.. فالجزائر لم تخسر المباراة الفاصلة وإنما كسبتها.. وكان ذلك وحده كفيلا بانشغال الجمهور الجزائرى بالفرحة.. لكن سيناريو الأحداث يؤكد أنه كانت هناك تعليمات (رسمية) واضحة.. وكان هناك من يعمل على تنفيذها بمنتهى الدقة والإصرار!..
لابد أن هناك أسباباً!..
***
فى تقديرى أنه لابد أن تنشغل الحكومة وتنشغل الأجهزة المعنية ببحث ودراسة الأسباب الحقيقية التى أدت إلى ما حدث.. هناك بالطبع أسباب وأخطاء.. من بينها تعامل أجهزة الإعلام مع الحدث.. لكننا نحتاج إلى أن نغوص فى العمق لمعرفة الأسباب الأكثر تأثيراً..
وقد يكون من بين هذه الأسباب قصور الإعلام المصرى الرسمى عن توضيح الحقائق فيما يتعلق بالسياسة المصرية عموماً.. وهو ما أدى إلى ظهور انطباعات خاطئة وآراء متطرفة تجاه كل ما هو مصرى!..
وقد يكون من بين هذه الأسباب أيضاً أننا أصبحنا أقل قدرة على تفهم الشعوب العربية والتواصل معها بطريقة صحيحة وسليمة..
ثم إن هناك أحداثا سابقة تؤكد أن هناك نوعاً من تراخى الأجهزة الرسمية المصرية فى التعامل مع ما يتعرض له المصريون فى الخارج على وجه العموم.. وهو ما قد يعطى انطباعا خاطئا لدى الشعوب العربية بأن مصر لا تهتم بحماية أبنائها.. وهو ما يغرى بالتجاوزات!..
وقد يكون من بين هذه الأسباب تفوق المصريين فى كل المجالات على العرب.. وهى مسألة قد يكون من تداعياتها زيادة مساحة الحقد والضغينة ضد مصر والمصريين!..
لا ذنب بالطبع للمصريين فى تفوقهم، لكن علينا أن نتعامل مع هذه المسألة بشكل يجنبنا الحقد والضغينة.
فى نفس الوقت لا أستطيع أن أتجاهل أن هناك جهات تخطط وتدبر للإضرار بمصر ولتوسيع فجوة الخلافات بينها وبين الدول العربية.. منها على سبيل المثال قناة الجزيرة التى ساهمت بتقاريرها المصورة من القاهرة فى إشعال نيران الفتنة مع الجزائر.. والغريب أننا نرصد هذه المسألة بكل دقة ووضوح.. لكننا فى المقابل عاجزون عن التعامل معها!..
الحقيقة أننى لا أستطيع أن أتجاهل أيضاً احتمالات تورط التيار الدينى المتطرف فى الجزائر (تحالفا مع التيار المتطرف فى مصر) فى إحداث فتنة بين الشعبين المصرى والجزائرى..
وقد يكون من بين هذه الأسباب أيضاً أننا فى مصر لا نجيد إدارة الأزمات ونتعامل - حتى على المستوى الرسمى - كأننا نعيش فى جزر منعزلة.. الإعلام فى واد والخارجية فى واد والأمن فى واد ثالث!..
فى بعض الأحيان يصل الأمر إلى إصدار قرارات غير مدروسة.. آخرها على سبيل المثال قرار مقاطعة الجزائر رياضيا والانسحاب من أى مباراة فى أى لعبة تكون الجزائر طرفا فيها..
ليس عندى مانع فى صدور مثل هذا القرار.. وقد يكون الدافع وراء هذا القرار هو تجنب المزيد من المواجهات العنيفة.. وإغلاق باب الفتنة.. لكن ماذا نقول أمام التصريحات المتضاربة..
المهندس حسن صقر رئيس المجلس القومى للرياضة أعلن المقاطعة للجزائر.. فى نفس الوقت يطلق عمرو السعيد رئيس اتحاد الجمباز تصريحات غاضبة يؤكد فيها أن القرار خاطئ وأن هناك أكثر من رئيس اتحاد رياضى معترض على القرار.. وأن حسن صقر أجبر المعترضين على قبول القرار متعللا بأنه قرار دولة!.. وليس ذلك إلا نموذجا واحدا لتصريحات المسئولين المتضاربة..
فى كل الأحوال هناك أسباب وأخطاء.. وهناك خطايا.. واجبنا أن ندرسها ونتدارسها حتى لا تتعرض كرامة مصر لما تعرضت له.. وحتى لا يغضب المصريون كما غضبوا..
لكن ليس من بين هذه الأسباب ما يردده البعض من هواة الصيد فى الماء العكر أننا نحن الذين حولنا الحدث الرياضى إلى قضية سياسية ووطنية.. وأننا اختزلنا الوطنية والانتماء فى «كرة» تتلاعب بها الأقدام.. وأن النظام شجع على ذلك لشغل الأنظار عن قضايا أخرى!..
***
ليس فى استطاعة أحد التقليل من هذا الحب الجارف الذى يشعر به المصريون لمصر.. ليس فى إمكان أحد أن يفسر المظاهرات التى تفجّرت ليلة الفوز على الجزائر واستمرت ثلاثة أيام بلياليها.. بأننا مهووسون بكرة القدم!..
المسألة أننا نحب بلادنا ربما بأكثر مما يحب أى شعب آخر بلاده.. وليس ذنب المصريين أن الحكومة لا تستثمر هذا الحب وهذا الانتماء.. ولا تترك للمصريين فرصة التعبير عنه إلا فى مباريات كرة القدم!..
ثم إنه ثبت أن كل النظريات التى تتحدث عن ضياع الانتماء واختفائه.. نظريات غير صحيحة!.. فالانتماء موجود وهذا الانتماء يستطيع تحقيق المعجزات.. لكن المشكلة أن عين الحكومة أحياناً لا?ترى!..
فى نفس الوقت فإن الذين يصطادون فى المياه العكرة يمكن بكلامهم (الفارغ) أن يصيبوا شباب مصر بإحباط عظيم إذا حاولوا أن يصوروا له الأمر على أنه ممارسة خاطئة للمشاعر الوطنية..
المشكلة أن الحكومة وهى تسير فى طريق التهدئة بدأت تتحدث نفس اللغة.. فنجد رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف يقول إن ما حدث فى أم درمان لا يعدو خلافاً عادياً فى مباراة لكرة القدم..
ليس ذلك صحيحا.. فما حدث لم يكن مباراة لكرة القدم، ولم يكن رياضة، وإنما كان اعتداء غير مبرر عبّر عنه شباب مصر الغاضب.. كما عبّروا عن حبهم وانتمائهم لمصر..
***
هناك فارق بين السياسة والرياضة.. وأخطر ما يمكن الوقوع فيه من أخطاء هو أن نمارس السياسة بطريقة الرياضة.. السياسة لها أصول.. والرياضة لها أصول.. وسوف نخسر فى السياسة والرياضة إذا لعبنا سياسة كما نلعب كرة القدم (!!!).
الكاتب:
بقلم :إسماعيل منتصر
أصبح واضحا أن الأزمة الملتهبة التى نشبت بين مصر والجزائر بسبب التصفيات المؤهلة لكأس العالم.. أصبح واضحاً أنها تسير فى طريق التهدئة والتبريد التدريجى!..
رئيس الوزراء المصرى الدكتور أحمد نظيف قال فى تصريحات أدلى بها عقب رئاسته لمجلس المحافظين.. إن ما حدث فى أم درمان لا يعدو خلافاً عادياً فى مباراة لكرة القدم التى تشهد الكثير من المشاحنات كل يوم..
قبل تصريح رئيس الوزراء أعلن أحمد أبو الغيط وزير الخارجية أن مصر تهدف إلى تهدئة الوضع مع الجزائر فى وجود وساطة ليبية وسودانية واهتمام من الجامعة العربية.
على الجانب الآخر أعلن وزير خارجية الجزائر أن بلاده تدعو إلى التهدئة وطى صفحة الماضى.. مع كل الحب والتقدير لمصر.. الحقيقة أيضاً أن الحكومة الجزائرية قامت مؤخراً بإيقاف رئيس إحدى الشبكات الإذاعية الجزائرية بعد أن قام بشن هجوم حاد على مصر وقيادات مصر.. وصل إلى حد التطاول!..
لا بأس ولا مانع.. فالصلح خير كما يقولون خاصة بين الأشقاء.. لكننا فى الحقيقة أمام إشكالية صعبة.. فقد تعلمنا أن أى مصالحة لابد أن تتم على أساس واضح وقوى.. ويقتضى ذلك أن نعرف أولا.. هل ما حدث كان أزمة سياسية أم أزمة كروية.. أم أنها أزمة سياسية تعاملنا معها وكأنها مباراة حاول فيها كل فريق تطبيق طريقة (4- 2- 4).. أكثر الطرق الهجومية فى لعبة كرة القدم؟!..
فإذا بدأنا بتغليب حُسن النوايا وقلنا إنها أزمة كروية بين شعبين يتميزان بولعهما الشديد بلعبة كرة القدم.. فإننا مطالبون فى نفس الوقت بالاحتكام للعقل والمنطق.. والعقل والمنطق يقولان إن مشجعى الفريق الخاسر عادة هم الذين يشعلون فتيل الأزمة!.. لكن ذلك لم يحدث.. فقد خسرت مصر المباراة الفاصلة وفازت الجزائر ومع ذلك فإن الذى أشعل الفتيل هو جمهور الفريق الفائز.. جمهور الجزائر!..
كان مقبولاً أن يردد الجمهور الجزائرى كنوع من رد الفعل لعصبية المباراة الفاصلة.. الهتافات العدائية لمصر وللفريق المصرى.. كان مقبولاً أن يخرج بعض الصبية عن الروح الرياضية.. لكن الغريب أن الأزمة بدت كما لو أنها معركة حربية خطّط لها الجزائريون وقرروا القيام بها فى الحالتين.. الخسارة أو الفوز!..
تربصت فرق كاملة ومنظمة من الجمهور الجزائرى للجمهور المصرى خلال عودته من استاد المباراة فى الطريق إلى مطار الخرطوم.. وقامت بالاعتداء عليه بطريقة وحشية لا تتناسب مع فرحة الجزائريين بالفوز والصعود إلى نهائيات كأس العالم!..
فإذا أضفنا لذلك كله حكايات حرق الأعلام المصرية والتطاول على مصر ورموزها والاعتداء على المصريين فى الجزائر وتحطيم الممتلكات المصرية هناك.. فمن المؤكد أنها مسألة أكبر من كونها مباراة فى كرة القدم.. من المؤكد أنها ليست أزمة كروية!..
هل يعنى ذلك أنها أزمة سياسية؟!..
التاريخ يقول إن الشعبين المصرى والجزائرى من أكثر الشعوب العربية تقارباً.. الشعب المصرى ساند الشعب الجزائرى فى معركة استقلاله وكان القادة الجزائريون دوماً محل إعجاب الشعب المصرى وتقديره.. وفى المقابل وقفت الجزائر مع مصر فى معركتها لتحرير سيناء موقفاً لا ينساه الشعب المصرى.. بل إنه فى الحقيقة كان دائماً موضع اعتزاز المصريين وفخرهم..
الحاضر أيضاً يؤكد أن مصر تساعد الجزائر بكل قوة وكانت أكثر الدول العربية تعاطفاً مع محنتها خلال سنوات الإرهاب.. ثم إن الاستثمارات المصرية فى الجزائر تعكس الثقة المتبادلة بين الجانبين.. وفى المقابل نجد أن مواقف الجزائر المختلفة تجاه مصر - وآخرها تصويت الجزائر لفاروق حسنى فى معركة اليونسكو- دليل على عمق ودفء العلاقات المصرية الجزائرية..
لكن المشكلة أن الجانبين تناسيا كل ذلك.. والمشكلة الأكبر أن الأحداث التى شهدتها أم درمان لم تكن تلقائية بفعل المتعصبين وإنما كانت بتوجيهات من مسئولين فى الحكومة الجزائرية!..
لا أريد أن أعيد ما هو معروف عن إرسال قوات قتالية جزائرية وليس مشجعى كرة القدم إلى الخرطوم.. ولا عن قيام الجمهور الجزائرى بشراء الخناجر والسكاكين من متاجر الخرطوم.. ولا عن الطائرات العسكرية التى نقلت جمهور الجزائر ومعه وجبات (قتالية) كما كان مطبوعاً على علب الوجبات..
ثم هذه التكنيكات العسكرية التى تعامل بها الجمهور الجزائرى مع المصريين.. فرق تهاجم وفرق تموه وفرق تراقب قدوم أجهزة الشرطة السودانية.. بالإضافة إلى السبب الرئيسى والأساسى وهو أن الاعتداء الذى قام به الجمهور الجزائرى على الجمهور المصرى.. كان اعتداء غير مبرر.. فالجزائر لم تخسر المباراة الفاصلة وإنما كسبتها.. وكان ذلك وحده كفيلا بانشغال الجمهور الجزائرى بالفرحة.. لكن سيناريو الأحداث يؤكد أنه كانت هناك تعليمات (رسمية) واضحة.. وكان هناك من يعمل على تنفيذها بمنتهى الدقة والإصرار!..
لابد أن هناك أسباباً!..
***
فى تقديرى أنه لابد أن تنشغل الحكومة وتنشغل الأجهزة المعنية ببحث ودراسة الأسباب الحقيقية التى أدت إلى ما حدث.. هناك بالطبع أسباب وأخطاء.. من بينها تعامل أجهزة الإعلام مع الحدث.. لكننا نحتاج إلى أن نغوص فى العمق لمعرفة الأسباب الأكثر تأثيراً..
وقد يكون من بين هذه الأسباب قصور الإعلام المصرى الرسمى عن توضيح الحقائق فيما يتعلق بالسياسة المصرية عموماً.. وهو ما أدى إلى ظهور انطباعات خاطئة وآراء متطرفة تجاه كل ما هو مصرى!..
وقد يكون من بين هذه الأسباب أيضاً أننا أصبحنا أقل قدرة على تفهم الشعوب العربية والتواصل معها بطريقة صحيحة وسليمة..
ثم إن هناك أحداثا سابقة تؤكد أن هناك نوعاً من تراخى الأجهزة الرسمية المصرية فى التعامل مع ما يتعرض له المصريون فى الخارج على وجه العموم.. وهو ما قد يعطى انطباعا خاطئا لدى الشعوب العربية بأن مصر لا تهتم بحماية أبنائها.. وهو ما يغرى بالتجاوزات!..
وقد يكون من بين هذه الأسباب تفوق المصريين فى كل المجالات على العرب.. وهى مسألة قد يكون من تداعياتها زيادة مساحة الحقد والضغينة ضد مصر والمصريين!..
لا ذنب بالطبع للمصريين فى تفوقهم، لكن علينا أن نتعامل مع هذه المسألة بشكل يجنبنا الحقد والضغينة.
فى نفس الوقت لا أستطيع أن أتجاهل أن هناك جهات تخطط وتدبر للإضرار بمصر ولتوسيع فجوة الخلافات بينها وبين الدول العربية.. منها على سبيل المثال قناة الجزيرة التى ساهمت بتقاريرها المصورة من القاهرة فى إشعال نيران الفتنة مع الجزائر.. والغريب أننا نرصد هذه المسألة بكل دقة ووضوح.. لكننا فى المقابل عاجزون عن التعامل معها!..
الحقيقة أننى لا أستطيع أن أتجاهل أيضاً احتمالات تورط التيار الدينى المتطرف فى الجزائر (تحالفا مع التيار المتطرف فى مصر) فى إحداث فتنة بين الشعبين المصرى والجزائرى..
وقد يكون من بين هذه الأسباب أيضاً أننا فى مصر لا نجيد إدارة الأزمات ونتعامل - حتى على المستوى الرسمى - كأننا نعيش فى جزر منعزلة.. الإعلام فى واد والخارجية فى واد والأمن فى واد ثالث!..
فى بعض الأحيان يصل الأمر إلى إصدار قرارات غير مدروسة.. آخرها على سبيل المثال قرار مقاطعة الجزائر رياضيا والانسحاب من أى مباراة فى أى لعبة تكون الجزائر طرفا فيها..
ليس عندى مانع فى صدور مثل هذا القرار.. وقد يكون الدافع وراء هذا القرار هو تجنب المزيد من المواجهات العنيفة.. وإغلاق باب الفتنة.. لكن ماذا نقول أمام التصريحات المتضاربة..
المهندس حسن صقر رئيس المجلس القومى للرياضة أعلن المقاطعة للجزائر.. فى نفس الوقت يطلق عمرو السعيد رئيس اتحاد الجمباز تصريحات غاضبة يؤكد فيها أن القرار خاطئ وأن هناك أكثر من رئيس اتحاد رياضى معترض على القرار.. وأن حسن صقر أجبر المعترضين على قبول القرار متعللا بأنه قرار دولة!.. وليس ذلك إلا نموذجا واحدا لتصريحات المسئولين المتضاربة..
فى كل الأحوال هناك أسباب وأخطاء.. وهناك خطايا.. واجبنا أن ندرسها ونتدارسها حتى لا تتعرض كرامة مصر لما تعرضت له.. وحتى لا يغضب المصريون كما غضبوا..
لكن ليس من بين هذه الأسباب ما يردده البعض من هواة الصيد فى الماء العكر أننا نحن الذين حولنا الحدث الرياضى إلى قضية سياسية ووطنية.. وأننا اختزلنا الوطنية والانتماء فى «كرة» تتلاعب بها الأقدام.. وأن النظام شجع على ذلك لشغل الأنظار عن قضايا أخرى!..
***
ليس فى استطاعة أحد التقليل من هذا الحب الجارف الذى يشعر به المصريون لمصر.. ليس فى إمكان أحد أن يفسر المظاهرات التى تفجّرت ليلة الفوز على الجزائر واستمرت ثلاثة أيام بلياليها.. بأننا مهووسون بكرة القدم!..
المسألة أننا نحب بلادنا ربما بأكثر مما يحب أى شعب آخر بلاده.. وليس ذنب المصريين أن الحكومة لا تستثمر هذا الحب وهذا الانتماء.. ولا تترك للمصريين فرصة التعبير عنه إلا فى مباريات كرة القدم!..
ثم إنه ثبت أن كل النظريات التى تتحدث عن ضياع الانتماء واختفائه.. نظريات غير صحيحة!.. فالانتماء موجود وهذا الانتماء يستطيع تحقيق المعجزات.. لكن المشكلة أن عين الحكومة أحياناً لا?ترى!..
فى نفس الوقت فإن الذين يصطادون فى المياه العكرة يمكن بكلامهم (الفارغ) أن يصيبوا شباب مصر بإحباط عظيم إذا حاولوا أن يصوروا له الأمر على أنه ممارسة خاطئة للمشاعر الوطنية..
المشكلة أن الحكومة وهى تسير فى طريق التهدئة بدأت تتحدث نفس اللغة.. فنجد رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف يقول إن ما حدث فى أم درمان لا يعدو خلافاً عادياً فى مباراة لكرة القدم..
ليس ذلك صحيحا.. فما حدث لم يكن مباراة لكرة القدم، ولم يكن رياضة، وإنما كان اعتداء غير مبرر عبّر عنه شباب مصر الغاضب.. كما عبّروا عن حبهم وانتمائهم لمصر..
***
هناك فارق بين السياسة والرياضة.. وأخطر ما يمكن الوقوع فيه من أخطاء هو أن نمارس السياسة بطريقة الرياضة.. السياسة لها أصول.. والرياضة لها أصول.. وسوف نخسر فى السياسة والرياضة إذا لعبنا سياسة كما نلعب كرة القدم (!!!).
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى