النبش في التاريخ يفجر عاصفة جديدة حول مقتل العقيد عميروش أحد قادة ثورة التحرير

أصبح النبش في التاريخ وفي الملفات التي دفنت مع أصحابها يثير في كل مرة جدلا كبيرا، ويتحول إلى مادة دسمة تتناولها الصحف وتشغل الرأي العام. وقد عاشت الجزائر على مدار السنوات العشر الماضية عددا كبيرا من السجالات على صفحات التاريخ وصل بعضها إلى أروقة المحاكم.
أبطال هذه الصراعات كانوا دائما من صناع الأحداث التاريخية، لكن هذه المرة من فجر قضية جديدة عنوانها مقتل العقيد عميروش أحد أبطال الثورة، هو سعيد سعدي رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (علماني)، فهو من جيل الاستقلال ولم يتعود الخوض في المسائل التاريخية بهذه الطريقة التي خلفت أكثر من سؤال.
أول خيوط الجدل بدأت عندما نشرت بعض الصحف مقتطفات من كتاب لسعيد سعدي لم يصدر بعد عنوانه 'العقيد عميروش .. ميتتان ووصية'، ورغم أن ما نشر لم يكن كبيرا من حيث الحجم، إلا أنه كفى لإقامة الدنيا لأن صاحب الكتاب قال ان الرئيس الأسبق هواري بومدين كان وراء اغتيال العقيد عميروش.
وقال المؤلف ان بومدين وعبد الحفيظ بوصوف (مؤسس جهاز المخابرات وقائده اثناء الثورة) أعطيا المستعمر الفرنسي معلومات عن الطريق الذي كان العقيدان عميروش وسي الحواس سيسلكانه للوصول إلى تونس.
وكان العقيد عميروش آيت حمودة أحد أبرز قيادة الثورة وتولى مناصب قيادية فيها منذ سنواتها الأولى بعد أن بدأ النشاط السياسي في الأربعينات من القرن الماضي. كما لعب دورا كبيرا في تأمين مسؤولي الثورة الذين شاركوا في مؤتمر الصومام في آب/أغسطس 1956 بجبال منطقة القبائل التي كان قائد منطقتها. وفي صيف 1957 تم تعيينه قائدا للناحية الثالثة، وكلف في عام 1958 بالذهاب إلى تونس رفقة العقيد سي الحواس، وفي الطريق إلى تونس وقعا في كمين وسقطا شهيدين في 29 آذار/مارس 1959.
ونجل عميروش، نور الدين آيت حمودة، هو الآن عضو بالبرلمان عن حزب سعيد سعدي وكثيرا ما أثار جدلا بتدخلاته السياسية والتاريخية، أبرزه عندما شكك في عدد شهداء الثورة الذي يقدره الجزائريون بمليون ونصف المليون.
ويتضمن كتاب سعدي وثيقة سرية 'فرنسية' حول مقتل العقيد عميروش.
كما نشر سعدي عددا من الشهادات التي دونها مجاهدون حول الظروف الغامضة التي استشهد فيها العقيدان عميروش وسي الحواس، خاصة ما قاله عبد العزيز معاوي السفير الجزائري الأسبق في تونس'عميروش كان مزعجا لنا، فتخلصنا منه'.
وقد أثارت هذه التصريحات زوبعة من الاستنكار والانتقاد، خاصة بعد إعلان عائلة الرئيس الأسبق هواري بومدين عن نيتها في مقاضاة سعدي. لكن الأخير أصر على أقواله مؤكدا أنه مستعد للتنازل عن الحصانة البرلمانية والوقوف أمام القضاء مع عائلة الراحل هواري بومدين.
وجدد سعدي انتقاداته للرئيس بومدين، مشددا على أنه يملك وثائق رسمية تؤكد أن الثنائي بومدين ـ بوصوف تخلصا من عميروش بالوشاية، لأنه كان يريد الغاء وزارة التسليح والاتصالات العامة (جهاز مخابرات الثورة) التي كان يترأسها بوصوف، وجيش الحدود الذي كان يقوده بومدين. وأضاف أنه لولا اغتيال العقيد عميروش لما كان حال الجزائر كما هو اليوم، مشددا على أن جيش الحدود ومخابرات الثورة كانا بمثابة السم بالنسبة للجزائر المستقلة.
وأشار إلى أن تاريخ الاستقلال هو 3 تموز/يوليو (1962) وليس الخامس منه متهما بومدين والرئيس الأسبق أحمد بن بلة بتزوير هذا التاريخ. وقال إن بحوزته الوثائق التي تؤكد كلامه.
ولم يسلم الرئيس الأسبق علي كافي من اتهامات سعدي، الذي أكد أنه (كافي) لم يحضر مؤتمر الصومام الذي عقد عام 1956 لتنظيم صفوف الثورة، مشيرا إلى أن العقيد عميروش هو من طرده ولم يسمح له بحضوره.
وتعليقا على هذا الجدل قال الرائد لخضر بورقعة أحد أبرز قادة الثورة في اتصال مع 'القدس العربي' أمس الخميس، انه يرفض توظيف السياسيين للتاريخ، مشيرا إلى أنه لم يقرأ كتاب سعدي بعد، وأنه لا يريد ذلك لأنه لا يقبل أن تشوه صورة الثورة.
وأضاف أن الثورة الجزائرية 'كغيرها من الثورات كانت فيها انتصارات وإخفاقات (..) ومثلما كانت هناك نجاحات كانت هناك أخطاء'.
وذكر بورقعة أن أشخاصا أبرياء قتلوا عن طريق الخطأ خلال الثورة، خاصة وأن فرنسا استعملت إمكانيات كبيرة في نشر الشك في صفوف الثورة واختراقها من الداخل، الأمر الذي تسبب في تصفيات عن طريق الخطأ، مشددا على أن بعض الناس 'يتناسون اليوم هذا الأمر ويتحدثون وكأننا كنا ندا للند مع فرنسا'.
واعتبر بورقعة، وهو مؤلف كتاب تاريخي عنوانه 'شاهد على اغتيال الثورة'، أنه لا يرى مانعا من فتح نقاش وطني حول كل نقاط الظل في الثورة، شرط أن يشارك فيه من عاشوا تلك الأحداث وأهل الاختصاص، وبدون خلفيات سياسية أو أهداف أخرى غير معلنة.

مرة سئل بن طوبال عن رأيه في مقتل عبان رمضان قال "عبان بطل يستحق القتل "فالغة الثورة تختلف عن لغة السلم والديمقراطية ......ومعروف عن ستالين بأنه قام بتصفية كل مقربيه وترك الا واحدا بعد ما تأكد بأنه صار جبانا ....الله يرحم كل الشهداء. وكتابة التاريخ ضرورة لأستمرار الاجيال فشكرا لك سيد سعيد سعدي..".وما يبقى في الواد غير حجروا"