مستغانم كوم
هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل
ويسعدنا كثيرا انضمامك لنا..

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مستغانم كوم
هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل
ويسعدنا كثيرا انضمامك لنا..
مستغانم كوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
علاء الدين
علاء الدين
مشرف منتدى كورة
مشرف منتدى كورة
عدد الرسائل : 4847
العمر : 28
الأوسمة : ا لأسرة ومخاطر الطفولة المبكّرة Aw110
البلد : ا لأسرة ومخاطر الطفولة المبكّرة Male_a11
نقاط : 2776
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 01/06/2008

ا لأسرة ومخاطر الطفولة المبكّرة Empty ا لأسرة ومخاطر الطفولة المبكّرة

الأربعاء 02 يوليو 2008, 11:54
الله جعل من بيوتكم سكناً" قرآن كريم
(سورة النحل، الآية 80).

من الضروري جداً أن نؤكد، ونحن نتعامل مع موضوع الطفولة وحقوق الأطفال، أن أهمية هذه الحقوق ووجوبها لا تنبع فقط من كونها مسلمات مقرّرة وملزمة يقتضي تأمينها لهذه الشريحة الواسعة من أبناء المجتمع الإنساني، كما لا يمكن اعتبار هذه الحقوق حلقة مكمّلة لسلسلة الحقوق المدرجة في برامج سياسات التنمية ونشر الحرية والديموقراطية فحسب، وذلك لأن ما نسميه حقوقاً أساسية وطبيعية واجتماعية للأطفال بالذات إنما هي حاجات رئيسة تدخل في صلب كينونة الطفل وحياته كما تدخل في كونه مشروع إنسان مستقبلي سوف ينتقل عبر مراحل الطفولة ليصبح ذا شخصية محددة من أبناء المجتمع الإنساني.

وإذا كان بالامكان الانتظار أو التريّث أحياناً في تأمين بعض الحقوق المتعلقة بالمرأة أو الحرية مثلاً بسبب الظروف الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو غيرها، فإنه من غير الممكن بل من المستحيل التهاون باي من الحقوق الأساسية الطبيعية للطفل "حاجات الطفولة"، لما يمكن أن يتركه ذلك من آثار خطيرة على مصير الأطفال وعمليات النمو المختلفة لديهم كما على طبيعة نشأتهم ومستقبلهم، حيث لا ينفع بعدها الحديث عن أي حق آخر.


إن مسألة حقوق الطفولة بهذا البعد الخطير، هي مسألة مصير إنسان تبدأ قبل لحظة التكوين ولا تتوقف إلا بتحوّله راشداً عاقلاً يمكنه أن ينخرط في عداد الموعودين في المستقبل، مدعّماً بكل مقوّمات الشخصية السليمة الكفيلة بتأمين مكان له في الحياة يليق بوجوده وقدراته.

تعارف المختصون على أن الطفل تحتضنه أرحام ثلاثة، تبداً برحم الأم حيث يتكوّن جنيناً ثم ينتقل إلى رحم الأسرة حيث يدرج طفلاً ومنه إلى رحم المدرسة حيث يخرج راشداً إلى رحاب الجامعة أو ميدان العمل. والطفل في كل هذه المراحل، بما تهيأ له من إمكانات فطرية ومن عناصر وراثية ومن قدرات اكتسابية لاحقة، قادر على إشباع حاجاته الأساسية والتفاعل مع ما يتعرّض له من ظروف ومناخات ومسقطات شتى، تترك كلها بصماتها اللصيقة وانعكاساتها الواضحة على نموه ومزايا شخصيته وحدود قدارته وطبيعة ميوله واتجاهاته.

ومما لا شكّ فيه أن هذه البيئات الثلاث وغيرها أيضاً كالرفاق ومكوّنات المجتمع المحيط، تشترك جميعها في تشكيل شخصية الأطفال، إلا أن أهمّها وأخطرها هما رحم الأم والأسرة، لأنهما في مقدمة المؤثرات والمراكز التي تتولى هذا الكائن الإنساني الجديد وتعدّه للخروج إلى عالم أوسع وأشمل. وتكمن هذه الخطورة فيما يمكن أن يتعرّض له الطفل في هاتين البيئتين من أخطاء ناتجة عن جهل أو تقصير أو خلل في العلاقات الأسرية قد تهدّد حياته أو تؤدي إلى إعاقة عمليات النمو واضطراب التوازن في التنشئة السويّة لديه.

معرفة الطفولة

يجمع الأطباء وعلماء النفس والتربية والاجتماع، أن التربية الأسرية التي يتمتع بها الأبوان تلعب دوراً هاماً في تحديد الكثير من معالم ومواصفات وخصائص شخصيات أطفالهم، وبقدر ما يكون هذان الأبوان ملمين بالمبادئ المناسبة والحاجات الأساسية المتعلقة بالأسرة والطفولة بقدر ما ينعكس ذلك إيجاباً على تكوين أسرة سليمة وأطفال أصحاء أسوياء يترعرعون في أحضانها وينعمون بالحب والدفء والأمان.

يقول د. أريك أريكسون أخصائي تحليل سلوك الأطفال " إن الطفل يتعلم خلال فترة طفولته فيما إذا كان العالم خيراً ومكاناً آمناً للعيش فيه أو مصدراً للألم والتعاسة والاحباط وعدم اليقين" .

إن مراحل النمو التي يمر بها الأطفال تشكّل فترات زمنية عمرية من حياتهم، لكنها بالحقيقة لا تشكل فواصل حادة لانتقال الطفل عبرها، بمعنى أن التحوّل من مرحلة إلى أخرى تتم بصورة طبيعية تنموية عفوية تطال كل أجهزة الطفل وأعضائه وقدراته في آن معاً، قد يتأخر بعضها وقد يسبق بعضها لكنها في النهاية عملية شاملة متكاملة، وهذا ما يطلق عليه عمليات النمو المتدرجة والمتطورة من مرحلة إلى أخرى متناولة الجوانب المختلفة في شخصية الطفل العقلية منها والانفعالية والحركية والاجتماعية والفيزيائية.

ولكل من هذه المراحل حاجات وخصائص ومتغيرات بيولوجية ونفسية واجتماعية وسلوكية، لا بد من معرفتها واحترامها وتلبيتها بحرص كبير والتعامل معها على أساس مميزات كل مرحلة لأن جهلها وإهمالها والتهاون في تأمينها في أية مرحلة يؤدي حتماً إلى نتائج سلبية فادحة تبدو انعكاساتها جلية في المرحلة التالية كما تترك تأثيراتها البالغة على شخصية الطفل وسلوكياته الاجتماعية وتحصيله الدراسي فيما بعد.

فكما لا يجوز أن نحرم الطفل مزايا التمتع بطفولته ونحمله قسراً على الانتقال إلى منزلة أعلى من طاقته، فإنه لا يجوز أيضاً أن نترك الطفل طفلاً في جميع مراحل نموّه.

وتؤلّف مجمل هذه الحاجات ما نسميه الحقوق الأساسية للطفولة والتي يمكن أن نلخصها بما يلي:
1-حق الطفل في النمو الجسمي الفيزيائي السليم عن طريق تأمين حاجاته في الغذاء اللازم والكافي من ناحية وتوفير العناية الصحية والمتابعة الطبية المستمرة من ناحية أخرى.

2-حق الطفل في النمو النفسي والعاطفي السليم عن طريق تأمين حاجاته في الأمان والدفء الأسري ومن خلال أجواء عائلية مستقرة توفّر له الاطمئنان والحماية النفسية.

3-حق الطفل في النمو الذهني والعقلي لإشباع حاجاته في الادراك والمعرفة واكتشاف أسرار العالم الذي يعيش فيه وذلك عن طريق الرعاية والتفهم والتعليم.

4-حق الطفل في النمو اجتماعياً وأخلاقياً لإشباع حاجته الماسة إلى تأكيد حضوره وذاته وتحقيق استقلاليته تدريجياً واندماجه في المحيط الذي ينتمي إليه وذلك عن طريق التوجيه والتفهم والثقة والتربية.

الأسرة عامل هدم أو بناء

وبنظرة بسيطة إلى هذه الحقوق المتوجبة للطفل، ودون الدخول في تفاصيلها، نجد أن الأسرة هي في مقدمة المسؤولين فعلياً عن تأمينها، وخصوصاً في مرحلة البناء الأساسي لولدهم، مرحلة طفولته الأولى، الذي سوف يطلق فيها أول أنفاسه للحياة على هذه الأرض ويستقبل أولى قطرات الغذاء من صدر أمه وأسبق إشعاعات الرؤية بوجهها، كما سوف يترعرع ويكبر بين يدي أبويه وداخل بيئة البيت وما يضمه من علاقات وظروف ومعارف.

من هنا تبرز جسامة المسؤولية وخطورة المهمة الملقاة على عاتق الأبوين تجاه أطفالهم.

فبأيديهم سوف تتشكل العجينة الأولى لإنسان الغد، فإما أن يكون سليماً معافى في قواه الجسدية ومتوازناً صحيحاً في قواه العقلية والنفسية، قادراً على متابعة الرحلة الطويلة في دروب النمو والارتقاء، وبالتالي مصدر سعادة وعز وفخار لأهله ومجتمعه، وإما أن يصبح عليلاً سقيماً عاجزاً عن مواصلة التجربة الإنسانية وعالة على وطنه وذويه وسبباً لشقائهم وتعاستهم مدى الحياة.


مآس ومخاطر صحية:

أثبتت كل البحوث الطبية والعلمية، أن الجنين القابع في رحم الأم خاضع للتأثر بكل انفعالات أمه وأسلوب غذائها وعاداتها الصحية. وبالتالي فهو عرضة للتشوّه والإعاقة مثلاً بسبب إدمان أمه على التدخين أو الكحول، كما أنه أمام احتمال الوفاة المبكرة بسبب أوضاعها الصحيّة المتردية.

وتفيد التقارير الطبية والدراسات الميدانية أن التدخين كان وراء الآلاف من حالات الإجهاض والوفاة والتشويه ونقصان الوزن سنوياً بين الأجنّة والأطفال حديثي الولادة. وإن تدخين المرأة الحامل يؤدي إلى حدوث تشوّهات خلقية خطيرة في الجنين مثل العمى ووجود ثقب في القلب والتخلّف العقلي وكلها ناتجة من تأثير المواد الضارة بالدخان خاصة أول أوكسيد الكربون والنيكوتين ومادة البولينيوم المشعّ.

كما إن الاهمال في رعاية الطفل الطبية وتأمين الغذاء الضروري له في مختلف مراحل عمره، سوف يعرّضه للاعتلال والإصابة بأمراض مزمنة خطيرة. وإذا أردنا أن نتحدث عن مثل هذه المآسي في وطننا العربي مثلاً، فبإمكاننا أن نرصد أعلى نسبة لوفيات الأطفال (225 حالة وفاة لكل 1000 ولادة)، وأن 5% فقط من أطفال السودان مثلاً تتأمن لهم اللقاحات الطبية اللازمة، وأن عدد الأطفال المصابين بمرض نقص المناعة (الإيدز) بلغ 351 ألف حالة.

وإن نسبة الفقر بين الأولاد العرب بلغت حوالي 60% ، وكلهم عرضة لأمراض سوء التغذية والتي تسبب تأخر عملية النمو وضعف النشاط العام وانخفاض المناعة وتأثر قرنية العين وانخفاض معدل الذكاء وعسر الكلام والصمم والفشل الدراسي.

مشكلات نفسية ودراسية:

تجمع الدراسات النفسية والبحوث الميدانية ومختلف التطبيقات العلاجية، التي أجريت على شرائح مختلفة من الأطفال الذين يعانون من مشكلات مختلفة في التحصيل الدراسي، أو من مظاهر سلوكية وانفعالية غريبة، أو من صعوبات في الاندماج بالمجتمع المدرسي، أن الارتباط وثيق جداً بين هذه الحالات وبين طبيعة الأسر التي اتت منها، وبالتالي فإن أسباب هذه المشكلات تعود أساساً إلى خبرات مكتسبة خلال مرحلة الطفولة المبكّرة كونتها النزاعات الزوجية والأجواء المشحونة بين أفراد الأسرة أو الحرمان العاطفي بسبب إهمال الوالدين لأبنائهم أو تعرضهم للعنف.

ويؤكد الباحثون في هذا المجال أن الطفل يأتي إلى المدرسة بالأسرة التي ينتمي إليها، لا بما ورثه عن أبويه من خصائص وصفات فحسب بل بتفاصيل السلوك والجوانب الخفية للشخصية في مجموعها.

ومن أبرز المشكلات التي يعانيها الأطفال في مثل هذه الحالات، التوتر العصبي وعدم التركيز والشرود أثناء الدرس والانطواء وعدم المشاركة والحزن والكآبة والعناد غير المفهوم كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى ظهور مشكلات صحية كالتبول اللاإرادي والتلعثم، والأخطر من هذا كله توفر احتمالات التسرّب الدراسي والانحراف وارتكاب الجنح المختلفة.

وتشير الدراسات "أن الأطفال الذين تعرضوا للعقوبات الجسدية أو الإهمال الأسري قد حصلوا على علامات عالية على مقاييس المشكلات الاجتماعية وسلوك الانحراف ومشكلات الانتباه، وأظهروا تكيفاً متدنياً في المدرسة، وكانوا أكثر عدوانية وانطواء" .

مشكلات سلوكية واجتماعية:

من أكثر المآسي التي تعاني منا الأسر والمجتمعات، ومن أكثر المشكلات خطورة على أطفالنا، هي ظاهرة الهروب المؤقت من الدراسة أو التسرب والفشل المدرسي، واللجؤ والتشرد في الشوارع، إضافة إلى ما يمكن أن ينتج عن ذلك من انحرافات سلوكية خطيرة واستعداد لممارسة الأفعال الخارجة على القانون والوقوع تحت تأثير الادمان والجنوح.

وأكثر من ذلك أيضاً أن مثل هؤلاء الأطفال هم بالحقيقة عرضة دائمة للعمالة غير المنظمة ورقيق الأطفال ودعارة الأطفال وغيرها من الانتهاكات التي ترتكب بحقهم كونهم محرومين من الحصانة والحماية.

إن ظاهرة "أطفال الشوارع" تعني في نظر الجماعة "الأطفال الذين حرموا من الوالدين، أو من رعايتهما، وبالتالي حرموا من المدرسة بحيث لم يعودوا يتوفرون على أية حماية ويتعرضون للانحراف...إن أطفال الشوارع أو الأطفال المشردين، غالباً ما يعانون من شعور دائم بالخوف وانعدام الأمن، ويعتبر بحثهم عن الأمن من أهم العوامل التي دفعتهم إلى مغادرة أسرهم التي لا توفر لهم هذا الشعور، ولا تضمن لهم الحد الأدنى من الشروط لإشباع حاجياتهم ورغباتهم" .

"واتضح أن الأبناء الذين لم يحصلوا على عطف أبوي كاف كما يدركون، كانوا أقل شعوراً بالأمن، وأقل ثقة بأنفسهم، وأقل توافقاً في علاقاتهم الاجتماعية، كما كانوا أقل اندماجاً في المجتمع، وأكثر توتراً وقلقاً من أقرانهم الذين يرون أنهم يحصلون على عطف ورعاية كافية من الوالدين" .

"إن طمأنينة الطفولة بين الوالدين هي منبع كل ود لاحق في النفوس، وإن الشجار العائلي يحوّل هذه العلاقة إلى طاقة مدمرة تسحق نفسيات الأطفال في مراحل التكوين وتولد شرارات الكراهية والخوف والرعب عند الصغار. وتصف أدبيات الصحة النفسية هؤلاء الأطفال بأنهم أبناء البيوت المحطمة" .

وقد عبّر الشاعر العربي أفضل تعبير عن هذا الواقع المؤلم لمثل هؤلاء الأطفال الذين حرموا من حنان الأسرة ودفئها وودادها عندما قال:
"ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له أما تخلت أو أباً مشغولا".

هذه عينة من المآسي والمشكلات التي يعيشها الكثير من أطفالنا وتعانيه العديد من أسرنا وتقضّ مضاجع الجميع وتحيل حياتهم إلى جحيم دائم، إضافة إلى الخسائر الجسيمة التي تمنى بها الأوطان بفقدانها خيرة ثرواتها وما يتركه ذلك من آثار سلبية على المجتمع والتنمية، وأغلبها إن لم تكن كلها تعود أسبابها إلى مرحلة النمو الأساسية داخل الأسرة.

"المال والبنون زينة الحياة الدنيا" (سورة الكهف الآية 46).

فإذا كان من الحقوق الطبيعية للطفل أن ينمو في ظروف عائلية صحية ملائمة، فإنه لم يعد مقبولا البتّة ومهما كانت الظروف والذرائع أن تبقى مسألة تكوين الأسر وإنجاب الأطفال في حيّزها العاطفي والتقليدي، متروكة للصدف والظروف، تلبي نزعة غرائزية في الأبوة والأمومة فقط أو في حفظ النسب العائلي أو في إرضاء مشاعر الأهل والأجداد، مع اعترافنا الكامل لمشروعية كل هذه الدوافع. كما لم يعد كافياً اليوم، ونحن نعبر ألفية جديدة وعصراً مغايراً بحاجاته ولوازمه وتحدياته، وفي ظلّ انتشار العلم والمعرفة والتقنية الكبيرة، أن نقدم على تكوين أسرة إنسانية بالاعتماد على خبرة ماضوية مؤسسة على العادات والتقاليد.

بل علينا أن نوسّع أفق هذه المسألة الجوهرية المقدسة، ونقيمها على أسس علمية موضوعية صحيحة منطلقة من معرفة "الطفولة" بكل حقوقها وحاجاتها للنمو المتكامل وتأهيلها للخروج إلى المجتمع.

إن فهم الشباب، الحالمين بأن يكونوا أرباب أسر جديدة، لجوهر هذا الموضوع يمثّل أول عوامل النجاح في سبيل تأمين حقوق الطفولة، وهذا الفهم يستدعي بالضرورة تأهيلاً ثقافياً واستعداداً مستمراً لتحمّل المسؤوليات الكبيرة المترتبة على هذا المشروع.

وإن هذه المسؤوليات ليست مقتصرة على الجانب الشخصي بل هي مسؤوليات دينية ووطنية وإنسانية، فالأطفال أحباب الله و"زينة الحياة الدنيا" وقرّة أعين وأفئدة الأهل وفلذات أكبادهم، وهم "راشدون صغار"، هكذا تتعامل معهم العلوم المختلفة وتنظر إليهم على أنهم مشاريع رجال سوف يصبحون ملكاً للحياة ووديعة للمستقبل وصورة للإنسانية المتوقعة.

وليس المقصود هنا بالطبع أن نكون جميعاً علماء في النفس والاجتماع والتربية، إنما المقصود وجوب توفّر الحدود المقبولة من التوعية العلمية التي تمكننا من التعامل مع أطفالنا بصورة سليمة وصحيحة.

ولا يعني تحميل الأسرة كل هذه المسؤوليات الجسام، إعفاء المراكز الأخرى من دورها الفاعل والخطير في مجال حاجات الطفولة الأساسية، فالمؤسسة التعليمية التربوية بما تضمه من هيئات وكوادر وبرامج ومناهج، والمجتمع الخارجي والمؤسسات الرسمية وقوانينها وخططها في مجال التنمية البشرية وهيئات المجتمع المدني، كل هؤلاء يتشاركون ويتكاملون في متابعة عملية النمو والتربية للأطفال، وما أكدنا عليه في هذا البحث يقتصر على المرحلة الأولى والتأسيسية من البناء
التي تتم داخل الأسرة منذ لحظة الحمل وحتى مرحلة الإعداد للمدرسة.

إن الأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع، تقوم بفعل شراكة مقدسة بين أفراد يرتبط بعضهم ببعض بروابط اجتماعية وخلقية ودموية وروحية، "والأسرة من أهم المؤسسات الاجتماعية نظراً لعلاقتها الوثيقة بالفرد والمجتمع، والتي تتجسد في الوظائف الجوهرية التي تقدمها للمجتمع الكبير خلال قيامها برعاية الفرد والسهر على تلبية ما يحتاج إليه من خدمات وعناية وإشراف....وتساهم في عملية البناء الحضاري لأنها أصل الفرد وقاعدة المجتمع ووحدته الأولى" .
بهذا المفهوم الإنساني الشامل، وتحقيقاً للدور الإيجابي التنشيئي والحضاري الكبير للأسرة، نرى أنه لا بدّ من الاهتمام الدائم بتأهيل الوالدين وتعريفهم بكل هذه المعاني والأهداف والأخطار، وتثقيفهم للإلمام بحاجات الطفولة ومتطلبات نموها وتطورها، وذلك عن طريق برامج الإرشاد والتوعية والتوجيه، التي تقع على عاتق الجهات الرسمية والاجتماعية عموماً، وعلى عاتق الجهات الروحية خصوصاً.

فكما يشترط توفر الصلاحية الطبية والاجتماعية والاقتصادية لعقد الشراكة الزوجية بين الطرفين، نجد من الأهم والأجدى أيضاً توفّر شرط المعرفة والتأهيل والإعداد الأسري لدى الزوجين قبل الموافقة على أي عقد بينهما، ويمكن أن يتم ذلك عبر برامج ونشرات وكتيبات علمية بسيطة وواضحة، كما عبر وسائل الإعلام وحلقات التدريب والبرامج التعليمية في المدارس والجامعات، حتى نضمن أهلية وجدارة الجهات التي سوف تتولى أطفال المستقبل ورعايتهم، ليس من الناحية المعرفية فقط بل في الجوانب الإنسانية لعملية الرعاية والسهر والتضحية وكل ما يتعلق بمسؤوليات التربية ونمو الأطفال، أو ما يمكن أن نطلق عليه "حماية مرحلة التأسيس".


ففي ظلّ الغياب الرسمي للخطط الوطنية لتنظيم الأسرة وبرامج التنمية البشرية واحتياجاتها المستقبلية على كل المستويات، وتحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تهيمن على أغلب طبقات المجتمع، وبسبب الأمية المتفشية وتفاقم مشكلة الطلاق والتفكك الأسري على مساحة الوطن العربي، ونظراً لتخلف البرامج التعليمية والتربوية الفاعلة في مجال الطفولة والتنمية عموماً، لا بدّ من العمل السريع للحدّ من آثار هذه السلبيات الكبيرة على أطفالنا ومجتمعاتنا، بتضافر كل الجهود، رحمة بأطفالنا وأنفسنا ومستقبل أوطاننا، وحتى لا تبقى أسرنا وبيوتنا العربية مصدراً لشقاء الطفولة البريئة.

وتجدر الإشارة في هذا المجال، إلى أن هذه المخاطر المترتبة على مسؤوليات الأسرة يقابلها إنجازات كبيرة قدمتها نماذج واسعة من الأسر الواعية والناجحة التي رفدت وما تزال مجتمعاتنا بعناصر خلاّقة مبدعة في شتى الميادين الإنسانية، تتبدى أدوارها محلياً وعالمياً في أرفع المناصب والمراكز التي احتلتها بجدارة كبيرة.

دون أن ننسى أثر الأم الأبرز في ميدان الطفولة وما لتضحياتها ورعايتها من فضل مشهود في صناعة أجيال "طيبة الأعراق" تعتز بها أسرها وأوطانها، متحملة في أحيان كثيرة شظف الوضع الاقتصادي أو تدني المستوى العلمي أو صعوبات الظروف الاجتماعية، لتعوّض عن كل هذا بحب فيّاض وحنان دافق وتضحية مثالية، تحيط بها أبناءها وتحميهم وتزرع فيهم المثل والفضائل، وتجعل من مساكن الطفولة ملاذات للسعادة والنجاح.

وكم كان معبّراً ذلك الدعاء الذي أطلقه أحد المهتمين في موضوع الطفولة ووضعه أمام الآباء والأمهات تقديراً لنعمة الأطفال الإلهية الغالية:

"أشكر إلهك على الهبة الممنوحة لك، اشكره على منحك وجودهم (أي الأطفال) الممتع المتفرد، إنها فرصتك للنمو عقلياً وذهنياً وعاطفياً، كلما مرّت السنون وأنت في وسط أبنائك ستشعر بثراء التجربة وما تمنحك من حكمة وفهم
منقوووووووووووول للافادة
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى