- الجمانةعضو خبير
- عدد الرسائل : 748
العمر : 30
الموقع : فلسطين
البلد :
نقاط : 1012
السٌّمعَة : 12
تاريخ التسجيل : 18/06/2010
صلاة التراويح
الخميس 12 أغسطس 2010, 22:21
صَلاَةُ التَّراوِيح *
التّعريف :
1 - تقدّم تعريف الصّلاة لغةً واصطلاحًا في مصطلح : ( صلاة ) .
والتّراويح : جمع ترويحة ، أي ترويحة للنّفس ، أي استراحة ، من الرّاحة وهي زوال المشقّة والتّعب ، والتّرويحة في الأصل اسم للجلسة مطلقةً ، وسمّيت الجلسة الّتي بعد أربع ركعات في ليالي رمضان بالتّرويحة للاستراحة ، ثمّ سمّيت كلّ أربع ركعات ترويحةً مجازاً ، وسمّيت هذه الصّلاة بالتّراويح ، لأنّهم كانوا يطيلون القيام فيها ويجلسون بعد كلّ أربع ركعات للاستراحة .
وصلاة التّراويح : هي قيام شهر رمضان ، مثنى مثنى ، على اختلاف بين الفقهاء في عدد ركعاتها ، وفي غير ذلك من مسائلها .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - إحياء اللّيل :
2 - إحياء اللّيل ، ويطلق عليه بعض الفقهاء أيضًا قيام اللّيل ، هو : إمضاء اللّيل ، أو أكثره في العبادة كالصّلاة والذِّكْر وقراءة القرآن الكريم ، ونحو ذلك . ( ر : إحياء اللّيل ) . وإحياء اللّيل : يكون في كلّ ليلة من ليالي العام ، ويكون بأيّ من العبادات المذكورة أو نحوها وليس بخصوص الصّلاة .
أمّا صلاة التّراويح فتكون في ليالي رمضان خاصّةً .
ب - التّهجّد :
3 - التّهجّد في اللّغة : من الهجود ، ويطلق الهجود على النّوم وعلى السّهر ، يقال : هجد إذا نام باللّيل ، ويقال أيضاً هجد : إذا صلّى اللّيل ، فهو من الأضداد ، ويقال : تهجّد إذا أزال النّوم بالتّكلّف .
وهو في الاصطلاح : صلاة التّطوّع في اللّيل بعد النّوم .
والتّهجّد - عند جمهور الفقهاء - صلاة التّطوّع في اللّيل بعد النّوم ، في أيّ ليلة من ليالي العام .
أمّا صلاة التّراويح فلا يشترط لها أن تكون بعد النّوم ، وهي في ليالي رمضان خاصّةً .
ج - التّطوّع :
4 - التّطوّع هو : ما شُرع زيادةً على الفرائض والواجبات من الصّلاة وغيرها ، وسمّي بذلك ، لأنّه زائد على ما فرضه اللّه تعالى ، وصلاة التّطوّع أو النّافلة تنقسم إلى نفل مقيّد ومنه صلاة التّراويح ، وإلى نفل مطلق أي غير مقيّد بوقت .
وللتّفصيل ينظر مصطلح : ( تطوّع ) .
د - الوتر :
5 - الوتر هو : الصّلاة المخصوصة بعد فريضة العشاء ، سمّيت بذلك لأنّ عدد ركعاتها وتر لا شفع .
الحكم التّكليفيّ :
6 - اتّفق الفقهاء على سُنِّيَّةِ صلاة التّراويح ، وهي عند الحنفيّة والحنابلة وبعض المالكيّة سنّة مؤكّدة ، وهي سنّة للرّجال والنّساء ، وهي من أعلام الدّين الظّاهرة .
وقد سنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلاة التّراويح ورغّب فيها ، فقال صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه فرض صيام رمضان عليكم ، وسننت لكم قيامه ... » .
وروى أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال : « كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يرغّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول : من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدّم من ذنبه » قال الخطيب الشّربينيّ وغيره : اتّفقوا على أنّ صلاة التّراويح هي المرادة بالحديث المذكور .
وقد صلّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة التّراويح في بعض اللّيالي ، ولم يواظب عليها ، وبيّن العذر في ترك المواظبة وهو خشية أن تكتب فيعجزوا عنها ، فعن عائشة - رضي الله تعالى عنها - « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى في المسجد ، فصلّى بصلاته ناس ، ثمّ صلّى من القابلة فكثر النّاس ، ثمّ اجتمعوا من الثّالثة فلم يخرج إليهم ، فلمّا أصبح قال : قد رأيت الّذي صنعتم ،فلم يمنعني من الخروج إليكم إلاّ أنّي خشيت أن تفرض عليكم »، وذلك في رمضان زاد البخاريّ فيه : « فتوفّي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك » .
وفي تعيين اللّيالي الّتي قامها النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأصحابه روى أبو ذرّ - رضي الله تعالى عنه - قال : « صمنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشّهر حتّى بقي سبع ، فقام بنا حتّى ذهب ثلث اللّيل ، فلمّا كانت السّادسة لم يقم بنا ، فلمّا كانت الخامسة قام بنا حتّى ذهب شطر اللّيل ، فقلت : يا رسول اللّه لو نفلتنا قيام هذه اللّيلة؟ قال : فقال : إنّ الرّجل إذا صلّى مع الإمام حتّى ينصرف حسب له قيام ليلة قال : فلمّا كانت الرّابعة لم يقم ، فلمّا كانت الثّالثة جمع أهله ونساءه والنّاس فقام بنا حتّى خشينا أن يفوتنا الفلاح قال : قلت : وما الفلاح ؟ قال : السّحور ، ثمّ لم يقم بنا بقيّة الشّهر » .
وعن النّعمان بن بشير - رضي الله تعالى عنهما - قال : « قمنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث اللّيل الأوّل ، ثمّ قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف اللّيل ، ثمّ قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتّى ظننّا أن لا ندرك الفلاح وكانوا يسمّونه السّحور » .
وقد واظب الخلفاء الرّاشدون والمسلمون من زمن عمر - رضي الله تعالى عنه - على صلاة التّراويح جماعةً ، وكان عمر - رضي الله تعالى عنه - هو الّذي جمع النّاس فيها على إمام واحد .
عن عبد الرّحمن بن عبد القاريّ ، قال : خرجت مع عمر بن الخطّاب - رضي الله تعالى عنه - ليلةً في رمضان إلى المسجد ، فإذا النّاس أوزاع متفرّقون ، يصلّي الرّجل لنفسه ، ويصلّي الرّجل فيصلّي بصلاته الرّهط ، فقال عمر : إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثمّ عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب ، ثمّ خرجت معه ليلةً أخرى والنّاس يصلّون بصلاة قارئهم ، فقال : نعمت البدعة هذه ، والّتي ينامون عنها أفضل من الّتي يقومون . يريد آخر اللّيل ، وكان النّاس يقومون أوّله .
وروى أسد بن عمرو عن أبي يوسف قال : سألت أبا حنيفة عن التّراويح وما فعله عمر ، فقال : التّراويح سنّة مؤكّدة ، ولم يتخرّص عمر من تلقاء نفسه ، ولم يكن فيه مبتدعاً ، ولم يأمر به إلاّ عن أصل لديه وعهد من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولقد سنّ عمر هذا وجمع النّاس على أبيّ بن كعب فصلّاها جماعةً والصّحابة متوافرون من المهاجرين والأنصار وما ردّ عليه واحد منهم ، بل ساعدوه ووافقوه وأمروا بذلك .
فضل صلاة التّراويح :
7 - بيَّن الفقهاء منزلة التّراويح بين نوافل الصّلاة .
قال المالكيّة : التّراويح من النّوافل المؤكّدة ،حيث قالوا : وتأكّد تراويح ، وهو قيام رمضان. وقال الشّافعيّة : التّطوّع قسمان :
قسم تسنّ له الجماعة وهو أفضل ممّا لا تسنّ له الجماعة لتأكّده بسنّها له ، وله مراتب :
فأفضله العيدان ثمّ الكسوف للشّمس ، ثمّ الخسوف للقمر ، ثمّ الاستسقاء ، ثمّ التّراويح ... وقالوا : الأصحّ أنّ الرّواتب وهي التّابعة للفرائض أفضل من التّراويح وإن سنّ لها الجماعة، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم واظب على الرّواتب دون التّراويح .
قال شمس الدّين الرّمليّ : والمراد تفضيل الجنس على الجنس من غير نظر لعدد .
وقال الحنابلة : أفضل صلاة تطوّع ما سنّ أن يصلّى جماعةً ، لأنّه أشبه بالفرائض ثمّ الرّواتب ، وآكد ما يسنّ جماعةً : كسوف فاستسقاء فتراويح .
تاريخ مشروعيّة صلاة التّراويح والجماعة فيها :
8 - روى الشّيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - : « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم خرج من جوف اللّيل ليالي من رمضان وصلّى في المسجد ، وصلّى النّاس بصلاته ، وتكاثروا فلم يخرج إليهم في الرّابعة ، وقال لهم : خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها ». قال القليوبيّ : هذا يشعر أنّ صلاة التّراويح لم تشرع إلاّ في آخر سني الهجرة لأنّه لم يرد أنّه صلّاها مرّةً ثانيةً ولا وقع عنها سؤال .
وجمع عمر بن الخطّاب - رضي الله تعالى عنه - النّاس في التّراويح على إمام واحد في السّنة الرّابعة عشرة من الهجرة ، لنحو سنتين خلتا من خلافته ، وفي رمضان الثّاني من خلافته .
النّداء لصلاة التّراويح :
9 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لا أذان ولا إقامة لغير الصّلوات المفروضة ، لما ثبت « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أذّن للصّلوات الخمس والجمعة دون ما سواها من الوتر ، والعيدين، والكسوف ، والخسوف ، والاستسقاء ، وصلاة الجنازة ، والسّنن والنّوافل » .
وقال الشّافعيّة : ينادى لجماعة غير الصّلوات المفروضة : الصّلاة جامعة ، ونقل النّوويّ عن الشّافعيّ قوله : لا أذان ولا إقامة لغير المكتوبة ، فأمّا الأعياد والكسوف وقيام شهر رمضان فأحبّ أن يقال : الصّلاة جامعةً .
واستدلّوا بما روى الشّيخان « أنّه لمّا كسفت الشّمس على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نودي : إنّ الصّلاة جامعة » وقيس بالكسوف غيره ممّا تشرع فيه الجماعة ومنها التّراويح . وكالصّلاة جامعةً : الصّلاة الصّلاة ، أو هلمّوا إلى الصّلاة ،أو الصّلاة رحمكم اللّه، أو حيّ على الصّلاة خلافاً لبعضهم .
وذهب الحنابلة إلى أنّه لا ينادى على التّراويح " الصّلاة جامعة " لأنّه محدث .
تعيين النّيّة في صلاة التّراويح :
10 - ذهب الشّافعيّة وبعض الحنفيّة ، وهو المذهب عند الحنابلة إلى اشتراط تعيين النّيّة في التّراويح ، فلا تصحّ التّراويح بنيّة مطلقة ، بل ينوي صلاة ركعتين من قيام رمضان أو من التّراويح لحديث : « إنّما الأعمال بالنّيّات » وليتميّز إحرامه بهما عن غيره .
وعلَّل الحنفيّة القائلون بذلك قولهم بأنّ التّراويح سنّة ، والسّنّة عندهم لا تتأدّى بنيّة مطلق الصّلاة أو نيّة التّطوّع ، واستدلّوا بما روى الحسن عن أبي حنيفة أنّه : لا تتأدّى ركعتا الفجر إلاّ بنيّة السّنّة .
لكنّهم اختلفوا في تجديد النّيّة لكلّ ركعتين من التّراويح ، قال ابن عابدين في الخلاصة : الصّحيح نعم ،لأنّه صلاة على حدة ، وفي الخانيّة : الأصحّ لا ، فإنّ الكلّ بمنزلة صلاة واحدة، ثمّ قال ويظهر لي " ترجيح " التّصحيح الأوّل ، لأنّه بالسّلام خرج من الصّلاة حقيقةً ، فلا بدّ من دخوله فيها بالنّيّة ، ولا شكّ أنّه الأحوط خروجاً من الخلاف .
وقال عامّة مشايخ الحنفيّة : إنّ التّراويح وسائر السّنن تتأدّى بنيّة مطلقة ، لأنّها وإن كانت سنّةً لا تخرج عن كونها نافلةً ، والنّوافل تتأدّى بمطلق النّيّة ، إلاّ أنّ الاحتياط أن ينوي التّراويح أو سنّة الوقت أو قيام رمضان احترازاً عن موضع الخلاف .
وذهب الحنابلة إلى أنّه يندب في كلّ ركعتين من التّراويح أن ينوي فيقول سرّاً : أصلّي ركعتين من التّراويح المسنونة أو من قيام رمضان .
عدد ركعات التّراويح :
11 - قال السّيوطيّ : الّذي وردت به الأحاديث الصّحيحة والحسان الأمر بقيام رمضان والتّرغيب فيه من غير تخصيص بعدد ، ولم يثبت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى التّراويح عشرين ركعةً ، وإنّما صلّى ليالي صلاةً لم يذكر عددها ، ثمّ تأخّر في اللّيلة الرّابعة خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها .
وقال ابن حجر الهيثميّ : لم يصحّ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلَّى التّراويح عشرين ركعةً ، وما ورد « أنّه كان يصلّي عشرين ركعةً » فهو شديد الضّعف .
واختلفت الرّواية فيما كان يصلّى به في رمضان في زمان عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه :
فذهب جمهور الفقهاء - من الحنفيّة ، والشّافعيّة ، والحنابلة ، وبعض المالكيّة - إلى أنّ التّراويح عشرون ركعةً ، لما رواه مالك عن يزيد بن رومان والبيهقيّ عن السّائب بن يزيد من قيام النّاس في زمان عمر - رضي الله تعالى عنه - بعشرين ركعةً ، وجمع عمر النّاس على هذا العدد من الرّكعات جمعاً مستمرّاً ، قال الكاسانيّ : جمع عمر أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان على أبيّ بن كعب - رضي الله تعالى عنه - فصلّى بهم عشرين ركعةً ، ولم ينكر عليه أحد فيكون إجماعاً منهم على ذلك .
وقال الدّسوقيّ وغيره : كان عليه عمل الصّحابة والتّابعين .
وقال ابن عابدين : عليه عمل النّاس شرقاً وغرباً .
وقال عليّ السّنهوريّ : هو الّذي عليه عمل النّاس واستمرّ إلى زماننا في سائر الأمصار وقال الحنابلة : وهذا في مظنّة الشّهرة بحضرة الصّحابة فكان إجماعاً والنّصوص في ذلك كثيرة .
وروى مالك عن السّائب بن يزيد قال : أمر عمر بن الخطّاب أبيّ بن كعب وتميماً الدّاريّ أن يقوما للنّاس بإحدى عشرة ركعةً ، قال : وقد كان القارئ يقرأ بالمئين ، حتّى كنّا نعتمد على العصيّ من طول القيام ، وما كنّا ننصرف إلاّ في فروع الفجر . وروى مالك عن يزيد بن رومان أنّه قال : كان النّاس يقومون في زمان عمر بن الخطّاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعةً ، قال البيهقيّ والباجيّ وغيرهما : أي بعشرين ركعةً غير الوتر ثلاث ركعات ، ويؤيّده ما رواه البيهقيّ وغيره عن السّائب بن يزيد - رضي الله تعالى عنه - قال : كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - في شهر رمضان بعشرين ركعةً .
قال الباجيّ : يحتمل أن يكون عمر أمرهم بإحدى عشرة ركعةً ، وأمرهم مع ذلك بطول القراءة ، يقرأ القارئ بالمئين في الرّكعة ، لأنّ التّطويل في القراءة أفضل الصّلاة ، فلمّا ضعف النّاس عن ذلك أمرهم بثلاث وعشرين ركعةً على وجه التّخفيف عنهم من طول القيام، واستدرك بعض الفضيلة بزيادة الرّكعات .
وقال العدويّ : الإحدى عشرة كانت مبدأ الأمر ، ثمّ انتقل إلى العشرين .
وقال ابن حبيب : رجع عمر إلى ثلاث وعشرين ركعةً .
وخالف الكمال بن الهمام مشايخ الحنفيّة القائلين بأنّ العشرين سنّة في التّراويح فقال : قيام رمضان سنّة إحدى عشرة ركعةً بالوتر في جماعة ، فعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثمّ تركه لعذر ، أفاد أنّه لولا خشية فرضه عليهم لواظب بهم ، ولا شكّ في تحقّق الأمن من ذلك بوفاته صلى الله عليه وسلم فيكون سنّةً ، وكونها عشرين سنّة الخلفاء الرّاشدين ، وقوله صلى الله عليه وسلم : « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين » ندب إلى سنّتهم ، ولا يستلزم كون ذلك سنّته ، إذ سنّته بمواظبته بنفسه أو إلاّ لعذر ، وبتقدير عدم ذلك العذر كان يواظب على ما وقع منه ، فتكون العشرون مستحبّاً ، وذلك القدر منها هو السّنّة ، كالأربع بعد العشاء مستحبّة وركعتان منها هي السّنّة ، وظاهر كلام المشايخ أنّ السّنّة عشرون ، ومقتضى الدّليل ما قلنا فيكون هو المسنون ، أي فيكون المسنون منها ثماني ركعات والباقي مستحبّاً .
وقال المالكيّة : القيام في رمضان بعشرين ركعةً أو بستّ وثلاثين واسع أي جائز ، فقد كان السّلف من الصّحابة - رضوان الله عليهم - يقومون في رمضان في زمن عمر بن الخطّاب - رضي الله تعالى عنه - في المساجد بعشرين ركعةً ، ثمّ يوترون بثلاث ، ثمّ صلّوا في زمن عمر بن عبد العزيز ستّاً وثلاثين ركعةً غير الشّفع والوتر .
قال المالكيّة : وهو اختيار مالك في المدوّنة ، قال : هو الّذي لم يزل عليه عمل النّاس أي بالمدينة بعد عمر بن الخطّاب ، وقالوا : كره مالك نقصها عمّا جعلت بالمدينة .
وعن مالك - أي في غير المدوّنة - قال : الّذي يأخذ بنفسي في ذلك الّذي جمع عمر عليه النّاس ، إحدى عشرة ركعةً منها الوتر ، وهي صلاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفي المذهب أقوال وترجيحات أخرى .
وقال الشّافعيّة : ولأهل المدينة فعلها ستّاً وثلاثين ، لأنّ العشرين خمس ترويحات ، وكان أهل مكّة يطوفون بين كلّ ترويحتين سبعة أشواط ، فحمل أهل المدينة بدل كلّ أسبوع ترويحةً ليساووهم ، قال الشّيخان : ولا يجوز ذلك لغيرهم .. وهو الأصحّ كما قال الرّمليّ لأنّ لأهل المدينة شرفاً بهجرته صلى الله عليه وسلم ومدفنه ، وخالف الحليميّ فقال : ومن اقتدى بأهل المدينة فقام بستّ وثلاثين فحسن أيضاً .
وقال الحنابلة : لا ينقص من العشرين ركعةً ، ولا بأس بالزّيادة عليها نصّاً ، قال عبد اللّه بن أحمد : رأيت أبي يصلّي في رمضان ما لا أحصي ، وكان عبد الرّحمن بن الأسود يقوم بأربعين ركعةً ويوتر بعدها بسبع .
قال ابن تيميّة : والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلّين ، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام ، فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها ، كما كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل . وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل . وهو الّذي يعمل به أكثر المسلمين ، فإنّه وسط بين العشر وبين الأربعين ، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ولا يكره شيء من ذلك . وقد نصّ على ذلك غير واحد من الأئمّة كأحمد وغيره .
قال : ومن ظنّ أنّ قيام رمضان فيه عدد موقّت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ .
------------------------
الموسوعة الفقهية
التّعريف :
1 - تقدّم تعريف الصّلاة لغةً واصطلاحًا في مصطلح : ( صلاة ) .
والتّراويح : جمع ترويحة ، أي ترويحة للنّفس ، أي استراحة ، من الرّاحة وهي زوال المشقّة والتّعب ، والتّرويحة في الأصل اسم للجلسة مطلقةً ، وسمّيت الجلسة الّتي بعد أربع ركعات في ليالي رمضان بالتّرويحة للاستراحة ، ثمّ سمّيت كلّ أربع ركعات ترويحةً مجازاً ، وسمّيت هذه الصّلاة بالتّراويح ، لأنّهم كانوا يطيلون القيام فيها ويجلسون بعد كلّ أربع ركعات للاستراحة .
وصلاة التّراويح : هي قيام شهر رمضان ، مثنى مثنى ، على اختلاف بين الفقهاء في عدد ركعاتها ، وفي غير ذلك من مسائلها .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - إحياء اللّيل :
2 - إحياء اللّيل ، ويطلق عليه بعض الفقهاء أيضًا قيام اللّيل ، هو : إمضاء اللّيل ، أو أكثره في العبادة كالصّلاة والذِّكْر وقراءة القرآن الكريم ، ونحو ذلك . ( ر : إحياء اللّيل ) . وإحياء اللّيل : يكون في كلّ ليلة من ليالي العام ، ويكون بأيّ من العبادات المذكورة أو نحوها وليس بخصوص الصّلاة .
أمّا صلاة التّراويح فتكون في ليالي رمضان خاصّةً .
ب - التّهجّد :
3 - التّهجّد في اللّغة : من الهجود ، ويطلق الهجود على النّوم وعلى السّهر ، يقال : هجد إذا نام باللّيل ، ويقال أيضاً هجد : إذا صلّى اللّيل ، فهو من الأضداد ، ويقال : تهجّد إذا أزال النّوم بالتّكلّف .
وهو في الاصطلاح : صلاة التّطوّع في اللّيل بعد النّوم .
والتّهجّد - عند جمهور الفقهاء - صلاة التّطوّع في اللّيل بعد النّوم ، في أيّ ليلة من ليالي العام .
أمّا صلاة التّراويح فلا يشترط لها أن تكون بعد النّوم ، وهي في ليالي رمضان خاصّةً .
ج - التّطوّع :
4 - التّطوّع هو : ما شُرع زيادةً على الفرائض والواجبات من الصّلاة وغيرها ، وسمّي بذلك ، لأنّه زائد على ما فرضه اللّه تعالى ، وصلاة التّطوّع أو النّافلة تنقسم إلى نفل مقيّد ومنه صلاة التّراويح ، وإلى نفل مطلق أي غير مقيّد بوقت .
وللتّفصيل ينظر مصطلح : ( تطوّع ) .
د - الوتر :
5 - الوتر هو : الصّلاة المخصوصة بعد فريضة العشاء ، سمّيت بذلك لأنّ عدد ركعاتها وتر لا شفع .
الحكم التّكليفيّ :
6 - اتّفق الفقهاء على سُنِّيَّةِ صلاة التّراويح ، وهي عند الحنفيّة والحنابلة وبعض المالكيّة سنّة مؤكّدة ، وهي سنّة للرّجال والنّساء ، وهي من أعلام الدّين الظّاهرة .
وقد سنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلاة التّراويح ورغّب فيها ، فقال صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه فرض صيام رمضان عليكم ، وسننت لكم قيامه ... » .
وروى أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال : « كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يرغّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول : من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدّم من ذنبه » قال الخطيب الشّربينيّ وغيره : اتّفقوا على أنّ صلاة التّراويح هي المرادة بالحديث المذكور .
وقد صلّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة التّراويح في بعض اللّيالي ، ولم يواظب عليها ، وبيّن العذر في ترك المواظبة وهو خشية أن تكتب فيعجزوا عنها ، فعن عائشة - رضي الله تعالى عنها - « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى في المسجد ، فصلّى بصلاته ناس ، ثمّ صلّى من القابلة فكثر النّاس ، ثمّ اجتمعوا من الثّالثة فلم يخرج إليهم ، فلمّا أصبح قال : قد رأيت الّذي صنعتم ،فلم يمنعني من الخروج إليكم إلاّ أنّي خشيت أن تفرض عليكم »، وذلك في رمضان زاد البخاريّ فيه : « فتوفّي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك » .
وفي تعيين اللّيالي الّتي قامها النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأصحابه روى أبو ذرّ - رضي الله تعالى عنه - قال : « صمنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشّهر حتّى بقي سبع ، فقام بنا حتّى ذهب ثلث اللّيل ، فلمّا كانت السّادسة لم يقم بنا ، فلمّا كانت الخامسة قام بنا حتّى ذهب شطر اللّيل ، فقلت : يا رسول اللّه لو نفلتنا قيام هذه اللّيلة؟ قال : فقال : إنّ الرّجل إذا صلّى مع الإمام حتّى ينصرف حسب له قيام ليلة قال : فلمّا كانت الرّابعة لم يقم ، فلمّا كانت الثّالثة جمع أهله ونساءه والنّاس فقام بنا حتّى خشينا أن يفوتنا الفلاح قال : قلت : وما الفلاح ؟ قال : السّحور ، ثمّ لم يقم بنا بقيّة الشّهر » .
وعن النّعمان بن بشير - رضي الله تعالى عنهما - قال : « قمنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث اللّيل الأوّل ، ثمّ قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف اللّيل ، ثمّ قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتّى ظننّا أن لا ندرك الفلاح وكانوا يسمّونه السّحور » .
وقد واظب الخلفاء الرّاشدون والمسلمون من زمن عمر - رضي الله تعالى عنه - على صلاة التّراويح جماعةً ، وكان عمر - رضي الله تعالى عنه - هو الّذي جمع النّاس فيها على إمام واحد .
عن عبد الرّحمن بن عبد القاريّ ، قال : خرجت مع عمر بن الخطّاب - رضي الله تعالى عنه - ليلةً في رمضان إلى المسجد ، فإذا النّاس أوزاع متفرّقون ، يصلّي الرّجل لنفسه ، ويصلّي الرّجل فيصلّي بصلاته الرّهط ، فقال عمر : إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثمّ عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب ، ثمّ خرجت معه ليلةً أخرى والنّاس يصلّون بصلاة قارئهم ، فقال : نعمت البدعة هذه ، والّتي ينامون عنها أفضل من الّتي يقومون . يريد آخر اللّيل ، وكان النّاس يقومون أوّله .
وروى أسد بن عمرو عن أبي يوسف قال : سألت أبا حنيفة عن التّراويح وما فعله عمر ، فقال : التّراويح سنّة مؤكّدة ، ولم يتخرّص عمر من تلقاء نفسه ، ولم يكن فيه مبتدعاً ، ولم يأمر به إلاّ عن أصل لديه وعهد من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولقد سنّ عمر هذا وجمع النّاس على أبيّ بن كعب فصلّاها جماعةً والصّحابة متوافرون من المهاجرين والأنصار وما ردّ عليه واحد منهم ، بل ساعدوه ووافقوه وأمروا بذلك .
فضل صلاة التّراويح :
7 - بيَّن الفقهاء منزلة التّراويح بين نوافل الصّلاة .
قال المالكيّة : التّراويح من النّوافل المؤكّدة ،حيث قالوا : وتأكّد تراويح ، وهو قيام رمضان. وقال الشّافعيّة : التّطوّع قسمان :
قسم تسنّ له الجماعة وهو أفضل ممّا لا تسنّ له الجماعة لتأكّده بسنّها له ، وله مراتب :
فأفضله العيدان ثمّ الكسوف للشّمس ، ثمّ الخسوف للقمر ، ثمّ الاستسقاء ، ثمّ التّراويح ... وقالوا : الأصحّ أنّ الرّواتب وهي التّابعة للفرائض أفضل من التّراويح وإن سنّ لها الجماعة، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم واظب على الرّواتب دون التّراويح .
قال شمس الدّين الرّمليّ : والمراد تفضيل الجنس على الجنس من غير نظر لعدد .
وقال الحنابلة : أفضل صلاة تطوّع ما سنّ أن يصلّى جماعةً ، لأنّه أشبه بالفرائض ثمّ الرّواتب ، وآكد ما يسنّ جماعةً : كسوف فاستسقاء فتراويح .
تاريخ مشروعيّة صلاة التّراويح والجماعة فيها :
8 - روى الشّيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - : « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم خرج من جوف اللّيل ليالي من رمضان وصلّى في المسجد ، وصلّى النّاس بصلاته ، وتكاثروا فلم يخرج إليهم في الرّابعة ، وقال لهم : خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها ». قال القليوبيّ : هذا يشعر أنّ صلاة التّراويح لم تشرع إلاّ في آخر سني الهجرة لأنّه لم يرد أنّه صلّاها مرّةً ثانيةً ولا وقع عنها سؤال .
وجمع عمر بن الخطّاب - رضي الله تعالى عنه - النّاس في التّراويح على إمام واحد في السّنة الرّابعة عشرة من الهجرة ، لنحو سنتين خلتا من خلافته ، وفي رمضان الثّاني من خلافته .
النّداء لصلاة التّراويح :
9 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لا أذان ولا إقامة لغير الصّلوات المفروضة ، لما ثبت « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أذّن للصّلوات الخمس والجمعة دون ما سواها من الوتر ، والعيدين، والكسوف ، والخسوف ، والاستسقاء ، وصلاة الجنازة ، والسّنن والنّوافل » .
وقال الشّافعيّة : ينادى لجماعة غير الصّلوات المفروضة : الصّلاة جامعة ، ونقل النّوويّ عن الشّافعيّ قوله : لا أذان ولا إقامة لغير المكتوبة ، فأمّا الأعياد والكسوف وقيام شهر رمضان فأحبّ أن يقال : الصّلاة جامعةً .
واستدلّوا بما روى الشّيخان « أنّه لمّا كسفت الشّمس على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نودي : إنّ الصّلاة جامعة » وقيس بالكسوف غيره ممّا تشرع فيه الجماعة ومنها التّراويح . وكالصّلاة جامعةً : الصّلاة الصّلاة ، أو هلمّوا إلى الصّلاة ،أو الصّلاة رحمكم اللّه، أو حيّ على الصّلاة خلافاً لبعضهم .
وذهب الحنابلة إلى أنّه لا ينادى على التّراويح " الصّلاة جامعة " لأنّه محدث .
تعيين النّيّة في صلاة التّراويح :
10 - ذهب الشّافعيّة وبعض الحنفيّة ، وهو المذهب عند الحنابلة إلى اشتراط تعيين النّيّة في التّراويح ، فلا تصحّ التّراويح بنيّة مطلقة ، بل ينوي صلاة ركعتين من قيام رمضان أو من التّراويح لحديث : « إنّما الأعمال بالنّيّات » وليتميّز إحرامه بهما عن غيره .
وعلَّل الحنفيّة القائلون بذلك قولهم بأنّ التّراويح سنّة ، والسّنّة عندهم لا تتأدّى بنيّة مطلق الصّلاة أو نيّة التّطوّع ، واستدلّوا بما روى الحسن عن أبي حنيفة أنّه : لا تتأدّى ركعتا الفجر إلاّ بنيّة السّنّة .
لكنّهم اختلفوا في تجديد النّيّة لكلّ ركعتين من التّراويح ، قال ابن عابدين في الخلاصة : الصّحيح نعم ،لأنّه صلاة على حدة ، وفي الخانيّة : الأصحّ لا ، فإنّ الكلّ بمنزلة صلاة واحدة، ثمّ قال ويظهر لي " ترجيح " التّصحيح الأوّل ، لأنّه بالسّلام خرج من الصّلاة حقيقةً ، فلا بدّ من دخوله فيها بالنّيّة ، ولا شكّ أنّه الأحوط خروجاً من الخلاف .
وقال عامّة مشايخ الحنفيّة : إنّ التّراويح وسائر السّنن تتأدّى بنيّة مطلقة ، لأنّها وإن كانت سنّةً لا تخرج عن كونها نافلةً ، والنّوافل تتأدّى بمطلق النّيّة ، إلاّ أنّ الاحتياط أن ينوي التّراويح أو سنّة الوقت أو قيام رمضان احترازاً عن موضع الخلاف .
وذهب الحنابلة إلى أنّه يندب في كلّ ركعتين من التّراويح أن ينوي فيقول سرّاً : أصلّي ركعتين من التّراويح المسنونة أو من قيام رمضان .
عدد ركعات التّراويح :
11 - قال السّيوطيّ : الّذي وردت به الأحاديث الصّحيحة والحسان الأمر بقيام رمضان والتّرغيب فيه من غير تخصيص بعدد ، ولم يثبت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى التّراويح عشرين ركعةً ، وإنّما صلّى ليالي صلاةً لم يذكر عددها ، ثمّ تأخّر في اللّيلة الرّابعة خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها .
وقال ابن حجر الهيثميّ : لم يصحّ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلَّى التّراويح عشرين ركعةً ، وما ورد « أنّه كان يصلّي عشرين ركعةً » فهو شديد الضّعف .
واختلفت الرّواية فيما كان يصلّى به في رمضان في زمان عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه :
فذهب جمهور الفقهاء - من الحنفيّة ، والشّافعيّة ، والحنابلة ، وبعض المالكيّة - إلى أنّ التّراويح عشرون ركعةً ، لما رواه مالك عن يزيد بن رومان والبيهقيّ عن السّائب بن يزيد من قيام النّاس في زمان عمر - رضي الله تعالى عنه - بعشرين ركعةً ، وجمع عمر النّاس على هذا العدد من الرّكعات جمعاً مستمرّاً ، قال الكاسانيّ : جمع عمر أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان على أبيّ بن كعب - رضي الله تعالى عنه - فصلّى بهم عشرين ركعةً ، ولم ينكر عليه أحد فيكون إجماعاً منهم على ذلك .
وقال الدّسوقيّ وغيره : كان عليه عمل الصّحابة والتّابعين .
وقال ابن عابدين : عليه عمل النّاس شرقاً وغرباً .
وقال عليّ السّنهوريّ : هو الّذي عليه عمل النّاس واستمرّ إلى زماننا في سائر الأمصار وقال الحنابلة : وهذا في مظنّة الشّهرة بحضرة الصّحابة فكان إجماعاً والنّصوص في ذلك كثيرة .
وروى مالك عن السّائب بن يزيد قال : أمر عمر بن الخطّاب أبيّ بن كعب وتميماً الدّاريّ أن يقوما للنّاس بإحدى عشرة ركعةً ، قال : وقد كان القارئ يقرأ بالمئين ، حتّى كنّا نعتمد على العصيّ من طول القيام ، وما كنّا ننصرف إلاّ في فروع الفجر . وروى مالك عن يزيد بن رومان أنّه قال : كان النّاس يقومون في زمان عمر بن الخطّاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعةً ، قال البيهقيّ والباجيّ وغيرهما : أي بعشرين ركعةً غير الوتر ثلاث ركعات ، ويؤيّده ما رواه البيهقيّ وغيره عن السّائب بن يزيد - رضي الله تعالى عنه - قال : كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - في شهر رمضان بعشرين ركعةً .
قال الباجيّ : يحتمل أن يكون عمر أمرهم بإحدى عشرة ركعةً ، وأمرهم مع ذلك بطول القراءة ، يقرأ القارئ بالمئين في الرّكعة ، لأنّ التّطويل في القراءة أفضل الصّلاة ، فلمّا ضعف النّاس عن ذلك أمرهم بثلاث وعشرين ركعةً على وجه التّخفيف عنهم من طول القيام، واستدرك بعض الفضيلة بزيادة الرّكعات .
وقال العدويّ : الإحدى عشرة كانت مبدأ الأمر ، ثمّ انتقل إلى العشرين .
وقال ابن حبيب : رجع عمر إلى ثلاث وعشرين ركعةً .
وخالف الكمال بن الهمام مشايخ الحنفيّة القائلين بأنّ العشرين سنّة في التّراويح فقال : قيام رمضان سنّة إحدى عشرة ركعةً بالوتر في جماعة ، فعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثمّ تركه لعذر ، أفاد أنّه لولا خشية فرضه عليهم لواظب بهم ، ولا شكّ في تحقّق الأمن من ذلك بوفاته صلى الله عليه وسلم فيكون سنّةً ، وكونها عشرين سنّة الخلفاء الرّاشدين ، وقوله صلى الله عليه وسلم : « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين » ندب إلى سنّتهم ، ولا يستلزم كون ذلك سنّته ، إذ سنّته بمواظبته بنفسه أو إلاّ لعذر ، وبتقدير عدم ذلك العذر كان يواظب على ما وقع منه ، فتكون العشرون مستحبّاً ، وذلك القدر منها هو السّنّة ، كالأربع بعد العشاء مستحبّة وركعتان منها هي السّنّة ، وظاهر كلام المشايخ أنّ السّنّة عشرون ، ومقتضى الدّليل ما قلنا فيكون هو المسنون ، أي فيكون المسنون منها ثماني ركعات والباقي مستحبّاً .
وقال المالكيّة : القيام في رمضان بعشرين ركعةً أو بستّ وثلاثين واسع أي جائز ، فقد كان السّلف من الصّحابة - رضوان الله عليهم - يقومون في رمضان في زمن عمر بن الخطّاب - رضي الله تعالى عنه - في المساجد بعشرين ركعةً ، ثمّ يوترون بثلاث ، ثمّ صلّوا في زمن عمر بن عبد العزيز ستّاً وثلاثين ركعةً غير الشّفع والوتر .
قال المالكيّة : وهو اختيار مالك في المدوّنة ، قال : هو الّذي لم يزل عليه عمل النّاس أي بالمدينة بعد عمر بن الخطّاب ، وقالوا : كره مالك نقصها عمّا جعلت بالمدينة .
وعن مالك - أي في غير المدوّنة - قال : الّذي يأخذ بنفسي في ذلك الّذي جمع عمر عليه النّاس ، إحدى عشرة ركعةً منها الوتر ، وهي صلاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفي المذهب أقوال وترجيحات أخرى .
وقال الشّافعيّة : ولأهل المدينة فعلها ستّاً وثلاثين ، لأنّ العشرين خمس ترويحات ، وكان أهل مكّة يطوفون بين كلّ ترويحتين سبعة أشواط ، فحمل أهل المدينة بدل كلّ أسبوع ترويحةً ليساووهم ، قال الشّيخان : ولا يجوز ذلك لغيرهم .. وهو الأصحّ كما قال الرّمليّ لأنّ لأهل المدينة شرفاً بهجرته صلى الله عليه وسلم ومدفنه ، وخالف الحليميّ فقال : ومن اقتدى بأهل المدينة فقام بستّ وثلاثين فحسن أيضاً .
وقال الحنابلة : لا ينقص من العشرين ركعةً ، ولا بأس بالزّيادة عليها نصّاً ، قال عبد اللّه بن أحمد : رأيت أبي يصلّي في رمضان ما لا أحصي ، وكان عبد الرّحمن بن الأسود يقوم بأربعين ركعةً ويوتر بعدها بسبع .
قال ابن تيميّة : والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلّين ، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام ، فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها ، كما كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل . وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل . وهو الّذي يعمل به أكثر المسلمين ، فإنّه وسط بين العشر وبين الأربعين ، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ولا يكره شيء من ذلك . وقد نصّ على ذلك غير واحد من الأئمّة كأحمد وغيره .
قال : ومن ظنّ أنّ قيام رمضان فيه عدد موقّت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ .
------------------------
الموسوعة الفقهية
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى