ترقيم المواطنين !

الحكومة قررت إنشاء رقم تعريفي لكل مواطن، والهدف، حسب أنصارها والمدافعين عنها، كالعادة، هو "تسهيل الإجراءات الإدارية، ودخول مجال العصرنة"، في حين يرى آخرون، العكس تماما، معتقدين أنّ حديث البعض عن تخفيف الإجراءات الصارمة والبوليسية مع رحيل وزير الداخلية السابق نور الدين يزيد زرهوني عن منصبه، بات من الماضي، أو أنه كان حديثا غارقا في التفاؤل، فما رماه وزير الداخلية الجديد بيمينه، سرعان ما استرجعه بشماله، في إطار لعبة التوازنات المعهودة داخل النظام.
قبل فترة ليست بالطويلة، ثار أساتذة جامعيون ضد قرار وزارة التعليم العالي فرض مزيد من الإجراءات الرقابية على المفكرين والجامعيين المدعوين لملتقيات دولية، والسبب المستعمل حكوميا مرة أخرى، هو الحفاظ على سمعة البلاد ومصالحها العليا، وكأن الأساتذة تحولوا إلى حفنة من القصّر، لا يعرفون مصلحة البلاد، أكثر من الحكومة، رغم إدراك الجميع حينها، أن الغاية الأساسية من وراء هذا الإجراء، كانت تنصيب شرطة جديدة للفكر، تلاحق النوايا، وتدقق في مشاريع العقول وتفتش الضمائر.
الحكومة الباحثة عن ترقيم المواطنين وملاحقة الجامعيين، هي نفسها الحكومة التي أخفقت في توفير الكهرباء خلال فصل الصيف لكل الجزائريين، إلى درجة أن ثلاثة شبّان من الوادي انتحروا قبل يومين بسبب الإحباط الناجم عن الفراغ وغياب الكهرباء واشتداد الحرّ!! وهي كذلك الحكومة التي عجزت عن توفير قفة رمضان لكل المعوزين، وتاهت بين إبقائها مجرد قفة، أو تحويلها إلى رصيد مالي على شكل منحة، رغم أن العارفين بمنح الحكومة يدركون حجم وفداحة المحن المصاحبة لها، وتأخرها أو انقطاعها أحيانا دون سبب، على غرار منح المعوقين التي توقفت منذ بداية السنة الجارية في أكثر من ولاية، دون مبرر، ولا اعتذار لأصحاب الشأن من المحتاجين. وبعد هذا وذاك، يتم الحديث عن رقم تعريفي للمواطنين، أو كود، بوسع الأجهزة المختصة تشغيله لتتعقب المواطنين في حال اشتروا سيارة، أو أجروا شقة، أو ابتاعوا قطعة أرض، أو قرروا الهجرة سرا ربما؟ !
هذا الإجراء سيقسّم المواطنين أيضا إلى فريقين، أو حزبين، الأول يحب الوطن ويناصر النظام، وفقا للرؤية الحكومية، والثاني، يعارض، وربما يمارس الحرقة، أو حتى الانتحار، وذلك أضعف الإيمان، "شنانة" في الحكومة، بمعنى آخر، مواطنون مُرقّمون ومعرفون إداريا على أنهم ناس ملاح في مواجهة مواطنين آخرين من طينة الأشرار؟ !
المصيبة في كل ما تقدّم، هو أن الإدارة الجزائرية ماتزال تفكر في المشكلة على أنها تكمن في المواطن، وليس فيها، وهي لذلك، تحاول إلصاق كل التهم والعوائق والعاهات بالشعب، دون الحديث عن عاهتها المستديمة والتي تنخر عظمها من الداخل، وتكشف حجم الخراب الذي طالها، وحتى يتم تغيير مثل هذا التفكير السلبي، ستظل كل الإجراءات المتخذة، بما في ذلك، ترقيم المواطنين، مجرد شطحات فارغة ليس إلا؟ !