- فاروقمشرف منتدى الأخبار
- عدد الرسائل : 7766
العمر : 53
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 16819
السٌّمعَة : 53
تاريخ التسجيل : 09/08/2008
الاستعمار وتفتيت الشعوب
الجمعة 29 أكتوبر 2010, 07:21
لم يعد التدخل الغربي في منطقة الساحل الإفريقي مجرد مشروع للتدخل، بل إن الأمر قد تقرر وأصبح في طور البحث عن السبل والوسائل الكفيلة بتحقيقه في القريب العاجل، فالحرب قد أصبحت حقيقة ووشيكة وتكاد تعلن عن اسمها، وما بقي فقط هو إقرار هل ستكون حربا مباشرة عبر التدخل الدولي أم ستكون بالوكالة تخوضها دول المنطقة ضد نفسها بدلا عن الأوربيين والغربيين؟
والظاهر أن الأمور تسير إلى خيار التدخل المباشر، لأن الدول الغربية، أمريكا وفرنسا بالأساس، أصبحت تدرك أن الحرب بالوكالة قد تتحول إلى حروب أشبه بتلك التي وقعت خلال تسعينيات القرن الماضي في منطقة البحيرات الإفريقية العظمى، وفي الحالتين، فإن المنطقة بإجماع أغلب الملاحظين على وشك التحول إلى نفس الوضع السائد حاليا في جنوب السودان وإقليم دارفور غير البعيد عن منطقة الساحل، لأن الهدف واحد، وهو الاستيلاء المباشر على مكامن الثروات الطبيعية من نفط ويورانيوم وغيرهما في المنطقتين، تماما كما كان الأمر بالنسبة للعراق.
*
ولكن لتحقيق هذا الهدف، فإن وجود مائة نفر من عناصر القاعدة، بتقدير المصادر الغربية ذاتها، في منطقة الساحل لا يكفي وحده لخلق مبررات شن هذه الحرب، لذلك وجب اللعب على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والقبلي والعرقي للمنطقة، ولا يستبعد أن تعود فرنسا في ذلك إلى إحياء مشروعها التقسيمي القديم في إقامة دولة للتوارق على كامل منطقة الصحراء الكبرى، يساعدها في ذلك الوضع أو الدور الريادي الذي يبدو أن أمريكا أصبحت تخصها به في المنطقة، بحكم معرفتها بخباياها وتأثيرها السياسي الكبير فيها، باعتبار كل دولها تتشكل من مستعمراتها السابقة، وباعتبار أن جل الرهائن المختطفين هم من مواطنيها، وبتحكمها في توجيه قادتها الذين تضعهم على رأس السلطة ومقاليد الحكم، وهذه هي الحال بالنسبة لمالي وموريتانيا والنيجر بالتحديد، وهي بلدان محورية في ماهو مطروح من قضاها وتحديات على المنطقة والتي تتصرف وفق الخطط والسياسات التي تمليها فرنسا، حتى أن الرئيس المالي ذهب إلى القول مؤخرا إن بلده غير مسؤول عن الوضع القائم في المنطقة وغير معني به على الإطلاق، مايعني أنه يترك حرية التصرف لفرنسا في بلده في كل ما يتعلق بالقضايا الحساسة المطروحة، كما كان أحد كبار المسؤولين الموريتانيين قد صرح قبل ذلك أن بلاده تتصرف بدعم من فرنسا على أساس أن الأمر يتعلق بمطاردة اللصوص والمهربين، وأن الإرهاب، كما قال، هز قضية جزائرية لأنه نتاج الحرب الأهلية الجزائرية .
هذه البلدان الثلاثة بالذات دون غيرها هي التي فرضت فرنسا على الاتحاد الأوربي تخصيصها بالدعم المادي من أجل دفع التنمية الداخلية وتكوين قواتها الأمنية على مكافحة الإرهاب ومراقبة الحدود، وبموجب ذلك أصبحت رئيسة الدبلوماسية الأوربية مكلفة رسميا برسم استراتيجية الدعم الأوروبي لهذ الدول، استراتيجية تقصي الجزائر تماما من اللعبة ولا تتحدث عنها حتى مجرد الحديث سواء كبلد مستفيد من هذا الدعم أم كمشارك فيه، فيما تجري المحاولات لاستدراجها إلى فخ تجاوز حدودها في ملاحقة عناصر القاعدة لخلق أسباب أكثر لعملية التدويل الجارية. ولكن بعد أن انكشفت كل المخططات والنوايا وإذا بقيت من غيرة على السيادة الوطنية والوحدة الترابية، فما بقي إلا الدفاع عنها من داخل حدودنا [i]
والظاهر أن الأمور تسير إلى خيار التدخل المباشر، لأن الدول الغربية، أمريكا وفرنسا بالأساس، أصبحت تدرك أن الحرب بالوكالة قد تتحول إلى حروب أشبه بتلك التي وقعت خلال تسعينيات القرن الماضي في منطقة البحيرات الإفريقية العظمى، وفي الحالتين، فإن المنطقة بإجماع أغلب الملاحظين على وشك التحول إلى نفس الوضع السائد حاليا في جنوب السودان وإقليم دارفور غير البعيد عن منطقة الساحل، لأن الهدف واحد، وهو الاستيلاء المباشر على مكامن الثروات الطبيعية من نفط ويورانيوم وغيرهما في المنطقتين، تماما كما كان الأمر بالنسبة للعراق.
*
ولكن لتحقيق هذا الهدف، فإن وجود مائة نفر من عناصر القاعدة، بتقدير المصادر الغربية ذاتها، في منطقة الساحل لا يكفي وحده لخلق مبررات شن هذه الحرب، لذلك وجب اللعب على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والقبلي والعرقي للمنطقة، ولا يستبعد أن تعود فرنسا في ذلك إلى إحياء مشروعها التقسيمي القديم في إقامة دولة للتوارق على كامل منطقة الصحراء الكبرى، يساعدها في ذلك الوضع أو الدور الريادي الذي يبدو أن أمريكا أصبحت تخصها به في المنطقة، بحكم معرفتها بخباياها وتأثيرها السياسي الكبير فيها، باعتبار كل دولها تتشكل من مستعمراتها السابقة، وباعتبار أن جل الرهائن المختطفين هم من مواطنيها، وبتحكمها في توجيه قادتها الذين تضعهم على رأس السلطة ومقاليد الحكم، وهذه هي الحال بالنسبة لمالي وموريتانيا والنيجر بالتحديد، وهي بلدان محورية في ماهو مطروح من قضاها وتحديات على المنطقة والتي تتصرف وفق الخطط والسياسات التي تمليها فرنسا، حتى أن الرئيس المالي ذهب إلى القول مؤخرا إن بلده غير مسؤول عن الوضع القائم في المنطقة وغير معني به على الإطلاق، مايعني أنه يترك حرية التصرف لفرنسا في بلده في كل ما يتعلق بالقضايا الحساسة المطروحة، كما كان أحد كبار المسؤولين الموريتانيين قد صرح قبل ذلك أن بلاده تتصرف بدعم من فرنسا على أساس أن الأمر يتعلق بمطاردة اللصوص والمهربين، وأن الإرهاب، كما قال، هز قضية جزائرية لأنه نتاج الحرب الأهلية الجزائرية .
هذه البلدان الثلاثة بالذات دون غيرها هي التي فرضت فرنسا على الاتحاد الأوربي تخصيصها بالدعم المادي من أجل دفع التنمية الداخلية وتكوين قواتها الأمنية على مكافحة الإرهاب ومراقبة الحدود، وبموجب ذلك أصبحت رئيسة الدبلوماسية الأوربية مكلفة رسميا برسم استراتيجية الدعم الأوروبي لهذ الدول، استراتيجية تقصي الجزائر تماما من اللعبة ولا تتحدث عنها حتى مجرد الحديث سواء كبلد مستفيد من هذا الدعم أم كمشارك فيه، فيما تجري المحاولات لاستدراجها إلى فخ تجاوز حدودها في ملاحقة عناصر القاعدة لخلق أسباب أكثر لعملية التدويل الجارية. ولكن بعد أن انكشفت كل المخططات والنوايا وإذا بقيت من غيرة على السيادة الوطنية والوحدة الترابية، فما بقي إلا الدفاع عنها من داخل حدودنا [i]
- فاروقمشرف منتدى الأخبار
- عدد الرسائل : 7766
العمر : 53
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 16819
السٌّمعَة : 53
تاريخ التسجيل : 09/08/2008
رد: الاستعمار وتفتيت الشعوب
الجمعة 29 أكتوبر 2010, 07:40
محمد خليفة
عند البحث عن عوامل تخلف الأمة وتأخر أبناءها في مسار الحضارة والانتقال إلى عالم عصر الحداثة والتنوير ، يكون السبب هو الاستعمار الذي لعب دوراً كبيراً في عوامل تخلّف هذا الإنسان المستعمَر وقهره وتشكيل تطوره الاقتصادي والسياسي ، وارتبط به ليس في كل ما يختص بموقعه الجغرافي وبخصائص جوهر بنيانه الفكري والمادي والاجتماعي ، وتطور عواطفه فحسب ، وإنما لعب كذلك دوراً بالغ السوء في تفتيت الكثير من الشعوب في الأرض .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...
كما أنه لعب ، من دون قصد منه ، دوراً حسناً في توحيد الكثير من الشعوب الأخرى ، وكان الأمر في كلتا الحالتين خاضعاً لمصالح الدول الاستعمارية . فقد حدث في القرن التاسع عشر تسابق بين الدول الأوروبية : "بريطانيا ، فرنسا ، إيطاليا، ألمانيا ، هولندا ، بلجيكا ، إسبانيا" لاستعمار العالم . وكان لبريطانيا وفرنسا قصب السبق في هذا المضمار ، وكانت كل دولة استعمارية تحاول السيطرة على أكبر قدر من الأرض لتكون مستعمرتها كبيرة .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...
ولعل أكثر الشعوب التي عانت من ويلات الاستعمار ، وما تزال تعاني حتى الآن هي شعوب إفريقيا والمنطقة العربية . فقد تعرّضت إفريقيا لأبشع صور الاستعمار الأوروبي بعد انعقاد مؤتمر برلين بين الدول الأوروبية في 1884 ـ 1885 الذي خصص لتقسيم إفريقيا بين تلك الدول ، حيث تم تقسيم القارة وتمزيق شعوبها من أجل تأمين حصة استعمارية لكل الدول الأوروبية الحاضر في ذلك المؤتمر . ومازال التقسيم جاريا إلى هذه اللحظة..ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...
وقد أسهم هذا التقسيم العشوائي في إيجاد صراعات دائمة بين الدول الإفريقية بعد استقلالها عن المستعمرين ، وهذه الصراعات ما تزال مستمرة ويصعب أن تتوقف قريباً لأن حجم التخريب الذي أحدثه المستعمرون كان كبيراً . وفي المنطقة العربية ، لم يكن حال الشعوب أفضل من حال الشعوب الإفريقية . فقد هجم الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي والإسباني عليها ، فاستعمرت فرنسا الجزائر عام 1830 ، ومن ثم وضعت تونس تحت حمايتها عام 1881 ، وراحت تتطلع إلى استعمار المغرب . وكانت إسبانيا قد قامت عام 1860 بغزو المغرب واحتلت منطقة الريف والصحراء الغربية .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...
وأما فرنسا ، فقد وجدت معارضة من ألمانيا التي كانت تريد السيطرة على المغرب للاستفادة من ثرواته المنجمية مما أدى إلى حدوث أزمة دولية كبيرة عام 1905 ، فتم تدويل المغرب اقتصادياً بمقتضى شروط مؤتمر "الجزيرة الخضراء" في إسبانيا في يناير 1906 وتم الحدّ من الامتيازات الفرنسية . لكن فرنسا ما لبثت أن حلّت الأزمة مع ألمانيا من خلال إعطاء هذه الأخيرة أراضي في وسط أفريقيا . وهكذا أصبح المغرب من نصيب الاستعمارين الإسباني والفرنسي عام 1912 .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...
وعلى الرغم من أن فرنسا كانت تستعمر تونس والجزائر وموريتانيا وأجزاء من الغرب ، لكنها لم توحّد مستعمراتها هذه تحت سلطة واحدة ، لأنها كانت قد ضمّت الجزائر إليها عام 1848 ، في حين أنها كانت قد وضعت تونس تحت حمايتها ، وتركت للباي فيها السلطة المحلية . وأما المغرب ، فكانت تواجه مشاكل مستمرة فيه ، ولذلك ظلت المستعمرات الفرنسية في بلاد المغرب العربي تحت سلطات متعددة .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...وقادتها يستنزفون خيراتها للاستعمارولمصلحتهم الضيقة.
وكانت إيطاليا قد احتلت ليبيا عام 1912 وتوسعت في الصحراء الكبرى لتستفيد من أكبر قدر من الأرض ، ولذلك ظلت ليبيا كبيرة حتى بعد استقلالها عام 1952 . وأما بريطانيا ، فكانت قد سطت على وادي النيل (مصر والسودان) عام 1882 ، والذي كان موحّداً منذ أيام محمد علي باشا . ولذلك تركته بريطانيا على وحدته لتستفيد من الخيرات الموجودة فيه . ولم ينفصل السودان عن مصر إلاّ عام 1956 .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ..وقادتها يورثون الحكم لأبناءهم لمواصلة مشروع التقسيم والتقزيم..
وفي المشرق العربي ، كانت بريطانيا قد سطت على سواحل الجزيرة العربية من عدن حتى الكويت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وكان العثمانيون في الداخل ، كما كانوا في العراق وبلاد الشام . وفي عام 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى واشتركت فيها الدولة العثمانية ، وأثناء الحرب اتفقت بريطانيا وفرنسا على تقسيم الممتلكات العثمانية في العراق والشام بينهما .
وفي عام 1918 انهزمت الدولة العثمانية ، ومن ثم انهارت ، فوُضِعَ الاتفاق البريطاني الفرنسي موضع التطبيق ، وقد استطاعت بريطانيا أن تستولي على ولايات العراق الثلاث "البصرة ، وبغداد ، والموصل" ووحّدتها تحت سيطرتها ، كما أخذت شرقي الأردن وأعطت فلسطين هدية لليهود ، وأخذت فرنسا سوريا وأقامت دولة لبنان الكبير .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...وقادتها باعوا العراق ولبنان وفلسطين وافغنستان للعلوج..
وعندما انهارت الإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، ظلت المنطقة العربية على حالها من حيث التقسيم الذي أنشأه الاستعمار . ولم تنجح كل الجهود العربية في تحقيق الوحدة بين العرب . والواقع أن هناك شعوباً أخرى كان لها حظ قوي في عهد الاستعمار ، فمثلاً ، إندونيسيا ، تتألف من نحو 17 ألف جزيرة ، وقد جمعتها هولندا منذ القرن الثامن عشر تحت سيطرتها ، وظلت موحّدة حتى بعد استقلالها عام 1950 . والهند أيضاً ، جمعتها بريطانيا منذ أن بدأت في استعمارها عام 1661 .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...ومازال مشروع التقسيم ساري المفعول وجاريا ...
ومع أنها شطرتها قبل إعطائها الاستقلال عام 1947 إلى دولتين : واحدة للهندوس وهي الهند ، وأخرى للمسلمين وهي باكستان وبنغلاديش ، إلاّ أن الهند ظلت مع ذلك كبيرة ، فمساحتها أكثر من سبعة ملايين كيلو متر مربع ، وعدد سكانها مليار نسمة ، وهي الآن قوة عالمية صاعدة ، والفضل في توحّدها يعود إلى بريطانيا التي لعلها تلوم نفسها الآن لأنها جمعتها في دولة واحدة .
ومازالت الشعوب العربية والمسلمة تغط في النوم ..
عند البحث عن عوامل تخلف الأمة وتأخر أبناءها في مسار الحضارة والانتقال إلى عالم عصر الحداثة والتنوير ، يكون السبب هو الاستعمار الذي لعب دوراً كبيراً في عوامل تخلّف هذا الإنسان المستعمَر وقهره وتشكيل تطوره الاقتصادي والسياسي ، وارتبط به ليس في كل ما يختص بموقعه الجغرافي وبخصائص جوهر بنيانه الفكري والمادي والاجتماعي ، وتطور عواطفه فحسب ، وإنما لعب كذلك دوراً بالغ السوء في تفتيت الكثير من الشعوب في الأرض .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...
كما أنه لعب ، من دون قصد منه ، دوراً حسناً في توحيد الكثير من الشعوب الأخرى ، وكان الأمر في كلتا الحالتين خاضعاً لمصالح الدول الاستعمارية . فقد حدث في القرن التاسع عشر تسابق بين الدول الأوروبية : "بريطانيا ، فرنسا ، إيطاليا، ألمانيا ، هولندا ، بلجيكا ، إسبانيا" لاستعمار العالم . وكان لبريطانيا وفرنسا قصب السبق في هذا المضمار ، وكانت كل دولة استعمارية تحاول السيطرة على أكبر قدر من الأرض لتكون مستعمرتها كبيرة .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...
ولعل أكثر الشعوب التي عانت من ويلات الاستعمار ، وما تزال تعاني حتى الآن هي شعوب إفريقيا والمنطقة العربية . فقد تعرّضت إفريقيا لأبشع صور الاستعمار الأوروبي بعد انعقاد مؤتمر برلين بين الدول الأوروبية في 1884 ـ 1885 الذي خصص لتقسيم إفريقيا بين تلك الدول ، حيث تم تقسيم القارة وتمزيق شعوبها من أجل تأمين حصة استعمارية لكل الدول الأوروبية الحاضر في ذلك المؤتمر . ومازال التقسيم جاريا إلى هذه اللحظة..ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...
وقد أسهم هذا التقسيم العشوائي في إيجاد صراعات دائمة بين الدول الإفريقية بعد استقلالها عن المستعمرين ، وهذه الصراعات ما تزال مستمرة ويصعب أن تتوقف قريباً لأن حجم التخريب الذي أحدثه المستعمرون كان كبيراً . وفي المنطقة العربية ، لم يكن حال الشعوب أفضل من حال الشعوب الإفريقية . فقد هجم الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي والإسباني عليها ، فاستعمرت فرنسا الجزائر عام 1830 ، ومن ثم وضعت تونس تحت حمايتها عام 1881 ، وراحت تتطلع إلى استعمار المغرب . وكانت إسبانيا قد قامت عام 1860 بغزو المغرب واحتلت منطقة الريف والصحراء الغربية .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...
وأما فرنسا ، فقد وجدت معارضة من ألمانيا التي كانت تريد السيطرة على المغرب للاستفادة من ثرواته المنجمية مما أدى إلى حدوث أزمة دولية كبيرة عام 1905 ، فتم تدويل المغرب اقتصادياً بمقتضى شروط مؤتمر "الجزيرة الخضراء" في إسبانيا في يناير 1906 وتم الحدّ من الامتيازات الفرنسية . لكن فرنسا ما لبثت أن حلّت الأزمة مع ألمانيا من خلال إعطاء هذه الأخيرة أراضي في وسط أفريقيا . وهكذا أصبح المغرب من نصيب الاستعمارين الإسباني والفرنسي عام 1912 .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...
وعلى الرغم من أن فرنسا كانت تستعمر تونس والجزائر وموريتانيا وأجزاء من الغرب ، لكنها لم توحّد مستعمراتها هذه تحت سلطة واحدة ، لأنها كانت قد ضمّت الجزائر إليها عام 1848 ، في حين أنها كانت قد وضعت تونس تحت حمايتها ، وتركت للباي فيها السلطة المحلية . وأما المغرب ، فكانت تواجه مشاكل مستمرة فيه ، ولذلك ظلت المستعمرات الفرنسية في بلاد المغرب العربي تحت سلطات متعددة .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...وقادتها يستنزفون خيراتها للاستعمارولمصلحتهم الضيقة.
وكانت إيطاليا قد احتلت ليبيا عام 1912 وتوسعت في الصحراء الكبرى لتستفيد من أكبر قدر من الأرض ، ولذلك ظلت ليبيا كبيرة حتى بعد استقلالها عام 1952 . وأما بريطانيا ، فكانت قد سطت على وادي النيل (مصر والسودان) عام 1882 ، والذي كان موحّداً منذ أيام محمد علي باشا . ولذلك تركته بريطانيا على وحدته لتستفيد من الخيرات الموجودة فيه . ولم ينفصل السودان عن مصر إلاّ عام 1956 .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ..وقادتها يورثون الحكم لأبناءهم لمواصلة مشروع التقسيم والتقزيم..
وفي المشرق العربي ، كانت بريطانيا قد سطت على سواحل الجزيرة العربية من عدن حتى الكويت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وكان العثمانيون في الداخل ، كما كانوا في العراق وبلاد الشام . وفي عام 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى واشتركت فيها الدولة العثمانية ، وأثناء الحرب اتفقت بريطانيا وفرنسا على تقسيم الممتلكات العثمانية في العراق والشام بينهما .
وفي عام 1918 انهزمت الدولة العثمانية ، ومن ثم انهارت ، فوُضِعَ الاتفاق البريطاني الفرنسي موضع التطبيق ، وقد استطاعت بريطانيا أن تستولي على ولايات العراق الثلاث "البصرة ، وبغداد ، والموصل" ووحّدتها تحت سيطرتها ، كما أخذت شرقي الأردن وأعطت فلسطين هدية لليهود ، وأخذت فرنسا سوريا وأقامت دولة لبنان الكبير .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...وقادتها باعوا العراق ولبنان وفلسطين وافغنستان للعلوج..
وعندما انهارت الإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، ظلت المنطقة العربية على حالها من حيث التقسيم الذي أنشأه الاستعمار . ولم تنجح كل الجهود العربية في تحقيق الوحدة بين العرب . والواقع أن هناك شعوباً أخرى كان لها حظ قوي في عهد الاستعمار ، فمثلاً ، إندونيسيا ، تتألف من نحو 17 ألف جزيرة ، وقد جمعتها هولندا منذ القرن الثامن عشر تحت سيطرتها ، وظلت موحّدة حتى بعد استقلالها عام 1950 . والهند أيضاً ، جمعتها بريطانيا منذ أن بدأت في استعمارها عام 1661 .
ومازالت الشعوب العربية تغط في النوم ...ومازال مشروع التقسيم ساري المفعول وجاريا ...
ومع أنها شطرتها قبل إعطائها الاستقلال عام 1947 إلى دولتين : واحدة للهندوس وهي الهند ، وأخرى للمسلمين وهي باكستان وبنغلاديش ، إلاّ أن الهند ظلت مع ذلك كبيرة ، فمساحتها أكثر من سبعة ملايين كيلو متر مربع ، وعدد سكانها مليار نسمة ، وهي الآن قوة عالمية صاعدة ، والفضل في توحّدها يعود إلى بريطانيا التي لعلها تلوم نفسها الآن لأنها جمعتها في دولة واحدة .
ومازالت الشعوب العربية والمسلمة تغط في النوم ..
- فاروقمشرف منتدى الأخبار
- عدد الرسائل : 7766
العمر : 53
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 16819
السٌّمعَة : 53
تاريخ التسجيل : 09/08/2008
وبدأ التقسيم تحت إشراف أممي وبمباركة العرب ...
الجمعة 29 أكتوبر 2010, 07:53
وحدهم العرب، لا يصدقون أن تقسيم السودان أصبح واقعاً وأن إعلانه معلن حسب جدول زمني دقيق. في أحسن الأحوال يتغافل العرب عن مثل هذه المسألة، كأن مصير دولة مثل السودان ليست قضية، توجد قضايا مصيرية أضخم وأهم بكثير، لعل أهمها بلا منازع السلامة الذاتية. قبل عقود قليلة كان البحث في كيفية استثمار السودان ليكون "سلة غذاء" لأفريقيا والعالم العربي. على الأرجح بعد سنوات يجب البحث في كيفية انقاذ السودان من الفقر وربما المجاعة وبطبيعة الحال التخلف.
خلال أعمال الأمم المتحدة، عقدت قمة لدراسة الاستعدادات الجارية لإجراء الاستفتاء حول مصير الجنوب في 9/1/2011. حضر القمة الرئيس باراك أوباما ورؤساء وزراء ووزراء خارجية من: بريطانيا وفرنسا وهولندا (دول الاستعمار القديم) وألمانيا والنروج والهند والبرازيل واليابان وكندا، ومن أفريقيا مصر وأثيوبيا وكينيا وأوغندا والغابون ونائب الرئيس السوداني. وجهت القمة "رسالة قوية" الى السودان حول ضرورة تنظيم الاستفتاء، وقررت عملياً ان الموضوع "يستدعي ادارة حقيقية من المجتمع الدولي والدول المجاورة". واشنطن وباقي الدول، ربما ما عدا مصر والسودان، تعتبر ان نتيجة الاستفتاء محسومة، وان خيار الجنوبيين سيكون "الانفصال". القاهرة والخرطوم ما زالتا تعتبران ان أمام السودانيين فرصة لانقاذ السودان الموحد.
والخطير، حتى بعد هذا المؤتمر الذي وضع العملية كلها تحت "اشراف دولي مباشر"، تجاهل العالم العربي الحدث. مر المؤتمر وقراراته في كل الإعلام العربي وعلى مساحة العالم العربي، وكأنه خبر عادي جداً، لا يحمل أخطاراً مصيرية تتناول بلداً عربياً بحجم السودان وإنما المنطقة كلها. حتى العقيد معمر القذافي الذي كان يخترع "اتحادات" لتأكيد اهتمامه والتزامه بوحدة الأمة العربية، تجاهل هذا المسار التقسيمي لدولة عربية تجاوره. أكثر من ذلك كونه "ملك ملوك افريقيا" كان عليه أن يهتم بمصير دولة افريقية، تقسيمها سيفتح الباب أمام تغيير خريطة القارة، لم يبدِ العقيد أي اهتمام. كأن تقسيم السودان أصبح قدراً لا مهرب منه.
تقسيم دولة مثل عملية بتر عضو أو أكثر من أي انسان. لا يمكن أن تمر العملية من دون أوجاع وانفعالات جسدية ونفسية وانقلابات في العلاقات مع المحيط الانساني. لا يمكن أن يمر تقسيم السودان بشكل طبيعي. فوراً أو بعد سنوات، سيعاني السودانيون الكثير، ومعهم الدول الحدودية المحيطة بالسودان وهي: مصر وأثيوبيا وارتيريا وكينيا والكونغو ووسط افريقيا والتشاد وليبيا. القمة التي عقدت في نيويورك الى جانب جهود أميركية تعمل على "بناء شبكة مصالح بين الجنوب والشمال السوداني لحماية علاقاتهما من التوتر وتجدد الحرب". لا أحد في أفريقيا يصدق بأن هذه الجهود ستنجح. المشاكل التي ستنفجر بعد التقسيم وإعلان دولة الجنوب التي قد تأخذ اسم دولة "حوض النيل"، أو "أعالي النيل" أو أي اسم آخر، تفجر كل واحدة منها حرباً فكيف اذا اجتمعت كلها!.
"السودان الشمالي"، سيفقد بعد التقسيم حوالي ثمانين بالمئة من عائداته. سيتحول السودان الى دولة فقيرة. جنوب السودان يضم أو يملك كل نفط السودان المستخرج حالياً وهو نصف مليون برميل يومياً. بعد "الاستقلال" ستهطل الاستثمارات الغربية وتحديداً الأميركية على "الدولة" الوليدة. المرجح أن يتضاعف انتاج السودان من النفط خلال أعوام. ماذا عن الشمال؟ الاقتراح الأميركي، استمرار نقل النفط المستخرج عبر أنابيب تعبر شمال السودان الى بور السودان لمدة 25 سنة. سيضطر "البلدان" الى العمل معاً لفرض الأمن والاستقرار، من أجل ضمان مرور النفط بسلام.
لا توجد ضمانات بسلامة المرور، خصوصاً اذا ما حصلت مواجهات دموية بين الجنوبيين والشماليين، على مثال ما حصل بين الهنود والباكستانيين أثناء الانفصال. في الخرطوم وجوارها أكثر من مليون جنوبي، وفي الجنوب الآلاف من رجال الأعمال الشماليين. من يضمن عدم وقوع صدامات دموية منظمة أو عفوية؟ لا أحد. الدم يستسقي الدم. قاعدة معروفة في كل "الحروب الأهلية".
يجب اضافة ألغام وقنابل موقوتة عديدة الى هذا اللغم الكبير. رسم الحدود من أصعب وأدق القضايا خصوصاً في افريقيا حيث الحدود الرسمية تتقاطع مع "الحدود القبلية". ايضاً ما العمل بالديون المستحقة على السودان؟ هل يقبل الجنوبيون أن يأخذوا "حصتهم" من هذا الدين أم يتنكرون له؟ العملة مشكلة شائكة أيضاً سواء من حيث رسم عملة جديدة أو القيمة المتبادلة. أيضاً ماذا عن الجنسية؟ هل سيضطر الجنوبيون الى التخلي عن جنسيتهم الجديدة السودانية اذا اختاروا البقاء في الشمال، والعكس صحيح بالنسبة للشماليين في الجنوب؟.
طوال أكثر من ثلاثين سنة دارت حرب أهلية دامية بين الشمال والجنوب. لعب الخارج خصوصاً "الكنائس الأميركية" دوراً فعالاً فيها. ضحايا هذه الحرب بين مليون ومليوني ضحية. أي صراع بعد التقسيم سيكون بين دولتين تملك كل واحدة امكانات تدميرية ضخمة. ما سيحصل هو حرب حقيقية بين جيشين. الجنوبيون وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية أصبح لديهم جيشاً كامل التجهيز والعدة. الأمم المتحدة دربت عشرة آلاف مسؤول أمني انضموا الى 21 ألف شرطي جنوبي. كل شيء يوحي بحرب لن تبقى محصورة بين الشماليين والجنوبيين. قوى اقليمية ودولية جاهزة للدخول في تحالفات مكشوفة أو مستترة بالمال والسلاح. اسرائيل لن تكون بعيدة عن مثل هذه الحرب. لديها مصلحة حقيقية بالتدخل الى جانب الجنوبيين فتكمل بهذا امساكها بمنابع النيل ومحاصرة مصر والضغط عليها في أعز ما تملكه وتحتاجه وهو النيل ومياهه.
أيضاً بين الشمال والجنوب مشكلة ايبي . تكاد تشبه مشكلة كشمير بين الهند وباكستان. لو حلت كل القضايا، ستبقى مشكلة ايبي معضلة حقيقية. لا يمكن لكل طرف التخلي عن مطالبه بهذه المنطقة الغنية. بعد الجنوب والشمال، سيأتي دور دارفور. السودان مرشح لأن يكون ثلاث أو أربع دول.
خريطة افريقيا على الطاولة من جديد. حتى الآن كان التقسيم ورسم حدود جديدة بين الدول الافريقية ممنوعاً. انفصال ارتيريا لم يمكن استثناء. ارتيريا كانت في الأصل دولة ووضعت اثيوبيا يدها عليها. لم يتم رسمها فجأة. ومع ذلك وقعت أكثر من حرب ارتيرية اثيوبية، والسلام بينهما ما زال بعيداً. بعد تقسيم السودان سيصبح الاستفتاء قاعدة في افريقيا. أصلاً يجري الكلام عن تقسيم نيجيريا، وقد وافق القذافي على تقسيمها. أثيوبيا أيضاً تخوض حروباً ضد الانفصاليين. القبائل في الكونغو وكينيا جاهزة لخوض حروب انفصالية قاتلة.
خلال أعمال الأمم المتحدة، عقدت قمة لدراسة الاستعدادات الجارية لإجراء الاستفتاء حول مصير الجنوب في 9/1/2011. حضر القمة الرئيس باراك أوباما ورؤساء وزراء ووزراء خارجية من: بريطانيا وفرنسا وهولندا (دول الاستعمار القديم) وألمانيا والنروج والهند والبرازيل واليابان وكندا، ومن أفريقيا مصر وأثيوبيا وكينيا وأوغندا والغابون ونائب الرئيس السوداني. وجهت القمة "رسالة قوية" الى السودان حول ضرورة تنظيم الاستفتاء، وقررت عملياً ان الموضوع "يستدعي ادارة حقيقية من المجتمع الدولي والدول المجاورة". واشنطن وباقي الدول، ربما ما عدا مصر والسودان، تعتبر ان نتيجة الاستفتاء محسومة، وان خيار الجنوبيين سيكون "الانفصال". القاهرة والخرطوم ما زالتا تعتبران ان أمام السودانيين فرصة لانقاذ السودان الموحد.
والخطير، حتى بعد هذا المؤتمر الذي وضع العملية كلها تحت "اشراف دولي مباشر"، تجاهل العالم العربي الحدث. مر المؤتمر وقراراته في كل الإعلام العربي وعلى مساحة العالم العربي، وكأنه خبر عادي جداً، لا يحمل أخطاراً مصيرية تتناول بلداً عربياً بحجم السودان وإنما المنطقة كلها. حتى العقيد معمر القذافي الذي كان يخترع "اتحادات" لتأكيد اهتمامه والتزامه بوحدة الأمة العربية، تجاهل هذا المسار التقسيمي لدولة عربية تجاوره. أكثر من ذلك كونه "ملك ملوك افريقيا" كان عليه أن يهتم بمصير دولة افريقية، تقسيمها سيفتح الباب أمام تغيير خريطة القارة، لم يبدِ العقيد أي اهتمام. كأن تقسيم السودان أصبح قدراً لا مهرب منه.
تقسيم دولة مثل عملية بتر عضو أو أكثر من أي انسان. لا يمكن أن تمر العملية من دون أوجاع وانفعالات جسدية ونفسية وانقلابات في العلاقات مع المحيط الانساني. لا يمكن أن يمر تقسيم السودان بشكل طبيعي. فوراً أو بعد سنوات، سيعاني السودانيون الكثير، ومعهم الدول الحدودية المحيطة بالسودان وهي: مصر وأثيوبيا وارتيريا وكينيا والكونغو ووسط افريقيا والتشاد وليبيا. القمة التي عقدت في نيويورك الى جانب جهود أميركية تعمل على "بناء شبكة مصالح بين الجنوب والشمال السوداني لحماية علاقاتهما من التوتر وتجدد الحرب". لا أحد في أفريقيا يصدق بأن هذه الجهود ستنجح. المشاكل التي ستنفجر بعد التقسيم وإعلان دولة الجنوب التي قد تأخذ اسم دولة "حوض النيل"، أو "أعالي النيل" أو أي اسم آخر، تفجر كل واحدة منها حرباً فكيف اذا اجتمعت كلها!.
"السودان الشمالي"، سيفقد بعد التقسيم حوالي ثمانين بالمئة من عائداته. سيتحول السودان الى دولة فقيرة. جنوب السودان يضم أو يملك كل نفط السودان المستخرج حالياً وهو نصف مليون برميل يومياً. بعد "الاستقلال" ستهطل الاستثمارات الغربية وتحديداً الأميركية على "الدولة" الوليدة. المرجح أن يتضاعف انتاج السودان من النفط خلال أعوام. ماذا عن الشمال؟ الاقتراح الأميركي، استمرار نقل النفط المستخرج عبر أنابيب تعبر شمال السودان الى بور السودان لمدة 25 سنة. سيضطر "البلدان" الى العمل معاً لفرض الأمن والاستقرار، من أجل ضمان مرور النفط بسلام.
لا توجد ضمانات بسلامة المرور، خصوصاً اذا ما حصلت مواجهات دموية بين الجنوبيين والشماليين، على مثال ما حصل بين الهنود والباكستانيين أثناء الانفصال. في الخرطوم وجوارها أكثر من مليون جنوبي، وفي الجنوب الآلاف من رجال الأعمال الشماليين. من يضمن عدم وقوع صدامات دموية منظمة أو عفوية؟ لا أحد. الدم يستسقي الدم. قاعدة معروفة في كل "الحروب الأهلية".
يجب اضافة ألغام وقنابل موقوتة عديدة الى هذا اللغم الكبير. رسم الحدود من أصعب وأدق القضايا خصوصاً في افريقيا حيث الحدود الرسمية تتقاطع مع "الحدود القبلية". ايضاً ما العمل بالديون المستحقة على السودان؟ هل يقبل الجنوبيون أن يأخذوا "حصتهم" من هذا الدين أم يتنكرون له؟ العملة مشكلة شائكة أيضاً سواء من حيث رسم عملة جديدة أو القيمة المتبادلة. أيضاً ماذا عن الجنسية؟ هل سيضطر الجنوبيون الى التخلي عن جنسيتهم الجديدة السودانية اذا اختاروا البقاء في الشمال، والعكس صحيح بالنسبة للشماليين في الجنوب؟.
طوال أكثر من ثلاثين سنة دارت حرب أهلية دامية بين الشمال والجنوب. لعب الخارج خصوصاً "الكنائس الأميركية" دوراً فعالاً فيها. ضحايا هذه الحرب بين مليون ومليوني ضحية. أي صراع بعد التقسيم سيكون بين دولتين تملك كل واحدة امكانات تدميرية ضخمة. ما سيحصل هو حرب حقيقية بين جيشين. الجنوبيون وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية أصبح لديهم جيشاً كامل التجهيز والعدة. الأمم المتحدة دربت عشرة آلاف مسؤول أمني انضموا الى 21 ألف شرطي جنوبي. كل شيء يوحي بحرب لن تبقى محصورة بين الشماليين والجنوبيين. قوى اقليمية ودولية جاهزة للدخول في تحالفات مكشوفة أو مستترة بالمال والسلاح. اسرائيل لن تكون بعيدة عن مثل هذه الحرب. لديها مصلحة حقيقية بالتدخل الى جانب الجنوبيين فتكمل بهذا امساكها بمنابع النيل ومحاصرة مصر والضغط عليها في أعز ما تملكه وتحتاجه وهو النيل ومياهه.
أيضاً بين الشمال والجنوب مشكلة ايبي . تكاد تشبه مشكلة كشمير بين الهند وباكستان. لو حلت كل القضايا، ستبقى مشكلة ايبي معضلة حقيقية. لا يمكن لكل طرف التخلي عن مطالبه بهذه المنطقة الغنية. بعد الجنوب والشمال، سيأتي دور دارفور. السودان مرشح لأن يكون ثلاث أو أربع دول.
خريطة افريقيا على الطاولة من جديد. حتى الآن كان التقسيم ورسم حدود جديدة بين الدول الافريقية ممنوعاً. انفصال ارتيريا لم يمكن استثناء. ارتيريا كانت في الأصل دولة ووضعت اثيوبيا يدها عليها. لم يتم رسمها فجأة. ومع ذلك وقعت أكثر من حرب ارتيرية اثيوبية، والسلام بينهما ما زال بعيداً. بعد تقسيم السودان سيصبح الاستفتاء قاعدة في افريقيا. أصلاً يجري الكلام عن تقسيم نيجيريا، وقد وافق القذافي على تقسيمها. أثيوبيا أيضاً تخوض حروباً ضد الانفصاليين. القبائل في الكونغو وكينيا جاهزة لخوض حروب انفصالية قاتلة.
- هواري عزالدينعضو نشيط
- عدد الرسائل : 152
البلد :
نقاط : 380
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 27/07/2010
رد: الاستعمار وتفتيت الشعوب
الجمعة 29 أكتوبر 2010, 11:08
وثيقة كامبل السرية و تفتيت الوطن العربي
مؤتمر لندن
انعقد مؤتمر لندن أو ما يسمى بمؤتمر كامبل بنرمان الذي دعا إليه حزب المحافظين البريطاني سرا في عام 1905 واستمرت مناقشات المؤتمر الذي ضم الدول الاستعمارية في ذاك الوقت وهي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، اسبانيا، إيطاليا، حتى عام 1907 وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرية سموها " وثيقة كامبل" نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان.
وتوصلوا إلى نتيجة مفادها : "إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار! لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم ، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات" والإشكالية في هذا الشريان هو أنه كما ذكر في الوثيقة : " ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان".
أبرز ما جاء في توصيات المؤتمِرون في هذا المؤتمر والذي شارك فيه سياسيون ومفكرون وباحثون والذي استمر لمدة عامين كم ذكرنا ما يلي:
1- إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة.
وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى : دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل إلى مستوى تلك الدول
الفئة الثانية : دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا عليها (كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا عليها وعلى تفوقها
الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام) والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية
2- ومحاربة أي توجه وحدوي فيها.
ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب الا وهي دولة إسرائيل واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة
فصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا ليس فقط فصلاً مادياً عبر الدولة الإسرائيلية، وإنما اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، مما أبقى العرب في حالة من الضعف. واستمر تجزئة الوطن العربي وإفشال جميع التوجهات الوحدوية إما بإسقاطها أو تفريغها من محتواها، ولا يعني هذا الأمر بالضرورة تدخلاً إسرائيلياً وإنما هو مصلحلة لوجود إسرائيل من جهة وللتعاون بينها وبين القوى الخارجية الطامعة بالعرب من جهة ثانية. أقدمت الأتفاقية إلى الحد من نهوض العرب ومنعهم من التقدم وامتلاك العلم والمعرفة وذلك من خلال سياسات الدول المتقدمة التي تمنع عن العرب وسائل ولوج العلم وامتلاك إمكانية تطويره والمساهمة في إنتاج المعرفة. إن من أسباب حالات العداء والمنازعات الرئيسة بين الدول العربية الصراع مع إسرائيل والموقف من هذا الصراع ودور القوى الخارجية في دفع هذه الدولة أو تلك لاتباع سياسات تتعارض مع مواقف دول أخرى، مما يشكل سبباً جوهرياً للتوترات العربية. وحتى مشاكل الحدود بين بعض الأقطار العربية يمكن أن تعزى إلى العامل الخارجي في معظمها.
في عام 1905 دعا حزب المحافظين البريطاني سرّاً إلى عقد مؤتمر يهدف إلى إعداد استراتيجية أوربية، لضمان سيادة الحضارة الغربية على العالم، وإيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الغرب الاستعماري إلى أطول أمد ممكن.
ولما كان حزب المحافظين خارج الحكم، فقد قدم فكرة الدعوة إلى عقد المؤتمر إلى رئيس حزب الأحرار: هنري كامبل بنرهان" رئيس الوزارة البريطانية آنذاك.
لم يكن "كامبل" بعيداً عن هذه الفكرة، فقد كان مولعاً بفلسفة التاريخ، وكان معنياً بأن تبقي بريطانيا على امبراطوريتها التي تمتد من أقصى الأرض إلى أقصاها . دعيت إلى المؤتمر الدول الاستعمارية كافة وهي:
بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا، البرتغال . شارك في المؤتمر فلاسفة ومشاهير المؤرخين وعلماء الاستشراق والاجتماع والجغرافية والاقتصاد، إضافة إلى خبراء في شؤون النفط والزراعة والاستعمار.
ويمكن إيراد أسماء بعض المشاركين:
البروفيسور جيمس: مؤلف كتاب "زوال الامبراطورية الرومانية"
البروفسور لوي مادلين: مؤلف كتاب: "نشوء وزوال امبراطورية نابليون"
الأساتذة: لستر وسميث وترتخ وزهروف.
افتتح "كامبل" المؤتمر بكلمة مطولة جاء فيها:
"إن الامبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر إلى حدٍّ ما ثم تنحل رويداً رويداً ثم تزول والتاريخ ملئ بمثل هذه التطورات وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة، فهناك امبراطوريات : روما، أثينا، الهند والصين وقبلها بابل وآشور والفراعنة وغيرهم.
فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوروبي وانهياره أو تؤخر مصيره ؟
وقد بلغ الآن الذروة وأصبحت أوروبا قارة قديمة استنفدت مواردها وشاخت مصالحها، بينما لا يزال العالم الآخر في صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية، هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا.."
وبالنظر إلى ضخامة الدراسات وأوراق العمل المقدمة إلى المؤتمر، تشكلت لجنة للمتابعة سميت بلجنة الاستعمار.
نظمت اللجنة "استفتاءات شملت الجامعات البريطانية والفرنسية التي ردّت على التساؤلات المطروحة، بأجوبة مفصلة شملت اتصالات اللجنة المفكرين والباحثين وأصحاب السلطة في حكومات الدول الغربية إضافة إلى كبار الرأسماليين والسياسيين.
أنهت اللجنة أعمالها في العام 1907 وقدمت توصياتها إلى المؤتمر. خرج المؤتمر بوثيقة سرّية سميت "وثيقة كامبل" أو "تقرير كامبل" أو توصية مؤتمر لندن لعام 1907"التقرير استراتيجي بكل معنى الكلمة ولمّا يزل معتماً عليه فلم ينشره مصدروه ولم يفرج عنه بشكل نهائي وقد مضى قرابة قرن على إصداره.
تحدث بعض الباحثين عن الإفراج عن التقرير، فالأستاذ محمد حسين هيكل - المعروف بدقة مصادره - أورد في كتابه "المفاوضات السرّية وإسرائيل" التوصية النهائية للتقرير تحت عنوان: " وصية بنرمان."
"والباحث المحامي انطون سليم كنعان أشار إلى التقرير في محاضرة له بعنوان "فلسطين والقانون" ألقاها سنة 1949 في كل من جامعتي فلورينو وباريس، وقد استند في معلوماته إلى مصادر إيطالية.
وقد نشر اتحاد المحامين العرب المحاضرة ضمن منشوراته التي غطت أنشطة مؤتمره الثالث الذي انعقد في دمشق 21-25 أيلول 1957 ص 457-489.
وقد أشار إلى التقرير الدكتور مسعود الضاهر (أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة اللبنانية) وردود الفعل العربي عليه وذلك ضمن بحثه المنشور في مجلة "البحث التاريخي "السورية العدد7 لعام 2003 .
وقد أشار الدكتور جاسم سلطان في كتابه "إدارة فلسفة التاريخ" إلى الإفراج عن التقرير لمدة أسبوعين فقط ثم أعيد خوفاً من آثاره الممتدة.
إلاّ أن أهم المراكز البحثية التي نشرت التقرير هي وزارة الإرشاد القومي في مصر إذ تضمن ملف وثائق فلسطين من عام 637م- إلى عام 1949 التقرير تحت عنوان: توصية مؤتمر لندن المسمى مؤتمر كامبل سنة 1907:
وفيما يلي نص التوصية:
"إن إقامة حاجز بشري قوي غريب على الجسر البري الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معاً بالبحر الأبيض المتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها. هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة".
وبالرغم من وفرة المصادر التي تؤكد صدور هذا التقرير أو هذه الوثيقة، إلا أن عدم الإفراج عنه بشكل نهائي كما أشرنا، جعل بعض المؤرخين والباحثين يشكك وجوده فعلاً أم أنه من إبداع الخيال، وكان من المفترض أن تقوم مراكز الأبحاث الفلسطينية والموسوعة الفلسطينية، بدراسته والحديث عنه، وهذا الذي لم يتحقق.
والبحث الذي نحن بصدده، يعرض إلى الوثيقة كما وردت في المصادر المتعددة، ومناقشتها استناداً إلى المنظومات القيمية للغرب، بخلفياتها التاريخية وأصولها الفلسفية، كما يتعرض إلى الممارسات الاستعمارية للغرب قبل وخلال السياق الزمني الذي أعدّت فيه هذه الوثيقة. "
وثيقة كامبل
"الوثيقة هي استراتيجية أوروبية لضمان سيادة الحضارة الغربية وطول أمدها: لذلك فهي ترى العالم من خلال ثلاث مساحات:
المساحة الأولى: تتكون من الوحدات التي تقع في المنظومة المسيحية الغربية، وتقرر الوثيقة أن من واجب بريطانيا تجاه هذه المساحة من الحضارة - على أي حالٍ من الأحوال- ألا تكون السيادة على العالم خارج إطارها. أي أن هذه المنظومة الحضارية هي التي تسيطر على العالم ويظل زمام الأمور بيدها.
فإذا كانت أي حضارة لا شك ستنتهي بحسب نظرة فلسفة التاريخ - فإنها يجب أن تضمن أن وريث هذه الحضارة من نفس المساحة ومن جوهر المنظومة الغربية.
المساحة الثانية: وهي الحضارة الصفراء التي لم تتناقص مع الحضارة الغربية من الناحية القيمية لكنها قد تختلف معها في حساب المصالح.
وهذه الحضارة يمكن التعامل معها والتعاطي معها تجارياً ويمكن غزوها ثقافياً لهشاشة منظوماتها القيمية ومن ثم فالتعامل معها يعتمد على الجانب المصلحي للكتلة المسيحية الغربية من العالم.
أما المساحة الثالثة: فهي البقعة الخضراء أو الحضارة الخضراء فهذه المساحة من الأرض، تحتوي على منظومة قيمية منافسة للمنظومة الغربية، صارعتها في مناطق كثيرة وأخرجتها من مناطق كثيرة ومن واجب الحضارة الغربية المسيحية أخذ احتياجاتها وإجراءاتها لمنع أي تقدم محتمل لهذه المنظومة الحضارية أو إحدى دولها لأنها مهددة للنظام القيمي الغربي.
وفي الإجراءات التي تتخذ مع هذه المساحة الثالثة (الحضارة التي تتناقص مع الغرب) تقترح هذه الوثيقة ثلاثة إجراءات رئيسية:
أولاً: حرمان دولة المساحة الخضراء من المعرفة والتقنية أو ضبط حدود المعرفة.
ثانياً: إيجاد أو تعزيز مشاكل حدودية متعلقة بهذه الدول.
ثالثاً: تكوين أو دعم الأقليات بحيث لا يستقيم النسيج الاجتماعي لهذه الدول ويظل مرهوناً بالمحيط الخارجي". (د.سلطان الجاسم فلسفة التاريخ ص62 وما بعدها)
لم تأت "وثيقة كامبل" من فراغ، فالغرب الاستعماري كان يعدّ لاطروحة تمثل مراجعة شاملة لتاريخه وتاريخ العالم وعلاقاته الصدامية المستمرة مع العرب والمسلمين.
الوثيقة تمثل مراجعة نقدية للمفاهيم العلمية والمعرفية والقيمية التي بنى عليها تفوقه وذلك من أجل الاستمرار في بناء قدراته وتجاوز أزماته ووضع القواعد المستقبلية للتعامل مع الشعوب الأخرى في العالم حتى تبقى تحت سيطرته ونفوذه وفي حقل تأثيره المعرفي.
كانت أبرز الدراسات المطروحة على جدول أعمال المؤتمر منصبة على تفحص اللحظات الحاسمة في الصدام مع شرقنا العربي الإسلامي والتحولات الحاسمة الكبرى في منظوماته القيمية ونوجز ذلك فيما يلي:
أولاً: في حملات الفرنجة (الصليبيين) :
خاض الغرب تحت رايات الشعارات الدينية المضللة أشرس الحملات في محاولة منه للسيطرة على عالمنا الغني باءت في محصلتها النهائية إلى الفشل وكانت اللحظة الحاسمة فيها عند أسوار عكا.
"الزمان: كان قبل سبعمئة سنة، بالضبط في صباح 18 مايو/ أيار 1291 ميلادية.
المكان: مدينة عكا بأسوارها الدهرية ، حيث انتصر الجيش المملوكي الإسلامي وألقى في البحر آخر جندي فرنجي" (شاكر مصطفى : حكاية الصليبيات في ثلاثة تواريخ : الجمعية التاريخية 1991 ص142).
الغرب على لسان المتحدثين بالمؤتمر، يرفض العودة إلى الشرق، تحت هذه الشعارات، ولايريد التكرار للمشهد الفاجعة بالنسبة إليه.
ثانياً: في البحث عن إسرائيل القديمة:
" ما إن تلاشت أصداء آخر حملة صليبية على بلاد الشام ومصر حتى عاد الغرب بدءاً من القرن السابع عشر يعدّ العدّة لغزو المنطقة بأفكار جديدة أخطرها على الإطلاق : فكرة إعادة اليهود. هذه الفكرة وجدت غذاءها الفكري في النظرية الألفية. أخذت هذه النظرية اسمها من كلمة "خلياس" اليونانية بمعنى ألف.
تتمحور هذه النظرية حول عودة وتملك المسيح أورشليم بعد الألف".
من هذه الفكرة، وفكرة مكملة لها، أراد منها لوثر وتلاميذه أن يضعوا حداً للتفرقة العنصرية ضد اليهود أعاد طرح المسألة طرحاً لاهوتياً من خلال السؤال: ما موقع اليهود في المشروع الإلهي؟
المركزية الأوروبية وجدت في هذه الأفكار حصان طروادة من أجل غزو الشرق بذريعة تنطلي على الكثير ممن لا علم لهم بالتاريخ ومجرياته. وهكذا بدأ الغرب بتوظيف أدواته المعرفية وأهمها الاستشراق من أجل البحث عن "إسرائيل القديمة" بوصفه مشروعاً معرفياً يؤسس لطور جديد للحضارة الغربية يرتكز على قراءة حرفية لنصوص التوراة.
هذه القراءة الحرفية تربط اليهود بأرض فلسطين على أنهم ورثة الوعد الإلهي، ومن ثم فالمسألة التي تدّعى هي الصهيونية بمعنى العودة إلى فلسطين بمفهوم متعصب يحلّ دولة إسرائيل محل إله إسرائيل.
لقد كانت هذه القراءة نقيض وجهة نظر المذهب الرسمي للكنيسة بحسب القديس أوغسطين في القرن الخامس الميلادي من أن ما ورد في العهد القديم بشأن مملكة الله إسرائيل قائم في السماء وليس على الأرض، ومن ثم فإن القدس وصهيون ليسا مكانين محددين على الأرض للسكان اليهود أو السكن لليهود ولكنهما مكانان سماويان مفتوحان أمام كل المؤمنين بالله.
وثيقة كامبل باعتمادها فكرة إقامة الحاجز البشري الغريب من اليهود على أرض فلسطين، تكون قد التقت عبر لحظة حاسمة أخرى، في التأسيس لتحول الغرب إلى منشئٍ لمنظومة قيمية جديدة تستثمر اليهودية وإسرائيل، من أجل أغراضه الاستعمارية والأهم من ذلك انجراف مراكز السلطة في الغرب إلى الحديث عن اليهودية وإسرائيل على أنها منشأ الحضارة الغربية ومصدرها الأخلاقي.
لذلك كان استكشاف مصر وإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين عنواناً لأول غزو غربي يقوم به نابليون عام 1799 ميلادية، ولغرض السيطرة على طرق العبور إلى الشرق.
ثالثاً: بناء القدرات وتجاوز الأزمات:
تداول مؤتمر كامبل مراجعة شاملة لقضايا النهوض العلمي والتقدم في المعرفة بالتأكيد على التوجهات الفكرية الداعية إلى التحول إلى العقلنة (ديكارت، فولتير) وإحلال الإنسان في الموقع المركزي الكوني.
لكن بالمقابل أوجب على الحضارة الغربية أخذ الاحتياطات والإجراءات لمنع أي تقدم محتمل ليقعتنا الخضراء - لأنها تهدد منظومته الحضارية الغربية.
وباتباع الغرب لمنهاج تاريخي محرف، وتفسير مغلوط للأحداث والمكونات والتراث، واجه العالم خلال قرون عديدة، قوانين جائرة عصفت بموارده وأمنه الاجتماعي والحضاري.
وأبرز هذه القوانين:
1- قانون التفوق وهو ما كرسته العنصرية بما يسمح بتقسيم البشر وتصنيفهم إلى سادة وعبيد، وأن الجنس الأبيض الذي يشكل الساده حمله الله عبء الرسالة الحضارية.
2- قانون المصلحة ويعني أنه ليس هناك من ثوابت قيمية وإنما هناك مصالح، فما يخدم الاستعمار في لحظة يجب التمسك به وإذا تعارض مع المصلحة في لحظة أخرى فلا بأس من تركه.
3- قانون السيطرة ويعني التحكم وفرض الإرادة بما يخدم المصلحة وانعكست هذه القوانين على الشرق استعماراً وحشياً مقيتا لأن الشرق في حكم الغرب، "ينتمي إلى عرق محكوم لذلك ينبغي له أن يُحكم".
لكن أخطر ما تداوله مؤتمر كامبل، مفهوم الوعي النقدي الضدي كامتداد لحقل المعرفة والعقلنة.
هذا المفهوم أخذ مساره في حقل فلسفة التاريخ على شكل رؤية لبناء المجتمعات ونمو الحياة البشرية، أخذ بها هيجل (1770م - 1831م) وتتلخص في أن كل المجتمعات تحتاج إلى أن تجدد أفكارها، وأن تجد الأفكار حرّية واسعة تستطيع فيها أن تمارس دورها في تطوير المجتمعات من خلال الأفكار المتناقضة وصراع الأفكار الذي يولد الأفكار الجديدة ويحقق نمو الحياة البشرية. هذا المفهوم يسمح بتداوله في المجتمعات الغربية لكنه خط أحمر ومحرم على المجتمعات الأخرى في شرقنا لاسيما شرقنا العربي والإسلامي.
"وهكذا تمكن الغرب من خلال ممارسته لهذا المفهوم وامتلاكه لثنائية المعرفة والسلطة من تجاوز أزماته المستمرة من ديكارت وحتى اليوم" بينما استمر الشرق في تراجعه النسبي وغير قادر على إدارة أزماته وهذا ما جعل "الثقافة الغربية متسلطة داخل أوروبا وخارجها على حدٍّ سواء".
رابعاً: العمل على استمرار تأخر المنطقة وتجزئتها إلى دول متناحرة وخلق دولة إسرائيل:
أهم ما واجه لجنة الاستعمار التي انبثقت عن مؤتمر كامبل تعقيدات العلاقات الدولية في مطلع القرن التاسع عشر، وأبرزها الوضع المضطرب لمنطقة شرق وجنوب البحر المتوسط المحكوم في معظم أجزائه من قبل الدولة العثمانية.
هذه المنطقة تشكل وحدة جغرافية للوطن العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، ووحدة تاريخية عريقة بلغة ودين مشترك، إضافة إلى ثقافة حضارية واحدة.
فمع انحسار السيطرة العثمانية على أقاليم المنطقة العربية وبروز الحركة القومية التركية، تنامت الحركات القومية الداعية إلى استقلال كل قومية على حده.
وفي ظل هذه التعقيدات، انطلقت شعارات الثورة العربية وتصاعدت الأصوات الداعية إلى الوحدة العربية وإلى امتلاك العرب لثرواتهم الطبيعية ومواردهم البشرية.
دقت لجنة الاستعمار ناقوس الخطر، فالوضع خطير ويهدد مصالح الدول الاستعمارية وكانت بريطانيا أكبر هذه الدول وأكثرها خشية من المستقبل.
كان حلّ إقامة دولة إسرائيل لليهود، مشروعاً اعتمدته المركزية الأوروبية منذ القرن السابع عشر على خلفية قراءة حرفية للعهد القديم تربط اليهود بأرض فلسطين على أنهم ورثة الوعد الإلهي، واستثمار هذه الدولة محفزاً متقدماً للغرب في هذه المنطقة، قد لاقي المعارضة من معظم التجمعات اليهودية الأوروبية لأن المصالح اليهودية كانت مع الاندماج في المجتمعات الأوروبية التي وفرت لهم ذلك خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
أما يهود الدولة العثمانية فقد حصلوا على حقوقهم كافة إضافة إلى الرعوية العثمانية، وتمتعت جالياتهم في كافة أنحاء الدولة برخاء اقتصادي، كان له أثر بالغ، في رفض دعوة نابليون لهم بالتوجه إلى فلسطين لإقامة دولة إسرائيل لكن المستجدات الجديدة في الدولة الروسية في أعقاب أحداث عام 1882م وتعرض ملايين اليهود إلى الطرد وامتداد عمليات الطرد لتشمل بولونيا ومعظم الدول الأوروبية الشرقية، والقيود التي فرضتها الدول الأوروبية للحيلولة دون تسرب كثيف لليهود إليها، طرح على القيادات اليهودية قضية التفتيش عن وطن خاص باليهود.
الوضع اليهودي المستجد، مع وضع الدولة العثمانية في حالة الاحتضار، وضع لجنة الاستعمار أمام هذه المتغيرات والمستجدات.
أعادت لجنة الاستعمار دراسة ملفات نابليون وبالمرستون وذررائيلي الذين نادوا بإقامة كيان يهودي على أرض فلسطين يشكل حاجزاً بشرياً يعمل لخدمة الاستعمار، وكان قرارها متوافقاً مع الحل الذي نادى به أباطرة الاستعمار، وعودة لتطبيق وتنفيذ المشروع الذي نادت به، المركزية الأوروبية منذ القرن السابع عشر. وفيما يلي النص الذي اعتمد من قبل لجنة الاستعمار في هذا السبيل:
"على الدول ذات المصلحة أن تعمل على استمرار تأخر المنطقة وتجزئتها وإبقاء شعوبها مضللة جاهلة متناحرة وعلينا محاربة اتحاد هذه الشعوب وارتباطها بأي نوع من أنواع الارتباط الفكري أو الروحي أو التاريخي وإيجاد الوسائل العملية القوية لفصلها بعضها عن بعض وكوسيلة أساسية مستعجلة ولدرء الخطر توصي اللجنة بضرورة العمل على فصل الجزء الافريقي من هذه المنطقة عن جزئها الآسيوي وتقترح لذلك إقامة حاجز بشري قوي وغريب بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار عدوة لسكان المنطقة."
وهكذا يمكن اعتبار الجغرافية السياسية التي نشأت وفقاً لقانون إعادة تقسيم العالم ضمن مصالح المشروع الامبريالي الغربي قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، متوافقة مع نصوص وثيقة كامبل.
"فقد كان الرأي الغربي مجمعاً على عدم السماح للعرب وبوادر اليقظة عليهم حين التحرر من العثمانيين بأن يستعيدوا وحدتهم أي أن يعودوا إلى وضعهم الطبيعي في التاريخ لئلا تضر عودتهم هذه بالمجال الحيوي القادم لأوروبا". وبالتالي فقد نقض الاتفاق المبرم مابين الشريف حسين ومكماهون القاضي بعدم إبرام أي صلح إلا إذا كان ضمن شروطه: تحقيق حرية الشعوب وخلاصها.
عادت المركزية الأوروبية في صورتها الجديدة تعتبر أرض الوطن العربي، أرض عدو تجري عليه اتفاقيات توزيع الغتائم مما نقرؤه في اتفاقية سايكس بيكو (التسوية التاريخية) والتي جاءت كاستمرار وأول التطبيقات العملية لوثيقة كامبل.
أسس وعد بلفور 11/2 /1917 قاعدة الحاجز البشري القوي الغريب على أرض فلسطين، دولة يهودية عدوة للعرب وصديقة وشريكة للغرب ومصالحه.
انصبت المناقشات خلال مؤتمر فرساي مابين أول كانون الثاني إلى 28 حزيران من عام 1919 على اختيار نظرية أو قاعدة تقام عليها أسس الهيمنة والسيطرة الغربية على العالم، وكانت تسميات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وفي اختيار الوسائل الكفيلة باستمرار سيطرة الغرب على العالم وفقاً لوثيقة كامبل، اختيرت الوسيلة والاسم للاستعمار الجديد فأطلقوا عليه اسم الانتداب.
وقد نصت المادة 22 من الميثاق على أنواعه وطريقة تطبيقه وأهدافه التي صُنفت طبقاً للنظرية الداروينية في تسلسل الشعوب وقد كُرم العرب بإبقائهم وديعة مقدسة في عنق الحضارة الغربية، فالشعوب الأوروبية كاليونان مثلاً أعطيت الاستقلال والشعوب العربية وضعت تحت الانتداب أما الشعوب الإفريقية فقد أبقيت مصفدة بالسلاسل وتحت الاستعمار.
وقد تابع مجلس الحلفاء الأعلى التابع لمجلس عصبة الأمم إصدار القرارات التي أفضت إلى تهويد فلسطين وتجزئة الوطن العربي إلى كيانات إقليمية متعددة، وذلك ضمن نصوص الاتفاقات والمعاهدات التي صدرت عن المؤتمرات المتلاحقة سان ريمو 4/25/ 1920، سيفر10/ 8 /1920 لوزان 7/24/ 1923.
وبصدور القرار 181 تاريخ 11/29/ 1941 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وإلغاء السيادة العربية على القدس، تكون منظمة الأمم المتحدة قد أكملت مسيرة الغرب الطويلة باتجاه التأسيس لدولة صهيونية، هي الجدار البشري القوي الغريب، قاعدة متقدمة للاستعمار، يزرع التجزئة ويبقى العرب في وضع مفكك جاهل متناحر.
مؤتمر لندن
انعقد مؤتمر لندن أو ما يسمى بمؤتمر كامبل بنرمان الذي دعا إليه حزب المحافظين البريطاني سرا في عام 1905 واستمرت مناقشات المؤتمر الذي ضم الدول الاستعمارية في ذاك الوقت وهي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، اسبانيا، إيطاليا، حتى عام 1907 وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرية سموها " وثيقة كامبل" نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان.
وتوصلوا إلى نتيجة مفادها : "إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار! لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم ، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات" والإشكالية في هذا الشريان هو أنه كما ذكر في الوثيقة : " ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان".
أبرز ما جاء في توصيات المؤتمِرون في هذا المؤتمر والذي شارك فيه سياسيون ومفكرون وباحثون والذي استمر لمدة عامين كم ذكرنا ما يلي:
1- إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة.
وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى : دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل إلى مستوى تلك الدول
الفئة الثانية : دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا عليها (كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا عليها وعلى تفوقها
الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام) والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية
2- ومحاربة أي توجه وحدوي فيها.
ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب الا وهي دولة إسرائيل واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة
فصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا ليس فقط فصلاً مادياً عبر الدولة الإسرائيلية، وإنما اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، مما أبقى العرب في حالة من الضعف. واستمر تجزئة الوطن العربي وإفشال جميع التوجهات الوحدوية إما بإسقاطها أو تفريغها من محتواها، ولا يعني هذا الأمر بالضرورة تدخلاً إسرائيلياً وإنما هو مصلحلة لوجود إسرائيل من جهة وللتعاون بينها وبين القوى الخارجية الطامعة بالعرب من جهة ثانية. أقدمت الأتفاقية إلى الحد من نهوض العرب ومنعهم من التقدم وامتلاك العلم والمعرفة وذلك من خلال سياسات الدول المتقدمة التي تمنع عن العرب وسائل ولوج العلم وامتلاك إمكانية تطويره والمساهمة في إنتاج المعرفة. إن من أسباب حالات العداء والمنازعات الرئيسة بين الدول العربية الصراع مع إسرائيل والموقف من هذا الصراع ودور القوى الخارجية في دفع هذه الدولة أو تلك لاتباع سياسات تتعارض مع مواقف دول أخرى، مما يشكل سبباً جوهرياً للتوترات العربية. وحتى مشاكل الحدود بين بعض الأقطار العربية يمكن أن تعزى إلى العامل الخارجي في معظمها.
في عام 1905 دعا حزب المحافظين البريطاني سرّاً إلى عقد مؤتمر يهدف إلى إعداد استراتيجية أوربية، لضمان سيادة الحضارة الغربية على العالم، وإيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الغرب الاستعماري إلى أطول أمد ممكن.
ولما كان حزب المحافظين خارج الحكم، فقد قدم فكرة الدعوة إلى عقد المؤتمر إلى رئيس حزب الأحرار: هنري كامبل بنرهان" رئيس الوزارة البريطانية آنذاك.
لم يكن "كامبل" بعيداً عن هذه الفكرة، فقد كان مولعاً بفلسفة التاريخ، وكان معنياً بأن تبقي بريطانيا على امبراطوريتها التي تمتد من أقصى الأرض إلى أقصاها . دعيت إلى المؤتمر الدول الاستعمارية كافة وهي:
بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا، البرتغال . شارك في المؤتمر فلاسفة ومشاهير المؤرخين وعلماء الاستشراق والاجتماع والجغرافية والاقتصاد، إضافة إلى خبراء في شؤون النفط والزراعة والاستعمار.
ويمكن إيراد أسماء بعض المشاركين:
البروفيسور جيمس: مؤلف كتاب "زوال الامبراطورية الرومانية"
البروفسور لوي مادلين: مؤلف كتاب: "نشوء وزوال امبراطورية نابليون"
الأساتذة: لستر وسميث وترتخ وزهروف.
افتتح "كامبل" المؤتمر بكلمة مطولة جاء فيها:
"إن الامبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر إلى حدٍّ ما ثم تنحل رويداً رويداً ثم تزول والتاريخ ملئ بمثل هذه التطورات وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة، فهناك امبراطوريات : روما، أثينا، الهند والصين وقبلها بابل وآشور والفراعنة وغيرهم.
فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوروبي وانهياره أو تؤخر مصيره ؟
وقد بلغ الآن الذروة وأصبحت أوروبا قارة قديمة استنفدت مواردها وشاخت مصالحها، بينما لا يزال العالم الآخر في صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية، هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا.."
وبالنظر إلى ضخامة الدراسات وأوراق العمل المقدمة إلى المؤتمر، تشكلت لجنة للمتابعة سميت بلجنة الاستعمار.
نظمت اللجنة "استفتاءات شملت الجامعات البريطانية والفرنسية التي ردّت على التساؤلات المطروحة، بأجوبة مفصلة شملت اتصالات اللجنة المفكرين والباحثين وأصحاب السلطة في حكومات الدول الغربية إضافة إلى كبار الرأسماليين والسياسيين.
أنهت اللجنة أعمالها في العام 1907 وقدمت توصياتها إلى المؤتمر. خرج المؤتمر بوثيقة سرّية سميت "وثيقة كامبل" أو "تقرير كامبل" أو توصية مؤتمر لندن لعام 1907"التقرير استراتيجي بكل معنى الكلمة ولمّا يزل معتماً عليه فلم ينشره مصدروه ولم يفرج عنه بشكل نهائي وقد مضى قرابة قرن على إصداره.
تحدث بعض الباحثين عن الإفراج عن التقرير، فالأستاذ محمد حسين هيكل - المعروف بدقة مصادره - أورد في كتابه "المفاوضات السرّية وإسرائيل" التوصية النهائية للتقرير تحت عنوان: " وصية بنرمان."
"والباحث المحامي انطون سليم كنعان أشار إلى التقرير في محاضرة له بعنوان "فلسطين والقانون" ألقاها سنة 1949 في كل من جامعتي فلورينو وباريس، وقد استند في معلوماته إلى مصادر إيطالية.
وقد نشر اتحاد المحامين العرب المحاضرة ضمن منشوراته التي غطت أنشطة مؤتمره الثالث الذي انعقد في دمشق 21-25 أيلول 1957 ص 457-489.
وقد أشار إلى التقرير الدكتور مسعود الضاهر (أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة اللبنانية) وردود الفعل العربي عليه وذلك ضمن بحثه المنشور في مجلة "البحث التاريخي "السورية العدد7 لعام 2003 .
وقد أشار الدكتور جاسم سلطان في كتابه "إدارة فلسفة التاريخ" إلى الإفراج عن التقرير لمدة أسبوعين فقط ثم أعيد خوفاً من آثاره الممتدة.
إلاّ أن أهم المراكز البحثية التي نشرت التقرير هي وزارة الإرشاد القومي في مصر إذ تضمن ملف وثائق فلسطين من عام 637م- إلى عام 1949 التقرير تحت عنوان: توصية مؤتمر لندن المسمى مؤتمر كامبل سنة 1907:
وفيما يلي نص التوصية:
"إن إقامة حاجز بشري قوي غريب على الجسر البري الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معاً بالبحر الأبيض المتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها. هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة".
وبالرغم من وفرة المصادر التي تؤكد صدور هذا التقرير أو هذه الوثيقة، إلا أن عدم الإفراج عنه بشكل نهائي كما أشرنا، جعل بعض المؤرخين والباحثين يشكك وجوده فعلاً أم أنه من إبداع الخيال، وكان من المفترض أن تقوم مراكز الأبحاث الفلسطينية والموسوعة الفلسطينية، بدراسته والحديث عنه، وهذا الذي لم يتحقق.
والبحث الذي نحن بصدده، يعرض إلى الوثيقة كما وردت في المصادر المتعددة، ومناقشتها استناداً إلى المنظومات القيمية للغرب، بخلفياتها التاريخية وأصولها الفلسفية، كما يتعرض إلى الممارسات الاستعمارية للغرب قبل وخلال السياق الزمني الذي أعدّت فيه هذه الوثيقة. "
وثيقة كامبل
"الوثيقة هي استراتيجية أوروبية لضمان سيادة الحضارة الغربية وطول أمدها: لذلك فهي ترى العالم من خلال ثلاث مساحات:
المساحة الأولى: تتكون من الوحدات التي تقع في المنظومة المسيحية الغربية، وتقرر الوثيقة أن من واجب بريطانيا تجاه هذه المساحة من الحضارة - على أي حالٍ من الأحوال- ألا تكون السيادة على العالم خارج إطارها. أي أن هذه المنظومة الحضارية هي التي تسيطر على العالم ويظل زمام الأمور بيدها.
فإذا كانت أي حضارة لا شك ستنتهي بحسب نظرة فلسفة التاريخ - فإنها يجب أن تضمن أن وريث هذه الحضارة من نفس المساحة ومن جوهر المنظومة الغربية.
المساحة الثانية: وهي الحضارة الصفراء التي لم تتناقص مع الحضارة الغربية من الناحية القيمية لكنها قد تختلف معها في حساب المصالح.
وهذه الحضارة يمكن التعامل معها والتعاطي معها تجارياً ويمكن غزوها ثقافياً لهشاشة منظوماتها القيمية ومن ثم فالتعامل معها يعتمد على الجانب المصلحي للكتلة المسيحية الغربية من العالم.
أما المساحة الثالثة: فهي البقعة الخضراء أو الحضارة الخضراء فهذه المساحة من الأرض، تحتوي على منظومة قيمية منافسة للمنظومة الغربية، صارعتها في مناطق كثيرة وأخرجتها من مناطق كثيرة ومن واجب الحضارة الغربية المسيحية أخذ احتياجاتها وإجراءاتها لمنع أي تقدم محتمل لهذه المنظومة الحضارية أو إحدى دولها لأنها مهددة للنظام القيمي الغربي.
وفي الإجراءات التي تتخذ مع هذه المساحة الثالثة (الحضارة التي تتناقص مع الغرب) تقترح هذه الوثيقة ثلاثة إجراءات رئيسية:
أولاً: حرمان دولة المساحة الخضراء من المعرفة والتقنية أو ضبط حدود المعرفة.
ثانياً: إيجاد أو تعزيز مشاكل حدودية متعلقة بهذه الدول.
ثالثاً: تكوين أو دعم الأقليات بحيث لا يستقيم النسيج الاجتماعي لهذه الدول ويظل مرهوناً بالمحيط الخارجي". (د.سلطان الجاسم فلسفة التاريخ ص62 وما بعدها)
لم تأت "وثيقة كامبل" من فراغ، فالغرب الاستعماري كان يعدّ لاطروحة تمثل مراجعة شاملة لتاريخه وتاريخ العالم وعلاقاته الصدامية المستمرة مع العرب والمسلمين.
الوثيقة تمثل مراجعة نقدية للمفاهيم العلمية والمعرفية والقيمية التي بنى عليها تفوقه وذلك من أجل الاستمرار في بناء قدراته وتجاوز أزماته ووضع القواعد المستقبلية للتعامل مع الشعوب الأخرى في العالم حتى تبقى تحت سيطرته ونفوذه وفي حقل تأثيره المعرفي.
كانت أبرز الدراسات المطروحة على جدول أعمال المؤتمر منصبة على تفحص اللحظات الحاسمة في الصدام مع شرقنا العربي الإسلامي والتحولات الحاسمة الكبرى في منظوماته القيمية ونوجز ذلك فيما يلي:
أولاً: في حملات الفرنجة (الصليبيين) :
خاض الغرب تحت رايات الشعارات الدينية المضللة أشرس الحملات في محاولة منه للسيطرة على عالمنا الغني باءت في محصلتها النهائية إلى الفشل وكانت اللحظة الحاسمة فيها عند أسوار عكا.
"الزمان: كان قبل سبعمئة سنة، بالضبط في صباح 18 مايو/ أيار 1291 ميلادية.
المكان: مدينة عكا بأسوارها الدهرية ، حيث انتصر الجيش المملوكي الإسلامي وألقى في البحر آخر جندي فرنجي" (شاكر مصطفى : حكاية الصليبيات في ثلاثة تواريخ : الجمعية التاريخية 1991 ص142).
الغرب على لسان المتحدثين بالمؤتمر، يرفض العودة إلى الشرق، تحت هذه الشعارات، ولايريد التكرار للمشهد الفاجعة بالنسبة إليه.
ثانياً: في البحث عن إسرائيل القديمة:
" ما إن تلاشت أصداء آخر حملة صليبية على بلاد الشام ومصر حتى عاد الغرب بدءاً من القرن السابع عشر يعدّ العدّة لغزو المنطقة بأفكار جديدة أخطرها على الإطلاق : فكرة إعادة اليهود. هذه الفكرة وجدت غذاءها الفكري في النظرية الألفية. أخذت هذه النظرية اسمها من كلمة "خلياس" اليونانية بمعنى ألف.
تتمحور هذه النظرية حول عودة وتملك المسيح أورشليم بعد الألف".
من هذه الفكرة، وفكرة مكملة لها، أراد منها لوثر وتلاميذه أن يضعوا حداً للتفرقة العنصرية ضد اليهود أعاد طرح المسألة طرحاً لاهوتياً من خلال السؤال: ما موقع اليهود في المشروع الإلهي؟
المركزية الأوروبية وجدت في هذه الأفكار حصان طروادة من أجل غزو الشرق بذريعة تنطلي على الكثير ممن لا علم لهم بالتاريخ ومجرياته. وهكذا بدأ الغرب بتوظيف أدواته المعرفية وأهمها الاستشراق من أجل البحث عن "إسرائيل القديمة" بوصفه مشروعاً معرفياً يؤسس لطور جديد للحضارة الغربية يرتكز على قراءة حرفية لنصوص التوراة.
هذه القراءة الحرفية تربط اليهود بأرض فلسطين على أنهم ورثة الوعد الإلهي، ومن ثم فالمسألة التي تدّعى هي الصهيونية بمعنى العودة إلى فلسطين بمفهوم متعصب يحلّ دولة إسرائيل محل إله إسرائيل.
لقد كانت هذه القراءة نقيض وجهة نظر المذهب الرسمي للكنيسة بحسب القديس أوغسطين في القرن الخامس الميلادي من أن ما ورد في العهد القديم بشأن مملكة الله إسرائيل قائم في السماء وليس على الأرض، ومن ثم فإن القدس وصهيون ليسا مكانين محددين على الأرض للسكان اليهود أو السكن لليهود ولكنهما مكانان سماويان مفتوحان أمام كل المؤمنين بالله.
وثيقة كامبل باعتمادها فكرة إقامة الحاجز البشري الغريب من اليهود على أرض فلسطين، تكون قد التقت عبر لحظة حاسمة أخرى، في التأسيس لتحول الغرب إلى منشئٍ لمنظومة قيمية جديدة تستثمر اليهودية وإسرائيل، من أجل أغراضه الاستعمارية والأهم من ذلك انجراف مراكز السلطة في الغرب إلى الحديث عن اليهودية وإسرائيل على أنها منشأ الحضارة الغربية ومصدرها الأخلاقي.
لذلك كان استكشاف مصر وإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين عنواناً لأول غزو غربي يقوم به نابليون عام 1799 ميلادية، ولغرض السيطرة على طرق العبور إلى الشرق.
ثالثاً: بناء القدرات وتجاوز الأزمات:
تداول مؤتمر كامبل مراجعة شاملة لقضايا النهوض العلمي والتقدم في المعرفة بالتأكيد على التوجهات الفكرية الداعية إلى التحول إلى العقلنة (ديكارت، فولتير) وإحلال الإنسان في الموقع المركزي الكوني.
لكن بالمقابل أوجب على الحضارة الغربية أخذ الاحتياطات والإجراءات لمنع أي تقدم محتمل ليقعتنا الخضراء - لأنها تهدد منظومته الحضارية الغربية.
وباتباع الغرب لمنهاج تاريخي محرف، وتفسير مغلوط للأحداث والمكونات والتراث، واجه العالم خلال قرون عديدة، قوانين جائرة عصفت بموارده وأمنه الاجتماعي والحضاري.
وأبرز هذه القوانين:
1- قانون التفوق وهو ما كرسته العنصرية بما يسمح بتقسيم البشر وتصنيفهم إلى سادة وعبيد، وأن الجنس الأبيض الذي يشكل الساده حمله الله عبء الرسالة الحضارية.
2- قانون المصلحة ويعني أنه ليس هناك من ثوابت قيمية وإنما هناك مصالح، فما يخدم الاستعمار في لحظة يجب التمسك به وإذا تعارض مع المصلحة في لحظة أخرى فلا بأس من تركه.
3- قانون السيطرة ويعني التحكم وفرض الإرادة بما يخدم المصلحة وانعكست هذه القوانين على الشرق استعماراً وحشياً مقيتا لأن الشرق في حكم الغرب، "ينتمي إلى عرق محكوم لذلك ينبغي له أن يُحكم".
لكن أخطر ما تداوله مؤتمر كامبل، مفهوم الوعي النقدي الضدي كامتداد لحقل المعرفة والعقلنة.
هذا المفهوم أخذ مساره في حقل فلسفة التاريخ على شكل رؤية لبناء المجتمعات ونمو الحياة البشرية، أخذ بها هيجل (1770م - 1831م) وتتلخص في أن كل المجتمعات تحتاج إلى أن تجدد أفكارها، وأن تجد الأفكار حرّية واسعة تستطيع فيها أن تمارس دورها في تطوير المجتمعات من خلال الأفكار المتناقضة وصراع الأفكار الذي يولد الأفكار الجديدة ويحقق نمو الحياة البشرية. هذا المفهوم يسمح بتداوله في المجتمعات الغربية لكنه خط أحمر ومحرم على المجتمعات الأخرى في شرقنا لاسيما شرقنا العربي والإسلامي.
"وهكذا تمكن الغرب من خلال ممارسته لهذا المفهوم وامتلاكه لثنائية المعرفة والسلطة من تجاوز أزماته المستمرة من ديكارت وحتى اليوم" بينما استمر الشرق في تراجعه النسبي وغير قادر على إدارة أزماته وهذا ما جعل "الثقافة الغربية متسلطة داخل أوروبا وخارجها على حدٍّ سواء".
رابعاً: العمل على استمرار تأخر المنطقة وتجزئتها إلى دول متناحرة وخلق دولة إسرائيل:
أهم ما واجه لجنة الاستعمار التي انبثقت عن مؤتمر كامبل تعقيدات العلاقات الدولية في مطلع القرن التاسع عشر، وأبرزها الوضع المضطرب لمنطقة شرق وجنوب البحر المتوسط المحكوم في معظم أجزائه من قبل الدولة العثمانية.
هذه المنطقة تشكل وحدة جغرافية للوطن العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، ووحدة تاريخية عريقة بلغة ودين مشترك، إضافة إلى ثقافة حضارية واحدة.
فمع انحسار السيطرة العثمانية على أقاليم المنطقة العربية وبروز الحركة القومية التركية، تنامت الحركات القومية الداعية إلى استقلال كل قومية على حده.
وفي ظل هذه التعقيدات، انطلقت شعارات الثورة العربية وتصاعدت الأصوات الداعية إلى الوحدة العربية وإلى امتلاك العرب لثرواتهم الطبيعية ومواردهم البشرية.
دقت لجنة الاستعمار ناقوس الخطر، فالوضع خطير ويهدد مصالح الدول الاستعمارية وكانت بريطانيا أكبر هذه الدول وأكثرها خشية من المستقبل.
كان حلّ إقامة دولة إسرائيل لليهود، مشروعاً اعتمدته المركزية الأوروبية منذ القرن السابع عشر على خلفية قراءة حرفية للعهد القديم تربط اليهود بأرض فلسطين على أنهم ورثة الوعد الإلهي، واستثمار هذه الدولة محفزاً متقدماً للغرب في هذه المنطقة، قد لاقي المعارضة من معظم التجمعات اليهودية الأوروبية لأن المصالح اليهودية كانت مع الاندماج في المجتمعات الأوروبية التي وفرت لهم ذلك خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
أما يهود الدولة العثمانية فقد حصلوا على حقوقهم كافة إضافة إلى الرعوية العثمانية، وتمتعت جالياتهم في كافة أنحاء الدولة برخاء اقتصادي، كان له أثر بالغ، في رفض دعوة نابليون لهم بالتوجه إلى فلسطين لإقامة دولة إسرائيل لكن المستجدات الجديدة في الدولة الروسية في أعقاب أحداث عام 1882م وتعرض ملايين اليهود إلى الطرد وامتداد عمليات الطرد لتشمل بولونيا ومعظم الدول الأوروبية الشرقية، والقيود التي فرضتها الدول الأوروبية للحيلولة دون تسرب كثيف لليهود إليها، طرح على القيادات اليهودية قضية التفتيش عن وطن خاص باليهود.
الوضع اليهودي المستجد، مع وضع الدولة العثمانية في حالة الاحتضار، وضع لجنة الاستعمار أمام هذه المتغيرات والمستجدات.
أعادت لجنة الاستعمار دراسة ملفات نابليون وبالمرستون وذررائيلي الذين نادوا بإقامة كيان يهودي على أرض فلسطين يشكل حاجزاً بشرياً يعمل لخدمة الاستعمار، وكان قرارها متوافقاً مع الحل الذي نادى به أباطرة الاستعمار، وعودة لتطبيق وتنفيذ المشروع الذي نادت به، المركزية الأوروبية منذ القرن السابع عشر. وفيما يلي النص الذي اعتمد من قبل لجنة الاستعمار في هذا السبيل:
"على الدول ذات المصلحة أن تعمل على استمرار تأخر المنطقة وتجزئتها وإبقاء شعوبها مضللة جاهلة متناحرة وعلينا محاربة اتحاد هذه الشعوب وارتباطها بأي نوع من أنواع الارتباط الفكري أو الروحي أو التاريخي وإيجاد الوسائل العملية القوية لفصلها بعضها عن بعض وكوسيلة أساسية مستعجلة ولدرء الخطر توصي اللجنة بضرورة العمل على فصل الجزء الافريقي من هذه المنطقة عن جزئها الآسيوي وتقترح لذلك إقامة حاجز بشري قوي وغريب بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار عدوة لسكان المنطقة."
وهكذا يمكن اعتبار الجغرافية السياسية التي نشأت وفقاً لقانون إعادة تقسيم العالم ضمن مصالح المشروع الامبريالي الغربي قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، متوافقة مع نصوص وثيقة كامبل.
"فقد كان الرأي الغربي مجمعاً على عدم السماح للعرب وبوادر اليقظة عليهم حين التحرر من العثمانيين بأن يستعيدوا وحدتهم أي أن يعودوا إلى وضعهم الطبيعي في التاريخ لئلا تضر عودتهم هذه بالمجال الحيوي القادم لأوروبا". وبالتالي فقد نقض الاتفاق المبرم مابين الشريف حسين ومكماهون القاضي بعدم إبرام أي صلح إلا إذا كان ضمن شروطه: تحقيق حرية الشعوب وخلاصها.
عادت المركزية الأوروبية في صورتها الجديدة تعتبر أرض الوطن العربي، أرض عدو تجري عليه اتفاقيات توزيع الغتائم مما نقرؤه في اتفاقية سايكس بيكو (التسوية التاريخية) والتي جاءت كاستمرار وأول التطبيقات العملية لوثيقة كامبل.
أسس وعد بلفور 11/2 /1917 قاعدة الحاجز البشري القوي الغريب على أرض فلسطين، دولة يهودية عدوة للعرب وصديقة وشريكة للغرب ومصالحه.
انصبت المناقشات خلال مؤتمر فرساي مابين أول كانون الثاني إلى 28 حزيران من عام 1919 على اختيار نظرية أو قاعدة تقام عليها أسس الهيمنة والسيطرة الغربية على العالم، وكانت تسميات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وفي اختيار الوسائل الكفيلة باستمرار سيطرة الغرب على العالم وفقاً لوثيقة كامبل، اختيرت الوسيلة والاسم للاستعمار الجديد فأطلقوا عليه اسم الانتداب.
وقد نصت المادة 22 من الميثاق على أنواعه وطريقة تطبيقه وأهدافه التي صُنفت طبقاً للنظرية الداروينية في تسلسل الشعوب وقد كُرم العرب بإبقائهم وديعة مقدسة في عنق الحضارة الغربية، فالشعوب الأوروبية كاليونان مثلاً أعطيت الاستقلال والشعوب العربية وضعت تحت الانتداب أما الشعوب الإفريقية فقد أبقيت مصفدة بالسلاسل وتحت الاستعمار.
وقد تابع مجلس الحلفاء الأعلى التابع لمجلس عصبة الأمم إصدار القرارات التي أفضت إلى تهويد فلسطين وتجزئة الوطن العربي إلى كيانات إقليمية متعددة، وذلك ضمن نصوص الاتفاقات والمعاهدات التي صدرت عن المؤتمرات المتلاحقة سان ريمو 4/25/ 1920، سيفر10/ 8 /1920 لوزان 7/24/ 1923.
وبصدور القرار 181 تاريخ 11/29/ 1941 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وإلغاء السيادة العربية على القدس، تكون منظمة الأمم المتحدة قد أكملت مسيرة الغرب الطويلة باتجاه التأسيس لدولة صهيونية، هي الجدار البشري القوي الغريب، قاعدة متقدمة للاستعمار، يزرع التجزئة ويبقى العرب في وضع مفكك جاهل متناحر.
- هواري عزالدينعضو نشيط
- عدد الرسائل : 152
البلد :
نقاط : 380
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 27/07/2010
رد: الاستعمار وتفتيت الشعوب
الجمعة 29 أكتوبر 2010, 12:24
ويحدثونك عن الوحدة العربية أو الإسلامية الكبرى والمشاريع القومية المنتفخة وهم الذين فتتوا مجتمعاتنا وقطعوا أوصالها إرباً إرباً بحيث وصل التفتيت إلى أصغر نواة في التركيبة الاجتماعية
في الوقت الذي راحت فيه بقية دول العالم تنفتح على بعضها البعض وتندمج وتتقارب وتتخلص من تقوقعها الضيق في إطار العولمة والاندماج والتكتل، نجد أن العالم العربي يمعن في التقوقع على كل المستويات تقريباً. وما يهمني في هذا السياق ليس فقط المحافظة العربية الشديدة على التقسيم السايكسبيكي الجيوبوليتيكي للوطن العربي بل شيء آخر لا يقل خطورة لمسته في أكثر من بلد عربي. وإذا سلـّمنا بأن التركيبة السياسية التقسيمية التي فرضتها القوى الاستعمارية على العرب بعد انهيار الامبراطورية العثمانية قد تجذرت ولم يعد بالإمكان الانتفاض عليها على الأقل في ظل الظروف العربية المهترئة فإن ما يثير الهلع أن الأنظمة العربية الحاكمة لم تعمل جاهدة فقط على تكريس التقسيم الاستعماري للمنطقة العربية والتمسك به بأسنانها بل سعت بدورها إلى نشر ثقافة التقوقع والتشرذم والتشظي والتفتيت المنظم على المستويات الاجتماعية والمذهبية والطائفية وحتى العائلية مما جعل الداعين إلى الوحدة العربية أو على الأقل التكامل العربي يترحمون على سفالة سايكس البريطاني وبيكو الفرنسي اللذين قسما العالم العربي إلى دول ودويلات وحتى كانتونات ومناطق عازلة إمعاناً في تقطيع أوصال هذا الجزء الحيوي جداً من العالم.
إن المسؤول الأول والأخير عن هذا التشظي المتزايد على كل الصعد العربية الداخلية تقريباً هو بلا شك أنظمة الحكم العربية التي تسلمت مقاليد السلطة بعد سايكس بيكو أو بعد خروج المستعمر من ديارنا، فبدلاً من رأب التصدعات في البنى الدينية والاجتماعية التي خلقها الاستعمار راحت تغذيها. ولا تختلف في هذا السياق الأنظمة التي رفعت شعارات إسلامية عن تلك التي رفعت شعارات قومية وحدوية. فالنظامان الإسلاموي والقومي العربيان أبليا بلاء أكثر من حسن في عملية التفتيت الداخلي وتقطيع الأوطان إلى شظايا وكأنهما كانا يقولان لسايكس وبيكو نحن أفضل منكما في عمليات التقسيم. أنتما يا سايكس ويا بيكو قسمتما العرب على أسس جغرافية مصطنعة ونحن الحكومات العربية سنكمل المشوار بحيث يصل التقسيم حتى إلى الطوائف والعائلات والقبائل والعشائر والمذاهب وسنجعل شعوبنا تعود إلى حجورها الأولى.
لقد تشدقت بعض الدول التي رفعت الشعار الإسلامي وما زالت تتشدق بتوحيد العالم الإسلامي تحت راية الإسلام وإيجاد عالم يمتد من إندونيسيا إلى أفغانستان. إنه بلا شك شعار جميل وعريض جداً. لكن الذي كانت تحققه تلك الأنظمة على أرض الواقع هو تمزيق منظم ليس فقط للعالم الإسلامي بل حتى للبلد الذي يقع تحت سلطتها المباشرة الذي تحكمه. فبفضل طريقة الحكم القائمة على الدوائر الضيقة والمقربين جداً وحرمان الناس على أساس مذهبي من المشاركة السياسية حتى في إدارة البلديات تمكنت بعض الأنظمة المتأسلمة من تفتيت مجتمعاتها وقطع كل الروابط البسيطة التي كانت تجمع بينها. فزاد التعصب القبلي والطائفي والعشائري وحتى العائلي بحيث أصبحنا ننظر إلى سايكس وبيكو على أنهما ملاكان رائعان لأنهما على الأقل لم يتلاعبا بطوائفنا ومذاهبنا وعوائلنا وقبائلنا ونسيجنا الاجتماعي والثقافي الداخلي كما لعبت أنظمتنا "الإسلامية".
ألا يقولون لنا عادة إن الشعوب على دين حكامها؟ وبما أن دين الكثير من زعمائنا هو الاهتمام بالدرجة الأولى بالأقربين وتمييزهم عن بقية خلق الله فإن الشعب راح بدوره يهتم بأقرب ما لديه، فالعائلي غدا أكثر عائلية والطائفي أصبح أكثر طائفية والقبلي غدا أكثر قبلية وهلم ما جرى. ويسألونك لماذا لم يتجذر المجتمع المدني لدينا! المجتمع المدني يا جماعة الخير بحاجة إلى مجتمعات تخلصت من نزعاتها وانتماءاتها الضيقة كالانتماء العشائري والقبلي والعائلي والمذهبي والطائفي. ونحن بفضل "القيادات الحكيمة" التي ابتلينا بها زدنا عشائرية وقبلية وتمذهباً وعائلية وأصبح تحقيق المجتمع المدني لدينا مثل حلم إبليس في الجنة.
وفيما نجحت الأنظمة الإسلاموية في جعل شعوبها تحذو حذوها في التقوقع وتضييق دائرة الانتماء برعت الأنظمة القومية بدورها في دفع شعوبها إلى الدرك الأسفل من الانزواء، فبدلاً من أن يتحقق الوطن العربي الكبير من الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان، أصبح ديدن الكثير من الشعوب التي ترزح تحت أنظمة حكم تدعي القومية التغني بالانتماء الأضيق والتشبث به، فترعرعت الطائفية والمذهبية والعائلية في ظل الأنظمة القومية المزعومة بشكل لم يسبق له مثيل حتى أيام الاستعمار الذي كان يعيش على مبدأ (فرق تسد) أو على تشرذم المجتمعات التي كان يحكمها. بعبارة أخرى لقد نجحت الأنظمة "القومية" فيما لم ينجح فيه المستعمر فحولت بلدانها إلى شعوب وقبائل وطوائف وعوائل متنافرة هذا في الوقت الذي كانت تتشدق فيه تلك الأنظمة بصهر العرب في بوتقة واحدة. لكن بدلاً من تحقيق ذلك استفحل التطويف والتمذهب والتفتيت المنظم. ألم يكن الاستعمار أرحم ببلداننا إذن؟ صحيح أنه عاش على تقسيم الشعوب وتجزئتها ومنع وحدتها، لكن بعض أنظمتنا العربية ذهبت أبعد مما ذهب إليه المستعمر فزرعت بذور الفرقة حتى بين قرية وأخرى وعائلة وأخرى وأحيت قيم الإقطاع البائدة بشكل مذهل وفشلت فشلاً ذريعاً في جعل الشعب ينتمي إلى مفهوم الوطن لأنها لم تعمل أصلاً على إنتاج مواطنين حقيقيين بل ما زالت تتعامل مع الناس كرعايا ذوي انتماءات وتوجهات فئوية مختلفة.
ولو نظرنا إلى بعض الأنظمة التي تاجرت بالشعار القومي على مدى العقود الفائتة لوجدنا أنها كانت وما زالت إما أنظمة عائلية أو طائفية أو قبلية بامتياز، فهذا يرفع شعاراً قومياً فضفاضاً للغاية ثم يسلم مقاليد الحكم ومفاصل الدولة الحساسة إلى أبناء قبيلته أو حتى عشيرته بحيث يصبحون الحاكمين بأمرهم إن لم نقل شعب البلد المختار إذا توخينا الدقة في الكلام. وذاك ينادي بالوحدة العربية من المحيط إلى الخليج ثم يحكم من وراء ذلك الشعار الواسع جداً من ثقب الإبرة، فتراه يسلم المناصب المهمة إلى أبناء طائفته وعائلته. وذاك من تخطى الحدود القومية لينادي بأممية عربية وأحياناً عالمية لكنه من وراء الستار يحيط نفسه بدوائر من القبائل والشراذم. لا بل إنه دق أسافين داخل القبائل القريبة منه ذاتها، فالقبيلة الأقرب لها من الصلاحيات والامتيازات أكثر من غيرها. وكم سمعت بعض المقربين من تلك الأنظمة "القومجية" يتفاخرون بانتمائهم القبلي والطائفي وقربهم من رأس السلطة على أساس فئوي مقيت. ولا ننس أن أبناء بلدة تكريت كانوا بمثابة شعب الله المختار في العراق. آه كم تكريت لدينا!!
ماذا تتوقع من الشعوب العربية إذن عندما ترى أنظمتها تحكم على أسس عائلية وقبلية وطائفية ومناطقية؟ هل تريدهم أن ينزعوا باتجاه الوحدة والاندماج والتكامل أم باتجاه الانتماء الضيق كأن يتقوقعوا على قبيلتهم وعائلتهم وطائفتهم ويداروا عليها؟ لقد سألوا ذات مرة شيخاً بربرياً أمازيغياً في أحد بلدان المغرب العربي لماذا يتمسك بقوة بهويته البربرية، فقال لهم: "طالما تنظرون إليّ كبربري وتتصرفون معي بعرقية صارخة فإنني سأزداد بربرية وأمازيغية". أي أن تمسك الآخرين بهويتهم الضيقة سيجعل الشيخ البربري يحافظ على وضعيته الأمازيغية. فكيف نطالب الشعوب العربية إذن أن تتقارب من بعضها البعض وتتوحد إذا كانت أنظمتنا "القومية والإسلامية" تمعن في طائفيتها ومذهبيتها وعائليتها وقبليتها المقيتة؟ فطالما أن هذا النظام أو ذاك عائلي أو طائفي بامتياز فلا بأس أن يحافظ الناس على طائفتهم وعائليتهم ويتمسكوا بهما.
وكم شعرت بهلع شديد في بعض الدول العربية عندما شاهدت تصرفات ذكرتني بعهد الإقطاع، فهناك الآن في بعض القرى العربية ما يسمى "بصندوق العائلة" وهو أمر اعتقدنا أنه قد اندثر إلى غير رجعة بخروج الاستعمار من بلداننا، لكنه بفضل المستعمر الداخلي الذي حل محل المستعمر الخارجي بعد سايكس بيكو والاستقلالات الوهمية قد عاد بقوة لا مثيل لها. فالنزوع الآن إلى الدوائر الأضيق كالعائلة بحيث قد ينتفي الترابط والانصهار الاجتماعي حتى على مستوى القرية الواحدة. وهذا ليس غريباً، فالعائلة البسيطة التي ترى بلدها يُحكم ويـُنهب على أساس عائلي أحياناً ستجد نفسها مضطرة للحفاظ على كينونتها العائلية.
ويحدثونك عن الوحدة العربية أو الإسلامية الكبرى والمشاريع القومية المنتفخة وهم الذين فتتوا مجتمعاتنا وقطعوا أوصالها إرباً إرباً بحيث وصل التفتيت إلى أصغر نواة في التركيبة الاجتماعية. أليس حرياً بأنظمتنا اللاإسلامية ولا قومية إذن أن ترفع شعار: "تقوقعوا تشرذموا فنحن دعاة التقوقع والتشرذم. إننا نحب المتقوقعين والمتشرذمين" وذلك بدلاً من الشعارات الإسلامية والقومية المعهودة والمبتذلة التي تاجروا وضحكوا بها علينا لعشرات السنين؟
- فاروقمشرف منتدى الأخبار
- عدد الرسائل : 7766
العمر : 53
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 16819
السٌّمعَة : 53
تاريخ التسجيل : 09/08/2008
رد: الاستعمار وتفتيت الشعوب
الإثنين 01 نوفمبر 2010, 06:42
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى