مستغانم كوم
هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل
ويسعدنا كثيرا انضمامك لنا..

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مستغانم كوم
هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل
ويسعدنا كثيرا انضمامك لنا..
مستغانم كوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
المسلم
المسلم
عضو خبير
عضو خبير
عدد الرسائل : 687
العمر : 42
الموقع : بورسعيد
البلد : فرقه الجهميه  Female31
نقاط : 1007
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 01/07/2010

فرقه الجهميه  Empty فرقه الجهميه

السبت 05 مارس 2011, 11:04
الجهميه
لقد كان لهذه الطائفة التى قامت على مبدأ التعطيل والجبر صولة وجولة فى تاريخ الأمة الإسلامية، ولقد تمكنوا وعلا شأنهم وقتاً من الزمن.

فمثلا الاكتفاء بمعرفة وجود الله عن العمل، أو الاعتقاد بعدم وجود الجنة الآن، وكذا النار، أو قولهم أو زعم أن الله لا يوصف بوصف، أو ليس فى جهة. وغير ذلك من الآراء التى يعتقدها بعض الناس اليوم هى نفسها آراء الجهمية قديماً.

r التعريف بالجهمية وبمؤسسها:

الجهمية إحدى الفرق الكلامية التى تنتسب إلى الإسلام، وهى ذات مفاهيم وآراء عقدية كانت لها آراء خاطئة فى مفهوم الإيمان وفى صفات الله تعالى وأسمائه.

وترجع فى نسبتها إلى مؤسسها الجهم بن صفوان الترمذى، الذى كان له ولأتباعه فى فترة من الفترات شأن وقوة فى الدولة الإسلامية حيناً من الدهر، وقد عتوا واستكبروا واضهدوا المخالفين لهم حينما تمكنوا منهم، ثم أدال الله عليهم فلقوا نفس المصير الذى حل بغيرهم على أيديهم. سنة الله فى خلقه ولن تجد لسنته تبديلاً.

r من هو الجهم بن صفوان:

هذا الرجل هو حامل لواء الجهمية، واسمه الجهم بن صفوان، وهو من أهل خراسان، ظهر فى المائة الثانية من الهجرة، ويكنى بأبى محرز، وهو من الجبرية الخالصة، وأول من ابتدع القول بخلق القرآن وتعطيل عن صفاته.

وكان مولى لبنى راسب إحدى قبائل الأزد، وكان من أخلص أصدقاء الحارث بن سريج، وتاريخه طويل، وكتبت فيه مؤلفات عديدة ورسائل جامعية.

وأما الإمام أحمد بن حنبل فقد قال عنه: (وكذلك الجهم وشيعته دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث فضلوا وأضلوا بكلامهم بشراً كثيراً، فكان مما بلغنا من أمر الجهم عدو الله أنه كان من أهل خراسان من أهل ترمذ، وكان صاحب خصومات وكلام)([1]).

r نشأة الجهمية:

قامت أفكار الجهم بن صفوان على البدع الكلامية والآراء المخالفة لحقيقة العقيدة السلفية متأثراً بشتى الاتجاهات الفكرية الباطلة.

وقد ذكر شيخ الإسلام درجات الجهمية ومدى تأثر الناس بهم، وقسمهم إلى ثلاث درجات:

1. الدرجة الأولى: وهو الجهمية الغالية النافون لأسماء الله وصفاته، وإن سموه بشىء من الأسماء الحسنى قالوا: هو مجاز.

2. الدرجة الثانية من الجهمية: وهم المعتزلة ونحوهم، الذين يقرون بأسماء الله الحسنى فى الجملة لكن ينفون صفاته.

3. الدرجة الثالثة: وهم قسم من الصفاتية المثبتون المخالفون للجهمية، ولكن فيهم نوع من التجهم، وهم الذين يقرون بأسماء الله وصفاته فى الجملة ولكنهم يردون طائفة من الأسماء، والصفات الخبرية وغير الخبرية ويؤولونها.

ومنهم من يقر بصفاته الخبرية الواردة فى القرآن دون الحديث كما عليه كثير من أهل الكلام والفقه، وطائفة من أهل الحديث. ومنهم من يقر بالصفات الواردة فى الأخبار أيضاً فى الجملة، لكن مع نفى وتعطيل لبعض ما ثبت بالنصوص وبالمعقول، وذلك كأبى محمد بن كلاب ومن اتبعه.

وفى هذا القسم يدخل أبو الحسن الأشعرى وطوائف من أهل الفقه والكلام والحديث والتصوف، وهؤلاء إلى السنة المحضة أقرب منهم إلى الجهمية والرافضة والخوارج والقدرية، لكن انتسب إليهم طائفة هم إلى الجهمية اقرب منهم إلى أهل السنة المحضة([2]).

r ذكر أهم عقائد الجهمية إجمالاً:

1. إنكار الجهمية لجميع الأسماء والصفات:

تنكر الجهمية جميع الأسماء التى سمى الله بها نفسه وجميع الصفات التى وصف بها نفسه بحجج واهية وتأويلات باطلة.

شبهات الجهمية فى نفى الصفات:

لقد أقدم الجهمية على نفى الأسماء والصفات بمزاعم من أهمها:

1. أن إثبات الصفات يقتضى أن يكون الله جسماً، لأن الصفات لا تقوم إلا بالأجسام، لأنها أعراض والأعراض لا تقوم بنفسها.

2. إرادة تنزيه الله تعالى.

3. أن وصف الله تعالى بتلك الصفات التى ذكرت فى كتابه الكريم أو فى سنة نبيه العظيم يقتضى مشابهة الله بخلقه، فينبغى نفى كل صفة نسبت إلى الله تعالى وتوجد كذلك فى المخلوقات لئلا يؤدى إلى تشبيه الله –بزعمهم- بمخلوقاته التى تحمل اسم تلك الصفات.

الرد عليهم:

مما يدركه طلاب العلم أن الله عز وجل وصف نفسه فى كتابه الكريم ووصفه به نبيه e بصفات تعرف معانيها ولا تدرك كيفياتها، وهى معروفة فى القرآن والحديث.

وقد وقف السلف من الصحابة الكرام إلى وقتنا الحاضر إزاء هذه الصفات موقفاً واضحاً جلياً لا لبس فيه، يتلخص فى كلمات يسيرة ومعان واضحة، ألا وهو الإيمان التام بكل ما وصف الله به نفسه ووصفه به نبيه e، كما جاءت به النصوص من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف.

يقولون عن كل صفة: الصفة معلومة والكيف مجهول والسؤال عنها بدعة، ولم يتنطعوا تنطع المشبهة ولم يسلكوا مسالك المعطلة، لأنهم على معرفة تامة أن الكلام فى الصفات فرع عن الكلام فى الذات، فلا يصفون ذاتاً غير مدركة الماهية بصفات تكيفها، لأن هذا هو القول على الله بغير علم.

إذ كيف تكيف ذاتاً لم تدركها ولم توصف لك أكثر من صفات مجملة قابلة للاشتراك فى الأسماء متباينة الحقائق، ومن هنا نجد أنه لم يعرف عن أى شخص من الصحابة أنه سأل النبى e عن كيفية أى صفة من الصفات التى أخبر الله بها فى القرآن الكريم أو أخبرهم بها نبيهم e.

وهذه دلالة على قوة ذكائهم وصفاء عقولهم، لأنهم يعرفون بداهة أن الاشتراك فى التسمية لا يوجب الاشتراك والمماثلة فى الذات، إذ يقال: رأس الرجل ورأس الجمل ورأس الذرة ورأس الجبل، وبين ذوات هذه الأشياء من الفروق ما لا يخفى على عاقل.

ومن العجائب أن يثبت الله لنفسه الصفة وهم ينفونها عنه، ومثلهم فى هذا كمثل شخص سأل آخر عن اسمه وهو لا يعرفه فأخبره فقال له: لا، إن اسمك ليس هذا، ذلك أن الله تعالى قال: ]الرحمن على العرش استوى[ وهم يقولون: لا يجوز إثبات هذه الصفة بل يجب نفيها مطلقاً، أو تأويلها بمعنى استولى أو قصد، أو غير ذلك من تأويلاتهم الباطلة.

وحينما قال تعالى عن نفسه: ]وهو السميع البصير[، قالوا: يجب نفى مدلول هذا نفياً تاماً أو تأويله، إما أن يكون بمعنى سميع بلا سمع بصير بلا بصر، أو أنه سميع بذاته بصير بذاته، إلى آخر مواقفهم الخاطئة تجاه كل الصفات والأسماء.

إن تنزيه الله عز وجل لا يمكن أن يكون بسلب صفاته وما تدل عليه من العظمة والكمال، إنه من الإجرام أن ينزه الله عن ما تمدح به: ]قل أأنتم أعلم أم الله[([3]).

إن التنزيه الصحيح إنما يكون فى إثبات الصفة فى أعلى كمالها، لأن الكمال المطلق لا يوصف به أحد غير الله تعالى.

وأى تنزيه فى أن تقول: إن الله ليس فوق ولا تحت ولا عن يمين ولا عن يسار ولا يحس ولا يشم ولا يرى أبداً ولا يكلم أحداً، وإنه فى كل مكان بذاته، وإنه لا سمع ولا بصر له، ولا يوصف بالرحمة ولا بالغضب ولا بالمجئ، إلى آخر تلك الأوصاف التى لا تقال إلى للمعدوم.

إنها صفات سلبية نتيجتها أن لا معبود إلا العدم، فليس هناك رب بائن من خلقه مستو على عرشه له كل صفات الكمال والجلال.

ومن هنا وجد الملاحدة ضالتهم المنشودة فى تقوية إلحادهم واحتجاجهم على ذلك بما زعموا أنه من كلام المسلمين السابق، وهم يعلمون تمام العلم أم كلام الجهمية السابق ليس له بالإسلام أية صلة، وأنه ليس من كلام المسلمين، وإنما هو من أفكار ملاحدة الفلاسفة.

إن الجسمية التى يزعمونها حينما يثبتون الصفات لله تعالى، إنما هو من باب تغطية إلحادهم ومروقهم عن الدين، وهم أقل وأذل من أن يجدوا كلاماً ما، لعلماء المسلمين فضلاً عن الصحابة فضلاً عن الكتاب والسنة، يشير إلى هذا المفهوم الذى تنبهوا له بزعمهم ونفوا بموجبه صفات الله وأسمائه.

إن كلمة الجسمية لله تعالى نفياً أو إثباتاً هى من الألفاظ المخترعة التى لم ترد فى الشرع لا فى الكتاب ولا فى السنة، وهى تخفى وراءها هدفاً ما، ولو وقف هؤلاء الذين يطلقون لفظ الجسم عند الحدود الشرعية لرأوا أنه يجب عليهم لزاماً ألا يطلقوا على الله إلا ما ثبت له من الأسماء والصفات، وترك ذلك التنطع المذموم، لأن لفظ الجسم لفظ عام يحتاج إلى بيان وتوضيح ممن يقول به، لأنه لم يرد فى الشرع لا بالنفى ولا بالاثبات، ولهذا كان فى إطلاقه حق وباطل ويجب على القائل به تفصيل ما يريد.

فهناك من ينفى لفظ الجسم من الجهمية والمعتزلة ليخفى ما يهدف إليه من نفى ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، وهناك من يثبت الجسم من المشبهة ليخفى ما يهدف إليه من إثبات ما نفاه الله عن نفسه، وقد أجاب العلامة ابن القيم رحمه الله عن هذه المسألة وفصلها تفصيلا شافيا كافياً فقال:

«واعلم أن لفظ الجسم لم ينطق به الوحى إثباتاً فيكون له الإثبات، ولا نفياً فيكون له النفى. فمن أطلقه نفياً أو إثباتاً سئل عما أراد به، فإن قال: أردت بالجسم معناه فى لغة العرب وهو البدن الكثيف الذى لا يسمى فى اللغة جسم سواه، فلا يقال للهوى: جسم لغة، ولا للنار ولا للماء. فهذه اللغة وكتبها بين أظهرنا، فهذا المعنى منفى عن الله عقلاً وسمعاً، وإن أردتم به المركب من المادة والصورة والمركب من الجواهر الفردة فهذا منفى عن الله قطعاً.

والصواب نفيه عن الممكنات أيضا فليس الجسم المخلوق مركبا من هذا ولا من هذا، وإن أردتم بالجسم ما يوصف بالصفات ويرى بالأبصار ويتكلم ويكلم ويسمع ويبصر ويرضى ويغضب، فهذه المعانى ثابتة لله تعالى وهو موصوف بها فلا ننفيها عنه بتسميتكم للموصوف بها جسماً، كما أنَّا لا نسب الصحابة لأجل تسمية الروافض لمن يحبهم ويواليهم نواصباً، ولا ننفى قدر الرب ونكذب به لأجل تسمية القدرية لمن أثبته جبرياً، ولا نرد ما أخبر به الصادق عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله لتسمية أعداء الحديث لنا حشوية، ولا نجحد صفات خالقنا وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه لتسمية الفرعونية المعطلة لمن أثبت ذلك مجسماً مشبهاً».

إلى أن قال: «وإن أردتم بالجسم ما يشار إليه إشارة حسية فقد أشار أعرف الخلق بإصبعه رافعاً بها إلى السماء بمشهد الجمع الأعظم مشهداً له لا للقبلة، وإن أردتم بالجسم ما يقال أين هو؟ فقد سأل أعلم الخلق بـ "أين"، منبهاً على علوه على عرشه وسمع السؤال بـ "أين" وأجاب عنه، ولم يقل: هذا السؤال إنما يكون عن الجسم.
إلى أن قال:

«وإن أردتم بالجسم ما له وجه ويدان وسمع وبصر فنحن نؤمن بوجه ربنا الأعلى وبيديه وبسمعه وبصره وغير ذلك من صفاته التى أطلقها على نفسه. وإن أردتم بالجسم ما يكون فوق غيره ومستوياً على غيره فهو سبحانه فوق عباده مستو على عرشه».

فينبغى للعاقل أن يتفطن لكلام أهل الزيغ ونبزهم لعلماء السنة تنفيراً للعامة عنهم، كما أنه يجب على المؤمن ألا ينساق وراء مغالطات أصحاب البدع، فهم من دأبهم قلب الحقائق والتلبيس على الناس لتقوية ما اقتنعوا به من أفكار الملاحدة وفلاسفة اليونان.

2. قول الجهمية بالإرجاء والجبر:

لقد كان الجهم بن صفوان مؤسساً حقيقياً لكثير من الشبهات فى الدين، ومؤججاً لكثير من الفتن بين المسلمين بفعل من جاء بعده ممن راقت فى نظره آراء جهم، ويظهر الإرجاء عند الجهمية فى تلك الآراء التى نادى بها الجهم، ومن أهمها عدم اعتبار العمل من الإيمان، فإن الإيمان وحقيقته فى نظرهم إنما هو مجرد الإقرار بالقلب ولا قيمة لعمل فى الإيمان، ولهذا سارع أصحاب الفسق والاستهتار بالقيم إلى التمسك بهذا المذهب، لأنه يساير رغباتهم ويثبت لهم الإيمان بغض النظر عن جميع المعاصى التى يرتكبونها، فهم مؤمنون كاملو الإيمان بالمفهوم الجبرى والإرجائى، فهم لا يمكن أن يطلقوا الكفر على أحد بسبب ترك الأعمال التى أمر الله بها، بل لا يتجاسرون على إطلاق الكفر إلا إذا لم يقر بقلبه حسب زعمهم.

وقد قام أساس إرجاء الجهمية على موقفهم من حقيقة الإيمان وفى مبحث المرجئة دراسة حول المرجئة وموقفهم من الإيمان، وأنه المعرفة فقط وأنه كذلك لا يزيد ولا ينقص، ومن العمل وأنه لا صلة له بالإيمان، ومن مرتكب الكبيرة، وأن الذنوب لا تعلق لها بالاعتقاد وإنما هى تابعة للأعمال، وبالتالى فلا أثر لها على الإيمان الذى فى القلب فهونوا المعاصى وشجعوا على الركون إلى الكسل والخمول فى العبادات.

ومع ذلك فهم يزعمون أن إيمان أى واحد منهم هو مثل إيمان جبريل ومحمد عليهما الصلاة والسلام، لاتفاقهم فى المعرفة بالله التى بنى الجهميون عقيدتهم فى الإيمان عليها، وهم أجهل الناس بمعرفته عز وجل إذ نفوا أسماءه الحسنى وصفاته العلا، إضافة إلى ما أحدثوه من الآراء والبدع الفاسدة.

وأما الجبر –بفتح الجيم وسكون الباء- فمعناه إسناد ما يفعله الشخص من أعمال إلى الله عز وجل، ون العبد لا قدرة له البتة على الفعل، وإنما هو مجبور على فعله، وحركته فى الفعل بمثابة حركة النباتات والجمادات، ومن هنا فإنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، لأن العبد مجبور على فعله لا حول له ولا قوة.

وقالوا: إن هذا ليس بظلم، لأن الإنسان ملك لله، لأن الظلم فى مفهومهم هو المحال لذاته غير المتصور وقوعه([6])، وهذا تكذيب لقول الله: ]ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون[([7])، وقوله تعالى: ]ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون[([8])، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة فى هذا المعنى الذى يفيد أن الله تعالى حرم الظلم على نفسه، وقد تمدح بذلك لبيان كمال عدله، فأين هذا المفهوم من مفهوم الجهمية حينما يقررون أن الإنسان مجبور على فعله، لا لوم عليه فيما يأتيه من الأفعال القبيحة والمنكرات، لأن موجدها إنما هو الله تعالى، ثم كلفه بامتثال أمره ونهيه فكيف يتصور هذا؟ يكلفه الله بالامتثال ثم يوجد فيه قوة العصيان، هذا تناقض وتكليف بما لا يطاق.

وقد أخبر الله تعالى بأن الحق هو عكس هذا المفهوم، فقال عز وجل: ]لا يكلف الله نفساً إلا وسعها وجبر العبد على فعله لا يتفق مع مضمون هذه الآية وغيرها من الآيات والأحاديث، ويصح على مفهوم هؤلاء الجهمية ألا يقال للزانى: إنه زان، ولا للسارق: إنه سارق، ولا للمصلى: إنه مصل .. إلخ، لأن هذه الأفعال هى أفعال الله فيهم، وإنما هم منفذون لها. لقد أعظموا على الله الفرية وقَفَوْا ما ليس لهم بحق!!

3. إنكار الجهمية الصراط:

الصراط من الأمور الغيبية التى أعدها الله فى يوم القيامة، وقد ثبت فى الشرع بأحاديث صحيحة إضافة إلى قول الله عز وجل: ]وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضيا

وللصراط أوصاف كثيرة، فهو أحد من السيف وأدق من الشعرة، عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم ولا ينجو عليه إلا من كتبت له السعادة، ولا صحة لأقوال المتأولين له فإنها فى مقابلة النصوص، وفى مرورهم عليه يعطون أنواراً كل شخص نوره على قدر عمله.

ثم يقال لهم: امضوا على قدر نوركم، فمنهم من يمر كانقضاض الكواكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كشد الرجل يرمل رملاً. وقد نصبه الله لحكمةٍ فلو شاء لاجتاز الخلق بغير نصبه، وقد تلمس بعض العلماء حكماً كثيرة لذلك إلا أنه ينبغى الإيمان التام بأن لله حكمة قد تظهر وقد لا تظهر حقيقتها لأحد، ولسنا مكلفين باستخراج الحكمة وقد كلفنا بالإيمان بكل ما صح ثبوته.

كما أنه قد ورد فى تحديد مسافة الصراط أقوال كثيرة تفتقر إلى دليل من الشرع، فهى من اجتهادات العلماء واستنباطهم، وينبغى معرفة أن المسافة وطولها أو قصرها إنما تعود إلى العمل، فالاجتياز عليه إنما هو بقدر العمل كما ثبت ذلك فى عدة نصوص.

وإنكار الجهمية وغيرهم للصراط ليس لهم ما يتمسكون به إلا شبهات باطلة واستبعاد له، ظانين أن استبعاده فى عقولهم يصح أن يكون دليلاً على إنكاره، وبغض النظر عن سرد تلك الشبهات فإن النتيجة واحدة وهى إنكار الصراط، ويكفى فى الرد عليهم أن يقال لهم: إنكم تردون أقوال نبيكم e بمحض الهوى والشبهات، وليس لكم أى دليل، ومن رد أقوال النبى e بعد صحة ثبوتها، فلا ريب فى خسرانه ومفارقته طريق المؤمنين.

4. إنكار الجهمية للميزان:

الميزان من أمور الآخرة الغيبية التى يجب الإيمان بها وقد أنكرته الجهمية، والمراد به فى الاصطلاح الشرعى: الميزان الذى أخبر الله تعالى عنه فى كثير من آيات القرآن الكريم، وأخبر عنه رسول الله e فى الأحاديث الشريفة فى أكثر من مناسبة تنويهاً بعظم شأنه وخطورة أمره.

وهو ميزان حقيقى له لسان وكفتان توزن به أعمال العباد خيرها وشرها، وقد أخبر الله عنه فى القرآن الكريم إخباراً مجملاً من غير تفصيل لحقيقته، وجاءت السنة النبوية فبينته. يظهره الله فى يوم القيامة لإظهار مقادير أعمال الخلق، وقد أجمع المسلمون على القول به واعتقاده.

وثبت أن العمل يوزن ويوزن أيضاً العامل، وتوزن صحائف الأعمال، وروى أن أشد ما يكون الناس خوفاً فى يوم القيامة عندما يأتى دور الوزن.

وقد تلقى المسلمون أخباره بالقبول والتصديق لثبوته بالكتاب والسنة والإجماع ولم يخالف فى ثبوته أى شخص من السلف.

وقد ذهبت الجهمية وغيرهم من أهل البدع إلى إنكاره بلا دليل، لأنه فى –زعمهم- يستحيل وزن الأعراض، كما أنكروا أن يكون هناك ميزان حقيقى له كفتان ولسان، معرضين عن النصوص الثابتة بذلك كما قدمنا بعضها.

5. قول الجهمية بفناء الجنة والنار:

اقتضت حكمة الله تعالى أن يوجد الجنة وأن تكون دار أوليائه إلى الأبد، وأن يوجد النار وتكون دار أعدائه إلى الأبد، خلقهما الله وكتب لهما البقاء الأبدى بإبقاء الله تعالى لهما وهذا الثابت فى الشريعة الإسلامية.

وخالفت الجهمية وجاءوا بأفكار ومعتقدات ما أنزل الله بها من سلطان، قال شمس الدين ابن القيم:

«والجهم أفناها وأفنى أهلها تبا لذاك الجاهل

ولم يكن لهم ما يستدلون به على إنكارهم ذلك إلا مجرد الظن، وإن الظن لا يغنى من الحق شيئ، وصاروا يشنعون على السلف أهل الحق ما يعتقدونه فى وجود الجنة والنار الآن ودوامها فى المستقبل.

لقد زعم الجهم وأتباعه أن الجنة والنار ستفنى بحجة أن ما لا نهاية له من الأمور الحادثة المتجددة بعد أن لم تكن يستحيل –حسب زعمه- أنها تبقى إلى ما لا نهاية، ولم يتصور أن بعض الأشياء التى شاء الله لها البقاء أنه يمتنع فناؤها.

ثم زعم جهم أن الرب يمتنع عليه إيجاد حوادث لا أول لها، مخافة تعدد الآلهة إذا قلنا بوجودها، ثم قاس هذا على نهاية الحوادث، فكما أنه يستحيل عنده وجود حوادث لا أول لها، فكذلك يمتنع القول بوجود حوادث لا آخر لها، لأن الله وحده هو الأول والآخر.

وقد ظن أن هذا من تنزيه الله تعالى، وهو فى الواقع إساءة ظن بقدرة الله تعالى، ولم يعلم أن ما أراد الله له البقاء فإنه يمتنع عليه الانتهاء، فإن الجنة أراد الله لها البقاء والنار كذلك فيستحيل أن تفنيا، وإلا كان فناؤهما تكذيباً لكتاب الله وسنة نبيه، فإن القرآن الكريم مملوء بالأخبار عن بقائهما إلى الأبد.

ولئن نازع هؤلاء فى دوامهما فقد نازعوا فى وجودهما الآن.

وقد ذكر الله عز وجل فى القرآن الكريم أدلة على وجودهما الآن بما لا يخفى إلا على أهل البدع، فقد قال تعالى عن الجنة: ]أعدت للمتقين.

وقال عن النار: ]أعدت للكافرين، لقد أعدهما الله تعالى قبل نزول أهلهما فيهما.

وقد جاء فى السنة النبوية ما يؤكد وجودهما الآن كما جاء ما يؤكد بقاءهما أبداً كما تقدم.

ومن الأحاديث التى تؤكد وجودهما الآن ما جاء فى حديث الإسراء والمعراج قوله e: (ثم انطلق جبريل حتى أتى سدرة المنتهى، فغشيها ألوان لا أدرى ما هى قال: ثم دخلت الجنة فإذا هى جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك).

وقوله (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة

وقد أخبر بأنه: رأى الجنة وتناول منها عنقوداً، وقال لهم: (ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا
إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة التى تؤكد وجودهما الآن، إضافة إلى ما جاء فى القرآن الكريم، ولكن أهل البدع لا ينظرون إلى الحق إلا من زاوية هواهم، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.

الحكم على الجهمية:

يتورع السلف كثيراً عن إكفار أى جماعة أو شخص، ويرهبون إطلاق التكفير، فلا يتسرعوا فيه كما تفعل الفرق الباطلة فى تكفير الناس أو فى تكفير بعضهم بعضاً أيضاً، إلا أن السلف لا يتورعون عن إطلاق كلمة الكفر على من جاءت النصوص بتكفيرهم أو بتسميتهم كفاراً، عملاً بالنصوص ووقوفاً عند مفهومها الصحيح. ومن هنا تجد أن السلف حينما يطلقون الكفر على فرد أو جماعة لهم ضوابط قوية ودرجات فى التكفير، من لا يفطن لها وقع –ولا بد- فى الخطأ سواء أكان خطأ شرعياً أم خطأ فى مفهومه للتكفير عند السلف.

ولقد ذهب كثير من علماء السلف إلى تكفير الجهمية وإخراجهم من أهل القبلة، ومن هؤلاء الإمام أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمى، فقد جعل فى كتابه (كتاب الرد على الجهمية) بابا سماه (باب الاحتجاج فى إكفار الجهمية)، وبابا آخر سماه (باب قتل الزنادقة والجهمية واستتابتهم من كفرهم).

وأورد تحت هذين البابين أدلة كثيرة من الكتاب الكريم ومن السنة النبوية، ومن الآثار وأقوال العلماء ما يطول ذكره، وحاصله أن الجهمية كفار للأمور الآتية:

1. بدلالة القرآن الكريم، حيث أخبر عن قريش أنهم قالوا عن القرآن: (إن هذا إلا قول البشر) أى مخلوق، وهو نفسه قول الجهم بخلقه، ثم أورد كثيراً من الآيات فى هذا.

3. قال الدارمى: (ونكفرهم أيضاً بكفر مشهور)،
كما أورد الدارمى جملة من أسماء الذين حكموا بكفر الجهمية صراحة، ومنهم: سلام بن أبى مطيع، وحماد بن زيد، ويزيد بن هارون، وابن المبارك، ووكيع، وحماد بن أبى سليمان، ويحيى بن يحيى، وأبو توبة الربيع ابن نافع، ومالك بن أنس.



الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى