مستغانم كوم
هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل
ويسعدنا كثيرا انضمامك لنا..

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مستغانم كوم
هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل
ويسعدنا كثيرا انضمامك لنا..
مستغانم كوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
حمزة المفتش
حمزة المفتش
عضو نشيط
عضو نشيط
عدد الرسائل : 106
البلد :       أما بعد  Male_a11
نقاط : 173
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 25/04/2010

      أما بعد  Empty أما بعد

الخميس 10 مارس 2011, 21:25
أما بعد
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :



فهذه رسالة ( أما بعد ) النبي صلي الله عليه وسلم أول محاضرة بعد عشر سنوات من التأمل والتدبر والمطالعة ودراسة الماضي ، والاستعداد للمستقبل ، أحببت أن أقدمها كالعنوان للكتاب ، وكالهدية بين يدي الضيف . وقد حرصت على مسألة الدعوة ، وهموم الداعية وخصائصه ، ولم أطولها بالقصص ، ولم أثقلها بالحواشي ؛ طلباً للاختصار وإيثارا للإيجاز .

والله وحده أسأل أن ينفعني بها وإخواني ، وأن يوفقنا لصراطه المستقيم ؛ صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .

والله أعلم .

عائض القرني

25/12/1422هـ



بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله أحمده تعالى على جزيل إنعامه وإفضاله ، وأشكره على جليل إحسانه ونواله ، وله الحمد على أسمائه الحسنى وصفات كماله ونعوت جلاله ، وله الحمد على عدله قدرا وشرعا ، وله الحمد في الآخرة والأولى وهو الحكيم الخبير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الملك الحق العلي الكبير ، تعالى في ألوهيته وربوبيته عن الشرك والوزير ، وتقدس في أحديته وصمديته عن الصاحبة والولد والولي والنصير ، وتنزه في صفات كماله ونعوت جلاله عن الكف والنظير ، وعز في سلطان قهره وكمال قدرته عن المنازع والمغالب والمعين والمشير ، وجل في بقائه وغناه عن المطعم والمجير ، فسبحانه ما أعظمه وأحلمه ، وما أجله وأكمله ، عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو حسبي ونعم الوكيل .



من أين أبدأ والمحامد كلها

لك مهيمن يا مصور يا صمد

احترت في أبهى المعاني أن تفي

بجلال قدرك فاعتذرت ولم أزد



الحمد لله على جزيل العطاء ، مسدي النعماء ، كاشف الضراء ، معطي السراء .

الحمد لله عالم السر والجهر ، الحمد لله عالي القهر والقدر ، الحمد لله المتكفل بالأقوات ، المدعو عند المدلهمات ، المطلوب عند كشف الكربات ، المرجو في الازمات .

الحمد لله على كل نعمة أنعم بها ، وعلى كل بلية صرفها ، وعلى كل أمر يسره ، وعلى كل قضاء قدره ، وكل مكره كفاه ، وكل حادث لطف فيه .

الحمد لله كم أعطى من النعيم ، وكم منح من الخير العميم ، وكم تفضل به من النوال الجسيم ، عمت نعمه ، وانصرفت نقمه ، وتضاعفت كرمه .

الحمد لله على تمام المنة ، والحمد لله بالكتاب والسنة ، الحمد لله على نعمة الإسلام ، وتواتر الإنعام ، توالت أفضاله ، عم نواله ، حسنت أفعاله ، تمت أقواله . الحمد لله مولي الجميل ، واهب العطاء الجزيل ، شافي العليل ، المبارك في القليل ، أجود من أعطى وأصدق من أوفي .



يا غافلا عن إله الكون يا لاهي

تعيش عمرك كالحيران كالساهي

ارجع إلى الله واقصد بابه كرما

والله والله لا تلقى سوى الله



من قبلة فهو المقبول ، ومن حاربه فهو المخذول ، ومن التجأ إليه عز ، ومن توكل عليه كفاه ، ومن أطاعه تولاه ، ومن نازعه قمصه ، ومن بارزه حطمه ، ومن أشرك به أحرقه ، ومن ناده مزقه .



فو الله لو وضعنا من الدمع قصة

وصار كتاب الحب بالدم يكتب

وسرنا على الأجفان نمشي محبة

على النار نشوى أو على الجمر نسحب

لما بلغت ما تستحق جهودنا

فكل ولو نال المشقة مذنب



وأشهد أن محمد رسول الله ، النبي الخاتم ، والإمام المعصوم ، والأسوة الحسنة ، والقدوة المثلي ،شرف الحواضر والبوادي ، وزينة النوادي ، أعظم هادي ، وأفضل حادي :



يا طريدا ملأ الدنيا اسمــه

وغدا لحنا على كل الشفاه

وغدت سيرته أسطـــورة

يتلقـــاها رواة عن رواه

ليت شعري هل درى من طاردوا

عابدو اللات واتباع مناه

هل درت من طاردته أمه

هبل معبودها شاهت وشاه



أما بعد :



فعنوان رسالتي . . . (( أما بعد )) . .



وأما بعد . . وأما قبل ، فلله الأمر من قبل ومن بعد ، ليس لنا من الأمر شئ ، وليس لنا مع قدرته حول ، وما عندنا لأمره رد ، وما لنا في قضائه حيلة ، وما لدينا مع قدرته تدبير ، هو الفعال لما يريد ، ونحن العبيد ، إن تشرفنا فالطين أصلنا ، وإن افتخرنا فالتراب مردنا ، وما لمن خلق من ماء مهين أن يشمخ بأنفه ، أو يزهو بعلمه ، أو يعجب برأيه :



يا أنت يا أحسن الأسماء في خلدي

ماذا عرف من متن ومن سند

تقاصرت كلها الأوصاف عندكم

لما سمعنا ثناء الواحد الأحد

والله لو أن أقلام الورى بريت

من العروق لمدح السيد الصمد

لم نبلغ العشر مما يستحق ولا

عشر العشير وهذا غاية الأمد



يا رب ، يا حي ، يا قيوم ، يا لطيف ، أنت الكامل وأنا الناقص ، أنت الغني وأنا الفقير ، أنت القوي وأنا الضعيف ، أنت الحي وأنا الميت . أصابع الذنوب تشير إلى الغفار . وألسنة الفقر تدعو الغنى . وأكف الضعف ترفع للقوي .



الميت يمدح الحي القيوم .

الغريق ينادي : يا ذا الجلال والإكرام .

الكلمات والإشارات عاجزات .

البيان والبلاغة والتعبير تعلن التقصير .

لا يعلم ما يستحق إلا هو .

لا يحيط بعلمه سواه .

لا يقدره قدره إلا إياه .

لا يحسن الثناء عليه غيره .



إن قدسته أو سبحته أو مجدته فهو الذي علمني . إن حمدته أو كبرته أو وحدته فهو الذي ألهمني . إن عبدته أو شكرته أو ذكرته فهو الذي أكرمني .

صفات المدح في الكاملين ذرة من كماله ، ونعوت الفضل في الأبرار نفحة من أفضاله ، ألسنة المادحين وأقلام الواصفين حائرة في جلاله ، من أنا حتى أمدحه ؟ من أنا حتى أمجده ؟ من أنا حتى أثني عليه أنا الذي خلق من تراب أصف الملك الوهاب ؟ أنا الذي صور من طين أذكر جلال العالمين ؟



إن الخجل يملأ فؤاد من خلق من ماء مهين ، إذا قام يشدو بأوصاف أحكم الحاكمين ، اللهم إن أشرف تاج أحمله تمريغ أنفي على التراب لجلالك ، اللهم إن أعظم وسام أحمله وضع جبهتي على الأرض لعبوديتك .



أنا الظالم لنفسه المعترف بتقصيره ، المقر بذنبه ، وأنت الجواد الماجد الغني الحميد ، عز جاهك ، وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك . ولا إله غيرك .



قد كنت أشفق من دمعي على بصري

فاليوم كل عزيز بعدكم هانا



يا الله سجد وجهي لك ، يا الله خشع سمعي وبصري لك ، يا الله رغم أنفي لك ، يا الله ذلت رقبتي لك ، يا الله وجل قلبي منك ، يا الله اتجهت نفسي اليك ، يا الله حسن ظني فيك ، يا الله طاب الحديث عنك ، يا الله كمل التوكل عليك .



اليك وإلا لا تشد الركائب

ومنك وإلا فالمؤمل خائب

وفيك وإلا فالغرام مضيع

وعنك وإلا فالمحدث كاذب



أما بعد :



فقد وقفت عشرا ، واستفدت عشرا .



استفدت عشرا :



أولها : اللجوء إلى الله في الملمات ، وقصده في الكربات ، وسؤاله في الأزمات .



ثانيها : أن مع العسر يسرا ، ومع الكرب فرجا ، ومع الضيق سعة ،وبعد الشدة رخاء



ثالثها : أنه ليس لك في المصاعب إلا الله ، وما لك عند الدواهي إلا الله . وما معك في الخطوب إلا الله (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ) .



رابعها : أن العلماء يصيبون ويخطئون ، والدعاة يحسنون ويغلطون ، والمصلحون يسددون ويعثرون إلا محمدا صلى الله عليه وسلم فهو المصيب بلا خطأ ، والمسدد بلا غلط ، والمصلح بلا عثرة (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى)(إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ( النجم :3 ـ 4) .



خامسها : أن الكتب تعرف منها وتنكر ، وتقبل وترد وتوافق وتخالف ، إلا الوحي كتابا وسنة ، ففيه الصحة كلها ، والصواب أجمعه ، والحق أتمه وأكمله ، والعدل أوله وأخره.



سادسها : أنه ليس لأحد أن يدعي أنه المخول وحده لنصر الدين ، ولا التكلم باسمه ، فدين الله منصور ، شاء من شاء ، وأبي من أبي ( فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) ( الأنعام : 89 ) . نصره محمد العربي ، وسلمان الفارسي ، وصهيب الرومي ، وبلال الحبشي ، وصلاح الدين الكردي ، ونور الدين التركماني ، وإقبال الهندي .



سابعها : أن الرفق هو الطريق الأمثل للدعوة . وأن الكلمة اللينة هي السحر الحلال ، وأن الأسلوب السهل هو مصيدة الرجال .



ثامنها : أن غالب محاضرات الدعاة وندوات العلماء حسن وصواب ، وحق وعدل ، والقليل النادر غلط وخطأ ، لعنصر البشرية ، وضعف الإنسانية ، وانتفاء العصمة ، وانقطاع الوحي .



تاسعها : وجدت أن الأمة لا يشفي عليلها ولا يروي غليلها مقطوعة من فنان ، ولا طرح من علماني ، ولا هيام من شاعر ، ولا خيال من فيلسوف ، إنما يحييها ، ويرفعها ، ميراث من نبوة ، وتركه من رسالة ، وأثارة من وحي : (َ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ )(الرعد: من الآية17) .



عاشرها : وجدت أن الأمة قد تكون غير منتجة ، ولا مخترعة ، ولا منكشفة ، ولا مصنعة ، ولكنها لا تعيش بلا إيمان ، ولا تحيا بلا رسالة ، ولا تشرف بلا منهج : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )(الأنعام: من الآية122) .



تلك عشرة كاملة . . أهديها لمحبي النصح ، وعشاق الفضيلة ، وطلاب الحقيقة ، وشداة الإصلاح ، ورواد المعرفة : (ِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عليه تَوَكَّلْتُ وَإليه أُنِيبُ)(هود: 88).



دعها كما شاءها الرحمن جارية

الله يحفظها والله يرعاها

لها من الوحي نور تستضئ به

وبهجة الغار تبدو في محياها



أما بعد :



فهذه عشر سنوات طويلات قصيرات ، فيها حسنات وسيئات ، ومضحكات ومبكيات ، مرت بسرورها وحزنها ، ونعيمها وبؤسها ، وغناها وفقرها ، ولذتها ومعاناتها .



مرت سنون بالسعود وبالهنا

فكأنها من قصرها أيام

ثم انثنت أيام هجر بعدها

فكأنها من طولها أعوام

ثم انقضت تلك السنون وأهلها

فكأنها وكأنهم أحلام !



انتهت هذه العشر عندنا ، لكن ما انتهت عند الله (َ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى)(طـه: 52) .



أما بعد :



فإن الداعية ليس له حقل واحد لا يعمل إلا فيه ، بل حقول متعددة ، وميادين مختلفة ، ومنابر شتى فالدعوة لا يحدها حد ، ولا يحصرها حصر ، ولا يقيدها قيد. إن الدعوة تجري في دم الداعية ، يقولها كلمة ، ويصوغها عبارة ، وينشدها قصيدة ، ويدبجها خطبة ، وينقلها فكرة ، ويؤلفها كتابا ، ويلقيها محاضرة .

إنها قد تكون مع النفس محاسبة ومراقبة ، وتكون مع الأم برا وحنانا ، ومع الأب شفقة ورحمة ، ومع الابن تربية وأدبا ، ومع الجار إحسانا وبرا ، ومع المسلم مصافاة ومودة ، ومع الكافر دعوة وحوارا .



فهذا إبراهيم الخليل يتلطف بأبيه (ِ يَا أَبَتِ )، وهذا نوح ينوح على أبنه ) يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا)(هود: 42) وهذا مؤمن آل فرعون يعطف على قومه : (ِ يَا قَوْمِ) وهذا مؤمن آل يا سين ينادي وهو في الجنة : (َ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ)(يّـس: 26).



إن الدعوة هم لازم ، وواجب دائم ، فهي معك في السيارة ، وفي الطائرة ، وفي السفينة ، وفي النادي ، وفي الجامعة ، والمزرعة ، والمتجر . .



قد تدعو بسيرتك أكثر من كلامك ، وتدعو بصفاتك أعظم من خطبك ، وتدعو بخلقك أحسن من محاضراتك .

ليس للداعية وقوف ، سجن يوسف فدعا في السجن ، وطرد نوح فدعا في السفينة ، وحوصرا محمد فدعا في الشعب ، وطوق فدعا في الغار ، وطردا فأنشأ دولة .



قيل لشيخ الإسلام ابن تيميه : قد أمر السلطان بنفيك إلى قبرص ، أو قتلك وسجنك فقال : والله إن بي من الفرح والسرور ما لو قسم على أهل الشام لوسعهم ، والله إني كالغنمة ما تنام إلا على صوف ، إن نفيت إلى قبرص دعوت أهلها إلى الإسلام ، وإن سجنت خلوت بعبادة ربي ، وإن قتلت فأنا شهيد :



روحي تحدثني بأنك متلقي

نفسي فداك عرفت أم لم تعرف



ليس من المهم عند الداعية أن يكون له جمهور حاشد ، أو حفل بهيج ، أو مستمعون كثر ، المهم أن يقول الحق ، وان يأمر بالمعروف ، وأن ينهى عن المنكر ، وأن يحمل الميثاق بأمانة ، ويبلغ الشريعة بصدق .

(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَه)(آل عمران: 187).

بعض الأنبياء لم يستجب له أحد ، والبعض استجاب له واحد واثنان ، والبعض جماعة ، وبعضهم دعا عمره كله ثم قتل ولم يطعه بشر ، وأنبياء آخرون مكثوا السنين الطويلة يدعون ثم نشروا بالمناشير !



سيدي علل الفؤاد العليلا

واحيني قبل أن تراني قتيلا

إن تكن عازما على قتل روحي

فترفق بها قليلا قليلا !



إن الداعية ليس فنانا يداعب العواطف ، ويلعب بالمشاعر ، ويتفقد مكامن التأثير في الناس ، وليس شاعرا يخلب الألباب ، ويسافر مع الخيال ، ويهيم في أودية الضلال ، وليس فيلسوفا يتقن القوانين ، ويضرب الأقسية ، ويحدد المقدمات ، ويخلص النتائج ، وليس سلطان يفرض كلمته ، ويؤدب رعيته ، ويحشد جنوده ، ويرفع بنوده ، وليس تاجرا يجمع الدراهم ، ويكنز القناطير المقنطرة ، ويرصد الشيكات ، ويضارب بالأسهم . الداعية شئ آخر ! . .



إنه تابع لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ابن بار لرعايته ، تلميذ نجيب في مدرسته ، طالب متفوق في جامعته . يسري حب

الله وحب محمد صلى الله عليه وسلم في دمه ، يشع في قلبه ، يضئ طريقه ، يملأ وجدانه ، يلهب ضميره .



الحب ليس رواية شرقية

بأريجها يتزوج الأبطال

لكنه الإبحار دون سفينة

ومرادنا أن المحال محال



الداعية ليس له إجازة ، ولا انتداب ، ولا مخصصات ، ولا عادات ، الداعية ليس له حفل مولد ، ولا مهرجانات تخرج ، ولا حفل وداع ، ولا مناسبة استقبال ، بل هو مع الأنبياء ، تلقاه على الرصيف ، وفي الدكان ، ومع أهل الحرف ، مع النجار والخباز والنساج والبناء ، مع الناس باختلاف أذواقهم وألوانهم وأجناسهم ، داعيا للملك والملوك ، وللأمير والوزير ، وللكبير والصغير ، وللذكر والأنثى وللأبيض والأسود .



الداعية باع نفسه من الله ، فلا يطالب ، ولا يضارب ، لا يعاتب ، ولا يحاسب . . فاتورة تعبه مدفوعة في الآخرة (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) (الضحى:5) . شيك أجرته مصروف من بنك ) يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )(الكهف: 28) ، وسند أمواله موقع عليه ( وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ)(هود:79) .



بعنا النفوس فلا خيار ببيعنا

أعظم بقوم بايعوا المختارا

فأعاضنا ثمنا أجل من المنى

جنات عدن تتحف الأبرارا



الداعية لا ينتظر شهادة حسن سيرة وسلوك من البشر ، ولا نياشين يعلقها على صدره ، ولا نجوم يضعها على أكتافه ، ولا صورة ذكرى يرفعها في مجلسه . إنه يريد تاج ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا )(المائدة:119)، ويطمع في نجوم ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )(المائدة: 54) ويرغب في نياشين (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا)(البقرة: 257) .



الداعية لا يعين بقرار جمهوري ، ولا بوثيقة حكومية ، ولا بانتخاب من الجمهور ، الداعية لا يأتي عن طريق صناديق الاقتراح ، ولا المجلس النيابي ، ولا الهيئة البرلمانية ، فهو فوق الكونجرس ، واللوردات ، والشيوخ ، إن الله عينه ، والواحد الأحد هيأه ، والرحمن استأمنه (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)(النحل: 125) .



الداعية مولاه الله ، وإمامه محمد ، وبيته المسجد ، ومذكرته القرآن ، وزاده التقوى ، وعصاه التوكل ، ولباسه الزهد ، ومركبه اليقين ، وطريقه الهدى ، ومراده الجنة (( دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ، ترد الماء وترعى الشجر )) .



أنا ربي الله والدين أبي

ورسول الله دوما قدوتي

ولي القرآن نورا ساطع

ولي الكعبة كانت قبلتي



الداعية لا تتوقف دعوته مع التخرج من المدرسة الليلية ، ولا مكافحة الأمية ، ولا من الجامعة ، ولا من المجالس الفقهية ، ولا المجامع العلمية . . جامعة الداعية (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ)(فصلت: 33) ، وشهادته (( بلغوا عني ولو آية )) ووثيقة تخرجه (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ)(الحجر: 94) .



الداعية لا ينتظر راتبا شهريا ، ولا مكافأة سنوية ، ولا إكرامية مالىة ، ولا هتافا جماهيريا ، ولا شكرا من الوزير ، ولا ترقية من الفريق ، ولا ثناء من مدير المدرسة .

راتبه : (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ )(فاطر:30) .

إكراميته : (ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ) (الحجر:46).

هتافه : ( لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)(محمد: 19) .

شكره : (سَلامٌ عليكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ )(الرعد: 24).

ترقيته : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (القمر:55)

الداعية لا ترفع له أقواس النصر ، ولا تعلق صوره ، ولا ينتظر قصائده مدح وملحمات ثناء ، ومقامات تبجيل .

أقواس نصره : (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (الفتح:1) .

صوره معلقة : ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُه)(هود:1) .

عبارات مديحه (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (المؤمنون:1).

مقامات تبجيله : ( وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(آل عمران: 139).



وثيقتي كتبت في اللوح وانهمرت

آياتها فاقرءوا يا قوم قرآني

الوحي مدرستي الكبرى ، وغار حرا

تاريخ عمري ، وميلادي ، وعرفاني



أما بعد :



فالداعية رحيم ، رفيق ، قريب حبيب ، سهل لين ، صبور شكور .

رحيم : لأن الراحمين يرحمهم الرحمن ، ولأن إمامه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ، فهو الذي يقول (( من لا يرحم لا يرحم )) .



يقول أحد العلماء : (( ينبغي إذا رأيت الكافر أن تتمنى إسلامه رحمة به أن يدخل النار ؛ لأن من تمام النصح الشفقة بالخلق )) .



رفيق : لأن الله رفيق يحب الرفق ، ولأنه محمد صلى الله عليه وسلم يقول : (( ما كان الرفق في شئ إلا زانه ، وما نزع من شئ إلا شانه )) .

والرفق يسهل الصعاب ، ويقرب البعيد ، ويلين القاصي ، ويطوع العاصي ، ويجذب القلوب .



قريب : فهو يدنو من النفوس ، ويقترب من القلوب ، ويتواضع لزملائه ، ولا يفاخر أبناء جنسه ، ولا يشمخ بأنفه ، ولا تعجبه نفسه ، ولا يزدري أحدا ، ولا يحتقر بشرا ، ولا يتهكم بمخلوق (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الشعراء:215) .



حبيب : تحبه القلوب ، وترتاح له الأنفس ، وتأنس بحضوره الناس ، وتهش لقدومه الأرواح ، وتفح بحضوره الجموع ، وتعشق لقاءه الأجيال ، وتدعو له الأمة بظهر الغيب (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) (مريم:96) .



يقول أحد الفضلاء : (( إذا سافرت ولم يبك عليك أصحابك فراجع أخلاقك )) .



سهل لين : فهو كمعلمه الأول صلى الله عليه وسلم سهل في كلامه فلا يتفيهق ، ولا يتعمق ، ولا يتشدق ، ولا يتكلف ، ولا يتنطع ، ولا يزخرف ، سهل في أفعاله فلا يكلف الناس شططا ، ولا يحملهم عبئا ، ولا يجشمهم مشقة .



صبور : على الملمات ، وعلى الأزمات وعلى الكربات ، وعلى الفواجع ، وعلى الحوادث ، وعلى الكوارث ، يجوع فيصبر ، يسب فيصبر ، يجلد فيصبر ، يحبس فيصبر ؛ يبكت فيصبر ، يكذب فيصبر ، يؤذى فيصبر ؛ أما نوح فازدجر ، وأما صالح فقيل له : كذاب أشر ، وأما هود فقهر ، وأما زكريا فنشر ، وأما يحي فنحر ، وأما موشى فضاق به المفر ، وأما عيسى فافتقر ، وأما محمد فابتلي فصبر ، وأعطي فشكر (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ)(النحل: 127) . (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) (المعارج:5) (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ )(المزمل: 10) . ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)(الحجر: 85) . ( وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)(المزمل: 10) . ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر)(آل عمران: 159). ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ )(آل عمران:134)

. (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(المؤمنون: 96) .



شكور : على النعمة ، يعطى فيشكر ، يسدد فيشكر ، يفتح عليه فيشكر ، يأكل فيشكر ، يلبس فيشكر ، ينام فيشكر ، يصح فيشكر ، يمرض فيشكر ، يعافي فيشكر ، يبتلى فيشكر ، يغتني فيشكر ، يفتقر فيشكر ، ( وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)(آل عمران:145) (ٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)(سـبأ:13) ،(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)(ابراهيم:5) . ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ )(ابراهيم: 7).

لك الحمد يا رحمن ما هل صيب

وما تاب يا من يقبل التوب مذنب
لك الحمد ما هاج الغرام وما هما ال

غمام ، . . . وما غنى الحمام المطرب



أما بعد :



فإن الداعية يعلم أن الحياة ليست فرصة لتقلد منصب ، ولا الظفر بإمارة ، ولا العثور على وزارة ، ولا جمع تجارة ، ولا التشرف بسفارة ، وليست الحياة عنده متعة ، يقضيها في اللهو واللعب ، فليس عنده إجازة يقضيها على ضفاف اللورا ، ولا في قمم الهملايا ، ولا عند شلالات نياجرا ، ولا في أبراج كوالالمبور ، ولا في حضور عيد الأم ، وليس عند الداعية أرصدة في البنوك الربوية ، وليس له همم في مراقبة البورصة العالمية ، ولا الاهتمام بأسواق الذهب أو باسعار البترول ، فكنوزه وماله وغناه ومسقبله في جنات تجري من تحتها الأنهار .

فلا يبهجه إلا (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ )(الرحمن:54) .

ولا يفرحه إلا (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) (المطففين:24) .

ولا يسره إلا (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) (المطففين:25) .

ولا يسعده إلا (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَاليةِ) (الحاقة:24)

ولا يطربه إلا (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) (الرحمن:72).

ولا ينعشه إلا (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) (الانسان:20) .



الداعية ليس سهر في ( ألف ليلة وليلة ) ، ولا أنس مع ( أبي نواس ) ، ولا خلوة مع ( بدائع الزهور ) ، ولا توثيق من ( الزير سالم ) ، ولا سند من ( شمس المعارف ) .

سهره : مع صحيح البخاري .

أنسه : مع ابن تيمية .

خلوته : مع رياض الصالحين .

توثيقه : من يحي بن معين .

سنده : من سفيان الثوري .



هيهات رحلة مسرانا جحافلنا

كما عهدت وعزمات الورى أنف

في كفك الشهم من حبل الهدى طرف

على الصراط وفي أرواحنا طرف



الداعية لا يفتخر بصداقة المشاهير ، ونجوم الكرة ، ونجوم الفن ، وكواكب المسرح ، والساسة العمالقة ، والفلاسفة العباقرة ، ورموز الثقافة ، فله صداقات ومودات مع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ، وله علاقة بأبي بكر وعمر وعثمان وعلى ، وله اتصال بأبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ابن حنبل .



الداعية ليس منهمكا في زوايا الغرام ، ولا مع قصاصات الهيام ، ولا مع آهات الهجر ، وزفرات الجوى ، واوجاع العيون السود . . .

زفراته : من ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا)(الملك:8) .

وآهاته : من ( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا)(النساء:56).

وأوجاعه : من (يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ) (الحاقة:27ـ29 ) .



أما بعد :



فإن الداعية تتقلب به الأيام ، وتتغاير عليه الليالي ، وتختلف عليه الساعات ، وتتعاقب عليه السنون ، رضا وغضب ، وسرور وحزن ، وشبع وجوع ، ومنبر وحبس ، وشكر وسب ، وإقبال وإدبار ، ومنحة ومنحة ، وعطية وبلية ، وامل ولآلم ، وهو مع ذلك عبد الله ، ينزل مع القرآن أينما نزل ، ويهبط مع الوحي أينما هبط ، ويسافر مع الرسالة أينما سافرت ، ويرتحل مع الحق أينما ارتحل . يصلى في القصر وفي الحبس ، وفي الجامعة والمزرعة ، وفي الحاضرة والبادية ، يسبح في النادي والملعب ، ويكبر في المسجد والسوق .



الداعية عنده شهادة أكبر من شهادات الأرض ، ولدية وثيقة أعظم من وثائق المعمورة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة:5).

وعنده تزكية أجل من كل تزكية (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات:173) .

أيها الداعي الذي عبد الله

طريق النجاة فيك قويم
أدعياء الضلال سحار فرعون

وأنت العصا وأنت الكليم



أما بعد :



فقد قرأت عشرات المجلدات والمصنفات والمؤلفات ، فما وجدت كالقرآن حسنا وجمالا ، بهجة ونضرة ، قوة وفخامة ، صدقا وعدلا ، سعادة وإشراقا .

وطالعت مئات المجلات والجرائد والدوريات والصحف ، فما رأيت كالسنة عطاء وبركة ، وسلوة وعزاء ، وتوعية وتربية ، ورشدا ونصحا ، وتعليما وتقويما .

وسمعت آلاف الكلمات ، وآلاف الأبيات ، وآلاف اللطائف ، وآلاف النكات ، فما وجدت كذكر الله إيمانا ويقينا ، وروحا وطمأنينة ، وأنسا ورحمة ، وثوابا وأجرا .



أما بعد :



فإن الداعية قد يكون غنيا كسليمان ، وقد يكون فقيرا كعيسى ، وقد يكون صحيحا كإبراهيم ، وقد يكون مريضا كأيوب ، وقد يطول عمره كنوح ، وقد يقصر كيوشع ، وقد يكون ملكا كداود ، وقد يكون خياطا كإدريس ، ، وقد يرعى الغنم كموسى ، وقد تمر به الحالات جميعا من غنى وفقر ، ونصر وهزيمة ، نعيم وبؤس ، وصحة ومرض ، وعافية وبلاء ، كمحمد صلى الله عليه وسلم .



لأجل دينك ذاق القتل من قتلوا

كأنما الموت في ساح الوغى عسل

ترى المحبين صرعى في ديارهم

كفتية الكهف للرضوان قد نقلوا



وقد يكون الداعية واسع الخير ، متعدد المواهب ، كثير الإحسان ، عظيم البر ، كأبي بكر الصديق ، وقد يكون صارما حازما قويا شديدا في الحق ، ذا صولة في الدين ، وهيبة في الملة كعمر بن الخطاب ، وقد يكون لينا سهلا قريبا حبيبا حييا سخيا كعثمان بن عفان ، وقد يكون مقداما شجاعا ، أبيا مضحيا فدائيا بطلا كعلي بن أبي طالب .



وقد يكون الداعية بحرا في العلم ، ودائرة معارف ، موسوعة في الشريعة كابن عباس ، وقد يكون خطيبا لوذعيا يرسل الكلمة كالقذيفة ، ويبعث الحرف كالشهاب ، ويطلق الجمل كالبركان كثابت بن قيس بن شماس .



وقد يكون الداعية شاعرا يرسم الحرف في القلب ، ويصنع البيت كالضياء ، وينسج القصيدة كقطعة ألماس كحسان بن ثابت .



وقد يكون للداعية حشم وخدم ، ومال وجمال وعيال كعبد الرحمن بن عوف ، وقد يكون الداعية فقير معدما ، لا بيت ولا قصر ولا دار ولا عقار ولا دينار كأبي ذر ، وقد يتولى الداعية الإمامة كمعاذ ، والقضاء كعلي ، والأذان كبلال ، والمواريث كزيد ، والقياد كخالد ، والإمارة كأبي عبيدة .



وقد يتكلم الداعية من بلاط السلطان كالزهري . وقد يتحدث من القبو كالسرخسي ، وقد يبجل ويحتفي به كمالك بن أنس ، وقد يذهب دمه هدرا ، ورأسه شذرا كأحمد بن نصر الخزاعي .



الداعية كالهدهد قطع الفيافي والقفار ليبلغ رسالة الواحد القهار (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)(النمل:25) . وكالنملة يحذر قومه ، وينذر بني جنسه ( لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(النمل: 18) . وكالنحلة يجمع أطايب الحديث ، ويكنز أحسن المعرفة (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً )(النحل: 69).



فيا حب زدني في هواه صبابة

ويا قلب زدني في هوى مهجتي حبا

لعلى إذا جئت المحصب من منى

سخرت فؤادي كي أفوز به قربا



إن أهم صفة في الداعية أنه صاحب مبدأ ، وحامل رسالة ، وله منهج ، قد يغلظ أو يرفق ، يقسو أو يلين ، يقبل أو يدبر ، يواجه أو يهادن . . . لكنه صاحب مبدأ .

قد يحاور ويفاوض ، ويرد ويقبل ، ويأخذ ويعطي ، ويغضب ويرضى ، ولكنه صاحب مبدأ . .

له ثوابت لا يتخلى عنها ، وربما تنازل عن الحواشي ليبقى الأصل ، وربما ترك التعليق ليبقى المتن ، وربما تخلى عن الإطار لتبقى الصورة .



الداعية هو الناطق الرسمي للملة (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ)(الكهف: 29) . والسفير الأول للشريعة ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً)(الأحزاب:45) . والمندوب الدائم لمحمد صلى الله عليه وسلم (( نضر الله أمر سمع مني مقالة فوعاها ، فأداها كما سمعها )) . والأمين العام للقيم ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)(القصص:26) .



الداعية : له في كل قلب سفارة ، وفي كل عقل محطة ، وفي كل مجلس قناة . . الداعية تقرؤه في الصحيفة ، وتطالعه في المجلة ، وتنظر إليه في الشاشة ، وتصلى وراءه في المحراب ، وتسمعه على المنبر ، وتلقاه في السوق ، وتصافحه في الحديقة ، وتجلس بجانبه في الحافلة ، وتعانقه في الطائرة . وتقاتل وراءه في المعركة ، وتراه في العرس ، وتشاهده في الجنازة . يصافح الملك ، يمسح رأس اليتيم ، يرفق بالرئيس ، يعطف على الأرملة ، يمازح الشباب ، ويقود العجوز .



الداعية : يرسل كلمته على ذبذبة طولها الحق ، وعرضها الصدق ، على هواء الإبداع ، وعبر أثير المحبة ؛ لتستقبل كلمته أطباق القلوب ، وتنقل عبارته موجات الأرواح .

والدعاء درجات عند الله ، فمنهم من يحبو ، ومنهم من يمشي ، ومنهم من يهرول ، ومنهم من يمر مر السحاب ، ومنهم من يسرع سرعة الريح ، ومنهم من يحلق في سماء الإبداع فيرتفع عن سطح الدنيا سبعة وثلاثين ألف قدم من الصدق والرفق والحق والعدل والعلم والإيمان .



إن أنت كنت بكيت من حر الجوى

وسكبت في ليل الفراق دموعا

فنفوسنا ذبحت على ساح الوغى

يا من يرى صرعى السيوف هجوعا



أما بعد:



هم الداعية إصلاح الناس وتعبيد البشر لله ، لتكون كلمة الله هي العليا ، ويكون الدين كلها لله ، فليس همه المال ولا الجاه ولا المنصب ؛ لأنه مكلف بمهمة محددة (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) (نوح:3) ، وعنده رسالة عليها طابع (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ )(الذريات:57) وعنوانها (( قولوا لا إله إلا الله تفلحوا )) يوزعها في كل قلب (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4).



الداعية حبيبة من أحب الله ، ووليه من تولى الله ، وصديقه من احترم الشرع ، وعدوه من عادى الإسلام . وليس عند الداعية وقت للعداوات الشخصية ، ولا فراغ لتوافه الأمور ، فكل دقيقة من عمره حسنات ، وكل ثانية من وقته قربات .

أعد الليالي ليلة بعد ليلة

وقد عشت دهرا لا أعد اللياليا

فإما حياة نظم الوحي سيرها

وإلا فموت لا يسر الأعاديا



الداعية ينهمر بالآيات والأبيات والسير والعبر والقصص والأخبار والفوائد والقصائد والشوارد والفرائد ، يدعو بها كلها إلى الله ليعبد الله وحده لا إله إلا الله .



فمرجع الداعية قلبه النابض ، ومصدره نفسه المشرقة ، وحبره دمه ، ومادته دموعه ، وورقه خصال الخير وصفات النبل التي يحملها .



الداعية لا ينسى دعوته ، وهل ينسى المريض مرضه ، والجائع جوعه ، والمحموم حماه ؟ ! وكيف يترك الداعية دعوته ؟ ! وهل يترك الرسام ريشته ، والنجار فأسه ، والفلاح مسحاته ، والكاتب قلمه ؟ ! .



وقد عاهدتني يا قلب أني

متى ما تبت من ليلى تتوب

فها أنا تائب من حب ليلى

فما لك كلما ذكرت تذوب ؟

***

لكل امرئ من دهره ما تعودا

وعادة أهل الحق يا صاحبي الهدى



وما مضى فات والمؤمل غيب إلا عند الداعية ، فالماضي ما فات ولا مات ( عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى)(طـه:52) . والمؤمل عنده حاصل لا محالة ، قادم بلا شك (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقِينِ) (التكاثر:7)



نشيد اللاهين : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل .

ونشيد الدعاة : قفا نبك من ذكر الكتاب المنزل .

أغنية الغافلين :

أخبروها إذا أتيتم حماها

أنني في الغرام فداها

وملحمة الصالحين :

أيقظوا النفس من سبات مناها

فإلى الله ربنا منتهاها





خاتمة


اللهم اجعل مكان اللوعة سلوة ، وجزاء الحزن سرورا ، وعند الخوف أمنا .

اللهم أبرد لا عج القلب بثلج اليقين ، وأطفئ جمر الأرواح بماء الإيمان .

يا رب ألق على العيون نعاسا أمنة منك ، وعلى النفوس المضطربة سكينة ، وأثبها فتحا قريبا

يا رب أهد حيارى البصائر إلى نورك ، وضلال المناهج إلى صراطك ، والزائغين عن سبيل إلى السبيل إلى هداك .

اللهم أزل الواسواس بفجر صادق من النور ، وأزهق باطل الضمائر بفليق من الحق ، ورد كيد الشيطان بمدد من جنود عونك مسومين .

اللهم أذهب عنا الحزن ، وأزل عنا الهم ، وأطرد من نفوسنا القلق .

ونعوذ بك من الخوف إلا منك ، والركون إليك ، و التوكل عليك ، والسؤال منك ، والاستعانة إلا بك ، أنت ولينا ، نعم المولى ونعم النصير .

اللهم حقق الآمال ، وأصلح الأعمال ، وحسن الأحوال ، وسدد الأقوال .

اللهم اجمع شمل الأمة ، واكشف الغمة ، وانصر الدين وأتمه .

اللهم أصلح القلوب ، واغفر الذنوب ، واستر العيوب ، واقبل توبة من يتوب ، اللهم أجزل العطية ، واغفر الخطية ، وأحينا الحياة الرضية ، ونسألك الميتة السوية ، اللهم ألهمنا الحجة ، وثبتنا عند المحجة ، ويمن كتابنا ، ويسر حسابنا .

اللهم اشف منا العلل ، واغفر الزلل ، واردأ عنا الكوارث ، واحمنا من الحوادث .

اللهم اذهب الشك باليقين ، وألبسنا ثوب الدين ، وانصر إسلامنا ، وارفع أعلامنا ، وثبت أقدامنا ، وسدد سهامنا .

اللهم بلغ رسولنا عنا الصلاة والسلام ما غيث همع ، وبرق لمع ، وظبي سنح ، وبلبل صدح ، اللهم آته الوسيلة ، وامنحه الفضيلة ، وابعثه مقاما محمود ، وأعطه حوضا مورودا ، وأجب شفاعة ، وأكرم وفادته .



يا رب إن البشر اعتزوا بأنسابهم ، وافتخروا بأحسابهم ، وعزنا وفخرنا بك ، فلا نكن أشقى منهم بك .



يا رب إنهم جمعوا الأموال ، وادخروا الكنوز ، واحتاطوا بالهب والفضة ، ومالنا وكنوزنا وميراثنا دينك وذكرك . اللهم فاغننا يوم الفقر الأكبر حتى نكون بك أغنى منهم بأموالهم .



يا رب إن البشر مدح بعضهم بعضا ، وأطرى بعضهم على بعضا ، ورفع بعضهم بعضا ، ومدحنا وثناؤنا وتبجيلنا لك وحدك ، اللهم إنهم أملوا من ممدوحيهم ، جوائز وأوسمة النبي صلي الله عليه وسلم وعطايا وهدايا ، اللهم فاجعلنا أكثر منهم حظا بجوائزك ، وأوسمتك ، وعطاياك، وهداياك .



اللهم إنا رأينا من ركن إلى محبوبه ، وأنس بمرغوبة ، وفزع إلى قريبه ، واعتمد على صاحبه ، اللهم اليك فزعنا ، وعليك ركنا ، وبك وثقنا ، وعليك اعتمدنا ، اللهم اجعلنا أسعد بك من القريب بقريبه ، ومن الصاحب بصاحبه ، ومن المولى بسيده .

اللهم إنا رأينا الرؤوس تخضع لسواك ، والجباه تسجد لغيرك ، والألسنة تقدس البشر ، فغضبنا لذلك ، وأزعجنا ذلك ، فلك خضعت رؤوسنا ، وسجدت جباهنا ، وذلت رقابنا ، اللهم إنا نسألك الغنى يوم الفقر ، والعز يوم الذل والنجاة يوم التغابن .

اللهم أخلص النية ، واصلح الذرية ، ووفق الراعي والرعية ، نسألك رضى لا يكدره سخط ، وسرورا لا يشوبه حزن ، وفرحة لا ينغصها ترحة ، وسعادة لا يعكرها شقاء .

سبحانك ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .

سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، وأستغفرك وأتوب اليك .

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .

***



عائض القرني

15/11/1422هـ





الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى