- علاء الدينمشرف منتدى كورة
- عدد الرسائل : 4847
العمر : 29
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 2776
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 01/06/2008
الأسباب الدافعة إلى عدم الاعتراف بالحق ، والتمادي على الباطل ، للعلامة المعلمي رحمه الله
الثلاثاء 08 يوليو 2008, 14:54
قال العلاّمةُ الشيخُ عبدُ الرّحمنِ بنُ يحي المعلميّ العُتميّ اليماني رحمه الله [1] ، متكلّمًا عن الأسبابِ الدّافعةِ إلى عدم الإعتراف بالحقّ بعد علمِه و تبيُّنِه ، و عن بواعثِ التّمادي على الباطلِ :
(( الدّينُ على درجاتٍ : كفٌّ عمّا نهُي عنه ، و عملٌ بما أُمر به ، و اعترافٌ بالحقّ ، واعتقادٌ له وعلمٌ به . ومخالفةُ الهوى للحقِّ في الكفّ واضحةٌ ، فإنّ عامَّة ما نهي عنه شهواتٌ و مستلذّاتٌ ، و قد لا يشتهي الإنسانُ الشّيءَ مِنْ ذلكَ لذاته ، ولكنّه يشتهيهِ لعارضٍ . و مخالفةُ الهوى للحقّ في العمل واضحةٌ ، لما فيه من الكُلفة و المشقّةِ .
و مخالفةُ الهوى للحقِّ في الإعترافِ بالحقّ من وجوهٍ: [2]
الأوّلُ : أنْ يرى الإنسانُ أنّ اعتراف بالحقّ يستلزمُ اعترَافَه بأنّه كان على باطلٍ [3] ، فالإنسان يَنشأُ على دينٍ أو اعتقادٍ أو مذهبٍ أو رأيٍ يتلقّاهُ من مربّيهِ ومعلّمهِ على أنّه حقٌّ ، فيكون عليه مدّةً ، ثمّ إذا تبيّن له أنّه باطلٌ شقَّ عليه أن يعترفَ بذلكَ ، وهكذا إذا كان آباؤه أو أجداده أو متبوعُه على شيءٍ ، ثمّ تبيّن له بطلانُه ، و ذلك أنه يرى أنّ نقصَهم مستلزمٌ لنَقصِه ، فاعترافُه بضلالهم أو خطأِهم إعترافٌ بنقصه ، حتى أنّك لترى المرأةَ في زماننا هذا إذا وقفتْ على بعض المسائلِ التي كان فيها خلافٌ بين أمّ المؤمنين عائشةَ و غيرِها منَ الصّحابة ، أخذتْ تحامي عن قولِ عائشةَ ، لا لشيءٍ ، إلا لأنّ عائشَةَ امرأةٌ مثلُها ، فتتوهّمُ أنّها إذا زعمت أنّ عائشة أصابتْ و أنّ مَنْ خالفها من الرّجالِ أخطأوا ، كان في ذلك إثباتُ فضيلة لعائشة على أولئك الرّجال ، فتكون تلك الفضيلةُ فضيلةً للنّساء على الرّجال مطلقًا ، فينالها حظٌّ من ذلك ، و بهذا يلوحُ لك سرُّ تعصّبِ العربي للعربي ، و الفارسي للفارسي ، و التركي للتركي ، وغير ذلك .حتى لقد يتعصّبُ الأعمى في عصرنا هذا للمَعَرّي ! .
الوجهُ الثّاني : أنْ يكونَ قدْ صارَ لهُ في الباطلِ جاهٌ و شهرةٌ و معيشةٌ ، فيشقُّ عليه أن يَعترفَ بأنّه باطلٌ فتذهبُ تلك الفوائدُ .
الوجه الثالثُ : الكِبْرُ ، يكونُ الإنسان على جهالةٍ أو باطلٍ ، فيجيءُ آخَرُ فيبيّنُ له الحُجّةَ ، فيرى أنّه إن اعترف كان معنى ذلك اعترافُه بأنّه ناقصٌ ، و أنّ ذلك الرّجلَ هو الذي هداهُ ، ولهذا ترى من المنتسبينَ إلى العلم من لا يشقُّ عليه الإعترافُ بالخطأ إذا كان الحقُّ تبيّنَ له ببحثه و نظره ، و يشقُّ عليه ذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّنَ له .
الوجهُ الرابعُ : الحسدُ ، و ذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّن الحقَّ فيرى أنّ اعترافَه بذلك الحقِّ يكون اعترافًا لذلك المُبيِّنِ بالفضل و العلم و الإصابةِ ، فيَعْظُم ذاك في عيون النّاس ، ولعلّه يتبَعه كثيرٌ منهم ، و إنّ لتجدُ [4] منَ المنتسبينَ إلى العلم من يحرصُ على تخطئةِ غيره من العلماءِ و لو بالباطل ، حسدًا منه لهم ، ومحاولةً لحطِّ منزلتهم عندَ النّاسِ . ))
--------------------------
[1] : في كتابه : " القائدُ إلى تصحيحِ العقائدِ " [ بتحقيق الشيخ الألباني رحمه الله و نشر المكتب الإسلامي ، ط 3 ، 1404 ]
[2] : أي : عدم اعتراف صاحب الهوى بالحقّ يكون من أسباب . [ أبو حاتم ]
[3] : كذا في الأصل ، ولعلّ الصوّاب : أن يرى الإنسان أنّ اعترافه بالحقّ ... [ أبو حاتم ]
[4] : كذا ، و الصّواب : و إنّك لتجد ... [ أبو حاتم ] .
................................................................................................................................................................
(( و مخالفةُ الهوى للحقِّ قد تكونُ لمشقَّةِ تحصيلهِ ، فإنّهُ يحتاجُ إلى البحثِ و النّظرِ ، و في ذلك مشقّةٌ ، و يحتاجُ إلى سؤالِ العلماءِ و الاستفادةِ منهم و في ذلك ما مرَّ في الاعتراف ، و يحتاج إلى لزومِ التّقوى طلباً للتّوفيقِ و الهدى و في ذلك ما فيهِ منَ المشقّةِ .
و قد تكونُ لكراهيةِ العلمِ و الاعتقاد نفسهِ و ذلك من وجهات [1] ، الأوّلُ ما تقدّمَ في الاعترافِ ، فإنّه كما يشقُّ على الإنسان أن يعترفَ ببعض ما قد تبيَّنَ له ، فكذلك يشقّ عليه أن يَتبيّنَ له ، فيشقُّ عليهِ أن يتبيّنَ بطلانَ دينه ، أو اعتقادِه ، أو مذهبِه ، أو رأيِه الذي نشأ عليه ؛ و اعتزَّ به و دعا إليه ، و ذبَّ عنه ، أو بطلانَ ما كان عليه آباؤُه و أجدادُه و أشياخُه ، ولا سيما عندما يلاحِظُ أنّه إن تبيّنَ له ذلك تبيّن أنّ الذين كان يُطريهم و يُعظِّمُهم ، ويُثني عليهم بأنهّم أهلُ الحقِّ و الإيمانِ و الهدى و العلم و التّحقيقِ ، هم على خلافِ ذلك ، و أنّ الذين يحَقرُهم و يذمُّهم و يسخَرُ منهم و ينسبُهم إلى الجهلِ و الضّلالِ و الكفرِ هم المحقّونَ [2] ، و حسبُك ما قصّهُ اللهُ عزّ و جلّ من قول المشركينَ ، قال تعالى : { وَ إِذْ قَالُوا اللّهُمَّ إنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بَعَذَابِ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] . فتجدُ ذَا الهوى كلّما عُرضَ عليه دليلٌ لمخالفيه أو ما يوهنُ دليلاً لأصحابهِ ، شقَّ عليه ذلك و اضطربَ و اغتاظَ و سارع إلى الشّغَبِ ، فيقول في دليل مخالفيه : هذه شبهةٌ باطلةٌ مخالفةٌ للتقطيعات [3] ، و هذا المذهبُ مذهبٌ باطلٌ لم يذهبْ إليه إلاّ أهلُ الزيغ و الضّلال ... ، و يؤكّدُ ذلك بالثّناءِ على مذهبه و أشياخِه ويُعدّدُ المشاهيرَ منهم ويُطريهم بالألفاظ الفخمةِ ، و الألفاظ الضّخمة ، و يَذكُر ما قيل في مناقبِهم و مثالبِ مخالفيهم ، و إن كان يعلمُ أنّه لا يصحُّ ، أو أنّه باطلٌ !
و من أوضحِ الأدلّة على غلبةِ الهوى على النّاس أنهم - كما تراهم - على أديانٍ مختلفة ، ومقالاتٍ متباينةٍ ، ومذاهبَ متفرّقةٍ ، وآراء متدافعةٍ ، ثمّ تراهم كما قال الله تبارك و تعالى : { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [ الرّوم : 32 ]
فلا تجدُ من ينشأُ على شيءٍ من ذلك و يثبتُ عليه ؛ يرجعُ عنه إلاّ القليل ، و هؤلاء القليل يكثر أن يكون أوّلَ ما بعثهم على الخروج عمّا كانوا عليه أغراضٌ دنيويةٌ . [4]
و من جهاتِ الهوى أن يتعلّقَ الاعتقادُ بعذاب الآخرة فتجدُ الإنسان يهوى أن لا يكون بعثٌ لئلاَّ يؤخذَ بذنوبه ، فإن علِمَ أنّه لا بدّ من البعثِ هَوِيَ أن لا يكون هناك عذابٌ ، فإن علم أنّه لا بدّ من العذاب هَوِيَ أن لا يكون على مثله عذاب كما هو قولُ المرجئةِ ، فإن علم أنّ العُصاةَ معذّبونَ هَوِيَ التوسّعَ في الشّفاعة ، وهكذا .
و من الجهاتِ أنّه إذا شقّ عليه عملٌ كالأمر بالمعروف و النّهيِ عنِ المنكر ، هوي عدمَ وجوبِه ، و إذا ما ابتُليَ بشيءٍ يشقُّ عليه أن يتركَهُ كشُرب المُسْكِرِ هوي عدمَ حُرمَتِه . و كما يهوى ما يخفّ عليه فكذلك يهوى ما يخفّ على من يميلُ إليه ، و ما يشتدُّ على من يكرهه ، فتجد القاضيَ و المفتِيَ هذا حالهُما . و منَ المنتسبين إلى العلمِ من يهوى ما يُعجب الأغنياءَ و أهلَ الدّنيا ، أو ما يعجب العامّة ليكون له جاهٌ عندهم و تُقبِلَ عليه الدنيا ، فما ظهرت بدعةٌ ، و هَوِيَها الرّؤساءُ و الأغنياءُ و أتباعهم إلا هَوِيَها و انتصرَ لها جمعٌ من المنتسبين إلى العلم ، ولعلّ كثيرًا ممّن يخالفها إنّما الباعثُ لهم على مخالفتها هوى آخرُ وافق الحقَّ ، فأمّا من لا يكون له هوى إلا اتّباعُ الحقّ فقليلٌ ، و لا سيما في الأزمنة المتأخّرة ، وهؤلاء القليل يقتصرونَ على أضعفِ الإيمان ، و هو الإنكارُ بقلوبهم و المسارَّةُ به فيما بينهم ، إلا منْ شاء اللهُ . )) انتهى ما أردتُ نقلَه من كلامهِ رحمه الله . من الصّفحة 12 إلى الصفحة 15 .
------------------------
[1] : كذا هي الكلمة في الأصل .
[2] : ما أحسن ما قال عليٌّ رضي الله عنه لابن الكوّاءِ : هل تدري ما قال الأوّلُ ؟ (( أحببْ حبيبَك هونًا ما ، عسى أن يكون بغيضَك يومًا ما ، وأبغضْ بغيضك هونًا ما ، عسى أن يكون حبيبَك يوما ما )) . [ رواه الإمامُ البخاري في الأدب المفرد ، قال العلّامة الألباني : حسن لغيره موقوفا ، وقد صحّ مرفوعا ، ( صحيح الأدب المفرد ً 360 ) ] .
[3] : لعلّها : القطعيات ، و الله أعلم .
[4] : اللهمّ سلّم سلّم .
منقول
(( الدّينُ على درجاتٍ : كفٌّ عمّا نهُي عنه ، و عملٌ بما أُمر به ، و اعترافٌ بالحقّ ، واعتقادٌ له وعلمٌ به . ومخالفةُ الهوى للحقِّ في الكفّ واضحةٌ ، فإنّ عامَّة ما نهي عنه شهواتٌ و مستلذّاتٌ ، و قد لا يشتهي الإنسانُ الشّيءَ مِنْ ذلكَ لذاته ، ولكنّه يشتهيهِ لعارضٍ . و مخالفةُ الهوى للحقّ في العمل واضحةٌ ، لما فيه من الكُلفة و المشقّةِ .
و مخالفةُ الهوى للحقِّ في الإعترافِ بالحقّ من وجوهٍ: [2]
الأوّلُ : أنْ يرى الإنسانُ أنّ اعتراف بالحقّ يستلزمُ اعترَافَه بأنّه كان على باطلٍ [3] ، فالإنسان يَنشأُ على دينٍ أو اعتقادٍ أو مذهبٍ أو رأيٍ يتلقّاهُ من مربّيهِ ومعلّمهِ على أنّه حقٌّ ، فيكون عليه مدّةً ، ثمّ إذا تبيّن له أنّه باطلٌ شقَّ عليه أن يعترفَ بذلكَ ، وهكذا إذا كان آباؤه أو أجداده أو متبوعُه على شيءٍ ، ثمّ تبيّن له بطلانُه ، و ذلك أنه يرى أنّ نقصَهم مستلزمٌ لنَقصِه ، فاعترافُه بضلالهم أو خطأِهم إعترافٌ بنقصه ، حتى أنّك لترى المرأةَ في زماننا هذا إذا وقفتْ على بعض المسائلِ التي كان فيها خلافٌ بين أمّ المؤمنين عائشةَ و غيرِها منَ الصّحابة ، أخذتْ تحامي عن قولِ عائشةَ ، لا لشيءٍ ، إلا لأنّ عائشَةَ امرأةٌ مثلُها ، فتتوهّمُ أنّها إذا زعمت أنّ عائشة أصابتْ و أنّ مَنْ خالفها من الرّجالِ أخطأوا ، كان في ذلك إثباتُ فضيلة لعائشة على أولئك الرّجال ، فتكون تلك الفضيلةُ فضيلةً للنّساء على الرّجال مطلقًا ، فينالها حظٌّ من ذلك ، و بهذا يلوحُ لك سرُّ تعصّبِ العربي للعربي ، و الفارسي للفارسي ، و التركي للتركي ، وغير ذلك .حتى لقد يتعصّبُ الأعمى في عصرنا هذا للمَعَرّي ! .
الوجهُ الثّاني : أنْ يكونَ قدْ صارَ لهُ في الباطلِ جاهٌ و شهرةٌ و معيشةٌ ، فيشقُّ عليه أن يَعترفَ بأنّه باطلٌ فتذهبُ تلك الفوائدُ .
الوجه الثالثُ : الكِبْرُ ، يكونُ الإنسان على جهالةٍ أو باطلٍ ، فيجيءُ آخَرُ فيبيّنُ له الحُجّةَ ، فيرى أنّه إن اعترف كان معنى ذلك اعترافُه بأنّه ناقصٌ ، و أنّ ذلك الرّجلَ هو الذي هداهُ ، ولهذا ترى من المنتسبينَ إلى العلم من لا يشقُّ عليه الإعترافُ بالخطأ إذا كان الحقُّ تبيّنَ له ببحثه و نظره ، و يشقُّ عليه ذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّنَ له .
الوجهُ الرابعُ : الحسدُ ، و ذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّن الحقَّ فيرى أنّ اعترافَه بذلك الحقِّ يكون اعترافًا لذلك المُبيِّنِ بالفضل و العلم و الإصابةِ ، فيَعْظُم ذاك في عيون النّاس ، ولعلّه يتبَعه كثيرٌ منهم ، و إنّ لتجدُ [4] منَ المنتسبينَ إلى العلم من يحرصُ على تخطئةِ غيره من العلماءِ و لو بالباطل ، حسدًا منه لهم ، ومحاولةً لحطِّ منزلتهم عندَ النّاسِ . ))
--------------------------
[1] : في كتابه : " القائدُ إلى تصحيحِ العقائدِ " [ بتحقيق الشيخ الألباني رحمه الله و نشر المكتب الإسلامي ، ط 3 ، 1404 ]
[2] : أي : عدم اعتراف صاحب الهوى بالحقّ يكون من أسباب . [ أبو حاتم ]
[3] : كذا في الأصل ، ولعلّ الصوّاب : أن يرى الإنسان أنّ اعترافه بالحقّ ... [ أبو حاتم ]
[4] : كذا ، و الصّواب : و إنّك لتجد ... [ أبو حاتم ] .
................................................................................................................................................................
(( و مخالفةُ الهوى للحقِّ قد تكونُ لمشقَّةِ تحصيلهِ ، فإنّهُ يحتاجُ إلى البحثِ و النّظرِ ، و في ذلك مشقّةٌ ، و يحتاجُ إلى سؤالِ العلماءِ و الاستفادةِ منهم و في ذلك ما مرَّ في الاعتراف ، و يحتاج إلى لزومِ التّقوى طلباً للتّوفيقِ و الهدى و في ذلك ما فيهِ منَ المشقّةِ .
و قد تكونُ لكراهيةِ العلمِ و الاعتقاد نفسهِ و ذلك من وجهات [1] ، الأوّلُ ما تقدّمَ في الاعترافِ ، فإنّه كما يشقُّ على الإنسان أن يعترفَ ببعض ما قد تبيَّنَ له ، فكذلك يشقّ عليه أن يَتبيّنَ له ، فيشقُّ عليهِ أن يتبيّنَ بطلانَ دينه ، أو اعتقادِه ، أو مذهبِه ، أو رأيِه الذي نشأ عليه ؛ و اعتزَّ به و دعا إليه ، و ذبَّ عنه ، أو بطلانَ ما كان عليه آباؤُه و أجدادُه و أشياخُه ، ولا سيما عندما يلاحِظُ أنّه إن تبيّنَ له ذلك تبيّن أنّ الذين كان يُطريهم و يُعظِّمُهم ، ويُثني عليهم بأنهّم أهلُ الحقِّ و الإيمانِ و الهدى و العلم و التّحقيقِ ، هم على خلافِ ذلك ، و أنّ الذين يحَقرُهم و يذمُّهم و يسخَرُ منهم و ينسبُهم إلى الجهلِ و الضّلالِ و الكفرِ هم المحقّونَ [2] ، و حسبُك ما قصّهُ اللهُ عزّ و جلّ من قول المشركينَ ، قال تعالى : { وَ إِذْ قَالُوا اللّهُمَّ إنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بَعَذَابِ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] . فتجدُ ذَا الهوى كلّما عُرضَ عليه دليلٌ لمخالفيه أو ما يوهنُ دليلاً لأصحابهِ ، شقَّ عليه ذلك و اضطربَ و اغتاظَ و سارع إلى الشّغَبِ ، فيقول في دليل مخالفيه : هذه شبهةٌ باطلةٌ مخالفةٌ للتقطيعات [3] ، و هذا المذهبُ مذهبٌ باطلٌ لم يذهبْ إليه إلاّ أهلُ الزيغ و الضّلال ... ، و يؤكّدُ ذلك بالثّناءِ على مذهبه و أشياخِه ويُعدّدُ المشاهيرَ منهم ويُطريهم بالألفاظ الفخمةِ ، و الألفاظ الضّخمة ، و يَذكُر ما قيل في مناقبِهم و مثالبِ مخالفيهم ، و إن كان يعلمُ أنّه لا يصحُّ ، أو أنّه باطلٌ !
و من أوضحِ الأدلّة على غلبةِ الهوى على النّاس أنهم - كما تراهم - على أديانٍ مختلفة ، ومقالاتٍ متباينةٍ ، ومذاهبَ متفرّقةٍ ، وآراء متدافعةٍ ، ثمّ تراهم كما قال الله تبارك و تعالى : { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [ الرّوم : 32 ]
فلا تجدُ من ينشأُ على شيءٍ من ذلك و يثبتُ عليه ؛ يرجعُ عنه إلاّ القليل ، و هؤلاء القليل يكثر أن يكون أوّلَ ما بعثهم على الخروج عمّا كانوا عليه أغراضٌ دنيويةٌ . [4]
و من جهاتِ الهوى أن يتعلّقَ الاعتقادُ بعذاب الآخرة فتجدُ الإنسان يهوى أن لا يكون بعثٌ لئلاَّ يؤخذَ بذنوبه ، فإن علِمَ أنّه لا بدّ من البعثِ هَوِيَ أن لا يكون هناك عذابٌ ، فإن علم أنّه لا بدّ من العذاب هَوِيَ أن لا يكون على مثله عذاب كما هو قولُ المرجئةِ ، فإن علم أنّ العُصاةَ معذّبونَ هَوِيَ التوسّعَ في الشّفاعة ، وهكذا .
و من الجهاتِ أنّه إذا شقّ عليه عملٌ كالأمر بالمعروف و النّهيِ عنِ المنكر ، هوي عدمَ وجوبِه ، و إذا ما ابتُليَ بشيءٍ يشقُّ عليه أن يتركَهُ كشُرب المُسْكِرِ هوي عدمَ حُرمَتِه . و كما يهوى ما يخفّ عليه فكذلك يهوى ما يخفّ على من يميلُ إليه ، و ما يشتدُّ على من يكرهه ، فتجد القاضيَ و المفتِيَ هذا حالهُما . و منَ المنتسبين إلى العلمِ من يهوى ما يُعجب الأغنياءَ و أهلَ الدّنيا ، أو ما يعجب العامّة ليكون له جاهٌ عندهم و تُقبِلَ عليه الدنيا ، فما ظهرت بدعةٌ ، و هَوِيَها الرّؤساءُ و الأغنياءُ و أتباعهم إلا هَوِيَها و انتصرَ لها جمعٌ من المنتسبين إلى العلم ، ولعلّ كثيرًا ممّن يخالفها إنّما الباعثُ لهم على مخالفتها هوى آخرُ وافق الحقَّ ، فأمّا من لا يكون له هوى إلا اتّباعُ الحقّ فقليلٌ ، و لا سيما في الأزمنة المتأخّرة ، وهؤلاء القليل يقتصرونَ على أضعفِ الإيمان ، و هو الإنكارُ بقلوبهم و المسارَّةُ به فيما بينهم ، إلا منْ شاء اللهُ . )) انتهى ما أردتُ نقلَه من كلامهِ رحمه الله . من الصّفحة 12 إلى الصفحة 15 .
------------------------
[1] : كذا هي الكلمة في الأصل .
[2] : ما أحسن ما قال عليٌّ رضي الله عنه لابن الكوّاءِ : هل تدري ما قال الأوّلُ ؟ (( أحببْ حبيبَك هونًا ما ، عسى أن يكون بغيضَك يومًا ما ، وأبغضْ بغيضك هونًا ما ، عسى أن يكون حبيبَك يوما ما )) . [ رواه الإمامُ البخاري في الأدب المفرد ، قال العلّامة الألباني : حسن لغيره موقوفا ، وقد صحّ مرفوعا ، ( صحيح الأدب المفرد ً 360 ) ] .
[3] : لعلّها : القطعيات ، و الله أعلم .
[4] : اللهمّ سلّم سلّم .
منقول
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى