- المسلمعضو خبير
- عدد الرسائل : 687
العمر : 43
الموقع : بورسعيد
البلد :
نقاط : 1007
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 01/07/2010
كيف دخلت النصرانيه الى اوروبا
الأحد 26 يونيو 2011, 16:17
بعد سلسله الانتصارات الباهره التى حققتها الدوله الاسلامييه على الدوله الرومانيه البيزنطيه الشرقيه وبعد ان تم فتح مدينه القدس وقف الجيش الاسلامى الرهيب تحت اسوار القسطنطينه بقياده البطل والفاتح الاسلامى العظيم سفيان بن عوف وفى الغرب بعد ان عبر الاسلام الى اوروبا وانتهت دوله القوط على يد الفاتح طارق بن زياد وسيده موسى بن النصير اهتزت اوروبا خوفا وولجا من هذا الرعب الحقيقى القادم من الشرق الاسلامى وهنا انتفضت اوروبا فى اعظم حمله تبشيريه الى شمال وغرب اوروبا فى قلب القبائل البربريه المتوحشه من الجرمانيه والفايكنج والقبائل السلافيه الوثنيه لتنشر الدين المسيحى لتواجه به الاسلام الذى طرق بابها بكل قوه وورحمه لينشر العدل والمساواه والحضاره بين تلك الأمم .
ولكن كيف دخلت النصرانيه الى اوروبا اصلا ؟.
فهيا بنا الى ذلك البحث القيم للدكتور المتألق والشيخ العالم سفر الحوالى .
دخول النصرانية إلى أوروبا
ذلك أنه في ظل الحضارة الجاهلية الأخيرة (الرومانية) اعتنقت أوروبا نصرانية بولس المنسوبة زوراً إلى المسيح عليه السلام حينما أعلن ذلك الامبراطور قسطنطين سنة (325م)، وانتقلت عاصمة الامبراطورية من روما إلى بيزنطة القسطنطينية .
ويشاء الله تعالى أن يلي ذلك مرحلة مفجعة من تاريخ أوروبا الغربية ، وهي المرحلة الممتدة من سنة (410م) -أي: تاريخ سقوط روما بأيدي البرابرة- إلى سنة (1210م) -أي: تاريخ ظهور أول ترجمة لكتب أرسطو في أوروبا - فكانت ثمانية قرون كاملة من التيه والضلال اصطلح المؤرخون الغربيون على تسميتها أو جزء منها "عصور الظلمات" وأفاضوا في الحديث عن الانحطاط الكامل حينئذ في الثقافة والعلم والفن؛ وكل جانب من جوانب الحياة إلا جانباً واحداً شذ عن ذلك وهو الدين، حيث توغلت النصرانية في الممالك البربرية الوثنية .
وكان ذلك العصر هو العصر الذهبي لانتشار النصرانية في أوروبا كلها، وأسست كنائس وأنظمة رهبانية جديدة
تطيرت أوروبا بانتقال العاصمة من روما إلى القسطنطينية الذي أعقبه الاجتياح البربري الكبير لـروما والامبراطورية الغربية، وحدث هذا التناقض الحاد في انهيارٍ كاملٍ حضارياً وعلمياً وانتشارٍ هائلٍ دينياً!!
وهذا ما أدى لأن يجاهر بعض المؤرخين، (ومنهم أكبر المؤرخين لتلك الفترة قاطبة: إدوارد جيبون ) بالقول: 'إن سبب انهيار الامبراطورية الغربية هو تحولها من الوثنية إلى النصرانية " وبالطبع لم تقل الشعوب الأوروبية حينئذ مثل هذا، ولكن في (اللاشعور) ارتبطت الوثنية بالحضارة والقوة، وارتبط الدين بالهزيمة والانحطاط، وهو ما كان له آثار بعيدة المدى في علاقة أوروبا بالدين[4] أعني: دينها.
# 3 - مواجهة أوروبا للإسلام
اضف للسلة العلمية
أما الإسلام فإنه لما كان الرومان عامة يعدون كل ما عداهم من الشعوب برابرة، ولما كان البابوات ورجال الكنيسة يعدون الإسلام وثنية فقد اتفق الموردان في النظرة القاتمة إلى العالم الإسلامي، وامتـزجت العنصرية القديمة بالحقد الديني الجديد.
# مقارنة بين الحضارتين الأوروبية والإسلامية
اضف للسلة العلمية
مع أننا لو انتقلنا إلى واقع الحياة الإسلامية حينئذ وعقدنا مقارنة بين الدينين والحضارتين لوجدنا البون شاسعاً والفرق بعيداً:
1- لم يكن لدى أوروبا مركز حضاري يمكن أن يسمى "مدينة"بالمفهوم السائد عن المدن فيما بعد، وأكبر ما كانت تعرفه هو بيزنطة وروما اللتان لم تكونا سوى قريتين متأخرتين؛ إذا قورنتا بالمدن العالمية آنذاك بغداد ، دمشق ، القاهرة ، قرطبة ... إلخ.[5]
2- لم يؤلف في أوروبا خلال تلك الحقبة الطويلة كتاب علمي على الإطلاق، في حين نجد الواحد من علماء المسلمين يكتب العشرات وربما المئات من المصنفات في فنون المعرفة جميعها.
وإذا كانت أوروبا تعد ظهور ترجمة كتب أرسطو بداية الخروج من عصر الظلمات، فإن الفضل عليها في ذلك يرجع إلى رجل ليس أوروبياً ولا نصرانياً، بل هو ابن رشد المتوفى سنة (1198م).
ومن هذا المنطلق العنصري وبتلك الرواسب الجاهلية انتقلت أوروبا ببطء -في مرحلة مفعمة بالمفاجئات والانكسارات الحادة- من عصر الظلمات البربري إلى عصر الظلمات الصناعي، وصولاً إلى المرحلة المعاصرة من الظلمات المتراكمة المسماة "عصر ما بعد الحداثة ".
واستمر القدر الإلهي ألا تعتنق أوروبا الإسلام، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [يونس:100] هذا مع أن أساس نهضتها كان إسلامياً، وأن العربية كانت لغة العلم فيها إلى القرن الثامن عشر، وأن جامعاتها إنما قامت محاكاة للجامعات الإسلامية.
وليت الأمر وقف عند هذا الحد غير أن ما فعلته أوروبا كان أفظع من مجرد التعصب لوثنيتها وترك الاهتداء بهدى الله؛ فقد تعدى ذلك إلى العدوان العسكري المتواصل أبداً على الإسلام وأهله، والوقوف الدائم مع كل عدو لهم وإن كان عابد حجر أو بقر!!
لقد كان إجحافاً أن تنظر أوروبا للمسلمين النظرة إلى البرابرة، والقوط، والنورمانديين، والفايكنج، بلا أدنى اختلاف، لكن أنكى منه أن تتداعى القارة طولاً وعرضاً شرقاً وغرباً، وتهب هبة رجل واحد لتحرير الأراضي المقدسة من البرابرة الجدد زعمت!!
# الصدمة الحضارية الأوروبية
اضف للسلة العلمية
وهكذا كانت الحملات الصليبية، وكانت الصدمة الحضارية التي لم تنسها أوروبا لحظة واحدة من عمرها:
أوروبا التي لا تعرف التمدن تحاصر مدناً -هي صغرى في محيط الحضارة الإسلامية- لكن بعضها يبلغ عشرة أضعاف روما عاصمة المتحضرين المقدسة!!
أوروبا التي لم تعرف العلم قروناً، بل لم تعرف كتاباً إلا الإنجيل ولا قارئاً إلا القسيس، تذهل للمكتبات الهائلة التي تختـزنها هذه المدن الصغرى من عامة وخاصة، وفي كل فنون المعرفة من الفلك إلى النقد الأدبي!!
أوروبا التي لا تستطيع أن تستغفر ربها أو تصلي له أو تقدم له قرباناً إلا بتوسط البابا وكهنته، ولا تستطيع أن تقرأ كتابها المقدس ولا تفسره أو تترجمه إلى لغة حية، تجد كتاب الله الأخير -القرآن- في الشرق الإسلامي المتحضر تتلوه الملايين في المساجد والبيوت، والكل يعبد رب العالمين بلا واسطة مخلوق!!
أوروبا التي يعيش (99%) من أهلها عبيداً ورقيق أرضٍ وفلاحين لا يستطيع أحدهم أن يتنفس الهواء خارج إقطاعيته، وإن حاول ذلك كان عقابه الكي بمياسم عريضة تطبع العبودية على جبينه مدى الحياة، تجد الناس في الشرق الإسلامي يعيشون ويتنقلون أحراراً في أرض الله الواسعة من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي ، ويتاجرون مع جنوب إفريقيا والدول الإسكندنافية وربما مع جزر الكاريـبي !!
أوروبا التي كان أفضل نموذج لوحداتها الإدارية هو حكومات "الكوميون" في إيطاليا ، تجد الشرق المسلم يعيش أرقى النظم الإدارية في ممالك تبلغ مساحتها مساحة القمر!!
أوروبا التي يحكمها الأباطرة حكماً استبدادياً مطلقاً، ويعتقد الرعايا أن القيصر من نسل الآلهة، وأن الله هو الذي أعطاه هذا الحق قدراً وشرعاً وأورثه لسلالته المقدسة، تفاجأ بالمسلمين وسلاطينهم من الترك تارة، ومن الكرد أخرى، ومن المماليك ثالثة، والكل بشر في نظر سائر البشر.[6]
أوروبا الغارقة في الهمجية والوحشية التي تحرق المخالفين وهم أحياء، وتتفنن في تعذيب المنشقين وإذلال المقهورين، ولا تعرف عهداً ولا ميثاقاً، تبهرها الأخلاق الإسلامية في الحرب والسلم سواء .[7]
أوروبا التي ما كانت تحسب العالم إلا أوروبا ، والتي تسمي الوصول إلى شيء من أطراف الشرق اكتشافاً[8] !! وظلت هكذا إلى القرن التاسع عشر، ففوجئت بالمسلمين يجوبون الدنيا شرقاً وغرباً تجاراً ورحالة ودعاة، بكل تواضع وهدوء، لقد وصلوا إلى أجزاء من شمال أوروبا قبل أن تعرفها أوروبا نفسها، هذا عدا العالم الشرقي الهائل السعة بالنسبة لها براً وبحراً[9] ، وما المساجد التي اكتشفت في جزر الكاريـبي وصرخ كولومبس حين رآها قائلاً: "يا إلهي!! حتى اليابان فيها مساجد؟!!" إلا أحد الشواهد الثابتة على هذا.
أوروبا التي كانت تتداوى بمركبات من الروث والبول وأشلاء الحشرات الميتة، تفاجأ بالعالم الإسلامي زاخراً بالمستشفيات والمعامل القائمة على منهج التجربة والاستقراء؛ مع الخبرة والحدس في التشريح والتشخيص والجراحة وتركيب الدواء، وكل ذلك مدون في موسوعات ضخمة ظلت المصدر الأول لنهضة الطب الحديث ولا تزال رافداً متجدداً له . [10]
وإجمالاً: ولدت أوروبا ولادة جديدة، ووجد لديها لأول مرة في تاريخها الشعور بأنها أمة واحدة تواجه عدواً أبدياً هو الإسلام، وكانت طفولتها في ذلك العصر الذي سمي "عصر النهضة" أو الانبعاث الذي تعمّدت ألا تجعله يبدأ تاريخياً بمعرفة الدين الرباني واكتشاف حضارته العظمى، بل بلحظة الإبحار العكسي إلى الجاهلية الإغريقية واكتشاف أرسطو .
# التناقضات الصارخة في الفكر الأوروبي
اضف للسلة العلمية
إن ولادة أوروبا في ظل الحروب الصليبية وشعورها بذاتها من خلالها هو الذي يفسر تلك التناقضات الصارخة التي يعيشها الفكر الغربي متمثلة في هذه المعادلات الصعبة:-
تعصب صليبي على الإسلام من بطرس الناسك إلى كلاوس ، [11] يوازيه داخلياً تمرد كامل على دين الصليب.
ازدراء مطلق للعصور الوسطى باعتبارها عصور إيمان، يوازيه تحيز فاضح لها إذا قورنت بنظيرها التاريخي في الإسلام!!
الحكم بالسذاجة والبدائية على الفكر الإغريقي باعتباره نقطة البداية في مسيرة الحضارة الغربية، يوازيه الحكم عليه بالعظمة والإبداع بالنسبة للحضارة الإسلامية.
ولقد صدق أحد المفكرين الغربيين حين قال في وصف هذه الحالة من التناقض: 'كانت أوروبا تعبد أرسطو وتلعنه في آنٍ واحدٍ' وهو التناقض الذي يدفع المسلمون ثمنه للحضارة الغربية إلى الآن.
ولئن كانت كتب أرسطو بمنـزلة الكوة الصغيرة التي نفذت منها أوروبا في انفلاتها من سجن الكنيسة المظلم فإنها لم توصلها إلى بر الأمان، بل إلى نفق الجاهلية الإغريقية التي لم تخرج منه إلا إلى صحراء القلق والضياع التي يصطلي الإنسان الغربي المعاصر بلهيبها.
# 4 - دعائم النهضة الأوروبية
اضف للسلة العلمية
ومع أننا لا ننسى إطلاقاً مسئولية الأمة الإسلامية في كل ما حدث ويحدث، فإننا سنتجاوز هذا لننظر نظرة مجردة كيف أصبح الوليد عملاقاً مارداً، أي: كيف تشكلت أوروبا الحديثة؟
وللإجابة الإجمالية على هذا نقول:
إن هناك اتفاقاً عاماً لدى مؤرخي الفكر الأوروبيين على أن النهضة الأوروبية قامت على دعائم -أو حركات- ثلاث:
1) النـزعة الإنسانية (Humanism) وإحياء الآداب القديمة أي: الانتكاس للجاهلية الإغريقية.
2) حركة الإصلاح الديني .
3) النظرة التجريبية.
وفي كل هذه الحركات نجد الأثر الإسلامي ظاهراً يوازي إن لم يـزد على الثورة العقلية الذاتية على خرافات الكنيسة، والرغبة الفطرية في التحرير من ظلمها واستبدادها، ومع هذا التوازي في الدوافع والأسباب استطاعت أوروبا بدهاء شيطاني أن تحتفظ بأسبابها الذاتية وتمدها إلى نهايات بعيدة، أما الخط الآخر فأسدلت عليه حجباً كثيفة من الإهمال والتناسي.
# تأثير الحضارة الإسلامية في النزعة الإنسانية
اضف للسلة العلمية
فالنزعة الإنسانية مدينة كلياً للحضارة الإسلامية، ولا ينحصر ذلك في الأثر الأدبي -اقتباس أبرز ممثليها وهو دانتي من أبي العلاء وابن طفيل - بل يشمل العصر كله، حتى أن الامبراطور فردريك الثاني وهو أكبر أباطرة القرون الوسطى بإطلاق، ويعتبر لدى بعض المفكرين أول المحدثين ورائد النهضة،كان يتكلم العربية وكان بلاطه عربي العلم واللسان، حتى أنه حينما قابل الملك الكامل الأيوبي للصلح لم يحتج إلى مترجم، ولهذا اتهمته الكنيسة بالإسلام وسمته الزنديق الأعظم!! . [12]
# تأثر حركة الإصلاح الديني بالتعاليم الإسلامية
اضف للسلة العلمية
أما حركة الإصلاح الديني فلم تولد مع "لوثر " و"كالفن "، بل لها جذور عميقة الصلة بالإسلام لا يستطيع أي باحث أوروبي أن يغفلها مهما قلل من شأنها، ومنها (حركة تحطيم الصور والتماثيل ) التي اجتاحت الامبراطورية البيزنطية في أوائل القرن الثامن الميلادي - أي بعد قرن تقريباً من ظهور الإسلام -، وممن آمن بذلك وأصدر مرسوماً عاماً به الامبراطور "ليو الثالث " [13] .
صحيح أن التوراة حرمت ذلك،[14] ولكن الكنيسة أحلته فيما حرفت من شريعة الله ووصاياه، وكل ما فعلته تحويل الناس من تصوير العظماء الدنيويين إلى تصوير المسيح وأمه والقديسين عندها.
# سبق المسلمين في المنهج التجريبي
اضف للسلة العلمية
أما التجريب الذي تعزى إليه نهضة أوروبا العلمية عامة، فإن باعثه الظاهري هو التساؤل العقلي الذي افترقت عليه الفلسفة القديمة وهو: أيهما أصدق الفكر المجرد أم التجربة الحسية؟.
ولم يكن صعود "جاليليو " إلى البرج وإسقاط جسمين متماثلين في الوزن إلا تدليلاً على بطلان قول أرسطو في ذلك[15]
ومن هنا فإن الفكر الإسلامي -السني خاصة- الذي رفض فكر أرسطو رفضاً مطلقاً، ودعا -وفقاً لصريح القرآن- إلى نبذ تقليد السالفين، والتأمل في ملكوت السماوات والأرض، والنظر في آيات الله الآفاقية والنفسية هو أصل تقدم الإنسانية الحالي كلها، وما فعله "جاليليو " بالنسبة لحركة الأجرام السماوية ما هو إلا جزء من الأثر السني الذي شمل العالم، وصرع المنطق الصوري الإغريقي في الشرق قبل أن تتخلص أوروبا منه بعدة قرون[16]
# 5 - الأدب في أوروبا
اضف للسلة العلمية
وعلى أية حال انطلقت أوروبا في نهضتها بعيداً عن الدين، وسوف نتتبع خط سيرها مقتصرين على الجانب المقصود بالذات وهو: (الأدب والفن) الذي تنعكس على صفحات محيطه المتماوج الأوجه المتعاورة لـأوروبا في مراحلها التاريخية المتتالية.
# جمود الأدب في أوروبا
اضف للسلة العلمية
كان جمود الآداب جزءاً من الجمود المطلق في ظل الكنيسة، حيث كان العلم -وبالأصح معرفة القراءة والكتابة- منحصراً في رجال الدين، وأسوأ من ذلك أنه كان بلغة ميتة "اللاتينية"، وهي لغة معقدة الأسلوب والقواعد في حين كانت أوروبا تتكلم لهجات كثيرة متباينة.
أما المعايير الفنية للأدب والبلاغة والشعر والمسرح فكلها مصفَّدة بآراء أرسطو ونظرياته، وغاية العبقرية والإبداع والتجديد أن يستنبط الأديب أو الناقد من كلام أرسطو شيئاً أو يفرع عليه آخر، أما الخروج عليه فهو المحال.
فالملحمة -وهي التي ينعى الأوروبيون على أدبنا العربي خلوّه منها- ظلت خلال القرون الوسطى والعصر الحديث محكومة بتلك القواعد المتـزمتة والتقاليد الثابتة، ومنها ضرورة الاستهلال بالتضرع إلى أرباب الشعر مثل: كليوبي ، فالشاعر الإغريقي هوميروس يتضرع إليها في ملحمته، وكذا تضرع صنوه هزيود ، وعلى إثرهما نجد "دانتي " المسيحي يتضرع إلى أبولو (إله الشعر) في الكوميديا، وكذلك تضرع ميلتون إلى أورانيا (ربة علم الفلك) في ملحمته الفردوس المفقود !! تعالى الله عما يشركون.
وفي الشعر نجد التقيد المطلق بما ورثه القدماء في المضمون والشكل، ومن ذلك الالتـزام بالمقاطع وعدد الأبيات في كل مقطع وعدد التفعيلات -أيضاً- أما النقد فكان ما قرره أرسطو هو المعيار الدقيق، وكانت المحاكمات الأدبية تتخذ كلامه دستوراً.
وهكذا لم تكن الكلاسيكية إلا تعبيراً واضحاً عن اعتقاد أوروبا الكمال المطلق لعمالقة الفكر الإغريقي، وعلى رأسهم أرسطو .
# ظهور الحركة الأدبية ضد الكنيسة
اضف للسلة العلمية
والمهم أن أوروبا النصرانية قدست اللاتينية تقديسها للنص الديني نفسه، وقدست معايير أرسطو الفنية تقديسها لعلم الكلام الكنسي المنقول عن الفكر الإغريقي.
ومن هنا كانت الحركة الأدبية المتحررة موسومة منذ البداية بالإلحاد والزندقة، وكان لابد لدعاتها من التسلح بقدر كبير من المغامرة والجرأة.
إنه ليس تحرراً من القيود الأدبية ولكنه تحرر من القبضة الكنسية الجائرة.
وكانت الزحزحة الأولى حيث ظهر حدثان أدبيان كبيران:-
أولهما: الكوميديا الإلهية للشاعر الإيطالي دانتي 1321م أبرز رواد عصر النهضة -معه مثل: بتراك ، دافينشي ، تشوسر ، مايكل أنجلو -؛ وبذلك سجلت أوروبا كما يقول برتراند رسل : "وثيقة التحرر الأولى!!'.
أما وثيقة التحرر الأخرى: وهي أعظم من الأولى فكانت على يد المصلح الكنسي "مارتن لوثر "، ذلك المتدين الثائر الذي هاله ما رأى من فظائع البابوية، فكتب وثيقة الاحتجاج المشهورة سنة (1517م) وجعلها خمسة وتسعين بنداً وعلقها على مدخل كنيسة ويتنبرج ، وليست هذه هي وثيقة التحرر التي نريد هنا ولكنها انبثقت منها.[17] .
إلا أن أحداً من الناس حينئذ لم يطلق على هذا اسم الحداثة (موديرنـزم) بمصطلحها الأدبي، ذلك أن الخلاف بين لوثر والكنيسة أكبر من أن يكون في الأدب أو اللغة.
وظهر بعد اللوثرية مذاهب وألوان دينية جديدة لاسيما في القرن السابع عشر، وكان من أهم أسباب ظهورها انتشار الإنجيل بلغات حية كثيرة، فدخل الجميع من الباب الذي فتحه لوثر ومنها (الكالفينية = كالفن ) (الجزويت = أجناثيوس ) (الكويكرز = جورج فوكس ) (الويزلية = جون ويزلي )، ومع أنها اتجهت كلها تقريباً لمحاربة الكنيسة الكاثوليكية أو مخالفتها، فقد برزت في المقابل محاولات لإعادة الوحدة الدينية لـأوروبا .
ولكن كيف دخلت النصرانيه الى اوروبا اصلا ؟.
فهيا بنا الى ذلك البحث القيم للدكتور المتألق والشيخ العالم سفر الحوالى .
دخول النصرانية إلى أوروبا
ذلك أنه في ظل الحضارة الجاهلية الأخيرة (الرومانية) اعتنقت أوروبا نصرانية بولس المنسوبة زوراً إلى المسيح عليه السلام حينما أعلن ذلك الامبراطور قسطنطين سنة (325م)، وانتقلت عاصمة الامبراطورية من روما إلى بيزنطة القسطنطينية .
ويشاء الله تعالى أن يلي ذلك مرحلة مفجعة من تاريخ أوروبا الغربية ، وهي المرحلة الممتدة من سنة (410م) -أي: تاريخ سقوط روما بأيدي البرابرة- إلى سنة (1210م) -أي: تاريخ ظهور أول ترجمة لكتب أرسطو في أوروبا - فكانت ثمانية قرون كاملة من التيه والضلال اصطلح المؤرخون الغربيون على تسميتها أو جزء منها "عصور الظلمات" وأفاضوا في الحديث عن الانحطاط الكامل حينئذ في الثقافة والعلم والفن؛ وكل جانب من جوانب الحياة إلا جانباً واحداً شذ عن ذلك وهو الدين، حيث توغلت النصرانية في الممالك البربرية الوثنية .
وكان ذلك العصر هو العصر الذهبي لانتشار النصرانية في أوروبا كلها، وأسست كنائس وأنظمة رهبانية جديدة
تطيرت أوروبا بانتقال العاصمة من روما إلى القسطنطينية الذي أعقبه الاجتياح البربري الكبير لـروما والامبراطورية الغربية، وحدث هذا التناقض الحاد في انهيارٍ كاملٍ حضارياً وعلمياً وانتشارٍ هائلٍ دينياً!!
وهذا ما أدى لأن يجاهر بعض المؤرخين، (ومنهم أكبر المؤرخين لتلك الفترة قاطبة: إدوارد جيبون ) بالقول: 'إن سبب انهيار الامبراطورية الغربية هو تحولها من الوثنية إلى النصرانية " وبالطبع لم تقل الشعوب الأوروبية حينئذ مثل هذا، ولكن في (اللاشعور) ارتبطت الوثنية بالحضارة والقوة، وارتبط الدين بالهزيمة والانحطاط، وهو ما كان له آثار بعيدة المدى في علاقة أوروبا بالدين[4] أعني: دينها.
# 3 - مواجهة أوروبا للإسلام
اضف للسلة العلمية
أما الإسلام فإنه لما كان الرومان عامة يعدون كل ما عداهم من الشعوب برابرة، ولما كان البابوات ورجال الكنيسة يعدون الإسلام وثنية فقد اتفق الموردان في النظرة القاتمة إلى العالم الإسلامي، وامتـزجت العنصرية القديمة بالحقد الديني الجديد.
# مقارنة بين الحضارتين الأوروبية والإسلامية
اضف للسلة العلمية
مع أننا لو انتقلنا إلى واقع الحياة الإسلامية حينئذ وعقدنا مقارنة بين الدينين والحضارتين لوجدنا البون شاسعاً والفرق بعيداً:
1- لم يكن لدى أوروبا مركز حضاري يمكن أن يسمى "مدينة"بالمفهوم السائد عن المدن فيما بعد، وأكبر ما كانت تعرفه هو بيزنطة وروما اللتان لم تكونا سوى قريتين متأخرتين؛ إذا قورنتا بالمدن العالمية آنذاك بغداد ، دمشق ، القاهرة ، قرطبة ... إلخ.[5]
2- لم يؤلف في أوروبا خلال تلك الحقبة الطويلة كتاب علمي على الإطلاق، في حين نجد الواحد من علماء المسلمين يكتب العشرات وربما المئات من المصنفات في فنون المعرفة جميعها.
وإذا كانت أوروبا تعد ظهور ترجمة كتب أرسطو بداية الخروج من عصر الظلمات، فإن الفضل عليها في ذلك يرجع إلى رجل ليس أوروبياً ولا نصرانياً، بل هو ابن رشد المتوفى سنة (1198م).
ومن هذا المنطلق العنصري وبتلك الرواسب الجاهلية انتقلت أوروبا ببطء -في مرحلة مفعمة بالمفاجئات والانكسارات الحادة- من عصر الظلمات البربري إلى عصر الظلمات الصناعي، وصولاً إلى المرحلة المعاصرة من الظلمات المتراكمة المسماة "عصر ما بعد الحداثة ".
واستمر القدر الإلهي ألا تعتنق أوروبا الإسلام، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [يونس:100] هذا مع أن أساس نهضتها كان إسلامياً، وأن العربية كانت لغة العلم فيها إلى القرن الثامن عشر، وأن جامعاتها إنما قامت محاكاة للجامعات الإسلامية.
وليت الأمر وقف عند هذا الحد غير أن ما فعلته أوروبا كان أفظع من مجرد التعصب لوثنيتها وترك الاهتداء بهدى الله؛ فقد تعدى ذلك إلى العدوان العسكري المتواصل أبداً على الإسلام وأهله، والوقوف الدائم مع كل عدو لهم وإن كان عابد حجر أو بقر!!
لقد كان إجحافاً أن تنظر أوروبا للمسلمين النظرة إلى البرابرة، والقوط، والنورمانديين، والفايكنج، بلا أدنى اختلاف، لكن أنكى منه أن تتداعى القارة طولاً وعرضاً شرقاً وغرباً، وتهب هبة رجل واحد لتحرير الأراضي المقدسة من البرابرة الجدد زعمت!!
# الصدمة الحضارية الأوروبية
اضف للسلة العلمية
وهكذا كانت الحملات الصليبية، وكانت الصدمة الحضارية التي لم تنسها أوروبا لحظة واحدة من عمرها:
أوروبا التي لا تعرف التمدن تحاصر مدناً -هي صغرى في محيط الحضارة الإسلامية- لكن بعضها يبلغ عشرة أضعاف روما عاصمة المتحضرين المقدسة!!
أوروبا التي لم تعرف العلم قروناً، بل لم تعرف كتاباً إلا الإنجيل ولا قارئاً إلا القسيس، تذهل للمكتبات الهائلة التي تختـزنها هذه المدن الصغرى من عامة وخاصة، وفي كل فنون المعرفة من الفلك إلى النقد الأدبي!!
أوروبا التي لا تستطيع أن تستغفر ربها أو تصلي له أو تقدم له قرباناً إلا بتوسط البابا وكهنته، ولا تستطيع أن تقرأ كتابها المقدس ولا تفسره أو تترجمه إلى لغة حية، تجد كتاب الله الأخير -القرآن- في الشرق الإسلامي المتحضر تتلوه الملايين في المساجد والبيوت، والكل يعبد رب العالمين بلا واسطة مخلوق!!
أوروبا التي يعيش (99%) من أهلها عبيداً ورقيق أرضٍ وفلاحين لا يستطيع أحدهم أن يتنفس الهواء خارج إقطاعيته، وإن حاول ذلك كان عقابه الكي بمياسم عريضة تطبع العبودية على جبينه مدى الحياة، تجد الناس في الشرق الإسلامي يعيشون ويتنقلون أحراراً في أرض الله الواسعة من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي ، ويتاجرون مع جنوب إفريقيا والدول الإسكندنافية وربما مع جزر الكاريـبي !!
أوروبا التي كان أفضل نموذج لوحداتها الإدارية هو حكومات "الكوميون" في إيطاليا ، تجد الشرق المسلم يعيش أرقى النظم الإدارية في ممالك تبلغ مساحتها مساحة القمر!!
أوروبا التي يحكمها الأباطرة حكماً استبدادياً مطلقاً، ويعتقد الرعايا أن القيصر من نسل الآلهة، وأن الله هو الذي أعطاه هذا الحق قدراً وشرعاً وأورثه لسلالته المقدسة، تفاجأ بالمسلمين وسلاطينهم من الترك تارة، ومن الكرد أخرى، ومن المماليك ثالثة، والكل بشر في نظر سائر البشر.[6]
أوروبا الغارقة في الهمجية والوحشية التي تحرق المخالفين وهم أحياء، وتتفنن في تعذيب المنشقين وإذلال المقهورين، ولا تعرف عهداً ولا ميثاقاً، تبهرها الأخلاق الإسلامية في الحرب والسلم سواء .[7]
أوروبا التي ما كانت تحسب العالم إلا أوروبا ، والتي تسمي الوصول إلى شيء من أطراف الشرق اكتشافاً[8] !! وظلت هكذا إلى القرن التاسع عشر، ففوجئت بالمسلمين يجوبون الدنيا شرقاً وغرباً تجاراً ورحالة ودعاة، بكل تواضع وهدوء، لقد وصلوا إلى أجزاء من شمال أوروبا قبل أن تعرفها أوروبا نفسها، هذا عدا العالم الشرقي الهائل السعة بالنسبة لها براً وبحراً[9] ، وما المساجد التي اكتشفت في جزر الكاريـبي وصرخ كولومبس حين رآها قائلاً: "يا إلهي!! حتى اليابان فيها مساجد؟!!" إلا أحد الشواهد الثابتة على هذا.
أوروبا التي كانت تتداوى بمركبات من الروث والبول وأشلاء الحشرات الميتة، تفاجأ بالعالم الإسلامي زاخراً بالمستشفيات والمعامل القائمة على منهج التجربة والاستقراء؛ مع الخبرة والحدس في التشريح والتشخيص والجراحة وتركيب الدواء، وكل ذلك مدون في موسوعات ضخمة ظلت المصدر الأول لنهضة الطب الحديث ولا تزال رافداً متجدداً له . [10]
وإجمالاً: ولدت أوروبا ولادة جديدة، ووجد لديها لأول مرة في تاريخها الشعور بأنها أمة واحدة تواجه عدواً أبدياً هو الإسلام، وكانت طفولتها في ذلك العصر الذي سمي "عصر النهضة" أو الانبعاث الذي تعمّدت ألا تجعله يبدأ تاريخياً بمعرفة الدين الرباني واكتشاف حضارته العظمى، بل بلحظة الإبحار العكسي إلى الجاهلية الإغريقية واكتشاف أرسطو .
# التناقضات الصارخة في الفكر الأوروبي
اضف للسلة العلمية
إن ولادة أوروبا في ظل الحروب الصليبية وشعورها بذاتها من خلالها هو الذي يفسر تلك التناقضات الصارخة التي يعيشها الفكر الغربي متمثلة في هذه المعادلات الصعبة:-
تعصب صليبي على الإسلام من بطرس الناسك إلى كلاوس ، [11] يوازيه داخلياً تمرد كامل على دين الصليب.
ازدراء مطلق للعصور الوسطى باعتبارها عصور إيمان، يوازيه تحيز فاضح لها إذا قورنت بنظيرها التاريخي في الإسلام!!
الحكم بالسذاجة والبدائية على الفكر الإغريقي باعتباره نقطة البداية في مسيرة الحضارة الغربية، يوازيه الحكم عليه بالعظمة والإبداع بالنسبة للحضارة الإسلامية.
ولقد صدق أحد المفكرين الغربيين حين قال في وصف هذه الحالة من التناقض: 'كانت أوروبا تعبد أرسطو وتلعنه في آنٍ واحدٍ' وهو التناقض الذي يدفع المسلمون ثمنه للحضارة الغربية إلى الآن.
ولئن كانت كتب أرسطو بمنـزلة الكوة الصغيرة التي نفذت منها أوروبا في انفلاتها من سجن الكنيسة المظلم فإنها لم توصلها إلى بر الأمان، بل إلى نفق الجاهلية الإغريقية التي لم تخرج منه إلا إلى صحراء القلق والضياع التي يصطلي الإنسان الغربي المعاصر بلهيبها.
# 4 - دعائم النهضة الأوروبية
اضف للسلة العلمية
ومع أننا لا ننسى إطلاقاً مسئولية الأمة الإسلامية في كل ما حدث ويحدث، فإننا سنتجاوز هذا لننظر نظرة مجردة كيف أصبح الوليد عملاقاً مارداً، أي: كيف تشكلت أوروبا الحديثة؟
وللإجابة الإجمالية على هذا نقول:
إن هناك اتفاقاً عاماً لدى مؤرخي الفكر الأوروبيين على أن النهضة الأوروبية قامت على دعائم -أو حركات- ثلاث:
1) النـزعة الإنسانية (Humanism) وإحياء الآداب القديمة أي: الانتكاس للجاهلية الإغريقية.
2) حركة الإصلاح الديني .
3) النظرة التجريبية.
وفي كل هذه الحركات نجد الأثر الإسلامي ظاهراً يوازي إن لم يـزد على الثورة العقلية الذاتية على خرافات الكنيسة، والرغبة الفطرية في التحرير من ظلمها واستبدادها، ومع هذا التوازي في الدوافع والأسباب استطاعت أوروبا بدهاء شيطاني أن تحتفظ بأسبابها الذاتية وتمدها إلى نهايات بعيدة، أما الخط الآخر فأسدلت عليه حجباً كثيفة من الإهمال والتناسي.
# تأثير الحضارة الإسلامية في النزعة الإنسانية
اضف للسلة العلمية
فالنزعة الإنسانية مدينة كلياً للحضارة الإسلامية، ولا ينحصر ذلك في الأثر الأدبي -اقتباس أبرز ممثليها وهو دانتي من أبي العلاء وابن طفيل - بل يشمل العصر كله، حتى أن الامبراطور فردريك الثاني وهو أكبر أباطرة القرون الوسطى بإطلاق، ويعتبر لدى بعض المفكرين أول المحدثين ورائد النهضة،كان يتكلم العربية وكان بلاطه عربي العلم واللسان، حتى أنه حينما قابل الملك الكامل الأيوبي للصلح لم يحتج إلى مترجم، ولهذا اتهمته الكنيسة بالإسلام وسمته الزنديق الأعظم!! . [12]
# تأثر حركة الإصلاح الديني بالتعاليم الإسلامية
اضف للسلة العلمية
أما حركة الإصلاح الديني فلم تولد مع "لوثر " و"كالفن "، بل لها جذور عميقة الصلة بالإسلام لا يستطيع أي باحث أوروبي أن يغفلها مهما قلل من شأنها، ومنها (حركة تحطيم الصور والتماثيل ) التي اجتاحت الامبراطورية البيزنطية في أوائل القرن الثامن الميلادي - أي بعد قرن تقريباً من ظهور الإسلام -، وممن آمن بذلك وأصدر مرسوماً عاماً به الامبراطور "ليو الثالث " [13] .
صحيح أن التوراة حرمت ذلك،[14] ولكن الكنيسة أحلته فيما حرفت من شريعة الله ووصاياه، وكل ما فعلته تحويل الناس من تصوير العظماء الدنيويين إلى تصوير المسيح وأمه والقديسين عندها.
# سبق المسلمين في المنهج التجريبي
اضف للسلة العلمية
أما التجريب الذي تعزى إليه نهضة أوروبا العلمية عامة، فإن باعثه الظاهري هو التساؤل العقلي الذي افترقت عليه الفلسفة القديمة وهو: أيهما أصدق الفكر المجرد أم التجربة الحسية؟.
ولم يكن صعود "جاليليو " إلى البرج وإسقاط جسمين متماثلين في الوزن إلا تدليلاً على بطلان قول أرسطو في ذلك[15]
ومن هنا فإن الفكر الإسلامي -السني خاصة- الذي رفض فكر أرسطو رفضاً مطلقاً، ودعا -وفقاً لصريح القرآن- إلى نبذ تقليد السالفين، والتأمل في ملكوت السماوات والأرض، والنظر في آيات الله الآفاقية والنفسية هو أصل تقدم الإنسانية الحالي كلها، وما فعله "جاليليو " بالنسبة لحركة الأجرام السماوية ما هو إلا جزء من الأثر السني الذي شمل العالم، وصرع المنطق الصوري الإغريقي في الشرق قبل أن تتخلص أوروبا منه بعدة قرون[16]
# 5 - الأدب في أوروبا
اضف للسلة العلمية
وعلى أية حال انطلقت أوروبا في نهضتها بعيداً عن الدين، وسوف نتتبع خط سيرها مقتصرين على الجانب المقصود بالذات وهو: (الأدب والفن) الذي تنعكس على صفحات محيطه المتماوج الأوجه المتعاورة لـأوروبا في مراحلها التاريخية المتتالية.
# جمود الأدب في أوروبا
اضف للسلة العلمية
كان جمود الآداب جزءاً من الجمود المطلق في ظل الكنيسة، حيث كان العلم -وبالأصح معرفة القراءة والكتابة- منحصراً في رجال الدين، وأسوأ من ذلك أنه كان بلغة ميتة "اللاتينية"، وهي لغة معقدة الأسلوب والقواعد في حين كانت أوروبا تتكلم لهجات كثيرة متباينة.
أما المعايير الفنية للأدب والبلاغة والشعر والمسرح فكلها مصفَّدة بآراء أرسطو ونظرياته، وغاية العبقرية والإبداع والتجديد أن يستنبط الأديب أو الناقد من كلام أرسطو شيئاً أو يفرع عليه آخر، أما الخروج عليه فهو المحال.
فالملحمة -وهي التي ينعى الأوروبيون على أدبنا العربي خلوّه منها- ظلت خلال القرون الوسطى والعصر الحديث محكومة بتلك القواعد المتـزمتة والتقاليد الثابتة، ومنها ضرورة الاستهلال بالتضرع إلى أرباب الشعر مثل: كليوبي ، فالشاعر الإغريقي هوميروس يتضرع إليها في ملحمته، وكذا تضرع صنوه هزيود ، وعلى إثرهما نجد "دانتي " المسيحي يتضرع إلى أبولو (إله الشعر) في الكوميديا، وكذلك تضرع ميلتون إلى أورانيا (ربة علم الفلك) في ملحمته الفردوس المفقود !! تعالى الله عما يشركون.
وفي الشعر نجد التقيد المطلق بما ورثه القدماء في المضمون والشكل، ومن ذلك الالتـزام بالمقاطع وعدد الأبيات في كل مقطع وعدد التفعيلات -أيضاً- أما النقد فكان ما قرره أرسطو هو المعيار الدقيق، وكانت المحاكمات الأدبية تتخذ كلامه دستوراً.
وهكذا لم تكن الكلاسيكية إلا تعبيراً واضحاً عن اعتقاد أوروبا الكمال المطلق لعمالقة الفكر الإغريقي، وعلى رأسهم أرسطو .
# ظهور الحركة الأدبية ضد الكنيسة
اضف للسلة العلمية
والمهم أن أوروبا النصرانية قدست اللاتينية تقديسها للنص الديني نفسه، وقدست معايير أرسطو الفنية تقديسها لعلم الكلام الكنسي المنقول عن الفكر الإغريقي.
ومن هنا كانت الحركة الأدبية المتحررة موسومة منذ البداية بالإلحاد والزندقة، وكان لابد لدعاتها من التسلح بقدر كبير من المغامرة والجرأة.
إنه ليس تحرراً من القيود الأدبية ولكنه تحرر من القبضة الكنسية الجائرة.
وكانت الزحزحة الأولى حيث ظهر حدثان أدبيان كبيران:-
أولهما: الكوميديا الإلهية للشاعر الإيطالي دانتي 1321م أبرز رواد عصر النهضة -معه مثل: بتراك ، دافينشي ، تشوسر ، مايكل أنجلو -؛ وبذلك سجلت أوروبا كما يقول برتراند رسل : "وثيقة التحرر الأولى!!'.
أما وثيقة التحرر الأخرى: وهي أعظم من الأولى فكانت على يد المصلح الكنسي "مارتن لوثر "، ذلك المتدين الثائر الذي هاله ما رأى من فظائع البابوية، فكتب وثيقة الاحتجاج المشهورة سنة (1517م) وجعلها خمسة وتسعين بنداً وعلقها على مدخل كنيسة ويتنبرج ، وليست هذه هي وثيقة التحرر التي نريد هنا ولكنها انبثقت منها.[17] .
إلا أن أحداً من الناس حينئذ لم يطلق على هذا اسم الحداثة (موديرنـزم) بمصطلحها الأدبي، ذلك أن الخلاف بين لوثر والكنيسة أكبر من أن يكون في الأدب أو اللغة.
وظهر بعد اللوثرية مذاهب وألوان دينية جديدة لاسيما في القرن السابع عشر، وكان من أهم أسباب ظهورها انتشار الإنجيل بلغات حية كثيرة، فدخل الجميع من الباب الذي فتحه لوثر ومنها (الكالفينية = كالفن ) (الجزويت = أجناثيوس ) (الكويكرز = جورج فوكس ) (الويزلية = جون ويزلي )، ومع أنها اتجهت كلها تقريباً لمحاربة الكنيسة الكاثوليكية أو مخالفتها، فقد برزت في المقابل محاولات لإعادة الوحدة الدينية لـأوروبا .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى