- المحترفمشرف منتدى أخبار و تاريخ مستغانم
- عدد الرسائل : 1490
نقاط : 2747
السٌّمعَة : 8
تاريخ التسجيل : 20/06/2008
الدستور أولًا.. معركة العلمانيين لتهديد الثورة المصرية.
الإثنين 27 يونيو 2011, 16:35
السيد أبو داود
المعركة الدائرة على الساحة المصرية منذ فترة بين مختلف الاتجاهات العلمانية والاتجاه الإسلامي حول أسبقية الانتخابات أم وضع الدستور أولًا، أصبحت هي المعركة الأولى على الساحة المصرية الآن، وبعد مرور أربعة أشهر على نجاح الثورة، وأدّت هذه المعركة إلى استقطاب حاد في الشارع المصري بين فريقين:
الفريق الأول: فريق يرى ضرورة الالتزام بخريطة الطريق التي حددها الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية، وهي تقتضي أن تجرى الانتخابات البرلمانية أولًا، ثم ينتخب نواب البرلمان من بينهم لجنة من مائة تستعين بمن تراه من أهل الخبرة من خارجها لوضع مشروع الدستور، ثم يطرح هذا المشروع للاستفتاء. وهذا الفريق يمثله الإسلاميون وبعض القوى الثورية وقطاع من المثقفين.
والفريق الثاني يضم غالبية التيارات العلمانية ومعهم الكنيسة، وهم يرون ضرورة وضع الدستور أولًا ثم الاستفتاء عليه، ثم تجرى الانتخابات البرلمانية بعد ذلك.
لبُّ القضية هو في أن القوى العلمانية تخشى (أو لنقل تعلم يقينًا) أن الإسلاميين (إخوانًا وسلفيين) هم التيار المقبول شعبيًا، والذي من المنتظر أن يحصد الأغلبية البرلمانية، وبالتالي يكون مهيمنًا على وضع الدستور، فيضعه وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، التي لا يحبها ولا يريدها العلمانيون ومعهم الكنيسة.
ومن هنا أطلقت هذه القوى دعوتها، التفافًا على الديمقراطية، واستعلاءً على المواطنين، وكان على هؤلاء الذين يدعون لـ ''الدستور أولًا'' احترام قواعد اللعبة الديمقراطية، وعدم تجاهل نتائج الاستفتاء الذي حصل على رأي الأغلبية.
ومن عجائب مطالب هذه القوى العلمانية المعلنة أنهم يريدون أن يضعوا نصوصًا فوق دستورية تمنع من قيام أي حزب أو جماعة بفرض تفسيرها للمرجعية الإسلامية، بصورة تتجاوز قواعد المواطنة والمساواة والديمقراطية، لذا فإنهم يريدون تحصين المواد المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية ضد أي محاولة لتعديلها في المستقبل.
مبرر هؤلاء أنهم يخافون من تيار أو حزب إسلامي متشدد، لكن واقعهم يؤكد أن مخاوفهم تشمل كل التيار الإسلامي بكل أحزابه وجماعاته؛ أي أنهم يعتقدون أن حزبًا إسلاميًا ما، سوف يكشف عن وجه متشدد في المستقبل، وسوف يحظى بتأييد شعبي واسع يمكّنه من الحصول على ثلثي مقاعد مجلس الشعب، ليطلب تعديل الدستور، أو تغييره كله، وأنه سوف ينجح في تحقيق الأغلبية اللازمة لتعديل الدستور، وسوف يحظى بتأييد شعبي واسع على التعديلات التي خطط لها.
مشكلة العلمانيين أنهم مرعوبون من الإسلاميين، وفي الوقت نفسه لا يثقون في أنفسهم وفي قدراتهم وفي شعبيتهم، وهم يخافون تمامًا من الشارع ومن الاحتكام إليه؛ لإدراكهم أنهم منفصلون عنه ولا يمثلونه، وأنه لا يتفاعل معهم ولا يحبهم ولا يريدهم، ولذلك فإنهم يريدون منع الإسلاميين من حقهم الطبيعي في الحصول على حقوقهم السياسية التي يكفلها لهم تعبيرهم عن الشارع، ولذلك فإنهم يعملون بكل ما يستطيعون للحيلولة دون أن يأخذ الإسلاميون حقوقهم، فيسعون إلى وضع قيود دستورية تمنع أغلبية الشعب من تعديل الدستور.
القوى العلمانية تريد أن تتحايل لكي يكون صندوق الانتخاب ليس هو القاعدة، ولكي تكون الأغلبية ليست صاحبة القرار؛ حتى لا تتمكن من تعديل الدستور.
القوى العلمانية التي تنادي بأن يكون الدستور أولًا لا تثق في المجتمع المصري، وتفترض أن هذا المجتمع متطرف ومؤيد للمتطرفين، ولا تعترف بأن هذا المجتمع الذي صنع ثورة 25 يناير العظيمة مجتمع حي وواعٍ ومعتدل. والتناقض هنا في أن العلمانيين دائمًا يرددون أن المجتمع المصري يخشى من الإسلاميين ولا يحبهم ولا يريدهم.. هذا في العلن وأمام الإعلام، أما في مكنون أنفسهم فإنهم على يقين من أن الإسلاميين يحظون بدعم شعبي هائل.
وهكذا فإننا نجد أنفسنا أمام موقف علماني مؤسف يفترض أن الشعب المصري متطرف يحب المتطرفين ويؤيدهم، ولذلك فلابد من وضع الدستور أولًا، وكذلك وضع مواد فوق دستورية غير قابلة للتعديل، ومعنى ذلك أن المجتمع المصري غير مؤتمن على الدستور الجديد، وعلى التحول الديمقراطي، وأن هذا التحول إلى الحرية والعدالة لن يكون إلا بأيدي العلمانيين فقط.
بعض الاتجاهات الإسلامية والوطنية، في محاولة لاحتواء الجدل الذي من شأنه أن يهدد وحدة المجتمع المصري بعد الثورة، عقدت لقاءً بهدف الوصول لصياغة رؤية وسطية تجمع كافة القوى السياسية وتنهي الجدل القائم، واتفقت على احترام الشرعية الديمقراطية والالتزام بإجراء الانتخابات أولًا، ثم تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع دستور البلاد الجديد، ولكن مع إرجاء ميعاد الانتخابات البرلمانية نظرًا للظروف الأمنية مع إعطاء جميع الأحزاب والمرشحين المستقلين فرصة حقيقية للتفاعل مع تعديلات قانون الانتخابات والاستعداد للانتخابات وفقًا للنظام الجديد.
وحرصًا على تمثيل كافة طوائف الشعب بالجمعية التأسيسية لوضع الدستور ولحل أزمة غياب التوازن بالبرلمان القادم ومن ثم الجمعية التأسيسية، رأت هذه الاتجاهات أن الحل يتمثل في الاجتهاد الجماعي لتحديد معايير رشيدة وموضوعية لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية على نحو يضمن تمثيل كافة القوى السياسية والمجتمعية، ويضمن حضورًا متوازنًا للمواطنين المصريين بغير تمييز بسبب الدين أو الجنس.
كما شددت هذه الاتجاهات الوطنية والإسلامية على توحد القوى السياسية حول مجموعة من المبادئ الدستورية الأساسية، تضمن احترام كرامة وحريات المواطنين وحقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأساسية ومدنية الدولة الملتزمة بسيادة القانون والديمقراطية ومواطنة الحقوق المتساوية وتداول السلطة، بحيث تشكل إطارًا أخلاقيًا وفلسفيًا وسياسيًا لوضع الدستور الجديد من قبل الجمعية التأسيسية، واستنادًا إليها تتأسس قواعد اللعبة السياسية إلى حين الانتهاء من وضع الدستور بعد توافق وطني.
إلا أن القوى العلمانية تصر على موقفها بضرورة وضع الدستور أولًا، مستقوية بالرأي الشخصي الذي أعلنه د. عصام شرف، رئيس الوزراء ونائبه د. يحيي الجمل بأنهما يؤيدان (بصفة شخصية) وضع الدستور أولًا. لكن القوى الإسلامية والوطنية التي تتمسك بشرعية الاستفتاء اعتبرت أن رئيس الوزراء ونائبه ينحازان إلى ''أقلية''، متجاهلين رأي الأغلبية التي صوتت بـ''نعم'' في الاستفتاء الدستوري، معتبرين الانقضاض على الشرعية انقضاضًا على أول عُرس ديمقراطي تشهده مصر بعد الثورة. كما تعتبر القوى السياسية والوطنية أن النخب العلمانية تُريد أن تحكم من خلال الصوت العالي في الإعلام، وتمارس تأثيرها دون تفويض شعبي.
ولو كانت القوى العلمانية مخلصة في دعاواها لأعلنت أنها تريد تحقيق إجماع وطني على مجموعة من المبادئ، منها ضرورة الاتفاق على عدد من المبادئ والضمانات الرئيسية التي تحمي المواطن وتحمي حقوقه الأساسية بين التيارات السياسية المختلفة، بحيث يكون هناك قدر من التوافق العام في المجتمع حول فلسفة الدستور القادم، فتعمل الجمعية التأسيسية في إطار من المرجعية الفكرية التي تعبر عن وجدان وقناعات الشعب المصري وما يحقق مصالحه.
ولو كانت القوى العلمانية مخلصة في دعاواها لأعلنت أنها تريد أن يتمسك المصريون جميعًا بأن تكون الجمعية التأسيسية ــ سواء تشكلت بإرادة مجلس الشعب، أم بإرادة الشعب مباشرة، أم بقرار من المجلس العسكري ــ معبرة عن كل القوى السياسية والاجتماعية في المجتمع وجميع المصالح والطوائف والأقاليم والتخصصات.
لكن العلمانيين لا يريدون ذلك، إنهم يريدون شيئًا واحدًا هو إبعاد التيار السياسي الرئيسي (التيار الإسلامي) من أن يأخذ حقه القانوني ويمثل الشعب ويسعى إلى وضع دستور متوازن يعبر عن المصريين جميعًا. ونسي هؤلاء أن الإسلاميين أكثر ديمقراطية من العلمانيين الذين طالما انحازوا للقوى الخارجية ضد الوطن ومصالحه.
ولهؤلاء العلمانيين نهدي ما كتبه مؤخرًا بوبى جوش بمجلة تايم الأمريكية الذي قارن بين وضع الإسلاميين في العراق عقب سقوط صدام حسين ومرحلة ما بعد مبارك، وقال: إنه مع سقوط صدام حسين اندهش الكثير من المحللين الغربيين من سهولة إنشاء القوى الدينية نظامًا سياسيًا تعدديًا، بعكس الأحزاب العلمانية التي عاش قادتها في الديمقراطيات الغربية لعقود، بينما أقام الإسلاميون في بلدان مثل سوريا وإيران. وقال جوش: إن نفس الشيء يصدق على مصر، فعلى الرغم من ظهور ما لا يعد ولا يحصى من الحركات السياسية العلمانية والليبرالية واليسارية، فإن "الإخوان المسلمين" وحدهم هم من قرأ بوضوح مرحلة ما بعد مبارك، وأنهم وضعوا القوى العلمانية في مأزق عقب تأييد الإسلاميين للتعديلات الدستورية، التي فازت بأكثر من 77% من الأصوات الشعبية، وهذا الخيار وضع الليبراليين في موقف معادٍ للديمقراطية.
محاولات العلمانيين للانقضاض على نتائج الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية لا تنتهي، فدشنوا حملة لجمع 15 مليون توقيع لرفعها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة لتأييد خيار الدستور أولًا، ومبرر الـ 15 مليون توقيع هو أن تكون أكبر من الـ 14 مليون الذين صوتوا لصالح التعديلات الدستورية. وهي محاولة بائسة ويائسة لأنه لا شرعية ولا قانونية لتوقيعات لا نعرف عنها شيئًا ولا عمن وقعها أو أشرف عليها وإن كانت مزورة أو صحيحة، ولا يمكن لها أن تكون ملغية لاستفتاء شعبي دستوري وقانوني تم تحت إشراف مؤسسات الدولة بشفافية كاملة.
وضمن المحاولات العلمانية أيضًا للالتفاف على نتائج التعديلات الدستورية، المطالبة باللجوء إلى مجلس الدولة من أجل النظر في جواز الالتزام بنتائج الاستفتاء الدستوري واحترام إرادة الشعب، أم يمكن لنا تجاهل ذلك كله؟. لكن المستشار الدكتور محمد عطية، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة ورئيس الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، قطع الطريق على هذه المحاولات بتأكيده أنه لا محل لتقديم أي طلب للمجلس يخالف الشرعية وسيادة القانون اللتين أقرهما الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية في 19 مارس الماضي، وما يقال عن تقديم طلب لوضع "الدستور أولًا" هو مخالف للشرعية التي أقرتها أحكام المادة 60 من الإعلان الدستوري، والتي تنص على أنه "يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلس شعب وشورى في اجتماع مشترك بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال 6 أشهر من انتخابهم لانتخاب جمعية تأسيسية من 100 عضو تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيله".
إنهم يريدون التخييل على الناس بالحديث عن أنهم خمسة وثلاثون حزبًا وائتلافًا سياسيًا، والحقيقة أنهم مجموعات صغيرة ولا يملكون أي وجود قانوني أو شرعي أو شعبي.
وأخيرًا، فإن هؤلاء الذين يطالبون بالانقلاب على نتيجة التعديلات الدستورية هم الذين كانوا أقوى المؤيدين لنظام مبارك قبل أن يركبوا موجة الثورة ويتحدثوا باسمها، وهم نفس الأسماء التي طالبت الناس بالانصراف من ميدان التحرير إلى بيوتهم، لأن الرئيس البائد قد وعد بالإصلاحات.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى