هكذا نحتفل بخمسينية الاستقلال..

أنهيت أمس قراءة كتاب "مذكرات آخر قادة الأوراس التاريخيين" لصاحبه العقيد الطاهر زبيري، والذي ساعده في كتابته الكاتب الصحفي مصطفى دالع، ودون أن أخوض في تفاصيل ما كتبه لأنني لست مؤهلا لذلك، وأتركه لأصحاب الاختصاص ليثبتوا صحة ما قاله، فقد شد انتباهي تأكيده على أنه أجل كتابة مذكراته اقتناعا منه بوجود حساسيات تاريخية كفيلة بإحراج بعض الناس أو المساس بمشاعرهم، وما دفعه الآن لكتابتها هو وقوع بعض المؤرخين في أخطاء تاريخية، ولا أدري كيف لمن أفنى حياته في الدفاع عن وطنه وكان له شرف تولي قيادة الولاية التاريخية الأولى، وكذا قيادة أركان الجيش الوطني الشعبي سنة بعد الاستقلال، كيف له أن يجعل عدم المساس بمشاعر البعض أولى من تأريخ الحقائق، لكن وبالرغم من ذلك، إلا أن العقيد يستحق كل الشكر لإدلائه بشهادته وعدم دفنها معه بعد عمر طويل إن شاء الله، لأنه بذلك يفتح مجالا للنقاش حول ما أورده، مما يصب في مصلحة جيلنا المتعطش لمعرفة كل ما يتعلق بثورة آبائه وأجداده، ثورة لم ندرس عنها خلال تعليمنا الرسمي من الابتدائي إلى الثانوي، إلا عموميات تتحدث عن بطولة وشهامة شهدائها ومجاهديها، ولا نشك إطلاقا في ذلك، إلا أنه من حقنا وواجبنا أن نعرف كل صغيرة وكبيرة عنها، سواء كانت إيجابية تبرز تضحيات رجال ونساء لأجل أن ننعم اليوم بحرية لا يُقدر الكثير منا قيمتها، أو سلبية مثل التصفيات التي وقعت بين قادتها، وركوب البعض ممن قُلدوا أوسمة الشرف وتولوا مناصب حساسة بعد الاستقلال، ركوبهم لقطارها بعد أن وصلت إلى محطتها الأخيرة، من واجبنا أن نفتخر بالجزء المليان من كأس ثورة ليست ككل الثورات، لكن من حقنا أيضا أن نطلع على الجزء الفارغ من الكأس.. حينها نكون قد أعطينا للاحتفال بخمسينية الاستقلال بعده الحقيقي.

الطاهر زبيري ذكر أن بعض المذكرات التي كتبت عن الثورة ضخمت أشخاصا وقزمت آخرين
الزبيري رفض رأي من يعتقدون أم الكفاح السياسي يوازي في الحجم والأهمية الكفاح العسكري والميداني
الزبيري أكد أنه سجل ما عاشه وما سمع به خلال الثورة مشيرا إلى أنها لا ترقى إلى الكتابة التاريخية، ودوره يقتصر على الإدلاء بشهادته بأمان وصدق
أشار العقيد إلى أن بعض الخلافات التي كانت تنشب بين القادة تكون نتيجتها التصفية بعد إلصاق تهمة الخيانة وغيرها ومن التهم الباطلة
أعاد الزبيري فتح قضية استشهاد أول قادة الأوراس مصطفى بن بولعيد، ورغم أن لم يوجه الاتهامات لشخص بعينه، إلا أنه لمح لتصفيته من طرف زملائه، مرتكزا على طريقة وفاته بسبب جهاز إرسال مفخخ في معقله رغم أن بن بولعيد كان شديد الحرص وينصح جنوده باستمرار لأخذ الحيطة من مثل هذه الوسائل
توقفت شهادة الزبيري عند أزمة صيف 1962 والتي كادت تعصف بثمار الثورة، وكاد نصر الاستقلال يفقد بريقه وسط الخلافات الشخصية لزعماء وقادة الثورة، وعدم اتفاقهم على قيادة الدولة الجزائرية المستقلة، إلى أن حسمت القوة الموقف لصالح جماعة تلمسان بقيادة بن بلة وبومدين، ولم يتطرق إلى انقلاب الثاني على الأول بعد الاستقلال بمساهمة الزبيري سنة 1965، ثم محاولته الفاشلة الانقلاب على بومدين سنة 1967 وقوله له" انقلبنا على بن بلة لنسقط في البنبلية"
نأمل من الزبيري أن يتحلى بالشجاعة ويواصل شهادته انطلاقا من الاستقلال إلى يومنا هذا، وألا يكون سبب تأجيله كتابة مذكراته السابقة اقتناعا منه بوجود حساسيات تاريخية كفيلة بإحراج بعض الناس أو المساس بمشاعرهم، سببا في كتم شهادته