لا يقال لمن فقد أمه يتيم

اليتيم في اللغة؛ هو الانفراد. فمن فقد أباه في الناس فهو يتيم، ولا يقال لمن فقد أمه يتيم؛ بل منقطع. اما من فقد أباه وأمه معاً؛ فهو (لطيم). وهذا التدرج في وصف الانفراد الذي هو اليتم؛ من اجل دلائل البلاغة في اللغة العربية؛ التي لا تجاريها فيها أي لغة أخرى. لأن لفظ (يتيم)؛ أخف وقعا على السمع من لفظ (منقطع)، لأنه يعبر عن حالة اخف من اخرى؛ كما ان (يتيم ومنقطع) أخف من (لطيم)؛ فماذا يعني (الانقطاع واللطم) إذن..؟
الانقطاع هو الانقسام والانفصال والفرقة. ولاشك ان من فقد أمه؛ فإن بؤسه اشد من فقده لوالده؛ ذلك ان دور الام؛ يفوق دور الأب في الحضانة والرعاية، وهذا يفسره قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (.. أمك ثم أمك ثم أمك؛ ثم أبوك).
أما (اللطم)؛ فهو ضرب الخد والوجه حتى تتضح الحمرة، وفي هذا تعبير عن الحسرة واليأس وعمق الجراح، نتيجة فقد الأب والأم معا. وهذه حالة اعظم من اليتم بفقد الأب؛ والانقطاع بفقد الأم.
إن الولد لا يدعى يتيما بعد بلوغه ومقدرته على الاعتماد على نفسه، اما الجارية فهي يتيمة حتى يبنى بها. قال تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم). هذا؛ إذا آنستم منهم رشدا. وقد تلازمهما التسمية بعد ذلك (مجازا)، فالرسول صلى الله عليه وسلم ظل يسمى يتيم أبي طالب، لأنه رباه.
وصورة اليتم في المجتمع؛ مكونة رئيسة في نسيجه العام منذ ان خلق الله الخلق، لأن النوازل والفواجع تَكِرّ كر الليالي والأيام ولا تتوف، وما يخفف من قسوة الحالة وبشاعة الصورة؛ هو ذلك التكافل الاجتماعي التعاوني، الذي أرست قواعده الشريعة الاسلامية السمحة؛ فجاء تعزيز الأمر برعاية اليتامى وحفظ حقوقهم المشروعة؛ وتربيتهم وتهيئتهم للحياة؛ في القرآن الكريم في (23) مرة بلفظ؛ (اليتم واليتيم واليتيمة والأيتام واليتامى). في (23) آية قرآنية. وتكرر ذكر ذلك في الحديث النبوي الشريف مرات كثيرة.

يتيم الأم

يـبــكي الفؤاد فلا قلــب يواسيه
و لا حبيب بماء الصـبر يسقيه
كيف ينسى حـبـيـبـا كان يعشقه
كيف ينسى و ما تنسى لياليـــه
كيف ينسى أمــــا كانت تحضنه
و الحزن يسكنه و البعد يقصيه
بكى ونوح طول الليل في الــــم
لا الدمع ملا و لا ملت مأقيــــه
لا القلب كذب حسنا عندما نطق
ما دامت في خافقي أحلى أمانيه
العمر أنت و أنت العمر يا امي
و الحلم أنت وفي قـلبـي سأبنيه
العمر مر كموج البحر تضربني
ســاعــاتــه تتراماني ثــــــوانيه
الموت بحر لا يعود غـــريقــــه
و الـــروح ضيقة مـمــا أعانيه
يرقب النجم عل النجم يبصره
بـــهاته الحـــال أيـامـا فـيـبـكيه
فلو طلبت عيوني كنت أمنحها
ولو طلبت فـــؤادي كنت اعطيه
و لو طلبت نجوم الليل اجلبها
ولو عشقت شروق الشمس أهديه

هذه ابيات من قصيدة يتيم الام
للشاعر يوسف دحو
الأخضرية