مدينة في أزمة : مستغانم في مواجهة الإحتلال الفرنسي 1830-1833
الجمعة 03 يناير 2014, 12:24
مدينة في أزمة : مستغانم في مواجهة الإحتلال الفرنسي 1830-1833
إن الأحداث التي سنتعرض لها هي التي شهدتها مستغانم و أحوازها. فتفسيرها لا يتحقق إلا إذا حللنا البنية الأثنية – الإجتماعية التي كانت تميز المدن الجزائرية قبيل الإحتلال الفرنسي. تندرج هذه المعالجة ضمن مقاربة تؤلف بين مفهومي البنية والحدث و نسعى من هذا التوليف إلى تعبير عن رفضنا للموقف الذي يتخذ الحدث كمعطى مسبقا يحدد لوحده الفعل التاريخي و نتائجه. نتبنى في مقابل هذا الموقف نظرة تشكل ضمنها البنية شروط وجود الحدث، ذلك أن الإنسان يصنع التاريخ في ظل ظروف ليست دائما من اختياره.
إننا نعلم أن فئات إجتماعية كاملة أحجمت عن مقاومة الإحتلال الفرنسي (الكراغلة و الأتراك في المدن)، بل حاربت إلى جانب الجيش الفرنسي دفاعا عن مصالحها السياسية وامتيازاتها الإجتماعية و الإقتصادية. هل هي "خيانة في حق الوطن" كما يؤكده الخطاب التاريخي الرسمي ؟ أم هو سلوك أملته ذهنية عامة كانت تميز هذه الفئة الإجتماعية؟
يميز مصطفى الأشرف بين مواقف الكراغلة و الأتراك فيعتبره "خيانة" و بين موقف "الحضر" الذي كان في نظره – صادرا عن شعور وطني صادق، إذ يقول : "إن الشعور الوطني الذي كان يختلج في نفوس الحضر شعور صادق .. ما في ذلك شك .. ولم يكن الشعور المدني عندهم أقل نماء من الشعور القومي"1 والواقع أن الحقائق التاريخية كانت أكثر تعقيدا مما تصوره مصطفى الأشرف. فالتحليل الإجتماعي الذي يفترض دراسة التراتب الإجتماعي و خصائصه في المدن الجزائرية، بقصد توضيح مواقف الفئات الإجتماعية المختلفة من الإحتلال هو في نظرنا الأداة الكفيلة بتفسير الأحداث السياسية. إن واقع هذه الفئات الإجتماعية على اختلافها ومواقعها الإجتماعية و الإقتصادية هي التي حددت مواقفها السياسية.
إننا اليوم، و نحن ندعو إلى إعادة النظر في كتابة تاريخنا الوطني، يجب علينا أن نتزود بالمناهج الحديثة و بالمقاربات الجادة لدراسة هذا التاريخ، دراسة تستهدف استخلاص أبعاده السياسية و الإجتماعية. و إلا ظلت رؤيتنا إلى التاريخ الوطني قاصرة، لا تتجاوز التزويق والمجاملة بعيدة عن التاريخ بمفهومه العلمي والحديث.
1. مستغانم قبيل الغزو الفرنسي : خصائص التراتب الإجتماعي
تقع مدينة مستغانم على الساحل المتوسطي، شرق مدينة وهران، وتبعد عن هذه الأخيرة بحوالي 80 كلم. خلال القرن الثامن عشر، كانت أهم مركز لبايليك الغرب بعد تلمسان. يعود ذلك إلى دور الأندلسيين الذين قدموا إليها خلال القرنين السادس والسابع عشر، فارتفع عدد سكانها إلى 15000 نسمة2 ونمت نشاطاتها التجارية والحرفية وانتعشت الفلاحة بحوزها.
تشرف المدينة على منطقة خصبة تسقيها مياه وادي عين الصفراء ونهر الشلف الذي يصب في البحر شرقا. إضافة إلى ذلك، كانت منفذا تجاريا لمنتوجات المناطق السهلية و التلية المجاورة مثل "مينا" و "الشلف" وتيارت نحو الخارج. في مطلع القرن التاسع عشر، شهدت المدينة ركودا عاما، فتقلص عدد سكانها وتراجعت نشاطاتها التجارية والحرفية.
1.1. المدينة وسكانها : مخطط عمراني يخضع لتقسيم إثني
يجد التراتب الإجتماعي في مستغانم مفهومه في مخطط المدينة إذ أن تنظيم المجال العمراني أملته - عموما- تقسيمات إثنية بالدرجة الأولى. هكذا توزعت أحياء المدينة إلى أربعة أقسام وفق منطق إثنى كرس تفاوتا اجتماعيا مميزا.
1.1.1. مركز المدينة : البلدة
تتكون نواة البلدة من المسجد الكبير والسوق المركزي والحمامات الرئيسية ودار القايد (القصبة). وحولها تقع محلات التجار ودروب الحرفيين. وفي دائرة ثانية، تمتد مساكن الأتراك و الكراغلة والجالية اليهودية.
في هذا الحي، توجد أهم الصنائع التي اشتهرت بها المدينة حسب ترتيب يراعي الضرورات الايكولوجية. ومنها الحرف النبيلة كالحلي والمجوهرات ثم العطور والنسيج والأحذية التي تتسم كلها بقلة تلويثها للمحيط.
تتضمن البلدة المعالم الرئيسية للمدينة : مسجد سيدي يحيى (الكائن بنهج عبد اللّه سابقا) : بني في العهد العثماني.
الجامع الكبير حيث تقام خطبة الجمعة (الكائن بنهج البايليك) يعود تأسيسه إلى السلطان المريني "علي بن سعيد"الذي أمر ببنائه سنة 1341م. إنه أقدم مسجد بالمدينة، أغلقه الجيش الفرنسي في وجه المصلين على إثر الإحتلال ولم يفتح من جديد إلا سنة 18653.
ضريح سيدي "بوعجاج" وهو ولي صالح عاش إلى بداية الإحتلال الفرنسي ومسجده الذي بناه الأعيان (باب البحر).
المنازل الجميلة التي بناها أشخاص بارزين مثل المنزل الذي شيده "حميدة العبد" قائد الأمحال (قريب من الطبانة) والقصر الذي أقامه الباي محمد الكبير لقضاء العطلة4.
يقدر النقيب تارتارو5 (Tartareau) عدد الأتراك و الكراغلة بين 1800 و2000 نسمة. ارتفع هذا العدد قليلا، حين وفدت بعض العائلات التركية إلى المدينة سنة 1831 من وهران التي استولى عليها الجيش الفرنسي.
أما الجالية اليهودية التي كانت تقطن بدرب خاص بها (درب اليهود القريب من دار القايد) فتقدرها المصادر بحوالي 500 نسمة.
يحيط بالبلدة سور مرتفع يحتوي على أبراج للمراقبة أهمها برج "الأمحال" الذي يتوسطه (مكان السجن المدني). لقد شيده الباي مصطفى الأحمر سنة 1748 و يتصل بالخارج بخمسة أبواب : باب الشلف شمالا وباب أرزيو وباب البحر غربا وباب مجاهر شرقا وباب معسكر جنوبا. يعود بناء برج "الأمحال" إلى قائد هذه القبيلة المخزنية : حميدة العبد الذي أشرف على مستغانم في أواخر العصر الزياني6.
1.1.2. المطمر
تشكل البلدة و المطمر مدينتين واضحتي المعالم حيث كان لكل منهما سوره، ويفصل بينهما وادي عين الصفراء الذي يخترق مستغانم طولا. تقع البلدة على الضفة الشرقية للوادي بينما يقع "المطمر" على الضفة الغربية في أعالي المدينة.
يسكن الحي "الحضر" الذين يتكونون من أصول أندلسية أو عناصر ريفية سابقة صقلتها سنين التحضر. يتراوح عددهم بين 2000 و3000 نسمة حسب تقديرات ضباط الجيش الفرنسي7.
تعود تسمية الحي إلى مخازن الحبوب التي بناها قايد الأمحال "حميدة العبد" في أعالي مستغانم.
توجد بالمطمر بعض المعالم مثل أضرحة البايات الثلاثة الذين ينتمون إلى الأسرة المسراتية : مصطفى بوشلاغم و إبنه يوسف ومصطفى الأحمر. وقد اتخذ الباي بوشلاغم مدينة مستغانم عاصمة له لفترة قصيرة (1732- 1738) و بها أضرحة بعض الأولياء الصالحين مثل حمادوش وسيدي عبد اللّه بوقبرين.
يحيط بالحي سور يعلوه "برج الأتراك" الذي نجهل تاريخ بنائه. تقدر مساحته بــ 30 م2 و به مخازن واسعة وبئر صالح للشرب و 18 مدفعا. استمر في الاستعمال إلى سنة 1911 حيث تحول إلى مخازن عسكرية8.
1.1.3. تجديت والعرصة : أطراف المدينة
خروجا من المطمر عن طريق باب مجاهر نصل إلى حي "تجديت" (دار الجديد) يسمى الطريق المؤدي إليه "قادوس المداحين" حيث تتجمع المياه عند الوادي الذي يسقى هذا الحي. وكان هذا المكان ملتقى "المداحين" والشعراء في مواسم الفرح والأعياد.
به توجد الحرف الملوثة كالذباغة ومعاصر الزيت ولوازم الحيوانات والأواني الفخارية...
يقع "تجديت" شمال المدينة ويقطنه "العرب" أي العناصر التي انتقلت من الريف للعمل في مطاحن الحبوب و ورشات الذباغة وبعض الأشغال المتواضعة. يعرف هذا الحي ببناءاته البسيطة وطرقه الضيقة الملتوية. تعرض للتخريب من قبل القايد "إبراهيم بوشناق" حين التحق سكانه بالمقاومة سنة 1831.
فيه، يوجد مقام سيدي عبد القادر الجيلاني ومسجد "مول النخلة" وضريح إبراهيم بن عثمان حفيد الباي محمد الكبير9.
أما "العرصة" – سابقا الجديدة – وسماها الفرنسيون "قرية الليمون" فكانت حيا جميلا تحيط به غابة من أشجار الفواكه، يقع جنوب المدينة. تعرض للتخريب من قبل الجيش الفرنسي أولا ثم أقام فيه فرسان "المخزن" بقيادة الأغا محمد المزري الذي دخل في خدمة القايد "بوشناق" في أواخر سنة 1835.
تقدر المصادر عدد سكان الحي بحوالي 1000 نسمة قبل تخريبها.
1.1.4. المرسى
قبل تحرير وهران من الوجود الإسباني سنة 1792، كان ميناء مستغانم مركزا هاما لتجارة الغرب الجزائري، لكن نشاطه تقلص وتحول جزء من هذا النشاط إلى وهران التي أصبحت عاصمة البايليك.
خلال 1830، كانت منشآت الميناء بسيطة كما أصبح غير صالح لرسو السفن الكبيرة. ويعود ذلك إلى كثرة الرمال به وتعرضه للرياح والزوابع في مواسم الشتاء. لذلك، فضل تجار المدينة تسويق منتوجاتهم (حبوب، بقر وخيول وغيرها) عبر ميناء أرزيو القريب10.
1.2. الحوز
ا يمكن فصل المدينة عن حوزها. فالحرف التي اشتهرت بها المدينة مرتبطة بموارد الحوز وإنتاجه. وفي الحوز، توجد أملاك الفئات الإجتماعية الميسورة. فمزارع الكراغلة تقع في الإقليم الممتد بين مستغانم و أرزيو وتنتج عموما الفواكه والحبوب. أما مزارع "الحضر" فتمتد على أودية نهر الشلف و الربوات المطلة عليه (ربوات الحشم) وإقليم مزغران وتنتج الحبوب والكروم والزيتون واللوز والليمون والحناء.
تعود تنمية الحوز إلى جهود الأندلسيين الذين أدخلوا زراعة القطن إلى المنطقة منذ القرن السادس عشر وطوروا بعض الزراعات (أشجار الفواكه والزيتون) وأساليبها وأشتهر إقليم مستغانم بتربية المواشي والخيول التي كانت تعتبر أجود ما أنتجه الغرب الجزائري. إضافة إلى ذلك، كان الإقليم يحتوي على غابات هامة ومصادر مائية معتبرة.
خارج المدينة، تقع مطاحن الحبوب، تدار بالطاقة المائية (وادي عين الصفراء) كانت سابقا تكفي لسد حاجات المدينة و أحوازها لكنها عرفت نوعا من الإهمال لأن أربعا منها كانت تشتغل سنة 183011.
كانت هذه المطاحن ملكا للبايليك تشتغل بواسطة يد عاملة أجيرة وهي تحت احتكار القايد مباشرة.
1.3. خصائص التراتب الاجتماعي في المدينة : "الجاه مفيد للمال"
يتعذر فهم التراتب الاجتماعي في مستغانم على أساس الثروة وحدها لوجود أسباب أخرى مرتبطة بالنفوذ السياسي عموما. وهذا النفوذ السياسي سماه ابن خلدون الجاه. فالوظيفة السياسية تؤثر على الثروة الاقتصادية وكذلك على الموقع الاجتماعي.
1.3.1. الأتراك والكراغلة
توصلت هذه الفئة إلى تكوين ملكيات عقارية وثروة مالية هامة جمعتها باستغلال نفوذها السياسي. تحتكر الوظائف السامية كالقيادة والإدارة والجيش والشرطة. لذلك تمكنت من احتلال قمة الهرم الاجتماعي.
تشير سجلات المحاكم الشرعية12 إلى أن نسبة 80 % من الأملاك العقارية داخل المدينة وفي الحوز التي كانت ملكا للعائلات التي احتكرت الوظائف السياسية على اختلاف أنواعها.
ونستنتج من دراستنا للتقرير الذي وضعته الإدارة الفرنسية في جانفي 183413 أن الأتراك كانوا يجمعون بين "القيادة" العسكرية والإدارية والتجارة والريع. ومن الأسر التركية الشهيرة : أسرة القايد بوشناق، أسرة عثمان، أسرة الحاج حسين وأسرة باكير (خلافة)، وأسر أخرى مثل قارة، و قارمان و علي بلهوان و كريتلي.
أما الكراغلة، فكانوا يجمعون بين الوظائف والثروة الإقتصادية كالتجارة والملكية الزراعية. فقد لاحظنا أن أملاكهم كانت تمتد بين مستغانم و أرزيو وتنتج الحبوب والفواكه. ومنهم أسرة قرطابة (تجارة) وأسرة بلهواري وأسرة ابن علي (تجارة وفلاحة) وأسرة مير– علي وفرع من أسرة ابن عليوة (فلاحة) وأسرة حسين رايس (حرفة).
تجمع هذه الشريحة الاجتماعية بين النفوذ والثروة. إنها تنظر إلى بقية الشرائح الاجتماعية على أنها أقل شأنا منها. تسكن في أحياء خاصة بها وتعتقد أن "عرقيتها" تدفعها إلى المعالاة وعدم مخالطة بقية السكان.
بينها وبين الارستقراطية الحضرية علاقات تتسم بالعداوة الناجمة عن التناقضات الاجتماعية والسياسية.
عند الاحتلال الفرنسي لمدينة وهران خاصة واندلاع المقاومة في الأرياف، طفت العداوات السابقة بين سكان الريف وسكان المدن، وبرزت الخلافات بين "الحضر" و الكراغلة وحال ذلك دون توحيد الصفوف في وجه الاستعمار.
رفض الأتراك والكراغلة الذين كانوا يستأثرون بالوظائف السامية والثروة الإقتصادية الالتحاق بالمقاومة المناهضة لاستعمار. لقد كانوا يعتبرون أنفسهم أعلى مرتبة وأعظم شأنا من الرعايا. فذهنيتهم تملي عليهم عدم النزول إلى درجة التحالف مع سكان الريف والإعتراف بالقيادات الريفية الجديدة التي تزعمت المقاومة. إن حرصهم على مصالحهم السابقة دفعهم إلى الانحياز إلى الجيش الفرنسي والدخول في خدمته كما حملهم تخوفهم من المقاومة إلى التوهم بأن تعاونهم مع الإدارة العسكرية الفرنسية سيؤدي إلى تعزيز نفوذهم السياسي والمحافظة على امتيازاتهم الاجتماعية14. فقد تصوروا أنّ الجيش الفرنسي سيعيد لهم الاعتبار ريثما ينتهي من قمع حركة الانتفاض وإعادة الاستقرار إلى البلاد.
1.3.2. الجالية اليهودية
لا تشكل الجالية اليهودية فئة اجتماعية منسجمة إذ أنها تتألف من :
تجار و وسطاء يملكون رؤوس أموال ومتاجر هامة بدرب اليهود والشارع الكبير. يعود أصلهم إلى مدينة ليفورنة الايطالية حسب نوربيت بلانج15 تخصصوا في التجارة الخارجية والقروض. كانوا قريبين من السلطة التركية.
حرفيين وتجار صغار يشتغلون في "صناعة الحلي والمجوهرات" يستأجرون الحوانيت والدور من الأعيان اليهود وغيرهم.
عمال بسطاء منهم : الحمالون (العتالة) إذ تؤكد وثيقة أن 36 من أصل 48 حمالا بمستغانم "كانوا يهودا يتقدمهم أمين المهنة شالوم ربوك"16.
منذ نهاية القرن الثامن عشر، انخفض عددهم باستمرار بسبب تدهور التجارة الخارجية والحرف في المدينة. خلال القرن 18، كان عددهم يقدر بحوالي 1000 نسمة فانخفض إلى النصف ثم زاد في الإنخفاض فيما بين 1830-1833 حسب تقديرات الجيش الفرنسي.
لم يعارض يهود مستغانم الاحتلال الفرنسي، بل كان موقفهم يتجه إلى تشجيعه ويعود ذلك إلى :
1.3.3. الارستقراطية الحضرية
يمارس "الحضر" التجارة – خاصة تجارة الحبوب- والحرف المتنوعة والفلاحة في الحوز وكذلك بعض الوظائف الدينية مثل التعليم والقضاء.
اشتهرت عائلات أندلسية بصناعة النسيج و الزرابي والحياك والأغطية والغليون الذي كان يوزع في أقاليم البايليك17.
كان على رأس كل حرفة أمين يعينه القائد، فكانت وظيفته مزدوجة، يشرف على الحرفة وأصولها إذ كان يراقب جودة الإنتاج ويعاقب محاولات الغش و يبت في المنازعات بين الحرفيين و الزبناء ويسهر على أسس الارتقاء في المهنة وفي نفس الوقت، كان يجمع الضرائب لصالح القايد ويعمل على تنفيذ أوامره واشتهرت عائلات أخرى مثل السنوسي وابن عبد الله وابن حواء بإشرافها على الوظائف الدينية والثقافية. وامتلكت عائلات عريقة مثل "ابن عليوة" و "ابن صبران" و "ابن نابي" عقارات هامة في المدينة و الحوز كانت تدرّ عليها أموالا معتبرة.
إن هذه العائلات التي جمعت بين النفوذ الديني والثراء الاقتصادي هي التي كانت تشكل الارستقراطية الحضرية تتقدم عامة المدينة.
يز موقف "الحضر" من الاحتلال والمقاومة بالتردد. في البداية، قرروا الدفاع عن المدينة من غارات البدو ومن أجل ذلك، اتحدوا مع الكراغلة والأتراك رغم العداوة التقليدية بينهم.
يعود ذلك التردد إلى الخلاف القائم بين المدينة والريف، إذ ينظر سكان المدن إلى البدو على أنهم "مصدر القلق والعصيان" : يميلون دائما إلى نهب الأملاك وسلبها. وشجعهم على ذلك حال الفوضى والاضطراب الذي شهده الإقليم على إثر الاحتلال الفرنسي لمدينة وهران : عاصمة البايليك.
في أواخر سنة 1831، ظهر بعض التغيير على موقف الحضر، فهاجرت دفعة هامة18 منهم حي "المطمر" والتحقت بمزغران استجابة لدعوة الجهاد التي رفعها عامل السلطان المغربي "ابن العامري". فقد تمكن هذا الأخير من كسب مساندة أشراف إقليم مستغانم19 إلى جانبه، فراح يعمل على تنظيم المقاومة وإقرار الأمن والاستقرار بين القبائل.
كانت الدفعة الأولى من الحضر في مقدمة المجاهدين الذين كانوا يحاصرون المدينة ويهاجمون حاميتها العسكرية باستمرار.
و يبدو ذلك طبيعيا إذا أخذنا بعين الاعتبار عمق العداوة القائمة بينهم وبين الأتراك الذين رفضوا دعوة المقاومة والجهاد.
أما الدفعة الثانية (550 نسمة) فأجبرت على إخلاء الحي على إثر الاحتلال العسكري للمدينة في 29 جويلية 183320. والتحقت بالأمير عبد القادر الذي وزعها على القبائل المجاورة مثل مجاهر وأولاد سيدي بو عبد الله.
أما القوات الفرنسية، فاستولت على مساكن الحضر وحولتها إلى مرافق عسكرية وثكنات يقيم بها الجيش21.
1.3.4. البرانية
يعني البراني الرجل الذي يأتي إلى المدينة للعمل أو التجارة ثم يغادرها قبل غلق أبوابها في المساء، ويقابله "البلدي" الذي يقطن المدينة.
ويتألف "برانية" مستغانم من الجماعات البشرية التي كانت تقطن خارج الأسوار خاصة بحي تجديت. وكانت تتوزع حسب انتماءاتها القبلية والجغرافية في الحي، على شكل فرق وبطون يشرف عليها شيوخ يدعون بالأمناء.
يشكل "البرانية" خزانا بشريا لسوق العمل ومختلف الأنشطة التجارية والصناعية والأشغال العامة. يزيد عددهم أو يتقلص حسب متطلبات سوق العمل. يتكاثرون في فترات الانتعاش الاقتصادي ويتناقصون في فترات الركود. يعانون من الفقر عموما بسبب تعرضهم لاستغلال مزدوج : من قبل المؤسسة التركية التي كانت تشغل قسما هاما منهم في المطاحن والأعمال الأخرى ومن قبل التجار وأهل الحرف الذين كانوا يفرضون عليهم الأعمال الشاقة مقابل أجور زهيدة (الذباغة، معاصر الزيت، و العتالة ...)
بحكم اتصالهم الوثيق بالبادية و وضعيتهم الاجتماعية، كانوا يتجهون إلى معاضدة القبائل ومؤازرتها ضدّ سكان المدينة. التحقوا بالمقاومة منذ اندلاعها سنة 1831، فكانوا يساعدون المقاومين في إحكام الحصار على المدينة. وكانت الغارات الأولى على الأسوار تنطلق من حي تجديت وحي العرصة الذي استقرت به فرقة من بني عامر.
لهذا السبب قرر "القايد بوشناق" تهديم الحيين بقصد تسهيل عمليات الدفاع عن مستغانم22 واضطر البرانية إلى الانتقال إلى القبائل والأرياف الأصلية لتدعيم صفوف المقاومة المناهضة للاحتلال.
2. الريف والتراتب الاجتماعي
يعتبر إقليم مستغانم من أصغر "أغويات" بايليك الغرب يحده شرقا إقليم "الشرق" وغربا إقليم "غرابة". تشكل مساحته مستطيلا طوله 12 ميلا وعرضه 8 أميال. إلا أن أراضيه كانت أكثر خصوبة وإنتاجا. فقد جمعت بين الزراعة وتربية الماشية والخيل.
يحتوي الإقليم على عدة قرى زراعية مثل مزغران - ماسرة - السور- يلل - عين بودينار اشتهرت بإنتاجها المتنوع : حبوب، خضر، عنب، قطن و بقر وغنم وخيول يتم تسويقها عبر مستغانم و وهران ومرسى الحجاج23.
تقطن الإقليم قبيلة "مجاهر" الشهيرة. كانت قبل 180824 مخزنية أي تقوم بالخدمة العسكرية لصالح البايليك مقابل إعفاءات ضريبية وامتيازات اجتماعية، لكنها تعرضت إلى القمع بسبب مؤازرتها لانتفاضة درقاوة فألغيت امتيازاتها وأضحت من الرعية تئن تحت الاستبداد العثماني.
إلى جانب هذه القبيلة، تعيش على أطراف الإقليم بطون من قبائل أخرى منها عشعاشة والحشم سيدي دحو، وعجيسة والرزايقية أدخلها الأمير عبد القادر ضمن آغوية مجاهر عملا بسياسته الإدارية التي كانت تهدف إلى توحيد القبائل في وجه الاستعمار الفرنسي.
في الريف، كانت العلاقات الاجتماعية قائمة على نظام الأنساب، وكان لهذه الأنساب - وهمية أو فعلية - دور هام في تعيين التراتب الاجتماعي. فالمجتمع الريفي، كانت تتصدره فئة الأعيان التي تتألف من الشرفاء والمرابطين. وقد تمكن عدد هام من هؤلاء من تكوين ثروات هامة بحكم نفوذهم الديني وموقعهم الاجتماعي.
كل شيء في الريف (توزيع الأراضي، جمع الضرائب، تنظيم الإنتاج البت في المنازاعات وتنظيم العلاقات الأخرى) لا يتم إلا بهم "لا عصبية إلاّ بالرؤساء". فالسلطة كانت بأيدي الأعيان. فهم الذين يكونون "الجماعات" ويحتكرون قراراتها. وإذا التحقت القبائل في إقليم مستغانم بالمقاومة المسلحة، فذاك يعود إلى الدور البارز الذي لعبه الشرفاء والمرابطون الذين دعوا الناس إلى الجهاد على عهد الأمير عبد القادر وقبله.
3. مستغانم في مواجهة الإحتلال الفرنسي 1830-1833
على إثر احتلال مدينة الجزائر في 5 جولية 1830، ساد جو من القلق والاضطراب ببايليك الغرب إذ أبدى الباي "الحسن بن موسى" استعدادا واضحا للتعامل مع الجيش الفرنسي. عارضه في ذلك مجموعة من الأعيان والحاشية يتقدمهم "الخليفة" "البرصالي" الذي غادر المدينة بمعية الكراغلة وفرقة عسكرية متوجها إلى تلمسان والآغا "المازري" الذي حث السكان على مغادرة مدينة وهران إلى الأرياف المجاورة. وفي 27 ديسمبر 183025، احتل الجنرال "دامريمون" (Damremont) المدينة "دون أن يتكلم وجه واحد من البارود" فقرر الباي الحسن بن موسى إلى المشرق وتجريد الحامية التركية من السلاح.
1.3. مستغانم فيما بين 1830 و1831
في أوائل ديسمبر 1830، عقد القائد للقوات الفرنسية في الجزائر – الجنرال "كلوزيل" معاهدة مع باي تونس تنص على تعيين أحد أفراد الأسرة الحسينية بايا على وهران، وفي 6 فبراير 1831، نصب الأمير أحمد بايا على وهران وخير الدين قائم مقامه (خليفته).
إن هذا الباي هو الذي عين "إبراهيم بوشناق" قايدا على مدينة مستغانم وباكير خوجه خليفته. كان القايد إبراهيم من البوسنة، تقلد عدة مناصب في وهران منها ضابط فرقة السبايحية ثم قايدا على بلدة وهران قبل أن يعين على مستغانم وأحوازها.
وحين غادر قائم مقام الباي التونسي وهران لأن السلطة المركزية في باريس لم توافق على معاهدة "كلوزيل"، أبقاه المرشال دي فوداس "De Faudoas" في منصبه وأثبته في الخدمة الجنرال بوايه (Boyer) في ديسمبر 1831 حين خلف المرشال دي فوداس على قيادة القوات الفرنسية المرابطة بوهران.
كان القايد إبراهيم شخصية مغامرة، اتسم بعدائه للأعيان والأشراف، فكان يضرم نار العداوة التي قامت بين الحضر والكراغلة. وقد عارض انتشار حركة الجهاد إلى إقليم مستغانم إذ دعاه العامل المغربي "ابن العامري" إلى فتح أبواب المدينة والمشاركة في المقاومة. ولم يكتف برفض الدعوة بل كان يراسل القائد الفرنسي بوهران ويطلعه أسبوعيا على تحركات "ابن العامري" في الإقليم26 وحين طلب منه الشيخ محي الدين المشاركة في الجهاد رفض واستكبر كما رفض حين دعاه الأمير عبد القادر إلى البيعة.
ينبع هذا الموقف من موقعه السياسي والاجتماعي، إذا كان يعتقد أن انتمائه إلى فئة الأتراك التي تحتكر الوجاهة السياسية (الوظائف السامية) لا تسمح له بالنزول إلى مرتبة الحليف لمرابط بن مرابط "(أي الأمير عبد القادر). ولم يكن هذا الموقف فرديا بل كان موقف الجالية التركية والكراغلة ورجال المخزن الذين رفضوا المشاركة في المقاومة وتمسكوا بموقف العداء لبقية الرعايا.
ظل القايد إبراهيم على موقفه إلى غاية نهاية المقاومة. فقد تحصن بالمدينة وأسوارها وقاوم محاولات فتحها إلى غاية شهر جولية 1833 حيث عزله الجنرال "دي ميشال" فنقل إلى وهران لقيادة "فرقة الأتراك" برتبة عقيد27، ثم عينه الجنرال كلوزيل في جانفي 1836 بايا على مستغانم فبقى في الخدمة مدة إلى أن تم عزله من جديد بعد معاهدة تافنة.
كانت المحاولات الأولى لتنظيم المقاومة في الإقليم هي التي أشرف عليها العامل المغربي "ابن العامري" بمساعدة الأعيان والأشراف. اتصل "ابن العامري" على إثر قدومه إلى المقاطعة خلال مارس 1831 بأعيان "مجاهر" فاستجابوا لدعوة المقاومة والتحق بهم عدد من الحضر بمزغران. حينئذ، حاصرات "مجاهر" وأهل "مزغران" مدينة مستغانم وحاولا فتحها لتأديب الكراغلة والأتراك الذين تربطهم عداوة سابقة.
لقد كان القايد "إبراهيم" على علاقة وطيدة بالجنرال "بوايه" في وهران. وكان هذا الأخير يشجعه على معارضة مشاريع ابن العامري والأعيان كما كان يحثه على حماية المدينة من غزوات "البدو". يقول في إحدى الرسائل التي وجهها له : "لقد عشت بين العرب خمسة عشر عاما، إني أعرف جيدا هذه القبائل العربية التي لا تحترم عهدا ولا تقيم قانونا. إنها تعيش على السلب والنهب ... فاحذر من مكرها ولا تغتر بوعودها"28.
كانت سياسة بوايه تعتمد على التفرقة بين القبائل حتى لا تجتمع كلمتها وتتحد مساعيها في وجه الاحتلال. وقد اعتمد على هذه السياسة لأنه كان يعتبرها أجدى من تنظيم الحملات العسكرية ضد القبائل التي كانت تحاصر الجيش الفرنسي في وهران وتمنع وصول المؤن إليها من بعض القبائل. إن الفراغ السياسي الناتج عن إفلاس السلطة العثمانية خلف تناقضات بين القبائل والأعيان. فعملية التوحيد لم تكن سهلة، كما لم يكن سهلا جمع الناس وتجنيدهم ضد الاحتلال الفرنسي : إن طبيعة المجتمع الموزع إلى قبائل حريصة على استقلال نفوذها وإلى أعيان وأشراف يتنافسون حول الزعامة وإلى فئات اجتماعية وشرائح متمسكة بامتيازاتها كل ذلك أخر حركة التوحيد وحال دونها مدة من الزمن.
لقد استغل الجنرال بوايه هذا الوضع. يقول في تقرير له "أريد نشر الفوضى في البلاد .. لقد تمكنت بفضل المخبرين الطيعين وبفضل مراسلة منتظمة مع الجاليات التركية والكراغلة وبعض الأعيان من تفجير العداوة القائمة بين القبائل والمخزن وبين القبائل فيما بينها. فتارة أتصل بالزمالة والدواير لإثارتها ضد القبائل الأخرى، وكلما سعى محي الدين والمرابطون إلى جمع شمل القبائل وإطفاء نار الفتنة بينها، أقوم من بعدهم بتحطيم جهودهم فتعود الفوضى من جديد"29.
خلال هذه الفترة، تحصن سكان مدينة مستغانم – الجالية التركية والكراغلة والعائلات الحضرية التي لم تغادر المدينة – بأسوارها وقرروا الدفاع عن أملاكهم وحرمتهم من بطش القبائل المجاورة. إن العامل الذي دفعهم إلى التحالف رغم خلافاتهم التقليدية يتمثل في التناقض القائم بين الأرياف والمدن. فسكان المدن يعتبرون القبائل أقل شأنا منهم بسبب الفوارق الاجتماعية والاقتصادية. إن "الحضر" يرفضون فتح أبواب المدن التي يسكنونها في وجه أهل الريف أثناء الأزمات خوفا من تعرض ممتلكاتهم إلى النهب والسلب. أما سكان الريف، فيعتبرون سكان المدن سبب مشاكلهم، فالمدينة – باعتبارها مقر السلطة – تفرض استغلالا واضحا للأرياف.
2.3. مستغانم فيما بين 1832 و1833
تدعمت علاقات الجنرال "بوايه" بالقايد "إبراهيم بوشناق"30 خلال جانفي 1832، زار القايد المذكور مدينة وهران وأبرم مع قائدها معاهدة تنص على تكفل الجيش الفرنسي بنفقات الحامية العسكرية بمستغانم، فيزودها باللباس و الدخائر ويدفع لها الرواتب وفي المقابل تستمر هذه الأخيرة في الدفاع عن المدينة وحمايتها من هجمات القبائل والعامل المغربي "ابن العامري"
واعتبر الجنرال بوايه هذه المعاهدة انتصارا لسياسته التي لا تكلف "إراقة دم جندي فرنسي واحد". فحاول تعميمها على الحامية التركية التي تحصنت بقلعة "المشور" في تلمسان ورفضت تسليمها للمجاهدين.
منذ ذلك الوقت، تكررت هجمات "المجاهر" و"مزغران" على المدينة وفرضوا عليها حصارا شديدا. تؤكد الوثائق الفرنسية أن عدد هذه الهجمات بلغ خمسا خلال شهر أفريل 183231، لكن القايد إبراهيم تمكن من إفشالها بفضل قوة التحصينات والمساعدات العسكرية التي كانت تصله عن طريق البحر من وهران (بارود و دخائر بشكل خاص).
* وفي ماي 1832، يضطر عامل المغرب "ابن العامري" إلى مغادرة الغرب الجزائري وبذلك تنهار الأطماع المغربية في ضم وهران32.
غادر العامل المغربي الإقليم وبدأ الفراغ السياسي يهدد الوضع "فقامت العرب على بعضها البعض في كل ناحية ومكان وعمت الفتنة وعظمت البلوى.. مدة من الزمان"33 وبلغ القلق في المقاطعة ذروته فاشتدت النزاعات بين القبائل وتقاتل الناس فيما بينهم لأبسط الأشياء. وكثرت أعمال النهب والسلب وظهرت الأمراض الفتاكة وغاب الأمن في المدن والطرق. ففي معسكر، انقسم السكان إلى ثلاث فرق تقاتلت فيما بينها34 وكادت الفوضى تفتك بالناس لولا تدخل الشيخ محي الدين : مقدم الطريقة القادرية وشيوخ الطرق الأخرى والعلماء. فانقذوا الموقف. يقول المازري : "فقام لإطفاء نارها العلماء والشرفاء والمرابطون سيما القطب الكبير سيدي محي الدين"35.
تولى هذا الشيخ، على إثر مغادرة العامل المغربي المقاطعة، قيادة المقاومة، فاتصل بشيوخ القبائل والعلماء ودعاهم إلى ترك الخلافات وجمع الشمل. فكان ينتقل من قبيلة إلى أخرى لفض النزاعات ومن مكان إلى مكان لتوحيد الجماعات وتهيئتها للمقاومة والجهاد. ففي أواخر ماي 1832، حل بمزغران واتخذها مقرا له لقيادة قبائل مستغانم وناحية الشلف وتنسيق هجماتها على الحامية التركية. واجتمعت فعلا قبائل "مينا" و الشرق" (مكاحلية و فليته وأولاد سيدي بو عيد الله) بالمجاهر وقادت هجوما واسعا على المدينة36.
واشتدت الهجمات على مستغانم في منتصف أوت 183237 وكادت تسقط لولا المساعدات الفرنسية وغياب الخطة الواضحة في إحكام الحصار وتنسيق الضربات. فقد خالفت بعض القبائل تعليمات الشيخ محي الدين القاضية بعدم التعامل مع المدينة والامتناع عن البيع والشراء مع سكانها (سياسة المقاطعة).
في خريف 1832 (سبتمبر - نوفمبر) فكت القبائل حصارها للمدينة وعادت إلى مواطنها لتتفرغ لأعمالها الزراعية (فصل الحرث والبذر) فاغتنم القايد إبراهيم فترة الهدوء لإصلاح التحصينات وقام بتخريب البيوت القريبة منها وإتلاف البساتين المحيطة بالمدينة (حي العرصة على الخصوص).
كانت أسوار المدينة شديدة تشتمل على أبراج بها 19 مدفعا من عيار 12 واثنين من عيار 24 و4 مدفعا من العيار الكبير (36). ورغم قلة عدد حاميتها38، تمكنت المدينة من التصدي للهجمات المتكررة.
كانت طريقة القبائل في الجهاد تقليدية، تهاجم في فصل الشتاء وموسم الربيع وتحجم عن المقاومة في مواسم الحرث والحصاد. تحاصر المدن وتقاطعها لكنها تلجأ إلى فك الحصار كلما شعرت بالحاجة إلى بيع محصولاتها الزراعية (حبوب ومواشي وخيول). ولم تنجح تعليمات الشيخ محي الدين الذي كان يدعو القبائل إلى فرض مقاطعة كاملة على العدو. إن هذه الأسباب هي التي تفسر فشل محاولات فتح مدن الغرب الجزائري مثل وهران وتلمسان ومستغانم رغم آيات البطولة والشجاعة التي كان يبديها المقاتلون.
في ديسمبر 1832، بايعت مجاهر و مزغران الأمير عبد القادر لكن أولاد سيدي العريبي وبعض قبائل الشرق امتنعت عن مبايعته. ومع ذلك، تجدد النزاع واشتدت الهجمات على مستغانم وأمر الأمير عبد القادر بإحكام الحصار وطلب من العروش التي تقطن بجوار المدينة إخلاء مواطنها والتراجع نحو الداخل لإنجاح الحصار.
كانت الشهور الستة الأولى من 1833 مسرحا لهجوم شامل وحصار شديد على المدينة فكادت تسقط هذه المرة لولا تدخل الجنرال "دي ميشال" الذي قرر الاستيلاء عليها في نهاية جويلية38. ففتحت مستغانم أبوابها أمام القوات الفرنسية، وأمر الجنرال الفرنسي إنهاء مهام القايد إبراهيم بوشناق والجالية التركية التي انتقلت إلى وهران، كما ألزم الأسر الحضرية على مغادرة المدينة وإخلاء حي "المطمر" لأنها رفضت الاحتلال العسكري الفرنسي39.
عارضت شرائح اجتماعية بكاملها - في الغرب الجزائري- (الأتراك والكراغلة في المدن وقبائل المخزن في الأرياف) مقاومة الاحتلال الفرنسي. إن وراء هذه المعارضة، أسبابا تتعلق بالتناقضات الحادة التي كانت تميز البنية الاجتماعية الجزائرية قبيل الغزو الفرنسي.
المراجع :
Bibliographie
1/- الوثائق العسكرية الفرنسية : قصر فانسان – المصلحة التاريخية للجيش :
1-1 المراسلات العسكرية بين قائد وهران العسكري والسلطات العسكرية :
1H8-1H9-1H10-1H10-1H11-1H12-1H13-1H14-1H15-1H16-1H17-1H18
2-1 الوثائق الأخرى : H225- H226- H234- H235- H242
2/- وثائق محافظة ولاية وهران :
2-1 سجلات المعتمد المدني : B-1- B-2- B-3
2-2 ملف مستغانم بتاريخ جانفي 1834 – رقم 2263.
2-3 جداول المؤسسات الفرنسية في الجزائر : سنة 1838 وسنة 1839 – وسنة 1840 وسنة 1841.
3/- ابن عودة المازري.- طلوع سعد السعود في أخبار وهران ... (2ج) تحقيق : ي بوعزيز، بيروت، 1990.
M. BODIN : Traditions indigènes sur Mostaganem (édition revue). Mostaganem 1936.
J. MONSONEGO : Activité économique de Mostaganem (1830 à nos jours). Paris 1950.
L. RINN : Royaume d’Alger sous le dernier Dey, Alger, 1900
م. الأشرف : الجزائر : الأمة والمجتمع (ترجمة ح. بن عيسى) الجزائر 1883.
ف. لواليش : الحياة الحضرية في بايليك الغرب – رسالة ماجستير – جامعة الجزائر سنة 1992.
N. BELANGE : Ses Juifs de Mostaganem.- l’Harmattan. Paris, 90.
الهوامش
1 م. الأشرف.- الجزائر : الأمة والمجتمع (ترجمة ح. بن عيسى). – ص.224.
2 حسب تقرير الضابط الفرنسي بيليون - Pellion- كان عدد سكانها 15000 نسمة خلال القرن 18، ثم انخفض هذا العدد بعد تحرير مدينة وهران سنة 1792، ثم زاد في الإنخفاض إلى أن وصل إلى حوالي 2000 نسمة بين 1833 و 1834. أنظر كتاب تيرو Tireau.- مستغانم و أحوازها - مستغانم 1912 وحسب جدول المؤسسات الفرنسية بالجزائر : كانت مستغانم و مزغران و تجديت و العرصة – وهي مراكز الإقليم – تضم فيما بينها 40.000 نسمة خلال القرن 18. أنظر الجدول سنة 1838.
3 تيرو – المرجع السابق.- ص. 116.
4 لواليش فتيحة . – الحياة الحضرية في بايليك الغرب. – رسالة جامعية.- جامعة الجزائر، سنة 1994.- ص. 94.
5 يعود تقرير هذا الضابط إلى سنة 1835... أنظر بودان – التقاليد الأهلية حول مستغانم.- ص. ص.17-50. لا يذكر بودان عدد هذه العائلات التي انتقلت من وهران والأرجح أن يكون قليلا لأن جل أتراك وهران و الكراغلة هاجروا إلى تلمسان. يؤكد تقرير آخر بتاريخ جانفي 1832 أن عدد الأتراك انخفض إلى 246 نسمة وعدد الكراغلة إلى 504 نسمة. وثائق قصر فانسان.- يعود هذا الانخفاض إلى الحصار المفروض على مستغانم.
6 كانت قبيلة "الأمحال" تضرب رحالها في إقليم "سيرات" حسب الشيخ أبوراس الناصر.
7 بودان .- المرجع السابق.- ص. 51.
8 قصر فنسان. – وثائق 1H11 و 1H12.
9 أنظر تيرو. – المرجع السابق. – ص. 13 وبودان. – ص. 71.
10 تبعد مستغانم عن أرزيو بحوالي 8 أميال
11 بودان. – المرجع السابق. – ص. 125.
12 تؤكد لواليش فتيحة في رسالتها : أن 80 % من أملاك الوقف كانت في حوزة عائلات البايليك (أسرة المسراتي وأسرة محمد الكبير) والقايد (بوشناق) وأصحاب الألقاب كالوكيل، والحوجة والشاوش. – ص.115.
13 وثائق ولاية وهران : تقرير عن مستغانم بتاريخ 17 جانفي 1834 تحت رقم 2263.
14 على إثر استيلاء الجيش الفرنسي على مستغانم، أجبر عدد هام من الأتراك والكراغلة، إلى الهجرة إلى تونس بعد أن فقدوا كل شيء بسبب الحرب والحصار. أما الفرقة العسكرية التي كان يقودها "إبراهيم بوشناق" فقد نقلت إلى وهران سنة 1836 وتّمّ تسريحها سنة 1837. فهاجر معظمها إلى تركيا وتونس. وثائق ولاية وهران رقم 2263.
15 ذكرته لواليش فتيحة في رسالة ماجستير.- ص. 53.
16 المرجع السابق رقم 2263.
17 جدول المؤسسات الفرنسية سنة 1838.
18 يبدو من تقرير فرنسي بتاريخ جانفي 1832 أن عدد الذين التحقوا بالمقاومة كان يتراوح بين 1000 و 1500 نسمة، إذ لم يبق بالحي سوى 550 حضريا – وثائق فانسان 1H11 : تقرير، جانفي – فيفري 1832.
19 ألح "ابن العامري" على أعيان مستغانم وأرسل لهم عددا هاما من الرسائل يدعوهم فيها إلى المقاومة. وثائق فانسان. – H9 – تقرير سبتمبر – أكتوبر 1831.
20 مهدت القوات العسكرية الفرنسية لهذا الاحتلال باستيلائها على ميناء "أرزيو" في 3 جوليا و على مزغران القريبة من مستغانم في 27 جوليا من سنة 1833. – وثائق ولاية وهران، سجل المراسلات مع المقتصد العام رقم 33، سنة 1833.
21 جدول المؤسسات الفرنسية سنة 1838 ص 66. وكان السبب الذي دفع الجنرال "دي ميشال" إلى طرد "الحضر" هو معارضتهم لاحتلال المدينة. وكانت رغبتهم ألا تتجاوز علاقتهم بالفرنسيين مستوى المساعدات المادية والمعنوية.
22 وثائق ولاية وهران. – جدول المؤسسات سنة 1838.
23 جدول المؤسسات الفرنسية سنة 1839.
24 ل. رين. – مملكة الجزائر.- ص.59.
25 غادر حوالي 10000 نسمة المدينة وبقي بها الفرقة العسكرية التركية والجالية اليهودية والأقلية الاباضية...
26 فسنان : الوثائق العسكرية : 1h11. في هذه العلبة توجد رسائل القايد إبراهيم الذي كان يوقعها بختم يحمل العبارة : " الوائق بالمنان إبراهيم بن عثمان" وهو يختلف عن إبراهيم بن عصمان بن محمد الكبير دفين مدينة مستغانم.
27 جدول المؤسسات الفرنسية سنة 1838.
28 الوثائق العسكرية – 1H10. كان الجنرال "بوايه" سابقا مستشارا عسكريا في مصر على عهد محمد علي.
29 الوثائق العسكرية – 1H17.
30 بمقتضى المعاهدة، أصبح القايد إبراهيم يتقاضى مرتبا شهريا 186 فرنكا (100 سلطاني) وخليفته يتقاضى 50 فرنكا. أما الجندي فكانت ماهيته 5 افلاس شهرية.
31 الوثائق العسكرية 1 H13 : أيام 11، 12، 13، 14، 15 أفريل.
32 المازري : ج2 ص91. – يعود ذلك إلى الضغوط التي كانت تفرضها فرنسا على سلطات المغرب وإلى المعاملة السيئة التي عامل بها "العامري" الأعيان والسكان.
33 نفس المصدر ص 93.
34 الوثائق العسكرية 1H17
35 المازري ج2 ص 94
36 الوثائق الفرنسية العسكرية 1H13
37 الوثائق العسكرية 1H17
38 تقدر الوثائق العسكرية عدد السكان خلال هذه الفترة بــ 247 نسمة من أصل تركي و 504 نسمة من أصل كرغلي و550 من أصل عربي و 50 يهوديا.
3 8 مكرر- يرجع استيلاء الجنرال دي ميشال على مستغانم وأرزيو إلى أسباب تجارية عسكرية إذ كان هذا القائد يمنع الأمير عبد القادر من استعمالهما في تجارة الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى. – وثائق فانسان 1H16.
39 جدول المؤسسات الفرنسية سنة 1838.
المصدر :
محمد غالم, « مدينة في أزمة : مستغانم في مواجهة الإحتلال الفرنسي 1830-1833 », Insaniyat / إنسانيات [En ligne], 5 | 1998, mis en ligne le 31 mai 2013, consulté le 02 janvier 2014. URL : http://insaniyat.revues.org/12322
إن الأحداث التي سنتعرض لها هي التي شهدتها مستغانم و أحوازها. فتفسيرها لا يتحقق إلا إذا حللنا البنية الأثنية – الإجتماعية التي كانت تميز المدن الجزائرية قبيل الإحتلال الفرنسي. تندرج هذه المعالجة ضمن مقاربة تؤلف بين مفهومي البنية والحدث و نسعى من هذا التوليف إلى تعبير عن رفضنا للموقف الذي يتخذ الحدث كمعطى مسبقا يحدد لوحده الفعل التاريخي و نتائجه. نتبنى في مقابل هذا الموقف نظرة تشكل ضمنها البنية شروط وجود الحدث، ذلك أن الإنسان يصنع التاريخ في ظل ظروف ليست دائما من اختياره.
إننا نعلم أن فئات إجتماعية كاملة أحجمت عن مقاومة الإحتلال الفرنسي (الكراغلة و الأتراك في المدن)، بل حاربت إلى جانب الجيش الفرنسي دفاعا عن مصالحها السياسية وامتيازاتها الإجتماعية و الإقتصادية. هل هي "خيانة في حق الوطن" كما يؤكده الخطاب التاريخي الرسمي ؟ أم هو سلوك أملته ذهنية عامة كانت تميز هذه الفئة الإجتماعية؟
يميز مصطفى الأشرف بين مواقف الكراغلة و الأتراك فيعتبره "خيانة" و بين موقف "الحضر" الذي كان في نظره – صادرا عن شعور وطني صادق، إذ يقول : "إن الشعور الوطني الذي كان يختلج في نفوس الحضر شعور صادق .. ما في ذلك شك .. ولم يكن الشعور المدني عندهم أقل نماء من الشعور القومي"1 والواقع أن الحقائق التاريخية كانت أكثر تعقيدا مما تصوره مصطفى الأشرف. فالتحليل الإجتماعي الذي يفترض دراسة التراتب الإجتماعي و خصائصه في المدن الجزائرية، بقصد توضيح مواقف الفئات الإجتماعية المختلفة من الإحتلال هو في نظرنا الأداة الكفيلة بتفسير الأحداث السياسية. إن واقع هذه الفئات الإجتماعية على اختلافها ومواقعها الإجتماعية و الإقتصادية هي التي حددت مواقفها السياسية.
إننا اليوم، و نحن ندعو إلى إعادة النظر في كتابة تاريخنا الوطني، يجب علينا أن نتزود بالمناهج الحديثة و بالمقاربات الجادة لدراسة هذا التاريخ، دراسة تستهدف استخلاص أبعاده السياسية و الإجتماعية. و إلا ظلت رؤيتنا إلى التاريخ الوطني قاصرة، لا تتجاوز التزويق والمجاملة بعيدة عن التاريخ بمفهومه العلمي والحديث.
1. مستغانم قبيل الغزو الفرنسي : خصائص التراتب الإجتماعي
تقع مدينة مستغانم على الساحل المتوسطي، شرق مدينة وهران، وتبعد عن هذه الأخيرة بحوالي 80 كلم. خلال القرن الثامن عشر، كانت أهم مركز لبايليك الغرب بعد تلمسان. يعود ذلك إلى دور الأندلسيين الذين قدموا إليها خلال القرنين السادس والسابع عشر، فارتفع عدد سكانها إلى 15000 نسمة2 ونمت نشاطاتها التجارية والحرفية وانتعشت الفلاحة بحوزها.
تشرف المدينة على منطقة خصبة تسقيها مياه وادي عين الصفراء ونهر الشلف الذي يصب في البحر شرقا. إضافة إلى ذلك، كانت منفذا تجاريا لمنتوجات المناطق السهلية و التلية المجاورة مثل "مينا" و "الشلف" وتيارت نحو الخارج. في مطلع القرن التاسع عشر، شهدت المدينة ركودا عاما، فتقلص عدد سكانها وتراجعت نشاطاتها التجارية والحرفية.
1.1. المدينة وسكانها : مخطط عمراني يخضع لتقسيم إثني
يجد التراتب الإجتماعي في مستغانم مفهومه في مخطط المدينة إذ أن تنظيم المجال العمراني أملته - عموما- تقسيمات إثنية بالدرجة الأولى. هكذا توزعت أحياء المدينة إلى أربعة أقسام وفق منطق إثنى كرس تفاوتا اجتماعيا مميزا.
1.1.1. مركز المدينة : البلدة
تتكون نواة البلدة من المسجد الكبير والسوق المركزي والحمامات الرئيسية ودار القايد (القصبة). وحولها تقع محلات التجار ودروب الحرفيين. وفي دائرة ثانية، تمتد مساكن الأتراك و الكراغلة والجالية اليهودية.
في هذا الحي، توجد أهم الصنائع التي اشتهرت بها المدينة حسب ترتيب يراعي الضرورات الايكولوجية. ومنها الحرف النبيلة كالحلي والمجوهرات ثم العطور والنسيج والأحذية التي تتسم كلها بقلة تلويثها للمحيط.
تتضمن البلدة المعالم الرئيسية للمدينة : مسجد سيدي يحيى (الكائن بنهج عبد اللّه سابقا) : بني في العهد العثماني.
الجامع الكبير حيث تقام خطبة الجمعة (الكائن بنهج البايليك) يعود تأسيسه إلى السلطان المريني "علي بن سعيد"الذي أمر ببنائه سنة 1341م. إنه أقدم مسجد بالمدينة، أغلقه الجيش الفرنسي في وجه المصلين على إثر الإحتلال ولم يفتح من جديد إلا سنة 18653.
ضريح سيدي "بوعجاج" وهو ولي صالح عاش إلى بداية الإحتلال الفرنسي ومسجده الذي بناه الأعيان (باب البحر).
المنازل الجميلة التي بناها أشخاص بارزين مثل المنزل الذي شيده "حميدة العبد" قائد الأمحال (قريب من الطبانة) والقصر الذي أقامه الباي محمد الكبير لقضاء العطلة4.
يقدر النقيب تارتارو5 (Tartareau) عدد الأتراك و الكراغلة بين 1800 و2000 نسمة. ارتفع هذا العدد قليلا، حين وفدت بعض العائلات التركية إلى المدينة سنة 1831 من وهران التي استولى عليها الجيش الفرنسي.
أما الجالية اليهودية التي كانت تقطن بدرب خاص بها (درب اليهود القريب من دار القايد) فتقدرها المصادر بحوالي 500 نسمة.
يحيط بالبلدة سور مرتفع يحتوي على أبراج للمراقبة أهمها برج "الأمحال" الذي يتوسطه (مكان السجن المدني). لقد شيده الباي مصطفى الأحمر سنة 1748 و يتصل بالخارج بخمسة أبواب : باب الشلف شمالا وباب أرزيو وباب البحر غربا وباب مجاهر شرقا وباب معسكر جنوبا. يعود بناء برج "الأمحال" إلى قائد هذه القبيلة المخزنية : حميدة العبد الذي أشرف على مستغانم في أواخر العصر الزياني6.
1.1.2. المطمر
تشكل البلدة و المطمر مدينتين واضحتي المعالم حيث كان لكل منهما سوره، ويفصل بينهما وادي عين الصفراء الذي يخترق مستغانم طولا. تقع البلدة على الضفة الشرقية للوادي بينما يقع "المطمر" على الضفة الغربية في أعالي المدينة.
يسكن الحي "الحضر" الذين يتكونون من أصول أندلسية أو عناصر ريفية سابقة صقلتها سنين التحضر. يتراوح عددهم بين 2000 و3000 نسمة حسب تقديرات ضباط الجيش الفرنسي7.
تعود تسمية الحي إلى مخازن الحبوب التي بناها قايد الأمحال "حميدة العبد" في أعالي مستغانم.
توجد بالمطمر بعض المعالم مثل أضرحة البايات الثلاثة الذين ينتمون إلى الأسرة المسراتية : مصطفى بوشلاغم و إبنه يوسف ومصطفى الأحمر. وقد اتخذ الباي بوشلاغم مدينة مستغانم عاصمة له لفترة قصيرة (1732- 1738) و بها أضرحة بعض الأولياء الصالحين مثل حمادوش وسيدي عبد اللّه بوقبرين.
يحيط بالحي سور يعلوه "برج الأتراك" الذي نجهل تاريخ بنائه. تقدر مساحته بــ 30 م2 و به مخازن واسعة وبئر صالح للشرب و 18 مدفعا. استمر في الاستعمال إلى سنة 1911 حيث تحول إلى مخازن عسكرية8.
1.1.3. تجديت والعرصة : أطراف المدينة
خروجا من المطمر عن طريق باب مجاهر نصل إلى حي "تجديت" (دار الجديد) يسمى الطريق المؤدي إليه "قادوس المداحين" حيث تتجمع المياه عند الوادي الذي يسقى هذا الحي. وكان هذا المكان ملتقى "المداحين" والشعراء في مواسم الفرح والأعياد.
به توجد الحرف الملوثة كالذباغة ومعاصر الزيت ولوازم الحيوانات والأواني الفخارية...
يقع "تجديت" شمال المدينة ويقطنه "العرب" أي العناصر التي انتقلت من الريف للعمل في مطاحن الحبوب و ورشات الذباغة وبعض الأشغال المتواضعة. يعرف هذا الحي ببناءاته البسيطة وطرقه الضيقة الملتوية. تعرض للتخريب من قبل القايد "إبراهيم بوشناق" حين التحق سكانه بالمقاومة سنة 1831.
فيه، يوجد مقام سيدي عبد القادر الجيلاني ومسجد "مول النخلة" وضريح إبراهيم بن عثمان حفيد الباي محمد الكبير9.
أما "العرصة" – سابقا الجديدة – وسماها الفرنسيون "قرية الليمون" فكانت حيا جميلا تحيط به غابة من أشجار الفواكه، يقع جنوب المدينة. تعرض للتخريب من قبل الجيش الفرنسي أولا ثم أقام فيه فرسان "المخزن" بقيادة الأغا محمد المزري الذي دخل في خدمة القايد "بوشناق" في أواخر سنة 1835.
تقدر المصادر عدد سكان الحي بحوالي 1000 نسمة قبل تخريبها.
1.1.4. المرسى
قبل تحرير وهران من الوجود الإسباني سنة 1792، كان ميناء مستغانم مركزا هاما لتجارة الغرب الجزائري، لكن نشاطه تقلص وتحول جزء من هذا النشاط إلى وهران التي أصبحت عاصمة البايليك.
خلال 1830، كانت منشآت الميناء بسيطة كما أصبح غير صالح لرسو السفن الكبيرة. ويعود ذلك إلى كثرة الرمال به وتعرضه للرياح والزوابع في مواسم الشتاء. لذلك، فضل تجار المدينة تسويق منتوجاتهم (حبوب، بقر وخيول وغيرها) عبر ميناء أرزيو القريب10.
1.2. الحوز
ا يمكن فصل المدينة عن حوزها. فالحرف التي اشتهرت بها المدينة مرتبطة بموارد الحوز وإنتاجه. وفي الحوز، توجد أملاك الفئات الإجتماعية الميسورة. فمزارع الكراغلة تقع في الإقليم الممتد بين مستغانم و أرزيو وتنتج عموما الفواكه والحبوب. أما مزارع "الحضر" فتمتد على أودية نهر الشلف و الربوات المطلة عليه (ربوات الحشم) وإقليم مزغران وتنتج الحبوب والكروم والزيتون واللوز والليمون والحناء.
تعود تنمية الحوز إلى جهود الأندلسيين الذين أدخلوا زراعة القطن إلى المنطقة منذ القرن السادس عشر وطوروا بعض الزراعات (أشجار الفواكه والزيتون) وأساليبها وأشتهر إقليم مستغانم بتربية المواشي والخيول التي كانت تعتبر أجود ما أنتجه الغرب الجزائري. إضافة إلى ذلك، كان الإقليم يحتوي على غابات هامة ومصادر مائية معتبرة.
خارج المدينة، تقع مطاحن الحبوب، تدار بالطاقة المائية (وادي عين الصفراء) كانت سابقا تكفي لسد حاجات المدينة و أحوازها لكنها عرفت نوعا من الإهمال لأن أربعا منها كانت تشتغل سنة 183011.
كانت هذه المطاحن ملكا للبايليك تشتغل بواسطة يد عاملة أجيرة وهي تحت احتكار القايد مباشرة.
1.3. خصائص التراتب الاجتماعي في المدينة : "الجاه مفيد للمال"
يتعذر فهم التراتب الاجتماعي في مستغانم على أساس الثروة وحدها لوجود أسباب أخرى مرتبطة بالنفوذ السياسي عموما. وهذا النفوذ السياسي سماه ابن خلدون الجاه. فالوظيفة السياسية تؤثر على الثروة الاقتصادية وكذلك على الموقع الاجتماعي.
1.3.1. الأتراك والكراغلة
توصلت هذه الفئة إلى تكوين ملكيات عقارية وثروة مالية هامة جمعتها باستغلال نفوذها السياسي. تحتكر الوظائف السامية كالقيادة والإدارة والجيش والشرطة. لذلك تمكنت من احتلال قمة الهرم الاجتماعي.
تشير سجلات المحاكم الشرعية12 إلى أن نسبة 80 % من الأملاك العقارية داخل المدينة وفي الحوز التي كانت ملكا للعائلات التي احتكرت الوظائف السياسية على اختلاف أنواعها.
ونستنتج من دراستنا للتقرير الذي وضعته الإدارة الفرنسية في جانفي 183413 أن الأتراك كانوا يجمعون بين "القيادة" العسكرية والإدارية والتجارة والريع. ومن الأسر التركية الشهيرة : أسرة القايد بوشناق، أسرة عثمان، أسرة الحاج حسين وأسرة باكير (خلافة)، وأسر أخرى مثل قارة، و قارمان و علي بلهوان و كريتلي.
أما الكراغلة، فكانوا يجمعون بين الوظائف والثروة الإقتصادية كالتجارة والملكية الزراعية. فقد لاحظنا أن أملاكهم كانت تمتد بين مستغانم و أرزيو وتنتج الحبوب والفواكه. ومنهم أسرة قرطابة (تجارة) وأسرة بلهواري وأسرة ابن علي (تجارة وفلاحة) وأسرة مير– علي وفرع من أسرة ابن عليوة (فلاحة) وأسرة حسين رايس (حرفة).
تجمع هذه الشريحة الاجتماعية بين النفوذ والثروة. إنها تنظر إلى بقية الشرائح الاجتماعية على أنها أقل شأنا منها. تسكن في أحياء خاصة بها وتعتقد أن "عرقيتها" تدفعها إلى المعالاة وعدم مخالطة بقية السكان.
بينها وبين الارستقراطية الحضرية علاقات تتسم بالعداوة الناجمة عن التناقضات الاجتماعية والسياسية.
عند الاحتلال الفرنسي لمدينة وهران خاصة واندلاع المقاومة في الأرياف، طفت العداوات السابقة بين سكان الريف وسكان المدن، وبرزت الخلافات بين "الحضر" و الكراغلة وحال ذلك دون توحيد الصفوف في وجه الاستعمار.
رفض الأتراك والكراغلة الذين كانوا يستأثرون بالوظائف السامية والثروة الإقتصادية الالتحاق بالمقاومة المناهضة لاستعمار. لقد كانوا يعتبرون أنفسهم أعلى مرتبة وأعظم شأنا من الرعايا. فذهنيتهم تملي عليهم عدم النزول إلى درجة التحالف مع سكان الريف والإعتراف بالقيادات الريفية الجديدة التي تزعمت المقاومة. إن حرصهم على مصالحهم السابقة دفعهم إلى الانحياز إلى الجيش الفرنسي والدخول في خدمته كما حملهم تخوفهم من المقاومة إلى التوهم بأن تعاونهم مع الإدارة العسكرية الفرنسية سيؤدي إلى تعزيز نفوذهم السياسي والمحافظة على امتيازاتهم الاجتماعية14. فقد تصوروا أنّ الجيش الفرنسي سيعيد لهم الاعتبار ريثما ينتهي من قمع حركة الانتفاض وإعادة الاستقرار إلى البلاد.
1.3.2. الجالية اليهودية
لا تشكل الجالية اليهودية فئة اجتماعية منسجمة إذ أنها تتألف من :
تجار و وسطاء يملكون رؤوس أموال ومتاجر هامة بدرب اليهود والشارع الكبير. يعود أصلهم إلى مدينة ليفورنة الايطالية حسب نوربيت بلانج15 تخصصوا في التجارة الخارجية والقروض. كانوا قريبين من السلطة التركية.
حرفيين وتجار صغار يشتغلون في "صناعة الحلي والمجوهرات" يستأجرون الحوانيت والدور من الأعيان اليهود وغيرهم.
عمال بسطاء منهم : الحمالون (العتالة) إذ تؤكد وثيقة أن 36 من أصل 48 حمالا بمستغانم "كانوا يهودا يتقدمهم أمين المهنة شالوم ربوك"16.
منذ نهاية القرن الثامن عشر، انخفض عددهم باستمرار بسبب تدهور التجارة الخارجية والحرف في المدينة. خلال القرن 18، كان عددهم يقدر بحوالي 1000 نسمة فانخفض إلى النصف ثم زاد في الإنخفاض فيما بين 1830-1833 حسب تقديرات الجيش الفرنسي.
لم يعارض يهود مستغانم الاحتلال الفرنسي، بل كان موقفهم يتجه إلى تشجيعه ويعود ذلك إلى :
- وضعيتهم كأقلية دينية (أهل الكتاب) تحتاج إلى من يكفل أمنها. فقد تبين لها أن السلطة التركية أصبحت غير قادرة على ذلك بسبب الأزمة التي شهدتها الجزائر سنة 1830. لذلك مالت عموما نحو الجيش الفرنسي الذي أصبح حليفها الجديد. وقد شجعتها مصالحها الاقتصادية وعلاقاتها مع يهود فرنسا إلى اتخاذ هذا الموقف.
1.3.3. الارستقراطية الحضرية
يمارس "الحضر" التجارة – خاصة تجارة الحبوب- والحرف المتنوعة والفلاحة في الحوز وكذلك بعض الوظائف الدينية مثل التعليم والقضاء.
اشتهرت عائلات أندلسية بصناعة النسيج و الزرابي والحياك والأغطية والغليون الذي كان يوزع في أقاليم البايليك17.
كان على رأس كل حرفة أمين يعينه القائد، فكانت وظيفته مزدوجة، يشرف على الحرفة وأصولها إذ كان يراقب جودة الإنتاج ويعاقب محاولات الغش و يبت في المنازعات بين الحرفيين و الزبناء ويسهر على أسس الارتقاء في المهنة وفي نفس الوقت، كان يجمع الضرائب لصالح القايد ويعمل على تنفيذ أوامره واشتهرت عائلات أخرى مثل السنوسي وابن عبد الله وابن حواء بإشرافها على الوظائف الدينية والثقافية. وامتلكت عائلات عريقة مثل "ابن عليوة" و "ابن صبران" و "ابن نابي" عقارات هامة في المدينة و الحوز كانت تدرّ عليها أموالا معتبرة.
إن هذه العائلات التي جمعت بين النفوذ الديني والثراء الاقتصادي هي التي كانت تشكل الارستقراطية الحضرية تتقدم عامة المدينة.
يز موقف "الحضر" من الاحتلال والمقاومة بالتردد. في البداية، قرروا الدفاع عن المدينة من غارات البدو ومن أجل ذلك، اتحدوا مع الكراغلة والأتراك رغم العداوة التقليدية بينهم.
يعود ذلك التردد إلى الخلاف القائم بين المدينة والريف، إذ ينظر سكان المدن إلى البدو على أنهم "مصدر القلق والعصيان" : يميلون دائما إلى نهب الأملاك وسلبها. وشجعهم على ذلك حال الفوضى والاضطراب الذي شهده الإقليم على إثر الاحتلال الفرنسي لمدينة وهران : عاصمة البايليك.
في أواخر سنة 1831، ظهر بعض التغيير على موقف الحضر، فهاجرت دفعة هامة18 منهم حي "المطمر" والتحقت بمزغران استجابة لدعوة الجهاد التي رفعها عامل السلطان المغربي "ابن العامري". فقد تمكن هذا الأخير من كسب مساندة أشراف إقليم مستغانم19 إلى جانبه، فراح يعمل على تنظيم المقاومة وإقرار الأمن والاستقرار بين القبائل.
كانت الدفعة الأولى من الحضر في مقدمة المجاهدين الذين كانوا يحاصرون المدينة ويهاجمون حاميتها العسكرية باستمرار.
و يبدو ذلك طبيعيا إذا أخذنا بعين الاعتبار عمق العداوة القائمة بينهم وبين الأتراك الذين رفضوا دعوة المقاومة والجهاد.
أما الدفعة الثانية (550 نسمة) فأجبرت على إخلاء الحي على إثر الاحتلال العسكري للمدينة في 29 جويلية 183320. والتحقت بالأمير عبد القادر الذي وزعها على القبائل المجاورة مثل مجاهر وأولاد سيدي بو عبد الله.
أما القوات الفرنسية، فاستولت على مساكن الحضر وحولتها إلى مرافق عسكرية وثكنات يقيم بها الجيش21.
1.3.4. البرانية
يعني البراني الرجل الذي يأتي إلى المدينة للعمل أو التجارة ثم يغادرها قبل غلق أبوابها في المساء، ويقابله "البلدي" الذي يقطن المدينة.
ويتألف "برانية" مستغانم من الجماعات البشرية التي كانت تقطن خارج الأسوار خاصة بحي تجديت. وكانت تتوزع حسب انتماءاتها القبلية والجغرافية في الحي، على شكل فرق وبطون يشرف عليها شيوخ يدعون بالأمناء.
يشكل "البرانية" خزانا بشريا لسوق العمل ومختلف الأنشطة التجارية والصناعية والأشغال العامة. يزيد عددهم أو يتقلص حسب متطلبات سوق العمل. يتكاثرون في فترات الانتعاش الاقتصادي ويتناقصون في فترات الركود. يعانون من الفقر عموما بسبب تعرضهم لاستغلال مزدوج : من قبل المؤسسة التركية التي كانت تشغل قسما هاما منهم في المطاحن والأعمال الأخرى ومن قبل التجار وأهل الحرف الذين كانوا يفرضون عليهم الأعمال الشاقة مقابل أجور زهيدة (الذباغة، معاصر الزيت، و العتالة ...)
بحكم اتصالهم الوثيق بالبادية و وضعيتهم الاجتماعية، كانوا يتجهون إلى معاضدة القبائل ومؤازرتها ضدّ سكان المدينة. التحقوا بالمقاومة منذ اندلاعها سنة 1831، فكانوا يساعدون المقاومين في إحكام الحصار على المدينة. وكانت الغارات الأولى على الأسوار تنطلق من حي تجديت وحي العرصة الذي استقرت به فرقة من بني عامر.
لهذا السبب قرر "القايد بوشناق" تهديم الحيين بقصد تسهيل عمليات الدفاع عن مستغانم22 واضطر البرانية إلى الانتقال إلى القبائل والأرياف الأصلية لتدعيم صفوف المقاومة المناهضة للاحتلال.
2. الريف والتراتب الاجتماعي
يعتبر إقليم مستغانم من أصغر "أغويات" بايليك الغرب يحده شرقا إقليم "الشرق" وغربا إقليم "غرابة". تشكل مساحته مستطيلا طوله 12 ميلا وعرضه 8 أميال. إلا أن أراضيه كانت أكثر خصوبة وإنتاجا. فقد جمعت بين الزراعة وتربية الماشية والخيل.
يحتوي الإقليم على عدة قرى زراعية مثل مزغران - ماسرة - السور- يلل - عين بودينار اشتهرت بإنتاجها المتنوع : حبوب، خضر، عنب، قطن و بقر وغنم وخيول يتم تسويقها عبر مستغانم و وهران ومرسى الحجاج23.
تقطن الإقليم قبيلة "مجاهر" الشهيرة. كانت قبل 180824 مخزنية أي تقوم بالخدمة العسكرية لصالح البايليك مقابل إعفاءات ضريبية وامتيازات اجتماعية، لكنها تعرضت إلى القمع بسبب مؤازرتها لانتفاضة درقاوة فألغيت امتيازاتها وأضحت من الرعية تئن تحت الاستبداد العثماني.
إلى جانب هذه القبيلة، تعيش على أطراف الإقليم بطون من قبائل أخرى منها عشعاشة والحشم سيدي دحو، وعجيسة والرزايقية أدخلها الأمير عبد القادر ضمن آغوية مجاهر عملا بسياسته الإدارية التي كانت تهدف إلى توحيد القبائل في وجه الاستعمار الفرنسي.
في الريف، كانت العلاقات الاجتماعية قائمة على نظام الأنساب، وكان لهذه الأنساب - وهمية أو فعلية - دور هام في تعيين التراتب الاجتماعي. فالمجتمع الريفي، كانت تتصدره فئة الأعيان التي تتألف من الشرفاء والمرابطين. وقد تمكن عدد هام من هؤلاء من تكوين ثروات هامة بحكم نفوذهم الديني وموقعهم الاجتماعي.
كل شيء في الريف (توزيع الأراضي، جمع الضرائب، تنظيم الإنتاج البت في المنازاعات وتنظيم العلاقات الأخرى) لا يتم إلا بهم "لا عصبية إلاّ بالرؤساء". فالسلطة كانت بأيدي الأعيان. فهم الذين يكونون "الجماعات" ويحتكرون قراراتها. وإذا التحقت القبائل في إقليم مستغانم بالمقاومة المسلحة، فذاك يعود إلى الدور البارز الذي لعبه الشرفاء والمرابطون الذين دعوا الناس إلى الجهاد على عهد الأمير عبد القادر وقبله.
3. مستغانم في مواجهة الإحتلال الفرنسي 1830-1833
على إثر احتلال مدينة الجزائر في 5 جولية 1830، ساد جو من القلق والاضطراب ببايليك الغرب إذ أبدى الباي "الحسن بن موسى" استعدادا واضحا للتعامل مع الجيش الفرنسي. عارضه في ذلك مجموعة من الأعيان والحاشية يتقدمهم "الخليفة" "البرصالي" الذي غادر المدينة بمعية الكراغلة وفرقة عسكرية متوجها إلى تلمسان والآغا "المازري" الذي حث السكان على مغادرة مدينة وهران إلى الأرياف المجاورة. وفي 27 ديسمبر 183025، احتل الجنرال "دامريمون" (Damremont) المدينة "دون أن يتكلم وجه واحد من البارود" فقرر الباي الحسن بن موسى إلى المشرق وتجريد الحامية التركية من السلاح.
1.3. مستغانم فيما بين 1830 و1831
في أوائل ديسمبر 1830، عقد القائد للقوات الفرنسية في الجزائر – الجنرال "كلوزيل" معاهدة مع باي تونس تنص على تعيين أحد أفراد الأسرة الحسينية بايا على وهران، وفي 6 فبراير 1831، نصب الأمير أحمد بايا على وهران وخير الدين قائم مقامه (خليفته).
إن هذا الباي هو الذي عين "إبراهيم بوشناق" قايدا على مدينة مستغانم وباكير خوجه خليفته. كان القايد إبراهيم من البوسنة، تقلد عدة مناصب في وهران منها ضابط فرقة السبايحية ثم قايدا على بلدة وهران قبل أن يعين على مستغانم وأحوازها.
وحين غادر قائم مقام الباي التونسي وهران لأن السلطة المركزية في باريس لم توافق على معاهدة "كلوزيل"، أبقاه المرشال دي فوداس "De Faudoas" في منصبه وأثبته في الخدمة الجنرال بوايه (Boyer) في ديسمبر 1831 حين خلف المرشال دي فوداس على قيادة القوات الفرنسية المرابطة بوهران.
كان القايد إبراهيم شخصية مغامرة، اتسم بعدائه للأعيان والأشراف، فكان يضرم نار العداوة التي قامت بين الحضر والكراغلة. وقد عارض انتشار حركة الجهاد إلى إقليم مستغانم إذ دعاه العامل المغربي "ابن العامري" إلى فتح أبواب المدينة والمشاركة في المقاومة. ولم يكتف برفض الدعوة بل كان يراسل القائد الفرنسي بوهران ويطلعه أسبوعيا على تحركات "ابن العامري" في الإقليم26 وحين طلب منه الشيخ محي الدين المشاركة في الجهاد رفض واستكبر كما رفض حين دعاه الأمير عبد القادر إلى البيعة.
ينبع هذا الموقف من موقعه السياسي والاجتماعي، إذا كان يعتقد أن انتمائه إلى فئة الأتراك التي تحتكر الوجاهة السياسية (الوظائف السامية) لا تسمح له بالنزول إلى مرتبة الحليف لمرابط بن مرابط "(أي الأمير عبد القادر). ولم يكن هذا الموقف فرديا بل كان موقف الجالية التركية والكراغلة ورجال المخزن الذين رفضوا المشاركة في المقاومة وتمسكوا بموقف العداء لبقية الرعايا.
ظل القايد إبراهيم على موقفه إلى غاية نهاية المقاومة. فقد تحصن بالمدينة وأسوارها وقاوم محاولات فتحها إلى غاية شهر جولية 1833 حيث عزله الجنرال "دي ميشال" فنقل إلى وهران لقيادة "فرقة الأتراك" برتبة عقيد27، ثم عينه الجنرال كلوزيل في جانفي 1836 بايا على مستغانم فبقى في الخدمة مدة إلى أن تم عزله من جديد بعد معاهدة تافنة.
كانت المحاولات الأولى لتنظيم المقاومة في الإقليم هي التي أشرف عليها العامل المغربي "ابن العامري" بمساعدة الأعيان والأشراف. اتصل "ابن العامري" على إثر قدومه إلى المقاطعة خلال مارس 1831 بأعيان "مجاهر" فاستجابوا لدعوة المقاومة والتحق بهم عدد من الحضر بمزغران. حينئذ، حاصرات "مجاهر" وأهل "مزغران" مدينة مستغانم وحاولا فتحها لتأديب الكراغلة والأتراك الذين تربطهم عداوة سابقة.
لقد كان القايد "إبراهيم" على علاقة وطيدة بالجنرال "بوايه" في وهران. وكان هذا الأخير يشجعه على معارضة مشاريع ابن العامري والأعيان كما كان يحثه على حماية المدينة من غزوات "البدو". يقول في إحدى الرسائل التي وجهها له : "لقد عشت بين العرب خمسة عشر عاما، إني أعرف جيدا هذه القبائل العربية التي لا تحترم عهدا ولا تقيم قانونا. إنها تعيش على السلب والنهب ... فاحذر من مكرها ولا تغتر بوعودها"28.
كانت سياسة بوايه تعتمد على التفرقة بين القبائل حتى لا تجتمع كلمتها وتتحد مساعيها في وجه الاحتلال. وقد اعتمد على هذه السياسة لأنه كان يعتبرها أجدى من تنظيم الحملات العسكرية ضد القبائل التي كانت تحاصر الجيش الفرنسي في وهران وتمنع وصول المؤن إليها من بعض القبائل. إن الفراغ السياسي الناتج عن إفلاس السلطة العثمانية خلف تناقضات بين القبائل والأعيان. فعملية التوحيد لم تكن سهلة، كما لم يكن سهلا جمع الناس وتجنيدهم ضد الاحتلال الفرنسي : إن طبيعة المجتمع الموزع إلى قبائل حريصة على استقلال نفوذها وإلى أعيان وأشراف يتنافسون حول الزعامة وإلى فئات اجتماعية وشرائح متمسكة بامتيازاتها كل ذلك أخر حركة التوحيد وحال دونها مدة من الزمن.
لقد استغل الجنرال بوايه هذا الوضع. يقول في تقرير له "أريد نشر الفوضى في البلاد .. لقد تمكنت بفضل المخبرين الطيعين وبفضل مراسلة منتظمة مع الجاليات التركية والكراغلة وبعض الأعيان من تفجير العداوة القائمة بين القبائل والمخزن وبين القبائل فيما بينها. فتارة أتصل بالزمالة والدواير لإثارتها ضد القبائل الأخرى، وكلما سعى محي الدين والمرابطون إلى جمع شمل القبائل وإطفاء نار الفتنة بينها، أقوم من بعدهم بتحطيم جهودهم فتعود الفوضى من جديد"29.
خلال هذه الفترة، تحصن سكان مدينة مستغانم – الجالية التركية والكراغلة والعائلات الحضرية التي لم تغادر المدينة – بأسوارها وقرروا الدفاع عن أملاكهم وحرمتهم من بطش القبائل المجاورة. إن العامل الذي دفعهم إلى التحالف رغم خلافاتهم التقليدية يتمثل في التناقض القائم بين الأرياف والمدن. فسكان المدن يعتبرون القبائل أقل شأنا منهم بسبب الفوارق الاجتماعية والاقتصادية. إن "الحضر" يرفضون فتح أبواب المدن التي يسكنونها في وجه أهل الريف أثناء الأزمات خوفا من تعرض ممتلكاتهم إلى النهب والسلب. أما سكان الريف، فيعتبرون سكان المدن سبب مشاكلهم، فالمدينة – باعتبارها مقر السلطة – تفرض استغلالا واضحا للأرياف.
2.3. مستغانم فيما بين 1832 و1833
تدعمت علاقات الجنرال "بوايه" بالقايد "إبراهيم بوشناق"30 خلال جانفي 1832، زار القايد المذكور مدينة وهران وأبرم مع قائدها معاهدة تنص على تكفل الجيش الفرنسي بنفقات الحامية العسكرية بمستغانم، فيزودها باللباس و الدخائر ويدفع لها الرواتب وفي المقابل تستمر هذه الأخيرة في الدفاع عن المدينة وحمايتها من هجمات القبائل والعامل المغربي "ابن العامري"
واعتبر الجنرال بوايه هذه المعاهدة انتصارا لسياسته التي لا تكلف "إراقة دم جندي فرنسي واحد". فحاول تعميمها على الحامية التركية التي تحصنت بقلعة "المشور" في تلمسان ورفضت تسليمها للمجاهدين.
منذ ذلك الوقت، تكررت هجمات "المجاهر" و"مزغران" على المدينة وفرضوا عليها حصارا شديدا. تؤكد الوثائق الفرنسية أن عدد هذه الهجمات بلغ خمسا خلال شهر أفريل 183231، لكن القايد إبراهيم تمكن من إفشالها بفضل قوة التحصينات والمساعدات العسكرية التي كانت تصله عن طريق البحر من وهران (بارود و دخائر بشكل خاص).
* وفي ماي 1832، يضطر عامل المغرب "ابن العامري" إلى مغادرة الغرب الجزائري وبذلك تنهار الأطماع المغربية في ضم وهران32.
غادر العامل المغربي الإقليم وبدأ الفراغ السياسي يهدد الوضع "فقامت العرب على بعضها البعض في كل ناحية ومكان وعمت الفتنة وعظمت البلوى.. مدة من الزمان"33 وبلغ القلق في المقاطعة ذروته فاشتدت النزاعات بين القبائل وتقاتل الناس فيما بينهم لأبسط الأشياء. وكثرت أعمال النهب والسلب وظهرت الأمراض الفتاكة وغاب الأمن في المدن والطرق. ففي معسكر، انقسم السكان إلى ثلاث فرق تقاتلت فيما بينها34 وكادت الفوضى تفتك بالناس لولا تدخل الشيخ محي الدين : مقدم الطريقة القادرية وشيوخ الطرق الأخرى والعلماء. فانقذوا الموقف. يقول المازري : "فقام لإطفاء نارها العلماء والشرفاء والمرابطون سيما القطب الكبير سيدي محي الدين"35.
تولى هذا الشيخ، على إثر مغادرة العامل المغربي المقاطعة، قيادة المقاومة، فاتصل بشيوخ القبائل والعلماء ودعاهم إلى ترك الخلافات وجمع الشمل. فكان ينتقل من قبيلة إلى أخرى لفض النزاعات ومن مكان إلى مكان لتوحيد الجماعات وتهيئتها للمقاومة والجهاد. ففي أواخر ماي 1832، حل بمزغران واتخذها مقرا له لقيادة قبائل مستغانم وناحية الشلف وتنسيق هجماتها على الحامية التركية. واجتمعت فعلا قبائل "مينا" و الشرق" (مكاحلية و فليته وأولاد سيدي بو عيد الله) بالمجاهر وقادت هجوما واسعا على المدينة36.
واشتدت الهجمات على مستغانم في منتصف أوت 183237 وكادت تسقط لولا المساعدات الفرنسية وغياب الخطة الواضحة في إحكام الحصار وتنسيق الضربات. فقد خالفت بعض القبائل تعليمات الشيخ محي الدين القاضية بعدم التعامل مع المدينة والامتناع عن البيع والشراء مع سكانها (سياسة المقاطعة).
في خريف 1832 (سبتمبر - نوفمبر) فكت القبائل حصارها للمدينة وعادت إلى مواطنها لتتفرغ لأعمالها الزراعية (فصل الحرث والبذر) فاغتنم القايد إبراهيم فترة الهدوء لإصلاح التحصينات وقام بتخريب البيوت القريبة منها وإتلاف البساتين المحيطة بالمدينة (حي العرصة على الخصوص).
كانت أسوار المدينة شديدة تشتمل على أبراج بها 19 مدفعا من عيار 12 واثنين من عيار 24 و4 مدفعا من العيار الكبير (36). ورغم قلة عدد حاميتها38، تمكنت المدينة من التصدي للهجمات المتكررة.
كانت طريقة القبائل في الجهاد تقليدية، تهاجم في فصل الشتاء وموسم الربيع وتحجم عن المقاومة في مواسم الحرث والحصاد. تحاصر المدن وتقاطعها لكنها تلجأ إلى فك الحصار كلما شعرت بالحاجة إلى بيع محصولاتها الزراعية (حبوب ومواشي وخيول). ولم تنجح تعليمات الشيخ محي الدين الذي كان يدعو القبائل إلى فرض مقاطعة كاملة على العدو. إن هذه الأسباب هي التي تفسر فشل محاولات فتح مدن الغرب الجزائري مثل وهران وتلمسان ومستغانم رغم آيات البطولة والشجاعة التي كان يبديها المقاتلون.
في ديسمبر 1832، بايعت مجاهر و مزغران الأمير عبد القادر لكن أولاد سيدي العريبي وبعض قبائل الشرق امتنعت عن مبايعته. ومع ذلك، تجدد النزاع واشتدت الهجمات على مستغانم وأمر الأمير عبد القادر بإحكام الحصار وطلب من العروش التي تقطن بجوار المدينة إخلاء مواطنها والتراجع نحو الداخل لإنجاح الحصار.
كانت الشهور الستة الأولى من 1833 مسرحا لهجوم شامل وحصار شديد على المدينة فكادت تسقط هذه المرة لولا تدخل الجنرال "دي ميشال" الذي قرر الاستيلاء عليها في نهاية جويلية38. ففتحت مستغانم أبوابها أمام القوات الفرنسية، وأمر الجنرال الفرنسي إنهاء مهام القايد إبراهيم بوشناق والجالية التركية التي انتقلت إلى وهران، كما ألزم الأسر الحضرية على مغادرة المدينة وإخلاء حي "المطمر" لأنها رفضت الاحتلال العسكري الفرنسي39.
عارضت شرائح اجتماعية بكاملها - في الغرب الجزائري- (الأتراك والكراغلة في المدن وقبائل المخزن في الأرياف) مقاومة الاحتلال الفرنسي. إن وراء هذه المعارضة، أسبابا تتعلق بالتناقضات الحادة التي كانت تميز البنية الاجتماعية الجزائرية قبيل الغزو الفرنسي.
المراجع :
Bibliographie
1/- الوثائق العسكرية الفرنسية : قصر فانسان – المصلحة التاريخية للجيش :
1-1 المراسلات العسكرية بين قائد وهران العسكري والسلطات العسكرية :
1H8-1H9-1H10-1H10-1H11-1H12-1H13-1H14-1H15-1H16-1H17-1H18
2-1 الوثائق الأخرى : H225- H226- H234- H235- H242
2/- وثائق محافظة ولاية وهران :
2-1 سجلات المعتمد المدني : B-1- B-2- B-3
2-2 ملف مستغانم بتاريخ جانفي 1834 – رقم 2263.
2-3 جداول المؤسسات الفرنسية في الجزائر : سنة 1838 وسنة 1839 – وسنة 1840 وسنة 1841.
3/- ابن عودة المازري.- طلوع سعد السعود في أخبار وهران ... (2ج) تحقيق : ي بوعزيز، بيروت، 1990.
M. BODIN : Traditions indigènes sur Mostaganem (édition revue). Mostaganem 1936.
J. MONSONEGO : Activité économique de Mostaganem (1830 à nos jours). Paris 1950.
L. RINN : Royaume d’Alger sous le dernier Dey, Alger, 1900
م. الأشرف : الجزائر : الأمة والمجتمع (ترجمة ح. بن عيسى) الجزائر 1883.
ف. لواليش : الحياة الحضرية في بايليك الغرب – رسالة ماجستير – جامعة الجزائر سنة 1992.
N. BELANGE : Ses Juifs de Mostaganem.- l’Harmattan. Paris, 90.
الهوامش
1 م. الأشرف.- الجزائر : الأمة والمجتمع (ترجمة ح. بن عيسى). – ص.224.
2 حسب تقرير الضابط الفرنسي بيليون - Pellion- كان عدد سكانها 15000 نسمة خلال القرن 18، ثم انخفض هذا العدد بعد تحرير مدينة وهران سنة 1792، ثم زاد في الإنخفاض إلى أن وصل إلى حوالي 2000 نسمة بين 1833 و 1834. أنظر كتاب تيرو Tireau.- مستغانم و أحوازها - مستغانم 1912 وحسب جدول المؤسسات الفرنسية بالجزائر : كانت مستغانم و مزغران و تجديت و العرصة – وهي مراكز الإقليم – تضم فيما بينها 40.000 نسمة خلال القرن 18. أنظر الجدول سنة 1838.
3 تيرو – المرجع السابق.- ص. 116.
4 لواليش فتيحة . – الحياة الحضرية في بايليك الغرب. – رسالة جامعية.- جامعة الجزائر، سنة 1994.- ص. 94.
5 يعود تقرير هذا الضابط إلى سنة 1835... أنظر بودان – التقاليد الأهلية حول مستغانم.- ص. ص.17-50. لا يذكر بودان عدد هذه العائلات التي انتقلت من وهران والأرجح أن يكون قليلا لأن جل أتراك وهران و الكراغلة هاجروا إلى تلمسان. يؤكد تقرير آخر بتاريخ جانفي 1832 أن عدد الأتراك انخفض إلى 246 نسمة وعدد الكراغلة إلى 504 نسمة. وثائق قصر فانسان.- يعود هذا الانخفاض إلى الحصار المفروض على مستغانم.
6 كانت قبيلة "الأمحال" تضرب رحالها في إقليم "سيرات" حسب الشيخ أبوراس الناصر.
7 بودان .- المرجع السابق.- ص. 51.
8 قصر فنسان. – وثائق 1H11 و 1H12.
9 أنظر تيرو. – المرجع السابق. – ص. 13 وبودان. – ص. 71.
10 تبعد مستغانم عن أرزيو بحوالي 8 أميال
11 بودان. – المرجع السابق. – ص. 125.
12 تؤكد لواليش فتيحة في رسالتها : أن 80 % من أملاك الوقف كانت في حوزة عائلات البايليك (أسرة المسراتي وأسرة محمد الكبير) والقايد (بوشناق) وأصحاب الألقاب كالوكيل، والحوجة والشاوش. – ص.115.
13 وثائق ولاية وهران : تقرير عن مستغانم بتاريخ 17 جانفي 1834 تحت رقم 2263.
14 على إثر استيلاء الجيش الفرنسي على مستغانم، أجبر عدد هام من الأتراك والكراغلة، إلى الهجرة إلى تونس بعد أن فقدوا كل شيء بسبب الحرب والحصار. أما الفرقة العسكرية التي كان يقودها "إبراهيم بوشناق" فقد نقلت إلى وهران سنة 1836 وتّمّ تسريحها سنة 1837. فهاجر معظمها إلى تركيا وتونس. وثائق ولاية وهران رقم 2263.
15 ذكرته لواليش فتيحة في رسالة ماجستير.- ص. 53.
16 المرجع السابق رقم 2263.
17 جدول المؤسسات الفرنسية سنة 1838.
18 يبدو من تقرير فرنسي بتاريخ جانفي 1832 أن عدد الذين التحقوا بالمقاومة كان يتراوح بين 1000 و 1500 نسمة، إذ لم يبق بالحي سوى 550 حضريا – وثائق فانسان 1H11 : تقرير، جانفي – فيفري 1832.
19 ألح "ابن العامري" على أعيان مستغانم وأرسل لهم عددا هاما من الرسائل يدعوهم فيها إلى المقاومة. وثائق فانسان. – H9 – تقرير سبتمبر – أكتوبر 1831.
20 مهدت القوات العسكرية الفرنسية لهذا الاحتلال باستيلائها على ميناء "أرزيو" في 3 جوليا و على مزغران القريبة من مستغانم في 27 جوليا من سنة 1833. – وثائق ولاية وهران، سجل المراسلات مع المقتصد العام رقم 33، سنة 1833.
21 جدول المؤسسات الفرنسية سنة 1838 ص 66. وكان السبب الذي دفع الجنرال "دي ميشال" إلى طرد "الحضر" هو معارضتهم لاحتلال المدينة. وكانت رغبتهم ألا تتجاوز علاقتهم بالفرنسيين مستوى المساعدات المادية والمعنوية.
22 وثائق ولاية وهران. – جدول المؤسسات سنة 1838.
23 جدول المؤسسات الفرنسية سنة 1839.
24 ل. رين. – مملكة الجزائر.- ص.59.
25 غادر حوالي 10000 نسمة المدينة وبقي بها الفرقة العسكرية التركية والجالية اليهودية والأقلية الاباضية...
26 فسنان : الوثائق العسكرية : 1h11. في هذه العلبة توجد رسائل القايد إبراهيم الذي كان يوقعها بختم يحمل العبارة : " الوائق بالمنان إبراهيم بن عثمان" وهو يختلف عن إبراهيم بن عصمان بن محمد الكبير دفين مدينة مستغانم.
27 جدول المؤسسات الفرنسية سنة 1838.
28 الوثائق العسكرية – 1H10. كان الجنرال "بوايه" سابقا مستشارا عسكريا في مصر على عهد محمد علي.
29 الوثائق العسكرية – 1H17.
30 بمقتضى المعاهدة، أصبح القايد إبراهيم يتقاضى مرتبا شهريا 186 فرنكا (100 سلطاني) وخليفته يتقاضى 50 فرنكا. أما الجندي فكانت ماهيته 5 افلاس شهرية.
31 الوثائق العسكرية 1 H13 : أيام 11، 12، 13، 14، 15 أفريل.
32 المازري : ج2 ص91. – يعود ذلك إلى الضغوط التي كانت تفرضها فرنسا على سلطات المغرب وإلى المعاملة السيئة التي عامل بها "العامري" الأعيان والسكان.
33 نفس المصدر ص 93.
34 الوثائق العسكرية 1H17
35 المازري ج2 ص 94
36 الوثائق الفرنسية العسكرية 1H13
37 الوثائق العسكرية 1H17
38 تقدر الوثائق العسكرية عدد السكان خلال هذه الفترة بــ 247 نسمة من أصل تركي و 504 نسمة من أصل كرغلي و550 من أصل عربي و 50 يهوديا.
3 8 مكرر- يرجع استيلاء الجنرال دي ميشال على مستغانم وأرزيو إلى أسباب تجارية عسكرية إذ كان هذا القائد يمنع الأمير عبد القادر من استعمالهما في تجارة الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى. – وثائق فانسان 1H16.
39 جدول المؤسسات الفرنسية سنة 1838.
المصدر :
محمد غالم, « مدينة في أزمة : مستغانم في مواجهة الإحتلال الفرنسي 1830-1833 », Insaniyat / إنسانيات [En ligne], 5 | 1998, mis en ligne le 31 mai 2013, consulté le 02 janvier 2014. URL : http://insaniyat.revues.org/12322
- العجيسيعضو خبير متطور
- عدد الرسائل : 1595
البلد :
نقاط : 1727
السٌّمعَة : 27
تاريخ التسجيل : 11/11/2009
رد: مدينة في أزمة : مستغانم في مواجهة الإحتلال الفرنسي 1830-1833
الأربعاء 08 يناير 2014, 17:09
تحية من الأعماق سيدي المدير على هذا الوعي الذاتي الراقي ,لأن شخصيتي باطنيا مؤسسة على مرجعيتي التاريخية بأفراحها وأحزانها ,أنا ماض ومرجعية قبل أن أكون انا حاضر. واٍلا لماذا تؤذينا المرجعية ونختلف حولها ونتقاتل لأنها نحن في الماضي.
واٍذا لم أكون أنا من الماضى ,فمن أكون...
واٍذا لم أكون أنا من الماضى ,فمن أكون...
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى