- بن ذهيبة بن مهيديعضو نشيط
- عدد الرسائل : 104
البلد :
نقاط : 253
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 23/04/2015
الفتح الإسلامي لبلاد المغرب العربي
الأربعاء 28 أكتوبر 2015, 13:33
--------------------------------------------------------------------------------
تفيد
المصادر الإسلامية بأن الفتح الإسلامي لبلاد المغرب قد استغرق مدة طويلة
تكاد تقرب من السبعين عاما، وهذا يرجع لعدة عوامل أهمها: صعوبة البلاد من
الناحية الجغرافية اشتداد حركة المقاومة البربرية، تدخل بعض العناصر الأجنبية كالروم (البيزنطيين) في الحرب ضد المسلمين الفاتحين.
ويتضح
من المصادر التاريخية الإسلامية والمسيحية (البيزنطية) أن الفتوحات
الإسلامية التي قام بها الأمويون في بلاد المغرب كان هدفها الرئيسي هو غزو
صقلية وجنوب إيطاليا أو بمعنى
آخر غزو الإمبراطورية البيزنطية من ناحية الغرب إلى جانب الحملات الإسلامية
التي توجه إليها من ناحية الشام وأسيا الصغرى من جهة الشرق، وبذلك يتم
للمسلمين تطويق العاصمة القسطنطينية من جهة الشرق والغرب مما يساعد على
فتحها وإخضاعها للمسلميــن.
وإذا تتبعنا أدوار أو مراحل الفتح العربي الإسلامي للمغرب نجده قد مرّ بمرحلتين رئيستين هما: أولا: مرحلة الاستكشافات ( الإرهاصات) وثانيا: مرحلة الفتح المنظم.
أولا: مرحلة الإرهاصات (21-49هـ):
1-جهود عمرو بن العاص:
بدأ المسلمون في فتح بلاد المغرب منذ سنة 21هـ/642م في ولاية عمرو بن العاص على مصر وذلك لتأمين حدود مصر الغربية من خطر الروم (أو
البيزنطيين) الذين كانوا يحكمون المغرب الأدنى (إفريقية)، إذ كان يخشى أن
يحاولوا استعادة مصر من يد المسلمين من هذا الطريق الغربي.
فعقب انتهاء القائد الإسلامي عمرو بن العاص من فتح مصر بدأ يتجه وأسرع إلى المغرب بإرسال عقبة بن نافع الفهري على رأس حملة استطلاعية إلى
إقليم برقة ويبدو أن عمرو بن العاص اطمأن إلى تقرير عقبة عن منطقة برقة
الذي أوضح فيه سهولة فتحها بإرسال جيوشه إليها، وسار عمرو بن العاص على رأس
الجيش متجها نحو الغرب حتى وصل إلى برقة التي كان يسكنها قبيلة لواته
البربرية (من البربر البتر)، والتي أسرعت إلى تقديم فروض الطاعة والولاء
للجيش الإسلامي وصالحهم عمرو على نظير جزية يؤدونها إليه وهي دينار عن كل
بالغ، وهكذا ضمن عمرو بن العاص بمعاهدته مع قبيلة لواته أن يكسبهم إلى جانب
المسلمين ونجح في إدخال بعضهم في الإسلام، وبعد ذلك اتجه عمرو بن العاص
إلى إقليم طرابلس وفتحه وفي نفس الوقت تمكن أحد قواده وهو بسر بن أرطأة من
فتح ودّان ، كما قام عقبة بفتح منطقة فزّان وذلك سنة 23هـ/644م.
وبيّنت
الرواية الإسلامية أنّ عمرو بن العاص أراد بعد فتح طرابلس أن يواصل
فتوحاته ويغزو ما وراءها من بلاد إفريقية ( التابعة للبيزنطيين) وأنّه أرسل
يستأذن الخليفة عمر بن الخطاب في ذلك ولكن الخليفة رفض أن يجيبه على طلبه
ومنعه من تنفيذه، وذلك لأنّ الخليفة عمر كان يخشى على جيوش المسلمين من
الانتشار والتبعثر في تلك المناطق الشاسعة المترامية الأطراف كما أنّ نفوذ
المسلمين لم يكن قد توّطد بعد في
البلاد التي فتحوها واستقروا فيها حديثا مثل بلاد الشام والعراق ومصر، مما
يدل على سلامة تفكير الخليفة عمر بن الخطاب كقائد إسلامي بعيد النظر وسديد
الرأي.
2- حملة عبد الله بن سعد بن أبي سرح
بعد مقتل عمر بن الخطّاب سنة 23هـ/644م
توّلى عثمان بن عفّان الخلافة فأمر بعزل عمرو بن العاص من ولاية مصر
وأسندها إلى عبد الله بن أبي سرح. وقرر الخليفة عثمان مواصلة الحملات
الإسلامية لفتح بلاد المغرب. انتقل عبد الله بن سعد على رأس حملة قوّية سنة
27هـ/648م
وعبر به منطقة طرابلس وواصل زحفه نحو إفريقية ( المغرب الأدنى) التي كانت
تحت حكم بطريق الروم ( البيزنطيين) ويسّمى جريجوريوس ويعرف بجرجير، يعرض عليه إمّا الإسلام وإمّا الجزية أو القتال، فرفض جريجوريوس الذي خرج من قرطاجنة، لكن المسلمين لحقوا به إلى
موضع يسّمى سبيطلة( جنوب غرب القيروان) وعسكروا هناك، وجددوا طلبهم إلى
جرجير فرفض مجددا فبدأت المناوشات بين المسلمين والبيزنطيين.
وكان
جرجير حاكم إفريقية يخشى أن يشتبك مع المسلمين في معركة حاسمة فيتعرض جيشه
للهزيمة خاصة وأنّ أنباء انتصارات المسلمين في العراق وفارس والشام ومصر
وبرقة قد وصلته، ولهذا فقد كان القتال بادئ الأمر عبارة عن مناوشات بسيطة
امتدت بضعة أيّام كان القتال أثنائها يستمر من الصباح حتّى الظهر، ويبدو
أنّ جيش الروم كان متفوقا على جيش المسلمين من الناحية العددية مما دفع أحد
قادة المسلمين وهو عبد الله بن
الزبير بن العوّام إلى التفكير في طريقة تحقق النصر للمسلمين، فأتفق مع ابن
سعد على أن يباغت ابن الزبير الروم بالهجوم بعد انتهاء القتال اليومي
عندما يكون التعب قد أحّل بالروم، وقد نجحت تلك الخطة وتمكّن ابن الزبير
وأصحابه من اختراق معسكر الروم ،واستطاع أن يصل بسهولة إلى مخيّم البطريق
جرجير وقتله مما أدّى إلى ارتباك جيش الروم وهزيمته عقب مقتل قائده وذلك سنة 28هـ/649م، وتعرف تلك الموقعة بموقعة سبيـطلة.
ومن
نتائج تلك الموقعة تمّكن ابن سعد من الاستيلاء على حصن سبيطلة بعد حصاره
عدة أيّام. ولمّا رأى البيزنطيون وحكام المدن في إفريقية انتصارات المسلمين
طلبوا من ابن سعد أن يرحل عنها مقابل جزية سنوية يدفعونها للمسلمين ووافق
ابن سعد على ذلك خاصة أن أهل النوبة بدا خطرهم يزداد على مصر من الناحية
الجنوبية واستعد للعودة إلى مصر دون أن يستغل انتصاره في موقعة سيبطلة ويتخذ
قاعدة للمسلمين في إفريقية (المغرب الأدنى) ومع ذلك فإنّ حملة عبد الله بن
سعد كانت تجربة مفيدة للمسلمين إذ أوضحت لهم أحوال تلك البلاد ومدى
أهميتها بالنسبة لهم.
3-حملة معاوية بن حديج على إفريقية سنة45هـ:
توقفت الفتوحات الإسلامية في إفريقية عدّة سنوات بسبب فتنة مقتل الخليفة عثمان
بن عفّان ثم الصراع بين علي ومعاوية بن أبي سفيان حول الخلافة، ولم تتجدد
الفتوحات مرّة أخرى إلاّ بعد استقرار الأمر لمعاوية سنة 41هـ/662م الذي يسّمى بعام الجماعة.
وعلى
أيّة حال بعد أن توّلى معاوية بن أبي سفيان الخلافة الأموية قرر إعادة فتح
إفريقية ومواصلة حركة الفتوحات الإسلامية في بلاد المغرب، وعهد بتلك
المهمة إلى قائده معاوية بن حديج سنة 45هـ/666م،
وتقدم ابن حديج بجيوشه واتّخذ من موضع يسّمى قمونية ( جنوب قرطاجنة)
معسكرا ثابتا له، ومن هناك أخذ يوّجه السرايا إلى مراكز البيزنطيين
بإفريقية، ومنها تلك السرية التي قادها عبد الله بن الزبير إلى المدن
الساحلية واستولى فيها على قابس وبنزرت وسوسة وفي هذا الميناء الأخير
(سوسة) كان الأسطول البيزنطي قد أنزل جيشا بقيادة بطريق يدعى نقفور لمهاجمة
المسلمين، فقام ابن الزبير بمهاجمتهم بمن معه فتراجع الروم مهزومين إلى
سفنهم ، وسرية أخرى أرسلها ابن حديج بقيادة الأمير الأموي عبد الملك بن مروان إلى حصن جلولاء-وهو من الحصون البيزنطية الهامة- فحاصره عبد الملك واستولى عليه بعد قتال عنيف.
استقر
معاوية بن حديج في جبل القرن، وجعله مقرا له مدّة ثلاثة سنوات، فبنى
بناحية القرن مساكن سمّاها قيروان واحتفر بها آبار تسّمى آبار حديج.ويعتبر
معاوية بن حديج أوّل من فكّر في إقامة حاميات ومناطق دائمة للمسلمين
بإفريقية وهذا طبعا بعد داهية العرب عمرو بن العاص وما شيّده في مصر
(الفسطاط) وبعد معاوية بن حديج أخذت الفتوحات تأخذ منحى أخر أكثر تنظيما.
ولم
يلبث أن أمر الخليفة معاوية بن أبي سفيان بعزل ابن حديج عن ولاية إفريقية
وول عليها القائد التابعي المشهور عقبة بن نافع الفهري، وبتوليته تبدأ
مرحلة الفتح النظم لبلاد المغرب.
المرحلة الثانية:مرحلة التنظيم(50-89هـ)/(671-708م) عصر الولاة بالمغرب:
الفترة الأولى: (50-64هـ):
حملة عقبة بن نافع وولايته الأولى على إفريقية (46-50هـ)/(667-671م):
1-بناء القيروان: في سنة 46هـ/667م
سار عقبة بن نافع الفهري –من قبل معاوية بن حديج- بجيش كبير وفتح فزّان
وما ورائها من تخوم السودان الغربي، فدخلت جميع (لوبيا- ليبيا) في طاعة
العرب، بعدئذ تقدّم عقبة إلى إفريقية (القطر التونسي) وفتح قفصة وقسطيلية.
وأراد
عقبة أن يتخذ قيروان معسكرا أو مركزا عسكريا دائما، ذلك لأنّ الفتوح
الأولى لم تثبت فقد كان أهل إفريقية يطيعون إذا غزا العرب البلاد، فإذا
عادوا عنها عاد أهلها إلى المعصية ونقضوا الصلح، ويحسن أن نلاحظ هنا أنّ
الروم والفرنجة كانوا قد أجْلوا البربر عن الشواطئ وسكنوها هم. فالذين
كانوا يقاومون العرب لم يكونوا البربر أهل البلاد الأصليين بل الروم
والفرنجة وجماعة قليلة من البربر يساندونهم.
بنى عقبة بن نافع معسكر القيروان وهو مدينة القيروان اليوم في القطر التونسي وكانت
القيروان على شيء من الخصب تصلح مرعى للإبل كما كان موضعها بادية يشبه ما
كان العرب قد ألفوه في الجزيرة العربية، بالإضافة إلى بعدها عن البحر الذي
يسيطر عليه الروم والفرنجة بفضل أسطولهم القوّي، كما أنّها كانت طريقا
للقوافل التجارية.
أسس عقبة بن نافع معسكر القيروان سنة 50هـ/671م،
وأقام بها مسجدا، ومع مرور الأيّام بدأ الناس يتوافدون على هذا المعسكر
الذي صار في وقت وجيز مدينة عظيمة وعاصمة شهيرة ومركزا من مراكز العلم
والحضارة في العالم الإسلامي.
ولاية عقبة الأولى على إفريقية: (50-55هـ) /(671-675م)
في سنة 50هـ/671م،
فصل معاوية بن أبي سفيان ولاية إفريقية عن ولاية مصر، فأقرّ ابن حديج على
مصر وولّى على إفريقية عقبة بن نافع. وبعد ذلك عزل معاوية بن أبي سفيان ابن
حديج عن مصر وأقرّ مسلمة بن مخلد على الغرب كلّه من التخوم الغربية لمصر
إلى طنجة وهو أوّل وال جمع له المغرب، هذا الأخير الذي عزل عقبة عن إفريقية
ووّلى مكانه أبا المهاجر دينار مولى بني مخزوم سنة 55هـ/675م.
ولاية أبو المهاجر دينار: (55-62هـ)/(675-682م)
لم تستمر ولاية عقبة بن نافع على إفريقية سوى خمسة أعوام فعقب إتمامه بناء القيروان أمر الخليفة معاوية بن أبي سفيان بعزله سنة 55 هـ/675م
نتيجة لوشايات مسلمة بن مخلد والي مصر الذي كان يحسد عقبة على انتصاراته
وأعماله العظيمة في إفريقية وربما نتيجة لسياسة العنف والشدة التي اتبعها
عقبة في بلاد المغرب نحو سكانها من البربر.
وعلى
أيّة حال توّلى مكان عقبة قائد كفء لا يقل خبرة وهو أبو المهاجر دينار
الذي امتدت ولايته على إفريقية نحو سبع سنوات وهذا الوالي الجديد لا نجد
معلومات عنه في المصادر الإسلامية بما يتناسب مع الأعمال الجليلة التي قام
بها في بلاد المغرب فالمؤرخون أسهبوا في الحديث عن ولاية عقبة وعن أعماله
بينما أغفلوا الإشارة إلى دور أبي المهاجر دينار رغم
أن إسهاماته لا تقل أهمية عما قام به عقبة وبما مرّد ذلك أنّ ولاية أبو
المهاجر وقعت بين ولايتي عقبة الأولى والثانية، مما كان له تأثيره على مرور
المؤرخين عليها مرورا سريعا.
ولقد
عرف أبو المهاجر دينار بالدهاء واللين وحسن السياسة، فأستمال إليه البربر
البرانس ليضمن انضمامهم إلى المسلمين، واستطاع أبو المهاجر بفضل سياسة
اللين أن يضم إليه زعيم البربر البرانس ويدعى كسيلة (من قبيلة أوربة) وكان
نصرانيا فأعتنق الإسلام كما أسلم عدد كبير من قومه وكان كسيلة وقومه قبل
إسلامهم حلفاء للبيزنطيين.
ولقد تمكّن أبو المهاجر بفضل مؤازرة كسيلة أن يستولي على جنوب إقليم قرطاجنه ويجتاح المغرب الأوسط ويحتل مدنه الساحلية حتى تلمسان.
2-ولاية عقبة بن نافع الثانية: (62 -64هـ)/(682-684م)
بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان سنة 60هـ/680م
وتولي ابنه يزيد الخلافة أمر بعزل أبو المهاجر دينار عن إفريقية وتولي
عقبة عليها للمرّة الثانية وذلك لأنّ الخليفة يزيد علم جيدا فضل عقبة
وحماسه لنشر الإسلام. وعندما وصل عقبة إلى إفريقية قام بتعمير مدينة
القيروان ثم قرر القيام بالغزو فترك بالقيروان حامية صغيرة من المسلمين
واستخلف بها زهير بن قيس، وخرج عقبة على رأس الجيش في حملته الكبرى التي
وصل فيها حتّى شواطئ المحيط الأطلسي وكان معه أعداد من البربر البرانس على
رأسهم زعيمهم كسيلة، وقد تمكّن عقبة خلال تلك الحملة من بسط نفوذ المسلمين
على قرطاجنة وحصن المنستير، كما انتصر على الروم والبربر وقضى على
كل مقاومة لهم في المغرب الأوسط، غير أنّ عقبة أساء معاملة كسيلة زعيم
البربر وأهانه مما أدّى إلى فراره هو وأصحابه من جيش المسلمين وقرر
الانتقام.
بعد ذلك واصل عقبة الزحف نحو الغرب قاصدا المغرب الأقصى ودخله عام 62هـ/682م ويعتبر عقبة بن نافع أوّل مسلم وطأت قدمه تلك الأرض، وواصل زحفه حتّى المحيط الأطلسي وتذكر الرواية أنّه أدخل قوائم فرسه في مياه المحيط ثم رفع يديه إلى السماء وقال عبارته الشهيرة:» اللهم اشهد أنّي قد بلغت المجهود ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتّى لا يعبد أحد سواك«.
وبعدها
أسرع عقبة بالعودة متجها إلى المغرب الأوسط، حيث ترك معظم جيشه يعود إلى
مدينة القيروان في حين اتجه هو على رأس فرقة صغيرة نحو الجنوب حيث مدينة
تهّودة ليستولي عليها ويجعل منها قاعدة حربية أخرى للمسلمين في المغرب الأوسط، وهناك عاد كسيلة للظهور مجددا في
جيش ضخم من البربر والروم، ودارت معركة عند تهودة سنة64 هـ/684م آثر فيها
أبو المهاجر البقاء رفقة عقبة نافع واستشهدا معا، فلما علم نائبه بالقيروان
زهير بن قيس البلوي باستشهاده قرر الانسحاب وأتجه إلى برقة وبذلك تمكّن كسيلة من الاستيلاء على القيروان دون صعوبة سنة 64هـ/684م.
الفترة الثانية: (69-90هـ)/(689-709م)
1-ولاية زهير بن قيس البلوي سنة 69هـ/689م
في
سنة 69هـ/689م ولّي زهير بن قيس البلوي على المغرب وأمّده عبد الملك بن
مروان بجيش كبير، سار زهير إلى القيروان وقاتل كسيلة ومن معه فهزمهم وسقط
كسيلة نفسه قتيلا ولكن الروم والفرنجة عادوا بنجدات كثيرة وقاتلوا العرب
فأستشهد زهير وكثير ممن كانوا معه في نفس السنة.
2-ولاية حسّان بن النعمان: (73-85هـ)/(693-704م)
بعد
أن تغلب عبد الملك بن مروان على ابن الزبير (مشكلة الخلافة) سنة
(73هـ-693م)، وّجه إلى المغرب اهتماما صحيحا فوّلى عليه حسّان بن النعمان،
فتغلب حسّان على الروم وبسط نفوذه على البلاد كلها من برقة إلى أطراف
المغرب الأقصى وكان البربر قد وّلوا على أنفسهم بعد مقتل كسيلة امرأة كاهنة
تسّمى داهية بنت ماتيه بن تيغان ملكة جبل الأوراس، وقد سأل حسّان جماعة
مسلمي البربر فذكروا له:» أنّ جميع من بإفريقية منها خائفون، وجميع البربر مطيعون فإن قتلتها دان لك المغرب كله، ولم يبق لك مضاد ولا معاند«. ولم يتردد حسّان في السير نحو جنود الكاهنة، لكنه واجه مقاومة من نوع آخر، فالكاهنة اتبعت خطة وحشية تقضي
بتحطيم كل ما تخلفه ورائها، من حرق للزروع وتهديم للبيوت وردم للآبار، أو
ما عرف في عصرنا بسياسة الأرض المحروقة. لكن التدمير أضر بالكاهنة ضررا
بالغا فقد انفض عنها معظم أنصارها من النصارى والأفارقة واتصل عدد كبير
منهم بحسّان يستنجدون به من الكاهنة وكان البيزنطيون بعد سقوط قرطاجنة في
أيدي المسلمين، ينتظرون فرصة مواتية يستردون بها المدينة؛ فانتهز
الإمبراطور ليونتيوس فرصة انتصار الكاهنة على العرب وأعدّ حملة بحرية
بقيادة البطريق يوحنا، أغارت على قرطاجنة في سنة 78هـ/698م وقتل البيزنطيون من بها من المسلمين وسلبوا ونهبوا ما وصلت إليه أيديهم.
وكانت
الكاهنة قد أسرت بعد انتصارها على المسلمين في وادي مسكيانة نحو 80 رجلا
من أشراف العرب، أفرجت عنهم بعد انسحاب حسان من إفريقية واستثنت منهم رجلا
واحدا هو خالد بن يزيد العبسي، أعجبت بشجاعته ووسامته فرغبت أن تتبنّاه
وكان لها ولدان أحدهما بربري والآخر يوناني، وصار خالدا واحدا من أبنائها.
حملة حسّان الثانية
بقي
حسّان ببرقة ينتظر المساعدات من الخليفة عبد الملك، وكان أثنائها على
اتصال متواصل وسرا مع خالد بن يزيد؛ هذا الأخير الذي كان يعلمه بمستجدات
الأحداث داخل جماعة الكاهنة وبقي حسّان زهاء 3 سنوات في برقة حتّى عام
80هـ/700م، عندما قضى الخليفة على الفتن في المشرق، وأمدّه بجيش قوامه40000
مقاتل. ولا شك أن ضخامة هذا الجيش كان نتيجة انضمام البربر إلى العرب في
محاربة الكاهنة التي ما علمت بقرب جيش المسلمين حتّى رحلت من جبل الأوراس
بعد أن أوصت خالد بن يزيد بأن يصحب ولديها ويستأمن لها عند حسّان فأمّنهما،
أمّا هي فقررت أن تقاتل حتى الموت وزحف حسّان بكامل قواّته لمقاتلة
الكاهنة، فلما وصل إلى قريبا من قابس لقيته الكاهنة تريد قلعة تتحصن بها
فأصبحت القلعة لاصقة بالأرض، فهربت قاصدة جبل الأوراس ومعها صنم كبير تحمله
بين يديها على جمل فتبعها حسّان حتى قرب من موضعها وبقي يطاردها حتى التقى
بجيشها في سنة82 هـ/702م عند بئر الكاهنة فهزمها هزيمة شنعاء وسحق جيشها
وقتلها، وبذلك قضى حسّان على كل أثر للمقاومة في المغرب الأدنى واستقامت له
البلاد، ثم عاد لمحاربة الروم الذين غزوا قرطاجنة واسترد
المدينة، ولكن كان يخشى أن يفاجئه الروم من البحر مرّة ثانية؛ فرأى أن
يقيم تجاه قرطاجنة مدينة عربية إسلامية تقع على البحر وتشرف على مدخل
قرطاجنة، فبنى تونس على بعد نحو 12 ميلا شرقي قرطاجنة، فحوّلها حسّان من
قرية إلى قاعدة بحرية تقلع منها الأساطيل وأنشأ بها دارا لصناعة الأسطول
وأخرق إليها البحر وحفره إليها وبذلك أصبحت ميناء بحريا هاما، وشيّد بها
دارا للإمارة وثكنات للجند وبنى مسجدا هو اليوم جامع الزيتونة، كذلك أمر حسّان بتجديد المسجد الجامع بالقيروان فبناه حسّان وذلك سنة84 هـ/703م.
اعتنى
حسّان بتنظيم إفريقية إداريا فدّون الدواوين ونظم الخراج وكتبه إلى عجم
إفريقية وعلى من أقام معهم دين النصرانية ثم بعث عماله إلى سائر بلاد
المغرب وعمل على نشر الدين الإسلامي بين البربر ونشر اللغة العربية ونجح في
حشد أعداد هائلة من السّكان رحبت بالإسلام وصار البربر جزءا من جيش
المسلمين. وفي سنة 85هـ/704م عزل حسّان من طرف عبد العزيز بن مروان والي
مصر.
3-ولاية موسى بن نصير واستكمال فتح المغرب: (85-96هـ)/(704-715)
وّلي موسى بن نصير على إفريقية في أواخر سنة85هـ/704م وكان موسى بن نصيرعاملا لعبد الملك بن مروان على العراق.
بدأ
موسى بفتح قلعة زغوان وما يجاورها في أواخر سنة 85هـ/704م، وهي نفس منطقة
جبلية تقع بين القيروان وتونس وكان يسكن زغوان قوم من البربر يتزعمهم أمير
يقال له ورقطان، وكانوا يشكلون خطرا على القيروان؛ إذ كانوا يغيرون من وقت
لآخر على مقاطعات المسلمين فوّجه إليهم موسى بن نصير 500 فارس بقيادة عبد
الملك الخشيني فهزمهم وقتل أميرهم وافتتح قلعتهم فبلغ سبيهم يومئذ 10000
رأس وكان أوّل سبي دخل القيروان في ولاية ابن نصير.
وكانت الخطوة التالية في فتوحات موسى أن بعث قائده عيّاش بن أخيل إلى قبائل هوارة وزناتة فأغار
عليهم وقتل منهم جماعات كثيرة وبلغ سبيهم 5000 رأس وعقدوا الصلح مع
المسلمين رغما عنهم، أمّا كتامة فقد صالحت موسى بن نصير، وكان موسى يبعث
عيونه إلى القبائل ليتجسس عليها ويستقصي أحوالها ومنها قبيلة صنهاجة التي وصلت أخبارها على الأمير تسّهل له فرصة غزوها وغزاها ب 4000 جندي وهزمهم.
ثم
غزا موسى في البحر آخر سنة 85هـ/704م الغزوة المعروفة بالأشراف وصل فيها
إلى صقلية وعاد بغنائم كثيرة في أوائل سنة 86هـ/705م، ولقد بلغه نبأ وفاة
عبد العزيز بن مروان سنة85
هـ/704م ووفاة أخيه عبد الملك في أوائل سنة 86هـ/705م؛ فبعث موسى ببيعته
إلى الوليد بن عبد الملك، فكتب هذا الأخير إلى موسى يقرّ له بولاية إفريقية
والمغرب.
وفي
سنة 86هـ/705م، كلّف موسى بن نصير عيّاش بن أخيل بالفتح ما وراء البحر
وحلّ عليه الشتاء وهو في البحر واستطاع أن يدخل سرقوسة (جنوب صقلية) كما
فتح عبد الله بن مرّة سردينيا في نفس السنة. وكان المغرب قد فتح معظمه ولم
يبق سوى المغرب الأقصى، فخرج موسى غازيا من إفريقية إلى طنجة؛ فوجد البربر
قد فرّوا إلى أقصى الغرب خوفا من بطش العرب بهم فتبعهم موسى على جيش مؤلف
من وجوه العرب ومن اتصف من البربر بالقوّة والجلد فقتل منهم بإقليم
موريطانيا عددا كبيرا وسبى منهم سبيا كثيرا وواصل زحفه حتى وصل إلى السوس
الأقصى في حدود سنة87 هـ/706م.
وأحدثت
غزوات موسى هزّة كبرى بين قبائل البربر، وسببت لهم الذعر والهلع فأخذوا
يستأمنون العرب على أنفسهم ويستسلمون لهم وتسابقوا في إعلان خضوعهم لهم
والدخول في طاعتهم واعتناق الإسلام. وعيّن موسى طارق بن زياد على طنجة
ونواحيها وترك معه 17 رجلا من
العرب يعلمون البربر القرآن وشرائع الدين الإسلامي، فتم إسلام أهل المغرب
الأقصى على يد هؤلاء. ويعتبر موسى بن نصير أوّل من أقام القضاء بالمغرب
وبالتحديد في مدينة القيروان وتعذر على موسى سوى مدينة سبتة لمناعتها ووصول
الإمدادات إليها من البحر.
مصادر ومراجع محور الفتح الإسلامي لبلاد المغرب:
1- ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج3، دار بيروت للطباعة، ص ص 11-46.
2- ابن خلدون: العبر، ج2، ص129.
بن ذهيبة بن مهيدي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى