- rababعضو خبير متطور
- عدد الرسائل : 1096
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 367
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 04/06/2008
القابض على دينه
الخميس 17 يوليو 2008, 17:37
تأملوا هذا الكلام الذي كتبه العلامة ابن سعدي قبل 65 سنة في شرح حديث «القابض على دينه»
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد و آله و سلم . أما بعد:
فقد أعجبني ما كتبه العلامة ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الحديث، و هو آخر حديث في كتابه النفيس «بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار» :
الحديث التاسع والتسعون
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر » رواه الترمذي .
و هذا الحديث أيضا يقتضي خبرا و إرشادا.
أما الخبر ، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في آخر الزمان يقل الخير و أسبابه، و يكثر الشر و أسبابه، و أنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقل القليل، و هذا القليل في حالة شدة و مشقة عظيمة ، كحالة القابض على الجمر، من قوة المعارضين، و كثرة الفتن المضلة، فتن الشبهات والشكوك و الإلحاد، وفتن الشهوات و انصراف الخلق إلى الدنيا و انهماكهم فيها، ظاهرا وباطنا، و ضعف الإيمان، و شدة التفرد لقلة المعين و المساعد .
و لكن المتمسك بدينه، القائم بدفع هذه المعارضات و العوائق التي لا يصمد لها إلا أهل البصيرة و اليقين، و أهل الإيمان المتين، من أفضل الخلق، وأرفعهم عند الله درجة، وأعظمهم عنده قدرا.
وأما الإرشاد، فإنه إرشاد لأمته أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة، و أن يعرفوا أنه لا بد منها، وأن من اقتحم هذه العقبات، و صبر على دينه و إيمانه - مع هذه المعارضات - فإن له عند الله أعلى الدرجات، و سيعينه مولاه على ما يحبه و يرضاه، فإن المعونة على قدر المؤونة.
و ما أشبه زماننا هذا بهذا الوصف الذي ذكره صلى الله عليه وسلم، فإنه ما بقي من الإسلام إلا اسمه، و لا من القرآن إلا رسمه، إيمان ضعيف، و قلوب متفرقة، و حكومات متشتتة، و عداوات وبغضاء باعدت بين المسلمين، و أعداء ظاهرون وباطنون، يعملون سرا وعلنا للقضاء على الدين، و إلحاد وماديات، جرفت بخبيثِ تيارها و أمواجِها المتلاطمةِ الشيوخَ و الشبانَ، ودعايات إلى فساد الأخلاق، و القضاء على بقية الرمق.
ثم إقبال الناس على زخارف الدنيا، بحيث أصبحت هي مبلغ علمهم، و أكبر همهم، و لها يرضون و يغضبون، و دعاية خبيثة للتزهيد في الآخرة، و الإقبال بالكلية على تعمير الدنيا، و تدمير الدين و احتقاره و الاستهزاء بأهله، و بكل ما ينسب إليه، و فخر وفخفخة، و استكبار بالمدنيات المبنية على الإلحاد التي آثارها و شررها و شرورها قد شاهده العباد.
فمع هذه الشرور المتراكمة، و الأمواج المتلاطمة، و المزعجات الملمة، و الفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة - مع هذه الأمور و غيرها - تجد مصداق هذا الحديث.
و لكن مع ذلك، فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من روح الله، و لا يكون نظرُه مقصورا على الأسباب الظاهرة، بل يكون متلفتا في قلبه كلَّ وقت إلى مسبب الأسباب، الكريم الوهاب، و يكون الفرجُ بين عينيه، و وعدُه الذي لا يخلفه بأنه سيجعل له بعد عسر يسرا، و أن الفرج مع الكرب، و أن تفريج الكربات مع شدة الكربات و حلول المفظعات.
فالمؤمن من يقول في هذه الأحوال : " لا حول ولا قوة إلا بالله " و " حسبنا الله ونعم الوكيل . على الله توكلنا . اللهم لك الحمد ، وإليك المشتكى . وأنت المستعان . وبك المستغاث . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ", ويقوم بما يقدر عليه من الإيمان و النصح و الدعوة; و يقنع باليسير، إذا لم يمكن الكثير. و بزوال بعض الشر و تخفيفه ، إذا تعذر غير ذلك : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } ، { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } ، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } [ الطلاق : 2 ، 3 ، 4 ]
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد و آله و سلم . أما بعد:
فقد أعجبني ما كتبه العلامة ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الحديث، و هو آخر حديث في كتابه النفيس «بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار» :
الحديث التاسع والتسعون
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر » رواه الترمذي .
و هذا الحديث أيضا يقتضي خبرا و إرشادا.
أما الخبر ، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في آخر الزمان يقل الخير و أسبابه، و يكثر الشر و أسبابه، و أنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقل القليل، و هذا القليل في حالة شدة و مشقة عظيمة ، كحالة القابض على الجمر، من قوة المعارضين، و كثرة الفتن المضلة، فتن الشبهات والشكوك و الإلحاد، وفتن الشهوات و انصراف الخلق إلى الدنيا و انهماكهم فيها، ظاهرا وباطنا، و ضعف الإيمان، و شدة التفرد لقلة المعين و المساعد .
و لكن المتمسك بدينه، القائم بدفع هذه المعارضات و العوائق التي لا يصمد لها إلا أهل البصيرة و اليقين، و أهل الإيمان المتين، من أفضل الخلق، وأرفعهم عند الله درجة، وأعظمهم عنده قدرا.
وأما الإرشاد، فإنه إرشاد لأمته أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة، و أن يعرفوا أنه لا بد منها، وأن من اقتحم هذه العقبات، و صبر على دينه و إيمانه - مع هذه المعارضات - فإن له عند الله أعلى الدرجات، و سيعينه مولاه على ما يحبه و يرضاه، فإن المعونة على قدر المؤونة.
و ما أشبه زماننا هذا بهذا الوصف الذي ذكره صلى الله عليه وسلم، فإنه ما بقي من الإسلام إلا اسمه، و لا من القرآن إلا رسمه، إيمان ضعيف، و قلوب متفرقة، و حكومات متشتتة، و عداوات وبغضاء باعدت بين المسلمين، و أعداء ظاهرون وباطنون، يعملون سرا وعلنا للقضاء على الدين، و إلحاد وماديات، جرفت بخبيثِ تيارها و أمواجِها المتلاطمةِ الشيوخَ و الشبانَ، ودعايات إلى فساد الأخلاق، و القضاء على بقية الرمق.
ثم إقبال الناس على زخارف الدنيا، بحيث أصبحت هي مبلغ علمهم، و أكبر همهم، و لها يرضون و يغضبون، و دعاية خبيثة للتزهيد في الآخرة، و الإقبال بالكلية على تعمير الدنيا، و تدمير الدين و احتقاره و الاستهزاء بأهله، و بكل ما ينسب إليه، و فخر وفخفخة، و استكبار بالمدنيات المبنية على الإلحاد التي آثارها و شررها و شرورها قد شاهده العباد.
فمع هذه الشرور المتراكمة، و الأمواج المتلاطمة، و المزعجات الملمة، و الفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة - مع هذه الأمور و غيرها - تجد مصداق هذا الحديث.
و لكن مع ذلك، فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من روح الله، و لا يكون نظرُه مقصورا على الأسباب الظاهرة، بل يكون متلفتا في قلبه كلَّ وقت إلى مسبب الأسباب، الكريم الوهاب، و يكون الفرجُ بين عينيه، و وعدُه الذي لا يخلفه بأنه سيجعل له بعد عسر يسرا، و أن الفرج مع الكرب، و أن تفريج الكربات مع شدة الكربات و حلول المفظعات.
فالمؤمن من يقول في هذه الأحوال : " لا حول ولا قوة إلا بالله " و " حسبنا الله ونعم الوكيل . على الله توكلنا . اللهم لك الحمد ، وإليك المشتكى . وأنت المستعان . وبك المستغاث . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ", ويقوم بما يقدر عليه من الإيمان و النصح و الدعوة; و يقنع باليسير، إذا لم يمكن الكثير. و بزوال بعض الشر و تخفيفه ، إذا تعذر غير ذلك : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } ، { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } ، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } [ الطلاق : 2 ، 3 ، 4 ]
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى