- rababعضو خبير متطور
- عدد الرسائل : 1096
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 367
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 04/06/2008
لمس الحرير في عتاب الصغير
الجمعة 18 يوليو 2008, 08:09
إن الاهتمام بمشاعر الطفل الصغير، والانتباه إلى ما يؤثر في نفسيَّته، ومعاملته معاملةً كريمة فيها التقدير والاحترام لذات الصغير، أمر هام في التربية الإسلاميّة الراشدة، ولعل المعتاد عند الكثير من الآباء والأمهات هو إغفال شأن مشاعر الصغير لصغره، فيرون أنه لا يدرك الأمور، لكنّ واقع الأمر أنّ الطفل الصغير شديد الحساسية، مرهف الشعور إزاء الطريقة التي يُعامل بها من قِبَلْ الكبار.
نعم.. قد لا يستطيع الطفل التعبير عن إدراكه وشعوره، ولكن ذلك لا ينفي وجود الإدراك والشعور لديه، ولأنّ الآباء والأمهات يحتكون مع مشاعر الطفل ليل نهار، إذ هم القائمون على تربيته وعلى ترسيخ القيم الصحيحة لديه بالقدوة والتلقين والتشجيع على جعلها خلقاً له، كما أنهم المسئولون عن تقويم أخطائه ونهيه عنها، حتى لا تصير سلوكاً لازماً له، فإن ذلك يتطلب منهم قدراً من الحكمة وضبط النفس والوعي التربوي بعواقب ما يبدر منهم من عقوبات أو أساليب خشنة قد ينتهجونها لتصحيح أخطاء الأبناء. فلطالما ألحقت بالأبناء خسائر نفسية تحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد لإصلاحها، ولعل بعضها يستعصي على الإصلاح، مثل العقوبات البدنية القاسية والتوبيخ الشديد المستمر.
أعزائي.. إنّ التدرج في خطوات العقاب التربوي ربما منحنا نتائج عظيمة..، ومن درجاته الأولى، السهلة والفعّالة في الوقت ذاته.. "العتاب".. ذلك الأسلوب اللفظي الراقي في تصحيح أخطاء الصغار.
والعتاب معناه: لومُ القريب والصديق في شيء بإشفاق ونصيحة، والمخاطبة برفق توبيخاً أو نصحاً.
معنى ذلك أن العتاب لا يكون إلا مع الأحباب، وهل لدينا أغلى من أحبابنا الصغار ومن نربيهم؟
إن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان أسلوبه في علاج أخطاء الصغار هو العتاب الرقيق والرفق، مع تصويب الخطأ وتصحيح المفاهيم في الوقت نفسه.
ولا يكون العتاب أبداً فيما عفا الله تعالى عنه: كالنوم أو الخطأ الغير متعمد أو النسيان،
عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" [رواه ابن ماجة وصححه الألباني].
قال أهل العلم: «ينبغي أن يعدّ هذا الحديث نصف الإسلام، لأن الفعل نوعان:
- الأول: عن قصد واختيار.
- والثاني: ما يقع عن خطأ أو نسيان أو إكراه، فهذا القسم معفو عنه باتفاق» [فتح الباري: 5/161].
فالعفو عن الصغار الذين رفع عنهم القلم حتى يبلغوا من باب أولى.
ولقد كان التسامح في هذه الأشياء أمراً مستقراً في الحسّ التربوي لدى سلفنا الصالح أيضاً. يروى عن الوزير عبيد الله بن سليمان بن وهب قال: «كنت يوماً عند المعتضد، وخادمٌ واقف على رأسه يذبّ عنه بمذبةٍ في يده، إذ حرّكها فجاءت في قلنسوة (عمامة) الخليفة، فسقطت عن رأسه، فأعظمت أنا ذلك جداً، وخفت من هول ما وقع، وظننت أن المعتضد سيفعل به ويفعل، ولكن الخليفة لم يكترث لذلك، بل أخذ قلنسوته فوضعها على رأسه، ثم قال لبعض الخدم: مُرْ هذا البائس (أي الذي يبعد الذباب عن الخليفة) ليذهب لراحته فإنه قد نعس، وزيدوا في عدد من يذبّ بالنوبة، قال الوزير: فأخذنا في الثناء على الخليفة والشكر له على حلمه، فقال: إنّ هذا البائس لم يتعمد ما وقع منه وإنما نعس، وليس العتاب والمعاتبة إلا على المتعمد، لا على المخطئ ولا الساهي» [البداية والنهاية ج1، ص91].
والعتاب منهج تربوي طويل المدى وأكيد المفعول: بمعنى أنّ المربي يمكنه أن يصطحب هذا الأسلوب طوال سنوات التربية ومراحلها المختلفة، فيكون العتاب هو الأصل في أسلوبنا مع الصغار، وليس الضرب أو الشتائم هي الأصل الغالب مثلا، على أن يكون توجيه كلمات العتاب بميزان، أي في الوقت والموقف المناسب، وليس عند كل كبيرة وصغيرة.
فكثرة العتاب والملامة قد تجرّ إلى الندامة، ولقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن ذلك، يتضح ذلك إذا تتبعنا المواقف التي حدثت مع الأطفال الذين باشر تربيتهم بنفسه صلى الله عليه وسلم، يظهر ذلك-مثلاً- في شخصية الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، نستمع إليه وهو يصف التربية العالية التي تلقاها من النبي صلى الله عليه وسلم فيقول:
"خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي أف، ولا: لم صنعت؟ ولا: ألا صنعت" [رواه البخاري، كتاب الأدب]،
وفي رواية: "فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني، فإن لامني أحد من أهل بيته قال: دعوه فلو قدّر أو قضي أن يكون كان".
وهو صلى الله عليه وسلم بهذا المسلك إنما يغرس في نفس الطفل روح الحياء، وينمي فيه فضيلة الانتباه والملاحظة.
وقد يقول قائل: ونحن لو فعلنا ذلك الآن فإنّ الولد سيتجرأ ولن نستطيع السيطرة عليه أو تربيته!!
ونقول لهم: فلِمَ لَمْ يتجرأ أنس، وابن عبّاس، وزيد بن حارثة، وابنه أسامة بن زيد، وأبناء جعفر وأبناء العباس، وغيرهم ممن تربوا على يده صلى الله عليه وسلم وصاروا أعلاماً في الناس وأئمة للهدى؟ لماذا لم يتجرأ هؤلاء أو بعضهم؟
إنّ الذي لا يعجبه الأسلوب النبوي المتكامل والمتوازن تماماً، والذي يقوم على الرفق بالصغار واحترام ذواتهم مع الحزم التام أمام المخالفات الشرعية وعدم التهاون في تلبس الصغار بها أو وجودها في منازلهم، لو كان مربيا لابن عباس أو لأسامة لفشل في تربيتهم وغيّر توجهاتهم.
فإن قال: لا..، لا معاذ الله، أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم هو الأحسن، لكنّ الشباب تغيّر، وصارت تربية الأبناء وتقويمهم من أصعب وأثقل المسؤوليات، ونحن لسنا مثل النبي صلى الله عليه وسلم!
نقول لهم: إنّ ذلك أدعى للتمسك بسنته وطريقته صلى الله عليه وسلم في التربية، وإلا فليس أمامنا أن نواصل قطف الثمار المرّة للتربية العنيفة القاسية أو المتساهلة التي لا تعبأ بالضوابط، وكلاهما مشئوم العواقب كما نعلم جميعاً.
ومن الضروري أن نلفت الانتباه إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتعامل بهذا الأسلوب مع ملائكة، وإنما تعامل به مع غرائب الشباب، مثل الشاب الذي جاء يستأذن في الزنا، وكذلك مع الغلام اليهودي لآخر لحظة من حياته يدعوه صلى الله عليه وسلم للإسلام، وتعامل به مع الكثير من الصغار في أطوار التربية المختلفة، فشبُّوا عظماء يضيئُون تاريخ أمتنا إلى يوم القيامة.
إنّ شرط تحقيق الانتفاع بهذا الأسلوب، هو التوازن فيه، بمعنى أن نلتزم منذ البداية بعدم ترك ثغرات أو فعل مخالفات، أو السكوت على محظورات، فإذا أردنا أن نعالج عندئذٍ وجدنا أن الوقت قد فات.
ورحم الله الإمام الغزالي حيث يوضح للآباء والمربين ضابط أسلوب العتاب فيقول: «ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين؛ فإنه يهون عليه سماع الملامة، وركوب القبائح، ويسقط وقْعَ الكلام من قلبه، وليكن الأب حافظاً هيبة الكلام معه؛ فلا يوبخه إلا أحياناً، والأم تخوفه بالأب، وتزجره عن القبائح».
أعزائي.. لنبدأ من اليوم عهداً جديداً وأسلوبا راقياً في عتاب الأحباب الصغار وتقويمهم باللمسات الحانية والكلمات الواعية التي تصلح أخطائهم من غير أن تجرح الحرير الناعم... !
نعم.. قد لا يستطيع الطفل التعبير عن إدراكه وشعوره، ولكن ذلك لا ينفي وجود الإدراك والشعور لديه، ولأنّ الآباء والأمهات يحتكون مع مشاعر الطفل ليل نهار، إذ هم القائمون على تربيته وعلى ترسيخ القيم الصحيحة لديه بالقدوة والتلقين والتشجيع على جعلها خلقاً له، كما أنهم المسئولون عن تقويم أخطائه ونهيه عنها، حتى لا تصير سلوكاً لازماً له، فإن ذلك يتطلب منهم قدراً من الحكمة وضبط النفس والوعي التربوي بعواقب ما يبدر منهم من عقوبات أو أساليب خشنة قد ينتهجونها لتصحيح أخطاء الأبناء. فلطالما ألحقت بالأبناء خسائر نفسية تحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد لإصلاحها، ولعل بعضها يستعصي على الإصلاح، مثل العقوبات البدنية القاسية والتوبيخ الشديد المستمر.
أعزائي.. إنّ التدرج في خطوات العقاب التربوي ربما منحنا نتائج عظيمة..، ومن درجاته الأولى، السهلة والفعّالة في الوقت ذاته.. "العتاب".. ذلك الأسلوب اللفظي الراقي في تصحيح أخطاء الصغار.
والعتاب معناه: لومُ القريب والصديق في شيء بإشفاق ونصيحة، والمخاطبة برفق توبيخاً أو نصحاً.
معنى ذلك أن العتاب لا يكون إلا مع الأحباب، وهل لدينا أغلى من أحبابنا الصغار ومن نربيهم؟
إن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان أسلوبه في علاج أخطاء الصغار هو العتاب الرقيق والرفق، مع تصويب الخطأ وتصحيح المفاهيم في الوقت نفسه.
ولا يكون العتاب أبداً فيما عفا الله تعالى عنه: كالنوم أو الخطأ الغير متعمد أو النسيان،
عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" [رواه ابن ماجة وصححه الألباني].
قال أهل العلم: «ينبغي أن يعدّ هذا الحديث نصف الإسلام، لأن الفعل نوعان:
- الأول: عن قصد واختيار.
- والثاني: ما يقع عن خطأ أو نسيان أو إكراه، فهذا القسم معفو عنه باتفاق» [فتح الباري: 5/161].
فالعفو عن الصغار الذين رفع عنهم القلم حتى يبلغوا من باب أولى.
ولقد كان التسامح في هذه الأشياء أمراً مستقراً في الحسّ التربوي لدى سلفنا الصالح أيضاً. يروى عن الوزير عبيد الله بن سليمان بن وهب قال: «كنت يوماً عند المعتضد، وخادمٌ واقف على رأسه يذبّ عنه بمذبةٍ في يده، إذ حرّكها فجاءت في قلنسوة (عمامة) الخليفة، فسقطت عن رأسه، فأعظمت أنا ذلك جداً، وخفت من هول ما وقع، وظننت أن المعتضد سيفعل به ويفعل، ولكن الخليفة لم يكترث لذلك، بل أخذ قلنسوته فوضعها على رأسه، ثم قال لبعض الخدم: مُرْ هذا البائس (أي الذي يبعد الذباب عن الخليفة) ليذهب لراحته فإنه قد نعس، وزيدوا في عدد من يذبّ بالنوبة، قال الوزير: فأخذنا في الثناء على الخليفة والشكر له على حلمه، فقال: إنّ هذا البائس لم يتعمد ما وقع منه وإنما نعس، وليس العتاب والمعاتبة إلا على المتعمد، لا على المخطئ ولا الساهي» [البداية والنهاية ج1، ص91].
والعتاب منهج تربوي طويل المدى وأكيد المفعول: بمعنى أنّ المربي يمكنه أن يصطحب هذا الأسلوب طوال سنوات التربية ومراحلها المختلفة، فيكون العتاب هو الأصل في أسلوبنا مع الصغار، وليس الضرب أو الشتائم هي الأصل الغالب مثلا، على أن يكون توجيه كلمات العتاب بميزان، أي في الوقت والموقف المناسب، وليس عند كل كبيرة وصغيرة.
فكثرة العتاب والملامة قد تجرّ إلى الندامة، ولقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن ذلك، يتضح ذلك إذا تتبعنا المواقف التي حدثت مع الأطفال الذين باشر تربيتهم بنفسه صلى الله عليه وسلم، يظهر ذلك-مثلاً- في شخصية الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، نستمع إليه وهو يصف التربية العالية التي تلقاها من النبي صلى الله عليه وسلم فيقول:
"خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي أف، ولا: لم صنعت؟ ولا: ألا صنعت" [رواه البخاري، كتاب الأدب]،
وفي رواية: "فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني، فإن لامني أحد من أهل بيته قال: دعوه فلو قدّر أو قضي أن يكون كان".
وهو صلى الله عليه وسلم بهذا المسلك إنما يغرس في نفس الطفل روح الحياء، وينمي فيه فضيلة الانتباه والملاحظة.
وقد يقول قائل: ونحن لو فعلنا ذلك الآن فإنّ الولد سيتجرأ ولن نستطيع السيطرة عليه أو تربيته!!
ونقول لهم: فلِمَ لَمْ يتجرأ أنس، وابن عبّاس، وزيد بن حارثة، وابنه أسامة بن زيد، وأبناء جعفر وأبناء العباس، وغيرهم ممن تربوا على يده صلى الله عليه وسلم وصاروا أعلاماً في الناس وأئمة للهدى؟ لماذا لم يتجرأ هؤلاء أو بعضهم؟
إنّ الذي لا يعجبه الأسلوب النبوي المتكامل والمتوازن تماماً، والذي يقوم على الرفق بالصغار واحترام ذواتهم مع الحزم التام أمام المخالفات الشرعية وعدم التهاون في تلبس الصغار بها أو وجودها في منازلهم، لو كان مربيا لابن عباس أو لأسامة لفشل في تربيتهم وغيّر توجهاتهم.
فإن قال: لا..، لا معاذ الله، أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم هو الأحسن، لكنّ الشباب تغيّر، وصارت تربية الأبناء وتقويمهم من أصعب وأثقل المسؤوليات، ونحن لسنا مثل النبي صلى الله عليه وسلم!
نقول لهم: إنّ ذلك أدعى للتمسك بسنته وطريقته صلى الله عليه وسلم في التربية، وإلا فليس أمامنا أن نواصل قطف الثمار المرّة للتربية العنيفة القاسية أو المتساهلة التي لا تعبأ بالضوابط، وكلاهما مشئوم العواقب كما نعلم جميعاً.
ومن الضروري أن نلفت الانتباه إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتعامل بهذا الأسلوب مع ملائكة، وإنما تعامل به مع غرائب الشباب، مثل الشاب الذي جاء يستأذن في الزنا، وكذلك مع الغلام اليهودي لآخر لحظة من حياته يدعوه صلى الله عليه وسلم للإسلام، وتعامل به مع الكثير من الصغار في أطوار التربية المختلفة، فشبُّوا عظماء يضيئُون تاريخ أمتنا إلى يوم القيامة.
إنّ شرط تحقيق الانتفاع بهذا الأسلوب، هو التوازن فيه، بمعنى أن نلتزم منذ البداية بعدم ترك ثغرات أو فعل مخالفات، أو السكوت على محظورات، فإذا أردنا أن نعالج عندئذٍ وجدنا أن الوقت قد فات.
ورحم الله الإمام الغزالي حيث يوضح للآباء والمربين ضابط أسلوب العتاب فيقول: «ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين؛ فإنه يهون عليه سماع الملامة، وركوب القبائح، ويسقط وقْعَ الكلام من قلبه، وليكن الأب حافظاً هيبة الكلام معه؛ فلا يوبخه إلا أحياناً، والأم تخوفه بالأب، وتزجره عن القبائح».
أعزائي.. لنبدأ من اليوم عهداً جديداً وأسلوبا راقياً في عتاب الأحباب الصغار وتقويمهم باللمسات الحانية والكلمات الواعية التي تصلح أخطائهم من غير أن تجرح الحرير الناعم... !
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى