نظرة إلى معركة القرضاوي و الشيعة ...أين الخلل ؟

تأججت في الأيام القليلة الماضية المعركة التي يخوضها الشيخ يوسف القرضاوي مع الرموز الشيعية سواء الدينية أو الإعلامية في إيران و لبنان و غيرها من بلدان المنطقة حيث يتواجد الشيعة على خلفية حديث صحفي للشيخ القرضاوي اتهم في ثناياه الشيعة بالتغلغل في المجتمعات السنية وفق مخطط مدروس و ذلك باستعمال وسائل الإغراء المادي مستغلين ضعف العامة و قصورهم الفكري و الديني .

انقسم رموز أهل السنة إلى فريقين وانضم كل فريق إلى أحد الطرفين المتنازعين فمنهم إلى القرضاوي وآخرين انحازوا إلى الشيعة وبعيدا عن أهل الأهواء والذين يتحركون بالمال الإيراني فإن هذا الخلاف قد كشف عن كثير من مواضع الضعف داخل الصف السني

وانقسم رموز أهل السنة إلى فريقين و انضم كل فريق إلى أحد الطرفين المتنازعين فمنهم إلى القرضاوي و آخرين انحازوا إلى الشيعة و بعيدا عن أهل الأهواء و الذين يتحركون بالمال الإيراني فإن هذا الخلاف قد كشف عن كثير من مواضع الضعف داخل الصف السني منها الاختلافات العميقة و انعدام الإستراتيجية الواحدة التي تنظم الخلافات و لكن أبرز ما كشف عنه هذا الخلاف هو غياب القواعد المنهجية و الفكرية في الحكم على الواقع و رؤيته فهناك خلط يحدث و تتداخل كثير من المفاهيم بين الناس حول بعض المصطلحات المتداولة فيما بينهم في عالم السياسة و في خضم الأحداث التي تمر بهم و يتفاعلون معها .

و من أمثلة هذا التداخل الخلط بين مصطلحي رؤية الواقع و الموقف منه .

فهناك فرق بين الرؤية السياسية و الموقف السياسي :

فالرؤية السياسية هي وصف للواقع و للأحداث من خلال أدوات تختلف على حسب التخصص الذي يوجد فيه الواقع فواقع اقتصادي يقتضي خبير أو عالم في الاقتصاد و واقع سياسي يقتضي خبير في السياسة و واقع عقيدي يقتضي عالم في العقيدة و الشريعة وواقع فكري يعوزه رجال الفكر و الذين يخوضون في عالم الأفكار و هكذا كل في تخصصه يصف ما درسه و ما تخصص فيه .

لا يصح أن ينسب أحد من المحللين السياسيين أو غيرهم إحدى الطوائف مثلا إلى الإسلام وهو ليس متخصصا في مجال العقائد و الفرق و معرفة نواقض الإسلام و حدود الإيمان والكفر وما يدخل في البدع وما يخرج منها

فلا يصح أن ينسب أحد من المحللين السياسيين أو غيرهم إحدى الطوائف مثلا إلى الإسلام و هو ليس متخصصا في مجال العقائد و الفرق و معرفة نواقض الإسلام و حدود الإيمان و الكفر و ما يدخل في البدع و ما يخرج منها و هكذا و البعد عن هذه القاعدة تجعل المجال مفتوحا إلى كل جاهل بأصول الإسلام ينسب إلى الإسلام من ليس منه فهناك من يرى القاديانيين مسلمين و منهم يرى البهائيين كذلك بينما يوجد أيضا من يعد الوهابيين من الطوائف الشركية و هكذا دواليك ....

أما الموقف السياسي فهو التصرفات التي يتخذها أصحابها بناء على قاعدة فن الممكن وفق شبكة معقدة من المصالح و المفاسد يجري تفنيدها و ترتيبها تبعا لمعطيات الواقع و الأهداف التكتيكية و الإستراتيجية التي يرتئيها أصحابها .

فالموقف السياسي قد يختلف عن الرؤية الأصلية للواقع نتيجة كما أسلفنا لتطبيق قواعد أخرى مثل دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة أو أخف الضررين أو أكبر المصلحتين و خير مثال على ذلك يوم الحديبية لما وصل لقريش أخبار بيعة الرضوان خافت قريش خوفاً شديداً فقالوا نريد الصلح و أرسلوا سهيل بن عمرو فلما رآه النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( سهيل ) سهل الله لكم قد أرادت قريش الصلح فتقدم سهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه و سلم و بدأ الحوار و تم الاتفاق بين سهيل بن عمرو و النبي صلى الله عليه و سلم على الصلح و نادي النبي صلى الله عليه و سلم على علي بن أبى طالب لكتابة الصلح فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : اكتب يا علي : بسم الله الرحمن الرحيم فقال له سهيل بن عمرو: والله ما ندرى ما الرحمن : أكتب ما كنت تكتبه من قبل اكتب بسمك اللهم فقال له النبي صلى الله عليه و سلم امحوها يا على و أكتب بسمك الله فرفض على أن يمسحها فمحاها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أكمل قائلاً : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل بن عمرو : والله لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك و لكن أكتب محمد بن عبد الله فقال النبي صلى الله عليه و سلم امحوها يا علي : فرفض علي أن يمحوها فمحاها النبي صلى الله عليه و سلم و كتب محمد بن عبد الله .

هنا يجمع النبي صلى الله عليه و سلم بين الرؤية الثابتة السياسية العقيدية الواضحة و التي لا يستطيع أحد أن ينفيها و هي أنه رسول الله و في نفس الوقت فهو صلى الله عليه و سلم يقدم موقفا سياسيا يرضى فيه أن لا يكتب صفته كنبي و لكن يْكتب اسمه فقط صلى الله عليه و سلم فهذا الموقف الذي يتفق فيه النبي مع المشركين الذين لا يرضون بنبوته صلى الله عليه و سلم لا يتعارض مع رؤيته و الحرص على تأكيد أنه رسول الله التي ينكرها هؤلاء المشركون.

الموقف السياسي لا يمنع من تبيان الحقائق ووصف الواقع وبيان أن هذا الفريق مؤمن أو كافر أو مبتدع ومن على الحق ومن على الباطل وهذا ما فعله الشيخ القرضاوي في مسألة الشيعة ومخططاتهم في استغلال الفراغ الثقافي والعقيدي الذي يعيشه أهل السنة لنشر مذهبهم بينهم فعمد الشيخ إلى تحذير الناس من مؤامراتهم ومخططاتهم

فالموقف السياسي لا يمنع من تبيان الحقائق و وصف الواقع و بيان أن هذا الفريق مؤمن أو كافر أو مبتدع و من على الحق و من على الباطل و هذا ما فعله الشيخ القرضاوي في مسألة الشيعة و مخططاتهم في استغلال الفراغ الثقافي و العقيدي الذي يعيشه أهل السنة لنشر مذهبهم بينهم فعمد الشيخ إلى تحذير الناس من مؤامراتهم و مخططاتهم و بيان أنهم أهل بدعة مع التأكيد على أنهم مسلمون بالرغم أن كثيرا من علماء السنة قديما و حديثا يرون أن معتقدات هذه الطائفة من سب الصحابة و القول بتحريف القرآن هي كفر صريح .

و قد تكون هناك بعض المواقف الخاصة التي يقتضي فيها التعاون مع الشيعة أو إيجاد آلية سياسية لدمجهم في المجتمع الإسلامي و لكن هذا لا يمنع من تبيان عقائدهم و مدى اقترابها أو بعدها من العقيدة الصحيحة و هذا ما يجب على الآخرين فهمه و استيعابه .