الحماس الاسرائيلي للمبادرة السعودية ..بقلم الاستاذ عبد الباري عطوان
الثلاثاء 21 أكتوبر 2008, 20:14
فجأة، وبعد ست سنوات على اطلاقها، تتسابق القيادات الاسرائيلية الرئيسية للترحيب بمبادرة السلام السعودية، فقد اعلن ايهود باراك وزير الدفاع ان القادة الاسرائيليين يدرسون هذه المبادرة، ويناقشون كيفية الرد عليها، اما شمعون بيريس فإنه يسعى لاجراء مفاوضات مع العالم العربي بأسره للوصول الى معاهدة سلام شاملة. ونقلت عنه صحيفة 'معاريف' قوله 'من الخطأ اجراء مفاوضات منفردة مع السوريين واخرى مع الفلسطينيين، وعلى اسرائيل التوقف عن اجراء مفاوضات ثنائية، والذهاب الى اتفاق سلام اقليمي مع الدول العربية وجامعتها'.
هذا تحول اساسي في الموقف الاسرائيلي اذا اخذنا الامور بظواهرها، فالحكومة الاسرائيلية الحالية، مثل كل الحكومات السابقة، ظلت تماطل في ردها على هذه المبادرة، وتطالب العرب بالتطبيع اولا، قبل اي نقاش جدي بشأنها، بل انها ذهبت الى ما هو ابعد من ذلك عندما طالبت الزعماء العرب، والعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، على وجه الخصوص، بالتوجه الى القدس المحتلة لطرحها امام الكنيست (البرلمان) الاسرائيلي، اسوة بالرئيس الراحل محمد انور السادات.
نحن الآن امام 'طبخة جديدة'، يجري الاعداد لها بشكل متسارع، ابتداء من الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الاسرائيلي بيريس الى شرم الشيخ بعد غد الخميس للقاء نظيره المصري حسني مبارك، 'عراب السلام'، وزعيم محور دول الاعتدال العربي الذي يضم بلاده، علاوة على دول الخليج الست والاردن.
السؤال المطروح هو عن اسباب هذا الحماس الاسرائيلي المفاجئ لمبادرة سلام سعودية لم تلق الا الاستخفاف والمراوغة من قبل اسرائيل على مدى السنوات الست الماضية، وبناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية ومحيط القدس المحتلة، بل والتجرؤ على اقامة كنيس يهودي في باحة الحرم الشريف.
'''
هناك عدة اسباب، بعضها أملته متغيرات دولية واقليمية آنية، وبعضها الآخر وهو الاهم، يتعلق بالطموحات الاستراتيجية المستقبلية، ونبدأ بالشق الاول منها:
اولاً: تدرك القيادة الاسرائيلية انها على بعد اسبوعين تقريباً من الانتخابات الرئاسية والتشريعية النصفية الأمريكية، حيث سيأتي رئيس أمريكي جديد، من المرجح أن يكون باراك أوباما، مما يعني انتهاء عهد المحافظين الجدد ومعظمهم من اليهود أنصار اسرائيل، وذهاب ادارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، الذي يعتبر أكثر الزعماء الأمريكيين ولاءً للدولة العبرية، وخدمة لمصالحها.
ثانياً: الأزمة المالية الحالية أضعفت اللوبي الاسرائيلي الذي يستخدم المال سلاحاً سياسياً في الهيمنة على الحكومات الغربية، كما منيت الرأسمالية الغربية في شكلها الحالي بضربة قاصمة، وأحدثت هذه الأزمة شرخاً يتسع يوماً بعد يوم بين الولايات المتحدة المتهمة أساساً في صنعها، والدول الغربية الأوروبية.
ثالثاً: تسود قناعة راسخة في أوساط أمريكية وغربية عديدة، بأن الحرب على الارهاب التي شنتها واشنطن ضد العراق وافغانستان على مدى السنوات السبع الماضية، وكلفت الخزينة الأمريكية 750 مليار دولار حتى الآن، هي أحد ابرز أسباب انهيار العالم الرأسمالي اقتصادياً لمصلحة قوى عظمى جديدة غير غربية بدأت تطل برأسها مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل.
رابعا: تدرك اسرائيل أن الحروب الأمريكية في أفغانستان والعراق خاسرة كلياً، وستؤدي إلى هزيمة كبرى للغرب، على غرار هزيمة مماثلة للاتحاد السوفييتي قبل عشرين عاماً. وهذه الخسارة التي باتت وشيكة جداً، ستؤدي إلى حدوث انقلاب في المعادلات الاستراتيجية الدولية، لأنها تثبت بروز قوة حرب العصابات والجماعات المسلحة، وقدرتها على الحسم على الأرض، وتراجع مفهوم الجيوش النظامية في تحقيق الهدف نفسه في المقابل.
خامساً: حرب تموز (يوليو) عام 2006 اللبنانية اثبتت سقوط نظرية التفوق العسكري الاسرئيلي أمام قوات عقائدية غير نظامية، وانتهاء دور التفوق الجوي في حسم الحروب أمام التطور النوعي في القدرات الصاروخية في المقابل.
سادساً: امتلاك العرب، والخليجيين منهم خاصة، أوراقا استراتيجية كبرى سيكون لها تأثير عالمي اذا ما استخدمت بحكمة، ابرزها عودة سلاح البترول إلى فاعليته السابقة، وامتلاك ثروات مالية هائلة ناتجة عن عوائده، حيث تقدر حاليا بـ'تريليون' دولار سنويا، هذا دون ان نحسب العوائد المالية الاخرى من الغاز والمعادن والصناعات والمنتوجات الزراعية.
'''
ومع احترامنا وتقديرنا لأهمية كل الاسباب والعوامل السابقة، ودورها في إحداث تغيير في التفكير الاسرائيلي، فإننا نضيف سببا يبدو اكثر اهمية، يمكن ايجازه في وجود توجه عربي متنام لاقامة تحالف عربي سني في مواجهة ايران الشيعية والاطراف الاخرى في محورها مثل سورية وحزب الله وحماس، يتولى تحييد ايران نوويا، سواء بتشكيل جبهة عسكرية موحدة لتدمير برامجها الطموحة في هذا الصدد، او من خلال سياسة احتواء تعتمد الحصار الاقتصادي الخانق وتشجيع حركات التمرد الداخلية للأقليات السنية والعربية وغير الفارسية عموما، والاستهداء بتجربة حصار العراق قبل الاطاحة بنظامه العربي.
هناك عدة مؤشرات تدعم مثل هذا التوجه بدأت تطل برأسها في الفترة الاخيرة، نوجزها في النقاط التالية:
اولا: دعوة وزير خارجية البحرين الشيخ خالد آل خليفة لاقامة تكتل اقليمي يضم اسرائيل وتركيا وايران والعرب، لمعالجة قضايا المنطقة الراهنة، على غرار الاتحاد الاوروبي.
ثانيا: حدوث اول لقاء علني اسرائيلي ـ سعودي في اكسفورد في بريطانيا بدعوة من مجموعة اكسفورد، مثّل الجانب الاسرائيلي فيه الجنرال دان روتشيلد، منسق الاستيطان في الضفة الغربية سابقا، وشارك فيه الامير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودي وسفير بلاده في كل من واشنطن ولندن سابقا.
ثالثا: تصاعد وتيرة الفتاوى التي يصدرها علماء سنة اجلاء، مثل الشيخ يوسف القرضاوي، وسلمان العودة، ومحسن العواجي، وغيرهم، تحرّض ضد المذهب الشيعي وتتهمه 'بتشييع' السنة في البلاد العربية، واستثمار مئات الملايين من الدولارات لتمويل محطات تلفزة وصحف ومواقع الكترونية لتعبئة اتباع المذهب السني ضد ايران والشيعة.
'''
ما نريد قوله إن الادارة الامريكية قالت لحلفائها العرب صراحة انها لن تخوض حربا ضد ايران لتخليصهم من نظامها، وبرامجها النووية مثلما فعلت مع صدام حسين في العراق وحكومة طالبان في افغانستان، وان عليهم الاعتماد على اسرائيل للوصول الى هذا الهدف على اعتبار ان ايران عدو للطرفين.
الدخول في تحالف مع اسرائيل ضد دولة مسلمة يحتاج الى 'ورقة توت'، تماما مثلما حدث عندما تحالف العرب عسكريا مع الولايات المتحدة ضد العراق الدولة العربية المسلمة. وورقة التوت هذه هي تحقيق السلام بين العرب والاسرائيليين، فهذا ما فعله جورج بوش الاب، قبل تدميره للعراق عام 1991 تحت عنوان 'تحرير الكويت'، وهذا ما كرره ابنه عندما وعد بقيام دولة فلسطينية قبل العام 2005 قبل ان يكمل ما بدأه والده، اي احتلال العراق.
نحن امام خديعة جديدة، ربما تصبح اكثر خطورة من كل الخدع السابقة، لانها ستؤسس لحلف جديد، تكون اسرائيل زعيمته، يقسم المسلمين على اسس طائفية، ويشعل فتيل حرب بين العرب والايرانيين ربما تنتهي بتدمير او اضعاف الطرفين، وبما يؤدي الى تقوية اسرائيل وهيمنتها الكاملة على المنطقة، بعد ان ادركت ان الغرب بدأ يدرك كم هي عبء مكلف على كاهله امنيا وسياسيا واقتصاديا.
هذا تحول اساسي في الموقف الاسرائيلي اذا اخذنا الامور بظواهرها، فالحكومة الاسرائيلية الحالية، مثل كل الحكومات السابقة، ظلت تماطل في ردها على هذه المبادرة، وتطالب العرب بالتطبيع اولا، قبل اي نقاش جدي بشأنها، بل انها ذهبت الى ما هو ابعد من ذلك عندما طالبت الزعماء العرب، والعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، على وجه الخصوص، بالتوجه الى القدس المحتلة لطرحها امام الكنيست (البرلمان) الاسرائيلي، اسوة بالرئيس الراحل محمد انور السادات.
نحن الآن امام 'طبخة جديدة'، يجري الاعداد لها بشكل متسارع، ابتداء من الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الاسرائيلي بيريس الى شرم الشيخ بعد غد الخميس للقاء نظيره المصري حسني مبارك، 'عراب السلام'، وزعيم محور دول الاعتدال العربي الذي يضم بلاده، علاوة على دول الخليج الست والاردن.
السؤال المطروح هو عن اسباب هذا الحماس الاسرائيلي المفاجئ لمبادرة سلام سعودية لم تلق الا الاستخفاف والمراوغة من قبل اسرائيل على مدى السنوات الست الماضية، وبناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية ومحيط القدس المحتلة، بل والتجرؤ على اقامة كنيس يهودي في باحة الحرم الشريف.
'''
هناك عدة اسباب، بعضها أملته متغيرات دولية واقليمية آنية، وبعضها الآخر وهو الاهم، يتعلق بالطموحات الاستراتيجية المستقبلية، ونبدأ بالشق الاول منها:
اولاً: تدرك القيادة الاسرائيلية انها على بعد اسبوعين تقريباً من الانتخابات الرئاسية والتشريعية النصفية الأمريكية، حيث سيأتي رئيس أمريكي جديد، من المرجح أن يكون باراك أوباما، مما يعني انتهاء عهد المحافظين الجدد ومعظمهم من اليهود أنصار اسرائيل، وذهاب ادارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، الذي يعتبر أكثر الزعماء الأمريكيين ولاءً للدولة العبرية، وخدمة لمصالحها.
ثانياً: الأزمة المالية الحالية أضعفت اللوبي الاسرائيلي الذي يستخدم المال سلاحاً سياسياً في الهيمنة على الحكومات الغربية، كما منيت الرأسمالية الغربية في شكلها الحالي بضربة قاصمة، وأحدثت هذه الأزمة شرخاً يتسع يوماً بعد يوم بين الولايات المتحدة المتهمة أساساً في صنعها، والدول الغربية الأوروبية.
ثالثاً: تسود قناعة راسخة في أوساط أمريكية وغربية عديدة، بأن الحرب على الارهاب التي شنتها واشنطن ضد العراق وافغانستان على مدى السنوات السبع الماضية، وكلفت الخزينة الأمريكية 750 مليار دولار حتى الآن، هي أحد ابرز أسباب انهيار العالم الرأسمالي اقتصادياً لمصلحة قوى عظمى جديدة غير غربية بدأت تطل برأسها مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل.
رابعا: تدرك اسرائيل أن الحروب الأمريكية في أفغانستان والعراق خاسرة كلياً، وستؤدي إلى هزيمة كبرى للغرب، على غرار هزيمة مماثلة للاتحاد السوفييتي قبل عشرين عاماً. وهذه الخسارة التي باتت وشيكة جداً، ستؤدي إلى حدوث انقلاب في المعادلات الاستراتيجية الدولية، لأنها تثبت بروز قوة حرب العصابات والجماعات المسلحة، وقدرتها على الحسم على الأرض، وتراجع مفهوم الجيوش النظامية في تحقيق الهدف نفسه في المقابل.
خامساً: حرب تموز (يوليو) عام 2006 اللبنانية اثبتت سقوط نظرية التفوق العسكري الاسرئيلي أمام قوات عقائدية غير نظامية، وانتهاء دور التفوق الجوي في حسم الحروب أمام التطور النوعي في القدرات الصاروخية في المقابل.
سادساً: امتلاك العرب، والخليجيين منهم خاصة، أوراقا استراتيجية كبرى سيكون لها تأثير عالمي اذا ما استخدمت بحكمة، ابرزها عودة سلاح البترول إلى فاعليته السابقة، وامتلاك ثروات مالية هائلة ناتجة عن عوائده، حيث تقدر حاليا بـ'تريليون' دولار سنويا، هذا دون ان نحسب العوائد المالية الاخرى من الغاز والمعادن والصناعات والمنتوجات الزراعية.
'''
ومع احترامنا وتقديرنا لأهمية كل الاسباب والعوامل السابقة، ودورها في إحداث تغيير في التفكير الاسرائيلي، فإننا نضيف سببا يبدو اكثر اهمية، يمكن ايجازه في وجود توجه عربي متنام لاقامة تحالف عربي سني في مواجهة ايران الشيعية والاطراف الاخرى في محورها مثل سورية وحزب الله وحماس، يتولى تحييد ايران نوويا، سواء بتشكيل جبهة عسكرية موحدة لتدمير برامجها الطموحة في هذا الصدد، او من خلال سياسة احتواء تعتمد الحصار الاقتصادي الخانق وتشجيع حركات التمرد الداخلية للأقليات السنية والعربية وغير الفارسية عموما، والاستهداء بتجربة حصار العراق قبل الاطاحة بنظامه العربي.
هناك عدة مؤشرات تدعم مثل هذا التوجه بدأت تطل برأسها في الفترة الاخيرة، نوجزها في النقاط التالية:
اولا: دعوة وزير خارجية البحرين الشيخ خالد آل خليفة لاقامة تكتل اقليمي يضم اسرائيل وتركيا وايران والعرب، لمعالجة قضايا المنطقة الراهنة، على غرار الاتحاد الاوروبي.
ثانيا: حدوث اول لقاء علني اسرائيلي ـ سعودي في اكسفورد في بريطانيا بدعوة من مجموعة اكسفورد، مثّل الجانب الاسرائيلي فيه الجنرال دان روتشيلد، منسق الاستيطان في الضفة الغربية سابقا، وشارك فيه الامير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودي وسفير بلاده في كل من واشنطن ولندن سابقا.
ثالثا: تصاعد وتيرة الفتاوى التي يصدرها علماء سنة اجلاء، مثل الشيخ يوسف القرضاوي، وسلمان العودة، ومحسن العواجي، وغيرهم، تحرّض ضد المذهب الشيعي وتتهمه 'بتشييع' السنة في البلاد العربية، واستثمار مئات الملايين من الدولارات لتمويل محطات تلفزة وصحف ومواقع الكترونية لتعبئة اتباع المذهب السني ضد ايران والشيعة.
'''
ما نريد قوله إن الادارة الامريكية قالت لحلفائها العرب صراحة انها لن تخوض حربا ضد ايران لتخليصهم من نظامها، وبرامجها النووية مثلما فعلت مع صدام حسين في العراق وحكومة طالبان في افغانستان، وان عليهم الاعتماد على اسرائيل للوصول الى هذا الهدف على اعتبار ان ايران عدو للطرفين.
الدخول في تحالف مع اسرائيل ضد دولة مسلمة يحتاج الى 'ورقة توت'، تماما مثلما حدث عندما تحالف العرب عسكريا مع الولايات المتحدة ضد العراق الدولة العربية المسلمة. وورقة التوت هذه هي تحقيق السلام بين العرب والاسرائيليين، فهذا ما فعله جورج بوش الاب، قبل تدميره للعراق عام 1991 تحت عنوان 'تحرير الكويت'، وهذا ما كرره ابنه عندما وعد بقيام دولة فلسطينية قبل العام 2005 قبل ان يكمل ما بدأه والده، اي احتلال العراق.
نحن امام خديعة جديدة، ربما تصبح اكثر خطورة من كل الخدع السابقة، لانها ستؤسس لحلف جديد، تكون اسرائيل زعيمته، يقسم المسلمين على اسس طائفية، ويشعل فتيل حرب بين العرب والايرانيين ربما تنتهي بتدمير او اضعاف الطرفين، وبما يؤدي الى تقوية اسرائيل وهيمنتها الكاملة على المنطقة، بعد ان ادركت ان الغرب بدأ يدرك كم هي عبء مكلف على كاهله امنيا وسياسيا واقتصاديا.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى