- فاطمة ليندةعضو خبير متطور
- عدد الرسائل : 3216
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 3912
السٌّمعَة : 29
تاريخ التسجيل : 08/07/2008
متفرجون حتى آخر قطرة من دمائنا
الثلاثاء 30 ديسمبر 2008, 11:14
بقلم د.عمرو الشوبكى ٢٩/ ١٢/ ٢٠٠٨
نكأت المجزرة الإسرائيلية التى حدثت فى قطاع غزة أمس الأول، جراحا فلسطينية وعربية غائرة، وأوضحت حجم الفشل العربى، والعجز الشعبى، وكيف هان العرب على أنفسهم فهانوا على العالم وأصبحت دماؤهم رخيصة وأوطانهم مستباحة، يتفرجون ببلادة على جرائم وحشية صارت جزءاً من العمل اليومى لألة الإرهاب الإسرائيلية.
وأهم من يتصور أن الدماء التى تسقط فى غزة هى فقط دماء المقاومين (مهما كانت أخطاء قادتهم وحساباتهم الخاطئة)، فدماء المتفرجين تسقط كل يوم تحت صخور جبل المقطم فى الدويقة وفى العبّارات والقطارات، وبالمبيدات الكيميائية، وكل من يتصور أن الفشل العربى راجع إلى كوننا لا نحارب إسرائيل واهم، لأننا رسبنا جميعا حين فشلنا فى معركة التنمية والديمقراطية، وفى أن نصبح قوة ردع لسياسات إسرائيل العدوانية، وجرائمها المتكررة.
لم يطالب أحد الحكومة المصرية، بإعلان الحرب على إسرائيل، ولا التدخل عسكريا للدفاع عن الشعب الفلسطينى الأعزل، إنما فقط بإظهار إنجازات «عصر السلام»، التى يفترض أن تكون فى صورة إصلاح سياسى واقتصادى، وفى وزن دولى وإقليمى قادر على التأثير فى المعادلة الدولية (بقدر)، خاصة فى الحليف الاستراتيجى الأمريكى، بصورة تساعد على وقف العدوان الإسرائيلى، مترجما قدرات مصر الداخلية على الساحة الدولية، والتى يفترض أن تكون فى أفضل حالاتها، نظراً لأننا نعيش مرحلة سلام منذ ما يقرب من ثلاثين عاما، وأننا لم ندخل فى مواجهة عسكرية منذ حرب ١٩٧٣.
والمؤكد أن مشكلة النظام المصرى ليست فى كونه لم ينتقل من معسكر السلام إلى معسكر الحرب (غير الموجود بين أى نظام عربى منذ مبادرة السادات إلى القدس عام ١٩٧٧)، إنما فى فشله فى إدارة «معركة السلام» بصورة أدت إلى ظهوره بهذا الشكل الباهت طوال العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة.
إن شعور المصريين بالمهانة الوطنية والقومية جاء عقب قيام إسرائيل بعدوانها على أهل غزة، بعد يوم واحد من استقبال وزيرة الخارجية الإسرائيلية فى القاهرة، فى موقف مؤسف لا يمكن تبريره.
وإذا كان من المؤكد أن الحكم فى مصر لم يطلب من الحكومة الإسرائيلية قتل الفلسطينيين، ويعلم فى الوقت نفسه أنه أضعف من أن يثنيها عن قرار أو اعتداء رتبت له.. فلماذا دعا من الأساس الوزيرة القاتلة إلى القاهرة، ومتى يتوقف عن دبلوماسية العلاقات العامة التى تحرص على الشكل ولا تنجح فى أى جوهر؟!
والمؤكد أن هذا الولع المصرى بدبلوماسية العلاقات العامة واللقاءات التليفزيونية والأحاديث المنمقة، التى تكرر جملاً باهتة لا معنى لها، كضبط النفس، ورفض الاعتداءات الإسرائيلية، وإدانة قتل المدنيين.. بات مفضوحا وغير مؤثر، فهذه الجمل تتكرر قبل وبعد أى عدوان إسرائيلى، دون أن تؤثر فيه، فلا الدعوات المصرية المتكررة لضبط النفس جعلت إسرائيل تتراجع ولو مرة واحدة عن قرارها «عدم ضبط النفس».. ولا رفض العدوان وشجبه منع إسرائيل من تكراره عشرات المرات.
وصارت مشكلة مصر لا تتعلق بتوجه سياسى معين يستحق المعارضة، إنما فى العجز عن التعبير عن أى توجه، فمصر فشلت فى أن تصبح مثل تركيا (حليفة أمريكا والغرب ولها علاقات بإسرائيل)، فى أن يكون لها دور إقليمى ودولى مؤثر، حيث نجحت أنقرة فى القيام بدور أكبر بكثير من الدور المصرى فى الملفات التى كانت تلعب فيها مصر أدواراً تاريخية كالقضية الفلسطينية والصراع العربى ـ الإسرائيلى.
من المؤكد أن مجازر غزة كشفت بؤس حالة المتفرجين العرب التى لا تضم مصر فقط إنما تتحملها كل النظم العربية، على رأسها تلك التى «حاربت» إسرائيل بالشعارات، وقهرت شعوبها فى الواقع، وحافظت على وداعة تحسد عليها تجاه العدو الذى لايزال يحتل أرضها فى الجولان.
إذا كان المتفرجون يتحملون الوزر الأكبر لما يجرى فى غزة، فإن المقاومين فى حماس أخطأوا خطأ شديدا فى كثير من حساباتهم السياسية منذ أن وصلوا إلى وهم ما يسمى «الحكومة» الفلسطينية.
فخيار المقاومة المسلحة هو خيار باهظ الثمن، تكلفته السياسية والبشرية من الصعب على الشعب الفلسطينى أن يتحملها بمفرده (إلا إذا كنا نرغب فى كسر صموده وإرادته بالمجان)، مهما كان بريق الشعارات التى يطلقها بعض قادة حماس فى دمشق أو بيروت، كما أن خيار المقاومة السلمية الشعبية له أيضا ثمن، دفعه الفلسطينيون مع الانتفاضة الأولى عام ١٩٨٨، ولكن بالتأكيد كان أقل من الثمن الحالى، وحصل على تعاطف دولى غاب الآن.
ومع بداية الألفية الثالثة، أصبح من الصعب تصور أن المأزق العربى ـ الفلسطينى، ستحله استراتيجية حماس المنعزلة عن الخارج، أو النظم العربية «المنبطحة» أمام الخارج، إنما فى صياغة مشروع سياسى للتشدد العربى والفلسطينى، مندمج نقديا فى المنظومة العالمية، ويمثل الوجه المقابل لمشاريع الاعتدال السائدة وسط النظم العربية.
لم تعد معضلة العالم العربى أن حكامه من المعتدلين ومعارضيه من المتشددين، إنما لفشل الاثنين فى تغيير الأوضاع العربية الداخلية وبناء نظم سياسية ديمقراطية لديها كفاءة سياسية واقتصادية تمكنها من ردع المعتدين.
ورغم كل المعانى الاستنهاضية التى يعكسها مشروع حماس، ومحاولته الاستفادة من بعض طاقات الداخل العربى، فإن كل تلك المحاولات لن تنجح فى إقامة مشروع سياسى قادر على إدارة شؤون السلطة والعمل على استعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطينى، دون إنهاء الانقسام الداخلى، وعدم اعتبار السيطرة العسكرية لحماس على قطاع غزة نصرا،
إنما النصر الحقيقى فى ردع المحتل العنصرى وطرده من الأرض العربية المحتلة، وبناء نظام سياسى ديمقراطى فى الداخل يعتبر إنجازه الحقيقى هو فى قدرته على استيعاب المعتدلين والمتشددين معا، وأن يجد الحمساويون والفتحاويين موقعا لهما داخل النظام السياسى الوليد، وأن يختلفا دون أن يخونا بعضهما البعض، خاصة بعد أن فشلا معا فى تحرير الأرض وجلب الاستقرار والحياة الكريمة للشعب اللذين ادعيا تمثيله.
ستظل دماء هؤلاء الشهداء معلقة فى رقابنا جميعاً، خاصة نحن المتفرجين، وحتى المقاومون سيتحملون قسطا من تلك المسؤولية لأنهم أخطأوا فى الحساب ولايزالون ينظرون إلى العالم كما يتمنونه وليس كما هو موجود بالفعل.
نكأت المجزرة الإسرائيلية التى حدثت فى قطاع غزة أمس الأول، جراحا فلسطينية وعربية غائرة، وأوضحت حجم الفشل العربى، والعجز الشعبى، وكيف هان العرب على أنفسهم فهانوا على العالم وأصبحت دماؤهم رخيصة وأوطانهم مستباحة، يتفرجون ببلادة على جرائم وحشية صارت جزءاً من العمل اليومى لألة الإرهاب الإسرائيلية.
وأهم من يتصور أن الدماء التى تسقط فى غزة هى فقط دماء المقاومين (مهما كانت أخطاء قادتهم وحساباتهم الخاطئة)، فدماء المتفرجين تسقط كل يوم تحت صخور جبل المقطم فى الدويقة وفى العبّارات والقطارات، وبالمبيدات الكيميائية، وكل من يتصور أن الفشل العربى راجع إلى كوننا لا نحارب إسرائيل واهم، لأننا رسبنا جميعا حين فشلنا فى معركة التنمية والديمقراطية، وفى أن نصبح قوة ردع لسياسات إسرائيل العدوانية، وجرائمها المتكررة.
لم يطالب أحد الحكومة المصرية، بإعلان الحرب على إسرائيل، ولا التدخل عسكريا للدفاع عن الشعب الفلسطينى الأعزل، إنما فقط بإظهار إنجازات «عصر السلام»، التى يفترض أن تكون فى صورة إصلاح سياسى واقتصادى، وفى وزن دولى وإقليمى قادر على التأثير فى المعادلة الدولية (بقدر)، خاصة فى الحليف الاستراتيجى الأمريكى، بصورة تساعد على وقف العدوان الإسرائيلى، مترجما قدرات مصر الداخلية على الساحة الدولية، والتى يفترض أن تكون فى أفضل حالاتها، نظراً لأننا نعيش مرحلة سلام منذ ما يقرب من ثلاثين عاما، وأننا لم ندخل فى مواجهة عسكرية منذ حرب ١٩٧٣.
والمؤكد أن مشكلة النظام المصرى ليست فى كونه لم ينتقل من معسكر السلام إلى معسكر الحرب (غير الموجود بين أى نظام عربى منذ مبادرة السادات إلى القدس عام ١٩٧٧)، إنما فى فشله فى إدارة «معركة السلام» بصورة أدت إلى ظهوره بهذا الشكل الباهت طوال العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة.
إن شعور المصريين بالمهانة الوطنية والقومية جاء عقب قيام إسرائيل بعدوانها على أهل غزة، بعد يوم واحد من استقبال وزيرة الخارجية الإسرائيلية فى القاهرة، فى موقف مؤسف لا يمكن تبريره.
وإذا كان من المؤكد أن الحكم فى مصر لم يطلب من الحكومة الإسرائيلية قتل الفلسطينيين، ويعلم فى الوقت نفسه أنه أضعف من أن يثنيها عن قرار أو اعتداء رتبت له.. فلماذا دعا من الأساس الوزيرة القاتلة إلى القاهرة، ومتى يتوقف عن دبلوماسية العلاقات العامة التى تحرص على الشكل ولا تنجح فى أى جوهر؟!
والمؤكد أن هذا الولع المصرى بدبلوماسية العلاقات العامة واللقاءات التليفزيونية والأحاديث المنمقة، التى تكرر جملاً باهتة لا معنى لها، كضبط النفس، ورفض الاعتداءات الإسرائيلية، وإدانة قتل المدنيين.. بات مفضوحا وغير مؤثر، فهذه الجمل تتكرر قبل وبعد أى عدوان إسرائيلى، دون أن تؤثر فيه، فلا الدعوات المصرية المتكررة لضبط النفس جعلت إسرائيل تتراجع ولو مرة واحدة عن قرارها «عدم ضبط النفس».. ولا رفض العدوان وشجبه منع إسرائيل من تكراره عشرات المرات.
وصارت مشكلة مصر لا تتعلق بتوجه سياسى معين يستحق المعارضة، إنما فى العجز عن التعبير عن أى توجه، فمصر فشلت فى أن تصبح مثل تركيا (حليفة أمريكا والغرب ولها علاقات بإسرائيل)، فى أن يكون لها دور إقليمى ودولى مؤثر، حيث نجحت أنقرة فى القيام بدور أكبر بكثير من الدور المصرى فى الملفات التى كانت تلعب فيها مصر أدواراً تاريخية كالقضية الفلسطينية والصراع العربى ـ الإسرائيلى.
من المؤكد أن مجازر غزة كشفت بؤس حالة المتفرجين العرب التى لا تضم مصر فقط إنما تتحملها كل النظم العربية، على رأسها تلك التى «حاربت» إسرائيل بالشعارات، وقهرت شعوبها فى الواقع، وحافظت على وداعة تحسد عليها تجاه العدو الذى لايزال يحتل أرضها فى الجولان.
إذا كان المتفرجون يتحملون الوزر الأكبر لما يجرى فى غزة، فإن المقاومين فى حماس أخطأوا خطأ شديدا فى كثير من حساباتهم السياسية منذ أن وصلوا إلى وهم ما يسمى «الحكومة» الفلسطينية.
فخيار المقاومة المسلحة هو خيار باهظ الثمن، تكلفته السياسية والبشرية من الصعب على الشعب الفلسطينى أن يتحملها بمفرده (إلا إذا كنا نرغب فى كسر صموده وإرادته بالمجان)، مهما كان بريق الشعارات التى يطلقها بعض قادة حماس فى دمشق أو بيروت، كما أن خيار المقاومة السلمية الشعبية له أيضا ثمن، دفعه الفلسطينيون مع الانتفاضة الأولى عام ١٩٨٨، ولكن بالتأكيد كان أقل من الثمن الحالى، وحصل على تعاطف دولى غاب الآن.
ومع بداية الألفية الثالثة، أصبح من الصعب تصور أن المأزق العربى ـ الفلسطينى، ستحله استراتيجية حماس المنعزلة عن الخارج، أو النظم العربية «المنبطحة» أمام الخارج، إنما فى صياغة مشروع سياسى للتشدد العربى والفلسطينى، مندمج نقديا فى المنظومة العالمية، ويمثل الوجه المقابل لمشاريع الاعتدال السائدة وسط النظم العربية.
لم تعد معضلة العالم العربى أن حكامه من المعتدلين ومعارضيه من المتشددين، إنما لفشل الاثنين فى تغيير الأوضاع العربية الداخلية وبناء نظم سياسية ديمقراطية لديها كفاءة سياسية واقتصادية تمكنها من ردع المعتدين.
ورغم كل المعانى الاستنهاضية التى يعكسها مشروع حماس، ومحاولته الاستفادة من بعض طاقات الداخل العربى، فإن كل تلك المحاولات لن تنجح فى إقامة مشروع سياسى قادر على إدارة شؤون السلطة والعمل على استعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطينى، دون إنهاء الانقسام الداخلى، وعدم اعتبار السيطرة العسكرية لحماس على قطاع غزة نصرا،
إنما النصر الحقيقى فى ردع المحتل العنصرى وطرده من الأرض العربية المحتلة، وبناء نظام سياسى ديمقراطى فى الداخل يعتبر إنجازه الحقيقى هو فى قدرته على استيعاب المعتدلين والمتشددين معا، وأن يجد الحمساويون والفتحاويين موقعا لهما داخل النظام السياسى الوليد، وأن يختلفا دون أن يخونا بعضهما البعض، خاصة بعد أن فشلا معا فى تحرير الأرض وجلب الاستقرار والحياة الكريمة للشعب اللذين ادعيا تمثيله.
ستظل دماء هؤلاء الشهداء معلقة فى رقابنا جميعاً، خاصة نحن المتفرجين، وحتى المقاومون سيتحملون قسطا من تلك المسؤولية لأنهم أخطأوا فى الحساب ولايزالون ينظرون إلى العالم كما يتمنونه وليس كما هو موجود بالفعل.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى