هل استقلت الجزائر بعد 47 سنة؟..بقلم : الدكتور عثمان سعدي
الأحد 05 يوليو 2009, 12:16
هل استقلت الجزائر بعد 47 سنة؟
من حق أي جزائري بعد 47 سنة من الاستقلال أن يتساءل هل استقلت الجزائر؟ والجواب لم تستقل بعد...
عرف القرن العشرين أعظم ثورتين قام بهما الإنسان: ثورة الجزائر وثورة الفيتنام. أيّ ثورة لا يمكن أن تعتبر نفسها ناجحة إلا إذا حققت هدفين: تحرير الأرض وتحرير الذات. الثورة الفيتنامية حققتهما الاثنتين، أما الثورة الجزائرية فقد اكتفت بتحرير الأرض فقط تاركة الذات الجزائرية مستعمرة فرنسية ولا زالت كذلك حتى الآن، من خلال هيمنة اللغة الفرنسية على الدولة الجزائرية، وذلك بسبب سيطرة المفرنسين على الثورة الجزائرية في سنواتها الأخيرة منذ تأسيس الحكومة المؤقتة بالقاهرة سنة 1958 بالفرنسية، هؤلاء المفرنسون الذين توّجوا الانحراف بالثورة عندما وقّعوا اتفاقيات إيفيان بنص واحد وهو النص الفرنسي الذي مثّل الوفدين. وهذا معناه أن الموقِّعين الجزائريين يقولون لزملائهم الفرنسيين: ''نحن نختلف عنكم في الشكل المتمثل في العلَم والأرض، أما المضمون فهويتنا ولغتنا واحدة''. وقد طبق هؤلاء ذلك عمليا بعد الاستقلال، ففسروا الاستقلال في شكله السطحي المتمثل في قطعة من القماش تسمى العلَم. أما اللغة التي تعتبر مفتاح الهوية فقد قرروا أن تبقى الفرنسية لغة الاستقلال مع تهميش اللغة العربية. تربع قطب من أقطاب حزب الشعب الجزائري وهو عبد الرحمن كيوان على الوظيف العمومي مدة أربعة عشر سنة فعمل على تثبيت هيمنة اللغة الفرنسية على الدولة وتهميش العربية، خائنا الحزب الذي انتمى إليه والذي يربط دائما الاستقلال باللغة العربية.
الفيتناميون وقّعوا اتفاقيات جنيف سنة 1954 التي أنهت الاستعمار بنصين الفيتنامي والفرنسي وطبّقوا فتنمة فورية وشاملة، فحققوا الاستقلال الحقيقي وتنمية اقتصادية واجتماعية ناجحة. تقصيتُ سنة 2006 الإحصائيات، فوجدت أن الفيتناميين صدّروا بالفتنمة مواد صناعية وزراعية خارج المحروقات بما قيمته ستة وعشرون مليار دولار، بينما صدّرت الجزائر بالفرنسة بما قيمته ست مائة مليون دولار ثلثها خردة حديد ونحاس، ومقياس تقدم أي بلد هو ماذا ينتج؟ وليس كيف ينطق الراء غينا...
عانت الثورة بعد الاستقلال من مؤامرة مسح ذاكرة الجزائري من آثارها العميقة المتمثلة في الملاحم الشعرية التي خلدت أحداثها، آلاف الأبيات قيلت بالملحون في الثورة لم تجمع، لحّنت وغنت لكنها لم تسجل، فملحمة ''حزب الثوار'' مثلا تعد أبياتها بالآلاف، نظمت على وزنها كل دشرة وكل مشتى خلدت فيها مساهمتها، لكن النسيان الآن يأكلها، جمع تراث الثورة الملحمي الشعري لم يفكر فيه المسؤولون على ثقافتنا، لي تجربة شخصية فقد قمت في الستينيات من القرن الماضي، سنوات قليلة بعد الاستقلال بجمع بعض من هذه الملحمة التي تبدأ بما يلي:
حزب الثوار الله ينصر حزب الثوار
شوفو التيعاد ورجّالا من كل بْلاد
تلاقوا للجهاد على دينك يا بو لنوار
كما جمعت 35 أغنية عن الثورة في الشرق الجزائري، تغنّى من الرجال والنساء، ولا أدري هل سنشاهد بعض هذا التراث في المهرجان الإفريقي الذي يقام في بلادنا هذا الشهر.
أحداث الثورة تقام لها مهرجانات يتحدث فيها البعض كلاما عابرا، لكن لا تسجل أحداثها ولا تراثها الشعبي مثلما فعل الفيتناميون بثورتهم، فقد جمعوا مئات المجلدات مما قيل فيها وكتب عنها في الداخل والخارج. عملت سفيرا في قطرين عربيين فجمعت في السبعينيات من القرن الماضي الشعر الذي قيل فيهما عن الثورة فكانت الحصيلة 464 قصيدة نظمها 171 شاعر وشاعرة من سوريا والعراق فقط.
المصدر : الدكتور عثمان سعدي / رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية
من حق أي جزائري بعد 47 سنة من الاستقلال أن يتساءل هل استقلت الجزائر؟ والجواب لم تستقل بعد...
عرف القرن العشرين أعظم ثورتين قام بهما الإنسان: ثورة الجزائر وثورة الفيتنام. أيّ ثورة لا يمكن أن تعتبر نفسها ناجحة إلا إذا حققت هدفين: تحرير الأرض وتحرير الذات. الثورة الفيتنامية حققتهما الاثنتين، أما الثورة الجزائرية فقد اكتفت بتحرير الأرض فقط تاركة الذات الجزائرية مستعمرة فرنسية ولا زالت كذلك حتى الآن، من خلال هيمنة اللغة الفرنسية على الدولة الجزائرية، وذلك بسبب سيطرة المفرنسين على الثورة الجزائرية في سنواتها الأخيرة منذ تأسيس الحكومة المؤقتة بالقاهرة سنة 1958 بالفرنسية، هؤلاء المفرنسون الذين توّجوا الانحراف بالثورة عندما وقّعوا اتفاقيات إيفيان بنص واحد وهو النص الفرنسي الذي مثّل الوفدين. وهذا معناه أن الموقِّعين الجزائريين يقولون لزملائهم الفرنسيين: ''نحن نختلف عنكم في الشكل المتمثل في العلَم والأرض، أما المضمون فهويتنا ولغتنا واحدة''. وقد طبق هؤلاء ذلك عمليا بعد الاستقلال، ففسروا الاستقلال في شكله السطحي المتمثل في قطعة من القماش تسمى العلَم. أما اللغة التي تعتبر مفتاح الهوية فقد قرروا أن تبقى الفرنسية لغة الاستقلال مع تهميش اللغة العربية. تربع قطب من أقطاب حزب الشعب الجزائري وهو عبد الرحمن كيوان على الوظيف العمومي مدة أربعة عشر سنة فعمل على تثبيت هيمنة اللغة الفرنسية على الدولة وتهميش العربية، خائنا الحزب الذي انتمى إليه والذي يربط دائما الاستقلال باللغة العربية.
الفيتناميون وقّعوا اتفاقيات جنيف سنة 1954 التي أنهت الاستعمار بنصين الفيتنامي والفرنسي وطبّقوا فتنمة فورية وشاملة، فحققوا الاستقلال الحقيقي وتنمية اقتصادية واجتماعية ناجحة. تقصيتُ سنة 2006 الإحصائيات، فوجدت أن الفيتناميين صدّروا بالفتنمة مواد صناعية وزراعية خارج المحروقات بما قيمته ستة وعشرون مليار دولار، بينما صدّرت الجزائر بالفرنسة بما قيمته ست مائة مليون دولار ثلثها خردة حديد ونحاس، ومقياس تقدم أي بلد هو ماذا ينتج؟ وليس كيف ينطق الراء غينا...
عانت الثورة بعد الاستقلال من مؤامرة مسح ذاكرة الجزائري من آثارها العميقة المتمثلة في الملاحم الشعرية التي خلدت أحداثها، آلاف الأبيات قيلت بالملحون في الثورة لم تجمع، لحّنت وغنت لكنها لم تسجل، فملحمة ''حزب الثوار'' مثلا تعد أبياتها بالآلاف، نظمت على وزنها كل دشرة وكل مشتى خلدت فيها مساهمتها، لكن النسيان الآن يأكلها، جمع تراث الثورة الملحمي الشعري لم يفكر فيه المسؤولون على ثقافتنا، لي تجربة شخصية فقد قمت في الستينيات من القرن الماضي، سنوات قليلة بعد الاستقلال بجمع بعض من هذه الملحمة التي تبدأ بما يلي:
حزب الثوار الله ينصر حزب الثوار
شوفو التيعاد ورجّالا من كل بْلاد
تلاقوا للجهاد على دينك يا بو لنوار
كما جمعت 35 أغنية عن الثورة في الشرق الجزائري، تغنّى من الرجال والنساء، ولا أدري هل سنشاهد بعض هذا التراث في المهرجان الإفريقي الذي يقام في بلادنا هذا الشهر.
أحداث الثورة تقام لها مهرجانات يتحدث فيها البعض كلاما عابرا، لكن لا تسجل أحداثها ولا تراثها الشعبي مثلما فعل الفيتناميون بثورتهم، فقد جمعوا مئات المجلدات مما قيل فيها وكتب عنها في الداخل والخارج. عملت سفيرا في قطرين عربيين فجمعت في السبعينيات من القرن الماضي الشعر الذي قيل فيهما عن الثورة فكانت الحصيلة 464 قصيدة نظمها 171 شاعر وشاعرة من سوريا والعراق فقط.
المصدر : الدكتور عثمان سعدي / رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى