- فاروقمشرف منتدى الأخبار
- عدد الرسائل : 7766
العمر : 53
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 16819
السٌّمعَة : 53
تاريخ التسجيل : 09/08/2008
كيف وصلنا إلى الكراهية؟...عبد الله السناوي
الإثنين 30 نوفمبر 2009, 12:29
الأحداث تتدافع.. والكراهية تأخذ مداها بين بلدين عربيين شقيقيين، مظاهرات فى الجزائر تحرق العلم المصرى وتروع مواطنين مصريين يعملون هناك.. ومظاهرات فى القاهرة تحاصر السفارة الجزائرية بالزمالك، وتشتبك مع قوات الأمن، و المحامون المصريون يحرقون العلم الجزائريأمام السفارة الجزائرية المرشوقة بالحجارة الفرعونية .. وتدمر ممتلكات مصرية لمواطنين مصريين، تحرشات هنا وهناك تجاوزت ما يمكن فهمه إلى ما لا يخطر على بال فى أكثر الكوابيس قتامة.. إلى الجنون ذاته، والمتهم الأول فى الفتنة الكبري: الشحن الإعلامى والسياسى الذى وصل فى بعض الحالات إلى التنابز بالأوطان واختلاق الوقائع والقصص المحرضة على القتل.
أحداث الخرطوم لم تكن فيها مفاجأة، فالأجواء كانت مشحونة إعلامياً وسياسياً فى مصر والجزائر بصورة تنذر بمخاطر كبرى وصدامات مروعة فى شوارع بلد عربى ثالث. أفلت العيار تماماً من أى عقال، وغاب العقل والرشد فى أغلب الخطاب الإعلامى، وغابت السياسة تماماً، بل بدا أن هناك فراغاً سياسياً موحشاً فى شوارع البلدين.. وهذه نكبة كبرى فى العلاقات بين البلدين، تمددت بآثارها المدمرة إلى تخريب العلاقات بين الشعبين بصورة يصعب ترميمها فى أى مدى منظور.
وفى الحالتين لم تتدخل السياسة، ولا الرئاسة، وتركت التفاعلات المرعبة تمضى إلى نهايتها، وبدا أن هناك مصلحة ما لكلا النظامين فى انفلاتات الشوارع، فكل نظام يريد أن يقول إنه متوحد مع شارعه، ويقدر مشاعره، بظن أن ذلك يكسبه شعبية يفتقدها وشرعية لا قواعد حقيقية لها.
بدا المشهد كله سياسياً فى عمقه، ووراءه أهداف سياسية، وفى الحالة الجزائرية تُركت التفاعلات تمضى إلى حدود اختلاق الأكاذيب وترويجها على نطاق واسع، كأنها حقائق مؤكدة، مثل الكلام عن توابيت لثلاثة عشر جزائرياً وصلت إلى مطار «هوارى بومدين» فى العاصمة الجزائر لمشجعى كرة قُتلوا فى مصر، وهذا الكلام بذاته ألهب الأعصاب الملتهبة ـ أصلاً ـ ودفع قطاعات من الجمهور الجزائرى إلى الاعتداء على مؤسسات مصرية تعمل فى الجزائر، وترويع المصريين العاملين هناك، وهذه جريمة لا يصح أن تغتفر، جريمة بحق الجزائر قبل أن تكون جريمة بحق مصر، ولكن الحسابات السياسية هناك قدرت، وقبل أن تقدر خططت، للمضى فى التصعيد إلى نهايته، بظن أن فيه نوعا من الترابط الوطنى فى مجتمع ممزق ويائس ومحبط، غاب فيه الإنجاز الاجتماعى والسياسى، وتوحش الفساد، بصورة لا يضاهيها سوى الفساد فى مصر.. ومن المفارقة أن كلا البلدين فى التقارير الدولية يقف فى المرتبة ذاتها فى معدلات الفساد .. قرب أسفل السلم. وهنا فى مصر بدت الأهداف السياسية من التصعيد جلية، فالبلد محتقن اجتماعياً وسياسياً، يائس ومحبط، ربما بصورة تقارب الجزائر، ولكن النتيجة واحدة فى الحالتين: التعلق بنتيجة مباراة فى كرة القدم، واعتبارها العنوان الوحيد للكرامة الوطنية، أو التوحد الوطني.
وكان لافتاً ـ فى الحالة المصرية ـ أن وسائل الإعلام الرسمية والخاصة على حد سواء جيشت المشاعر، وربطت بين مباراة فى كرة القدم والكرامة الوطنية، واعتبرت لاعبى الكرة رموزاً للسيادة والهيبة والإنجاز السياسى والاجتماعى، وربما مفرزة أمامية، لها قاعدة شعبية، لـ «سيناريو التوريث.
حملنا لاعبى الكرة بأكثر مما يحتملون وحملنا مباراة فى كرة القدم بأكثر مما تحتمل، وبدا ذلك كله مقصودا من الناحية السياسية، وإلا فما هو معنى صمت الرئاسة المصرية على حملات التحريض المتبادلة، ولماذا لم تسع مع الرئاسة الجزائرية إلى تطويق التداعيات مبكراً؟.. لم تكن التهدئة مطلوبة، والهدف واحد فى الحالتين: إضفاء شرعية على نظام حكم فاشل، واستخدام المشاعر الشعبية فى غير موضعها، سادت لغة التنابز بالأوطان، وشعارات مخجلة على المستويين السياسى والأخلاقى، واصطناع الفتن والعداوات، ووصلت عمليات الشحن إلى حدود تماهى الجنون السياسى، فقد ذهب شاب جزائرى عاطل عن العمل إلى الشيخ «على بلحاج» نائب رئيس جبهة الانقاذ الجزائرية، وهو معارض مغضوب عليه خرج حديثاً من السجن، يطلب السماح له بالسفر إلى السودان، لأنه يريد أن يموت هناك(!) كما لو أن المشجعين المصريين هم العدو المفترض، الذى يتوجب الاستشهاد فى معارك شوارع معه، أو أن الخطر المصرى يفوق الخطر الإسرائيلى، رغم أن الأول ـ فى كرة القدم، والثانى ـ فى الاستراتيجية والهيمنة على المنطقة وإذلال شعوبها العربية والإسلامية، ولكن جنون الشحن الإعلامى والسياسى، مصحوباً بالفشل الاقتصادى واليأس من فرص عمل تتيح حياة كريمة، حولت مصر إلى العدو رقم واحد للجزائر، وحولت الجزائر إلى العدو رقم واحد لمصر، لدرجة تصاعد دعوات مقاطعة الجزائريين، وتعطيل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين العربيين الشقيقين، وسب مصر وحرق علمها فى الشوارع الجزائرية، وقبل ذلك فى ستاد المريخ فى السودان، وسب الجزائر ومحاصرة سفارتها فى الزمالك، على إثر التعبئة الإعلامية التى صورت ما جرى فى الخرطوم على أنه مجزرة، وقد كان ما جرى مؤسفا ومدانا، ولكن لم تسفر عنه إصابات خطيرة أو حوادث قتل.. وعاد المصريون بسلام إلى وطنهم. أدت التعبئة إلى تجييش المشاعر، وصدامات مع الأمن المصرى، حول سفارة الجزائر، وتدمير ممتلكات خاصة فى الزمالك، وما جرى إدانة جديدة للإعلام الرسمى قبل الخاص، فالكلمات منفلتة، بل تمددت ـ الفتنة إلى السودان، المتهمة من بعض الإعلام المصرى بالتواطؤ ، وسادت روح سلبية أخذت تهدد بدورها العلاقات المصرية السودانية، لكن جرى تطويق الأزمة سريعاً باعتذار مصرى للسودان، ولكن ما يلفت النظر فى جنون الشحن الإعلامى أن سلطات الأمن المصرية اضطرت أن تفرض حراسة مشددة على السفارة السودانية فى جاردن سيتى، وهذا بذاته كابوس جديد يثبت حجم التدهور الذى وصلنا إليه، دعوات منفلتة إلى إعلان خروج مصر عن عروبتها، وكلام عصبى عن أننا مكروهون فى عالمنا العربى، وأننا يجب أن ننغلق على أنفسنا، ونغلق أبوابنا علينا، وأن نحتضن العلم الذى لعبنا تحته مباراة الجزائر، كأن المباراة مسألة حرب لا مسألة رياضة، ومسألة هوية لا مسألة منافسة، وبعض ما نُشر فى القاهرة، أو ما بثته فضائيات رسمية وخاصة، أعطى انطباعاً قوياً ـ قبل المباراة ـ أننا على وشك دخول حرب، صاحبه كلام كثير عن روح أكتوبر القتالية، وهو كلام خارج سياقه التاريخى والسياسى وخلط فادح للصور فى غير موضعها.. وبعد المباراة تأججت المشاعر، فلم يكن أحد مهيأ للهزيمة فى مباراة كرة قدم بعد الاحتفالات الصاخبة التى جرت فى القاهرة، وهى طبيعية ومشروعة بذاتها، ثم عندما أفلت عيار الجمهور الجزائرى، تحولت المسألة إلى ثأر مع الجزائر، كشعب وكبلد، كماضٍ وكمستقبل، وجرى طى صفحة الماضى، وقد كانت مجيدة حقاً، بين البلدين الشقيقين، وقفت مصر على عهد «جمال عبدالناصر» مع ثورة الجزائر دعماً سياسياً وتسليحاً عسكرياً، ودفعت ثمناً كبيراً لهذا الموقف التاريخى، الذى يشرفنا ويشرف بلادنا، فى العدوان الثلاثى عليها عام (1956)، فمن أسبابه الرئيسية ـ فى الحسابات الفرنسية ـ هذا الدعم بالمال والسلاح والإعلام.. والسينما والموسيقى، والنشيد الوطنى الجزائرى نفسه «لقد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر» من تلحين الموسيقار المصرى «محمد فوزي»، وعندما سُجل لأول مرة فى استديوهات الإذاعة المصرية كان الكورس من الإذاعيين والعاملين والسعاة المصريين.
.. وفى عام (1967) عقب النكسة مباشرة، ذهب الرئيس الجزائرى «هوارى بومدين» إلى موسكو، وتفاوض على شحنة سلاح متقدم، ودفع ثمنها (100) مليون دولار، وهو مبلغ هائل بحسابات تلك الأيام، ثم قاتل لواء جزائرى مع جنودنا المصريين فى حرب أكتوبر (1973).. قد يقال إن تلك صفحة انطوت، والدنيا تغيرت، والقيادات اختلفت، والثورات راحت أيامها، ورحلت معها الأحلام وحلت الكوابيس، ولكنه على الأقل يردع بعض الانفلات، فلا مصر عدوة الجزائر، ولا الجزائر عدوة مصر.. ولكننا لابد أن نعترف أن الجزائر فقدت أدوارها ودخلت حروبا أهلية ودُمر اقتصادها، وطوابير البطالة مستعدة لدخول معارك مع الأشقاء، ومصر فى الوقت ذاته لم تعد ذلك البلد العربى الكبير، ولا هى فى أيام «جمال عبدالناصر»، تراجعت الأدوار المصرية فى منطقتها إلى حدود باتت تثير السخرية ولكن النظام فيها، ومن خلفه إعلامه، لا يكف عن التصرف كأننا الدولة القائدة والرائدة والشقيقة الكبرى، ولا أحد فى العالم العربى يصدق هذا الكلام أو يأخذه على محمل الجد، فالقيادة لها متطلباتها، والأدوار لها استحقاقاتها، ومنذ توقيع اتفاقيتى «كامب ديفيد» انسحبت مصر من ميادين الصراع العربى الإسرائيلى، وتراجعت أدوارها فى ملفات المنطقة الساخنة، وعندما تنشب الحروب فى المنطقة تبدو محايدة، وأحياناً متهمة بالتواطؤ مع العدو الإسرائيلي.. ولكن فى المقابل فإن لمصر مكانة خاصة فى عالمها العربى، الذى يتشوق أن تنهض حقاً، وأن تلعب أدوارها القيادية، ولكنه غاضب منها وعليها، فهى تخذله غالباً، وهى غائبة عن قضايا المنطقة ومنسحبة منها.
ما جرى فى الفتنة الكبرى له أسبابه العميقة، وعلى رأسها انسحاب الدور المصرى من قضاياه العربية، فقدنا الهيبة والاحترام وجلال الدور، ولكننا لا نكف عن مطالبة الآخرين بأن يعاملونا على أننا القيادة والريادة، دون أن نكون مستعدين أن ندفع استحقاقات الدور ومتطلباته، واستحقاقات الهيبة ومتطلباتها، بل نغالى فى العداوة، وتتجاوز لغة الخطاب الإعلامى إلى حد التنصل من العرب والعروبة والقومية العربية، كأن يقال إننا لسنا عرباً، أو أن علينا أن ننعزل عن هؤلاء الذين لا يعترفون بقيادتنا، وهذا كلام قيل كثيراً من قبل وثبت أنه مدمر لما تبقى لمصر من اعتبار، فالكبير بتصرفاته، والكبير بمواقفه.. ولا يصح بأى اعتبار اصطناع تناقض بين الوطنية المصرية والقومية العربية، أو عداوة تاريخية بين مصر والجزائر، فالأخطاء لا تبرر الخطايا، والفتن لا ترتب حقائق تبنى عليها، بل مصائب جديدة ونكبات أخري.
وإذا أردنا ـ حقاً ـ المراجعة على وقع صدمة ما جرى، فلابد أن نعترف أننا لم نعد هؤلاء الأبطال الذين كنا ذات يوم، وأننا نحتاج إلى إصلاح حقيقى فى مصر ينفى عن مستقبلها «سيناريو التوريث»، ويفتح أمامها أفق التغيير الديمقراطى الواسع لتداول السلطة، فلعلنا نعود فى يوم آخر، لعله قريب، إلى أن نكون النموذج الملهم للمنطقة العربية، وأبطالها من جديد.
الجملة التي كتب بالأحمر لم يكتبها الدكتورعبد الله السناوي أنا أضفتها حتى يستبين العالم فداحة الجرم الصادر من النحبة ....هذه نكبة ما بعدها نكبة ....الكذب بالحذف ...عيب يا متعلمين يا متحضريين .....هات التفاصيل نحن لا نفهم الأمور بالكلمات الجزلة الموحية ، نحن نموت في التفاصيل الممل ...يا دكتو ر متعطشين إلى حروفكم وكلماتكم فإنها تخرج من أفواكم بلسما لجروحنا وهواجسنا التي مستنا من إعلامكم المسموم ...
أحداث الخرطوم لم تكن فيها مفاجأة، فالأجواء كانت مشحونة إعلامياً وسياسياً فى مصر والجزائر بصورة تنذر بمخاطر كبرى وصدامات مروعة فى شوارع بلد عربى ثالث. أفلت العيار تماماً من أى عقال، وغاب العقل والرشد فى أغلب الخطاب الإعلامى، وغابت السياسة تماماً، بل بدا أن هناك فراغاً سياسياً موحشاً فى شوارع البلدين.. وهذه نكبة كبرى فى العلاقات بين البلدين، تمددت بآثارها المدمرة إلى تخريب العلاقات بين الشعبين بصورة يصعب ترميمها فى أى مدى منظور.
وفى الحالتين لم تتدخل السياسة، ولا الرئاسة، وتركت التفاعلات المرعبة تمضى إلى نهايتها، وبدا أن هناك مصلحة ما لكلا النظامين فى انفلاتات الشوارع، فكل نظام يريد أن يقول إنه متوحد مع شارعه، ويقدر مشاعره، بظن أن ذلك يكسبه شعبية يفتقدها وشرعية لا قواعد حقيقية لها.
بدا المشهد كله سياسياً فى عمقه، ووراءه أهداف سياسية، وفى الحالة الجزائرية تُركت التفاعلات تمضى إلى حدود اختلاق الأكاذيب وترويجها على نطاق واسع، كأنها حقائق مؤكدة، مثل الكلام عن توابيت لثلاثة عشر جزائرياً وصلت إلى مطار «هوارى بومدين» فى العاصمة الجزائر لمشجعى كرة قُتلوا فى مصر، وهذا الكلام بذاته ألهب الأعصاب الملتهبة ـ أصلاً ـ ودفع قطاعات من الجمهور الجزائرى إلى الاعتداء على مؤسسات مصرية تعمل فى الجزائر، وترويع المصريين العاملين هناك، وهذه جريمة لا يصح أن تغتفر، جريمة بحق الجزائر قبل أن تكون جريمة بحق مصر، ولكن الحسابات السياسية هناك قدرت، وقبل أن تقدر خططت، للمضى فى التصعيد إلى نهايته، بظن أن فيه نوعا من الترابط الوطنى فى مجتمع ممزق ويائس ومحبط، غاب فيه الإنجاز الاجتماعى والسياسى، وتوحش الفساد، بصورة لا يضاهيها سوى الفساد فى مصر.. ومن المفارقة أن كلا البلدين فى التقارير الدولية يقف فى المرتبة ذاتها فى معدلات الفساد .. قرب أسفل السلم. وهنا فى مصر بدت الأهداف السياسية من التصعيد جلية، فالبلد محتقن اجتماعياً وسياسياً، يائس ومحبط، ربما بصورة تقارب الجزائر، ولكن النتيجة واحدة فى الحالتين: التعلق بنتيجة مباراة فى كرة القدم، واعتبارها العنوان الوحيد للكرامة الوطنية، أو التوحد الوطني.
وكان لافتاً ـ فى الحالة المصرية ـ أن وسائل الإعلام الرسمية والخاصة على حد سواء جيشت المشاعر، وربطت بين مباراة فى كرة القدم والكرامة الوطنية، واعتبرت لاعبى الكرة رموزاً للسيادة والهيبة والإنجاز السياسى والاجتماعى، وربما مفرزة أمامية، لها قاعدة شعبية، لـ «سيناريو التوريث.
حملنا لاعبى الكرة بأكثر مما يحتملون وحملنا مباراة فى كرة القدم بأكثر مما تحتمل، وبدا ذلك كله مقصودا من الناحية السياسية، وإلا فما هو معنى صمت الرئاسة المصرية على حملات التحريض المتبادلة، ولماذا لم تسع مع الرئاسة الجزائرية إلى تطويق التداعيات مبكراً؟.. لم تكن التهدئة مطلوبة، والهدف واحد فى الحالتين: إضفاء شرعية على نظام حكم فاشل، واستخدام المشاعر الشعبية فى غير موضعها، سادت لغة التنابز بالأوطان، وشعارات مخجلة على المستويين السياسى والأخلاقى، واصطناع الفتن والعداوات، ووصلت عمليات الشحن إلى حدود تماهى الجنون السياسى، فقد ذهب شاب جزائرى عاطل عن العمل إلى الشيخ «على بلحاج» نائب رئيس جبهة الانقاذ الجزائرية، وهو معارض مغضوب عليه خرج حديثاً من السجن، يطلب السماح له بالسفر إلى السودان، لأنه يريد أن يموت هناك(!) كما لو أن المشجعين المصريين هم العدو المفترض، الذى يتوجب الاستشهاد فى معارك شوارع معه، أو أن الخطر المصرى يفوق الخطر الإسرائيلى، رغم أن الأول ـ فى كرة القدم، والثانى ـ فى الاستراتيجية والهيمنة على المنطقة وإذلال شعوبها العربية والإسلامية، ولكن جنون الشحن الإعلامى والسياسى، مصحوباً بالفشل الاقتصادى واليأس من فرص عمل تتيح حياة كريمة، حولت مصر إلى العدو رقم واحد للجزائر، وحولت الجزائر إلى العدو رقم واحد لمصر، لدرجة تصاعد دعوات مقاطعة الجزائريين، وتعطيل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين العربيين الشقيقين، وسب مصر وحرق علمها فى الشوارع الجزائرية، وقبل ذلك فى ستاد المريخ فى السودان، وسب الجزائر ومحاصرة سفارتها فى الزمالك، على إثر التعبئة الإعلامية التى صورت ما جرى فى الخرطوم على أنه مجزرة، وقد كان ما جرى مؤسفا ومدانا، ولكن لم تسفر عنه إصابات خطيرة أو حوادث قتل.. وعاد المصريون بسلام إلى وطنهم. أدت التعبئة إلى تجييش المشاعر، وصدامات مع الأمن المصرى، حول سفارة الجزائر، وتدمير ممتلكات خاصة فى الزمالك، وما جرى إدانة جديدة للإعلام الرسمى قبل الخاص، فالكلمات منفلتة، بل تمددت ـ الفتنة إلى السودان، المتهمة من بعض الإعلام المصرى بالتواطؤ ، وسادت روح سلبية أخذت تهدد بدورها العلاقات المصرية السودانية، لكن جرى تطويق الأزمة سريعاً باعتذار مصرى للسودان، ولكن ما يلفت النظر فى جنون الشحن الإعلامى أن سلطات الأمن المصرية اضطرت أن تفرض حراسة مشددة على السفارة السودانية فى جاردن سيتى، وهذا بذاته كابوس جديد يثبت حجم التدهور الذى وصلنا إليه، دعوات منفلتة إلى إعلان خروج مصر عن عروبتها، وكلام عصبى عن أننا مكروهون فى عالمنا العربى، وأننا يجب أن ننغلق على أنفسنا، ونغلق أبوابنا علينا، وأن نحتضن العلم الذى لعبنا تحته مباراة الجزائر، كأن المباراة مسألة حرب لا مسألة رياضة، ومسألة هوية لا مسألة منافسة، وبعض ما نُشر فى القاهرة، أو ما بثته فضائيات رسمية وخاصة، أعطى انطباعاً قوياً ـ قبل المباراة ـ أننا على وشك دخول حرب، صاحبه كلام كثير عن روح أكتوبر القتالية، وهو كلام خارج سياقه التاريخى والسياسى وخلط فادح للصور فى غير موضعها.. وبعد المباراة تأججت المشاعر، فلم يكن أحد مهيأ للهزيمة فى مباراة كرة قدم بعد الاحتفالات الصاخبة التى جرت فى القاهرة، وهى طبيعية ومشروعة بذاتها، ثم عندما أفلت عيار الجمهور الجزائرى، تحولت المسألة إلى ثأر مع الجزائر، كشعب وكبلد، كماضٍ وكمستقبل، وجرى طى صفحة الماضى، وقد كانت مجيدة حقاً، بين البلدين الشقيقين، وقفت مصر على عهد «جمال عبدالناصر» مع ثورة الجزائر دعماً سياسياً وتسليحاً عسكرياً، ودفعت ثمناً كبيراً لهذا الموقف التاريخى، الذى يشرفنا ويشرف بلادنا، فى العدوان الثلاثى عليها عام (1956)، فمن أسبابه الرئيسية ـ فى الحسابات الفرنسية ـ هذا الدعم بالمال والسلاح والإعلام.. والسينما والموسيقى، والنشيد الوطنى الجزائرى نفسه «لقد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر» من تلحين الموسيقار المصرى «محمد فوزي»، وعندما سُجل لأول مرة فى استديوهات الإذاعة المصرية كان الكورس من الإذاعيين والعاملين والسعاة المصريين.
.. وفى عام (1967) عقب النكسة مباشرة، ذهب الرئيس الجزائرى «هوارى بومدين» إلى موسكو، وتفاوض على شحنة سلاح متقدم، ودفع ثمنها (100) مليون دولار، وهو مبلغ هائل بحسابات تلك الأيام، ثم قاتل لواء جزائرى مع جنودنا المصريين فى حرب أكتوبر (1973).. قد يقال إن تلك صفحة انطوت، والدنيا تغيرت، والقيادات اختلفت، والثورات راحت أيامها، ورحلت معها الأحلام وحلت الكوابيس، ولكنه على الأقل يردع بعض الانفلات، فلا مصر عدوة الجزائر، ولا الجزائر عدوة مصر.. ولكننا لابد أن نعترف أن الجزائر فقدت أدوارها ودخلت حروبا أهلية ودُمر اقتصادها، وطوابير البطالة مستعدة لدخول معارك مع الأشقاء، ومصر فى الوقت ذاته لم تعد ذلك البلد العربى الكبير، ولا هى فى أيام «جمال عبدالناصر»، تراجعت الأدوار المصرية فى منطقتها إلى حدود باتت تثير السخرية ولكن النظام فيها، ومن خلفه إعلامه، لا يكف عن التصرف كأننا الدولة القائدة والرائدة والشقيقة الكبرى، ولا أحد فى العالم العربى يصدق هذا الكلام أو يأخذه على محمل الجد، فالقيادة لها متطلباتها، والأدوار لها استحقاقاتها، ومنذ توقيع اتفاقيتى «كامب ديفيد» انسحبت مصر من ميادين الصراع العربى الإسرائيلى، وتراجعت أدوارها فى ملفات المنطقة الساخنة، وعندما تنشب الحروب فى المنطقة تبدو محايدة، وأحياناً متهمة بالتواطؤ مع العدو الإسرائيلي.. ولكن فى المقابل فإن لمصر مكانة خاصة فى عالمها العربى، الذى يتشوق أن تنهض حقاً، وأن تلعب أدوارها القيادية، ولكنه غاضب منها وعليها، فهى تخذله غالباً، وهى غائبة عن قضايا المنطقة ومنسحبة منها.
ما جرى فى الفتنة الكبرى له أسبابه العميقة، وعلى رأسها انسحاب الدور المصرى من قضاياه العربية، فقدنا الهيبة والاحترام وجلال الدور، ولكننا لا نكف عن مطالبة الآخرين بأن يعاملونا على أننا القيادة والريادة، دون أن نكون مستعدين أن ندفع استحقاقات الدور ومتطلباته، واستحقاقات الهيبة ومتطلباتها، بل نغالى فى العداوة، وتتجاوز لغة الخطاب الإعلامى إلى حد التنصل من العرب والعروبة والقومية العربية، كأن يقال إننا لسنا عرباً، أو أن علينا أن ننعزل عن هؤلاء الذين لا يعترفون بقيادتنا، وهذا كلام قيل كثيراً من قبل وثبت أنه مدمر لما تبقى لمصر من اعتبار، فالكبير بتصرفاته، والكبير بمواقفه.. ولا يصح بأى اعتبار اصطناع تناقض بين الوطنية المصرية والقومية العربية، أو عداوة تاريخية بين مصر والجزائر، فالأخطاء لا تبرر الخطايا، والفتن لا ترتب حقائق تبنى عليها، بل مصائب جديدة ونكبات أخري.
وإذا أردنا ـ حقاً ـ المراجعة على وقع صدمة ما جرى، فلابد أن نعترف أننا لم نعد هؤلاء الأبطال الذين كنا ذات يوم، وأننا نحتاج إلى إصلاح حقيقى فى مصر ينفى عن مستقبلها «سيناريو التوريث»، ويفتح أمامها أفق التغيير الديمقراطى الواسع لتداول السلطة، فلعلنا نعود فى يوم آخر، لعله قريب، إلى أن نكون النموذج الملهم للمنطقة العربية، وأبطالها من جديد.
الجملة التي كتب بالأحمر لم يكتبها الدكتورعبد الله السناوي أنا أضفتها حتى يستبين العالم فداحة الجرم الصادر من النحبة ....هذه نكبة ما بعدها نكبة ....الكذب بالحذف ...عيب يا متعلمين يا متحضريين .....هات التفاصيل نحن لا نفهم الأمور بالكلمات الجزلة الموحية ، نحن نموت في التفاصيل الممل ...يا دكتو ر متعطشين إلى حروفكم وكلماتكم فإنها تخرج من أفواكم بلسما لجروحنا وهواجسنا التي مستنا من إعلامكم المسموم ...
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى