من تاريخ الجزائر...فضيحة إغتيال العقيد شعباني رحمه الله.
السبت 06 أكتوبر 2012, 07:45
كشف الأمين العام لرئاسة الأركان مهدي شريف تفاصيل خطيرة عن طريقة إغتيال العقيد شعباني ، وذلك في حصة " بمنتهى الصراحة " التي إمتنعت قناة النهار عن عرضها كاملة وإستقال مقدمها نتيجة لذلك ، وإكتفت بنشر ملخصات لما ورد فيها في نشرة واحدة ثم ألغيت تماما نظرا لخطورة التصريحات التي أوردها مهدي شريف ، وقال مهدي شريف في قضية إغتيال أصغر عقيد في جيش التحرير ما يلي :
" وضع أحد القادة السابقين في الجيش الفرنسي رجله على رأس العقيد شعباني طيلة الطريق بين الجزائر العاصمة والجلفة، مضيفا، أن شعباني طلب من بن شريف رشفة قهوة؛ لكن هذا الأخير قام برميها على وجهه قائلا : " هذه هدية فرنسا لك "
<iframe width="560" height="315" src="https://www.youtube.com/embed/4A5__htu_DE?list=UU7Ikq59oTNeQZ54J88HqlNA&hl=ar_EG" frameborder="0" allowfullscreen></iframe>
" وضع أحد القادة السابقين في الجيش الفرنسي رجله على رأس العقيد شعباني طيلة الطريق بين الجزائر العاصمة والجلفة، مضيفا، أن شعباني طلب من بن شريف رشفة قهوة؛ لكن هذا الأخير قام برميها على وجهه قائلا : " هذه هدية فرنسا لك "
<iframe width="560" height="315" src="https://www.youtube.com/embed/4A5__htu_DE?list=UU7Ikq59oTNeQZ54J88HqlNA&hl=ar_EG" frameborder="0" allowfullscreen></iframe>
رد: من تاريخ الجزائر...فضيحة إغتيال العقيد شعباني رحمه الله.
السبت 06 أكتوبر 2012, 07:49
<iframe width="560" height="315" src="https://www.youtube.com/embed/y-WBkz_gcBE" frameborder="0" allowfullscreen></iframe>
شهادة الطاهر الزبري بشأن إغغتال العقيد شعباني .
السبت 06 أكتوبر 2012, 08:44
- شهادة الطاهر الزبري بشأن إغغتال العقيد شعباني
- شعباني يدعو لتصفية الضباط الفارين من الجيش الفرنسي
- انعقد
مؤتمر جبهة التحرير الوطني في 1964 في غياب محمد خيضر، الأمين العام
للحزب الذي خرج مغاضبا إلى الخارج، واستغل شعباني هذا المؤتمر لتوجيه نقد
لاذع ومبطن لبومدين، عندما هاجم تغلغل الضباط الفارين من الجيش الفرنسي
داخل هياكل الجيش، وطالب بتنحية هؤلاء من المناصب الحساسة في المؤسسة
العسكرية، على أن يقتصر دورهم على الجوانب التقنية فقط. - ووجد
هذا الطرح قبولا واسعا لدى معظم المؤتمرين، لكن بومدين كان أكثر إقناعا
من شعباني، واستطاع ترجيح الكفة لصالحه، وأوضح في كلمته أن "تصفية الضباط
الفارين من الجيش الفرنسي، والذين التحقوا بالثورة يعني أننا سنضطر إلى
الاعتماد على الخبرات العسكرية الأجنبية في تأهيل الجيش، وهذا ما يجعل
أسرارنا العسكرية مكشوفة للأجانب، لذلك، فالأولى بنا أن نستعين بهؤلاء
الضباط، الذين لا ينكر أحد بأنهم جزائريون جادون في تأطير الجيش وتأهيله،
خاصة وأنهم يخضعون للقانون الجزائري". - جاءت
هذه المواجهة الساخنة بين شعباني وبومدين، لتزيد الشرخ بين الرجلين،
وتبرز للجميع حجم التباين بين نظرة كل طرف في بناء الدولة والجيش، ومع أن
بومدين تمكن من كسب هذه الجولة لصالحه، إلا أن شعباني ومعه قطاع واسع من
المجاهدين والمناضلين، ظلوا قلقين لما اعتبروه تغلغلا لأعوان الاستعمار من
الحركى والمصاليين و"الزرق" وغيرهم في دواليب الدولة، ما جعلهم يرفعون
شعار "التصفية". - ورغم المناصب العليا
التي أصبح يتبوأها شعباني عسكريا وسياسيا، إلا أنه لم يكن يلتحق بالعاصمة
إلا لفترات قصيرة، ثم يعود إلى مركزه في الجنوب، ومرت شهور وشعباني على
هذا الحال مما أثار حفيظة بومدين، ودفعه ليؤكد على بن بلة ضرورة التحاق
شعباني بمكتبه في وزارة الدفاع وقال له "شعباني مهمته في العاصمة، ويجب أن
يترك قيادة الناحية حتى نعين شخصا مكانه". - احتار
بن بله في كيفية التعامل مع شعباني، بسبب إصراره على عصيان الأوامر، فقرر
إرسالي في وفد ضم كلا من الرائد علي منجلي وآيت الحسين إلى شعباني، الذي
كان متمركزا في بسكرة، لإقناعه بالتخلي عن قيادة الناحية العسكرية
الرابعة، لكنه رفض بشدة التنازل عن قيادة الناحية، بل وانتقد بومدين
والضباط الفارين من الجيش الفرنسي، كما انتقد تعيين بن بله لشخص من
غرداية، يدعى خبزي وزيرا في الحكومة دون مشاورته، بالرغم من أن هذا الأخير
ينحدر من الولاية السادسة، التي يعتبر أنه مازال مسؤولا عنها ورفض فكرة
حلها. - القطرة التي أفاضت الكأس
- بعد
نحو 15 يوما من هذا اللقاء، كرر بومدين على بن بله نفس الأمر، وشدد على
ضرورة استقرار شعباني في العاصمة، لأداء مهامه كنائب لقائد الأركان، وعضو
في المكتب السياسي للحزب، حتى يتم تعيين قائد آخر للناحية العسكرية
الرابعة. - لم يكن بإمكان بن بله ترك
شعباني يتمادى في عصيانه للأوامر، ومع ذلك حاول الحفاظ على شعرة معاوية في
التعامل معه، فاتصل به هاتفيا متوددا إليه: - ـ تعالى بقربي لنتعاون.
- فرد عليه شعباني بقسوة:
- ـ أنت طمأنتني كثيرا في بعض الأمور، لكنك بقيت تتصرف تصرف السياسيين "المتعفنين".
- وصفُ
شعباني له بـ"السياسي المتعفن" جعل بن بله يستشيط غيظا، واعتبر ذلك إهانة
لشخصه، فأعطى الأوامر لبومدين فورا للإعداد عملية عسكرية لإلقاء القبض
على شعباني وجميع الجنود الذين معه، وهو الأمر الذي كان ينتظره بومدين
بفارغ الصبر، ولم يتأخر في تنفيذه، وكان ذلك في 7 جويلية 1964 . -
- بلهوشات يلقي القبض على شعباني
- كنت
حينها في قيادة الأركان، ولم تكن لدي الصلاحيات الكافية لوقف هذه العملية
العسكرية أو حتى تأخيرها، فالجيش كان في يد بومدين، لذلك انتقلت في طائرة
هيلكوبتر مع شخصين آخرين إلى باتنة، بحجة مراقبة الناحية العسكرية
الخامسة (الشرق الجزائري) التي كنت مسؤولا عنها، ولكني في حقيقة الأمر
توجهت من باتنة إلى آريس، ومنها إلى بسكرة، علـِّي أستطيع أن أصل إلى
شعباني لإقناعه بالعدول عن عصيانه، قبل أن يصل إليه الجيش الذي كان معظم
ضباطه من الفارين من الجيش الفرنسي، والذين يحملون حقدا شديدا عليه، وخشيت
أن يقتلوه أو ينكلوا به إن وقع أسيرا بين أيديهم، لكني عندما وصلت إلى
بسكرة، كان كل شيء قد انتهى وقضي الأمر، لكن لحسن الحظ.. شعباني لم يقتل. - حيث
قاد الرائد عبد الله بلهوشات قوات عسكرية زحف بها باتجاه معقل العقيد
شعباني ورجاله لمحاصرتهم في بسكرة، إلا أنه لم تقع مواجهات دامية بين
الطرفين، إذ تخلى معظم رجال شعباني عن ولائهم له، وانظموا بكامل عتادهم إلى
الجيش الوطني الشعبي، غير أن فرقة من الجنود بقيت إلى جانب شعباني للدفاع
عنه، ولما تأكد شعباني بأنه غير قادر على مواجهة القوات الزاحفة من
الشمال، فر من مدينة بسكرة وتحصن بأحد الجبال القريبة، لكن قوات الجيش
لاحقته وجنوده إلى سفح الجبل، وحاصرته وألقت عليه القبض ومن معه أحياء،
بعد أسبوع من المطاردة. -
- محاكمة شعباني
- أطلق
سراح معظم رجال شعباني، فيما اقتيد هو مع مرافقيه الحسين ساسي والعريف
الجيلالي، المدعو سليم، إلى سجن وهران، وظلوا لمدة شهرين (من 7 جويلية إلى 2
سبتمبر 1964) في السجن للتحقيق معهم، وإعداد ملفات محاكمتهم، وتولى هذه
المهمة الأخيرة ضابط فار من الجيش الفرنسي، يدعى محمد تواتي، كان حينها
برتبة ملازم ثان في الدرك الوطني، وهو الذي أعد ملفات محاكمتي خلال الأزمة
التي وقعت لي مع بومدين في 1967، ورقي إلى أن أصبح برتبة جنرال في الجيش،
ثم عين مستشارا برئاسة الجمهورية، وكنت أعتقد أنه مادام شعباني في السجن،
فلا خوف على حياته، إذ أنه لم يعد يشكل خطرا لا على بومدين ولا على بن
بله. - طلب بن بلة من بومدين أن يقدم له
أسماء الضباط الذين سيحاكمون شعباني في المحكمة العسكرية، فيما اختار هو
وكيل جمهورية يدعى "محمود زرطال"، أما بومدين فاقترح عليه الشاذلي بن
جديد، والرائد عبد الغني، وعبد الرحمان بن سالم، وأحمد دراية، وأحمد بن
شريف، الذي رقي إلى عقيد حتى يكون في نفس الرتبة العسكرية مع المتهم، أما
عبد الله بلهوشات، فرفض أن يكون ضمن هيئة المحكمة، ولم يحضر جلسات محاكمة
شعباني، كما حضر جلسات المحكمة النقيب عبد الحميد لطرش. - ونصبت
هيئة قضائية عسكرية لمحاكمته في وهران، برئاسة محمود زرطال، وعين أحمد
دراية كوَكيل للجمهورية، ووجهت لشعباني تهمة التمرد، وأضافوا له تهمة
الاتصال بمصالح الاستخبارات الفرنسية، وغيرها من التهم الملفقة. - ورد
شعباني على التهم الموجهة إليه بالتأكيد على مواقفه السابقة الرافضة لهدم
الولايات قبل وقتها، متهما بن بله بالنزوع إلى الحكم الفردي، وتمكين
بومدين لمن أسماهم "بضباط فرنسا" داخل الجيش، واستدل بموقف خيضر الذي ذهب
إلى الخارج، بسبب تصرف بن بله الذي اعتبره غير عقلاني. - واستمرت
المحاكمة من الساعة الحادية عشر إلى غاية الساعة الثانية بعد منتصف
الليل، ورغم أن جماعة شعباني استفادت من البراءة، إلا أنهم وُضعوا تحت
الإقامة الجبرية، غير أن الحكم الذي نطق به القاضي زرطال ضد العقيد محمد
شعباني كان مؤلما وقاسيا.. "الإعدام". -
- محاولتي إنقاذ شعباني من الموت
- كنت
في اليوم الذي نفذ فيه حكم الإعدام على شعباني قد عدت إلى مكتبي في وزارة
الدفاع، بعد جولة قمت بها داخل الوطن، وجاءني بومدين إلى المكتب وقال لي
"هل نخرج إن لم يكن لديك ما تفعله؟"، فلم أمانع، لأننا اعتدنا من حين إلى
آخر الخروج، سواء في سيارتي أو في سيارته للتجول في المزارع والحقول
المحيطة بالعاصمة. - سألنا عن سائقي أو
سائقه فلم نجدهما، فتمشينا في الوزارة والتقينا بالأمين العام لوزارة
الدفاع، عبد القادر شابو، ونائبه جلول الخطيب، فطلب بومدين من الخطيب أن
يأتينا بكرسيين، ثم سألني بومدين: - ـ هل تعلم بمحكمة وهران أم لا؟
- فاجأني بسؤاله هذا، فأجبت على سؤاله بسؤال آخر:
- ـ ماذا حدث؟
- ـ لقد حكموا على شعباني بالإعدام.
- صدمني بومدين بهذا الخبر الذي جعلني أضطرب، ولكني تمالكت نفسي، وقلت له وكأني وجدت الحل لهذا الأمر الجلل:
- ـ الذي يملك العفو هو بن بله.
- فرد علي بومدين:
- ـ شعباني في السجن، وقادة النواحي العسكرية يطلبون من بن بله أن يعفو عنه.
- ـ إذن أذهب إلى بن بله وأطلب منه ألا ينفذ الحكم.
- فزع بومدين من هذا الأمر، وقال لي حازما وكأنه يوجه لي أمرا:
- ـ سي الطاهر.. أطلب منك ألا تذهب إلى بن بله، حتى لا يعتقد بأنني أنا من أرسلتك.
- وأضاف:
- ـ دعهم.. فهؤلاء كانوا في اتصال مع بعضهم البعض، اتركهم لبعضهم البعض.
- وكان
يقصد أن بن بله وشعباني كانا متحالفين ضده، والآن هم خصوم، وبالتالي فقد
تمكن بومدين من ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن جهة، تخلص من ألد خصومه داخل
الجيش، ومن جهة ثانية، سيتحمل بن بله لوحده مسؤولية إعدام شعباني، لأنه هو
من أعطى الأوامر بإلقاء القبض عليه، وهو من يملك الحق في العفو أو في
تنفيذ حكم الإعدام دون سواه. - حصرني
بومدين في زاوية ضيقة، عندما طلب مني عدم الذهاب إلى بن بله للتشفع
لشعباني، فلم أكن أحتمل أن يعدم شعباني هكذا ببساطة، رغم أنني كنت أرفض
عصيانه للأوامر، بل ومتفهما لقضية إلقاء القبض عليه وسجنه، لكن.. أن يعدم
رغم كل ما قدمه من أجل استقلال الجزائر، فهذا حكم قاس.. قاس جدا. - بن بله يرفض شفاعتي
- بينما
كنت محتارا في أمر شعباني، جاء السفير الجزائري، علي كافي، (والذي شغل
منصب سفير في عدة بلدان من بينها سوريا ولبنان وتونس وليبيا) إلى وزارة
الدفاع، ليرى بومدين، وعندما دخل المكلف بالتشريفات إلى بومدين، لإبلاغه
برغبة علي كافي في مقابلته، خرجت من وزارة الدفاع، ووجدت سائقي فركبت
السيارة، وطلبت منه أن يمضي بي إلى البيت. - وفي
هذا الوقت، اتصل بن بله بوزارة الدفاع ليطلبني، إلا أنني كنت قد غادرت
مكتبي، فاتصل بي في البيت، فوجد بأنني لم أصل بعد، فترك وصية لدى زوجتي،
وقال لها "عندما يصل الطاهر قولي له أن يأتيني"، ولما وصلت إلى المنزل
أخبرتني زوجتي بالأمر، فاستبشرت بالأمر خيرا، ووجدت أن الفرصة جاءتني لأكلم
بن بله في قضية شعباني. - قصدت "فيلا
جولي" وصعدت إلى مكتب بن بله في الطابق الخامس، ودخلت عليه فوجدته مستلقيا
على أريكة بالقرب من الشرفة المطلة على البحر، فبادرته بالتحية: - ـ سي أحمد.. كيف حالك؟
- لكنه بدل أن يرد على تحيتي أو يحدثني عن قضية شعباني، فاجأني بالقول:
- ـ اتصلت بك لتهيئ نفسك لتذهب معي غدا إلى القاهرة.
- وكان
مقررا أن تشارك الجزائر في قمة لمجلس الدفاع العربي، الذي يضم رئيس
الدولة ووزير الدفاع وقائد الأركان ووزير الخارجية ووزير المالية لكل دولة
عربية مشاركة في المجلس، لكن بن بله أخبرني أن بومدين سيبقى هنا
(باعتباره نائبا لرئيس الجمهورية)، أما عبد العزيز بوتفليقة وأحمد
فرانسيس، فسيرافقاننا إلى هذا الاجتماع. - وانتهزت الفرصة لأسأله عن شعباني وقلت له:
- ـ ماذا عن محكمة وهران.. كيف الأمر؟
- فانتفض وقال:
- ـ انتهى الأمر.. حكمت المحكمة ونفذ الحكم، ولابد أن نعطي المثال في الصرامة.. فالناس تنتقد غياب الطاعة والنظام.
- لم أنتبه إلى أنه كان جادا عندما قال بأن حكم الإعدام قد "نفذ" في حق شعباني، بل كنت أعتبر بأنه مجرد كلام، فقلت له:
- ـ يا سي أحمد.. شعباني هو الآن في السجن، ولم يبق له لا ناحية ولا ولاية، ولكن آيت أحمد مازال في الجبال.
- وكان
حينها آيت أحمد متمردا رفقة العقيد الصادق دهيلس، أحد قادة الولاية
الرابعة (وسط الجزائر) في جبال القبائل، وأردت تشتيت انتباهه إلى قضية أخرى
حتى لا يستعجل تنفيذ الحكم في حق شعباني، لكن بن بله رد علي: - ـ لكل أمر أوانه.
- وبينما نحن في نقاش، إذ دخل علينا فتال والنقاش وعبد الرحمان شريف، فقالوا له:
- ـ سي أحمد نحتاجك في أمر.
- فنهض بن بله من أريكته لينزوي معهم في مكتب آخر، لكني بادرته بسؤال آخر:
- ـ غدا متى يكون الملتقى؟ وأين؟
- ـ على التاسعة بقصر الشعب.
- غادرت فيلا جولي على أمل أن أجد فرصة أخرى غدا لأكلمه في قضية شعباني.
- التقيت
بن بله صباح الغد في قصر الشعب، لكن كان إلى جنبه سفير القاهرة في
الجزائر السيد "خشبة" وآخرين، فلم أتمكن من الحديث إليه على انفراد، وحتى
عندما ركبنا الطائرة، لم أجد فرصة للتكلم معه وهو محاط بمرافقيه، ولما
نزلنا في مطار القاهرة، استقبل جمال عبد الناصر صديقه، واتجها لوحدهما في
جهة، بينما أخذونا نحن إلى الفندق. - وفي
صباح اليوم الموالي، وبينما كنت أطالع الصحف المصرية، صدمت لما قرأت
عنوانا يتحدث عن "تنفيذ حكم الإعدام في حق شعباني"، ولم أصدق الأمر، لقد
انتهى كل شيء، ولم يعد هناك أي أمل لإنقاذه من الموت المحتوم، وعلمت فيما
بعد، أن حكم الإعدام نفذ فجر اليوم الموالي للمحاكمة، أي ساعات قليلة بعد
النطق بالحكم، ونفذ النقيب عبد الحميد لطرش الحكم عليه رميا بالرصاص،
وانطفأت شمعة أصغر عقيد في الجيش الوطني الشعبي إلى الأبد.
مؤتمر جبهة التحرير الوطني في 1964 في غياب محمد خيضر، الأمين العام
للحزب الذي خرج مغاضبا إلى الخارج، واستغل شعباني هذا المؤتمر لتوجيه نقد
لاذع ومبطن لبومدين، عندما هاجم تغلغل الضباط الفارين من الجيش الفرنسي
داخل هياكل الجيش، وطالب بتنحية هؤلاء من المناصب الحساسة في المؤسسة
العسكرية، على أن يقتصر دورهم على الجوانب التقنية فقط.
هذا الطرح قبولا واسعا لدى معظم المؤتمرين، لكن بومدين كان أكثر إقناعا
من شعباني، واستطاع ترجيح الكفة لصالحه، وأوضح في كلمته أن "تصفية الضباط
الفارين من الجيش الفرنسي، والذين التحقوا بالثورة يعني أننا سنضطر إلى
الاعتماد على الخبرات العسكرية الأجنبية في تأهيل الجيش، وهذا ما يجعل
أسرارنا العسكرية مكشوفة للأجانب، لذلك، فالأولى بنا أن نستعين بهؤلاء
الضباط، الذين لا ينكر أحد بأنهم جزائريون جادون في تأطير الجيش وتأهيله،
خاصة وأنهم يخضعون للقانون الجزائري".
هذه المواجهة الساخنة بين شعباني وبومدين، لتزيد الشرخ بين الرجلين،
وتبرز للجميع حجم التباين بين نظرة كل طرف في بناء الدولة والجيش، ومع أن
بومدين تمكن من كسب هذه الجولة لصالحه، إلا أن شعباني ومعه قطاع واسع من
المجاهدين والمناضلين، ظلوا قلقين لما اعتبروه تغلغلا لأعوان الاستعمار من
الحركى والمصاليين و"الزرق" وغيرهم في دواليب الدولة، ما جعلهم يرفعون
شعار "التصفية".
التي أصبح يتبوأها شعباني عسكريا وسياسيا، إلا أنه لم يكن يلتحق بالعاصمة
إلا لفترات قصيرة، ثم يعود إلى مركزه في الجنوب، ومرت شهور وشعباني على
هذا الحال مما أثار حفيظة بومدين، ودفعه ليؤكد على بن بلة ضرورة التحاق
شعباني بمكتبه في وزارة الدفاع وقال له "شعباني مهمته في العاصمة، ويجب أن
يترك قيادة الناحية حتى نعين شخصا مكانه".
بن بله في كيفية التعامل مع شعباني، بسبب إصراره على عصيان الأوامر، فقرر
إرسالي في وفد ضم كلا من الرائد علي منجلي وآيت الحسين إلى شعباني، الذي
كان متمركزا في بسكرة، لإقناعه بالتخلي عن قيادة الناحية العسكرية
الرابعة، لكنه رفض بشدة التنازل عن قيادة الناحية، بل وانتقد بومدين
والضباط الفارين من الجيش الفرنسي، كما انتقد تعيين بن بله لشخص من
غرداية، يدعى خبزي وزيرا في الحكومة دون مشاورته، بالرغم من أن هذا الأخير
ينحدر من الولاية السادسة، التي يعتبر أنه مازال مسؤولا عنها ورفض فكرة
حلها.
نحو 15 يوما من هذا اللقاء، كرر بومدين على بن بله نفس الأمر، وشدد على
ضرورة استقرار شعباني في العاصمة، لأداء مهامه كنائب لقائد الأركان، وعضو
في المكتب السياسي للحزب، حتى يتم تعيين قائد آخر للناحية العسكرية
الرابعة.
شعباني يتمادى في عصيانه للأوامر، ومع ذلك حاول الحفاظ على شعرة معاوية في
التعامل معه، فاتصل به هاتفيا متوددا إليه:
شعباني له بـ"السياسي المتعفن" جعل بن بله يستشيط غيظا، واعتبر ذلك إهانة
لشخصه، فأعطى الأوامر لبومدين فورا للإعداد عملية عسكرية لإلقاء القبض
على شعباني وجميع الجنود الذين معه، وهو الأمر الذي كان ينتظره بومدين
بفارغ الصبر، ولم يتأخر في تنفيذه، وكان ذلك في 7 جويلية 1964 .
حينها في قيادة الأركان، ولم تكن لدي الصلاحيات الكافية لوقف هذه العملية
العسكرية أو حتى تأخيرها، فالجيش كان في يد بومدين، لذلك انتقلت في طائرة
هيلكوبتر مع شخصين آخرين إلى باتنة، بحجة مراقبة الناحية العسكرية
الخامسة (الشرق الجزائري) التي كنت مسؤولا عنها، ولكني في حقيقة الأمر
توجهت من باتنة إلى آريس، ومنها إلى بسكرة، علـِّي أستطيع أن أصل إلى
شعباني لإقناعه بالعدول عن عصيانه، قبل أن يصل إليه الجيش الذي كان معظم
ضباطه من الفارين من الجيش الفرنسي، والذين يحملون حقدا شديدا عليه، وخشيت
أن يقتلوه أو ينكلوا به إن وقع أسيرا بين أيديهم، لكني عندما وصلت إلى
بسكرة، كان كل شيء قد انتهى وقضي الأمر، لكن لحسن الحظ.. شعباني لم يقتل.
قاد الرائد عبد الله بلهوشات قوات عسكرية زحف بها باتجاه معقل العقيد
شعباني ورجاله لمحاصرتهم في بسكرة، إلا أنه لم تقع مواجهات دامية بين
الطرفين، إذ تخلى معظم رجال شعباني عن ولائهم له، وانظموا بكامل عتادهم إلى
الجيش الوطني الشعبي، غير أن فرقة من الجنود بقيت إلى جانب شعباني للدفاع
عنه، ولما تأكد شعباني بأنه غير قادر على مواجهة القوات الزاحفة من
الشمال، فر من مدينة بسكرة وتحصن بأحد الجبال القريبة، لكن قوات الجيش
لاحقته وجنوده إلى سفح الجبل، وحاصرته وألقت عليه القبض ومن معه أحياء،
بعد أسبوع من المطاردة.
سراح معظم رجال شعباني، فيما اقتيد هو مع مرافقيه الحسين ساسي والعريف
الجيلالي، المدعو سليم، إلى سجن وهران، وظلوا لمدة شهرين (من 7 جويلية إلى 2
سبتمبر 1964) في السجن للتحقيق معهم، وإعداد ملفات محاكمتهم، وتولى هذه
المهمة الأخيرة ضابط فار من الجيش الفرنسي، يدعى محمد تواتي، كان حينها
برتبة ملازم ثان في الدرك الوطني، وهو الذي أعد ملفات محاكمتي خلال الأزمة
التي وقعت لي مع بومدين في 1967، ورقي إلى أن أصبح برتبة جنرال في الجيش،
ثم عين مستشارا برئاسة الجمهورية، وكنت أعتقد أنه مادام شعباني في السجن،
فلا خوف على حياته، إذ أنه لم يعد يشكل خطرا لا على بومدين ولا على بن
بله.
أسماء الضباط الذين سيحاكمون شعباني في المحكمة العسكرية، فيما اختار هو
وكيل جمهورية يدعى "محمود زرطال"، أما بومدين فاقترح عليه الشاذلي بن
جديد، والرائد عبد الغني، وعبد الرحمان بن سالم، وأحمد دراية، وأحمد بن
شريف، الذي رقي إلى عقيد حتى يكون في نفس الرتبة العسكرية مع المتهم، أما
عبد الله بلهوشات، فرفض أن يكون ضمن هيئة المحكمة، ولم يحضر جلسات محاكمة
شعباني، كما حضر جلسات المحكمة النقيب عبد الحميد لطرش.
هيئة قضائية عسكرية لمحاكمته في وهران، برئاسة محمود زرطال، وعين أحمد
دراية كوَكيل للجمهورية، ووجهت لشعباني تهمة التمرد، وأضافوا له تهمة
الاتصال بمصالح الاستخبارات الفرنسية، وغيرها من التهم الملفقة.
شعباني على التهم الموجهة إليه بالتأكيد على مواقفه السابقة الرافضة لهدم
الولايات قبل وقتها، متهما بن بله بالنزوع إلى الحكم الفردي، وتمكين
بومدين لمن أسماهم "بضباط فرنسا" داخل الجيش، واستدل بموقف خيضر الذي ذهب
إلى الخارج، بسبب تصرف بن بله الذي اعتبره غير عقلاني.
المحاكمة من الساعة الحادية عشر إلى غاية الساعة الثانية بعد منتصف
الليل، ورغم أن جماعة شعباني استفادت من البراءة، إلا أنهم وُضعوا تحت
الإقامة الجبرية، غير أن الحكم الذي نطق به القاضي زرطال ضد العقيد محمد
شعباني كان مؤلما وقاسيا.. "الإعدام".
في اليوم الذي نفذ فيه حكم الإعدام على شعباني قد عدت إلى مكتبي في وزارة
الدفاع، بعد جولة قمت بها داخل الوطن، وجاءني بومدين إلى المكتب وقال لي
"هل نخرج إن لم يكن لديك ما تفعله؟"، فلم أمانع، لأننا اعتدنا من حين إلى
آخر الخروج، سواء في سيارتي أو في سيارته للتجول في المزارع والحقول
المحيطة بالعاصمة.
سائقه فلم نجدهما، فتمشينا في الوزارة والتقينا بالأمين العام لوزارة
الدفاع، عبد القادر شابو، ونائبه جلول الخطيب، فطلب بومدين من الخطيب أن
يأتينا بكرسيين، ثم سألني بومدين:
يقصد أن بن بله وشعباني كانا متحالفين ضده، والآن هم خصوم، وبالتالي فقد
تمكن بومدين من ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن جهة، تخلص من ألد خصومه داخل
الجيش، ومن جهة ثانية، سيتحمل بن بله لوحده مسؤولية إعدام شعباني، لأنه هو
من أعطى الأوامر بإلقاء القبض عليه، وهو من يملك الحق في العفو أو في
تنفيذ حكم الإعدام دون سواه.
بومدين في زاوية ضيقة، عندما طلب مني عدم الذهاب إلى بن بله للتشفع
لشعباني، فلم أكن أحتمل أن يعدم شعباني هكذا ببساطة، رغم أنني كنت أرفض
عصيانه للأوامر، بل ومتفهما لقضية إلقاء القبض عليه وسجنه، لكن.. أن يعدم
رغم كل ما قدمه من أجل استقلال الجزائر، فهذا حكم قاس.. قاس جدا.
كنت محتارا في أمر شعباني، جاء السفير الجزائري، علي كافي، (والذي شغل
منصب سفير في عدة بلدان من بينها سوريا ولبنان وتونس وليبيا) إلى وزارة
الدفاع، ليرى بومدين، وعندما دخل المكلف بالتشريفات إلى بومدين، لإبلاغه
برغبة علي كافي في مقابلته، خرجت من وزارة الدفاع، ووجدت سائقي فركبت
السيارة، وطلبت منه أن يمضي بي إلى البيت.
هذا الوقت، اتصل بن بله بوزارة الدفاع ليطلبني، إلا أنني كنت قد غادرت
مكتبي، فاتصل بي في البيت، فوجد بأنني لم أصل بعد، فترك وصية لدى زوجتي،
وقال لها "عندما يصل الطاهر قولي له أن يأتيني"، ولما وصلت إلى المنزل
أخبرتني زوجتي بالأمر، فاستبشرت بالأمر خيرا، ووجدت أن الفرصة جاءتني لأكلم
بن بله في قضية شعباني.
جولي" وصعدت إلى مكتب بن بله في الطابق الخامس، ودخلت عليه فوجدته مستلقيا
على أريكة بالقرب من الشرفة المطلة على البحر، فبادرته بالتحية:
مقررا أن تشارك الجزائر في قمة لمجلس الدفاع العربي، الذي يضم رئيس
الدولة ووزير الدفاع وقائد الأركان ووزير الخارجية ووزير المالية لكل دولة
عربية مشاركة في المجلس، لكن بن بله أخبرني أن بومدين سيبقى هنا
(باعتباره نائبا لرئيس الجمهورية)، أما عبد العزيز بوتفليقة وأحمد
فرانسيس، فسيرافقاننا إلى هذا الاجتماع.
حينها آيت أحمد متمردا رفقة العقيد الصادق دهيلس، أحد قادة الولاية
الرابعة (وسط الجزائر) في جبال القبائل، وأردت تشتيت انتباهه إلى قضية أخرى
حتى لا يستعجل تنفيذ الحكم في حق شعباني، لكن بن بله رد علي:
بن بله صباح الغد في قصر الشعب، لكن كان إلى جنبه سفير القاهرة في
الجزائر السيد "خشبة" وآخرين، فلم أتمكن من الحديث إليه على انفراد، وحتى
عندما ركبنا الطائرة، لم أجد فرصة للتكلم معه وهو محاط بمرافقيه، ولما
نزلنا في مطار القاهرة، استقبل جمال عبد الناصر صديقه، واتجها لوحدهما في
جهة، بينما أخذونا نحن إلى الفندق.
صباح اليوم الموالي، وبينما كنت أطالع الصحف المصرية، صدمت لما قرأت
عنوانا يتحدث عن "تنفيذ حكم الإعدام في حق شعباني"، ولم أصدق الأمر، لقد
انتهى كل شيء، ولم يعد هناك أي أمل لإنقاذه من الموت المحتوم، وعلمت فيما
بعد، أن حكم الإعدام نفذ فجر اليوم الموالي للمحاكمة، أي ساعات قليلة بعد
النطق بالحكم، ونفذ النقيب عبد الحميد لطرش الحكم عليه رميا بالرصاص،
وانطفأت شمعة أصغر عقيد في الجيش الوطني الشعبي إلى الأبد.
عبد الرحمان شعباني أخ العقيد محمد شعباني : هكذا فعلوا بشعبـاني
السبت 06 أكتوبر 2012, 08:45
عبد الرحمان شعباني أخ العقيد محمد شعباني : هكذا فعلوا بشعبـاني
لا
يستطيع أيا كان أن يدعي أنه يملك الحقيقة التاريخية المطلقة (و لو أدى
اليمين قائلها) خاصة إذا كنا نتكلم عن فترة زمنية تاريخية لا يزال صانعوها على
قيد الحياة، لكننا نعتبر أن الزمن يعتبر عاملا أساسيا في الكشف عن الحقائق
التاريخية التي كانت عرضة للتعتيم والتضليل تارة، و للتفسيرات و التأويلات
الخاطئة تارة أخرى، بغض النظر على الأغراض و المقاصد التي تقف ورائها.
ووعيا مني بضرورة المساهمة في تخليص
الحقيقة التاريخية من يد أولئك الذين “اغتالوا الثورة” و “اغتصبوا
الاستقلال” كان لزاما علي أن أساهم في هذا الموضوع خاصة بعد الجدل الكبير
الذي أثارته شهادة الرئيس السابق الشاذلي بن جديد في الملتقى الذي عقد
بالطارف حول القاعدة الشرقية ( 27/11/2008). جريدة الخبر عدد 04/12/2008 و
جريدة LIBERTE عدد 14/12/2008
هذا الأخير الذي أعترف بمسؤولية الرئيس بن
بلة عن الجريمة الفظيعة – والتي شارك فيها- التي ارتكبت في حق العقيد
شعباني، محاولا في الوقت ذاته تبرئة الرئيس هواري بومدين مقسما بالله أن ما
قاله هو الحقيقة في الوقت الذي يصرح فيه بأنه جيء به من قسنطينة حيث كان
يشغل منصب قائد الناحية الخامسة، أما نحن فنقول إن الحقيقة التي ستكون
لديها أوراق أخرى، لتوزعها حتى تكتمل صفحة من صفحات تاريخنا الذي أرادوا
تمزيقها.
إن الخيار الاشتراكي الذي فرض على الشعب الجزائري غداة الاستقلال، سواء كان
الاشتراكية القومية العربية (الناصرية) التي نادى بها بن بلة،
أوالاشتراكية الإسلامية التي نادى بها بومدين لم تكن في الحقيقة إلا
اشتراكية فاشية، تخفي تحتها رغبة جامحة للإنفراد بالسلطة، الأمر الذي أدى
في نهاية المطاف إلى نظام حكم طغت فيه الشخصنة Personnalisation على
المؤسساتية، هذا النظام الذي جاء بأناس أرادوا أن يبنوا تاريخا على مقاسهم
يظهرهم في صورة الأبطال المكللين بأوسمة المجد، فارضين على الناس (حتى لا
أقول الشعب) أن يحنوا رؤوسهم تمجيدا لهم، وجمع حوله –النظام– زمرة من
المتملقين والانتهازيين الذين تقيدهم المصلحة الخاصة و الإثراء السريع عن
طريق المنصب من أمثال العقيد أحمد بن شريف قائد الدرك الوطني لمدة 15 سنة.
أما عن قراءتي لاعترافات الرئيس الشاذلي بن
جديد و إدلائه بأسماء الجناة ومساعديهم في اغتيال العقيد شعباني، فإنه كان
صادقا مع نفسه مصدقا حقيقته التي أمليت عليه من طرف الرئيس بومدين، ومن
جهة أخرى، فإنه وبعيدا عن القراءات السياسية التي ربطت بين شهادته والحراك
السياسي الحالي (التعديل الدستوري و الانتخابات الرئاسية) فإن الشاذلي كان
إنسانا قبل أن يكون رئيسا، واستيقظ فيه ضميره ليؤنبه على مشاركته في جرم
كان في قرارة نفسه رافضا له، ارتكبه تنفيذا لأوامر الرئيس بن بلة القاضية
بإعدام عضو المكتب السياسي أعلى هيئة في الدولة، والضابط الأعلى رتبة في
الجيش و الأصغر سنا، تلك الرتبة التي استحقها و انتزعها بجهاده وباقتراح من
رفقاء السلاح، وهنا أغتنم الفرصة لأطرح السؤال الآتي: لماذا ألتزم أعضاء
المكتب السياسي العشرة الصمت، إزاء المساس بهيئتهم ؟، ذلك أن بلة خرق
قوانين الحزب التي تنص على أن رفع الحصانة يكون بقرار من مؤتمر الحزب، أهو
الخوف، أم أن هناك اعتبارات أخرى.
أما محاولة الشاذلي بن جديد تبرئة الرئيس
بومدين من مسؤولية اغتيال شعباني، فإن الوثائق والنصوص القانونية لا تسعفه،
وتفنيدا لما قاله نورد مجموعة منها لا تحتاج إلى تعليق.
- أولا: المرسوم المؤرخ في 02/07/1964 المتعلق بإنهاء مهام عضو هيئة
الأركان للجيش الشعبي الوطني العقيد محمد شعباني، هذا المرسوم الذي أصدره
بن بلة رئيس الجمهورية بناءا على تقرير نائب الرئيس ووزير الدفاع، هذا
التقرير الذي يفترض أن هناك نسخة منه على مستوى رئاسة الجمهورية وأخرى
بوزارة الدفاع والذي نطالب بالكشف عن محتواه لتحديد طبيعة التهم الموجهة
إليه.
- ثانيا: المرسوم الرئاسي المؤرخ في
02/07/1964 المتعلق بتجريد العقيد شعباني من رتبته العسكرية وفصله من الجيش
بناءا على تقرير من وزير الدفاع، والسؤال ذاته يطرح، ما الذي احتواه هذا
التقرير ؟ !.
أما فيما يخص تساؤل الرئيس الشاذلي بن جديد و استغرابه تلك الرغبة الملحة
في التخلص من شعباني، فإننا نؤكد أن هذا الإقرار يؤكد وجود هذه اليد الخفية
لبومدين، المتسترة بالرئيس بن بلة، والتي حاكت بدقة خيوط الجريمة التي راح
ضحيتها شعباني، وجانب كبير من تاريخ الجزائر.
- ثالثا: القرار المؤرخ في 03/08/1964
المتعلق بتعيين أعضاء المحكمة، حيث تم اختيارهم جميعا باستثناء رئيس
المحكمة من طرف هواري بومدين وهم على التوالي:
- العقيـد أحمد بن شريف.
- الرائد سعيد عبيد ( سدراتة ).
- الرائد الشاذلي بن جديد ( بوثلجة – الطارف).
- الرائد عبد الرحمن بن سالم ( بوحجار).
والذي راعه في اختيارهم انتماءاتهم الجهوية بالإضافة إلى ممثل الحق العام
أحمد دراية (سوق أهراس) والذي كان محكوما عليه بالسجن من طرف GPRA ، ثم
إطلاق سراحه بتدخل من بومدين، ثم تكليفه بمهمة تحت رئاسة عبد العزيز
بوتفليقة، ثم تعيينه بقرار صادر في نفس اليوم ومن طرف نفس السلطة.
وتأكيدا على اليد الخفية لبومدين، فإنه لم يكتف فقط بإصدار القرارات
المتعلقة بتنظيم المحكمة، بل قام بخرق الإجراءات القانونية، هذه الحقيقة
التي كشفها الشاذلي دون قصد حيث أكد أن العقيد بن شريف لم يكن ضمن هيئة
المحكمة، الأمر الذي يعد خرقا للمادة 02 فقرة 02 من الأمر 21/211 المؤرخ في
28/07/1964 المتعلق بإنشاء المحكمة العرفية والتي تنص على : ” المحكمة
العرفية تتشكل من:
- رئيس يتم اختياره من طرف وزير العدل.
- أربعة (04) قضاء مساعدين من ضباط الجيش الوطني الشعبي، معينين من طرف وزير الدفاع الوطني.
- ممثل الحق العام: ضابط من الجيش الوطني الشعبي معين من طرف وزير الدفاع.
وبغض النظر عن شرعية المحكمة التي أوجدها كل من بن بلة وبومدين لإعطاء
الصبغة القانونية للجريمة، فإن عدم احترام المادة 02 المذكورة أعلاه يعد
عيبا في الإجراءات يمنع من انعقاد المحكمة لعدم اكتمال تشكيلتها، وذلك
لغياب العقيد أحمد بن شريف الذي أمضى على الحكم بعد ذلك رغم غيابه؟! مما
يؤكد أن الحكم الصادر كان حكما سياسيا بطابع قانوني صادر عن عسكريين
مأمورين لا إرادة لهم.
أما العقيد بن شريف والذي يفترض أنه كان
عضوا بالمحكمة فقد كلف بمهمة أخرى من طرف بومدين، حيث قام بمحاصرة الثكنة
التي أجريت فيها المحاكمة وتحويل الضحية شعباني إلى مكان تنفيذ الإعدام،
الذي هيأه وطوقه بقوات الدرك الوطني لمدة ساعات وقبل انطلاق المحاكمة،
الأمر الذي أكده الشاذلي مرة أخرى دون قصد.
إن دور بومدين في قضية تصفية شعباني لا ينفي مسؤولية بن بلة هذا الأخير
الذي قام بإصدار الأمر المتعلق بإنشاء المحكمة العرفية الأمر 61/211 المؤرخ
في 28/07/1964 والذي ينص في المادة الثالثة (03) على ممثل الحق العام
بناءا على تكليف من وزير الدفاع يقدم قرار إلى المحكمة يحتوي على:
- تكييف الوقائع وبيان القوانين الواجب تطبيقها.
- إجراءات التحقيق غير قابلة للطعن.
- المادة 04: المحكمة العرفية تحدد إجراءاتها بنفسها.
- تفصل المحكمة بعد يومين من إخطارها.
- المحاكمة مغلقة ودون مرافعة.
- المادة 05: الحكم الصادر عن المحكمة غير قابل للطعن و الاستئناف وينفذ فورا.
هل تختلف هذه المحكمة و التي نعتبرها وحشا قانونيا، عن النظام الذي طبقته
فرنسا الاستعمارية على الأهالي، ألا يعد نظام هذه المحكمة مستوحى من الأمر
المؤرخ في 26/09/1842 الذي ينص على أن الجرائم و الجنح المرتكبة من طرف
العرب (INDIGENE) في المناطق العسكرية تخضع لأحكام مجالس الحرب “Conseil de
guerre”، وقراراتها غير قابلة للاستئناف.
بالإضافة إلى كل هذا يأتي رفض بن بلة لإصدار العفو رغم مناشدة هيئة
المحكمة، ليدينه ويثبت تورطه وتواطؤه مع وزير دفاعه هواري بومدين، في الوقت
الذي اصدر فيه قرار بالعفو عن قاتل محمد خميستي وزير الخارجية (زنادي محمد
وهذا يوم 04/09/1964).
يتضح من هذا كله أن كلا من بومدين وبن بلة
كانا مسؤولين بصفة مباشرة عن ما يجدر بنا أن نطلق عليه تصفية العقيد محمد
شعباني، في هذا السياق فإنهما( بومدين، بن بلة) لا يختلفان كثيرا عن
الجنرال أوفقير الذي صفى بن بركة في فرنسا بأمر من الحسن الثاني، و أوساريس
قاتل بن مهيدي.
أما السؤال الكبير الذي يطرح نفسه، فهو ما هي الدوافع الحقيقية التي كانت وراء المحاكمة التي حيكت بإحكام لتصفية العقيد شعباني ؟.
- يعود بنا هذا السؤال إلى 19 أفريل 1962،
حيث بعث العقيد شعباني برقية إلى الحكومة المؤقتة مشفرة ومرقمة برقم 483545
والتي تلقتها بتاريخ 24/04/1962 جاء فيها: « ابتداء من وقف إطلاق النار،
عناصر مسؤولة تقول أنها مفوضة من طرف الحكومة المؤقتة تقوم بعزل مسؤولين
مناضلين الذين ساهموا في الثورة التحريرية، وتعويضهم بآخرين كانوا أعداء
للشعب، هذا ما يقع في بعض المدن لبعض الولايات، ألفت انتباهكم إلى خطورة
هذه التصرفات التي أثارت الغضب الشعبي. إذ استمر هذا نخشى أن نخسر ثقة
الشعب، وبالتالي مناصرته في انتخابات تقرير المصير.»
- و في الخطاب الذي ألقاه بمدينة مسعد تكلم بصراحة عن تسرب عملاء لفرنسا
داخل جيش الحدود، وحذر منه، الشيء الذي استاء منه كثيرا بومدين، وبعد
استتباب الأمر وأصبحت الولاية السادسة ناحية عسكرية رابعة، بقيادة العقيد
شعباني طلب هذا الأخير من بومدين تنحية الرائد شابو آنذاك من منصبه
الإداري، حتى لا يطلع على أسرار وزارة الدفاع و المراسلات بين وزارة الدفاع
و النواحي، وذلك لأنه كان من مجموعة الفارين من الجيش الفرنسي، ولم
يلتحقوا البتة بجيش الداخل.
- زيادة على ذلك اقترح شعباني على بن بلة
أن تكون قيادة هيئة الأركان جماعية دورية كل ثلاث سنوات، على أن يكون أول
قائد للأركان أعلاهم و أقدمهم رتبة، تفاديا للانقلابات العسكرية التي كانت
سائدة في إفريقيا، مما أثار غضب بومدين الذي ذلك في حوار له مع لطفي الخولي
حيث أبدى استغرابه لفكرة الجيش الذي يخضع لقيادة جماعية.
وظهر جليا الصراع بين بومدين و شعباني في المؤتمر الرابع لحزب جبهة التحرير
الوطني 16 أفريل 1964، حيث قدم شعباني تقريرا صريحا مطالبا بتطهير الجيش
من الدخلاء، بعده تدخل بومدين مرددا عبارته الشهيرة من الطاهر بن الطاهر
الذي يريد تطهير الجيش؟ وبرر اختياره بأنه يفضل الاعتماد على جزائريين، من
الإتيان بمتعاونين تقنيين أجانب.
وإحساسا بخطورة الاقتراحات التي تقدم بها
شعباني، و التي ستئول إلى إضعاف سلطة بومدين وهيمنته على الجيش سعى هذا
الأخير إلى الإطاحة بشعباني، حيث كانت البداية بإعادة هيكلة النواحي،
وتعيين قادة جدد، حيث تم تعيين مقر الناحية العسكرية الرابعة من بسكرة إلى
ورقلة، وتعيين الرائد عمار ملاح على رأسها وهذا القرار صادر في 04/06/1964
خلفا للعقيد شعباني الذي تم تعيينه عضوا في المكتب السياسي و عضوا في قيادة
الأركان، الشيء الذي رفضه شعباني ودفعه إلى التمرد، هذا التمرد الذي كان
بن بلة وبومدين يدفعان شعباني إليه، سيكون ذريعة لتصفيته
لا
يستطيع أيا كان أن يدعي أنه يملك الحقيقة التاريخية المطلقة (و لو أدى
اليمين قائلها) خاصة إذا كنا نتكلم عن فترة زمنية تاريخية لا يزال صانعوها على
قيد الحياة، لكننا نعتبر أن الزمن يعتبر عاملا أساسيا في الكشف عن الحقائق
التاريخية التي كانت عرضة للتعتيم والتضليل تارة، و للتفسيرات و التأويلات
الخاطئة تارة أخرى، بغض النظر على الأغراض و المقاصد التي تقف ورائها.
ووعيا مني بضرورة المساهمة في تخليص
الحقيقة التاريخية من يد أولئك الذين “اغتالوا الثورة” و “اغتصبوا
الاستقلال” كان لزاما علي أن أساهم في هذا الموضوع خاصة بعد الجدل الكبير
الذي أثارته شهادة الرئيس السابق الشاذلي بن جديد في الملتقى الذي عقد
بالطارف حول القاعدة الشرقية ( 27/11/2008). جريدة الخبر عدد 04/12/2008 و
جريدة LIBERTE عدد 14/12/2008
هذا الأخير الذي أعترف بمسؤولية الرئيس بن
بلة عن الجريمة الفظيعة – والتي شارك فيها- التي ارتكبت في حق العقيد
شعباني، محاولا في الوقت ذاته تبرئة الرئيس هواري بومدين مقسما بالله أن ما
قاله هو الحقيقة في الوقت الذي يصرح فيه بأنه جيء به من قسنطينة حيث كان
يشغل منصب قائد الناحية الخامسة، أما نحن فنقول إن الحقيقة التي ستكون
لديها أوراق أخرى، لتوزعها حتى تكتمل صفحة من صفحات تاريخنا الذي أرادوا
تمزيقها.
إن الخيار الاشتراكي الذي فرض على الشعب الجزائري غداة الاستقلال، سواء كان
الاشتراكية القومية العربية (الناصرية) التي نادى بها بن بلة،
أوالاشتراكية الإسلامية التي نادى بها بومدين لم تكن في الحقيقة إلا
اشتراكية فاشية، تخفي تحتها رغبة جامحة للإنفراد بالسلطة، الأمر الذي أدى
في نهاية المطاف إلى نظام حكم طغت فيه الشخصنة Personnalisation على
المؤسساتية، هذا النظام الذي جاء بأناس أرادوا أن يبنوا تاريخا على مقاسهم
يظهرهم في صورة الأبطال المكللين بأوسمة المجد، فارضين على الناس (حتى لا
أقول الشعب) أن يحنوا رؤوسهم تمجيدا لهم، وجمع حوله –النظام– زمرة من
المتملقين والانتهازيين الذين تقيدهم المصلحة الخاصة و الإثراء السريع عن
طريق المنصب من أمثال العقيد أحمد بن شريف قائد الدرك الوطني لمدة 15 سنة.
أما عن قراءتي لاعترافات الرئيس الشاذلي بن
جديد و إدلائه بأسماء الجناة ومساعديهم في اغتيال العقيد شعباني، فإنه كان
صادقا مع نفسه مصدقا حقيقته التي أمليت عليه من طرف الرئيس بومدين، ومن
جهة أخرى، فإنه وبعيدا عن القراءات السياسية التي ربطت بين شهادته والحراك
السياسي الحالي (التعديل الدستوري و الانتخابات الرئاسية) فإن الشاذلي كان
إنسانا قبل أن يكون رئيسا، واستيقظ فيه ضميره ليؤنبه على مشاركته في جرم
كان في قرارة نفسه رافضا له، ارتكبه تنفيذا لأوامر الرئيس بن بلة القاضية
بإعدام عضو المكتب السياسي أعلى هيئة في الدولة، والضابط الأعلى رتبة في
الجيش و الأصغر سنا، تلك الرتبة التي استحقها و انتزعها بجهاده وباقتراح من
رفقاء السلاح، وهنا أغتنم الفرصة لأطرح السؤال الآتي: لماذا ألتزم أعضاء
المكتب السياسي العشرة الصمت، إزاء المساس بهيئتهم ؟، ذلك أن بلة خرق
قوانين الحزب التي تنص على أن رفع الحصانة يكون بقرار من مؤتمر الحزب، أهو
الخوف، أم أن هناك اعتبارات أخرى.
أما محاولة الشاذلي بن جديد تبرئة الرئيس
بومدين من مسؤولية اغتيال شعباني، فإن الوثائق والنصوص القانونية لا تسعفه،
وتفنيدا لما قاله نورد مجموعة منها لا تحتاج إلى تعليق.
- أولا: المرسوم المؤرخ في 02/07/1964 المتعلق بإنهاء مهام عضو هيئة
الأركان للجيش الشعبي الوطني العقيد محمد شعباني، هذا المرسوم الذي أصدره
بن بلة رئيس الجمهورية بناءا على تقرير نائب الرئيس ووزير الدفاع، هذا
التقرير الذي يفترض أن هناك نسخة منه على مستوى رئاسة الجمهورية وأخرى
بوزارة الدفاع والذي نطالب بالكشف عن محتواه لتحديد طبيعة التهم الموجهة
إليه.
- ثانيا: المرسوم الرئاسي المؤرخ في
02/07/1964 المتعلق بتجريد العقيد شعباني من رتبته العسكرية وفصله من الجيش
بناءا على تقرير من وزير الدفاع، والسؤال ذاته يطرح، ما الذي احتواه هذا
التقرير ؟ !.
أما فيما يخص تساؤل الرئيس الشاذلي بن جديد و استغرابه تلك الرغبة الملحة
في التخلص من شعباني، فإننا نؤكد أن هذا الإقرار يؤكد وجود هذه اليد الخفية
لبومدين، المتسترة بالرئيس بن بلة، والتي حاكت بدقة خيوط الجريمة التي راح
ضحيتها شعباني، وجانب كبير من تاريخ الجزائر.
- ثالثا: القرار المؤرخ في 03/08/1964
المتعلق بتعيين أعضاء المحكمة، حيث تم اختيارهم جميعا باستثناء رئيس
المحكمة من طرف هواري بومدين وهم على التوالي:
- العقيـد أحمد بن شريف.
- الرائد سعيد عبيد ( سدراتة ).
- الرائد الشاذلي بن جديد ( بوثلجة – الطارف).
- الرائد عبد الرحمن بن سالم ( بوحجار).
والذي راعه في اختيارهم انتماءاتهم الجهوية بالإضافة إلى ممثل الحق العام
أحمد دراية (سوق أهراس) والذي كان محكوما عليه بالسجن من طرف GPRA ، ثم
إطلاق سراحه بتدخل من بومدين، ثم تكليفه بمهمة تحت رئاسة عبد العزيز
بوتفليقة، ثم تعيينه بقرار صادر في نفس اليوم ومن طرف نفس السلطة.
وتأكيدا على اليد الخفية لبومدين، فإنه لم يكتف فقط بإصدار القرارات
المتعلقة بتنظيم المحكمة، بل قام بخرق الإجراءات القانونية، هذه الحقيقة
التي كشفها الشاذلي دون قصد حيث أكد أن العقيد بن شريف لم يكن ضمن هيئة
المحكمة، الأمر الذي يعد خرقا للمادة 02 فقرة 02 من الأمر 21/211 المؤرخ في
28/07/1964 المتعلق بإنشاء المحكمة العرفية والتي تنص على : ” المحكمة
العرفية تتشكل من:
- رئيس يتم اختياره من طرف وزير العدل.
- أربعة (04) قضاء مساعدين من ضباط الجيش الوطني الشعبي، معينين من طرف وزير الدفاع الوطني.
- ممثل الحق العام: ضابط من الجيش الوطني الشعبي معين من طرف وزير الدفاع.
وبغض النظر عن شرعية المحكمة التي أوجدها كل من بن بلة وبومدين لإعطاء
الصبغة القانونية للجريمة، فإن عدم احترام المادة 02 المذكورة أعلاه يعد
عيبا في الإجراءات يمنع من انعقاد المحكمة لعدم اكتمال تشكيلتها، وذلك
لغياب العقيد أحمد بن شريف الذي أمضى على الحكم بعد ذلك رغم غيابه؟! مما
يؤكد أن الحكم الصادر كان حكما سياسيا بطابع قانوني صادر عن عسكريين
مأمورين لا إرادة لهم.
أما العقيد بن شريف والذي يفترض أنه كان
عضوا بالمحكمة فقد كلف بمهمة أخرى من طرف بومدين، حيث قام بمحاصرة الثكنة
التي أجريت فيها المحاكمة وتحويل الضحية شعباني إلى مكان تنفيذ الإعدام،
الذي هيأه وطوقه بقوات الدرك الوطني لمدة ساعات وقبل انطلاق المحاكمة،
الأمر الذي أكده الشاذلي مرة أخرى دون قصد.
إن دور بومدين في قضية تصفية شعباني لا ينفي مسؤولية بن بلة هذا الأخير
الذي قام بإصدار الأمر المتعلق بإنشاء المحكمة العرفية الأمر 61/211 المؤرخ
في 28/07/1964 والذي ينص في المادة الثالثة (03) على ممثل الحق العام
بناءا على تكليف من وزير الدفاع يقدم قرار إلى المحكمة يحتوي على:
- تكييف الوقائع وبيان القوانين الواجب تطبيقها.
- إجراءات التحقيق غير قابلة للطعن.
- المادة 04: المحكمة العرفية تحدد إجراءاتها بنفسها.
- تفصل المحكمة بعد يومين من إخطارها.
- المحاكمة مغلقة ودون مرافعة.
- المادة 05: الحكم الصادر عن المحكمة غير قابل للطعن و الاستئناف وينفذ فورا.
هل تختلف هذه المحكمة و التي نعتبرها وحشا قانونيا، عن النظام الذي طبقته
فرنسا الاستعمارية على الأهالي، ألا يعد نظام هذه المحكمة مستوحى من الأمر
المؤرخ في 26/09/1842 الذي ينص على أن الجرائم و الجنح المرتكبة من طرف
العرب (INDIGENE) في المناطق العسكرية تخضع لأحكام مجالس الحرب “Conseil de
guerre”، وقراراتها غير قابلة للاستئناف.
بالإضافة إلى كل هذا يأتي رفض بن بلة لإصدار العفو رغم مناشدة هيئة
المحكمة، ليدينه ويثبت تورطه وتواطؤه مع وزير دفاعه هواري بومدين، في الوقت
الذي اصدر فيه قرار بالعفو عن قاتل محمد خميستي وزير الخارجية (زنادي محمد
وهذا يوم 04/09/1964).
يتضح من هذا كله أن كلا من بومدين وبن بلة
كانا مسؤولين بصفة مباشرة عن ما يجدر بنا أن نطلق عليه تصفية العقيد محمد
شعباني، في هذا السياق فإنهما( بومدين، بن بلة) لا يختلفان كثيرا عن
الجنرال أوفقير الذي صفى بن بركة في فرنسا بأمر من الحسن الثاني، و أوساريس
قاتل بن مهيدي.
أما السؤال الكبير الذي يطرح نفسه، فهو ما هي الدوافع الحقيقية التي كانت وراء المحاكمة التي حيكت بإحكام لتصفية العقيد شعباني ؟.
- يعود بنا هذا السؤال إلى 19 أفريل 1962،
حيث بعث العقيد شعباني برقية إلى الحكومة المؤقتة مشفرة ومرقمة برقم 483545
والتي تلقتها بتاريخ 24/04/1962 جاء فيها: « ابتداء من وقف إطلاق النار،
عناصر مسؤولة تقول أنها مفوضة من طرف الحكومة المؤقتة تقوم بعزل مسؤولين
مناضلين الذين ساهموا في الثورة التحريرية، وتعويضهم بآخرين كانوا أعداء
للشعب، هذا ما يقع في بعض المدن لبعض الولايات، ألفت انتباهكم إلى خطورة
هذه التصرفات التي أثارت الغضب الشعبي. إذ استمر هذا نخشى أن نخسر ثقة
الشعب، وبالتالي مناصرته في انتخابات تقرير المصير.»
- و في الخطاب الذي ألقاه بمدينة مسعد تكلم بصراحة عن تسرب عملاء لفرنسا
داخل جيش الحدود، وحذر منه، الشيء الذي استاء منه كثيرا بومدين، وبعد
استتباب الأمر وأصبحت الولاية السادسة ناحية عسكرية رابعة، بقيادة العقيد
شعباني طلب هذا الأخير من بومدين تنحية الرائد شابو آنذاك من منصبه
الإداري، حتى لا يطلع على أسرار وزارة الدفاع و المراسلات بين وزارة الدفاع
و النواحي، وذلك لأنه كان من مجموعة الفارين من الجيش الفرنسي، ولم
يلتحقوا البتة بجيش الداخل.
- زيادة على ذلك اقترح شعباني على بن بلة
أن تكون قيادة هيئة الأركان جماعية دورية كل ثلاث سنوات، على أن يكون أول
قائد للأركان أعلاهم و أقدمهم رتبة، تفاديا للانقلابات العسكرية التي كانت
سائدة في إفريقيا، مما أثار غضب بومدين الذي ذلك في حوار له مع لطفي الخولي
حيث أبدى استغرابه لفكرة الجيش الذي يخضع لقيادة جماعية.
وظهر جليا الصراع بين بومدين و شعباني في المؤتمر الرابع لحزب جبهة التحرير
الوطني 16 أفريل 1964، حيث قدم شعباني تقريرا صريحا مطالبا بتطهير الجيش
من الدخلاء، بعده تدخل بومدين مرددا عبارته الشهيرة من الطاهر بن الطاهر
الذي يريد تطهير الجيش؟ وبرر اختياره بأنه يفضل الاعتماد على جزائريين، من
الإتيان بمتعاونين تقنيين أجانب.
وإحساسا بخطورة الاقتراحات التي تقدم بها
شعباني، و التي ستئول إلى إضعاف سلطة بومدين وهيمنته على الجيش سعى هذا
الأخير إلى الإطاحة بشعباني، حيث كانت البداية بإعادة هيكلة النواحي،
وتعيين قادة جدد، حيث تم تعيين مقر الناحية العسكرية الرابعة من بسكرة إلى
ورقلة، وتعيين الرائد عمار ملاح على رأسها وهذا القرار صادر في 04/06/1964
خلفا للعقيد شعباني الذي تم تعيينه عضوا في المكتب السياسي و عضوا في قيادة
الأركان، الشيء الذي رفضه شعباني ودفعه إلى التمرد، هذا التمرد الذي كان
بن بلة وبومدين يدفعان شعباني إليه، سيكون ذريعة لتصفيته
- المحترفمشرف منتدى أخبار و تاريخ مستغانم
- عدد الرسائل : 1490
نقاط : 2747
السٌّمعَة : 8
تاريخ التسجيل : 20/06/2008
رد: من تاريخ الجزائر...فضيحة إغتيال العقيد شعباني رحمه الله.
الخميس 15 نوفمبر 2012, 18:34
ضباط فرنسا في المغرب العربي
ما الذي قدمه الضباط الفارون من الجيش الفرنسي للثورة الجزائرية؟ وما الذي قدموه لمرحلة ما بعد استرجاع السيادة؟ وهل حقا كانوا يدافعون عن المصالح الفرنسية في المغرب العربي؟.
أولى جرائم "ضباط فرنسا"
من بين التهم الموجهة للعقيد محمد شعباني في المحكمة التي كان الشاذلي بن جديد عضوا فيها هي"وقوفه ضد الفرانكفونية أو ما يسمى بالضباط الفارين من الجيش الفرنسي" أو ما يسمى بحزب فرنسا في الجزائر الذي كان يسمي شعباني أصحابه بـ"القوة الثالثة" وقد طالب في مؤتمر جبهة التحرير الوطني لعام 1964 بتحرير الإدارة وتنظيف الجيش منه، فلماذا تجنب الشاذلي بن جديد الحديث عن من أعدم شعباني وهو ضابط من هؤلاء الفارين من الجيش الفرنسي.
يقول مهدي الشريف (أول أمين عام لأركان الجيش الجزائري والذي منع بث حوار معه في إحدى القنوات الخاصة) "بعيد الاستقلال مباشرة اكتشفنا عيون فرنسا وسط الجنود والضباط
الذين أدخلهم عبد القادر شابو (الأمين العام لوزارة الدفاع) وهو أيضا من الضباط الفارين" وأن العقيد شعباني تمسك بولايته لأنه اكتشف أن زرقيني سيخلفه وهو من ضباط فرنسا، وأن عضوا منهم صار في المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني.
والمفارقة أن العقيد شعباني رفض وضع غماضة على عينيه أثناء إعدامه، وعند إطلاق النار عليه أصيب في رجليه برصاص الفرقة وفي هذه الحالة يفترض ألاّ يُعدم بعد ذلك، لكن قائد فرقة الإعدام السيد مصطفى السايس وهو من ضباط فرنسا أجهز عليه برصاصتين فأرداه قتيلا، وهو اليوم يعيش في فرنسا بجنسية فرنسية (الخبر 20 / 01 / 2012م) ويكشف مهدي عن "اجتماع للرئيس الفرنسي شارل ديغول بالباشاغات والقياد في 13 ماي 1958م بقصر الإيليزي حيث اخبرهم بأن فرنسا ستخرج من الجزائر، وطلب منهم تحضير أنفسهم وأبنائهم لتولي قيادة الجزائر من خلال التسرب داخل الثورة، وعاهدوه على ذلك" (المصدر نفسه).
منقول من موضوع ضباط فرنسا في المغرب العربي بقلم عبد العالي رزاقي
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/147541.html
ما الذي قدمه الضباط الفارون من الجيش الفرنسي للثورة الجزائرية؟ وما الذي قدموه لمرحلة ما بعد استرجاع السيادة؟ وهل حقا كانوا يدافعون عن المصالح الفرنسية في المغرب العربي؟.
أولى جرائم "ضباط فرنسا"
من بين التهم الموجهة للعقيد محمد شعباني في المحكمة التي كان الشاذلي بن جديد عضوا فيها هي"وقوفه ضد الفرانكفونية أو ما يسمى بالضباط الفارين من الجيش الفرنسي" أو ما يسمى بحزب فرنسا في الجزائر الذي كان يسمي شعباني أصحابه بـ"القوة الثالثة" وقد طالب في مؤتمر جبهة التحرير الوطني لعام 1964 بتحرير الإدارة وتنظيف الجيش منه، فلماذا تجنب الشاذلي بن جديد الحديث عن من أعدم شعباني وهو ضابط من هؤلاء الفارين من الجيش الفرنسي.
يقول مهدي الشريف (أول أمين عام لأركان الجيش الجزائري والذي منع بث حوار معه في إحدى القنوات الخاصة) "بعيد الاستقلال مباشرة اكتشفنا عيون فرنسا وسط الجنود والضباط
الذين أدخلهم عبد القادر شابو (الأمين العام لوزارة الدفاع) وهو أيضا من الضباط الفارين" وأن العقيد شعباني تمسك بولايته لأنه اكتشف أن زرقيني سيخلفه وهو من ضباط فرنسا، وأن عضوا منهم صار في المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني.
والمفارقة أن العقيد شعباني رفض وضع غماضة على عينيه أثناء إعدامه، وعند إطلاق النار عليه أصيب في رجليه برصاص الفرقة وفي هذه الحالة يفترض ألاّ يُعدم بعد ذلك، لكن قائد فرقة الإعدام السيد مصطفى السايس وهو من ضباط فرنسا أجهز عليه برصاصتين فأرداه قتيلا، وهو اليوم يعيش في فرنسا بجنسية فرنسية (الخبر 20 / 01 / 2012م) ويكشف مهدي عن "اجتماع للرئيس الفرنسي شارل ديغول بالباشاغات والقياد في 13 ماي 1958م بقصر الإيليزي حيث اخبرهم بأن فرنسا ستخرج من الجزائر، وطلب منهم تحضير أنفسهم وأبنائهم لتولي قيادة الجزائر من خلال التسرب داخل الثورة، وعاهدوه على ذلك" (المصدر نفسه).
منقول من موضوع ضباط فرنسا في المغرب العربي بقلم عبد العالي رزاقي
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/147541.html
- إغتيال المدير العام للأمن الوطني العقيد علي تونسي في مكتبه
- جمال الدين حبيبي ينفض الغبار عن تاريخ الثورة والثوار
- قضية العقيد شعباني المفتعلة هذه الايام...هل أصبح المستقبل رهينة الماضي؟! بقلم : سعد بوعقبة
- تعتبر سابقة في تاريخ العلاقات الجزائرية الفرنسية الحركى يطالبون بإلغاء تاريخ عيداستقلال الجزائر
- رد الشيخ كشك رحمه الله على وصف القذافي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالديكتاتوري..
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى