- فاروقمشرف منتدى الأخبار
- عدد الرسائل : 7766
العمر : 53
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 16819
السٌّمعَة : 53
تاريخ التسجيل : 09/08/2008
الفوضى الخلّاقة مجددا
السبت 17 أغسطس 2013, 04:56
قديما كان الشعار السائد لدى بعض القوى المهيمنة يتلخص في المقولة اللاتينية ”أوردو أب كاو” أو ما معناه إرساء النظام في ظل الفوضى أو الفوضى الخلّاقة كما اصطلح عليه في أدبيات تيار الجمهوريين الجدد بالولايات المتحدة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب واعتماد مبادئ السيادة المحدودة والحرب اللامتوازية والدول المارقة، ثم سرت نفس هذه المبادئ والأسس لإعادة هندسة الخريطة العربية بداية بما عرف بـ ”الشرق الأوسط الكبير” ثم ”الربيع العربي”. فمن العراق إلى سوريا مرورا بمصر وتونس واليمن والسودان وليبيا، يتضح أن صانعي القرار الدولي عازمون على فك وإعادة تركيب الخريطة على مستوى الوطن العربي، بما يسمح لها بإعادة ترتيب الأوراق وصياغة تحالفات جديدة وولاءات متجددة، بما يضمن ديمومة مصالحها من جهة، وإيهام النخب المحلية والقوى الشعبية بالتغيير في ظل الاستمرارية، وفي المحصلة سيكون التغيير على أشلاء الضحايا من الضعفاء والمهمشين دون أن تتغير في الجوهر معادلة الحكم والسلطة في الوطن العربي. إنها حلقة مفرغة يراد منها تكريس أمر واقع يضمن المكاسب والمزايا للبعض على حساب الأغلبية، بل ستتغير المسميات فحسب.
إن توجه الأنظمة العربية إلى عسكرة المجتمعات إلى درجة نصبح أمام معادلة رجل أمن لكل 100 أو 150 مواطن يبعد فرضية التغيير الذي يأتي من رحم ثورة الشارع العربي الذي سئم من الإقصاء والوصاية والتهميش، ومن استشراء الفساد، وثورته هي صرخة استغاثة ونجدة ويأس في آن واحد، لكن سرعان ما يتم السطو على ثمار الثورات وتوجيهها إلى مسارات أخرى يراد لها أن تسير وفق أجندات ومخططات غالبا ما تتقاطع مع ما يسميه بروفسور الأدب الكندي، بيتر دال سكوت، بـ ”الدولة العميقة”. وهي عبارة عن شبكة التحالفات التي تضم كافة القوى النافذة والمؤثرة في صناعة القرارات من وراء الستار، سواء تمت تسميتهم بمجموعات بيلدربرغ أو دافوس أو المركب الصناعي العسكري والشركات متعددة الجنسيات.
وبعيدا عن نظريات المؤامرة، نجد أنفسنا أمام مختبرات للتجارب التي لا تخفي مخططاتها، والتي جعلت غراهام فوللر يرسّم مستقبل العراق في الثمانينات عبر تقرير خاص بمعهد ”راند كوربوريشن” لتقطيع أواصر العراق إلى شمال كردي ووسط سني وجنوب شيعي، وهي نفس المقاربات التي اعتمدها الخبير والمسؤول بالخارجية الإسرائيلية، أوديد ينوس، في تقريره عام 1982 حول التحولات المرغوبة في المنطقة العربية، والتي تتطابق مع مفهوم قوس الأزمات الذي اعتمده برنارد لويس وزبيغنيو بريجنسكي. فالثورات التي كان مفترضا أن تضع المنطقة على السكة، أدخلتها في الواقع في منطق التوتر الدائم الذي يستدعي وضع المنطقة تحت الوصاية مجددا وفق منطق الفوضى الخلّاقة، رغم أن الفوضى لا يمكن أن تفرز النظام. فالثورات التي أريد لها أن تزيح أنظمة فاقدة للشرعية ومنتهية الصلاحية وانتهى دورها في اللعبة الإقليمية والدولية لن تحقق على ما يبدو سوى ما سطر لها أيضا، وهو الإبقاء على حالات التوتر الدائم على مستويات تجعل الحكام الجدد عديمي الشرعية دائما ومحل تجاذبات وصراعات أعمق تنذر بخطر التشرذم والتقسيم أكثر، وكانت العراق والسودان ثم ليبيا أولى مختبراتها.
حفيظ صواليلي
إن توجه الأنظمة العربية إلى عسكرة المجتمعات إلى درجة نصبح أمام معادلة رجل أمن لكل 100 أو 150 مواطن يبعد فرضية التغيير الذي يأتي من رحم ثورة الشارع العربي الذي سئم من الإقصاء والوصاية والتهميش، ومن استشراء الفساد، وثورته هي صرخة استغاثة ونجدة ويأس في آن واحد، لكن سرعان ما يتم السطو على ثمار الثورات وتوجيهها إلى مسارات أخرى يراد لها أن تسير وفق أجندات ومخططات غالبا ما تتقاطع مع ما يسميه بروفسور الأدب الكندي، بيتر دال سكوت، بـ ”الدولة العميقة”. وهي عبارة عن شبكة التحالفات التي تضم كافة القوى النافذة والمؤثرة في صناعة القرارات من وراء الستار، سواء تمت تسميتهم بمجموعات بيلدربرغ أو دافوس أو المركب الصناعي العسكري والشركات متعددة الجنسيات.
وبعيدا عن نظريات المؤامرة، نجد أنفسنا أمام مختبرات للتجارب التي لا تخفي مخططاتها، والتي جعلت غراهام فوللر يرسّم مستقبل العراق في الثمانينات عبر تقرير خاص بمعهد ”راند كوربوريشن” لتقطيع أواصر العراق إلى شمال كردي ووسط سني وجنوب شيعي، وهي نفس المقاربات التي اعتمدها الخبير والمسؤول بالخارجية الإسرائيلية، أوديد ينوس، في تقريره عام 1982 حول التحولات المرغوبة في المنطقة العربية، والتي تتطابق مع مفهوم قوس الأزمات الذي اعتمده برنارد لويس وزبيغنيو بريجنسكي. فالثورات التي كان مفترضا أن تضع المنطقة على السكة، أدخلتها في الواقع في منطق التوتر الدائم الذي يستدعي وضع المنطقة تحت الوصاية مجددا وفق منطق الفوضى الخلّاقة، رغم أن الفوضى لا يمكن أن تفرز النظام. فالثورات التي أريد لها أن تزيح أنظمة فاقدة للشرعية ومنتهية الصلاحية وانتهى دورها في اللعبة الإقليمية والدولية لن تحقق على ما يبدو سوى ما سطر لها أيضا، وهو الإبقاء على حالات التوتر الدائم على مستويات تجعل الحكام الجدد عديمي الشرعية دائما ومحل تجاذبات وصراعات أعمق تنذر بخطر التشرذم والتقسيم أكثر، وكانت العراق والسودان ثم ليبيا أولى مختبراتها.
حفيظ صواليلي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى