- بن ذهيبة بن مهيديعضو نشيط
- عدد الرسائل : 104
البلد :
نقاط : 253
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 23/04/2015
سيدنا عثمان بن عفان
الأحد 19 يوليو 2015, 15:32
عثمان بن عفان
عثمان بن عفان الأموي القرشي (47 ق.هـ - 35 هـ / 576 - 656م)[1] ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين إلى الإسلام. يكنى ذا النورين لأنه تزوج اثنتين من بنات نبي الإسلام محمد، حيث تزوج من رقية ثم بعد وفاتها تزوج من أم كلثوم.
كان عثمان أول مهاجر إلى أرض الحبشة لحفظ الإسلام ثم تبعه سائر المهاجرين إلى أرض الحبشة. ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة. وكان رسول اللَّه يثق به ويحبه ويكرمه لحيائه وأخلاقه وحسن عشرته وما كان يبذله من المال لنصرة المسلمين والذين آمنوا بالله، وبشّره بالجنة كأبي بكر وعمر وعلي وبقية العشرة، وأخبره بأنه سيموت شهيداً.
بويع عثمان بالخلافة بعد الشورى التي تمت بعد وفاة عمر بن الخطاب سنة 23 هـ (644 م)، وقد استمرت خلافته نحو اثني عشر عاماً.[3] تم في عهده جمع القرآن وعمل توسعة للمسجد الحرام وكذلك المسجد النبوي، وفتحت في عهده عدد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية، فمن البلدان التي فتحت في أيام خلافته أرمينية وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص. وقد أنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين.[3][4]
في النصف الثاني من خلافة عثمان التي استمرت لمدة اثنتي عشرة سنة، ظهرت أحداث الفتنة التي أدت إلى استشهاده.[5] وكان ذلك في يوم الجمعة الموافق 18 من شهر ذي الحجة سنة 35 هـ، وعمره اثنتان وثمانون سنة، ودفن في البقيع بالمدينة المنورة.[6]
بداية حياته
نسبه
تخطيط لاسم عُثمان بن عفَّان.
• هو: «عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». يلتقي نسبه بنسب الرسول محمد في عبد مناف.
• أمه: «أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». وهي ابنة عمة النبي محمد، فأمها هي البيضاء بنت عبد المطلب.[7][8][9][10]
نشأته
ولد عثمان بن عفان في الطائف[1] وقيل في مكة[2] سنة 576 م بعد عام الفيل بست سنين.[1] وهو من بطن بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وهم من كبار سادات قريش، وأبوه عفان ابن عم أبي سفيان بن حرب. أنجبته أمه أروى بنت كريز وأنجبت كذلك شقيقته آمنة بنت عفان، وبعد وفاة والده عفان، تزوجت أمه من عقبة بن أبي معيط الأموي القرشي وأنجبت منه ثلاثة أبناء وبنت، هم الوليد بن عقبة وخالد بن عقبة وعمارة بن عقبة وأم كلثوم بنت عقبة فهم إخوة عثمان لأمه.[11] وقد أسلمت أم عثمان وماتت في خلافته، وكان أحد اللذين حملوها إلى قبرها،[12] وأما أبوه فمات في الجاهلية.
كان عثمان غنياً شريفاً في الجاهلية،[2] ومن أحكم قريش عقلاً وأفضلهم رأياً، كما كان محبوباً من قبلهم. وهو لم يسجد لأي صنم طوال حياته، كما أنه لم يشرب الخمر لا في الجاهلية ولا في الإسلام.[13] كما أنه قد كان على علم بمعارف العرب في الجاهلية من الأنساب والأمثال وأخبار الأيام، وقد رحل إلى الشام والحبشة، وعاشر أقواماً غير العرب فعرف من أحوالهم وأطوارهم ما ليس يعرفه غيره من قومه.[14] واهتم بالتجارة التي ورثها عن والده، ونمت ثرواته، وأصبح يعد من رجالات بني أمية الذين لهم مكانة في قريش كلها، فكان كريماً جواداً وكان من كبار الأثرياء وقد نال مكانة مرموقة في قومه، ومحبة كبيرة. وقد كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، فلما جاء له عبد الله من رقية بنت النبي محمد، كناه المسلمون أبا عبد الله.[15] وكان عثمان يلقب بذي النورين لزواجه من رقية ومن ثم أم كلثوم بنتي النبي محمد.[16][17]
صفته
كان عثمان جميلاً ليس بالقصير ولا بالطويل، أسمر رقيق البشرة، كبير اللحية، كثير الشعر، عظيم الكراديس (جمع كردوس، وهو كل عظمين التقيا في مفصل)، عظيم ما بين المنكبين، جُمَّته (مجتمع شعر الرأس) أسفل من أذنيه، جذل الساقين، طويل الذراعين، شعره قد كسا ذراعيه. أقنى (بيِّن القنا)، بوجهه نكتات جدري، يصفِّر لحيته ويشد أسنانه بالذهب.[18][19]
وقال الزهري:
«كان عثمان رجلا مربوعا، حسن الشعر، حسن الوجه، أصلع، أروح الرجلين (منفرج ما بينهما)، وأقنى (طويل الأنف مع دقة أرنبته، وحدب في وسطه)، خدل الساقين (ضخم الساقين)، طويل الذراعين، قد كسا ذراعيه جعد الشعر، أحسن الناس ثغرا، جُمَّته (مجتمع شعر الرأس) أسفل من أذنيه، حسن الوجه. والراجح أنه أبيض اللون، وقد قيل:أسمر اللون.[20]»
كان رجال قريش يأتونه ويألفونه للعديد من الأمور لعلمه، وتجاربه، وحسن مجالسته، وكان شديد الحياء، ومن كبار التجار. كما أنه لم يكن يوقظ نائمًا من أهله إلا أن يجده يقظان فيدعوه فيناوله وضوءه، وكان يصوم الدهر،[21] ويلي وضوء الليل بنفسه. وقد كان ليَّن العريكة، كثير الإحسان والحلم.
أما ما جاء في لباسه فقد رئي وهو على بغلة عليه ثوبان أصفران له غديرتان، ورئي وهو يبني الزوراء (الزوراء: دار عثمان بالمدينة). على بغلة شهباء مصفِّرًا لحيته، وخطب وعليه خميصة (وهي كساء أسود له علمان). سوداء وهو مخضوب بحناء، ولبس ملاءة صفراء وثوبين ممصرين، وبردًا يمانيًا ثمنه مائة درهم، وتختم في اليسار، وكان ينام في المسجد متوسدًا رداءه.
إسلامه
أسلم عثمان بن عفان حينما كان في الرابعة والثلاثين من عمره، حين دعاه أبو بكر الصديق إلى الإسلام قائلاً له:
«ويحك يا عثمان واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، هذه الأوثان التي يعبدها قومك، أليست حجارة صماء لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع؟ فقال: بلى واللَّه إنها كذلك. قال أبو بكر: هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللَّه برسالته إلى جميع خلقه، فهل لك أن تأتيه وتسمع منه؟ فقال: نعم». وفي الحال مرَّ رسول اللَّه فقال: «يا عثمان أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى جميع خلقه». قال: «فواللَّه ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمداً عبد الله ورسوله».[22]»
فكان بذلك من السابقين الأولين وقبل دخول محمد بن عبد الله دار الأرقم، حتى قال أبو إسحاق: «كان أول الناس إسلاماً بعد أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة عثمان».[23] فهو رابع من أسلم من الرجال. وكان عثمان قد حدث له موقف عند عودته من الشام، وقد قصه على النبي محمد حينما دخل عليه هو وطلحة بن عبيد الله، فعرض عليهما الإسلام وقرأ عليهما القرآن، وأنبأهما بحقوق الإسلام ووعدهما الكرامة من الله فآمنا وصدقا، فقال عثمان:
«يا رسول الله، قدمت حديثا من الشام، فلما كنا بين معان والزرقاء فنحن كالنيام فإذا منادٍ ينادينا: أيها النيام هبوا، فإن أحمد قد خرج بمكة، فقدمنا فسمعنا بك.[24]»
زواجه من رقية
كان النبي محمد قد زوج رقية من عتبة بن أبي لهب، وزوج أختها أم كلثوم من عتيبة بن أبي لهب، فلما نزلت سورة المسد تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (سورة المسد، آية: 1 - 5). قال لهما أبو لهب وأمهما أم جميل بنت حرب بن أمية فارقا ابنتي محمد، ففارقاهما قبل أن يدخلا بهما.[25]
حينما سمع عثمان بخبر طلاق رقية بادر إلى خطبة رقية من رسول الله فزوجها منه، وزفّتها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، فكان يقال لها حين زفت إليه: «أحسن زوجين رآهما إنسان، رقية وزوجها عثمان».[26]
وعن عبد الرحمن بن عثمان القرشي:
«أن رسول الله دخل على ابنته وهي تغسل رأس عثمان، فقال: «يا بنية أحسني إلى أبي عبد الله، فإنه أشبه أصحابي بي خُلُقًا».[27]»
هجرته إلى الحبشة
في السنة الخامسة للبعثة هاجرت أول دفعة من المسلمين، وكانوا اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، وكان رئيسهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية، وقد خرجوا قاصدين ميناء الشعيبة، فاستقلوا سفينتين حتى وصلوا إلى الحبشة.[28]
• مقالة مفصلة: الهجرة إلى الحبشة
كان الصحابة قد قابلوا أنواع التعذيب من قبل كفار قريش، وكان من ضمنهم عثمان إذ عُذب من قِبل عمه الحكم ابن أبي العاص بن أمية الذي أخذه فأوثقه رباطاً وقال: «أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أحلُّك أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين»، فقال عثمان: «والله لا أدعه أبداً ولا أفارقه».[29] فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه.[29] ولكن الأذى اشتد بالمسلمين جميعاً، واشتد الأمر حين قتل ياسر وزوجته سمية، فقال النبي للمسلمين:
«لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى الْحَبَشَةِ، فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا صَالِحَاً لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ.[30]»
وبدأت الهجرة فخرجوا من مكة حتى وصلوا ساحل البحر الأحمر، ثم أمَّروا عليهم عثمان بن مظعون، ووجدوا سفينتين، فركبوا مقابل نصف دينار لكل منهم، وعلمت قريش فأسرعت في تعقبهم إلى الساحل ولكنهم كانوا قد أبحروا.[31] وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية عثمان بن عفان ومعه فيهما امرأته رقية بنت رسول الله، وكان وصولهم للحبشة في شهر رجب من السنة الخامسة من البعثة، فوجدوا الأمن والأمان وحرية العبادة، وقد تحدث القرآن عن هجرة المسلمين الأوائل إلى أرض الحبشة، قال تعالى: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (سورة النحل، آية: 41). وقد نقل القرطبي قول قتادة: «المراد أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ظلمهم المشركون بمكة وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله تعالى دار الهجرة، وجعل لهم أنصارا من المؤمنين».[32]
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (سورة الزمر، آية:10) . قال ابن عباس: «يريد جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا معه إلى الحبشة».[33]
ولما أشيع أن أهل مكة قد أسلموا، وبلغ ذلك مهاجري الحبشة أقبلوا، حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلاً، فدخلوا في جوار بعض أهل مكة، وكان ممن رجع إلى مكة عثمان بن عفان وزوجته رقية،[34] واستقر المقام به فيها حتى أذن الله بالهجرة إلى المدينة.
عثمان بن عفان في العهد النبوي
عثمان وغزوة بدر
• مقالات مفصلة: غزوة بدر
• رقية بنت محمد
لما خرج المسلمون لغزوة بدر كانت زوجة عثمان رقية بنت رسول الله مريضة بمرض الحصبة ولزمت الفراش، في الوقت الذي دعا فيه رسول الله للخروج لملاقاة القافلة، وسارع عثمان للخروج مع رسول الله، إلا أنه تلقى أمرًا بالبقاء إلى جانب زوجته رقية لتمريضها، وامتثل لهذا الأمر وبقي إلى جوارها، إلى أن توفيت. وجهزت رقية ثم حمل جثمانها ودفنت في البقيع، وفيما هم عائدون إذ بزيد بن حارثة قد أقبل على ناقة رسول الله يبشر بسلامة الرسول محمد وقتل المشركين وأسر من تبقى منهم. وبعد عودة الرسول محمد علم بوفاة ابنته رقية، فخرج إلى البقيع ووقف على قبرها يدعو لها بالغفران.[35] وقد ضرب النبي محمد لعثمان بسهمه فاعتبره بذلك مشاركاً لهم في الغنيمة والفضل والأجر.[36] وقد عُد عثمان من البدريين بالاتفاق.[37]
وعن عثمان بن عبد الله بن موهب قال:
«جاء رجل من مصر حج البيت فقال: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني أنشدك الله بحرمة هذا البيت، هل تعلم أن عثمان تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ فقال: نعم، ولكن أما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله فمرضت، فقال له رسول الله: «لك أجر رجل شهد بدرا وسهمه».[38]»
وعن أبي وائل، عن عثمان بن عفان أنه قال:
«أما يوم بدر فقد تخلفت على بنت رسول الله، وقد ضرب رسول الله لي فيها بسهم. وقال زائدة في حديثه: ومن ضرب له رسول الله فيها بسهم فقد شهد.[37][39]»
بيعة الرضوان
• مقالة مفصلة: بيعة الرضوان
لما نزل النبي محمد الحديبية في العام السادس للهجرة، رأى أنه من الضروري إرسال مبعوث إلى قريش يبلغهم فيها نواياه السلمية بعدم الرغبة في القتال، وحرصه على احترام المقدسات، ومن ثم أداء مناسك العمرة، والعودة إلى المدينة، فوقع الاختيار على أن يكون المبعوث إلى قريش خراش بن أمية الخزاعي، فلما دخل مكة أرادت قريش قتله فمنعهم الأحابيش، فلما عاد أخبر الرسول بما صنعت قريش، فأراد رسول الله أن يرسل سفيرا آخر فوقع الاختيار في بداية الأمر على عمر بن الخطاب،[40] فاعتذر عن الذهاب إليهم، وأشار على رسول الله أن يبعث عثمان مكانه،[41] لأن له قبيلة تحميه من أذى المشركين حتى يبلغ رسالة رسول الله،[41] وقال لرسول الله: إني أخاف قريشا على نفسي، قد عرفت عداوتي لها، وليس بها من بني عدي من يمنعني، وإن أحببت يا رسول الله دخلت عليهم،[41] فلم يقل رسول الله شيئا، قال عمر: ولكن أدلك يا رسول الله على رجل أعز بمكة مني، وأكثر عشيرة وأمنع، عثمان بن عفان، فدعا رسول الله عثمان فقال:
«اذْهَبْ إِلَى قُرَيْشٍ فَخَبّرْهُم أنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَإِنّمَا جِئْنَا زواراً لهذا البيت، معظمين لحرمته، معنا الهدي، ننحره وننصرف»
فخرج عثمان بن عفّان حتى أتى بَلْدَح (مكان قريب من مكة). فوجد قريشا هناك، فقالوا: أين تريد؟ قال:
«بعثني رسول الله إليكم، يدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، تدخلون في دين الله كافة، فإن الله مظهر دينه ومعز نبيه، وأخرى تكفون ويَلِي هذا منه غيركم، فإن ظفروا بمحمد فذلك ما أردتم، وإن ظفر محمد كنتم بالخيار أن تدخلوا فيما دخل فيه الناس أو تقاتلوا وأنتم وافرون جامون، إن الحرب قد نهكتكم، وأذهبت بالأماثل منكم، فجعل عثمان يكلمهم فيأتيهم بما لا يريدون»
قالوا: «قد سمعنا ما تقول ولا كان هذا أبداً، ولا دخلها علينا عنوة، فارجع إلى صاحبك فأخبره أنه لا يصل إلينا»، فقام إليه أبان بن سعيد بن العاص فرحب به وأجاره وقال: «لا تقصر عن حاجتك»، ثم نزل عن فرس كان عليه، فحمل عثمان على السرج وردفه وراءه، فدخل عثمان مكة فأتى أشرافهم؛ أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وغيرهما من لقي ببلدح، ومنهم من لقي بمكة، فجعلوا يردون عليه: «إن محمداً لا يدخلها علينا أبداً».[42] وعرض المشركون على عثمان أن يطوف بالبيت فأبى،[43] وقام عثمان بتبليغ رسالة الرسول محمد إلى المستضعفين بمكة وبشرهم بقرب الفرج والمخرج،[43] وأخذ منهم رسالة شفهية إلى رسول الله جاء فيها:[44]
«اقرأ على رسول الله منا السلام، إن الذي أنزله بالحديبية لقادر على أن يدخله بطن مكة»
وتسربت شائعة إلى المسلمين مفادها أن عثمان قتل، فدعا رسول الله أصحابه إلى مبايعته على قتال المشركين ومناجزتهم، فاستجاب الصحابة وبايعوه على الموت[45] سوى الجد بن قيس وذلك لنفاقه.[46] وقال النبي بيده اليمنى: «هذه يد عثمان» فضرب بها على يده.[47] وكان عدد الصحابة الذين أخذ منهم الرسول المبايعة تحت الشجرة ألف وأربعمائة صحابي.[48]
عثمان وجيش العسرة
• مقالة مفصلة: غزوة تبوك
يقال لغزوة تبوك غزوة العُسرة، مأخوذة من قول الله في القرآن: ِ ﴿لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة﴾ (سورة التوبة، آية: 117)
ندب رسول اللَّه الناس إلى الخروج وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم وأمر الناس بالصدقة، وحثهم على النفقة والحملان، فجاؤوا بصدقات كثيرة فجهَّز عثمان ثلث الجيش جهزهم بتسعمائة وأربعين بعيرًا وبستين فرساً. قال ابن إسحاق: «أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها».
وقيل جاء عثمان بألف دينار في كمه حين جهز جيش العُسرة فنثرها في حجر رسول الله فقبلها وهو يقول: «ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم». وقال رسول اللَّه: «من جهز جيش العُسرة فله الجنة».[49]
يقول ابن شهاب الزهري: «قدم عثمان لجيش العسرة في غزوة تبوك تسعمائة وأربعين بعيراً، وستين فرساً أتم بها الألف، وجاء عثمان إلى رسول الله في جيش العسرة بعشرة آلاف دينار صبها بين يديه، فجعل الرسول يقلبها بيده ويقول: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» مرتين».[50]
كما تحدث عبد الرحمن بن حباب عن نفقة عثمان حيث قال:
«شَهِدْتُ النَّبِيَّ وَهُوَ يَحُثُّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ مِائَة بَعِيرٍ وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ ثَلَاثمائة بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله يَنْزِلُ عَلَى المِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: «مَا عَلَى عُثْمَان مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِه، مَا عَلَى عُثْمَان مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِه».(11)»
وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: «جاء عثمان بن عفان إلى النبي بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي جيش العسرة، قال: فجعل النبي يقلبها بيده ويقول: «ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم» يرددها مراراً».(12)
بئر رومة
• مقالة مفصلة: بئر رومة
عندما قدم النبي محمد إلى المدينة المنورة وجد أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله: «من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له في الجنة».[51] وقال: «من حفر بئر رومة فله الجنة».[52]
وقد كانت رومة قبل قدوم النبي لا يشرب منها أحد إلا بثمن، فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بِمُدّ، فقال النبي: «تبيعها بعين في الجنة؟» فقال: «يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها». فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي فقال: «أتجعل لي فيها ما جعلت له؟» قال: «نعم» قال: «قد جعلتها للمسلمين».[53] وقيل كانت رومة ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءها، فاشتراها عثمان بن عفان من اليهودي بعشرين ألف درهم، فجعلها للغني والفقير وابن السبيل.[54][55]
وهذه البئر في عقيق المدينة، روي عن النبي أنه قال: «نعم القليب قليب المُزَني»، وهي التي اشتراها عثمان بن عفان فتصدق بها. وروي عن موسى بن طلحة عن رسول اللَّه أنه قال: «نعم الحفير حفير المزني»، يعني رومة. فلما سمع عثمان ذلك ابتاع نصفها بمائة بكرة وتصدق بها على المسلمين فجعل الناس يستقون منها. فلما رأى صاحبها أنه امتنع منه ما كان يصيب منها باعها من عثمان بشيء يسير فتصدق بها كلها.
توسعة المسجد النبوي
بعد أن بنى رسول الله مسجده في المدينة، صار المسلمون يجتمعون فيه ليصلوا الصلوات الخمس، ويحضروا خطب النبي، ويتعلموا في المسجد أمور دينهم، ضاق المسجد بالناس، فرغب النبي من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لأهله، فقال: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟» فاشتراها عثمان بن عفان من ماله[56] بخمسة وعشرين ألف درهم، أو بعشرين ألفا، ثم أضيفت للمسجد،[57] ووسع على المسلمين.[58]
وروى يحيى عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب قال:
«لما ولي عثمان بن عفان سنة أربع وعشرين، كلَّمه الناس أن يزيد في مسجدهم، وشكوا إليه ضيقه يوم الجمعة، حتى إنهم ليصلون في الرحاب. فشاور فيه عثمان أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه، فأجمعوا على أن يهدمه ويزيد فيه، فصلَّى الظهر بالناس، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إني أردت أن أهدم مسجد رسول اللَّه وأزيد فيه وأشهد أني سمعت رسول اللَّه يقول: «من بنى مسجدًا بنى اللَّه له بيتًا في الجنة».[59][60][61][62][63][64] وقد كان لي فيه سلف، وإمام سبقني وتقدمني عمر بن الخطاب، كان قد زاد فيه وبناه، وقد شاورت أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه، فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه، فحسن الناس يومئذ ذلك ودعوا له، فأصبح، فدعا العمال وباشر ذلك بنفسه، وكان رجلًا يصوم الدهر ويصلي الليل، وكان لا يخرج من المسجد، وأمر بالفضة المنخولة تعمل ببطن نخل، وكان أول عمله في شهر ربيع الأول من سنة 29 هـ، وفرغ منه حين دخلت السنة لهلال المحرم سنة 30 هـ فكان عمله عشرة أشهر»
قال الحافظ ابن حجر: «كان بناء عثمان للمسجد سنة ثلاثين على المشهور، وقيل في آخر سنة من خلافته».
كان المسجد النبوي على عهد النبي محمد مبنيا باللبن وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر الصديق شيئا وزاد فيه عمر بن الخطاب وبناه على بنائه في عهد رسول الله باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً، ثم غيَّره عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والفضة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج، وجعل أبوابه على ما كانت أيام عمر ستة أبواب.[65][66]
عثمان بن عفان في عهد أبي بكر وعمر
في عهد أبي بكر الصديق
كان عثمان من الصحابة وأهل الشورى الذين يؤخذ رأيهم في كبرى المسائل في خلافة أبي بكر، فقد كان عمر بن الخطاب للحزامة والشدائد، وعثمان بن عفان للرفق والأناة. حيث كان عمر وزيراً للخلافة في عهد الصديق، أما عثمان فكان أمينها العام.[67] وكان رأيه مقدماً عند الصديق؛ فبعد أن قضى أبو بكر على حركة الردة، أراد أن يغزو الروم، فقام في الناس يستشيرهم، فقال الألباب ما عندهم، ثم استزادهم أبو بكر فقال: ما ترون؟ فقال عثمان:
«إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين، شفيق عليهم، فإذا رأيت رأيا لعامتهم صلاحا، فاعزم على إمضائه فإنك غير ظنين.[68][69]»
فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار: «صدق عثمان، ما رأيت من رأي فأمْضِه».[69] ولما أراد الصديق أن يبعث والياً إلى البحرين استشار أصحابه، فقال عثمان:
«ابعث رجلاً قد بعثه رسول الله إليهم فقدم عليه بإسلامهم وطاعتهم، وقد عرفوه وعرفهم وعرف بلاده»
وكان عثمان يقصد العلاء بن الحضرمي، فبعث الصديق العلاء إلى البحرين.[70] ولما اشتد المرض بأبي بكر استشار الناس فيمن يحبون أن يقوم بالأمر من بعده، فأشاروا بعمر، وكان رأي عثمان في عمر:
«اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله.[71] فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدتك.[72]»
وفي إحدى الفترات من خلافة أبي بكر الصديق حصل هنالك قحط وأزمة اقتصادية، عن ابن عباس قال: «قحط المطر على عهد أبي بكر الصديق، فاجتمع الناس إلى أبي بكر فقالوا: السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت, والناس في شدة شديدة، فقال أبو بكر: انصرفوا واصبروا، فإنكم لا تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم، قال: فما لبثنا أن جاء أجراء عثمان من الشام، فجاءته مائة راحلة بُرًّا - أو قال طعاما - فاجتمع الناس إلى باب عثمان، فقرعوا عليه الباب، فخرج إليهم عثمان في ملأ من الناس، فقال: ما تشاءون؟ قالوا: الزمان قد قحط؛ السماء لا تمطر، والأرض لا تنبت، والناس في شدة شديدة، وقد بلغنا أن عندك طعاما، فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين، فقال عثمان: حبًّا وكرامة ادخلوا فاشتروا، فدخل التجار، فإذا الطعام موضوع في دار عثمان، فقال: يا معشر التجار كم تربحونني على شرائي من الشام؟ قالوا: للعشرة اثنا عشر، قال عثمان: قد زادني، قالوا: للعشرة خمسة عشر، قال عثمان: قد زادني، قال التجار: يا أبا عمرو، ما بقي بالمدينة تجار غيرنا، فمن زادك؟ قال: زادني الله بكل درهم عشرة، أعندكم زيادة؟ قالوا: اللهم لا، قال: فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين».[73][74][75] قال ابن عباس: «فرأيت من ليلتي رسول الله في المنام وهو على برذون أبلق (الذي فيه سواد وبياض) عليه حُلَّة من نور، في رجليه نعلان من نور، وبيده قصبة من نور، وهو مستعجل، فقلت: يا رسول الله، قد اشتد شوقي إليك وإلى كلامك فأين تبادر؟ قال: «يا ابن عباس، إن عثمان قد تصدق بصدقة، وإن الله قد قبلها منه وزوجه عروسا في الجنة، وقد دعينا إلى عرسه»».[73]
في عهد عمر بن الخطاب
كان عثمان ذا مكانة عند عمر، فإذا أراد الناس أن يسألوا عمر في مسألة طلبوا الأمر من عثمان أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا لم يقدر هذان على الأمر طلبوا ذلك من العباس.[76] لقد كانت مكانة عثمان في خلافة عمر بن الخطاب كمكانة الوزير من الخليفة، فقد جاء في بعض الروايات بأنه هو الذي أشار على عمر بفكرة الديوان وكتابة التاريخ، وكان ممن أيدوا رأي عمر في عدم تقسيم أرض الفتوح على الفاتحين وإبقائها فيئًا للمسلمين وللذرية من بعدهم.[77]
لما اتسعت الفتوحات وكثرت الأموال جمع عمر ناسا من أصحاب رسول الله ليستشيرهم في هذا المال، فقال عثمان:
«أرى مالا كثيراً يسع الناس، وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ منهم ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر، فعمل عمر برأي عثمان، وتم تدوين الدواوين.[78][79]»
في كتابة التاريخ فقد ذكرت بعض الروايات أن الذي أشار على عمر بجعل السنة الهجرية تبدأ بالمحرم هو عثمان، وذلك أنه لما تم الاتفاق على جعل مبدأ التاريخ الإسلامي من هجرة النبي، اختلفوا في أي الأشهر يجعل بداية للسنة، فقال عثمان:
«أرخوا من المحرم أول السنة، وهو شهر حرام، وأول الشهور في العدة، وهو منصرف الناس من الحج»
فرضي عمر ومن شهده من أصحابه رأي عثمان واستقر عليه الأمر، وأصبح مبدأ تاريخ الإسلام.[79]
لما استخلف عمر بن الخطاب سنة 13 هـ، بعث تلك السنة على الحج عبد الرحمن بن عوف، فحج بالناس، وحج مع عمر أيضا آخر حجة حجها عمر سنة 23 هـ، وأذن عمر تلك السنة لأزواج النبي في الحج، فحُملن في الهوادج، وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فكان عثمان يسير على راحلته أمامهن فلا يدع أحدا يدنو منهن، وينزلن مع عمر كل منزل، فكان عثمان وعبد الرحمن ينزلان بهن في الشعاب فيقبلانهن الشعاب، وينزلان هما في أذل الشعب، فلا يتركان أحدا يمر عليهن.[80]
توليه الخلافة
الفقه العمري في الاستخلاف
استمر اهتمام عمر بن الخطاب بوحدة الأمة ومستقبلها حتى اللحظات الأخيرة من حياته،[81] وقد استطاع أن يبتكر طريقة جديدة لم يسبق إليها في اختيار الخليفة الجديد، وذلك عن طريق جعل الشورى في عدد محصور، وقد حصر ستة من الصحابة كلهم يصلحون لتولي الأمر ولو أنهم يتفاوتون، وحدد لهم طريقة الانتخاب ومدته، وعدد الأصوات الكافية لانتخاب الخليفة وحدد الحكم في المجلس، والمرجح إن تعادلت الأصوات، وأمر مجموعة من الجنود لمراقبة سير الانتخابات في المجلس، وعقاب من يخالف أمر الجماعة، ومنع الفوضى بحيث لا يسمحون لأحد يدخل أو يسمع ما يدور في المجلس.[82] وقد تضمن المجلس ستة أشخاص، وهم علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله. حيث أمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا وفيهم عبد الله بن عمر يحضر معهم مشيرا فقط وليس له من الأمر شيء، ويصلي بالناس أثناء التشاور صهيب الرومي، وقال له: «أنت أمير الصلاة في هذه الأيام الثلاثة» حتى لا يولي إمامةَ الصلاة أحدا من الستة فيصبح هذا ترشيحاً من عمر له بالخلافة.[83] وأمر المقداد بن الأسود وأبا طلحة الأنصاري أن يرقبا سير الانتخابات.[84] وقد حدد عمر الفترة بثلاثة أيام، فقال لهم: «لا يأتي اليوم الرابع إلا وعليكم أمير».[85] وكان قد أوصى عبد الله بن عمر بأن يحضر معهم في المجلس وأن ليس له من الأمر شيء، ولكن قال لهم: ف«إن رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف»، ووصف عبد الرحمن بن عوف بأنه مسدد رشيد، فقال عنه: «ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف، مسدد رشيد، له من الله حافظ، فاسمعوا منه».[86] طلب عمر أبا طلحة الأنصاري وقال له: «يا أبا طلحة، إن الله أعز الإسلام بكم، فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم».[87] وقال للمقداد بن الأسود: «إذا وضعتموني في حفرتي، فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم».[87] وكانت من فوائد قصة الشورى، جواز تولية المفضول مع وجود الأفضل، لأن عمر جعل الشورى في ستة أشخاص مع علمه أن بعضهم كان أفضل من بعض. عرف عمر أن الشورى لن تكون بين الستة فقط، وإنما ستكون في أخذ رأي الناس في المدينة فيمن يتولى الخلافة؛ حيث جعل لهم أمد ثلاثة أيام فيمكنهم من المشاورة والمناظرة لتقع ولاية من يتولى بعده عن اتفاق. وقد أناط عمر بأهل الشورى وحدهم اختيار الخليفة من بينهم.
وصية عمر للخليفة الذي بعده
أوصى عمر الخليفة الذي سيخلفه في قيادة الأمة بوصية قال فيها:[88][89][90][91]
«أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيرا؛ أن تعرف لهم سابقتهم، وأوصيك بالأنصار خيرا، فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم. وأوصيك بأهل الأمصار خيرا، فإنهم ردء العدو، وجباة الفيء، لا تحمل منهم إلا عن فضل منهم، وأوصيك بأهل البادية خيرا، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن تأخذ من حواشي أموالهم فترد على فقرائهم. وأوصيك بأهل الذمة خيرا؛ أن تقاتل من وراءهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم، إذا أدوا ما عليهم للمؤمنين طوعا، أو عن يد وهم صاغرون. وأوصيك بتقوى الله والحذر منه، ومخافة مقته أن يطلع منك على ريبة، وأوصيك أن تخشى الله في الناس ولا تخشى الناس في الله، وأوصيك بالعدل في الرعية، والتفرغ لحوائجهم وثغورك، ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم؛ فإن في ذلك -بإذن الله- سلامة لقلبك وحطًّا لوزرك، وخيرا في عاقبة أمرك حتى تفضي في ذلك إلى من يعرف سريرتك ويحول بينك وبين قلبك، وآمرك أن تشتد في أمر الله وفي حدوده ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في أحد الرأفة حتى تنتهك منه مثل جرمه، واجعل الناس عندك سواء، لا تبالِ على مَنْ وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء على المؤمنين فتجور وتظلم وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك، وقد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة، فإن اقترفت لدنياك عدلا وعفة عما بسط لك اقترفت به إيمانا ورضوانا، وإن غلبك الهوى اقترفت به غضب الله. وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذمة، وقد أوصيتك وخصصتك ونصحتك، فابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة، واخترت من دلالتك ما كنت دالا عليه نفسي وولدي، فإن عملت بالذي وعظتك، وانتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيبا وافرا وحظا وافيا، وإن لم تقبل ذلك ولم يهمك، ولم تترك معاظم الأمور عند الذي يرضى به الله عنك، يكن ذلك بك انتقاصا، ورأيك فيه مدخولا؛ لأن الأهواء مشتركة، ورأس الخطيئة إبليس داع إلى كل مهلكة، وقد أضل القرون السالفة قبلك فأوردهم النار وبئس المورود، وبئس الثمن أن يكون حظ امرئ موالاة لعدو الله الداعي إلى معاصيه. ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات، وكن واعظا لنفسك. وأناشدك الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين، وأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم، ووقرت عالمهم، ولا تضر بهم فيذلوا، ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم، ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم، ولا تجمِّرهم في البعوث فينقطع نسلهم، ولا تجعل المال دولة بين الأغنياء منهم، ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم، هذه وصيتي إليك، وأشهد الله عليك وأقرأ عليك السلام.»
الشورى
رسم فارسي يُظهر مُبايعة المُسلمين لعُثمان بن عفَّان في المسجد، وقد مُحي وجهه احترامًا.
بعد الانتهاء من دفن عمر بن الخطاب ذهب رهط الشورى وأعضاء مجلس الدولة الأعلى إلى الاجتماع في بيت عائشة بنت أبي بكر، وقيل إنهم اجتمعوا في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس، ليقضوا في الأمر، وقد تكلم القوم وبسطوا آراءهم واهتدوا إلى كلمة سواء رضيها الخاصة والكافة من المسلمين.[92]
عندما اجتمع أهل الشورى قال لهم عبد الرحمن بن عوف: «اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم»، فقال الزبير: «جعلت أمري إلى علي»،[93] وقال طلحة: «جعلت أمري إلى عثمان»، وقال سعد: «جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف»، وأصبح المرشحون الثلاثة علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: «أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه» فأسكت الشيخين، فقال عبد الرحمن بن عوف: «أفتجعلونه إليَّ والله على أن لا آلو عن أفضلكما»، قالا: «نعم».[93]
بدأ عبد الرحمن بن عوف اتصالاته ومشاوراته فور انتهاء اجتماع المرشحين الستة صباح يوم الأحد، واستمرت مشاوراته واتصالاته ثلاثة أيام كاملة، حتى فجر يوم الأربعاء الرابع من محرم وهو موعد انتهاء المهلة التي حددها لهم عمر، وبدأ عبد الرحمن بعلي بن أبي طالب فقال له: «إن لم أبايعك فأشر عليَّ، فمن ترشح للخلافة؟ قال علي: عثمان بن عفان»، وذهب عبد الرحمن إلى عثمان وقال له: «إن لم أبايعك، فمن ترشح للخلافة؟ فقال عثمان: علي بن أبي طالب». وذهب ابن عوف بعد ذلك إلى الصحابة الآخرين واستشارهم، وكان يشاور كل من يلقاه في المدينة من كبار الصحابة وأشرافهم، ومن أمراء الأجناد، ومن يأتي للمدينة، وشملت مشاورته النساء في خدورهن، وقد أبدين رأيهن، كما شملت الصبيان والعبيد في المدينة، وكانت نتيجة مشاورات عبد الرحمن بن عوف أن معظم المسلمين كانوا يشيرون بعثمان بن عفان، ومنهم من كان يشير بعلي بن أبي طالب. وفي منتصف ليلة الأربعاء، ذهب عبد الرحمن بن عوف إلى بيت ابن أخته: المسور بن مخرمة، فطرق البيت، فوجد المسور نائما،[94] فضرب الباب حتى استيقظ فقال:
«أراك نائما فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعداً، فدعوتهما له، فشاورهما ثم دعاني فقال: ادع لي علياً فدعوته فناجاه حتى ابهارَّ (انتصف) الليل ثم قام علي من عنده، ثم قال: ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح.[95]»
وبعد صلاة صبح يوم البيعة (اليوم الأخير من شهر ذي الحجة 23هـ/ 6 نوفمبر 644م) وكان صهيب الرومي الإمام إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف، وقد اعتم بالعمامة التي عممه بها رسول الله، وكان قد اجتمع رجال الشورى عند المنبر، أرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار وأمراء الأجناد منهم: معاوية أمير الشام، وعمير بن سعد أمير حمص، وعمرو بن العاص أمير مصر، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر وصاحبوه إلى المدينة.[96]
وما يروى عند أهل السنة فقد جاء في البخاري:
«فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى كل حاضر من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال: «أما بعد، يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أراهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً»، فقال عبد الرحمن مخاطباً عثمان: «أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده»، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون.[95]»
وجاء في رواية أن علي بن أبي طالب هو أول من بايع بعد عبد الرحمن بن عوف.[97]
أما الشيعة فهم يرون بأن الصحابة حابوا في أمر المسلمين، وأن علي بن أبي طالب لم يرض بأن يقوم عبد الرحمن بن عوف باختيار الخليفة،[98] فقد ورد عند أبي مخنف وهشام الكلبي عن أبيه وأحمد الجوهري أن عمر جعل ترجيح الكفتين إذا تساوتا بعبد الرحمن بن عوف، وأن علياً أحس بأن الخلافة ذهبت منه لأن عبد الرحمن سيقدم عثمان للمصاهرة التي بينهما.[99] كما أشارت رواية أبي مخنف إلى وقوع مشادة بين بني هاشم وبني أمية أثناء المبايعة.[100] ومن الأقوال التي نسبت لعلي، قال ابن كثير: وما يذكره كثير من المؤرخين كابن جرير وغيره عن رجال لا يعرفون أن علياً قال لعبد الرحمن: «خدعتني، وإنك إنما وليته لأنه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه، وأنه تلكأ حتى قال عبد الرحمن بن عوف: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [48:10]».
إدارة الدولة
الشؤون المالية
نقود فارسية من الطراز الذي كان شائعًا أثناء خلافة عمر وعثمان. نُقشت على هذه النقود صورة آخر أكاسرة الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وقد تم إضافة نقش البسملة عليها.
لما تولى عثمان الخلافة لم يغير من سياسة عمر المالية، وإن كان قد سمح للمسلمين باقتناء الثروات وتشييد القصور وامتلاك المساحات الكبيرة من الأراضي، فقد كان عهده عهد رخاء على المسلمين.[101] كما أنه وجه كتاباً إلى الولاة وكتابا آخر إلى عمال الخراج، وأذاع كتاباً على العامة، وكانت عناصر السياسة المالية العامة التي أعلنها الخليفة قد قامت على الأسس العامة التالية:
• تطبيق سياسة مالية عامة إسلامية.
• عدم إخلال الجباية بالرعاية.
• أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين.
• إعطاء المسلمين ما لهم من بيت مال المسلمين.
• أخذ ما على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق، وإعطاؤهم ما لهم، وعدم ظلمهم.
• تخلق عمال الخراج بالأمانة والوفاء.
• تفادي أية انحرافات مالية يسفر عنها تكامل النعم لدى العامة.[102]
الولاية والولايات
حينما تولى عثمان الخلافة في بداية سنة 24 هـ، أقر الولاة الذين قد تم تعيينهم من قِبل عمر بن الخطاب في ولاياتهم عاماً كاملاً، بعد ذلك أبقى البعض وعزل آخرين، وعمل على التعيين في هذه الأمصار حسب الحاجة وذلك بعد الأخذ بمشورة الصحابة. في عهده قام بضم بعض الولايات إلى بعضها لما يراه في مصلحة المسلمين، فقد ضم البحرين إلى البصرة، كما ضم بعض ولايات الشام إلى بعضها الآخر نتيجة لوفاة بعض الولاة أو طلب البعض منهم الإعفاء من العمل. وقد كان دائم النصح لولاته بالعدل والرحمة بين الناس، كما أنه حدد لهم معالم السياسة التي يجب أن يعملوا بها، من إعطاء الحقوق للمسلمين ومطالبتهم بما عليهم من واجبات وإعطاء أهل الذمة حقوقهم ومطالبتهم بما عليهم من واجبات، وبالوفاء حتى مع الأعداء، وأن لا يكون همهم جباية المال.[103] كان يكتب إلى عماله ببعض التعليمات في الأمور المستجدة التي تتعلق بإدارتهم للولايات، إضافة إلى كتبه للعامة والتي كان يصدر فيها تعليمات محددة يلتزم بها الجميع، ومن ذلك إلزامه الناس في الولايات بالمصاحف التي كتبت في المدينة على ملأ من الصحابة.[104] كان حريصاً على أن يتنافس الأمراء فيما بينهم في الجهاد وفتح بلدان جديدة.[105] كان يشترط أحياناً بعض الشروط على الولاة ليضمن أن تصرفهم في صالح المسلمين.[106]
وقد كان من الولاة الذين تم تعييهم على ولايات الدولة الإسلامية:
◄الولايات في عهد عثمان بن عفان
القضاء
عندما تولى عثمان الخلافة كان على قضاء المدينة علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، والسائب بن يزيد. ويذكر البعض أن عثمان لم يترك للقضاة الاستقلال بالفصل في القضايا، كما كان الحال في عهد عمر، بل كان ينظر في الخصومات بنفسه، ويستشير هؤلاء وغيرهم من الصحابة فيما يحكم به، فإن وافق رأيهم رأيَه أمضاه، وإن لم يوافق رأيهم رأيه نظر في الأمر بعد ذلك. وهذا يعني أن عثمان قد أعفى القضاة الثلاثة في المدينة من ولاية القضاء وأبقاهم مستشارين له في كل شجار يرفع إليه مع استشارة آخرين، ويرى بعضهم أنه لم يثبت نص صريح يفيد الإعفاء، ولكنه تحمل عنهم النظر في كثير من القضايا الكبيرة مع استشارتهم فيها.
تذكر بعض الكتب أن من مآثر ذي النورين اتخاذه داراً للقضاء، وقد جاء ذلك في رواية رواها ابن عساكر عن أبي صالح مولى العباس قال: أرسلني العباس إلى عثمان أدعوه فأتيته في دار القضاء إلى آخر الحديث، فإذا صح فيكون عثمان هو أول من اتخذ دارا للقضاء في الإسلام، لأن من سبقه كان يتخذ المسجد كمكان للقضاء.[130] وكان قد ترك أحكاماً فقهية في مجال القصاص والجنايات والحدود والتعزير والعبادات والمعاملات.
أشهر القضاة في خلافة عثمان
• زيد بن ثابت - المدينة.
• أبو الدرداء الأنصاري - دمشق.
• كعب بن سور الأزدي - البصرة.
• أبو موسى الأشعري - البصرة، (بالإضافة إلى ولايته).
• شريح القاضي - الكوفة.
• يعلى بن أمية - اليمن.
• ثمامة - صنعاء.
• عثمان بن قيس بن أبي العاص - مصر.[131]
جمع القرآن
في عهده انتشر الإسلام في بلاد كبيرة وتفرق الصحابة مما أدى إلى ظهور قراءات متعددة وانتشرت لهجات مختلفة فكان الخوف من اختلاف كتابة القرآن وتغير لهجته، فجمع عثمان المسلمين على لغة قريش أي لهجة قريش وهي لهجة العرب.
عن أنس بن مالك: «أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق».[132]
جمع عثمان المهاجرين والأنصار وشاورهم في الأمر، وفيهم عدد من أعلام وعلماء الصحابة، وفي طليعتهم علي بن أبي طالب. وعرض عثمان هذه المسألة وناقشهم فيها فأجابوه إلى رأيه، وظهر للناس في أرجاء الأرض ما انعقد عليه إجماعهم، فلم يعرف يومئذ لهم مخالف.[133]
قال ابن التين: «الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشيته أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حملته. لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتبًا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي. وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك إلى تخطئة بعضهم البعض، فخشى من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبًا لسوره، واقتصر في سائر اللغات على لغة قريش محتجاً بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع في قراءاته بلغة غيرهم، دفعاً للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أن الحاجة قد انتهت، فاقتصر على لغة واحدة».
لما فرغ عثمان من جمع المصاحف أرسل إلى كل أفق بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسله إلى الآفاق، وقد اختلفوا في عدد المصاحف التي فرقها في الأمصار، فقيل: إنها أربعة وهو الذي اتفق عليه أكثر العلماء، وقيل إنها خمسة، وقيل إنها ستة، وقيل إنها سبعة، وقيل إنها ثمانية. وأما كونها ثمانية، فإن الثامن كان لعثمان يقرأ فيه، وهو الذي قتل وهو بين يديه.[134]
الفتوحات في عهد عثمان بن عفان
الدولة الإسلامية في ذروة اتساعها خلال عهد عثمان.
في خلافة عثمان فتحت العديد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية، فقد فتحت في أيام خلافته أرمينية وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص. وقد أنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين.[4]
بعد مقتل عمر بن الخطاب تشجع أعداء الإسلام وخصوصا في بلاد الفرس والروم إلى العمل على استرداد السيطرة في تلك البلاد، فبدأ يزدجرد ملك الفرس يخطط في العاصمة التي يقيم فيها وهي مدينة فرغنة عاصمة سمرقند، وأما زعماء الروم فقد تركوا بلاد الشام وانتقلوا إلى القسطنطينية العاصمة البيزنطية، وبدؤوا في البحث عن الوسائل التي تمكنهم من استرداد ملكهم. وكانوا قد تحصنوا بالإسكندرية في عهد عمر بن الخطاب، فطلب عمرو بن العاص منه أن يأذن بفتحها، وكانت معززة بتحصينات كثيرة وكانت المجانيق فوق أسوارها، وكان هرقل قد عزم أن يباشر القتال بنفسه ولا يتخلف أحد من الروم؛ لأن الإسكندرية هي معقلهم الأخير.[135] وفي عصر عثمان تجمع الروم في الإسكندرية، ونقضوا الصلح واستعانوا بقوة الروم البحرية.[136]
كانت المعسكرات في عهد عثمان تتوزع في عواصم الأقطار الكبرى، فمعسكر العراق مركزه الكوفة والبصرة، ومعسكر الشام في دمشق، ومعسكر مصر مركزه الفسطاط، وكانت هذه المعسكرات تقوم بحماية الدولة الإسلامية كما تعمل على مواصلة الفتوحات، ونشر الإسلام.[137]
الفتوحات في المشرق
فتوحات أهل الكوفة
كانت مغازي أهل الكوفة الري وأذربيجان، وكان يرابط بها عشر
عثمان بن عفان الأموي القرشي (47 ق.هـ - 35 هـ / 576 - 656م)[1] ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين إلى الإسلام. يكنى ذا النورين لأنه تزوج اثنتين من بنات نبي الإسلام محمد، حيث تزوج من رقية ثم بعد وفاتها تزوج من أم كلثوم.
كان عثمان أول مهاجر إلى أرض الحبشة لحفظ الإسلام ثم تبعه سائر المهاجرين إلى أرض الحبشة. ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة. وكان رسول اللَّه يثق به ويحبه ويكرمه لحيائه وأخلاقه وحسن عشرته وما كان يبذله من المال لنصرة المسلمين والذين آمنوا بالله، وبشّره بالجنة كأبي بكر وعمر وعلي وبقية العشرة، وأخبره بأنه سيموت شهيداً.
بويع عثمان بالخلافة بعد الشورى التي تمت بعد وفاة عمر بن الخطاب سنة 23 هـ (644 م)، وقد استمرت خلافته نحو اثني عشر عاماً.[3] تم في عهده جمع القرآن وعمل توسعة للمسجد الحرام وكذلك المسجد النبوي، وفتحت في عهده عدد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية، فمن البلدان التي فتحت في أيام خلافته أرمينية وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص. وقد أنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين.[3][4]
في النصف الثاني من خلافة عثمان التي استمرت لمدة اثنتي عشرة سنة، ظهرت أحداث الفتنة التي أدت إلى استشهاده.[5] وكان ذلك في يوم الجمعة الموافق 18 من شهر ذي الحجة سنة 35 هـ، وعمره اثنتان وثمانون سنة، ودفن في البقيع بالمدينة المنورة.[6]
بداية حياته
نسبه
تخطيط لاسم عُثمان بن عفَّان.
• هو: «عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». يلتقي نسبه بنسب الرسول محمد في عبد مناف.
• أمه: «أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». وهي ابنة عمة النبي محمد، فأمها هي البيضاء بنت عبد المطلب.[7][8][9][10]
نشأته
ولد عثمان بن عفان في الطائف[1] وقيل في مكة[2] سنة 576 م بعد عام الفيل بست سنين.[1] وهو من بطن بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وهم من كبار سادات قريش، وأبوه عفان ابن عم أبي سفيان بن حرب. أنجبته أمه أروى بنت كريز وأنجبت كذلك شقيقته آمنة بنت عفان، وبعد وفاة والده عفان، تزوجت أمه من عقبة بن أبي معيط الأموي القرشي وأنجبت منه ثلاثة أبناء وبنت، هم الوليد بن عقبة وخالد بن عقبة وعمارة بن عقبة وأم كلثوم بنت عقبة فهم إخوة عثمان لأمه.[11] وقد أسلمت أم عثمان وماتت في خلافته، وكان أحد اللذين حملوها إلى قبرها،[12] وأما أبوه فمات في الجاهلية.
كان عثمان غنياً شريفاً في الجاهلية،[2] ومن أحكم قريش عقلاً وأفضلهم رأياً، كما كان محبوباً من قبلهم. وهو لم يسجد لأي صنم طوال حياته، كما أنه لم يشرب الخمر لا في الجاهلية ولا في الإسلام.[13] كما أنه قد كان على علم بمعارف العرب في الجاهلية من الأنساب والأمثال وأخبار الأيام، وقد رحل إلى الشام والحبشة، وعاشر أقواماً غير العرب فعرف من أحوالهم وأطوارهم ما ليس يعرفه غيره من قومه.[14] واهتم بالتجارة التي ورثها عن والده، ونمت ثرواته، وأصبح يعد من رجالات بني أمية الذين لهم مكانة في قريش كلها، فكان كريماً جواداً وكان من كبار الأثرياء وقد نال مكانة مرموقة في قومه، ومحبة كبيرة. وقد كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، فلما جاء له عبد الله من رقية بنت النبي محمد، كناه المسلمون أبا عبد الله.[15] وكان عثمان يلقب بذي النورين لزواجه من رقية ومن ثم أم كلثوم بنتي النبي محمد.[16][17]
صفته
كان عثمان جميلاً ليس بالقصير ولا بالطويل، أسمر رقيق البشرة، كبير اللحية، كثير الشعر، عظيم الكراديس (جمع كردوس، وهو كل عظمين التقيا في مفصل)، عظيم ما بين المنكبين، جُمَّته (مجتمع شعر الرأس) أسفل من أذنيه، جذل الساقين، طويل الذراعين، شعره قد كسا ذراعيه. أقنى (بيِّن القنا)، بوجهه نكتات جدري، يصفِّر لحيته ويشد أسنانه بالذهب.[18][19]
وقال الزهري:
«كان عثمان رجلا مربوعا، حسن الشعر، حسن الوجه، أصلع، أروح الرجلين (منفرج ما بينهما)، وأقنى (طويل الأنف مع دقة أرنبته، وحدب في وسطه)، خدل الساقين (ضخم الساقين)، طويل الذراعين، قد كسا ذراعيه جعد الشعر، أحسن الناس ثغرا، جُمَّته (مجتمع شعر الرأس) أسفل من أذنيه، حسن الوجه. والراجح أنه أبيض اللون، وقد قيل:أسمر اللون.[20]»
كان رجال قريش يأتونه ويألفونه للعديد من الأمور لعلمه، وتجاربه، وحسن مجالسته، وكان شديد الحياء، ومن كبار التجار. كما أنه لم يكن يوقظ نائمًا من أهله إلا أن يجده يقظان فيدعوه فيناوله وضوءه، وكان يصوم الدهر،[21] ويلي وضوء الليل بنفسه. وقد كان ليَّن العريكة، كثير الإحسان والحلم.
أما ما جاء في لباسه فقد رئي وهو على بغلة عليه ثوبان أصفران له غديرتان، ورئي وهو يبني الزوراء (الزوراء: دار عثمان بالمدينة). على بغلة شهباء مصفِّرًا لحيته، وخطب وعليه خميصة (وهي كساء أسود له علمان). سوداء وهو مخضوب بحناء، ولبس ملاءة صفراء وثوبين ممصرين، وبردًا يمانيًا ثمنه مائة درهم، وتختم في اليسار، وكان ينام في المسجد متوسدًا رداءه.
إسلامه
أسلم عثمان بن عفان حينما كان في الرابعة والثلاثين من عمره، حين دعاه أبو بكر الصديق إلى الإسلام قائلاً له:
«ويحك يا عثمان واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، هذه الأوثان التي يعبدها قومك، أليست حجارة صماء لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع؟ فقال: بلى واللَّه إنها كذلك. قال أبو بكر: هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللَّه برسالته إلى جميع خلقه، فهل لك أن تأتيه وتسمع منه؟ فقال: نعم». وفي الحال مرَّ رسول اللَّه فقال: «يا عثمان أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى جميع خلقه». قال: «فواللَّه ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمداً عبد الله ورسوله».[22]»
فكان بذلك من السابقين الأولين وقبل دخول محمد بن عبد الله دار الأرقم، حتى قال أبو إسحاق: «كان أول الناس إسلاماً بعد أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة عثمان».[23] فهو رابع من أسلم من الرجال. وكان عثمان قد حدث له موقف عند عودته من الشام، وقد قصه على النبي محمد حينما دخل عليه هو وطلحة بن عبيد الله، فعرض عليهما الإسلام وقرأ عليهما القرآن، وأنبأهما بحقوق الإسلام ووعدهما الكرامة من الله فآمنا وصدقا، فقال عثمان:
«يا رسول الله، قدمت حديثا من الشام، فلما كنا بين معان والزرقاء فنحن كالنيام فإذا منادٍ ينادينا: أيها النيام هبوا، فإن أحمد قد خرج بمكة، فقدمنا فسمعنا بك.[24]»
زواجه من رقية
كان النبي محمد قد زوج رقية من عتبة بن أبي لهب، وزوج أختها أم كلثوم من عتيبة بن أبي لهب، فلما نزلت سورة المسد تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (سورة المسد، آية: 1 - 5). قال لهما أبو لهب وأمهما أم جميل بنت حرب بن أمية فارقا ابنتي محمد، ففارقاهما قبل أن يدخلا بهما.[25]
حينما سمع عثمان بخبر طلاق رقية بادر إلى خطبة رقية من رسول الله فزوجها منه، وزفّتها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، فكان يقال لها حين زفت إليه: «أحسن زوجين رآهما إنسان، رقية وزوجها عثمان».[26]
وعن عبد الرحمن بن عثمان القرشي:
«أن رسول الله دخل على ابنته وهي تغسل رأس عثمان، فقال: «يا بنية أحسني إلى أبي عبد الله، فإنه أشبه أصحابي بي خُلُقًا».[27]»
هجرته إلى الحبشة
في السنة الخامسة للبعثة هاجرت أول دفعة من المسلمين، وكانوا اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، وكان رئيسهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية، وقد خرجوا قاصدين ميناء الشعيبة، فاستقلوا سفينتين حتى وصلوا إلى الحبشة.[28]
• مقالة مفصلة: الهجرة إلى الحبشة
كان الصحابة قد قابلوا أنواع التعذيب من قبل كفار قريش، وكان من ضمنهم عثمان إذ عُذب من قِبل عمه الحكم ابن أبي العاص بن أمية الذي أخذه فأوثقه رباطاً وقال: «أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أحلُّك أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين»، فقال عثمان: «والله لا أدعه أبداً ولا أفارقه».[29] فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه.[29] ولكن الأذى اشتد بالمسلمين جميعاً، واشتد الأمر حين قتل ياسر وزوجته سمية، فقال النبي للمسلمين:
«لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى الْحَبَشَةِ، فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا صَالِحَاً لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ.[30]»
وبدأت الهجرة فخرجوا من مكة حتى وصلوا ساحل البحر الأحمر، ثم أمَّروا عليهم عثمان بن مظعون، ووجدوا سفينتين، فركبوا مقابل نصف دينار لكل منهم، وعلمت قريش فأسرعت في تعقبهم إلى الساحل ولكنهم كانوا قد أبحروا.[31] وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية عثمان بن عفان ومعه فيهما امرأته رقية بنت رسول الله، وكان وصولهم للحبشة في شهر رجب من السنة الخامسة من البعثة، فوجدوا الأمن والأمان وحرية العبادة، وقد تحدث القرآن عن هجرة المسلمين الأوائل إلى أرض الحبشة، قال تعالى: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (سورة النحل، آية: 41). وقد نقل القرطبي قول قتادة: «المراد أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ظلمهم المشركون بمكة وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله تعالى دار الهجرة، وجعل لهم أنصارا من المؤمنين».[32]
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (سورة الزمر، آية:10) . قال ابن عباس: «يريد جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا معه إلى الحبشة».[33]
ولما أشيع أن أهل مكة قد أسلموا، وبلغ ذلك مهاجري الحبشة أقبلوا، حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلاً، فدخلوا في جوار بعض أهل مكة، وكان ممن رجع إلى مكة عثمان بن عفان وزوجته رقية،[34] واستقر المقام به فيها حتى أذن الله بالهجرة إلى المدينة.
عثمان بن عفان في العهد النبوي
عثمان وغزوة بدر
• مقالات مفصلة: غزوة بدر
• رقية بنت محمد
لما خرج المسلمون لغزوة بدر كانت زوجة عثمان رقية بنت رسول الله مريضة بمرض الحصبة ولزمت الفراش، في الوقت الذي دعا فيه رسول الله للخروج لملاقاة القافلة، وسارع عثمان للخروج مع رسول الله، إلا أنه تلقى أمرًا بالبقاء إلى جانب زوجته رقية لتمريضها، وامتثل لهذا الأمر وبقي إلى جوارها، إلى أن توفيت. وجهزت رقية ثم حمل جثمانها ودفنت في البقيع، وفيما هم عائدون إذ بزيد بن حارثة قد أقبل على ناقة رسول الله يبشر بسلامة الرسول محمد وقتل المشركين وأسر من تبقى منهم. وبعد عودة الرسول محمد علم بوفاة ابنته رقية، فخرج إلى البقيع ووقف على قبرها يدعو لها بالغفران.[35] وقد ضرب النبي محمد لعثمان بسهمه فاعتبره بذلك مشاركاً لهم في الغنيمة والفضل والأجر.[36] وقد عُد عثمان من البدريين بالاتفاق.[37]
وعن عثمان بن عبد الله بن موهب قال:
«جاء رجل من مصر حج البيت فقال: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني أنشدك الله بحرمة هذا البيت، هل تعلم أن عثمان تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ فقال: نعم، ولكن أما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله فمرضت، فقال له رسول الله: «لك أجر رجل شهد بدرا وسهمه».[38]»
وعن أبي وائل، عن عثمان بن عفان أنه قال:
«أما يوم بدر فقد تخلفت على بنت رسول الله، وقد ضرب رسول الله لي فيها بسهم. وقال زائدة في حديثه: ومن ضرب له رسول الله فيها بسهم فقد شهد.[37][39]»
بيعة الرضوان
• مقالة مفصلة: بيعة الرضوان
لما نزل النبي محمد الحديبية في العام السادس للهجرة، رأى أنه من الضروري إرسال مبعوث إلى قريش يبلغهم فيها نواياه السلمية بعدم الرغبة في القتال، وحرصه على احترام المقدسات، ومن ثم أداء مناسك العمرة، والعودة إلى المدينة، فوقع الاختيار على أن يكون المبعوث إلى قريش خراش بن أمية الخزاعي، فلما دخل مكة أرادت قريش قتله فمنعهم الأحابيش، فلما عاد أخبر الرسول بما صنعت قريش، فأراد رسول الله أن يرسل سفيرا آخر فوقع الاختيار في بداية الأمر على عمر بن الخطاب،[40] فاعتذر عن الذهاب إليهم، وأشار على رسول الله أن يبعث عثمان مكانه،[41] لأن له قبيلة تحميه من أذى المشركين حتى يبلغ رسالة رسول الله،[41] وقال لرسول الله: إني أخاف قريشا على نفسي، قد عرفت عداوتي لها، وليس بها من بني عدي من يمنعني، وإن أحببت يا رسول الله دخلت عليهم،[41] فلم يقل رسول الله شيئا، قال عمر: ولكن أدلك يا رسول الله على رجل أعز بمكة مني، وأكثر عشيرة وأمنع، عثمان بن عفان، فدعا رسول الله عثمان فقال:
«اذْهَبْ إِلَى قُرَيْشٍ فَخَبّرْهُم أنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَإِنّمَا جِئْنَا زواراً لهذا البيت، معظمين لحرمته، معنا الهدي، ننحره وننصرف»
فخرج عثمان بن عفّان حتى أتى بَلْدَح (مكان قريب من مكة). فوجد قريشا هناك، فقالوا: أين تريد؟ قال:
«بعثني رسول الله إليكم، يدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، تدخلون في دين الله كافة، فإن الله مظهر دينه ومعز نبيه، وأخرى تكفون ويَلِي هذا منه غيركم، فإن ظفروا بمحمد فذلك ما أردتم، وإن ظفر محمد كنتم بالخيار أن تدخلوا فيما دخل فيه الناس أو تقاتلوا وأنتم وافرون جامون، إن الحرب قد نهكتكم، وأذهبت بالأماثل منكم، فجعل عثمان يكلمهم فيأتيهم بما لا يريدون»
قالوا: «قد سمعنا ما تقول ولا كان هذا أبداً، ولا دخلها علينا عنوة، فارجع إلى صاحبك فأخبره أنه لا يصل إلينا»، فقام إليه أبان بن سعيد بن العاص فرحب به وأجاره وقال: «لا تقصر عن حاجتك»، ثم نزل عن فرس كان عليه، فحمل عثمان على السرج وردفه وراءه، فدخل عثمان مكة فأتى أشرافهم؛ أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وغيرهما من لقي ببلدح، ومنهم من لقي بمكة، فجعلوا يردون عليه: «إن محمداً لا يدخلها علينا أبداً».[42] وعرض المشركون على عثمان أن يطوف بالبيت فأبى،[43] وقام عثمان بتبليغ رسالة الرسول محمد إلى المستضعفين بمكة وبشرهم بقرب الفرج والمخرج،[43] وأخذ منهم رسالة شفهية إلى رسول الله جاء فيها:[44]
«اقرأ على رسول الله منا السلام، إن الذي أنزله بالحديبية لقادر على أن يدخله بطن مكة»
وتسربت شائعة إلى المسلمين مفادها أن عثمان قتل، فدعا رسول الله أصحابه إلى مبايعته على قتال المشركين ومناجزتهم، فاستجاب الصحابة وبايعوه على الموت[45] سوى الجد بن قيس وذلك لنفاقه.[46] وقال النبي بيده اليمنى: «هذه يد عثمان» فضرب بها على يده.[47] وكان عدد الصحابة الذين أخذ منهم الرسول المبايعة تحت الشجرة ألف وأربعمائة صحابي.[48]
عثمان وجيش العسرة
• مقالة مفصلة: غزوة تبوك
يقال لغزوة تبوك غزوة العُسرة، مأخوذة من قول الله في القرآن: ِ ﴿لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة﴾ (سورة التوبة، آية: 117)
ندب رسول اللَّه الناس إلى الخروج وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم وأمر الناس بالصدقة، وحثهم على النفقة والحملان، فجاؤوا بصدقات كثيرة فجهَّز عثمان ثلث الجيش جهزهم بتسعمائة وأربعين بعيرًا وبستين فرساً. قال ابن إسحاق: «أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها».
وقيل جاء عثمان بألف دينار في كمه حين جهز جيش العُسرة فنثرها في حجر رسول الله فقبلها وهو يقول: «ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم». وقال رسول اللَّه: «من جهز جيش العُسرة فله الجنة».[49]
يقول ابن شهاب الزهري: «قدم عثمان لجيش العسرة في غزوة تبوك تسعمائة وأربعين بعيراً، وستين فرساً أتم بها الألف، وجاء عثمان إلى رسول الله في جيش العسرة بعشرة آلاف دينار صبها بين يديه، فجعل الرسول يقلبها بيده ويقول: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» مرتين».[50]
كما تحدث عبد الرحمن بن حباب عن نفقة عثمان حيث قال:
«شَهِدْتُ النَّبِيَّ وَهُوَ يَحُثُّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ مِائَة بَعِيرٍ وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ ثَلَاثمائة بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله يَنْزِلُ عَلَى المِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: «مَا عَلَى عُثْمَان مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِه، مَا عَلَى عُثْمَان مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِه».(11)»
وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: «جاء عثمان بن عفان إلى النبي بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي جيش العسرة، قال: فجعل النبي يقلبها بيده ويقول: «ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم» يرددها مراراً».(12)
بئر رومة
• مقالة مفصلة: بئر رومة
عندما قدم النبي محمد إلى المدينة المنورة وجد أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله: «من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له في الجنة».[51] وقال: «من حفر بئر رومة فله الجنة».[52]
وقد كانت رومة قبل قدوم النبي لا يشرب منها أحد إلا بثمن، فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بِمُدّ، فقال النبي: «تبيعها بعين في الجنة؟» فقال: «يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها». فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي فقال: «أتجعل لي فيها ما جعلت له؟» قال: «نعم» قال: «قد جعلتها للمسلمين».[53] وقيل كانت رومة ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءها، فاشتراها عثمان بن عفان من اليهودي بعشرين ألف درهم، فجعلها للغني والفقير وابن السبيل.[54][55]
وهذه البئر في عقيق المدينة، روي عن النبي أنه قال: «نعم القليب قليب المُزَني»، وهي التي اشتراها عثمان بن عفان فتصدق بها. وروي عن موسى بن طلحة عن رسول اللَّه أنه قال: «نعم الحفير حفير المزني»، يعني رومة. فلما سمع عثمان ذلك ابتاع نصفها بمائة بكرة وتصدق بها على المسلمين فجعل الناس يستقون منها. فلما رأى صاحبها أنه امتنع منه ما كان يصيب منها باعها من عثمان بشيء يسير فتصدق بها كلها.
توسعة المسجد النبوي
بعد أن بنى رسول الله مسجده في المدينة، صار المسلمون يجتمعون فيه ليصلوا الصلوات الخمس، ويحضروا خطب النبي، ويتعلموا في المسجد أمور دينهم، ضاق المسجد بالناس، فرغب النبي من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لأهله، فقال: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟» فاشتراها عثمان بن عفان من ماله[56] بخمسة وعشرين ألف درهم، أو بعشرين ألفا، ثم أضيفت للمسجد،[57] ووسع على المسلمين.[58]
وروى يحيى عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب قال:
«لما ولي عثمان بن عفان سنة أربع وعشرين، كلَّمه الناس أن يزيد في مسجدهم، وشكوا إليه ضيقه يوم الجمعة، حتى إنهم ليصلون في الرحاب. فشاور فيه عثمان أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه، فأجمعوا على أن يهدمه ويزيد فيه، فصلَّى الظهر بالناس، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إني أردت أن أهدم مسجد رسول اللَّه وأزيد فيه وأشهد أني سمعت رسول اللَّه يقول: «من بنى مسجدًا بنى اللَّه له بيتًا في الجنة».[59][60][61][62][63][64] وقد كان لي فيه سلف، وإمام سبقني وتقدمني عمر بن الخطاب، كان قد زاد فيه وبناه، وقد شاورت أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه، فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه، فحسن الناس يومئذ ذلك ودعوا له، فأصبح، فدعا العمال وباشر ذلك بنفسه، وكان رجلًا يصوم الدهر ويصلي الليل، وكان لا يخرج من المسجد، وأمر بالفضة المنخولة تعمل ببطن نخل، وكان أول عمله في شهر ربيع الأول من سنة 29 هـ، وفرغ منه حين دخلت السنة لهلال المحرم سنة 30 هـ فكان عمله عشرة أشهر»
قال الحافظ ابن حجر: «كان بناء عثمان للمسجد سنة ثلاثين على المشهور، وقيل في آخر سنة من خلافته».
كان المسجد النبوي على عهد النبي محمد مبنيا باللبن وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر الصديق شيئا وزاد فيه عمر بن الخطاب وبناه على بنائه في عهد رسول الله باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً، ثم غيَّره عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والفضة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج، وجعل أبوابه على ما كانت أيام عمر ستة أبواب.[65][66]
عثمان بن عفان في عهد أبي بكر وعمر
في عهد أبي بكر الصديق
كان عثمان من الصحابة وأهل الشورى الذين يؤخذ رأيهم في كبرى المسائل في خلافة أبي بكر، فقد كان عمر بن الخطاب للحزامة والشدائد، وعثمان بن عفان للرفق والأناة. حيث كان عمر وزيراً للخلافة في عهد الصديق، أما عثمان فكان أمينها العام.[67] وكان رأيه مقدماً عند الصديق؛ فبعد أن قضى أبو بكر على حركة الردة، أراد أن يغزو الروم، فقام في الناس يستشيرهم، فقال الألباب ما عندهم، ثم استزادهم أبو بكر فقال: ما ترون؟ فقال عثمان:
«إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين، شفيق عليهم، فإذا رأيت رأيا لعامتهم صلاحا، فاعزم على إمضائه فإنك غير ظنين.[68][69]»
فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار: «صدق عثمان، ما رأيت من رأي فأمْضِه».[69] ولما أراد الصديق أن يبعث والياً إلى البحرين استشار أصحابه، فقال عثمان:
«ابعث رجلاً قد بعثه رسول الله إليهم فقدم عليه بإسلامهم وطاعتهم، وقد عرفوه وعرفهم وعرف بلاده»
وكان عثمان يقصد العلاء بن الحضرمي، فبعث الصديق العلاء إلى البحرين.[70] ولما اشتد المرض بأبي بكر استشار الناس فيمن يحبون أن يقوم بالأمر من بعده، فأشاروا بعمر، وكان رأي عثمان في عمر:
«اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله.[71] فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدتك.[72]»
وفي إحدى الفترات من خلافة أبي بكر الصديق حصل هنالك قحط وأزمة اقتصادية، عن ابن عباس قال: «قحط المطر على عهد أبي بكر الصديق، فاجتمع الناس إلى أبي بكر فقالوا: السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت, والناس في شدة شديدة، فقال أبو بكر: انصرفوا واصبروا، فإنكم لا تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم، قال: فما لبثنا أن جاء أجراء عثمان من الشام، فجاءته مائة راحلة بُرًّا - أو قال طعاما - فاجتمع الناس إلى باب عثمان، فقرعوا عليه الباب، فخرج إليهم عثمان في ملأ من الناس، فقال: ما تشاءون؟ قالوا: الزمان قد قحط؛ السماء لا تمطر، والأرض لا تنبت، والناس في شدة شديدة، وقد بلغنا أن عندك طعاما، فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين، فقال عثمان: حبًّا وكرامة ادخلوا فاشتروا، فدخل التجار، فإذا الطعام موضوع في دار عثمان، فقال: يا معشر التجار كم تربحونني على شرائي من الشام؟ قالوا: للعشرة اثنا عشر، قال عثمان: قد زادني، قالوا: للعشرة خمسة عشر، قال عثمان: قد زادني، قال التجار: يا أبا عمرو، ما بقي بالمدينة تجار غيرنا، فمن زادك؟ قال: زادني الله بكل درهم عشرة، أعندكم زيادة؟ قالوا: اللهم لا، قال: فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين».[73][74][75] قال ابن عباس: «فرأيت من ليلتي رسول الله في المنام وهو على برذون أبلق (الذي فيه سواد وبياض) عليه حُلَّة من نور، في رجليه نعلان من نور، وبيده قصبة من نور، وهو مستعجل، فقلت: يا رسول الله، قد اشتد شوقي إليك وإلى كلامك فأين تبادر؟ قال: «يا ابن عباس، إن عثمان قد تصدق بصدقة، وإن الله قد قبلها منه وزوجه عروسا في الجنة، وقد دعينا إلى عرسه»».[73]
في عهد عمر بن الخطاب
كان عثمان ذا مكانة عند عمر، فإذا أراد الناس أن يسألوا عمر في مسألة طلبوا الأمر من عثمان أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا لم يقدر هذان على الأمر طلبوا ذلك من العباس.[76] لقد كانت مكانة عثمان في خلافة عمر بن الخطاب كمكانة الوزير من الخليفة، فقد جاء في بعض الروايات بأنه هو الذي أشار على عمر بفكرة الديوان وكتابة التاريخ، وكان ممن أيدوا رأي عمر في عدم تقسيم أرض الفتوح على الفاتحين وإبقائها فيئًا للمسلمين وللذرية من بعدهم.[77]
لما اتسعت الفتوحات وكثرت الأموال جمع عمر ناسا من أصحاب رسول الله ليستشيرهم في هذا المال، فقال عثمان:
«أرى مالا كثيراً يسع الناس، وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ منهم ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر، فعمل عمر برأي عثمان، وتم تدوين الدواوين.[78][79]»
في كتابة التاريخ فقد ذكرت بعض الروايات أن الذي أشار على عمر بجعل السنة الهجرية تبدأ بالمحرم هو عثمان، وذلك أنه لما تم الاتفاق على جعل مبدأ التاريخ الإسلامي من هجرة النبي، اختلفوا في أي الأشهر يجعل بداية للسنة، فقال عثمان:
«أرخوا من المحرم أول السنة، وهو شهر حرام، وأول الشهور في العدة، وهو منصرف الناس من الحج»
فرضي عمر ومن شهده من أصحابه رأي عثمان واستقر عليه الأمر، وأصبح مبدأ تاريخ الإسلام.[79]
لما استخلف عمر بن الخطاب سنة 13 هـ، بعث تلك السنة على الحج عبد الرحمن بن عوف، فحج بالناس، وحج مع عمر أيضا آخر حجة حجها عمر سنة 23 هـ، وأذن عمر تلك السنة لأزواج النبي في الحج، فحُملن في الهوادج، وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فكان عثمان يسير على راحلته أمامهن فلا يدع أحدا يدنو منهن، وينزلن مع عمر كل منزل، فكان عثمان وعبد الرحمن ينزلان بهن في الشعاب فيقبلانهن الشعاب، وينزلان هما في أذل الشعب، فلا يتركان أحدا يمر عليهن.[80]
توليه الخلافة
الفقه العمري في الاستخلاف
استمر اهتمام عمر بن الخطاب بوحدة الأمة ومستقبلها حتى اللحظات الأخيرة من حياته،[81] وقد استطاع أن يبتكر طريقة جديدة لم يسبق إليها في اختيار الخليفة الجديد، وذلك عن طريق جعل الشورى في عدد محصور، وقد حصر ستة من الصحابة كلهم يصلحون لتولي الأمر ولو أنهم يتفاوتون، وحدد لهم طريقة الانتخاب ومدته، وعدد الأصوات الكافية لانتخاب الخليفة وحدد الحكم في المجلس، والمرجح إن تعادلت الأصوات، وأمر مجموعة من الجنود لمراقبة سير الانتخابات في المجلس، وعقاب من يخالف أمر الجماعة، ومنع الفوضى بحيث لا يسمحون لأحد يدخل أو يسمع ما يدور في المجلس.[82] وقد تضمن المجلس ستة أشخاص، وهم علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله. حيث أمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا وفيهم عبد الله بن عمر يحضر معهم مشيرا فقط وليس له من الأمر شيء، ويصلي بالناس أثناء التشاور صهيب الرومي، وقال له: «أنت أمير الصلاة في هذه الأيام الثلاثة» حتى لا يولي إمامةَ الصلاة أحدا من الستة فيصبح هذا ترشيحاً من عمر له بالخلافة.[83] وأمر المقداد بن الأسود وأبا طلحة الأنصاري أن يرقبا سير الانتخابات.[84] وقد حدد عمر الفترة بثلاثة أيام، فقال لهم: «لا يأتي اليوم الرابع إلا وعليكم أمير».[85] وكان قد أوصى عبد الله بن عمر بأن يحضر معهم في المجلس وأن ليس له من الأمر شيء، ولكن قال لهم: ف«إن رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف»، ووصف عبد الرحمن بن عوف بأنه مسدد رشيد، فقال عنه: «ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف، مسدد رشيد، له من الله حافظ، فاسمعوا منه».[86] طلب عمر أبا طلحة الأنصاري وقال له: «يا أبا طلحة، إن الله أعز الإسلام بكم، فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم».[87] وقال للمقداد بن الأسود: «إذا وضعتموني في حفرتي، فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم».[87] وكانت من فوائد قصة الشورى، جواز تولية المفضول مع وجود الأفضل، لأن عمر جعل الشورى في ستة أشخاص مع علمه أن بعضهم كان أفضل من بعض. عرف عمر أن الشورى لن تكون بين الستة فقط، وإنما ستكون في أخذ رأي الناس في المدينة فيمن يتولى الخلافة؛ حيث جعل لهم أمد ثلاثة أيام فيمكنهم من المشاورة والمناظرة لتقع ولاية من يتولى بعده عن اتفاق. وقد أناط عمر بأهل الشورى وحدهم اختيار الخليفة من بينهم.
وصية عمر للخليفة الذي بعده
أوصى عمر الخليفة الذي سيخلفه في قيادة الأمة بوصية قال فيها:[88][89][90][91]
«أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيرا؛ أن تعرف لهم سابقتهم، وأوصيك بالأنصار خيرا، فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم. وأوصيك بأهل الأمصار خيرا، فإنهم ردء العدو، وجباة الفيء، لا تحمل منهم إلا عن فضل منهم، وأوصيك بأهل البادية خيرا، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن تأخذ من حواشي أموالهم فترد على فقرائهم. وأوصيك بأهل الذمة خيرا؛ أن تقاتل من وراءهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم، إذا أدوا ما عليهم للمؤمنين طوعا، أو عن يد وهم صاغرون. وأوصيك بتقوى الله والحذر منه، ومخافة مقته أن يطلع منك على ريبة، وأوصيك أن تخشى الله في الناس ولا تخشى الناس في الله، وأوصيك بالعدل في الرعية، والتفرغ لحوائجهم وثغورك، ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم؛ فإن في ذلك -بإذن الله- سلامة لقلبك وحطًّا لوزرك، وخيرا في عاقبة أمرك حتى تفضي في ذلك إلى من يعرف سريرتك ويحول بينك وبين قلبك، وآمرك أن تشتد في أمر الله وفي حدوده ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في أحد الرأفة حتى تنتهك منه مثل جرمه، واجعل الناس عندك سواء، لا تبالِ على مَنْ وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء على المؤمنين فتجور وتظلم وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك، وقد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة، فإن اقترفت لدنياك عدلا وعفة عما بسط لك اقترفت به إيمانا ورضوانا، وإن غلبك الهوى اقترفت به غضب الله. وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذمة، وقد أوصيتك وخصصتك ونصحتك، فابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة، واخترت من دلالتك ما كنت دالا عليه نفسي وولدي، فإن عملت بالذي وعظتك، وانتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيبا وافرا وحظا وافيا، وإن لم تقبل ذلك ولم يهمك، ولم تترك معاظم الأمور عند الذي يرضى به الله عنك، يكن ذلك بك انتقاصا، ورأيك فيه مدخولا؛ لأن الأهواء مشتركة، ورأس الخطيئة إبليس داع إلى كل مهلكة، وقد أضل القرون السالفة قبلك فأوردهم النار وبئس المورود، وبئس الثمن أن يكون حظ امرئ موالاة لعدو الله الداعي إلى معاصيه. ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات، وكن واعظا لنفسك. وأناشدك الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين، وأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم، ووقرت عالمهم، ولا تضر بهم فيذلوا، ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم، ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم، ولا تجمِّرهم في البعوث فينقطع نسلهم، ولا تجعل المال دولة بين الأغنياء منهم، ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم، هذه وصيتي إليك، وأشهد الله عليك وأقرأ عليك السلام.»
الشورى
رسم فارسي يُظهر مُبايعة المُسلمين لعُثمان بن عفَّان في المسجد، وقد مُحي وجهه احترامًا.
بعد الانتهاء من دفن عمر بن الخطاب ذهب رهط الشورى وأعضاء مجلس الدولة الأعلى إلى الاجتماع في بيت عائشة بنت أبي بكر، وقيل إنهم اجتمعوا في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس، ليقضوا في الأمر، وقد تكلم القوم وبسطوا آراءهم واهتدوا إلى كلمة سواء رضيها الخاصة والكافة من المسلمين.[92]
عندما اجتمع أهل الشورى قال لهم عبد الرحمن بن عوف: «اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم»، فقال الزبير: «جعلت أمري إلى علي»،[93] وقال طلحة: «جعلت أمري إلى عثمان»، وقال سعد: «جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف»، وأصبح المرشحون الثلاثة علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: «أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه» فأسكت الشيخين، فقال عبد الرحمن بن عوف: «أفتجعلونه إليَّ والله على أن لا آلو عن أفضلكما»، قالا: «نعم».[93]
بدأ عبد الرحمن بن عوف اتصالاته ومشاوراته فور انتهاء اجتماع المرشحين الستة صباح يوم الأحد، واستمرت مشاوراته واتصالاته ثلاثة أيام كاملة، حتى فجر يوم الأربعاء الرابع من محرم وهو موعد انتهاء المهلة التي حددها لهم عمر، وبدأ عبد الرحمن بعلي بن أبي طالب فقال له: «إن لم أبايعك فأشر عليَّ، فمن ترشح للخلافة؟ قال علي: عثمان بن عفان»، وذهب عبد الرحمن إلى عثمان وقال له: «إن لم أبايعك، فمن ترشح للخلافة؟ فقال عثمان: علي بن أبي طالب». وذهب ابن عوف بعد ذلك إلى الصحابة الآخرين واستشارهم، وكان يشاور كل من يلقاه في المدينة من كبار الصحابة وأشرافهم، ومن أمراء الأجناد، ومن يأتي للمدينة، وشملت مشاورته النساء في خدورهن، وقد أبدين رأيهن، كما شملت الصبيان والعبيد في المدينة، وكانت نتيجة مشاورات عبد الرحمن بن عوف أن معظم المسلمين كانوا يشيرون بعثمان بن عفان، ومنهم من كان يشير بعلي بن أبي طالب. وفي منتصف ليلة الأربعاء، ذهب عبد الرحمن بن عوف إلى بيت ابن أخته: المسور بن مخرمة، فطرق البيت، فوجد المسور نائما،[94] فضرب الباب حتى استيقظ فقال:
«أراك نائما فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعداً، فدعوتهما له، فشاورهما ثم دعاني فقال: ادع لي علياً فدعوته فناجاه حتى ابهارَّ (انتصف) الليل ثم قام علي من عنده، ثم قال: ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح.[95]»
وبعد صلاة صبح يوم البيعة (اليوم الأخير من شهر ذي الحجة 23هـ/ 6 نوفمبر 644م) وكان صهيب الرومي الإمام إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف، وقد اعتم بالعمامة التي عممه بها رسول الله، وكان قد اجتمع رجال الشورى عند المنبر، أرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار وأمراء الأجناد منهم: معاوية أمير الشام، وعمير بن سعد أمير حمص، وعمرو بن العاص أمير مصر، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر وصاحبوه إلى المدينة.[96]
وما يروى عند أهل السنة فقد جاء في البخاري:
«فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى كل حاضر من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال: «أما بعد، يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أراهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً»، فقال عبد الرحمن مخاطباً عثمان: «أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده»، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون.[95]»
وجاء في رواية أن علي بن أبي طالب هو أول من بايع بعد عبد الرحمن بن عوف.[97]
أما الشيعة فهم يرون بأن الصحابة حابوا في أمر المسلمين، وأن علي بن أبي طالب لم يرض بأن يقوم عبد الرحمن بن عوف باختيار الخليفة،[98] فقد ورد عند أبي مخنف وهشام الكلبي عن أبيه وأحمد الجوهري أن عمر جعل ترجيح الكفتين إذا تساوتا بعبد الرحمن بن عوف، وأن علياً أحس بأن الخلافة ذهبت منه لأن عبد الرحمن سيقدم عثمان للمصاهرة التي بينهما.[99] كما أشارت رواية أبي مخنف إلى وقوع مشادة بين بني هاشم وبني أمية أثناء المبايعة.[100] ومن الأقوال التي نسبت لعلي، قال ابن كثير: وما يذكره كثير من المؤرخين كابن جرير وغيره عن رجال لا يعرفون أن علياً قال لعبد الرحمن: «خدعتني، وإنك إنما وليته لأنه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه، وأنه تلكأ حتى قال عبد الرحمن بن عوف: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [48:10]».
إدارة الدولة
الشؤون المالية
نقود فارسية من الطراز الذي كان شائعًا أثناء خلافة عمر وعثمان. نُقشت على هذه النقود صورة آخر أكاسرة الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وقد تم إضافة نقش البسملة عليها.
لما تولى عثمان الخلافة لم يغير من سياسة عمر المالية، وإن كان قد سمح للمسلمين باقتناء الثروات وتشييد القصور وامتلاك المساحات الكبيرة من الأراضي، فقد كان عهده عهد رخاء على المسلمين.[101] كما أنه وجه كتاباً إلى الولاة وكتابا آخر إلى عمال الخراج، وأذاع كتاباً على العامة، وكانت عناصر السياسة المالية العامة التي أعلنها الخليفة قد قامت على الأسس العامة التالية:
• تطبيق سياسة مالية عامة إسلامية.
• عدم إخلال الجباية بالرعاية.
• أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين.
• إعطاء المسلمين ما لهم من بيت مال المسلمين.
• أخذ ما على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق، وإعطاؤهم ما لهم، وعدم ظلمهم.
• تخلق عمال الخراج بالأمانة والوفاء.
• تفادي أية انحرافات مالية يسفر عنها تكامل النعم لدى العامة.[102]
الولاية والولايات
حينما تولى عثمان الخلافة في بداية سنة 24 هـ، أقر الولاة الذين قد تم تعيينهم من قِبل عمر بن الخطاب في ولاياتهم عاماً كاملاً، بعد ذلك أبقى البعض وعزل آخرين، وعمل على التعيين في هذه الأمصار حسب الحاجة وذلك بعد الأخذ بمشورة الصحابة. في عهده قام بضم بعض الولايات إلى بعضها لما يراه في مصلحة المسلمين، فقد ضم البحرين إلى البصرة، كما ضم بعض ولايات الشام إلى بعضها الآخر نتيجة لوفاة بعض الولاة أو طلب البعض منهم الإعفاء من العمل. وقد كان دائم النصح لولاته بالعدل والرحمة بين الناس، كما أنه حدد لهم معالم السياسة التي يجب أن يعملوا بها، من إعطاء الحقوق للمسلمين ومطالبتهم بما عليهم من واجبات وإعطاء أهل الذمة حقوقهم ومطالبتهم بما عليهم من واجبات، وبالوفاء حتى مع الأعداء، وأن لا يكون همهم جباية المال.[103] كان يكتب إلى عماله ببعض التعليمات في الأمور المستجدة التي تتعلق بإدارتهم للولايات، إضافة إلى كتبه للعامة والتي كان يصدر فيها تعليمات محددة يلتزم بها الجميع، ومن ذلك إلزامه الناس في الولايات بالمصاحف التي كتبت في المدينة على ملأ من الصحابة.[104] كان حريصاً على أن يتنافس الأمراء فيما بينهم في الجهاد وفتح بلدان جديدة.[105] كان يشترط أحياناً بعض الشروط على الولاة ليضمن أن تصرفهم في صالح المسلمين.[106]
وقد كان من الولاة الذين تم تعييهم على ولايات الدولة الإسلامية:
◄الولايات في عهد عثمان بن عفان
القضاء
عندما تولى عثمان الخلافة كان على قضاء المدينة علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، والسائب بن يزيد. ويذكر البعض أن عثمان لم يترك للقضاة الاستقلال بالفصل في القضايا، كما كان الحال في عهد عمر، بل كان ينظر في الخصومات بنفسه، ويستشير هؤلاء وغيرهم من الصحابة فيما يحكم به، فإن وافق رأيهم رأيَه أمضاه، وإن لم يوافق رأيهم رأيه نظر في الأمر بعد ذلك. وهذا يعني أن عثمان قد أعفى القضاة الثلاثة في المدينة من ولاية القضاء وأبقاهم مستشارين له في كل شجار يرفع إليه مع استشارة آخرين، ويرى بعضهم أنه لم يثبت نص صريح يفيد الإعفاء، ولكنه تحمل عنهم النظر في كثير من القضايا الكبيرة مع استشارتهم فيها.
تذكر بعض الكتب أن من مآثر ذي النورين اتخاذه داراً للقضاء، وقد جاء ذلك في رواية رواها ابن عساكر عن أبي صالح مولى العباس قال: أرسلني العباس إلى عثمان أدعوه فأتيته في دار القضاء إلى آخر الحديث، فإذا صح فيكون عثمان هو أول من اتخذ دارا للقضاء في الإسلام، لأن من سبقه كان يتخذ المسجد كمكان للقضاء.[130] وكان قد ترك أحكاماً فقهية في مجال القصاص والجنايات والحدود والتعزير والعبادات والمعاملات.
أشهر القضاة في خلافة عثمان
• زيد بن ثابت - المدينة.
• أبو الدرداء الأنصاري - دمشق.
• كعب بن سور الأزدي - البصرة.
• أبو موسى الأشعري - البصرة، (بالإضافة إلى ولايته).
• شريح القاضي - الكوفة.
• يعلى بن أمية - اليمن.
• ثمامة - صنعاء.
• عثمان بن قيس بن أبي العاص - مصر.[131]
جمع القرآن
في عهده انتشر الإسلام في بلاد كبيرة وتفرق الصحابة مما أدى إلى ظهور قراءات متعددة وانتشرت لهجات مختلفة فكان الخوف من اختلاف كتابة القرآن وتغير لهجته، فجمع عثمان المسلمين على لغة قريش أي لهجة قريش وهي لهجة العرب.
عن أنس بن مالك: «أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق».[132]
جمع عثمان المهاجرين والأنصار وشاورهم في الأمر، وفيهم عدد من أعلام وعلماء الصحابة، وفي طليعتهم علي بن أبي طالب. وعرض عثمان هذه المسألة وناقشهم فيها فأجابوه إلى رأيه، وظهر للناس في أرجاء الأرض ما انعقد عليه إجماعهم، فلم يعرف يومئذ لهم مخالف.[133]
قال ابن التين: «الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشيته أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حملته. لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتبًا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي. وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك إلى تخطئة بعضهم البعض، فخشى من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبًا لسوره، واقتصر في سائر اللغات على لغة قريش محتجاً بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع في قراءاته بلغة غيرهم، دفعاً للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أن الحاجة قد انتهت، فاقتصر على لغة واحدة».
لما فرغ عثمان من جمع المصاحف أرسل إلى كل أفق بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسله إلى الآفاق، وقد اختلفوا في عدد المصاحف التي فرقها في الأمصار، فقيل: إنها أربعة وهو الذي اتفق عليه أكثر العلماء، وقيل إنها خمسة، وقيل إنها ستة، وقيل إنها سبعة، وقيل إنها ثمانية. وأما كونها ثمانية، فإن الثامن كان لعثمان يقرأ فيه، وهو الذي قتل وهو بين يديه.[134]
الفتوحات في عهد عثمان بن عفان
الدولة الإسلامية في ذروة اتساعها خلال عهد عثمان.
في خلافة عثمان فتحت العديد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية، فقد فتحت في أيام خلافته أرمينية وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص. وقد أنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين.[4]
بعد مقتل عمر بن الخطاب تشجع أعداء الإسلام وخصوصا في بلاد الفرس والروم إلى العمل على استرداد السيطرة في تلك البلاد، فبدأ يزدجرد ملك الفرس يخطط في العاصمة التي يقيم فيها وهي مدينة فرغنة عاصمة سمرقند، وأما زعماء الروم فقد تركوا بلاد الشام وانتقلوا إلى القسطنطينية العاصمة البيزنطية، وبدؤوا في البحث عن الوسائل التي تمكنهم من استرداد ملكهم. وكانوا قد تحصنوا بالإسكندرية في عهد عمر بن الخطاب، فطلب عمرو بن العاص منه أن يأذن بفتحها، وكانت معززة بتحصينات كثيرة وكانت المجانيق فوق أسوارها، وكان هرقل قد عزم أن يباشر القتال بنفسه ولا يتخلف أحد من الروم؛ لأن الإسكندرية هي معقلهم الأخير.[135] وفي عصر عثمان تجمع الروم في الإسكندرية، ونقضوا الصلح واستعانوا بقوة الروم البحرية.[136]
كانت المعسكرات في عهد عثمان تتوزع في عواصم الأقطار الكبرى، فمعسكر العراق مركزه الكوفة والبصرة، ومعسكر الشام في دمشق، ومعسكر مصر مركزه الفسطاط، وكانت هذه المعسكرات تقوم بحماية الدولة الإسلامية كما تعمل على مواصلة الفتوحات، ونشر الإسلام.[137]
الفتوحات في المشرق
فتوحات أهل الكوفة
كانت مغازي أهل الكوفة الري وأذربيجان، وكان يرابط بها عشر
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى