- rababعضو خبير متطور
- عدد الرسائل : 1096
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 367
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 04/06/2008
الشباب والثقافة
الثلاثاء 15 يوليو 2008, 12:43
مما يميز انسانية الانسان أنه كائن عاقل مفكر يُنمّي فكره ومعارفه عن طريق التفكير والتجارب والتعلم من الآخرين، وإن من الغرائز الأساسية الّتي يشترك فيها الانسان والحيوان هي غريزة التجمع، أو غريزة القطيع.
فالحيوان والطير والأسماك تتجمّع على شكل جماعات ومجموعات في المراعي والسير والاستراحة والهجرة والبحث عن الطعام والشراب، وقد عبّر المثل العربي عن ذلك بقوله: (الطيور على أشكالها تقع)، فنجد قطيع الغزلان، وتجمعات العصافير والحمام والغربان والأسماك المتماثلة، كما يتجمع النّاس في المجالس والنوادي ومواقع الاجتماعات المتعددة.
ومن الواضح أن الطفل ينشأ في بيئة محددة الثقافة، والحضارة، والانتماء الفكري والثقافي، فتساهم تلك البيئة النفسية والثقافية في تكوين شخصيته،ونمط حياته، فمنها يكتسب، وبها يتأثر.
والقرآن الكريم يرفض طريقة التبعية غير الواعية، ويهاجمها بشدة، ويطالب بالوعي والتأمل، وتوظيف العقل في محاكمات القضايا وتمحيصها، واختيار الطريق الأسلم، وتحديد الانتماء الفكري والسياسي الانتخابي على وعي وبصيرة. قال تعالى: (قُل هذه سبيلي أدعُو الى الله على بصيرة انا ومن اتُبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين). (يوسف / 108)
ولقد استنكر القرآن طريقة الانتماء البيئي غير الواعي أو تقليد الآباء والأجداد من غير فهم ولا تمحيص ولا تمييز بين الخطأ والصواب في العديد من آياته، منها قوله تعالى: (واذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أَوَلو كان آباؤهُم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون). (المائدة / 104)
ويحدثنا القرآن الكريم عن معاناة الأنبياء والرسل من تبعية الانتماء البيئي والتحجّر الفكري، والوقوف على الموروث الثقافي المتردّي لدى شعوبهم وأُممهم؛ لذلك وجدناهُ يشخّص تلك الظاهرة المعيقة في طريقة التفكير والانتماء الفكري والسياسي، ويحذّر منها، كما في قوله تعالى:
(وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير الاّ قال مترفُوها انّا وجدنا آباءنا على أُمة وانّا على آثارهم مُقتدون ). (الزخرف / 23)
وحذّر الرسول (ص) من تبعية الامَّعة الذي لا يحّدد موقفه وانتماءه عن فهم ووعي وقناعة علمية سليمة؛ بل يعيش مقلداً تابعاً للآخرين، أو لظروف البيئة الّتي ولد فيها، فلا يكلّف نفسه بمناقشة أو تمحيص ما وجد نفسه جزءاً منه؛ من فكر وعقيدة وسلوك وأعراف، ليتمسك بالصواب، ويرفض ما أخطأ السابقون بحمله؛ لتتم الغربلة والتنقيح عبر مسيرة الاجيال، وليتم التخلص من تراكمات الرواسب والأخطاء والممارسات غير السوية.
انا نجد تحذير الرسول (ص) دقيقاً من خلال قوله (ص): «لا تكونوا امَّعة تقولون إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا»(36).
إنّ من القضايا المتأصّلة في أعماق الانسان هي طبيعته الاجتماعية ـ كما أوضحنا ـ وانتماؤه الشعوري واللاشعوري الى الجماعة، كالانتماء الى عنوان الاُسرة والعشيرة، والى المدينة والاقليم والقومية والوطنية، والى الاُمّة والجماعة على أساس الدّين والمذهب، والى الجمعية والمنظمة والحزب والطبقة المهنية والاجتماعية والنادي، بل والفريق الرياضي وغيرها من أُطر الانتماء أو التجمع والانحياز، وربما التعصب اليها.
وحالات الانتماء الجماعي، والتكتل ضمن إطار تجمّع معين، كلّها تنطلق من غريزة حب الاجتماع، أو ما يسميها علماء النفس بغريزة (القطيع) وشعور الفرد بجزئيته من تلك الجماعة والحاجة اليها، فيرى في الجماعة تعبيراً عن (الأنا) الفرد، لذا يدمج (الأنا) في ضمن (الأنات) الاُخرى فيستعمل كلمة (نحن) و (هم) لتمييز (الأنا) الجماعية عن الآخرين.
وتقوم اللغة بدور المعّبر عن الحالة تلك. كما يشعر بالقوة والتخلص من الشعور بالضعف والوحدة من خلال الانتماء الى الجماعة.
ومن الطبيعي أن الجيل الجديد يشهد تحوّلات اجتماعية، وأوضاعاً فكرية وسياسية جديدة، فالحياة حركة وتحول متواصل، ويختلف حجم وعمق تلك التحولات حسب ظروف المجتمع وأوضاعه، فجيل الشباب الّذي عاصر الدعوة الاسلامية ومرحلة النبوة، مثلاً، كان قد واجه تحولاً فكرياً وحضارياً عظيماً في السعة والعمق والشمول.
فكان هو جيل الرسالة، وكان أنصار الاسلام هم من جيل الشباب والناشئين؛ في حين وقف الجيل القديم متعجرفاً عصيّاً على التفاعلات والتحولات الفكرية والاجتماعية الجديدة الّتي حملتها الرسالة الاسلامية.
وهكذا تشهد الاحصاءات أن جيل الشباب في عصرنا الحاضر هم حملة الاسلام، لاسيما في الجامعات والمعاهد والمدارس، ذكوراً واناثاً.
فالشباب في البلدان الاسلامية مثلاً يمثلون طليعة التغيير والطموح، ويشغل اهتمامهم أوضاع المستقبل، ويتركز لديهم النزوع للتغيير، والثورة على الواقع غير المُرضي، فهم في هذه المرحلة أكثر شعوراً بالتحديات، واحساساً بالقوة الّتي تدفعهم لرد التحدي الدكتاتوري والظلم الاجتماعي.
وللجمعيات والمنظمات والنوادي أثر بالغ في تربية الشباب، وتوجيه التفكير وتكوين نمط الشخصية في هذه المرحلة؛ لاسيّما تلك الّتي تملك برامج ونظريات وثقافة مخصوصة تتبناها لتثقيف عناصرها.
وجيل الشباب المسلم، كما هو مهيأ لتقبل الفكر الاسلامي، والانتماء اليه بقوة وحيوية واخلاص متناه، فإنه عرضة للانتماء الى التيارات الفكرية والسياسية المنحرفة، وقد استحوذ الفكر الماركسي والغربي الرأسمالي على مساحة واسعة من جيل الشباب.
وتشهد المرحلة الحاضرة تحولات هائلة في عالمنا الاسلامي، تحولات الصراع الفكري والسياسي والاجتماعي في وقت يشهد فيه العالم تحولاً تقنياً وعلمياً هائلاً.
فالحضارة الماركسية انهارت ودرست معالمها بعد أن استطاعت في مرحلة بريقها بعد الحرب العالمية الثانية أن تجتذب تياراً واسعاً من جيل الشباب استهلك في الصراع، كما استهلك الذي تلاه حتّى توارت الماركسية في متاحف التأريخ.
وكانت الحضارة الغربية قد غزت العالم الاسلامي بشكل تيار كاسح بعد الحرب العالمية الاُولى، فوجدت فراغاً فكرياً هائلاً لدى جيل الشباب، فإنبهر بها ذلك الجيل للفراغ، ولما صاحبها من تقدم علمي وتقني، واعداد عسكري هائل؛ ولما يعيش فيه المسلمون من قلق ثقافي واقتصادي وعلمي على كلّ المستويات.
وكانت المشكلة الكبرى في هذا الانتماء غير الواعي أنه كان منطلقاً من فهم خاطئ، منطلقاً من أن الاسلام هو سبب تأخّر المسلمين، وأن التقدم العلمي والتقني والتطور يتطلب استبدال الاسلام كمنهج ونظام حياة بالحضارة الغربية.
وهكذا نجحت موجة الغزو الفكري لجيل الشباب المسلم، وكسبت مساحات واسعة من أبناء المسلمين، فإنضموا الى تلك التيارات، وآمنوا بها، ظناً منهم أنها الطريق الى حل مشاكل التخلف العلمي والاقتصادي والاجتماعي، وتحقيق الحرية، والقضاء على الأنظمة الارهابية الّتي كانت تحكم العالم الاسلامي، بتوظيف من قادة الحضارة الاوربية الّتي أوهم دعاتها المسلمين بأنها طريق الخلاص.
وكانت المدارس والجامعات والأحزاب السياسية العلمانية والأجهزة الاعلامية من سينما وتلفزيون وصحافة وكتب القصص والمسرحيات والشعر والأدب، وغيرها من وسائل النشر، هي الوسائل والأدوات لاحتواء جيل الشباب، واجتذابه الى الحضارة الغربية المادية الّتي استخدمت الجنس والاثارة الجنسية، والتستّر بالدعوة الى الحرية، وحقوق المرأة تارة، والتقدم العلمي والتطور الثقافي تارة أُخرى، مستغلين الظروف السيّئة الّتي يعاني منها المسلمون، وفي طليعتهم جيل الشباب.
لم يع جيل الشباب ما انطوى عليه الموقف من خطط سرِّية، وأهداف عدوانية للقضاء على الاسلام، والابقاء على تخلف المسلمين، وغزوهم فكرياً وحضارياً، غير أن عوامل الوعي، ونشاط العاملين للاسلام، وانكشاف زيف الحضارة الغربية لأجيال المسلمين، أوجد حالة واسعة وعميقة من مراجعة الذات، والتأمل في الاندفاع نحو الفكر الغربي.
فقد اكتشف جيل الشباب أن سبب مأساة الانسانية، هو الحضارة المادية، والنظام الرأسمالي الامبريالي، وأن الانسان ضحية هذه الحضارة، فهي الّتي تمارس الارهاب وقتل الشعوب ونهب خيراتها، واسناد الدكتاتورية.
إنَّ كلّ ذلك أوجد تياراً واسعاً وعميقاً في جيل الشباب، عمّق وصحّح مفهوم الانتماء الى الاسلام، وخلق روح التحدي والمواجهة والثورة على الفكر الغربي.
وتمثل الوعي في تشخيص أسباب التخلف والانتماء الفكري والسياسي الكامل للاسلام.
وتشكّل الثقافة ركناً أساسياً من أركان شخصية الانسان، وهي احدى معالم هويته الشخصية، والعناصر المميزة له عن غيره. فنوع الثقافة وحجمها يطبع الشخصية بطابع معين. والثقافة هي غير العلوم المادية التجريبية والمهارات التي يكتسبها الفرد، وإن كانت تنمّي ثقافته، وبشكل تقريبي، نستطيع القول أن العلوم الانسانية والأفكار والنظريات والآراء التي تتعلق ببناء شخصيته، من حيث نظرة الانسان الى الوجود والحياة وخطر تفكيره وسلوكه، هي التي نطلق عليها الثقافة، كالثقافة السياسية والأدبية والتأريخية والعقيدية والفلسفية والاجتماعية وأمثالها. ويتأثر بناء المجتمع والدولة والحضارة بلون الثقافة والفكر السائد في المجتمع. فرؤية الفرد وفهمه للحرية ولحقوق الانسان، وللايمان بالله، ولمسؤوليته تجاه نفسه ومجتمعه ولفهمه للحياة السياسية وأمثالها، هي احدى المفردات الفكرية والثقافية التي ينبغي أن تكوّن حولها أفكار وآراء ثقافية وحضارية.
والمصادر الأساسية للثقافة الانسانية هي الرسالة الالهية، والفلاسفة والكتاب والمفكرون والاُدباء والفنانون والمؤسسات الثقافية والاعلامية.
وفي المجتمع الواحد تتصارع عدة أفكار ونظريات وثقافات، يصل التناقض بينها أحياناً الى حدّ الالغاء. وكثيراً ما تجري التحولات الفكرية والثقافية في المجتمع بشكل حادٍّ ومتسارع، في حياة جيل أو جيلين، وفي كل الأحوال يكون جيل الشباب، هو الجيل الذي يعيش في دائرة الصراع، ويواجه الأزمات الفكرية، ويشهد التحولات الثقافية والحضاري
فالحيوان والطير والأسماك تتجمّع على شكل جماعات ومجموعات في المراعي والسير والاستراحة والهجرة والبحث عن الطعام والشراب، وقد عبّر المثل العربي عن ذلك بقوله: (الطيور على أشكالها تقع)، فنجد قطيع الغزلان، وتجمعات العصافير والحمام والغربان والأسماك المتماثلة، كما يتجمع النّاس في المجالس والنوادي ومواقع الاجتماعات المتعددة.
ومن الواضح أن الطفل ينشأ في بيئة محددة الثقافة، والحضارة، والانتماء الفكري والثقافي، فتساهم تلك البيئة النفسية والثقافية في تكوين شخصيته،ونمط حياته، فمنها يكتسب، وبها يتأثر.
والقرآن الكريم يرفض طريقة التبعية غير الواعية، ويهاجمها بشدة، ويطالب بالوعي والتأمل، وتوظيف العقل في محاكمات القضايا وتمحيصها، واختيار الطريق الأسلم، وتحديد الانتماء الفكري والسياسي الانتخابي على وعي وبصيرة. قال تعالى: (قُل هذه سبيلي أدعُو الى الله على بصيرة انا ومن اتُبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين). (يوسف / 108)
ولقد استنكر القرآن طريقة الانتماء البيئي غير الواعي أو تقليد الآباء والأجداد من غير فهم ولا تمحيص ولا تمييز بين الخطأ والصواب في العديد من آياته، منها قوله تعالى: (واذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أَوَلو كان آباؤهُم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون). (المائدة / 104)
ويحدثنا القرآن الكريم عن معاناة الأنبياء والرسل من تبعية الانتماء البيئي والتحجّر الفكري، والوقوف على الموروث الثقافي المتردّي لدى شعوبهم وأُممهم؛ لذلك وجدناهُ يشخّص تلك الظاهرة المعيقة في طريقة التفكير والانتماء الفكري والسياسي، ويحذّر منها، كما في قوله تعالى:
(وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير الاّ قال مترفُوها انّا وجدنا آباءنا على أُمة وانّا على آثارهم مُقتدون ). (الزخرف / 23)
وحذّر الرسول (ص) من تبعية الامَّعة الذي لا يحّدد موقفه وانتماءه عن فهم ووعي وقناعة علمية سليمة؛ بل يعيش مقلداً تابعاً للآخرين، أو لظروف البيئة الّتي ولد فيها، فلا يكلّف نفسه بمناقشة أو تمحيص ما وجد نفسه جزءاً منه؛ من فكر وعقيدة وسلوك وأعراف، ليتمسك بالصواب، ويرفض ما أخطأ السابقون بحمله؛ لتتم الغربلة والتنقيح عبر مسيرة الاجيال، وليتم التخلص من تراكمات الرواسب والأخطاء والممارسات غير السوية.
انا نجد تحذير الرسول (ص) دقيقاً من خلال قوله (ص): «لا تكونوا امَّعة تقولون إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا»(36).
إنّ من القضايا المتأصّلة في أعماق الانسان هي طبيعته الاجتماعية ـ كما أوضحنا ـ وانتماؤه الشعوري واللاشعوري الى الجماعة، كالانتماء الى عنوان الاُسرة والعشيرة، والى المدينة والاقليم والقومية والوطنية، والى الاُمّة والجماعة على أساس الدّين والمذهب، والى الجمعية والمنظمة والحزب والطبقة المهنية والاجتماعية والنادي، بل والفريق الرياضي وغيرها من أُطر الانتماء أو التجمع والانحياز، وربما التعصب اليها.
وحالات الانتماء الجماعي، والتكتل ضمن إطار تجمّع معين، كلّها تنطلق من غريزة حب الاجتماع، أو ما يسميها علماء النفس بغريزة (القطيع) وشعور الفرد بجزئيته من تلك الجماعة والحاجة اليها، فيرى في الجماعة تعبيراً عن (الأنا) الفرد، لذا يدمج (الأنا) في ضمن (الأنات) الاُخرى فيستعمل كلمة (نحن) و (هم) لتمييز (الأنا) الجماعية عن الآخرين.
وتقوم اللغة بدور المعّبر عن الحالة تلك. كما يشعر بالقوة والتخلص من الشعور بالضعف والوحدة من خلال الانتماء الى الجماعة.
ومن الطبيعي أن الجيل الجديد يشهد تحوّلات اجتماعية، وأوضاعاً فكرية وسياسية جديدة، فالحياة حركة وتحول متواصل، ويختلف حجم وعمق تلك التحولات حسب ظروف المجتمع وأوضاعه، فجيل الشباب الّذي عاصر الدعوة الاسلامية ومرحلة النبوة، مثلاً، كان قد واجه تحولاً فكرياً وحضارياً عظيماً في السعة والعمق والشمول.
فكان هو جيل الرسالة، وكان أنصار الاسلام هم من جيل الشباب والناشئين؛ في حين وقف الجيل القديم متعجرفاً عصيّاً على التفاعلات والتحولات الفكرية والاجتماعية الجديدة الّتي حملتها الرسالة الاسلامية.
وهكذا تشهد الاحصاءات أن جيل الشباب في عصرنا الحاضر هم حملة الاسلام، لاسيما في الجامعات والمعاهد والمدارس، ذكوراً واناثاً.
فالشباب في البلدان الاسلامية مثلاً يمثلون طليعة التغيير والطموح، ويشغل اهتمامهم أوضاع المستقبل، ويتركز لديهم النزوع للتغيير، والثورة على الواقع غير المُرضي، فهم في هذه المرحلة أكثر شعوراً بالتحديات، واحساساً بالقوة الّتي تدفعهم لرد التحدي الدكتاتوري والظلم الاجتماعي.
وللجمعيات والمنظمات والنوادي أثر بالغ في تربية الشباب، وتوجيه التفكير وتكوين نمط الشخصية في هذه المرحلة؛ لاسيّما تلك الّتي تملك برامج ونظريات وثقافة مخصوصة تتبناها لتثقيف عناصرها.
وجيل الشباب المسلم، كما هو مهيأ لتقبل الفكر الاسلامي، والانتماء اليه بقوة وحيوية واخلاص متناه، فإنه عرضة للانتماء الى التيارات الفكرية والسياسية المنحرفة، وقد استحوذ الفكر الماركسي والغربي الرأسمالي على مساحة واسعة من جيل الشباب.
وتشهد المرحلة الحاضرة تحولات هائلة في عالمنا الاسلامي، تحولات الصراع الفكري والسياسي والاجتماعي في وقت يشهد فيه العالم تحولاً تقنياً وعلمياً هائلاً.
فالحضارة الماركسية انهارت ودرست معالمها بعد أن استطاعت في مرحلة بريقها بعد الحرب العالمية الثانية أن تجتذب تياراً واسعاً من جيل الشباب استهلك في الصراع، كما استهلك الذي تلاه حتّى توارت الماركسية في متاحف التأريخ.
وكانت الحضارة الغربية قد غزت العالم الاسلامي بشكل تيار كاسح بعد الحرب العالمية الاُولى، فوجدت فراغاً فكرياً هائلاً لدى جيل الشباب، فإنبهر بها ذلك الجيل للفراغ، ولما صاحبها من تقدم علمي وتقني، واعداد عسكري هائل؛ ولما يعيش فيه المسلمون من قلق ثقافي واقتصادي وعلمي على كلّ المستويات.
وكانت المشكلة الكبرى في هذا الانتماء غير الواعي أنه كان منطلقاً من فهم خاطئ، منطلقاً من أن الاسلام هو سبب تأخّر المسلمين، وأن التقدم العلمي والتقني والتطور يتطلب استبدال الاسلام كمنهج ونظام حياة بالحضارة الغربية.
وهكذا نجحت موجة الغزو الفكري لجيل الشباب المسلم، وكسبت مساحات واسعة من أبناء المسلمين، فإنضموا الى تلك التيارات، وآمنوا بها، ظناً منهم أنها الطريق الى حل مشاكل التخلف العلمي والاقتصادي والاجتماعي، وتحقيق الحرية، والقضاء على الأنظمة الارهابية الّتي كانت تحكم العالم الاسلامي، بتوظيف من قادة الحضارة الاوربية الّتي أوهم دعاتها المسلمين بأنها طريق الخلاص.
وكانت المدارس والجامعات والأحزاب السياسية العلمانية والأجهزة الاعلامية من سينما وتلفزيون وصحافة وكتب القصص والمسرحيات والشعر والأدب، وغيرها من وسائل النشر، هي الوسائل والأدوات لاحتواء جيل الشباب، واجتذابه الى الحضارة الغربية المادية الّتي استخدمت الجنس والاثارة الجنسية، والتستّر بالدعوة الى الحرية، وحقوق المرأة تارة، والتقدم العلمي والتطور الثقافي تارة أُخرى، مستغلين الظروف السيّئة الّتي يعاني منها المسلمون، وفي طليعتهم جيل الشباب.
لم يع جيل الشباب ما انطوى عليه الموقف من خطط سرِّية، وأهداف عدوانية للقضاء على الاسلام، والابقاء على تخلف المسلمين، وغزوهم فكرياً وحضارياً، غير أن عوامل الوعي، ونشاط العاملين للاسلام، وانكشاف زيف الحضارة الغربية لأجيال المسلمين، أوجد حالة واسعة وعميقة من مراجعة الذات، والتأمل في الاندفاع نحو الفكر الغربي.
فقد اكتشف جيل الشباب أن سبب مأساة الانسانية، هو الحضارة المادية، والنظام الرأسمالي الامبريالي، وأن الانسان ضحية هذه الحضارة، فهي الّتي تمارس الارهاب وقتل الشعوب ونهب خيراتها، واسناد الدكتاتورية.
إنَّ كلّ ذلك أوجد تياراً واسعاً وعميقاً في جيل الشباب، عمّق وصحّح مفهوم الانتماء الى الاسلام، وخلق روح التحدي والمواجهة والثورة على الفكر الغربي.
وتمثل الوعي في تشخيص أسباب التخلف والانتماء الفكري والسياسي الكامل للاسلام.
وتشكّل الثقافة ركناً أساسياً من أركان شخصية الانسان، وهي احدى معالم هويته الشخصية، والعناصر المميزة له عن غيره. فنوع الثقافة وحجمها يطبع الشخصية بطابع معين. والثقافة هي غير العلوم المادية التجريبية والمهارات التي يكتسبها الفرد، وإن كانت تنمّي ثقافته، وبشكل تقريبي، نستطيع القول أن العلوم الانسانية والأفكار والنظريات والآراء التي تتعلق ببناء شخصيته، من حيث نظرة الانسان الى الوجود والحياة وخطر تفكيره وسلوكه، هي التي نطلق عليها الثقافة، كالثقافة السياسية والأدبية والتأريخية والعقيدية والفلسفية والاجتماعية وأمثالها. ويتأثر بناء المجتمع والدولة والحضارة بلون الثقافة والفكر السائد في المجتمع. فرؤية الفرد وفهمه للحرية ولحقوق الانسان، وللايمان بالله، ولمسؤوليته تجاه نفسه ومجتمعه ولفهمه للحياة السياسية وأمثالها، هي احدى المفردات الفكرية والثقافية التي ينبغي أن تكوّن حولها أفكار وآراء ثقافية وحضارية.
والمصادر الأساسية للثقافة الانسانية هي الرسالة الالهية، والفلاسفة والكتاب والمفكرون والاُدباء والفنانون والمؤسسات الثقافية والاعلامية.
وفي المجتمع الواحد تتصارع عدة أفكار ونظريات وثقافات، يصل التناقض بينها أحياناً الى حدّ الالغاء. وكثيراً ما تجري التحولات الفكرية والثقافية في المجتمع بشكل حادٍّ ومتسارع، في حياة جيل أو جيلين، وفي كل الأحوال يكون جيل الشباب، هو الجيل الذي يعيش في دائرة الصراع، ويواجه الأزمات الفكرية، ويشهد التحولات الثقافية والحضاري
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى