تقدير كلفة التدهور البيئي في العالم العربي

في السنوات الأخيرة إتفق الخبراء البيئيون والاقتصاديون من أصحاب الوعي البيئي بأن تحقيق إنجاز وإلتزام في مجال الإدارة البيئية ومعالجة آثار التلوث لن يكون مجديا إقتصاديا يحدث إلا في حال كانت هناك دلائل مقنعة على أن كلفة المعالجة والحماية البيئية المسبقة هي اقل من الكلفة في حال تم تجاهل الآثار البيئية وتراكم التلوث. ولكن القناعة الأهم هي أن ممارسات الإدارة البيئية يمكن ايضا أن تحقق عائدا ماليا في حال تم الإستثمار فيها بحكمة.

من الممكن الوصول إلى حالة يكون فيها الإستثمار في مجال الإدارة البيئية عملا مربحا وفرصة للريادة والتطوير وليس عائقا أمام الإستثمار ولكن الوصول إلى هذه القناعة يتطلب تغيرا جذريا في أنماط التفكير التقليدية في التخطيط الاقتصادي والبيئي. وفي هذا السياق فإن أحد القواعد الاساسية في التحول نحو التخطيط الاقتصادي المستدام هو تحديد المبادرات المطلوبة في مجال إدارة وحماية البيئة وتحويلها إلى فرص للإستثمار.



لقد تطورت أدوات الإستثمار والإبتكار البيئي في السنوات الماضية في محاولة لنقل قضية البيئة إلى قلب السياسات الاقتصادية. من أهم معالم هذا التطور دمج الإعتبارات والكلف البيئية في التخطيط والتدقيق الاقتصادي المعتمد على النفقات والمخصصات والمؤشرات الاقتصادية. إستخدام هذه الأدوات في الكثير من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء ساهم في جعل البعد البيئي اساسيا في المؤشرات الاقتصادية لتقدير الخسائر والمكاسب البيئية وخاصة في مجال إستنزاف الموارد والتلوث.

أحد أهم الادوات الجديدة المستخدمة في التخطيط البيئي الاتقصادي هي تقدير كلفة التدهور البيئي من خلال حسابها في الناتج المحلي الإجمالي GDP وكانت المحاولة الأولى لدراسة واستخدام أداة تقدير كلفة التدهور البيئي في العالم العربي ما قام به البنك الدولي في الأعوام 2004-2006 من عدة دراسات وطنية لحساب تكلفة التدهور البيئي من الناتج المحلي الإجمالي.

يمكن تقدير الكلفة البيئية من خلال حساب التراجع في نوعية حياة الناس وتردي نوعية البيئة مثل التعرض للأمراض الناتجة عن تلوث البيئة وكلفة علاج هذه الأمراض جسديا وسنوات العمل والحياة التي تتم خسارتها بسبب الأمراض إضافة إلى خسارة قيمة الخدمات البيئية والموارد (التربة، المياه، الهواء، التنوع الحيوي) وخاصة غير المتجددة منها وكذلك خسارة الفرص والميزات البيئية مثل المعايير الجمالية للمناطق السياحية.

في منهجية البنك الدولي المذكورة سابقا، يتم حساب كلفة التدهور البيئي من خلال نسبة التدهور من الناتج المحلي الإجمالي وذلك من أجل تقديم مؤشر واضح ومتعارف عليه اقتصاديا كما أن تكرار حساب هذه القيمة بشكل منهجي سنوي يمكن أن يساهم في توضيح "توجهات" Trends زمنية لقيمة الكلفة البيئية للسياسات والقرارات الاقتصادية. في حال كانت نسبة التدهور البيئي أكبر من النمو الاقتصادي فإن المؤشرات تكون قاطعة الدلالة على أن فقدان الموارد وتاثيرات التلوث باتت أكبر من النمو الاقتصادي في بلد ما.

أن عملية تقدير الكلفة الاقتصادية للتدهور البيئي تتم عبر عدة مراحل يمكن تلخيصها كما يلي:



1- التقدير الكمي والرقمي للتدهور البيئي (تلوث الهواء، تلوث المياه، تراجع إنتاجية التربة، ...الخ)

2- التقدير الكمي والرقمي لنتائج التدهور البيئي (التأثير السلبي على الصحة بسبب تلوث الهواء والمياه، تغيرات الإنتاج الزراعي بسبب تلوث وتملح التربة، إستنزاف الموارد الطبيعية)

3- تقدير مالي لنتيجة التدهور البيئي (قيمة العلاج والسنوات الضائعة من العمل بسبب الإصابات المزمنة، الخ...).



وقد تم تقسيم قطاعات البيئة إلى ست قطاعات حسب منهجية البنك الدولي وهي: المياه، الهواء، التربة، المخلفات والبيئة الساحلية وكذلك التأثير على البيئة العالمية وهو محدود تقريبا في العالم العربي. وقام البنك الدولي بإجراء سبع دراسات تقييمية في الدول العربية ما بين 2004-2006 ويوضح الجدول 1 النتائج التراكمية المقارنة لهذه الدراسات، وسيتم شرحها بالتفصيل في الفقرات التالية



جدول 1: مقارنة بين كلفة التدهور البيئي في سبع دول عربية (البنك الدولي 2004-2006):