هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين ؟
الخميس 17 يوليو 2008, 16:26
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين ؟؟ سؤال مهم، كثيرا ما يطرح ، والأدهى أن هناك من لا يخطر بباله ..
لمعرفة الجواب على هذا السؤال المهم والخطير أدلكم على كتاب " هل المسلم ملزم بإتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة " للشيخ محمد سلطان المعصومي.
كما أدعوكم لقراءة المقدمة التي جعلها الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - في كتابه " صفة صلاة النبي "، تجدونها هنا:
http://www.alalbany.name/books/eboo...xe_ebook_01.zip
أقول: مذهب الإمام هو اجتهاداته في مجموعة من المسائل، ويضطر للاجتهاد لأسباب كثيرة، منها عدم علمه بنص شرعي في الأمر، أو عدم ثبوت النص عنده، أو ظنه نسخ النص، أو فهمه للنص بطريقة خالف فيها غيره، وهو قد يصيب في اجتهاده وقد يخطئ، وحصل هذا لكل الأئمة. وهم على كل حال مأجورون إن شاء الله، فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد.
هذا وموضوع أسباب اختلاف العلماء مهم جدا، لا بد لكل مسلم أن يعرف القول الفصل فيه، لأنه مدخل لأعداء الإسلام لدس شبهاتهم في القلوب، ومن أجل ذلك هذا كتاب الشيخ الإمام محمد صالح العثيمين - رحمه الله - " أسباب اختلاف العلماء " : هنا
وهناك أيضا كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " : من هنا
وهناك شرح لهذا الكتاب العظيم، للشيخ أبي طلحة المغربي، وهو من علماء المغرب الكبار: من هنا
نرجع لموضوعنا فنقول:
يتبين من هذا أنه لا يعقل أن نتعبد الله بخطإ الغير، ولا يعقل أيضا أن نقلد إماما واحدا في كل شيء، حتى في أخطائه، كما أنه لا يعقل أن ننتقي من كل مذهب ما وافق هوانا فنصنع بذلك مذهبا مكونا من أخطاء المذاهب .
لا بد - لمن يستطيع - أن يتثبت حتى يعرف خطأ العالم من صوابه .. ولمن لا يستطيع فليجتهد في اختيار إمام ثقة عالم يقلده،ما لم يتبين له خطؤه، فإذا وجد له حطأ فعليه أن يترك المذهب ويتبع الصواب، زالعامي مأمور بالاجتهاد في أمر واحد، هو اختيار إمامه، فلا يختار فلانا لأنه متساهل ويحب فتاواه ويجدها تلائم هواه، ولكن يسأل ويتثبت ويبحث عن أعلم وأتقى واحد يستطيع بلوغه.
علينا أن نتبع العلماء، وليس أن نقلدهم !!! هل هناك فرق ؟؟ هل بين التقليد والاتباع فرق ؟؟ نعم !!! التقليد هو أن تتبع أحدا بدون دليل .. طاعة عمياء بدون تثبت .. الاتباع أن تقلد أحدا بعد أن عرفت دليله وتبين لك صوابه ... فشتان ما بين الأمرين.
هذا ولا يعرف من الأئمة - رحمهم الله - أحد يحمل الناس على مذهبه، ولكن يقول : أرى .. يظهر لي .. ما أدين الله به .. الخ .. ومن وجد قولي يخالف أمر الله أو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فليضرب بقولي عرض الحائط .. من أجل هذا، من يقول: أنا حنفي أو شافعي، ويبلغه الحديث فيتركه من أجل المذهب، فقد خالف المذهب وخالف الإمام وخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالف أمر الله عز وجل ... سوء في سوء في سوء، وضلال في ضلال في ضلال.
هذه مقتطفات من مقدمة الشيخ الألباني لكتابه " صفة الصلاة " :
قال ربنا عز وجل : " اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون " .
هذه باقة من أقوال أئمة المذاهب الأربعة:
1 - أبو حنيفة رحمه الله:
روي عنه أصحابه أقوالا شتى وعبارات متنوعة كلها تؤدي إلى شيء واحد، وهو وجوب الأخذ بالحديث وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة لها :
1 - ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ) . ( ابن عابدين في " الحاشية " 1/63 ).
2- ( لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه ) . ( ابن عابدين في " حاشيته على البحر الرائق " 6/293 ). وفي رواية : ( حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي ) . زاد في رواية : ( فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا ) . وفي أخرى : ( ويحك يا يعقوب ( هو أبو يوسف ) لا تكتب كل ما تسمع مني فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدا وأرى الرأي غدا وأتركه بعد غد ) .
3- ( إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي ) . ( الفلاني في الإيقاظ ص 50 ).
2 - مالك بن أنس رحمه الله وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال :
1 - ( إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه ) . ( ابن عبد البر في الجامع 2/32 )
2 - ( ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم ) . ( ابن عبد البر في الجامع 2/91 ).
3 - قال ابن وهب : سمعت مالكا سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء ؟ فقال: ليس ذلك على الناس. قال: فتركته حتى خف الناس فقلت له : عندنا في ذلك سنة فقال : وما هي ؟ قلت : حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحنبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه . فقال : إن هذا الحديث حسن وما سمعت به قط إلا الساعة ثم سمعته بعد ذلك يسأل فيأمر بتخليل الأصابع . ( مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ص 31 - 32 ) .
3 - الشافعي رحمه الله:
وأما الإمام الشافعي رحمه الله فالنقول عنه في ذلك أكثر وأطيب، وأتباعه أكثر عملا بها وأسعد، فمنها :
1- ( ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لخلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي ) . ( تاريخ دمشق لابن عساكر 15/1 /3 ).
2- أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد. ( الفلاني ص 68 ).
3- ( إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت ) . ( وفي رواية ( فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى قول أحد ) . ( النووي في المجموع 1/63 ).
4- ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ) . ( النووي 1/63 ).
5- ( أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني به أي شيء يكون : كوفيا أو بصريا أو شاميا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا ) . ( الخطيب في الاحتجاج بالشافعي 8/1 ).
6- ( كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي ) . ( أبو نعيم في الحلية 9/107 ).
7 - ( إذا رأيتموني أقول قولا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب ) . ( ابن عساكر بسند صحيح 15/10/1 ).
8 - كل ما قلت فكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح فحديث النبي أولى فلا تقلدوني. ( ابن عساكر بسند صحيح 15/9/2 ).
9 ( كل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو قولي وإن لم تسمعوه مني ) . ( ابن أبي حاتم 93 - 94 ).
4 - أحمد بن حنبل رحمه الله:
وأما الإمام أحمد فهو أكثر الأئمة جمعا للسنة وتمسكا بها حتى ( كان يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي ) ولذلك قال :
1- لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا. ( ابن القيم في إعلام الموقعين 2/302 ). وفي رواية : ( لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخذ به ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير ).
وقال مرة: الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ثم هو من بعد التابعين مخير. ( أبو داود في مسائل الإمام أحمد ص 276 - 277 ).
2- ( رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي وهو عندي سواء وإنما الحجة في الآثار ) . ( ابن عبد البر في الجامع 2/149 ).
3 - من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة. ( ابن الجوزي في المناقب ( ص 182 ).
تلك هي أقوال الأئمة رضي الله تعالى عنهم في الأمر بالتمسك بالحديث والنهي عن تقليدهم دون بصيرة وهي من الوضوح والبيان بحيث لا تقبل جدلا ولا تأويلا وعليه فإن من تمسك بكل ما ثبت في السنة ولو خالف بعض أقوال الأئمة لا يكون مباينا لمذهبهم ولا خارجا عن طريقتهم بل هو متبع لهم جميعا ومتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها وليس كذلك من ترك السنة الثابتة لمجرد مخالتفها لقولهم بل هو بذلك عاص لهم ومخالف لأقوالهم المتقدمة والله تعالى يقول: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. وقال: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى :
( فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم ويأمرهم باتباع أمره وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأى أي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل مخالف سنة صحيحة وربما أغلظوا في الرد لا بغضا له بل هو محبوب عندهم معظم في نفوسهم لكن رسول الله أحب إليهم وأمره فوق أمر كل مخلوق فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره فأمر الرسول أولى أن يقدم ويتبع
ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن كان مغفورا له بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بخلافه .
قلت: [ يعني: الشيخ الألباني – رحمه الله - ] كيف يكرهون ذلك وقد أمروا به أتباعهم كما مر وأوجبوا عليهم أن يتركوا أقوالهم المخالفة للسنة ؟ بل إن الشافعي رحمه الله أمر أصحابه أن ينسبوا السنة الصحيحة إليه ولو لم يأخذ بها أو أخذ بخلافها، ولذلك لما جمع المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث فيها انفرادا واجتماعا في مجلد ضخم قال في أوله : ( إن نسبة هذه المسائل إلى الأئمة المجتهدين حرام وإنه يجب على الفقهاء المقلدين لهم معرفتها لئلا يعزوها إليهم فيكذبوا عليهم ) .
ترك الأتباع بعض أقوال أئمتهم اتباعا للسنة:
ولذلك كله كان أتباع الأئمة ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين، لا يأخذون بأقوال أئمتهم كلها، بل قد تركوا كثيرا منها لما ظهر لهم مخالفتها للسنة، حتى أن الإمامين محمد بن الحسن وأبا يوسف رحمهما الله قد خالفا شيخهما أبا حنيفة ( في نحو ثلث المذهب )، وكتب الفروع كفيلة ببيان ذلك، ونحو هذا يقال في الإمام المزني وغيره من أتباع الشافعي وغيره، ولو ذهبنا نضرب على ذلك الأمثلة لطال بنا الكلام ولخرجنا به عما قصدنا إليه في هذا البحث من الإيجاز، فلنقتصر على مثالين اثنين :
1 - قال الإمام محمد في " موطئه " ( ص 158 ): قال محمد: أما أبو حنيفة رحمه الله فكان لا يرى في الاستسقاء صلاة وأما في قولنا فإن الإمام يصلي بالناس ركعتين ثم يدعو ويحول رداءه ) إلخ .
2 - وهذا عصام بن يوسف البلخي من أصحاب الإمام محمد ومن الملازمين للإمام أبي يوسف ( كان يفتي بخلاف قول الإمام أبي حنيفة كثيرا لأنه لم يعلم الدليل، وكان يظهر له دليل غيره فيفتي به "، ولذلك ( كان يرفع يديه عند الركوع والرفع منه ) كما هو في السنة المتواترة عنه صلى الله عليه وسلم، فلم يمنعه من العمل بها أن أئمته الثلاثة قالوا بخلافها وذلك ما يجب أن يكون عليه كل مسلم بشهادة الأئمة الأربعة وغيرهم كما تقدم .
وخلاصة القول إنني أرجو أن لا يبادر أحد من المقلدين إلى الطعن في مشرب هذا الكتاب وترك الاستفادة مما فيه من السنن النبوية بدعوى مخالفتها للمذهب، بل أرجو أن يتذكر ما أسلفناه من أقوال الأئمة في وجوب العمل بالسنة وترك أقوالهم المخالفة لها، وليعلم أن الطعن في هذا المشرب إنما هو طعن في الإمام الذي يقلده أيا كان من الأئمة، فإنما أخذنا هذا المنهج منهم كما سبق بيانه، فمن أعرض عن الاهتداء بهم في هذا السبيل فهو على خطر عظيم، لأنه يستلزم الإعراض عن السنة، وقد أمرنا عند الاختلاف بالرجوع إليها والاعتماد عليها، كما قال تعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [ النساء : 65 ] .
هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين ؟؟ سؤال مهم، كثيرا ما يطرح ، والأدهى أن هناك من لا يخطر بباله ..
لمعرفة الجواب على هذا السؤال المهم والخطير أدلكم على كتاب " هل المسلم ملزم بإتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة " للشيخ محمد سلطان المعصومي.
كما أدعوكم لقراءة المقدمة التي جعلها الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - في كتابه " صفة صلاة النبي "، تجدونها هنا:
http://www.alalbany.name/books/eboo...xe_ebook_01.zip
أقول: مذهب الإمام هو اجتهاداته في مجموعة من المسائل، ويضطر للاجتهاد لأسباب كثيرة، منها عدم علمه بنص شرعي في الأمر، أو عدم ثبوت النص عنده، أو ظنه نسخ النص، أو فهمه للنص بطريقة خالف فيها غيره، وهو قد يصيب في اجتهاده وقد يخطئ، وحصل هذا لكل الأئمة. وهم على كل حال مأجورون إن شاء الله، فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد.
هذا وموضوع أسباب اختلاف العلماء مهم جدا، لا بد لكل مسلم أن يعرف القول الفصل فيه، لأنه مدخل لأعداء الإسلام لدس شبهاتهم في القلوب، ومن أجل ذلك هذا كتاب الشيخ الإمام محمد صالح العثيمين - رحمه الله - " أسباب اختلاف العلماء " : هنا
وهناك أيضا كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " : من هنا
وهناك شرح لهذا الكتاب العظيم، للشيخ أبي طلحة المغربي، وهو من علماء المغرب الكبار: من هنا
نرجع لموضوعنا فنقول:
يتبين من هذا أنه لا يعقل أن نتعبد الله بخطإ الغير، ولا يعقل أيضا أن نقلد إماما واحدا في كل شيء، حتى في أخطائه، كما أنه لا يعقل أن ننتقي من كل مذهب ما وافق هوانا فنصنع بذلك مذهبا مكونا من أخطاء المذاهب .
لا بد - لمن يستطيع - أن يتثبت حتى يعرف خطأ العالم من صوابه .. ولمن لا يستطيع فليجتهد في اختيار إمام ثقة عالم يقلده،ما لم يتبين له خطؤه، فإذا وجد له حطأ فعليه أن يترك المذهب ويتبع الصواب، زالعامي مأمور بالاجتهاد في أمر واحد، هو اختيار إمامه، فلا يختار فلانا لأنه متساهل ويحب فتاواه ويجدها تلائم هواه، ولكن يسأل ويتثبت ويبحث عن أعلم وأتقى واحد يستطيع بلوغه.
علينا أن نتبع العلماء، وليس أن نقلدهم !!! هل هناك فرق ؟؟ هل بين التقليد والاتباع فرق ؟؟ نعم !!! التقليد هو أن تتبع أحدا بدون دليل .. طاعة عمياء بدون تثبت .. الاتباع أن تقلد أحدا بعد أن عرفت دليله وتبين لك صوابه ... فشتان ما بين الأمرين.
هذا ولا يعرف من الأئمة - رحمهم الله - أحد يحمل الناس على مذهبه، ولكن يقول : أرى .. يظهر لي .. ما أدين الله به .. الخ .. ومن وجد قولي يخالف أمر الله أو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فليضرب بقولي عرض الحائط .. من أجل هذا، من يقول: أنا حنفي أو شافعي، ويبلغه الحديث فيتركه من أجل المذهب، فقد خالف المذهب وخالف الإمام وخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالف أمر الله عز وجل ... سوء في سوء في سوء، وضلال في ضلال في ضلال.
هذه مقتطفات من مقدمة الشيخ الألباني لكتابه " صفة الصلاة " :
قال ربنا عز وجل : " اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون " .
هذه باقة من أقوال أئمة المذاهب الأربعة:
1 - أبو حنيفة رحمه الله:
روي عنه أصحابه أقوالا شتى وعبارات متنوعة كلها تؤدي إلى شيء واحد، وهو وجوب الأخذ بالحديث وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة لها :
1 - ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ) . ( ابن عابدين في " الحاشية " 1/63 ).
2- ( لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه ) . ( ابن عابدين في " حاشيته على البحر الرائق " 6/293 ). وفي رواية : ( حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي ) . زاد في رواية : ( فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا ) . وفي أخرى : ( ويحك يا يعقوب ( هو أبو يوسف ) لا تكتب كل ما تسمع مني فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدا وأرى الرأي غدا وأتركه بعد غد ) .
3- ( إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي ) . ( الفلاني في الإيقاظ ص 50 ).
2 - مالك بن أنس رحمه الله وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال :
1 - ( إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه ) . ( ابن عبد البر في الجامع 2/32 )
2 - ( ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم ) . ( ابن عبد البر في الجامع 2/91 ).
3 - قال ابن وهب : سمعت مالكا سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء ؟ فقال: ليس ذلك على الناس. قال: فتركته حتى خف الناس فقلت له : عندنا في ذلك سنة فقال : وما هي ؟ قلت : حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحنبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه . فقال : إن هذا الحديث حسن وما سمعت به قط إلا الساعة ثم سمعته بعد ذلك يسأل فيأمر بتخليل الأصابع . ( مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ص 31 - 32 ) .
3 - الشافعي رحمه الله:
وأما الإمام الشافعي رحمه الله فالنقول عنه في ذلك أكثر وأطيب، وأتباعه أكثر عملا بها وأسعد، فمنها :
1- ( ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لخلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي ) . ( تاريخ دمشق لابن عساكر 15/1 /3 ).
2- أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد. ( الفلاني ص 68 ).
3- ( إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت ) . ( وفي رواية ( فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى قول أحد ) . ( النووي في المجموع 1/63 ).
4- ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ) . ( النووي 1/63 ).
5- ( أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني به أي شيء يكون : كوفيا أو بصريا أو شاميا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا ) . ( الخطيب في الاحتجاج بالشافعي 8/1 ).
6- ( كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي ) . ( أبو نعيم في الحلية 9/107 ).
7 - ( إذا رأيتموني أقول قولا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب ) . ( ابن عساكر بسند صحيح 15/10/1 ).
8 - كل ما قلت فكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح فحديث النبي أولى فلا تقلدوني. ( ابن عساكر بسند صحيح 15/9/2 ).
9 ( كل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو قولي وإن لم تسمعوه مني ) . ( ابن أبي حاتم 93 - 94 ).
4 - أحمد بن حنبل رحمه الله:
وأما الإمام أحمد فهو أكثر الأئمة جمعا للسنة وتمسكا بها حتى ( كان يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي ) ولذلك قال :
1- لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا. ( ابن القيم في إعلام الموقعين 2/302 ). وفي رواية : ( لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخذ به ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير ).
وقال مرة: الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ثم هو من بعد التابعين مخير. ( أبو داود في مسائل الإمام أحمد ص 276 - 277 ).
2- ( رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي وهو عندي سواء وإنما الحجة في الآثار ) . ( ابن عبد البر في الجامع 2/149 ).
3 - من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة. ( ابن الجوزي في المناقب ( ص 182 ).
تلك هي أقوال الأئمة رضي الله تعالى عنهم في الأمر بالتمسك بالحديث والنهي عن تقليدهم دون بصيرة وهي من الوضوح والبيان بحيث لا تقبل جدلا ولا تأويلا وعليه فإن من تمسك بكل ما ثبت في السنة ولو خالف بعض أقوال الأئمة لا يكون مباينا لمذهبهم ولا خارجا عن طريقتهم بل هو متبع لهم جميعا ومتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها وليس كذلك من ترك السنة الثابتة لمجرد مخالتفها لقولهم بل هو بذلك عاص لهم ومخالف لأقوالهم المتقدمة والله تعالى يقول: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. وقال: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى :
( فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم ويأمرهم باتباع أمره وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأى أي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل مخالف سنة صحيحة وربما أغلظوا في الرد لا بغضا له بل هو محبوب عندهم معظم في نفوسهم لكن رسول الله أحب إليهم وأمره فوق أمر كل مخلوق فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره فأمر الرسول أولى أن يقدم ويتبع
ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن كان مغفورا له بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بخلافه .
قلت: [ يعني: الشيخ الألباني – رحمه الله - ] كيف يكرهون ذلك وقد أمروا به أتباعهم كما مر وأوجبوا عليهم أن يتركوا أقوالهم المخالفة للسنة ؟ بل إن الشافعي رحمه الله أمر أصحابه أن ينسبوا السنة الصحيحة إليه ولو لم يأخذ بها أو أخذ بخلافها، ولذلك لما جمع المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث فيها انفرادا واجتماعا في مجلد ضخم قال في أوله : ( إن نسبة هذه المسائل إلى الأئمة المجتهدين حرام وإنه يجب على الفقهاء المقلدين لهم معرفتها لئلا يعزوها إليهم فيكذبوا عليهم ) .
ترك الأتباع بعض أقوال أئمتهم اتباعا للسنة:
ولذلك كله كان أتباع الأئمة ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين، لا يأخذون بأقوال أئمتهم كلها، بل قد تركوا كثيرا منها لما ظهر لهم مخالفتها للسنة، حتى أن الإمامين محمد بن الحسن وأبا يوسف رحمهما الله قد خالفا شيخهما أبا حنيفة ( في نحو ثلث المذهب )، وكتب الفروع كفيلة ببيان ذلك، ونحو هذا يقال في الإمام المزني وغيره من أتباع الشافعي وغيره، ولو ذهبنا نضرب على ذلك الأمثلة لطال بنا الكلام ولخرجنا به عما قصدنا إليه في هذا البحث من الإيجاز، فلنقتصر على مثالين اثنين :
1 - قال الإمام محمد في " موطئه " ( ص 158 ): قال محمد: أما أبو حنيفة رحمه الله فكان لا يرى في الاستسقاء صلاة وأما في قولنا فإن الإمام يصلي بالناس ركعتين ثم يدعو ويحول رداءه ) إلخ .
2 - وهذا عصام بن يوسف البلخي من أصحاب الإمام محمد ومن الملازمين للإمام أبي يوسف ( كان يفتي بخلاف قول الإمام أبي حنيفة كثيرا لأنه لم يعلم الدليل، وكان يظهر له دليل غيره فيفتي به "، ولذلك ( كان يرفع يديه عند الركوع والرفع منه ) كما هو في السنة المتواترة عنه صلى الله عليه وسلم، فلم يمنعه من العمل بها أن أئمته الثلاثة قالوا بخلافها وذلك ما يجب أن يكون عليه كل مسلم بشهادة الأئمة الأربعة وغيرهم كما تقدم .
وخلاصة القول إنني أرجو أن لا يبادر أحد من المقلدين إلى الطعن في مشرب هذا الكتاب وترك الاستفادة مما فيه من السنن النبوية بدعوى مخالفتها للمذهب، بل أرجو أن يتذكر ما أسلفناه من أقوال الأئمة في وجوب العمل بالسنة وترك أقوالهم المخالفة لها، وليعلم أن الطعن في هذا المشرب إنما هو طعن في الإمام الذي يقلده أيا كان من الأئمة، فإنما أخذنا هذا المنهج منهم كما سبق بيانه، فمن أعرض عن الاهتداء بهم في هذا السبيل فهو على خطر عظيم، لأنه يستلزم الإعراض عن السنة، وقد أمرنا عند الاختلاف بالرجوع إليها والاعتماد عليها، كما قال تعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [ النساء : 65 ] .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى