أبعاد المخطط الصهيوني في أزمة دارفور!
الثلاثاء 05 أغسطس 2008, 06:29
إن إسرائيل التي أقيمت كملاذ لضحايا قمع اليهود واضطهادهم، لن تظل غير مكترثة بمعاناة الغير، وقد أعربت إسرائيل في مناسبات عدة، عن عميق صدمتها وقلقها من الفظائع وما يتبع ذلك من وضع إنساني في إقليم دارفور، ولهذا فإن إسرائيل ملتزمة بالعمل مع المجتمع الدولي من أجل إيجاد حلول إنسانية ملائمة، والمشاركة بهمة ونشاط في المساعي الرامية إلى مد يد العون لضحايا الأزمة في دارفور، وفي إطار التزام إسرائيل الأخلاقي تجاه ضحايا أزمة دارفور، قررت حكومة إسرائيل منح الملجأ لمجموعة من طالبي حق اللجوء وعددهم 500، وهم يوجدون حاليًا في إسرائيل، وتُعتبر هذه الخطوة من جانب إسرائيل خطوة بارزة، مقارنة بغيرها من الدول، نظرًا لصغر حجم إسرائيل وعدد سكانها ومواردها"، هكذا جاءت الادعاءات والأكاذيب عبر موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، لكي تضلل العالم بتلك الأكاذيب وترسم لنفسها صورة غير واقعية عن كونها ملاذًا للاجئين، في الوقت الذي تتسبب فيه لمأساة شعب بأكمله هو الشعب الفلسطيني
لكن الكيان الصهيوني وللأسف الشديد ظل يكرر تلك الأكاذيب كلما سنحت له الفرصة، ونجح في أن يلعب دور المحرض الأساسي في أزمة دارفور عبر استمرارها في عملية جذب الدارفوريين إليها، عبر إغواء الكثير منهم بفرص العمل فيها دون غيرها من دول العالم، وروج لأكذوبة الوطن المدافع عن حقوق المضطهدين والمعذبين.
وهى الأكاذيب التي كان وزير الداخلية السوداني الزبير بشير طه قد فندها، مرارًا وفى أكثر من مناسبة، مؤكدًا أن إسرائيل تعمل على تشجيع الهجرة لمواطني دولته، مؤكدًا أن نحو ثلاثة آلاف سوداني قاموا بالتسلل لإسرائيل، في إطار سعيها للإضرار بمكانة السودان عبر تشجيع هجرة المواطنين عبر الأراضي المصرية لإسرائيل، ثلثهم من إقليم دارفور، وتحدث عن مخطط لتوزيع هؤلاء اللاجئين في ثلاث دول هي إسرائيل وأمريكا وبريطانيا.
ماذا يفعل الدارفوريون في إسرائيل
ومع اشتداد الأزمة السودانية بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية تسليم الرئيس السوداني عمر البشير بدعوى أنه المسئول الأول عما ارتكب بحق سكان إقليم دارفور، عادت للواجهة من جديد، الأباطيل الإسرائيلية في محاولة لتعميق الأزمة والتأثير بشكل أوسع على مجريات الأحداث، والأكثر من ذلك أن الصحف الإسرائيلية دأبت على الحديث عن هؤلاء الدارفوريين وما تقدمه تل أبيب لهم، في محاولة لكسب ثناء العالم على ما تفعله، وتحت عنوان ماذا يفعل لاجئو دارفور في إسرائيل؟ أعد شوكي سدية مراسل صحيفة ذي ماركر الاقتصادية الإسرائيلية تقريرًا مطولاً عن أوضاع المتسللين الأفارقة في إسرائيل، والنشاط الاقتصادي الذي يقومون به في المرحلة الحالية، وتحدث المراسل عن أن معظم هؤلاء المتسللين لا يعملون في مهن دنيا فقط، ولكن هناك من تمكن منهم من افتتاح مقاهٍ أو حانات أو إنترنت كافية أو صالونات حلاقة، وذلك لخدمة آلاف الأفارقة ولعمل الأجانب في إسرائيل.
ويقول اللاجئ السوداني: على الرغم من كافة الصعوبات التي أعانيها، فمن الأفضل لي أن أتعرض لبعض المشاكل اليومية، بدلاً من أن أعمل أجيرًا لدى أحد، وهذا أكثر راحة لي ويجعلني أشعر بالسعادة وأكثر حرية، فمسألة وجود محل خاص بي يجعلني أشعر بأنني لا أعمل عند أحد، خاصة بعد ما مر بي من أزمات، وأنهى حديثه مع المراسل بالقول: يكفي أن هذا العمل لا يهدد أو يضر أحدًا، وعنه قال شوكي سدية مراسل صحيفة ذي ماركر الإسرائيلية: إن أحمد واحد من بين اللاجئين السودانيين الذي تمكنوا من التسلل لإسرائيل، ونجحوا في القيام بافتتاح بعض الأنشطة التجارية، مخالفين كافة التوقعات، ومفضلين السير ضد التيار، فعلى الرغم من التكاليف الباهظة وحجم الإنفاق المرتفع والأرباح المنخفضة، وعدم وجود أي اعتراف قانوني بالنشاط الذي يقومون به وما يواجهون به من بيروقراطية صعبة، خاصة بسبب وضعهم المدني الغير مستقر تمامًا، لكن وعلى الرغم من ذلك يمكنك خلال جولة تقوم بها في شوارع مدينة تل أبيب أن تشاهد العديد من المقاهي والحانات ومقاهي الإنترنت وصالونات الحلاقة التي تخدم الآلاف من اللاجئين الأفارقة والعمال الأجانب الذين يسكنون جنوب تل أبيب.
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن "إليشع ميلكسوفسكي" أخصائية اجتماعية وتدير منظمة خاصة لمساعدة اللاجئين قولها: "هؤلاء الأشخاص، سرعان ما يدبرون حالهم، فلديهم عزيمة، فهم أناس أقوياء، وهناك الكثير منهم أشخاص لديهم مؤهلات أكاديمية، يريدون أن ينجحوا في أي مكان يوجدون فيه، في بعض الأحيان يرفض أصحاب العمل في إسرائيل قبولهم في شغل بعض الوظائف بسبب مشكلة اللغة، وكذلك بسبب بشرتهم السمراء، وأشارت إلى أن قرار بعضهم فتح أعمال خاصة بهم، هو التحدي الأكبر، وهي مسألة صعبة أكثر من الخدمة في مطعم أو غسل صحون.
وتحدث كاتب الصحيفة عن أوضاع اللاجئين الأفارقة في إسرائيل، مشيرًا إلى أن هناك نحو 9.000 منهم يعيشون الآن فيها، معظمهم في جنوب تل أبيب، وقليل منهم يعيشون في مدينة إيلات الإسرائيلية الساحلية، وقال: "إن نحو ألف منهم وصلوا من إقليم دارفور الواقع غرب السودان، حيث شهد صراعًا قويًا، بين الحكومة السودانية وبين الدارفوريين"، وادعى كاتب التقرير الإسرائيلي أن هذا الصراع راح ضحيته أكثر من 450 ألف شخص، غير من قتلوا بسبب جرائم حرب ارتكبت في حقهم أو بسبب تعرضهم لمجاعات، كما ادعى أن أكثر من مليوني شخص منهم هجروا منازلهم في دارفور بسبب مطاردة الحكومة السودانية ومن يتبعها من ميليشيات.
وقال شوكي: تلك المليشيات دعمت الحكومة الإسلامية في السودان وهي المسئولة عن الجرائم التي نفذت بحق سكان الإقليم، مشيرًا إلى أن الحكومة السودانية ارتكبت أعمال تدمير للقرى والمدن في دارفور وعمليات قتل جماعي واغتصاب، وهو ما أفضى في النهاية بقيام المحكمة الجنائية الدولية بإصدار قرار للقبض على الرئيس السوداني عمر البشير بسبب مسئوليته عن ارتكاب العديد من الجرائم ضد الإنسانية، على حد قوله.
الجنسية الصهيونية ل450 دارفوريًا فقط
وتابع مراسل الصحيفة الصهيونية تقريره بالقول: إن لاجئي إقليم دارفور كانوا قد بدءوا في الوصول لإسرائيل عبر مصر منذ عام 2005، ومنذ وصولهم لإسرائيل بدأت أوضاعهم وظروفهم تتغير، الكثير منهم قضى فترة وصلت مدتها لعدة أشهر في السجون والمعتقلات الإسرائيلية بتهمة اجتياز الحدود المصرية – الإسرائيلية، وقال إن عدد لاجئي دارفور في إسرائيل الآن وصل لنحو 2.000 شخص، فيما يعيش فيها الآن نحو 4.000 لاجئ من إريتريا ونحو 1.000 لاجئ من ساحل العاج، ومن المتوقع أن يعود بعض من هؤلاء لبلادهم خلال الفترة المقبلة خاصة في أعقاب استقرار الأوضاع السياسية هناك.
وأشار إلى أن معظم هؤلاء اللاجئين حصلوا على وضع الحماية الجماعية خاصة وأن لديهم أوراقًا تثبت هويتهم صادرة من قبل الأمم المتحدة وبها صور شخصية لهم، وتلك الأوراق مكنتهم عبر تدخل منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية من إمكانية فتح حسابات بنكية والعمل في إسرائيل دون أن يتعرض لهم أحد أو أن يتم طردهم، وتابع مراسل الصحيفة تقريره بالقول: في شهر يناير الماضي قررت الحكومة الإسرائيلية منح نحو 600 لاجئ من إقليم دارفور من طلائع اللاجئين الذين وصلوا لإسرائيل الجنسية، لكن لم يحصل عليها بالفعل حتى الآن سوى 450 شخصًا فقط.
وأشار إلى أن منح الجنسية لبعض من هؤلاء اللاجئين أمر من شأنه أن يخفف عنهم ويجعلهم أكثر قدرة على فتح صفحة جديدة والعيش في إسرائيل، كما أنه يمكنهم عبر الجنسية الإسرائيلية من التمتع بكافة الحقوق، مثل الحق في التمتع برعاية مؤسسات التأمين الوطني والتأمين الصحي، وكذلك تمنحه حق المواطنة والقدرة على بدء عمل خاص، وكذلك فتح حساب بنكي وإمكانية اقتراض مبالغ مالية، والاتصال بالسلطات الإسرائيلية دون أدنى خوف أو قلق، لكن تم تحديد فترة الامتيازات الممنوحة لهؤلاء بعام واحد وهو الأمر الذي يجعل من الصعب عليهم تنفيذ خطط ومشروعات لفترات طويلة الأجل.
ونقل شوكي عن المحامية الإسرائيلية "عانت بن دور" وتعمل بقسم العدل، بجامعة تل أبيب قولها: "هؤلاء الدارفوريون عانوا كثيرًا، لكن الدولة تمنح بعضهم وليس جميعهم الفرصة"، وقالت: "هناك لاجئون آخرون لديهم جميع الأوراق التي تثبت بياناتهم، ولكن هؤلاء لا يتمتعون بالحقوق الأساسية، وهذا هو الفارق، فحينما تمنح هؤلاء اللاجئين وضعًا فيه راحة واستقرار، فإن الأمر من شأنه أن يتحسن، حيث سيكون من الممكن في حينه لهؤلاء القيام بنشاطات وأعمال وكذلك أمور أخرى.
وتطرق الكاتب كذلك للحديث عن بعض اللاجئين السودانيين في إسرائيل، مشيرًا إلى أن من بينهم ياسين موسى أحد زعماء الجالية الدارفورية في إسرائيل، ونجح في الحصول على وضع قانوني جيد، الأمر الذي مكنه من افتتاح حانة في أحد شوارع مدينة تل أبيب، وقال: إن موسى احتفل الأسبوع الماضي بذكرى مرور ثلاث سنوات على قدومه لإسرائيل، مشيرًا إلى أنه يبلغ الآن من العمر 36 عامًا، وكان قد فر هاربًا لمصر بعد أن نجح في مغادرة قريته الواقعة بإقليم دارفور والتي دمرت تمامًا على يد ميليشيات الجانجاويد، لكنه اضطر لمغادرة مصر بعد أن قامت أجهزة الأمن المصرية بتعقب خطواته وتتبعها، نظرًا لنشاطه السياسي الذي كان ينتهجه خلال الفترة التي قضاها في مصر، مما جعله يفكر في الهرب لإسرائيل، لكنه وفور وصوله إلى هناك تم احتجازه من قبل قوات الأمن الإسرائيلية وقضى عامًا ونصفًا في سجن معاسياهو، وفي أعقاب الإفراج عنه، تمكن من الحصول على فرصة عمل في إحدى المستوطنات الزراعية الإسرائيلية في مدينة إيلات الساحلية، ثم انتقل للعمل في فندق صغير بالمدينة ذاتها.
وأشار مراسل صحيفة ذي ماركر الإسرائيلية إلى أن موسى قام بافتتاح تلك الحانة قبل نحو ثلاثة أشهر فقط، لكنه لم يتمكن بعد من استكمال باقي الإجراءات القانونية الخاصة بافتتاح نشاط تجاري في مدينة تل أبيب، ومنها القانون الذي يلزم صاحب العمل بمنع التدخين في الأماكن العامة، حيث اضطر في البداية لدفع نحو 5.000 شيكل إسرائيلي لمفتشي بلدية تل أبيب بعد ضبطه وهو يدخن، ولم تُجد المحاولات التي قام بها مع هؤلاء المفتشين وتأكيده أنه لا يعرف القانون".
ونقل مراسل الصحيفة عن موسى القول: "إن هناك قوانين أخرى صعبة للغاية، مثل قانون الضرائب العقارية، مشيرًا إلى أنها لا ترعى الظروف ولا تعطي الفرصة للبعض من أجل دفع أعمالهم ونشاطاتهم، وقال: "إنه يود مستقبلاً أن يترك شئون الحانة لأحد أصدقائه، وينتقل للعمل في المجال الذي تعلمه والعمل في مجال الهندسة وهو ما تعلمه في السودان، مشيرًا إلى أن الكثير من هؤلاء اللاجئين الذي قدموا من دارفور، لديهم مؤهلات أكاديمية ويريدون العمل بما لديهم من مؤهلات وكذلك الاستمرار في تلقي المزيد من العلوم واستكمال دراستهم التي اضطروا لوقفها بعد مغادرة السودان، قائلاً: "يجب أن نذكر الجميع هناك بأننا وصلنا إلى إسرائيل نظرًا لأسباب خارجة عن إرادتنا، ولهذا فإنه يجب على كل واحد منا أن يعود لما كان عليه قبل رحيله من دارفور.
كما نقل مراسل الصحيفة عن مواطنة دارفورية تدعى "نادك مايكل" وكانت قد وصلت لإسرائيل في السابع والعشرين من شهر يوليو 2007 قولها: "إنها كانت تدرس علم النفس قبل هروبها من السودان، وكانت في حينه في السنة الأولى"، وأضافت "أمتلك الآن صالونين للحلاقة في شارع نفاية شنان بمدينة تل أبيب افتتحتهما قبل نحو شهر"، وتقول: "إنها تتعلم الآن اللغة الإنجليزية في مدرسة بيالك جنوب مدينة تل أبيب، واضطررت لدفع مبلغ مالي كبير في بداية افتتاح نشاطها التجاري في إسرائيل".
وتشير إلى أنها تقوم بتشغيل ثلاث فتيات سودانيات في الصالون الخاص بها وتتمكن بعد دفع الضرائب وبعض الأمور الأخرى من ربح نحو 6.000 شيكل إسرائيلي في الشهر، وتقول: ليس الأمر صعبًا، فهناك طلب متزايد على قص الشعر، خاصة وأن الإسرائيليين لا يدركون ماذا يعني الشعر بالنسبة للأفارقة ، واختتمت حديثها بالقول: "مع كل هذا لا زلت أعاني من البيروقراطية ومن المعاملة الصعبة من قبل السلطات المحلية، وأحاول أن أرتب أموري جيدًا".
وكان من بين اللاجئين الدارفوريين الذين التقاهم كاتب التقرير، كذلك "كاربينو جيمس ويل" شاب سوداني عمره 19 عامًا من أوائل اللاجئين السودانيين في إسرائيل، ويبدو بمظهره الخارجي وملابسه الرياضية بأنه في الأصل شاب أمريكي، رغم الحياة الصعبة التي مر بها في جنوب السودان ووفاة والديه، وقد وصل جيمس إلى إسرائيل منذ أربع سنوات، وتعلم اللغة الإنجليزية، ويشتهر بامتلاكه مقهى "وسط إفريقيا" بتل أبيب، وكان معظم زبائنه من الأفارقة المقيمين في المدينة، لكنه اضطر إلى غلق المقهى لأنه يعمل بدون ترخيص، والذي لا يمكنه الحصول عليه دون أن يحصل على تأشيرة مواطن دائم من السلطات الإسرائيلية. وقد نجح جيمس ويل في افتتاح المقهى بعد سنوات من العمل المضني بعد أن تم الإفراج عنه من سجن كتسيعوت، حيث عمل في جمع ثمار الطماطم، وبعد ذلك عمل في فنادق ايلات، وأخيرًا انتقل إلى تل أبيب وفتح هذه المقهى، كما عمل في بيع أجهزة التليفونات المحمولة وكروت الشحن، والتي كان يبيعها في الأساس للاجئين الأفارقة في ايلات، وبعد غلق المقهى يعتزم جيمس ويل فتح محل لبيع الملابس وأدوات الزينة الإفريقية المميزة. لكنه هذه المرة سيحاول الاستعانة بصديقته الإسرائيلية رفقه، والتي قدمت مهاجرة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى إسرائيل وعمرها 11 عامًا، ويعيشان معًا في غرفة بتل أبيب، ولا يمكنه الزواج منها لأنه غير يهودي، كما لا يمكنه السفر معها إلى أمريكا لأنه لا يملك جواز سفر، ومع ذلك يعتزمان فتح المحل معًا، لأنهما يشعران بأنهما في حاجة لبعضهما البعض. ورغم إمكانيات جيمس ويل التجارية، لكن البيروقراطية الإسرائيلية تقف عائقًا أمام تحقيق أحلامه التجارية. ويعاني مواطن سوداني آخر من البيروقراطية الإسرائيلية ويدعى دوقا ويمتلك محلين لبيع الملابس في تل أبيب، وقد هاجر إلى إسرائيل منذ عام 1995 هاربًا من جنوب السودان، وقال: لقد تعرضت لغرامات من المجلس المحلي للمدينة بـنحو 80 ألف شيكل فقط بسبب اعتزامه فتح المحل يوم السبت. وكان دوقا قد عانى كثيرًا خلال إقامته في إسرائيل بعد أن حصل على صفة لاجئ من الأمم المتحدة، وأن أنشطته التجارية تعرضت للخسارة بسبب التعسف الإسرائيلي في التعامل معه، لذا فقد أعرب عن أسفه وحزنه الشديد باختيار إسرائيل للذهاب إليها دون بريطانيا التي هاجر أفراد أسرته إليها، وحصلوا على جنسيتها. ويضطر دوقا إلى تجديد إقامته في إسرائيل سنويًا متحديًا كافة العراقيل الإسرائيلية، ومع ذلك لا يمكنه السفر للخارج أبدًا، وعن هذا الموضع المتردي يقول دوقا: "من الصعب العيش هنا في إسرائيل، وبالطبع من الصعب إدارة أعمال تجارية خاصة فيها. وإن هذه الأعمال الصغيرة هي المساهم الأكبر في الاقتصاد، لذا يجب تشجيعنا ودفعنا للعمل، بدلاً عن السؤال من أين أتينا0
وفي ردها على ذلك ذكرت بلدية تل أبيب بأن القانون ينص على عدم فتح المحلات التجارية يوم السبت، وأن بلدية تل أبيب تعمل ضد المحال التي تخالف ذلك، ومع ذلك نسمح لبعض المحال الفتح في يوم السبت في المناطق التي يقل فيها السكان اليهود بشكل كبير مثل مدينة يافا ذات الغالبية العربية، وأن أصحاب المحال غير اليهود المقيمين في تل أبيب من الممكن أن ينقلوا نشاطهم في يافا لحل مشاكلهم التجارية.
تنبؤات المسيري لمستقبل الدارفوريين في إسرائيل
ولا يبقى لنا سوى أن ننقل ما كان المفكر الكبير عبد الوهاب المسيري وقبل رحيله بأيام قد تحدث عنه فيما يتعلق بظاهرة تسلل الأفارقة لإسرائيل، مقدمًا وجهة نظر في غاية الأهمية، ففي معرض رده على سؤال، حول كون إسرائيل ملاذًا أو حلمًا للمواطن الإفريقي، خاصة وأن كل يوم تتناقل وسائل الإعلام أنباء عن تنقل متسللين أفارقة إلى إسرائيل عبر الحدود مع مصر؟ قال "بعض المؤشرات التي قد تراها سلبية ربما هي إيجابية، هذه الظاهرة تعني أن العنصر الإفريقي يتسلل، وهذا يهدد طبيعة الدولة العبرية، وهويتها، لقد أقاموها كي تكون دولة ليهود أوروبا البيض، وأحد الوزراء الأردنيين حكى لي أنه حين بدأ التطبيع بين "إسرائيل" والأردن وتمت عمليات تبادل البضائع، لوحظ أن السيارات الأردنية كان يتم تعطيلها داخل إسرائيل، فقد وجدوا أن ظهور البضائع الأردنية تهديد لهم، فما بالك بالعنصر البشري الإفريقي؟ ولذا لا أسعد كثيرًا بالحملات في الصحف المصرية على الشباب المصريين الذين تزوجوا بإسرائيليات، هذا يعني أن هناك خمسين ألف طفل مصري داخل إسرائيل، وحين يكبرون هم مصريون، وهذا أكبر تهديد للدولة اليهودية.
فهل تتحول الألاعيب الصهيونية لسهام ترتد على قلب إسرائيل ويكون لاجئو دارفور بمثابة حجر يقذف في الكيان ليأتي عليه وينقضه كما تنبأ المفكر الراحل، بدلاً مما تخطط له "إسرائيل" بهدف الإساءة لسمعة السودان، وما علينا سوى الانتظار لكي نرى ما سيتحقق مستقبلاً.
وقال: فور ذهابك إلى شوارع مدينة تل أبيب الإسرائيلية ستدهش مما ستراه، فعندما ذهبت إلى هناك لاستطلاع الموقف، وقعت عيني على مشهد غريب، ثلاثة أطفال أفارقة يرتادون أحد مقاهي الإنترنت، الكبرى فيهم كانت تتجول في أحد مواقع الموسيقى، ويقول: خلال جولة قمت بها في شارع نافية شنان جنوب تل أبيب، التقيت بصاحب مقهى الإنترنت وهو سوداني الجنسية من إقليم دارفور، اسمه إسماعيل أحمد، وخلال الحوار معه أكد أنه شاهد والده وهو يحرق حيًا من قبل القوات التابعة للحكومة السودانية، وقال: إنه قام بافتتاح هذا المقهى قبل عدة أشهر، بعد معاناة كبيرة، في الفترة التي قضاها خلال قدومه من دارفور إلى إسرائيل، وهو في الأساس مهندس حاسبات، يعمل نحو 16 ساعة يوميًا، في الصباح يدير مقهى الإنترنت، الذي يبيع فيه أيضًا بعض اللوازم الخاصة بالحاسوب ويقدم خدمة الإنترنت لزبائنه مقابل 10شيكلات في الساعة الواحدة، وفي ساعات المساء يقوم بتدريس اللغة الإنجليزية ومادة الحاسوب لبعض السكان في المنطقة التي يعيش فيها، ويشير المراسل الإسرائيلي إلى أن إسماعيل أحمد لم ينجح حتى الآن في تغطية كافة النفقات المتعلقة بمقهى الإنترنت، ولهذا اضطر أن يقترض مبلغًا من المال من أحد البنوك الإسرائيلية لتغطية نفقاته.
لكن الكيان الصهيوني وللأسف الشديد ظل يكرر تلك الأكاذيب كلما سنحت له الفرصة، ونجح في أن يلعب دور المحرض الأساسي في أزمة دارفور عبر استمرارها في عملية جذب الدارفوريين إليها، عبر إغواء الكثير منهم بفرص العمل فيها دون غيرها من دول العالم، وروج لأكذوبة الوطن المدافع عن حقوق المضطهدين والمعذبين.
وهى الأكاذيب التي كان وزير الداخلية السوداني الزبير بشير طه قد فندها، مرارًا وفى أكثر من مناسبة، مؤكدًا أن إسرائيل تعمل على تشجيع الهجرة لمواطني دولته، مؤكدًا أن نحو ثلاثة آلاف سوداني قاموا بالتسلل لإسرائيل، في إطار سعيها للإضرار بمكانة السودان عبر تشجيع هجرة المواطنين عبر الأراضي المصرية لإسرائيل، ثلثهم من إقليم دارفور، وتحدث عن مخطط لتوزيع هؤلاء اللاجئين في ثلاث دول هي إسرائيل وأمريكا وبريطانيا.
ماذا يفعل الدارفوريون في إسرائيل
ومع اشتداد الأزمة السودانية بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية تسليم الرئيس السوداني عمر البشير بدعوى أنه المسئول الأول عما ارتكب بحق سكان إقليم دارفور، عادت للواجهة من جديد، الأباطيل الإسرائيلية في محاولة لتعميق الأزمة والتأثير بشكل أوسع على مجريات الأحداث، والأكثر من ذلك أن الصحف الإسرائيلية دأبت على الحديث عن هؤلاء الدارفوريين وما تقدمه تل أبيب لهم، في محاولة لكسب ثناء العالم على ما تفعله، وتحت عنوان ماذا يفعل لاجئو دارفور في إسرائيل؟ أعد شوكي سدية مراسل صحيفة ذي ماركر الاقتصادية الإسرائيلية تقريرًا مطولاً عن أوضاع المتسللين الأفارقة في إسرائيل، والنشاط الاقتصادي الذي يقومون به في المرحلة الحالية، وتحدث المراسل عن أن معظم هؤلاء المتسللين لا يعملون في مهن دنيا فقط، ولكن هناك من تمكن منهم من افتتاح مقاهٍ أو حانات أو إنترنت كافية أو صالونات حلاقة، وذلك لخدمة آلاف الأفارقة ولعمل الأجانب في إسرائيل.
ويقول اللاجئ السوداني: على الرغم من كافة الصعوبات التي أعانيها، فمن الأفضل لي أن أتعرض لبعض المشاكل اليومية، بدلاً من أن أعمل أجيرًا لدى أحد، وهذا أكثر راحة لي ويجعلني أشعر بالسعادة وأكثر حرية، فمسألة وجود محل خاص بي يجعلني أشعر بأنني لا أعمل عند أحد، خاصة بعد ما مر بي من أزمات، وأنهى حديثه مع المراسل بالقول: يكفي أن هذا العمل لا يهدد أو يضر أحدًا، وعنه قال شوكي سدية مراسل صحيفة ذي ماركر الإسرائيلية: إن أحمد واحد من بين اللاجئين السودانيين الذي تمكنوا من التسلل لإسرائيل، ونجحوا في القيام بافتتاح بعض الأنشطة التجارية، مخالفين كافة التوقعات، ومفضلين السير ضد التيار، فعلى الرغم من التكاليف الباهظة وحجم الإنفاق المرتفع والأرباح المنخفضة، وعدم وجود أي اعتراف قانوني بالنشاط الذي يقومون به وما يواجهون به من بيروقراطية صعبة، خاصة بسبب وضعهم المدني الغير مستقر تمامًا، لكن وعلى الرغم من ذلك يمكنك خلال جولة تقوم بها في شوارع مدينة تل أبيب أن تشاهد العديد من المقاهي والحانات ومقاهي الإنترنت وصالونات الحلاقة التي تخدم الآلاف من اللاجئين الأفارقة والعمال الأجانب الذين يسكنون جنوب تل أبيب.
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن "إليشع ميلكسوفسكي" أخصائية اجتماعية وتدير منظمة خاصة لمساعدة اللاجئين قولها: "هؤلاء الأشخاص، سرعان ما يدبرون حالهم، فلديهم عزيمة، فهم أناس أقوياء، وهناك الكثير منهم أشخاص لديهم مؤهلات أكاديمية، يريدون أن ينجحوا في أي مكان يوجدون فيه، في بعض الأحيان يرفض أصحاب العمل في إسرائيل قبولهم في شغل بعض الوظائف بسبب مشكلة اللغة، وكذلك بسبب بشرتهم السمراء، وأشارت إلى أن قرار بعضهم فتح أعمال خاصة بهم، هو التحدي الأكبر، وهي مسألة صعبة أكثر من الخدمة في مطعم أو غسل صحون.
وتحدث كاتب الصحيفة عن أوضاع اللاجئين الأفارقة في إسرائيل، مشيرًا إلى أن هناك نحو 9.000 منهم يعيشون الآن فيها، معظمهم في جنوب تل أبيب، وقليل منهم يعيشون في مدينة إيلات الإسرائيلية الساحلية، وقال: "إن نحو ألف منهم وصلوا من إقليم دارفور الواقع غرب السودان، حيث شهد صراعًا قويًا، بين الحكومة السودانية وبين الدارفوريين"، وادعى كاتب التقرير الإسرائيلي أن هذا الصراع راح ضحيته أكثر من 450 ألف شخص، غير من قتلوا بسبب جرائم حرب ارتكبت في حقهم أو بسبب تعرضهم لمجاعات، كما ادعى أن أكثر من مليوني شخص منهم هجروا منازلهم في دارفور بسبب مطاردة الحكومة السودانية ومن يتبعها من ميليشيات.
وقال شوكي: تلك المليشيات دعمت الحكومة الإسلامية في السودان وهي المسئولة عن الجرائم التي نفذت بحق سكان الإقليم، مشيرًا إلى أن الحكومة السودانية ارتكبت أعمال تدمير للقرى والمدن في دارفور وعمليات قتل جماعي واغتصاب، وهو ما أفضى في النهاية بقيام المحكمة الجنائية الدولية بإصدار قرار للقبض على الرئيس السوداني عمر البشير بسبب مسئوليته عن ارتكاب العديد من الجرائم ضد الإنسانية، على حد قوله.
الجنسية الصهيونية ل450 دارفوريًا فقط
وتابع مراسل الصحيفة الصهيونية تقريره بالقول: إن لاجئي إقليم دارفور كانوا قد بدءوا في الوصول لإسرائيل عبر مصر منذ عام 2005، ومنذ وصولهم لإسرائيل بدأت أوضاعهم وظروفهم تتغير، الكثير منهم قضى فترة وصلت مدتها لعدة أشهر في السجون والمعتقلات الإسرائيلية بتهمة اجتياز الحدود المصرية – الإسرائيلية، وقال إن عدد لاجئي دارفور في إسرائيل الآن وصل لنحو 2.000 شخص، فيما يعيش فيها الآن نحو 4.000 لاجئ من إريتريا ونحو 1.000 لاجئ من ساحل العاج، ومن المتوقع أن يعود بعض من هؤلاء لبلادهم خلال الفترة المقبلة خاصة في أعقاب استقرار الأوضاع السياسية هناك.
وأشار إلى أن معظم هؤلاء اللاجئين حصلوا على وضع الحماية الجماعية خاصة وأن لديهم أوراقًا تثبت هويتهم صادرة من قبل الأمم المتحدة وبها صور شخصية لهم، وتلك الأوراق مكنتهم عبر تدخل منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية من إمكانية فتح حسابات بنكية والعمل في إسرائيل دون أن يتعرض لهم أحد أو أن يتم طردهم، وتابع مراسل الصحيفة تقريره بالقول: في شهر يناير الماضي قررت الحكومة الإسرائيلية منح نحو 600 لاجئ من إقليم دارفور من طلائع اللاجئين الذين وصلوا لإسرائيل الجنسية، لكن لم يحصل عليها بالفعل حتى الآن سوى 450 شخصًا فقط.
وأشار إلى أن منح الجنسية لبعض من هؤلاء اللاجئين أمر من شأنه أن يخفف عنهم ويجعلهم أكثر قدرة على فتح صفحة جديدة والعيش في إسرائيل، كما أنه يمكنهم عبر الجنسية الإسرائيلية من التمتع بكافة الحقوق، مثل الحق في التمتع برعاية مؤسسات التأمين الوطني والتأمين الصحي، وكذلك تمنحه حق المواطنة والقدرة على بدء عمل خاص، وكذلك فتح حساب بنكي وإمكانية اقتراض مبالغ مالية، والاتصال بالسلطات الإسرائيلية دون أدنى خوف أو قلق، لكن تم تحديد فترة الامتيازات الممنوحة لهؤلاء بعام واحد وهو الأمر الذي يجعل من الصعب عليهم تنفيذ خطط ومشروعات لفترات طويلة الأجل.
ونقل شوكي عن المحامية الإسرائيلية "عانت بن دور" وتعمل بقسم العدل، بجامعة تل أبيب قولها: "هؤلاء الدارفوريون عانوا كثيرًا، لكن الدولة تمنح بعضهم وليس جميعهم الفرصة"، وقالت: "هناك لاجئون آخرون لديهم جميع الأوراق التي تثبت بياناتهم، ولكن هؤلاء لا يتمتعون بالحقوق الأساسية، وهذا هو الفارق، فحينما تمنح هؤلاء اللاجئين وضعًا فيه راحة واستقرار، فإن الأمر من شأنه أن يتحسن، حيث سيكون من الممكن في حينه لهؤلاء القيام بنشاطات وأعمال وكذلك أمور أخرى.
وتطرق الكاتب كذلك للحديث عن بعض اللاجئين السودانيين في إسرائيل، مشيرًا إلى أن من بينهم ياسين موسى أحد زعماء الجالية الدارفورية في إسرائيل، ونجح في الحصول على وضع قانوني جيد، الأمر الذي مكنه من افتتاح حانة في أحد شوارع مدينة تل أبيب، وقال: إن موسى احتفل الأسبوع الماضي بذكرى مرور ثلاث سنوات على قدومه لإسرائيل، مشيرًا إلى أنه يبلغ الآن من العمر 36 عامًا، وكان قد فر هاربًا لمصر بعد أن نجح في مغادرة قريته الواقعة بإقليم دارفور والتي دمرت تمامًا على يد ميليشيات الجانجاويد، لكنه اضطر لمغادرة مصر بعد أن قامت أجهزة الأمن المصرية بتعقب خطواته وتتبعها، نظرًا لنشاطه السياسي الذي كان ينتهجه خلال الفترة التي قضاها في مصر، مما جعله يفكر في الهرب لإسرائيل، لكنه وفور وصوله إلى هناك تم احتجازه من قبل قوات الأمن الإسرائيلية وقضى عامًا ونصفًا في سجن معاسياهو، وفي أعقاب الإفراج عنه، تمكن من الحصول على فرصة عمل في إحدى المستوطنات الزراعية الإسرائيلية في مدينة إيلات الساحلية، ثم انتقل للعمل في فندق صغير بالمدينة ذاتها.
وأشار مراسل صحيفة ذي ماركر الإسرائيلية إلى أن موسى قام بافتتاح تلك الحانة قبل نحو ثلاثة أشهر فقط، لكنه لم يتمكن بعد من استكمال باقي الإجراءات القانونية الخاصة بافتتاح نشاط تجاري في مدينة تل أبيب، ومنها القانون الذي يلزم صاحب العمل بمنع التدخين في الأماكن العامة، حيث اضطر في البداية لدفع نحو 5.000 شيكل إسرائيلي لمفتشي بلدية تل أبيب بعد ضبطه وهو يدخن، ولم تُجد المحاولات التي قام بها مع هؤلاء المفتشين وتأكيده أنه لا يعرف القانون".
ونقل مراسل الصحيفة عن موسى القول: "إن هناك قوانين أخرى صعبة للغاية، مثل قانون الضرائب العقارية، مشيرًا إلى أنها لا ترعى الظروف ولا تعطي الفرصة للبعض من أجل دفع أعمالهم ونشاطاتهم، وقال: "إنه يود مستقبلاً أن يترك شئون الحانة لأحد أصدقائه، وينتقل للعمل في المجال الذي تعلمه والعمل في مجال الهندسة وهو ما تعلمه في السودان، مشيرًا إلى أن الكثير من هؤلاء اللاجئين الذي قدموا من دارفور، لديهم مؤهلات أكاديمية ويريدون العمل بما لديهم من مؤهلات وكذلك الاستمرار في تلقي المزيد من العلوم واستكمال دراستهم التي اضطروا لوقفها بعد مغادرة السودان، قائلاً: "يجب أن نذكر الجميع هناك بأننا وصلنا إلى إسرائيل نظرًا لأسباب خارجة عن إرادتنا، ولهذا فإنه يجب على كل واحد منا أن يعود لما كان عليه قبل رحيله من دارفور.
كما نقل مراسل الصحيفة عن مواطنة دارفورية تدعى "نادك مايكل" وكانت قد وصلت لإسرائيل في السابع والعشرين من شهر يوليو 2007 قولها: "إنها كانت تدرس علم النفس قبل هروبها من السودان، وكانت في حينه في السنة الأولى"، وأضافت "أمتلك الآن صالونين للحلاقة في شارع نفاية شنان بمدينة تل أبيب افتتحتهما قبل نحو شهر"، وتقول: "إنها تتعلم الآن اللغة الإنجليزية في مدرسة بيالك جنوب مدينة تل أبيب، واضطررت لدفع مبلغ مالي كبير في بداية افتتاح نشاطها التجاري في إسرائيل".
وتشير إلى أنها تقوم بتشغيل ثلاث فتيات سودانيات في الصالون الخاص بها وتتمكن بعد دفع الضرائب وبعض الأمور الأخرى من ربح نحو 6.000 شيكل إسرائيلي في الشهر، وتقول: ليس الأمر صعبًا، فهناك طلب متزايد على قص الشعر، خاصة وأن الإسرائيليين لا يدركون ماذا يعني الشعر بالنسبة للأفارقة ، واختتمت حديثها بالقول: "مع كل هذا لا زلت أعاني من البيروقراطية ومن المعاملة الصعبة من قبل السلطات المحلية، وأحاول أن أرتب أموري جيدًا".
وكان من بين اللاجئين الدارفوريين الذين التقاهم كاتب التقرير، كذلك "كاربينو جيمس ويل" شاب سوداني عمره 19 عامًا من أوائل اللاجئين السودانيين في إسرائيل، ويبدو بمظهره الخارجي وملابسه الرياضية بأنه في الأصل شاب أمريكي، رغم الحياة الصعبة التي مر بها في جنوب السودان ووفاة والديه، وقد وصل جيمس إلى إسرائيل منذ أربع سنوات، وتعلم اللغة الإنجليزية، ويشتهر بامتلاكه مقهى "وسط إفريقيا" بتل أبيب، وكان معظم زبائنه من الأفارقة المقيمين في المدينة، لكنه اضطر إلى غلق المقهى لأنه يعمل بدون ترخيص، والذي لا يمكنه الحصول عليه دون أن يحصل على تأشيرة مواطن دائم من السلطات الإسرائيلية. وقد نجح جيمس ويل في افتتاح المقهى بعد سنوات من العمل المضني بعد أن تم الإفراج عنه من سجن كتسيعوت، حيث عمل في جمع ثمار الطماطم، وبعد ذلك عمل في فنادق ايلات، وأخيرًا انتقل إلى تل أبيب وفتح هذه المقهى، كما عمل في بيع أجهزة التليفونات المحمولة وكروت الشحن، والتي كان يبيعها في الأساس للاجئين الأفارقة في ايلات، وبعد غلق المقهى يعتزم جيمس ويل فتح محل لبيع الملابس وأدوات الزينة الإفريقية المميزة. لكنه هذه المرة سيحاول الاستعانة بصديقته الإسرائيلية رفقه، والتي قدمت مهاجرة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى إسرائيل وعمرها 11 عامًا، ويعيشان معًا في غرفة بتل أبيب، ولا يمكنه الزواج منها لأنه غير يهودي، كما لا يمكنه السفر معها إلى أمريكا لأنه لا يملك جواز سفر، ومع ذلك يعتزمان فتح المحل معًا، لأنهما يشعران بأنهما في حاجة لبعضهما البعض. ورغم إمكانيات جيمس ويل التجارية، لكن البيروقراطية الإسرائيلية تقف عائقًا أمام تحقيق أحلامه التجارية. ويعاني مواطن سوداني آخر من البيروقراطية الإسرائيلية ويدعى دوقا ويمتلك محلين لبيع الملابس في تل أبيب، وقد هاجر إلى إسرائيل منذ عام 1995 هاربًا من جنوب السودان، وقال: لقد تعرضت لغرامات من المجلس المحلي للمدينة بـنحو 80 ألف شيكل فقط بسبب اعتزامه فتح المحل يوم السبت. وكان دوقا قد عانى كثيرًا خلال إقامته في إسرائيل بعد أن حصل على صفة لاجئ من الأمم المتحدة، وأن أنشطته التجارية تعرضت للخسارة بسبب التعسف الإسرائيلي في التعامل معه، لذا فقد أعرب عن أسفه وحزنه الشديد باختيار إسرائيل للذهاب إليها دون بريطانيا التي هاجر أفراد أسرته إليها، وحصلوا على جنسيتها. ويضطر دوقا إلى تجديد إقامته في إسرائيل سنويًا متحديًا كافة العراقيل الإسرائيلية، ومع ذلك لا يمكنه السفر للخارج أبدًا، وعن هذا الموضع المتردي يقول دوقا: "من الصعب العيش هنا في إسرائيل، وبالطبع من الصعب إدارة أعمال تجارية خاصة فيها. وإن هذه الأعمال الصغيرة هي المساهم الأكبر في الاقتصاد، لذا يجب تشجيعنا ودفعنا للعمل، بدلاً عن السؤال من أين أتينا0
وفي ردها على ذلك ذكرت بلدية تل أبيب بأن القانون ينص على عدم فتح المحلات التجارية يوم السبت، وأن بلدية تل أبيب تعمل ضد المحال التي تخالف ذلك، ومع ذلك نسمح لبعض المحال الفتح في يوم السبت في المناطق التي يقل فيها السكان اليهود بشكل كبير مثل مدينة يافا ذات الغالبية العربية، وأن أصحاب المحال غير اليهود المقيمين في تل أبيب من الممكن أن ينقلوا نشاطهم في يافا لحل مشاكلهم التجارية.
تنبؤات المسيري لمستقبل الدارفوريين في إسرائيل
ولا يبقى لنا سوى أن ننقل ما كان المفكر الكبير عبد الوهاب المسيري وقبل رحيله بأيام قد تحدث عنه فيما يتعلق بظاهرة تسلل الأفارقة لإسرائيل، مقدمًا وجهة نظر في غاية الأهمية، ففي معرض رده على سؤال، حول كون إسرائيل ملاذًا أو حلمًا للمواطن الإفريقي، خاصة وأن كل يوم تتناقل وسائل الإعلام أنباء عن تنقل متسللين أفارقة إلى إسرائيل عبر الحدود مع مصر؟ قال "بعض المؤشرات التي قد تراها سلبية ربما هي إيجابية، هذه الظاهرة تعني أن العنصر الإفريقي يتسلل، وهذا يهدد طبيعة الدولة العبرية، وهويتها، لقد أقاموها كي تكون دولة ليهود أوروبا البيض، وأحد الوزراء الأردنيين حكى لي أنه حين بدأ التطبيع بين "إسرائيل" والأردن وتمت عمليات تبادل البضائع، لوحظ أن السيارات الأردنية كان يتم تعطيلها داخل إسرائيل، فقد وجدوا أن ظهور البضائع الأردنية تهديد لهم، فما بالك بالعنصر البشري الإفريقي؟ ولذا لا أسعد كثيرًا بالحملات في الصحف المصرية على الشباب المصريين الذين تزوجوا بإسرائيليات، هذا يعني أن هناك خمسين ألف طفل مصري داخل إسرائيل، وحين يكبرون هم مصريون، وهذا أكبر تهديد للدولة اليهودية.
فهل تتحول الألاعيب الصهيونية لسهام ترتد على قلب إسرائيل ويكون لاجئو دارفور بمثابة حجر يقذف في الكيان ليأتي عليه وينقضه كما تنبأ المفكر الراحل، بدلاً مما تخطط له "إسرائيل" بهدف الإساءة لسمعة السودان، وما علينا سوى الانتظار لكي نرى ما سيتحقق مستقبلاً.
وقال: فور ذهابك إلى شوارع مدينة تل أبيب الإسرائيلية ستدهش مما ستراه، فعندما ذهبت إلى هناك لاستطلاع الموقف، وقعت عيني على مشهد غريب، ثلاثة أطفال أفارقة يرتادون أحد مقاهي الإنترنت، الكبرى فيهم كانت تتجول في أحد مواقع الموسيقى، ويقول: خلال جولة قمت بها في شارع نافية شنان جنوب تل أبيب، التقيت بصاحب مقهى الإنترنت وهو سوداني الجنسية من إقليم دارفور، اسمه إسماعيل أحمد، وخلال الحوار معه أكد أنه شاهد والده وهو يحرق حيًا من قبل القوات التابعة للحكومة السودانية، وقال: إنه قام بافتتاح هذا المقهى قبل عدة أشهر، بعد معاناة كبيرة، في الفترة التي قضاها خلال قدومه من دارفور إلى إسرائيل، وهو في الأساس مهندس حاسبات، يعمل نحو 16 ساعة يوميًا، في الصباح يدير مقهى الإنترنت، الذي يبيع فيه أيضًا بعض اللوازم الخاصة بالحاسوب ويقدم خدمة الإنترنت لزبائنه مقابل 10شيكلات في الساعة الواحدة، وفي ساعات المساء يقوم بتدريس اللغة الإنجليزية ومادة الحاسوب لبعض السكان في المنطقة التي يعيش فيها، ويشير المراسل الإسرائيلي إلى أن إسماعيل أحمد لم ينجح حتى الآن في تغطية كافة النفقات المتعلقة بمقهى الإنترنت، ولهذا اضطر أن يقترض مبلغًا من المال من أحد البنوك الإسرائيلية لتغطية نفقاته.
- zombo207عضو نشيط
- عدد الرسائل : 325
نقاط : -19
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/08/2008
رد: أبعاد المخطط الصهيوني في أزمة دارفور!
الخميس 07 أغسطس 2008, 23:36
شكرا على الموضوع الرائع
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى