موريتانيا بلد العسكر .. ما وراء الانقلاب الجديد؟
الجمعة 08 أغسطس 2008, 16:07
قام الجيش الموريتاني بالانقلاب الخامس عشر في تاريخ موريتانيا المعاصر، ليجعل من هذا البلد المسلم بلدًا انقلابيًا بامتياز، فموريتانيا التي استقلت عن فرنسا في عام 1960 تعد من الدول ذات الميول الانقلابية، حيث أن التاريخ الحديث لم يسجل انتقالا سلسًا للسلطة إلا في مرات معدودة، كما أن هذه الانقلابات دومًا ما تنطلق من داخل الجيش الموريتاني في إشارة واضحة على الخلافات السياسية التي تعترى الجيش الموريتاني، والانقلاب الأخير يأتي بعد ثلاث سنوات من الانقلاب الذي أطاح بالرئيس السابق "معاوية ولد الطايع"، ووقع هذا الانقلاب السابق في شهر أغسطس نفسه الذي تشهد فيه موريتانيا انقلابًا جديدًا.مقدمات الانقلاب:
يعد الانقلاب الذي شهدته موريتانيا اليوم (6 أغسطس 2008) نهاية متوقعة لأزمة سياسية بدأت منذ ثلاثة أشهر، وذلك بعد إقالة حكومة رئيس الوزراء "الزين ولد الزيدان"، وهو الأمر الذي يرى البعض أنه جاء دون تنسيق مع قادة الجيش مما أدى إلى اندلاع صراع خفي بين الجيش الموريتاني اللاعب البارز في الساحة السياسية وبين رئيس البلاد المنتخب، بدعم من الجيش في الأصل.
لم يدم على وزارة "يحيي ولد الواقف" الذي اختاره رئيس البلاد لرئاسة الحكومة طويلاً حتى أقدم نواب حزب العهد الوطني "عادل" الحاكم، والذي يرأسه "الواقف" على حجب الثقة عنه، غير أن رئيس البلاد أصر على موقفه وأعاد تكليف "الواقف" برئاسة الحكومة وشكل حكومة جديدة ضمت إليها عددًا من رموز المعارضة الإسلامية وفصائل أخرى، وهو الأمر الذي رد عليه 48 من نواب حزب العهد الوطني (عادل) بتقديم باستقالتهم من عضوية الحزب، وهددوا بالانضمام إلى المعارضة للإطاحة بالرئيس.
بعد ذلك، أبدى عشرة وزراء في الأقل بالحكومة الموريتانية استعدادهم للاستقالة من الحكومة تضامنًا مع النواب الذين أعلنوا انسحابهم من الحزب الحاكم.
وكانت هذه الخطوات، التي قادتها بالتأكيد أيدي خفية، تهدف إلى انهيار الحزب الحاكم وبالتالي تقويض رئيس الحكومة يحي ولد الواقف الذي سيبقى مرغما على الاستقالة لعدم حصول حزبه على الأغلبية البرلمانية، الأمر الذي سيحول دون عودته إلى واجهة الحكومة المقبلة.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي يشهد فيها الحزب الحاكم بموريتانيا انسحابات جماعية بهذا الحجم؛ الأمر الذي وضع الرئيس الموريتاني أمام خيارات صعبة دفعته لاتخاذ قراره بإقالة الجنرالين (قائد الحرس الرئاسي وقائد الأركان) اللذين يعتقد أنهما وراء تحريك هؤلاء النواب، غير أن قرار الإقالة جوبه بالمحاولة الانقلابية والتي انتهت باحتجاز رئيس البلاد ورئيس حكومته، وإعلان الانقلابيين تشكيل مجلس جديد لقيادة الدولة، وهو ما أعاد إلى الأذهان تاريخ موريتانيا الانقلابي.
ما وراء الكواليس:
ما سردناه في النقطة السابقة، هو الجانب المرئي للأحداث التي تشهدها موريتانيا، أما الجانب الخفي فهو ما يؤكده المحللون السياسيون أن ما جرى ليس إلا نتيجة صراع بين رئيس الدولة وجنرالات الجيش وعلى رأسهما الجنرال محمد ولد عبد العزيز قائد الحرس الرئاسي، والجنرال الجنرال محمد ولد الشيخ محمد احمد الغزواني قائد أركان الجيش، واللذين اتخذ الرئيس الموريتاني قرارًا بإقالتهما.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذين الرجلين لعبا دورا محوريا في الإطاحة بولد الطايع وصنفا بعد ذلك على أنهما دعما بقوة ترشيح الرئيس الحالي في موريتانيا.
وقد أكد بعض المحللين وقادة لأحزاب سياسية موريتانية أن "نواب حجب الثقة" ليسوا في الواقع سوى الواجهة السياسية للجنرالات، حيث صرح "محمد ولد مولود"، رئيس حزب "اتحاد قوى التقدم" أن "تدخل هؤلاء الضباط في سير المؤسسات الجمهورية يعد خيانة لكل الالتزامات التي قطعوها علي أنفسهم عند انتهاء الفترة الانتقالية وهو السبب الرئيسي للأزمة السياسية المصطنعة والتي كان بإمكان البلاد تجاوزها".
حتى نستوعب ما يجرى اليوم في موريتانيا لابد أن نرجع إلى الوراء عندما قاد الجيش انقلابًا للإطاحة بمعاوية ولد الطايع في أغسطس 2005م، لقد كان هذا الانقلاب كما أثبتت الأحداث بعد ذلك انقلابًا استباقيًا هدف إلى استباق أي انقلاب آخر تقوده قوى خارج النظام الموريتاني، لقد كان هدف هذا الانقلاب هو الإطاحة برأس معاوية ولد الطايع فقط دون المساس بكيان النظام ورموزه، وهو ما حدث.
وبعد الفترة الانتقالية التي قادها الجيش الموريتاني وجاء موعد الانتخابات الرئاسية الموريتانية التي هلل لها كثيرون، لم تكن هذه الانتخابات إلا محاولة جديدة لتغيير رأس النظام في موريتانيا مع الإبقاء على النظام نفسه.
شهدت موريتانيا انتخابات رئاسية نعم، ولكن قادة الجيش لعبوا دورهم الذي ضمن المجيء بالرئيس "ولد عبد الله"، والذي اعترف الأسبوع الماضي أنه تلقي دعمًا من قادة الجيش الموريتاني في الانتخابات الرئاسية.
وهكذا كان الرئيس الموريتاني واجهة سياسية لقادة الجيش الذين لم يفقدوا نفوذهم بل زاد مع ترقيتهم إلى جنرالات عقب تولي "ولد عبد الله" الرئاسة وهو قرار كان عليه الكثير من المآخذ.
سرت العلاقة بين الطرفين بشكل هادئ فكل يعرف دوره ويحرص على عدم تجاوزه، حتى أقدم الرئيس الموريتاني على ضم المعارضة إلى الحكومة، وهو أمر اعتبره الجيش تجاوزًا للخطوط الحمراء خاصة وأن من انضموا إلى الحكومة كان بينهم إسلاميون وآخرون من المقربين لحكومة معاوية ولد الطايع وهو الأمر الذي يجعل الرئيس محاطًا بعدد من المحنكين وذوي التجارب السياسية، وهو ما يقلل فرص النفوذ التي حظي بها قادة الجيش.
ومع تعيين الحكومة الجديدة، كان على نواب البرلمان البحث عن تصعيد جديد يكفل لهم تنازلا من الرئيس، دون أن تكون تلك هي الورقة الأخيرة.
هنا اختار البرلمانيون أن تكون الورقة فتح تحقيق في مؤسسات يتولاها المقربون جدا من الرئيس، فكان اختيار الصندوق الوطني للضمان الصحي الذي كان يتولاه الأمين العام لرئاسة الجمهورية، وبرنامج التدخل الخاص الذي يشرف عليه المستشار الأول برئاسة الجمهورية، وصندوق دعم عودة المبعدين وهو النقطة الأكثر أولية في برنامج الرئيس، وهي جميعها مؤسسات تقع تحت إشراف الرئيس والمقربين منه، وكان الهدف منها إحراج الرئيس حتى يحين الوقت المناسب للانقلاب، والذي كانت أولى خطواته بإعلان نواب البرلمان الانسحاب من الحزب الحاكم، ثم تبعه الانقلاب العسكري والذي اعتبره قادته تضامنًا مع نواب البرلمان.
الانقلابيون الجدد:
هكذا سارت الأوضاع في كواليس السياسة الموريتانية في الأشهر الثلاثة الماضية، ومما يؤكد الرأي السابق أن النواب الذين انسحبوا من الحزب الحاكم تربطهم صلات قوية بقادة الجيش وبأوساط المخابرات، فضلاً عن بعضهم تجمعهم أواصر القربى والانتساب العائلي والقبلي مع الجنرالات الجدد.
فضلاً عن أن دخول هؤلاء النواب إلى البرلمان في بادئ الأمر مر بعدة أحداث بدأت بدخولهم فرادي مستقلين ثم اتفاقهم على تشكيل تكتل قوي داخل البرلمان ثم أخيرًا الانضمام إلى حزب "عادل" الحاكم، كل هذا يؤكد أن دخولهم لم يكن عاديًا وأن خطواتهم في البرلمان مرسومة بدقة، لذلك لم يكن عجبًا أن يصفهم زميلهم النائب المخضرم "ولد بدر الدين" بأنهم ليسوا إلا مجموعة من "البيادق"، يحركها "الجنرالات الجدد".
كان المخطط أن يقوم هؤلاء النواب بانقلاب مدني ضد رئيس البلاد، غير أن "ولد عبد الله" الذي أثنى على قادة الجيش الأسبوع الماضي فاجئ الجميع بإقالة هؤلاء القادة غير أنه قراره لم يمض عليه إلا ساعات قليلة وكان الانقلاب وكان احتجازه هو ورئيس حكومته.
وهكذا نرى أن ما جرى في موريتانيا اليوم ليس "تصحيحًا لمسار الديمقراطية" بقدر ما أنه صراع داخ النظام الحاكم على السلطة انتهي لصالح اللاعب الأقوى دائمًا وهو جنرالات الجيش.
البعد الدولي وراء الانقلاب:
كشفت فضائية الجزيرة في تغطيتها لأحداث الانقلاب أن فرنسا كانت على علم بالانقلاب قبل وقوعه بساعتين على الأقل وهي فترة زمنية تكفي لتحذير الرئيس الموريتاني أو حمايته، إلا إنه يبدو أن فرنسا كانت راضية عن هذا الانقلاب مثلما رضيت عن الانقلاب الذي أطاح بمعاوية ولد الطايع.
وهناك أسباب كثيرة تدفع فرنسا وأمريكا إلى تشجيع الانقلاب الأخير، منها ما يلي:
1- بروز ميول "ولد عبد الله" الدينية والتي بلغت أوجهها بإنشاء مسجد داخل مقر الرئاسة.
2- حساسية "ولد عبد الله" إزاء استمرار العلاقات مع "إسرائيل" وجرأته على تهديد "إسرائيل" بعرض العلاقات الدبلوماسية معها على استفتاء عام.
3- انفتاحه على الإسلاميين وقبول مشاركتهم في الحكومة الحالية، بالإضافة إلى إطلاق سراح عدد من السجناء السلفيين والالتقاء ببعضهم، والترخيص لحزب إسلامي.
كل هذه الأسباب دفعت فرنسا وأمريكا، على الخلاف فيما بينهما، على دعم أي انقلاب يطيح بولد عبد الله، ما دام هذا الانقلاب لم يأتي من خارج النظام الحاكم نفسه.
وهكذا نجد أن الخاسر دومًا في ظل هذه الصراعات هو الشعب الموريتاني الذي يتصارع جيشه مع ساسته على حكم البلاد دون مراعاة حق الشعب الموريتاني في اختيار من يحكمه.
يعد الانقلاب الذي شهدته موريتانيا اليوم (6 أغسطس 2008) نهاية متوقعة لأزمة سياسية بدأت منذ ثلاثة أشهر، وذلك بعد إقالة حكومة رئيس الوزراء "الزين ولد الزيدان"، وهو الأمر الذي يرى البعض أنه جاء دون تنسيق مع قادة الجيش مما أدى إلى اندلاع صراع خفي بين الجيش الموريتاني اللاعب البارز في الساحة السياسية وبين رئيس البلاد المنتخب، بدعم من الجيش في الأصل.
لم يدم على وزارة "يحيي ولد الواقف" الذي اختاره رئيس البلاد لرئاسة الحكومة طويلاً حتى أقدم نواب حزب العهد الوطني "عادل" الحاكم، والذي يرأسه "الواقف" على حجب الثقة عنه، غير أن رئيس البلاد أصر على موقفه وأعاد تكليف "الواقف" برئاسة الحكومة وشكل حكومة جديدة ضمت إليها عددًا من رموز المعارضة الإسلامية وفصائل أخرى، وهو الأمر الذي رد عليه 48 من نواب حزب العهد الوطني (عادل) بتقديم باستقالتهم من عضوية الحزب، وهددوا بالانضمام إلى المعارضة للإطاحة بالرئيس.
بعد ذلك، أبدى عشرة وزراء في الأقل بالحكومة الموريتانية استعدادهم للاستقالة من الحكومة تضامنًا مع النواب الذين أعلنوا انسحابهم من الحزب الحاكم.
وكانت هذه الخطوات، التي قادتها بالتأكيد أيدي خفية، تهدف إلى انهيار الحزب الحاكم وبالتالي تقويض رئيس الحكومة يحي ولد الواقف الذي سيبقى مرغما على الاستقالة لعدم حصول حزبه على الأغلبية البرلمانية، الأمر الذي سيحول دون عودته إلى واجهة الحكومة المقبلة.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي يشهد فيها الحزب الحاكم بموريتانيا انسحابات جماعية بهذا الحجم؛ الأمر الذي وضع الرئيس الموريتاني أمام خيارات صعبة دفعته لاتخاذ قراره بإقالة الجنرالين (قائد الحرس الرئاسي وقائد الأركان) اللذين يعتقد أنهما وراء تحريك هؤلاء النواب، غير أن قرار الإقالة جوبه بالمحاولة الانقلابية والتي انتهت باحتجاز رئيس البلاد ورئيس حكومته، وإعلان الانقلابيين تشكيل مجلس جديد لقيادة الدولة، وهو ما أعاد إلى الأذهان تاريخ موريتانيا الانقلابي.
ما وراء الكواليس:
ما سردناه في النقطة السابقة، هو الجانب المرئي للأحداث التي تشهدها موريتانيا، أما الجانب الخفي فهو ما يؤكده المحللون السياسيون أن ما جرى ليس إلا نتيجة صراع بين رئيس الدولة وجنرالات الجيش وعلى رأسهما الجنرال محمد ولد عبد العزيز قائد الحرس الرئاسي، والجنرال الجنرال محمد ولد الشيخ محمد احمد الغزواني قائد أركان الجيش، واللذين اتخذ الرئيس الموريتاني قرارًا بإقالتهما.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذين الرجلين لعبا دورا محوريا في الإطاحة بولد الطايع وصنفا بعد ذلك على أنهما دعما بقوة ترشيح الرئيس الحالي في موريتانيا.
وقد أكد بعض المحللين وقادة لأحزاب سياسية موريتانية أن "نواب حجب الثقة" ليسوا في الواقع سوى الواجهة السياسية للجنرالات، حيث صرح "محمد ولد مولود"، رئيس حزب "اتحاد قوى التقدم" أن "تدخل هؤلاء الضباط في سير المؤسسات الجمهورية يعد خيانة لكل الالتزامات التي قطعوها علي أنفسهم عند انتهاء الفترة الانتقالية وهو السبب الرئيسي للأزمة السياسية المصطنعة والتي كان بإمكان البلاد تجاوزها".
حتى نستوعب ما يجرى اليوم في موريتانيا لابد أن نرجع إلى الوراء عندما قاد الجيش انقلابًا للإطاحة بمعاوية ولد الطايع في أغسطس 2005م، لقد كان هذا الانقلاب كما أثبتت الأحداث بعد ذلك انقلابًا استباقيًا هدف إلى استباق أي انقلاب آخر تقوده قوى خارج النظام الموريتاني، لقد كان هدف هذا الانقلاب هو الإطاحة برأس معاوية ولد الطايع فقط دون المساس بكيان النظام ورموزه، وهو ما حدث.
وبعد الفترة الانتقالية التي قادها الجيش الموريتاني وجاء موعد الانتخابات الرئاسية الموريتانية التي هلل لها كثيرون، لم تكن هذه الانتخابات إلا محاولة جديدة لتغيير رأس النظام في موريتانيا مع الإبقاء على النظام نفسه.
شهدت موريتانيا انتخابات رئاسية نعم، ولكن قادة الجيش لعبوا دورهم الذي ضمن المجيء بالرئيس "ولد عبد الله"، والذي اعترف الأسبوع الماضي أنه تلقي دعمًا من قادة الجيش الموريتاني في الانتخابات الرئاسية.
وهكذا كان الرئيس الموريتاني واجهة سياسية لقادة الجيش الذين لم يفقدوا نفوذهم بل زاد مع ترقيتهم إلى جنرالات عقب تولي "ولد عبد الله" الرئاسة وهو قرار كان عليه الكثير من المآخذ.
سرت العلاقة بين الطرفين بشكل هادئ فكل يعرف دوره ويحرص على عدم تجاوزه، حتى أقدم الرئيس الموريتاني على ضم المعارضة إلى الحكومة، وهو أمر اعتبره الجيش تجاوزًا للخطوط الحمراء خاصة وأن من انضموا إلى الحكومة كان بينهم إسلاميون وآخرون من المقربين لحكومة معاوية ولد الطايع وهو الأمر الذي يجعل الرئيس محاطًا بعدد من المحنكين وذوي التجارب السياسية، وهو ما يقلل فرص النفوذ التي حظي بها قادة الجيش.
ومع تعيين الحكومة الجديدة، كان على نواب البرلمان البحث عن تصعيد جديد يكفل لهم تنازلا من الرئيس، دون أن تكون تلك هي الورقة الأخيرة.
هنا اختار البرلمانيون أن تكون الورقة فتح تحقيق في مؤسسات يتولاها المقربون جدا من الرئيس، فكان اختيار الصندوق الوطني للضمان الصحي الذي كان يتولاه الأمين العام لرئاسة الجمهورية، وبرنامج التدخل الخاص الذي يشرف عليه المستشار الأول برئاسة الجمهورية، وصندوق دعم عودة المبعدين وهو النقطة الأكثر أولية في برنامج الرئيس، وهي جميعها مؤسسات تقع تحت إشراف الرئيس والمقربين منه، وكان الهدف منها إحراج الرئيس حتى يحين الوقت المناسب للانقلاب، والذي كانت أولى خطواته بإعلان نواب البرلمان الانسحاب من الحزب الحاكم، ثم تبعه الانقلاب العسكري والذي اعتبره قادته تضامنًا مع نواب البرلمان.
الانقلابيون الجدد:
هكذا سارت الأوضاع في كواليس السياسة الموريتانية في الأشهر الثلاثة الماضية، ومما يؤكد الرأي السابق أن النواب الذين انسحبوا من الحزب الحاكم تربطهم صلات قوية بقادة الجيش وبأوساط المخابرات، فضلاً عن بعضهم تجمعهم أواصر القربى والانتساب العائلي والقبلي مع الجنرالات الجدد.
فضلاً عن أن دخول هؤلاء النواب إلى البرلمان في بادئ الأمر مر بعدة أحداث بدأت بدخولهم فرادي مستقلين ثم اتفاقهم على تشكيل تكتل قوي داخل البرلمان ثم أخيرًا الانضمام إلى حزب "عادل" الحاكم، كل هذا يؤكد أن دخولهم لم يكن عاديًا وأن خطواتهم في البرلمان مرسومة بدقة، لذلك لم يكن عجبًا أن يصفهم زميلهم النائب المخضرم "ولد بدر الدين" بأنهم ليسوا إلا مجموعة من "البيادق"، يحركها "الجنرالات الجدد".
كان المخطط أن يقوم هؤلاء النواب بانقلاب مدني ضد رئيس البلاد، غير أن "ولد عبد الله" الذي أثنى على قادة الجيش الأسبوع الماضي فاجئ الجميع بإقالة هؤلاء القادة غير أنه قراره لم يمض عليه إلا ساعات قليلة وكان الانقلاب وكان احتجازه هو ورئيس حكومته.
وهكذا نرى أن ما جرى في موريتانيا اليوم ليس "تصحيحًا لمسار الديمقراطية" بقدر ما أنه صراع داخ النظام الحاكم على السلطة انتهي لصالح اللاعب الأقوى دائمًا وهو جنرالات الجيش.
البعد الدولي وراء الانقلاب:
كشفت فضائية الجزيرة في تغطيتها لأحداث الانقلاب أن فرنسا كانت على علم بالانقلاب قبل وقوعه بساعتين على الأقل وهي فترة زمنية تكفي لتحذير الرئيس الموريتاني أو حمايته، إلا إنه يبدو أن فرنسا كانت راضية عن هذا الانقلاب مثلما رضيت عن الانقلاب الذي أطاح بمعاوية ولد الطايع.
وهناك أسباب كثيرة تدفع فرنسا وأمريكا إلى تشجيع الانقلاب الأخير، منها ما يلي:
1- بروز ميول "ولد عبد الله" الدينية والتي بلغت أوجهها بإنشاء مسجد داخل مقر الرئاسة.
2- حساسية "ولد عبد الله" إزاء استمرار العلاقات مع "إسرائيل" وجرأته على تهديد "إسرائيل" بعرض العلاقات الدبلوماسية معها على استفتاء عام.
3- انفتاحه على الإسلاميين وقبول مشاركتهم في الحكومة الحالية، بالإضافة إلى إطلاق سراح عدد من السجناء السلفيين والالتقاء ببعضهم، والترخيص لحزب إسلامي.
كل هذه الأسباب دفعت فرنسا وأمريكا، على الخلاف فيما بينهما، على دعم أي انقلاب يطيح بولد عبد الله، ما دام هذا الانقلاب لم يأتي من خارج النظام الحاكم نفسه.
وهكذا نجد أن الخاسر دومًا في ظل هذه الصراعات هو الشعب الموريتاني الذي يتصارع جيشه مع ساسته على حكم البلاد دون مراعاة حق الشعب الموريتاني في اختيار من يحكمه.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى