حقيقة المهدي المنتظر
الأربعاء 01 أكتوبر 2008, 18:49
طرح السؤال التالي :
يوجد تضارب كبير في الآثار التي تخبرنا عن ظهور المهدي المنتظر. فما رأي الدين في ذلك؟
يجيب فضيلة الشيخ عطية صقر -رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقًا-
سنذكر كلمة موجزة عن المهدي المنتظر ملخصة من عدة كتب ومقالات قديمة وحديثة، فنقول: ظهور المهدي فيه أربعة أقوال:
القول الأول: أن المهدي هو المسيح بن مريم -عليهما السلام-، ودليله حديث ابن ماجه: "لا مهدي إلا عيسى بن مريم"، وهو حديث ضعيف تفرد محمد بن خالد به، وقد وردت أحاديث بوجود المهدي وصلاته مع عيسى بن مريم تمنع الحصر الوارد في هذا الحديث في عدم وجود مهدي إلا عيسى. على أن هذا الحديث لو صح لم تكن فيه حجة، لأن سيدنا عيسى -عليه السلام- أعظم مهدي بين يدي رسول الله -صلى الله عليه سلم- والساعة، فيكون الحصر إضافيًا، والمراد لا مهدي كامل إلا عيسى -عليه السلام-.
القول الثاني: أن المهدي رجل من آل البيت من ولد الحسين بن علي، يخرج آخر الزمان ليملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت جورًا وظلمًا، وأكثر الأحاديث تدل على هذا، وهي وإن كانت ضعيفة يقوي بعضها بعضًا، وقد صحح بعضهم بعضها، منها حديث أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه: "لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله فيه رجلاً من أهل البيت يملؤها عدلاً كما ملئت جورًا"، ورواية أبي داود هذه وثقها الهيثمي في مجمع الزوائد.
القول الثالث: أنه المهدي الذي تولى الخلافة في الدولة العباسية في القرن الثاني الهجري، والأحاديث التي رويت في هذا ضعيفة، وعلى فرض صحتها فالمهدي هذا أحد المهديين، وهناك غيره، ويصح أن يقال: إن عمر بن عبد العزيز كان مهديًا، بل هو أولى بهذه التسمية من مهدي بني العباس.
القول الرابع: الأقوال السابقة هي لأهل السنة، وهذا القول هو للشيعة الإمامية، حيث يقولون: إنه محمد بن الحسن العسكري المنتظر من ولد الحسين بن علي، ويقولون في صفته: الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار، وأنه دخل سردابًا في "سامرا"، وقيل في مدينة تدعى "جابلقا"، وهي مدينة وهمية ليس لها وجود.
وزعم أحمد الأحسائي الممهد للبهائية أنه في السماء وليس في الأرض. دخلها وكان طفلاً صغيرًا منذ أكثر من خمسمائة عام، فلم تره بعد ذلك عين ولم يحس فيه بخبر، وهم ينتظرونه كل يوم، يقفون بالخيل على باب السرداب، ويصيحون به أن يخرج إليهم ثم يرجعون، وقال في ذلك بعض الشعراء:
هذا.. وهناك مهديون كثيرون ظهروا في التاريخ في الشرق وفي الغرب، واليهود ينتظرون الذي يخرج آخر الزمان، لتعلو كلمتهم وينصروا به على سائر الأمم، وكذلك النصارى ينتظرن المسيح يوم القيامة، وبهذا تكون الملل الثلاثة منتظرة للمهدي.
إن المهدي وردت فيه أحاديث كثيرة صحح بعضها وضعف الكثير منها، ويؤخذ من مجموعها أنه من آل البيت، وسيخرج آخر الزمان، ويلتقي مع سيدنا عيسى -عليه السلام-.
فقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبعث الله فيه رجلاً من عترتي يملؤها عدلاً كما ملئت جورًا" ويؤخذ من الأحاديث أن اسمه "محمد" وأن اسم والده "عبد الله" كاسم والد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتقول الشيعة: إنه اختفى بعد موت والده، وذكر محيي الدين بن العربي في "فتوحاته" أن والده هو الإمام الحسن العسكري، وساق نسبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكر ابن حجر في "الصواعق" أن ظهوره يكون بعد أن يخسف القمر في أول ليلة من رمضان، وتكسف الشمس في النصف منه، وذلك لم يوجد منذ أن خلق الله السماوات والأرض كما قرره علماء الفلك، فهل سيكون ذلك من باب الإعجاز؟.
بل ذكر الشعراني في "اليواقيت والجواهر" أنه يولد في ليلة النصف من شعبان سنة 1255هـ قائلاً: إنه تلقى ذلك من الشيخ حسن العراقي ووافق عليه الخواص.
هذه صور من أفكار المسلمين عن المهدي، وفي بعضها بُعد يصعب تعقُّله، ولا يجوز أن نبني العقائد على مثل هذه القواعد غير الثابتة.
لقد استغل كثير من الناس قضية المهدي فتكونت دول وظهرت شخصيات على مسرح التاريخ، وقامت دعوات تتمسح بها، وكل يدعي أن آخر الزمان المقصود في الكلام عنه هو مكانه الذي كثر فيه الظلم، وكل زمان لا يخلو من ذلك كما يتصوره بعض الناس.
لقد استغلها الفاطميون وأقاموا دولتهم أولاً بالمغرب، ثم انتقلت إلى مصر واتسع نطاقها، واستغلها "ابن تومرت" فأسس دولة الموحدين بني عبد المؤمن، وفي أيام الدولة المرينية بفاس قام رجل اسمه "التوبرزي" مدعيًا أنه المهدي أيضًا، كما ادعاها مغربي من طرابلس قابل نابليون بين دمنهور ورشيد، وقيل: إن المهدي صاحب ثورة السودان كان أتباعه يطلقون عليه المهدي المنتظر.
يقول القلقشندي في ادعاء الشيعة الإمامية لوجود المهدي: إنهم يقفون عند باب السرداب ببغلة ملجمة من الغروب إلى مغيب الشفق، وينادونه ليخرج حتى يقضي على الظلم الذي عمّ البلاد.
ويروي ياقوت أنهم كانوا في "كاشان" من بلاد الفرس يركبون كل صباح للقائه، وذلك في أواخر القرن الخامس الهجري، ويروي مثل ذلك ابن بطوطة، والكيسانية يدعون أنه "محمد ابن الحنفية"، وكان من العادات في زمن ملوك الصفوية في فارس إعداد فرسين مسرجين دائمًا في القصر لاستقبال المهدي وعيسى.
وهذا يشبه عمل المتهوسين من الإفرنج في القدس الذين ينتظرون مجيء المسيح يوم الدينونة. يقول "هوارت" الفرنسي في "تاريخ العرب": إن إنكليزيًا ذهب إلى بيت المقدس وأقام بالوادي الذي ستكون فيه الدينونة، وفي كل صباح يقرع الطبل منتظرًا للحشر.
وجاءت امرأة إنكليزية إلى القدس، وكانت تعد الشاي كل يوم لتحيي به المسيح عند ظهوره. ويقول "لامرتين" عند زيارته لجبل لبنان: إنه رأى في قرية "دون" السيدة "إستير ستاتهوب" بنت أخي "بيت" الوزير الإنكليزي الشهير، رأى عندها فرسًا مسرجًا، زعمت أنها تعده ليركبه المسيح.
إن ظهور المهدي ليس له دليل صريح في القرآن الكريم، وقد رأى ابن خلدون عدم ظهوره كما جاء في الفصل الذي عقده في مقدمته خاصًا بذلك، والشوكاني ألف كتابًا سماه "التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح" جاء فيه أن الأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها، منها خمسون حديثًا في الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة.
ومهما يكن من شيء فإن ظهوره ليس ممنوعًا عقلاً، ولم تثبت استحالته بدليل قاطع، كما أن أدلة ظهوره لم تسلم من المناقشة، والعقائد لا تثبت بمثل هذه الأدلة على ما رآه المحققون. فمن أثبت فهو حر فيما يرى، لكن لا يجوز أن يفرض رأيه على غيره، ومن نفى لم يخرج من الإيمان إلى الكفر. وأولى لنا أن نتناقش في أمر عملي يعيد لنا قوتنا الأولى، أو على الأقل يخلص المسلمين من الوضع الذي هم فيه الآن والعقائد الأساسية واضحة، وأدلتها موفورة.
يوجد تضارب كبير في الآثار التي تخبرنا عن ظهور المهدي المنتظر. فما رأي الدين في ذلك؟
يجيب فضيلة الشيخ عطية صقر -رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقًا-
سنذكر كلمة موجزة عن المهدي المنتظر ملخصة من عدة كتب ومقالات قديمة وحديثة، فنقول: ظهور المهدي فيه أربعة أقوال:
القول الأول: أن المهدي هو المسيح بن مريم -عليهما السلام-، ودليله حديث ابن ماجه: "لا مهدي إلا عيسى بن مريم"، وهو حديث ضعيف تفرد محمد بن خالد به، وقد وردت أحاديث بوجود المهدي وصلاته مع عيسى بن مريم تمنع الحصر الوارد في هذا الحديث في عدم وجود مهدي إلا عيسى. على أن هذا الحديث لو صح لم تكن فيه حجة، لأن سيدنا عيسى -عليه السلام- أعظم مهدي بين يدي رسول الله -صلى الله عليه سلم- والساعة، فيكون الحصر إضافيًا، والمراد لا مهدي كامل إلا عيسى -عليه السلام-.
القول الثاني: أن المهدي رجل من آل البيت من ولد الحسين بن علي، يخرج آخر الزمان ليملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت جورًا وظلمًا، وأكثر الأحاديث تدل على هذا، وهي وإن كانت ضعيفة يقوي بعضها بعضًا، وقد صحح بعضهم بعضها، منها حديث أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه: "لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله فيه رجلاً من أهل البيت يملؤها عدلاً كما ملئت جورًا"، ورواية أبي داود هذه وثقها الهيثمي في مجمع الزوائد.
القول الثالث: أنه المهدي الذي تولى الخلافة في الدولة العباسية في القرن الثاني الهجري، والأحاديث التي رويت في هذا ضعيفة، وعلى فرض صحتها فالمهدي هذا أحد المهديين، وهناك غيره، ويصح أن يقال: إن عمر بن عبد العزيز كان مهديًا، بل هو أولى بهذه التسمية من مهدي بني العباس.
القول الرابع: الأقوال السابقة هي لأهل السنة، وهذا القول هو للشيعة الإمامية، حيث يقولون: إنه محمد بن الحسن العسكري المنتظر من ولد الحسين بن علي، ويقولون في صفته: الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار، وأنه دخل سردابًا في "سامرا"، وقيل في مدينة تدعى "جابلقا"، وهي مدينة وهمية ليس لها وجود.
وزعم أحمد الأحسائي الممهد للبهائية أنه في السماء وليس في الأرض. دخلها وكان طفلاً صغيرًا منذ أكثر من خمسمائة عام، فلم تره بعد ذلك عين ولم يحس فيه بخبر، وهم ينتظرونه كل يوم، يقفون بالخيل على باب السرداب، ويصيحون به أن يخرج إليهم ثم يرجعون، وقال في ذلك بعض الشعراء:
ما آن للسرداب أن يلد الذي | كلمتموه بجهلكم ما آنا |
فعلى عقولكم العفاء فإنكم | ثلّثتم العنقاء والغيلانا |
إن المهدي وردت فيه أحاديث كثيرة صحح بعضها وضعف الكثير منها، ويؤخذ من مجموعها أنه من آل البيت، وسيخرج آخر الزمان، ويلتقي مع سيدنا عيسى -عليه السلام-.
فقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبعث الله فيه رجلاً من عترتي يملؤها عدلاً كما ملئت جورًا" ويؤخذ من الأحاديث أن اسمه "محمد" وأن اسم والده "عبد الله" كاسم والد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتقول الشيعة: إنه اختفى بعد موت والده، وذكر محيي الدين بن العربي في "فتوحاته" أن والده هو الإمام الحسن العسكري، وساق نسبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكر ابن حجر في "الصواعق" أن ظهوره يكون بعد أن يخسف القمر في أول ليلة من رمضان، وتكسف الشمس في النصف منه، وذلك لم يوجد منذ أن خلق الله السماوات والأرض كما قرره علماء الفلك، فهل سيكون ذلك من باب الإعجاز؟.
بل ذكر الشعراني في "اليواقيت والجواهر" أنه يولد في ليلة النصف من شعبان سنة 1255هـ قائلاً: إنه تلقى ذلك من الشيخ حسن العراقي ووافق عليه الخواص.
هذه صور من أفكار المسلمين عن المهدي، وفي بعضها بُعد يصعب تعقُّله، ولا يجوز أن نبني العقائد على مثل هذه القواعد غير الثابتة.
لقد استغل كثير من الناس قضية المهدي فتكونت دول وظهرت شخصيات على مسرح التاريخ، وقامت دعوات تتمسح بها، وكل يدعي أن آخر الزمان المقصود في الكلام عنه هو مكانه الذي كثر فيه الظلم، وكل زمان لا يخلو من ذلك كما يتصوره بعض الناس.
لقد استغلها الفاطميون وأقاموا دولتهم أولاً بالمغرب، ثم انتقلت إلى مصر واتسع نطاقها، واستغلها "ابن تومرت" فأسس دولة الموحدين بني عبد المؤمن، وفي أيام الدولة المرينية بفاس قام رجل اسمه "التوبرزي" مدعيًا أنه المهدي أيضًا، كما ادعاها مغربي من طرابلس قابل نابليون بين دمنهور ورشيد، وقيل: إن المهدي صاحب ثورة السودان كان أتباعه يطلقون عليه المهدي المنتظر.
يقول القلقشندي في ادعاء الشيعة الإمامية لوجود المهدي: إنهم يقفون عند باب السرداب ببغلة ملجمة من الغروب إلى مغيب الشفق، وينادونه ليخرج حتى يقضي على الظلم الذي عمّ البلاد.
ويروي ياقوت أنهم كانوا في "كاشان" من بلاد الفرس يركبون كل صباح للقائه، وذلك في أواخر القرن الخامس الهجري، ويروي مثل ذلك ابن بطوطة، والكيسانية يدعون أنه "محمد ابن الحنفية"، وكان من العادات في زمن ملوك الصفوية في فارس إعداد فرسين مسرجين دائمًا في القصر لاستقبال المهدي وعيسى.
وهذا يشبه عمل المتهوسين من الإفرنج في القدس الذين ينتظرون مجيء المسيح يوم الدينونة. يقول "هوارت" الفرنسي في "تاريخ العرب": إن إنكليزيًا ذهب إلى بيت المقدس وأقام بالوادي الذي ستكون فيه الدينونة، وفي كل صباح يقرع الطبل منتظرًا للحشر.
وجاءت امرأة إنكليزية إلى القدس، وكانت تعد الشاي كل يوم لتحيي به المسيح عند ظهوره. ويقول "لامرتين" عند زيارته لجبل لبنان: إنه رأى في قرية "دون" السيدة "إستير ستاتهوب" بنت أخي "بيت" الوزير الإنكليزي الشهير، رأى عندها فرسًا مسرجًا، زعمت أنها تعده ليركبه المسيح.
إن ظهور المهدي ليس له دليل صريح في القرآن الكريم، وقد رأى ابن خلدون عدم ظهوره كما جاء في الفصل الذي عقده في مقدمته خاصًا بذلك، والشوكاني ألف كتابًا سماه "التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح" جاء فيه أن الأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها، منها خمسون حديثًا في الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة.
ومهما يكن من شيء فإن ظهوره ليس ممنوعًا عقلاً، ولم تثبت استحالته بدليل قاطع، كما أن أدلة ظهوره لم تسلم من المناقشة، والعقائد لا تثبت بمثل هذه الأدلة على ما رآه المحققون. فمن أثبت فهو حر فيما يرى، لكن لا يجوز أن يفرض رأيه على غيره، ومن نفى لم يخرج من الإيمان إلى الكفر. وأولى لنا أن نتناقش في أمر عملي يعيد لنا قوتنا الأولى، أو على الأقل يخلص المسلمين من الوضع الذي هم فيه الآن والعقائد الأساسية واضحة، وأدلتها موفورة.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى