قيام الدولة الجملوكية في الجزائر ..بقلم :سليمان بوصوفه
الثلاثاء 04 نوفمبر 2008, 06:40
عندما يلتقط رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون صورةً عائليةً مع زوجته وأبنائه أمام مقره في عشرة داونينغ ستريت فإن في ذلك رسالة سياسية واجتماعية للمواطن البريطاني، وتلك الوقفة الرمزية تُعبّر عن قيمة العائلة في المجتمع. فالأسرة هي المكون الأساسي للنسيج الاجتماعي الذي يجب أن يكون متماسكا إن أرادت الأمم أن تقوم لها قائمة. وعندما يقود زعيم المحافظين ديفيد كامرون دراجته الهوائية في شوارع لندن فإنه يسعى من خلال هذا السلوك الحضاري إلى حثّ المواطنين على احترام نظافة البيئة كما أنه يسعى لرسم صورة له في ذهن الناخبين بأنه شاب يافع في كامل صحته ولياقته ويمكنه أن يحكم البلد لعشر سنوات مقبلة ويتحمّلَ ضغوطات العمل السياسي المُضني. وعندما يستقيل رئيس جنوب إفريقيا ثابو مبيكي ويفسح المجال للآخرين لتبوء منصبه فإنه يؤكد على مبدأ التداول السلمي للسلطة كي يكون تقليدا راسخا في أبجديات الدولة. دروسٌ وعبَرٌ مجانية تُصدّرها إلينا المجتمعات الحديثة لعلّنا نقتدي بها ونلتحق بركبها. ومن هذه الأمثلة الثلاثة نجد أن احترام قيمة العائلة ومبدأ تداول السلطة والاعتماد على عامل القوة وسلامة الجسد كلها قيمٌ نبيلة ساعدت في تحضّر تلك الأمم.
هل يتوفر ما سلف ذكره في الرئيس الجزائري؟ هذا ليس متوفرا وليس مُهمّا، لأن صوت الناخب مضمون حتى قبل تنظيم الاقتراع ولأن تعديل الدستور سيُسهّل مهمة الخلود في السلطة. ذلك الدستور الذي أقسم فخامته بأغلظ الأيمان أمام الجزائريات والجزائريين على احترامه. لكن الرئيس وبعد عشر سنوات قضاها في منصبه خانته شهوة الحكم وسلطة الجاه. وقرر تعديل الدستور دون اللجوء الى استفتاء شعبي. وعلى فكرة فإن كل الأمم تُعدّل دساتيرها، من أجل الانسجام مع متطلبات العصر، إلا أنه في الجزائر فإن لكل رئيس دستوره الخاص، يخيطه على مقاسه بتوسيع صلاحياته وإحكام قبضته على كل مؤسسات الدولة.
لكن لماذا نُعاتب الرئيس على نيته تعديل المادة الرابعة والسبعين التي تحول دون ترشحه للرئاسة مدى الحياة؟ إن فخامته يسير على نهج زعماء المنطقة بل على نهج أسلافه منذ معركة صفين. ثم لماذا الاحتجاج مادامت القرى والمدن الجزائرية تخرج عن بكرة أبيها وتدعوه إلى الترشح مدى الحياة، ألم تشاهدوا تلك الصور في التلفزيون الحكومي أو اليتيمة. ألم يقل وزير التضامن جمال ولد عباس إن الرئيس الجزائري شرّف مونديال بكين بحضوره وسيكون أول الحاضرين في أولمبياد لندن عام ألفين واثني عشر! لم تكن هذه زلّة لسان الوزير بل كان وصفا دقيقا للطبخة التي تم إعدادها في دوائر الحكم. وما العيب في أن يحكم الرئيس إلى غاية ألفين وأربعة عشر فلقد بدأ فترة حكمه في عام تسعة وتسعين وهي مدة لم تكن بالطويلة ولم تُشبع رغباته التي كانت مكبوتة وهو في الخارج. أتحسدونه على خمسة عشر عاما في الحكم؟ على الأقل، فإن جيلا بأكمله سيتعوّد على 'بابا بوتفليقة' على وزن بابا كاسترو. ثم إن هذه المدة لا تساوي شيئا أمام من حَكَم شعبه في المنطقة ثلاثة عقود ونيّف.
ثم لماذا هذه الضجة، مادام أصحاب القرار والنفوذ والمتحكمون في مفاصل السلطة قد اتفقوا جميعهم على التمديد للرئيس! نعم كانت هناك بعض التفاصيل التي أخّرت الإعلان عن التعديل وقد تم تجاوزها. ومنها استحداث منصب نائب الرئيس، ذلك المنصب - الذي أراد أن يهُديَه فخامـــته إلى أحد معارفه من جماعة وجدة كي يضمن تدفق الأموال وديمومة الامتيازات في حال حدوث مكروه له لاقدر الله- صار إرثا لتلميذ النظام النجيب أحمد أويحيى، الذي يُعوّل عليه أصحاب القرار بأن يكون صمام الأمان في صورة النظام المقبلة. ففي حال تجاوز فخامته للخطوط الحمر التي رُسمت له، أو في حال تدهور حالته الصحية فإن سيناريو الشقيقة والجارة هو الحل. يتم إعلان خَرَف الرئيس ومرضه ويتسلم بعد ذلك النائب منصب الرئيس المُقال، أو المُجبر على إمضاء الاستقالة بيَد ترتجف خوفا ومرضا.
قد يتساءل الأذكياء من القراء عن السر في عدم ترشّح أويحيى إلى الرئاسيات مباشرة ويكفي الله المؤمنين شر الحملة الانتخابية التي ستُصرف عليها الملايين من الدولارات من خزينة الشعب وأموال دافعي الضرائب ويتم بها شراء أرانب السباق لترويضها. سؤال ذكي طبعا، لكن الإجابة عليه جد غبية: أويحيى محبوب عند النظام لكنه مكروه ومقطوع لدى الجماهير ووصوله إلى سدة الحكم عن طريق انتخابات (نزيهة) مغامرة غيرُ محمودة العواقب. خصوصا وأن أكبر منظمتي نزاهة في العالم ستقومان بإرسال موظفيها إلى الجزائر لمراقبة الانتخابات، وهما جامعة الدول العربية ومنظمة الدول الإفريقية.
عندما أعلن فخامته نيته تعديل الدستور بصفة جزئية وتمريره على البرلمان للمصادقة عليه، ذلك البرلمان الذي قالت عنه النائبة ـ بمعنى المصيبة - زعيمة حزب العمال لويزة حنون، إنه يشكل خطرا على أمن البلد، جاءتني فكرة أن أقترح على فخامته أن يعلن الجزائر ملَكية غير دستورية يعلن فيها أن فحوص الحمض النووي (الدي أن آي) التي أجراها في مستشفى فال دوغلاس الباريسي قبل سنتين، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنه ينتمي إلى عائلة الأمير عبد القادر الجزائري، ومن ثم تتم عملية مبايعته ملكا على جملوكية الجزائر برفع الأيدي والأرجل.
يُقال، شر البلية ما يُضحك، لكن أقول: شر البلية ما يُدمي القلب، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمصير شعب دفع الغالي وضحى بالشهداء لنيل حريته واستعادة كرامته. لكن أعود وأقول إن كل هذا التسلط والتجبّر والتكبّر والاستهتار بالشعب لم ينبع من قوة النظام بل هو نتيجةٌ منطقية لضعف مثقفي الدولة وساستها وعلمائها. فهذه المسرحية لا تقبل بها حتى الشعوب المغلوبة على أمرها في دول نامية مثل غانا وكينيا وزيمبابوي وناميبيا فكيف يقبل بها شعبٌ كان أول من عرف طُعم الحرية والديمقراطية في جنوب العالم بعد انتفاضته في أكتوبر ثمانية وثمانين؟
وما عساني إلا أن أردد دعاء الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس، اللهم أكثر من الباطل. وحينما سأله طلبتُه عن هذا الـــــــدعاء الغـــريب، قال إن الباطل من شأنه أن يُحرّك الضمائر ويُحفّز الهمم. وهذا مانرجوه وننشده في كل غيور على حاضر ومستقبل الجزائر.
كاتب وصحافي من الجزائر مقيم في لندن
هل يتوفر ما سلف ذكره في الرئيس الجزائري؟ هذا ليس متوفرا وليس مُهمّا، لأن صوت الناخب مضمون حتى قبل تنظيم الاقتراع ولأن تعديل الدستور سيُسهّل مهمة الخلود في السلطة. ذلك الدستور الذي أقسم فخامته بأغلظ الأيمان أمام الجزائريات والجزائريين على احترامه. لكن الرئيس وبعد عشر سنوات قضاها في منصبه خانته شهوة الحكم وسلطة الجاه. وقرر تعديل الدستور دون اللجوء الى استفتاء شعبي. وعلى فكرة فإن كل الأمم تُعدّل دساتيرها، من أجل الانسجام مع متطلبات العصر، إلا أنه في الجزائر فإن لكل رئيس دستوره الخاص، يخيطه على مقاسه بتوسيع صلاحياته وإحكام قبضته على كل مؤسسات الدولة.
لكن لماذا نُعاتب الرئيس على نيته تعديل المادة الرابعة والسبعين التي تحول دون ترشحه للرئاسة مدى الحياة؟ إن فخامته يسير على نهج زعماء المنطقة بل على نهج أسلافه منذ معركة صفين. ثم لماذا الاحتجاج مادامت القرى والمدن الجزائرية تخرج عن بكرة أبيها وتدعوه إلى الترشح مدى الحياة، ألم تشاهدوا تلك الصور في التلفزيون الحكومي أو اليتيمة. ألم يقل وزير التضامن جمال ولد عباس إن الرئيس الجزائري شرّف مونديال بكين بحضوره وسيكون أول الحاضرين في أولمبياد لندن عام ألفين واثني عشر! لم تكن هذه زلّة لسان الوزير بل كان وصفا دقيقا للطبخة التي تم إعدادها في دوائر الحكم. وما العيب في أن يحكم الرئيس إلى غاية ألفين وأربعة عشر فلقد بدأ فترة حكمه في عام تسعة وتسعين وهي مدة لم تكن بالطويلة ولم تُشبع رغباته التي كانت مكبوتة وهو في الخارج. أتحسدونه على خمسة عشر عاما في الحكم؟ على الأقل، فإن جيلا بأكمله سيتعوّد على 'بابا بوتفليقة' على وزن بابا كاسترو. ثم إن هذه المدة لا تساوي شيئا أمام من حَكَم شعبه في المنطقة ثلاثة عقود ونيّف.
ثم لماذا هذه الضجة، مادام أصحاب القرار والنفوذ والمتحكمون في مفاصل السلطة قد اتفقوا جميعهم على التمديد للرئيس! نعم كانت هناك بعض التفاصيل التي أخّرت الإعلان عن التعديل وقد تم تجاوزها. ومنها استحداث منصب نائب الرئيس، ذلك المنصب - الذي أراد أن يهُديَه فخامـــته إلى أحد معارفه من جماعة وجدة كي يضمن تدفق الأموال وديمومة الامتيازات في حال حدوث مكروه له لاقدر الله- صار إرثا لتلميذ النظام النجيب أحمد أويحيى، الذي يُعوّل عليه أصحاب القرار بأن يكون صمام الأمان في صورة النظام المقبلة. ففي حال تجاوز فخامته للخطوط الحمر التي رُسمت له، أو في حال تدهور حالته الصحية فإن سيناريو الشقيقة والجارة هو الحل. يتم إعلان خَرَف الرئيس ومرضه ويتسلم بعد ذلك النائب منصب الرئيس المُقال، أو المُجبر على إمضاء الاستقالة بيَد ترتجف خوفا ومرضا.
قد يتساءل الأذكياء من القراء عن السر في عدم ترشّح أويحيى إلى الرئاسيات مباشرة ويكفي الله المؤمنين شر الحملة الانتخابية التي ستُصرف عليها الملايين من الدولارات من خزينة الشعب وأموال دافعي الضرائب ويتم بها شراء أرانب السباق لترويضها. سؤال ذكي طبعا، لكن الإجابة عليه جد غبية: أويحيى محبوب عند النظام لكنه مكروه ومقطوع لدى الجماهير ووصوله إلى سدة الحكم عن طريق انتخابات (نزيهة) مغامرة غيرُ محمودة العواقب. خصوصا وأن أكبر منظمتي نزاهة في العالم ستقومان بإرسال موظفيها إلى الجزائر لمراقبة الانتخابات، وهما جامعة الدول العربية ومنظمة الدول الإفريقية.
عندما أعلن فخامته نيته تعديل الدستور بصفة جزئية وتمريره على البرلمان للمصادقة عليه، ذلك البرلمان الذي قالت عنه النائبة ـ بمعنى المصيبة - زعيمة حزب العمال لويزة حنون، إنه يشكل خطرا على أمن البلد، جاءتني فكرة أن أقترح على فخامته أن يعلن الجزائر ملَكية غير دستورية يعلن فيها أن فحوص الحمض النووي (الدي أن آي) التي أجراها في مستشفى فال دوغلاس الباريسي قبل سنتين، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنه ينتمي إلى عائلة الأمير عبد القادر الجزائري، ومن ثم تتم عملية مبايعته ملكا على جملوكية الجزائر برفع الأيدي والأرجل.
يُقال، شر البلية ما يُضحك، لكن أقول: شر البلية ما يُدمي القلب، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمصير شعب دفع الغالي وضحى بالشهداء لنيل حريته واستعادة كرامته. لكن أعود وأقول إن كل هذا التسلط والتجبّر والتكبّر والاستهتار بالشعب لم ينبع من قوة النظام بل هو نتيجةٌ منطقية لضعف مثقفي الدولة وساستها وعلمائها. فهذه المسرحية لا تقبل بها حتى الشعوب المغلوبة على أمرها في دول نامية مثل غانا وكينيا وزيمبابوي وناميبيا فكيف يقبل بها شعبٌ كان أول من عرف طُعم الحرية والديمقراطية في جنوب العالم بعد انتفاضته في أكتوبر ثمانية وثمانين؟
وما عساني إلا أن أردد دعاء الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس، اللهم أكثر من الباطل. وحينما سأله طلبتُه عن هذا الـــــــدعاء الغـــريب، قال إن الباطل من شأنه أن يُحرّك الضمائر ويُحفّز الهمم. وهذا مانرجوه وننشده في كل غيور على حاضر ومستقبل الجزائر.
كاتب وصحافي من الجزائر مقيم في لندن
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى