- المحترفمشرف منتدى أخبار و تاريخ مستغانم
- عدد الرسائل : 1490
نقاط : 2747
السٌّمعَة : 8
تاريخ التسجيل : 20/06/2008
السنوسية حركة إصلاحية ..منبتها الأصلي بوقيرات(مستغانم)
الجمعة 15 مايو 2009, 11:42
تُنْسَبُ هذه الحركة السياسية والدينية إلى السيد: محمد بن علي بن السنوسي بن العربي الأطرش بن محمد بن عبد القادر بن أحمد شهيدة ويرجع في نسبه إلى الفرع الإدريسي
(من خلال إدريس الأزهر(الأصغر )باني فاس ابن الإمام إدريس الأكبر أول ملوك الأدارسة.
وكانت السنوسية دعوة من الدعوات الصالحات التي أعادت للمسلمين في إفريقيا والصحراء الكبرى مكانتها التاريخية حيث كانت طريقة تمتاز بوضوح مناهجها في الدعوة والإصلاح، حيث دعت إلى إحياء الدين الإسلامي ومحاربة الجمود ونبذ البدع ومؤسسها أصيل محلة الواسطة على ضفتي وادي شلف وأسرته من قبيلة مجاهر التي ينضوي تحتها ما يزيد عن سبعين ألف نفس ولا تزال مستغانم مقرًّا لهذه الأسرة، وقد أسس ابن السنوسي الحركة المنسوبة إلى جده السنوسي.
**السنوسية النشأة والمسار الفكري والتاريخي**
أسس محمد بن علي بن السنوسي حركته على تقوى من الله، فقد ولد ببوقيرات بضواحي مستغانم سنة 1202هـ/1787م في أسرة شريفة ينتهي نسبها إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما وأرضاهما، وينتهي إلى قبيلة بني سنوس التابعة لمقاطعة تلمسان، وإليها نسب، كما نسب إليها طريقته الإصلاحية، تخرج في مدرسة مازونة الشهيرة، ودرس بفاس ومصر ومكة المكرمة بعد هجرته من الجزائر أثناء الحصار العسكري والاقتصادي الفرنسي للجزائر حوالي عام 1824م
نال ابن السنوسي حظًّا وافرًا من التربية والتعليم عن طريق عمته فاطمة المرأة الشريفة العالمة التي كانت تجيز العلماء بما تملك من مرويات عالية السند في الفقه والحديث وعلوم القرآن الكريم، وكان عمدته في التصوف أبو العباس أحمد بن إدريس، وإليه ينتسب أيضًا.
وقبل هجرته إلى المشرق كما كان يفعل علماء السلف من أهل المغرب الإسلامي، عاد إلى مستغانم وتزوج من إحدى بنات عمومته ثم نشب بينه وبين أقاربه الأدنين خلاف حول أملاكه واحتكم للقضاء فحكم له بالأملاك والريع وبالسجن لأقاربه فتنازل عن الريع وطلب إخلاء سبيلهم فكان له ذلك، ثم إنه بعد أن صفَّى أملاكه انتقل إلى عرب أولاد نايل وأسس زاوية بمسعد وتزوج من كريمة من كريمات القبيلة، ومارس الوعظ والإرشاد والتعليم مدة ثم غادر أولاد نايل في طريقه إلى مصر.
غادر ابن السنوسي مسعد والجزائر عامة بعد أن طلق زوجته التي رفضت الانتقال معه لمشقة الطريق ولصعوبة المهمة التي ينوي القيام بها الداعية المصلح فولدت له ولدًا توفي وهو صغير ثم ماتت أمه بعد ذلك في حياة زوجها ابن السنوسي، ودخل ابن السنوسي تونس وقابس وجامع الزيتونة واستفاد من شيوخها وأفاد طلاب العلم بالتدريس والوعظ ثم واصل سيره ودخل طرابلس الغرب وكان ذلك في حكم يوسف القرمانلي الذي كان مستقلا عن الدولة العثمانية، فأكرم نزوله ومكث في مدينة طرابلس مدة ثم انتقل إلى القاهرة وبقي بها مدة ثم غادرها إلى الحجاز.
نزل ابن السنوسي مكة حوالي 1242هـ/1827م،وكانت لهذه الرحالة مكانة كبرى في حياته العلمية والسياسية والإصلاحية حيث ساعدته جملة من العوامل:
1. استطاع محمد بن علي السنوسي الحصول على أنباء عظيمة الفائدة عن حال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
2. أُتيحت له فرصة عظيمة للاحتكاك بالعلماء في مكة وتبادل معهم الآراء حول التغيير والإصلاح مما نفعه في حياته المستقبلية.
3. كانت مكة منبرًا للدعوة ولذلك اشتغل السنوسي بنشر العلوم وتحصيلها والمناظرة فيها، واجتهد في دراسة المذاهب الإسلامية حتى حذق مخاطبة جميع العالم الإسلامي.
4. أتيحت له دراية بحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن قرب وعاشر أتباع الدعوة السلفية ومريديها وتتلمذ على علمائها وشيوخها ودرس الحركة السلفية التي أقامها الشيخ دراسة واعية في مواقفها السياسية واجتهاداتها العملية.
ولا يعرف قيمة المصلح والعالم إلا بقيمة التحصيل والنباهة والإدراك الذي شكل شخصيته وكان علماء مكة الذين تخرج على أيديهم بعد علماء مازونة ومستغانم نذكر جملة من الشيوخ الذين كان لهم الأثر الطيب في تكوينه وتأهيله للتغيير والإصلاح وهم:
· أحمد بن إدريس من أفضل شيوخ محمد بن علي السنوسي الكبير، وقد تأثر به تأثرًا كبيرًا وقد أخذ عنه عددًا من الطرق الصوفية ودرس عليه الحديث والسنة، وابن إدريس من مواليد 1173هـ بميسورة وأصله من المغرب الأقصى،ولما دخل سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود الحجاز عام 1221هـ/1806م لم يتعرضوا للشيخ العالم أحمد بن إدريس بأذى وقد وٌصف ابن إدريس بأنه ذو ميول سلفية.
· أحمد الدجاني: أخذ عنه محمد بن علي السنوسي عددًا من الأوراد الخاصة بالطرق الصوفية.
· أبوحفص عمر بن عبد الرسول العطار.
· أبو سليمان عبد الحفيظ العجمي مفتي مكة وقاضيها.
وتظافرت جملة من الأسباب أدت إلى مغادرة محمد بن علي السنوسي مكة فتوجه أولا إلى" صبيا العسير" وهي من أملاك الحركة السلفية الوهابية ثم قرر الرحيل إلى الغرب والجزائر تحديدًا وهذه الأسباب والعوامل هي:
1. وفاة أستاذه أحمد بن إدريس الذي كان يرعاه ويقدر علمه ومكانته في ذلك العصر كما ساعده في تلقين الناس الأوراد ودعوتهم إلى الخير.
2. عداوة شيوخ مكة له نظرًا لأفكاره الجديدة التي يبثها بين أتباعه وهي دعوة تقلق الشيوخ التقليديين والحكومة العثمانية لاتهامه بأنه داعية من دعاة السلفية الوهابية.
3. ذكر عبد القادر بن علي أحد الباحثين في الشؤون السنوسية رغبة محمد بن علي السنوسي الكبير في العودة إلى الجزائر للجهاد في سبيل الله وهو صاحب القول المشهور وهو يودع الحاج محي الدين وابنه الشاب عبد القادر الذي سيكون له الدور المحوري في جهاد الغزاة الفرنسيين بالجزائر منذ عام 1832م:"إن الدين الإسلامي يحتم على كل مسلم أن يدافع عنه بقدر استطاعته ويحرم على المسلمين الاستسلام للعدو الغاصب المعتدي والمنتهك لحرمات الدين الإسلامي والمعطل لأحكام الله، وإني استوصيك بولدنا عبد القادر هذا خيرًا فإنه ممن يذود عن حرمات الإسلام ويرفع راية الجهاد".
4. فكر محمد بن علي السنوسي في الانتقال بالدعوة إلى مكان آمن يستطيع فيه نشر أفكاره بعيدًا عن أعين الرقباء والعيون الساهرة على النوم العام(الاستعمار).
**استقرار محمد بن علي السنوسي بليبيا وتأسيس زوايا المعرفة والعلم**
استقر محمد بن علي السنوسي في ليبيا الشمالية مدة سنتين أسس فيها الزاوية البيضاء المشهورة وهي الزاوية الأم في إفريقيا كلها وكان ابن السنوسي قبل هذا على اتصال بجهاد الجزائريين حتى وفاته عام 1859م وواصل من بعده أتباعه مساعدة جهاد الجزائريين في ورقلة والغرب الجزائري كما هو مسجل في وثائق العصر.
وبعد سنتين من استقراره في برقة والجبل الأخضر عند حلفائه العواقير(قبيلة عربية ليبية) وانتقل إلى مكان يسمى ماسة وتقدم من ماسة إلى محل يسمى دنقلة حيث مكان الزاوية البيضاء بالقرب من ضريح الصحابي الجليل رويفع بن ثابت الأنصاري t وقد شرع الإخوان السنوسيون في تأسيسها قبل مجيء ابن السنوسي.
ويكفي أن نعرف رواد الجيل الجديد الذي تكون على يديه محمد المهدي وهم العالم الفذ عمران بن بركة، أحمد الريفي، علي بن عبد المولى، ومحمد المدني التلمساني، محمد بن حسن البسكري، عبد المتعال الإدريسي، أحمد أبو القاسم التواتي، أبو القاسم العيساوي، عمر الأشهب، محمد بن عبد الشفيع، محمد السكوري، مصطفى المحجوب، عبد الرحيم المحجوب، عمر الفضيل، محمد بن الصادق الطائفي، أبو سيف مقرب، فالح الظاهري، عبد الله التنسي، محمد بن إبراهيم الغماري، المرتضى فركاش، حسين الغرياني. وكون معظم هؤلاء الرواد المجلس الأعلى للحركة السنوسية فقد كون محمد المهدي السنوسي المجلس الأعلى من كبار الإخوان، يتكون من:
1. العلامة عمران بن بركة(رئيس مجلس الشيوخ).
2. أحمد الريفي(رئيس مجلس الوزراء).
3. على عبد المولى(حاكم الجغبوب) ووزير المالية والداخلية، إلى جانب نظارة الخاصة الإمامية، النظر في شؤون عائلة المهدي).
4. فالح الظاهري.
5. وعبد الرحيم المحجوب.
6. محمد المدني لتلمساني(وزير الشؤون الاجتماعية).
7. محمد بن الحسن البسكري.
8. أبو سيف مقرب.
9. محمد الشريف(وزير المعارف، إلى جانب نيابته عن الإمام المهدي).
10.رؤساء الزوايا(حكام وولاة المناطق والأقاليم، نواب الأمة أمام المجلس الأعلى للحركة السنوسية).
وكان هذا المجلس يمثل قمة الهرم الذي قاعدته الزوايا، وكان يضم كبار رؤساء الزوايا في برقة وطرابلس ومصر والحجاز والسودان وشمال إفريقيا وكان يجتمع سنويا في الجغبوب للنظر في أهم أمور الحركة، وكان يرأسه محمد الشريف السنوسي ثم تعرض قراراته على الإمام المهدي السنوسي للموافقه عليها، أو تعديلها بما يبدو له.
وبالنظر إلى القضية عن قرب كما ذهب إلى ذلك أحد الباحثين تبرز لنا خصوصية هامة اتسمت بها هذه الطرق الثلاث(القادرية(الجزائر)المهدوية(السودان) السنوسية(ليبيا)(11).وتمثلت في اعتماد كل منها فكريا على نوع من الإيديولوجية الإسلامية القريبة بطريقة أو أخرى من الحركة التجديدية في الحجاز وهي الوهابية التي استطاعت عبر هذه التجارب السياسية والدينية بفعل صبغتها السياسية المركزية أن تفرض من فوق نوعا من اللحمة لم يكن تحقيقها في فضاء شعبي بسيط التكوين وتسوده علاقاته الفوضى التي فرضها التفكك القبلي الذي عرفته الجزائر في القرن التاسع عشر من جهة والسيطرة الاستعمارية من جهة أخرى.
وقد كانت الإجراءات المتخذة أيام جيل كومبون ضد الطرق الصوفية تتمثل في تفتيتها وإضعافها والاستفادة منها، دون القضاء عليها أو مواجهتها وسيكون لهذه السياسة عواقبها خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين وكأن هذه الطرق قد اسنتفذت طاقتها وأدت دورها وكان عليها أن تترك المجال لموجة جديدة من "حماة الدين" وهم رجال الحركة الإصلاحية، ثم بعد ذلك الدور الفعال الذي قامت به الحركة الوطنية الاستقلالية التي دخلت في معركة جديدة مع الإدارة الاستعمارية وأعوانها بأساليب جديدة(12).
وكانت فرنسا الاستعمارية لا تزال تراهن على هذه الطرق الصوفية التي استنفذت طاقتها، التي تجددت أيام الحركة الإصلاحية بزعامة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بفعل المساعدات والتوجيه التي تقوم بها مصلحة شؤون الأهالي(13).
وقبل أن نختم هذا المدخل الخاص بالطريقة السنوسية أحببنا أن نقول أن السنوسية ومؤسسها محمد بن علي السنوسي شخصية امتازت بالطموح والهيبة وكان من العلماء الذين تركوا سمعة كبيرة في حياة أتباعه الذين كانوا من المخلصين؛ كما كان محاطًا بفريق من الكوادر العلمية والأدبية مما أهله وأهل ابنه محمد المهدي فيما بعد إلى تكوين حركة كان لها الدور الكبير في مواجهة المصالح الاستعمارية في المنطقة،وما يمكن أن ننوه به هنا أن فرنسا الاستعمارية في أيام السفاح بوجو أرسلت الجاسوس الشهير ليون روش بصحبة مقدمي الطريقة التجانية والطيبية إلى القيروان والمغرب الأقصى والأزهر الشريف ومكة المكرمة من أجل استصدار فتوى وهذا عام 1842م لاستسلام المسلمين إلى واقعهم ولما اجتمع مجلس أعيان وعلماء مكة المكرمة بطلب من الشريف غالب حاكم مكة؛ رفض محمد بن علي السنوسي الكبير التوقيع على استسلام أبناء المسلمين المجاهدين في الجزائر وهو ما ذكره ليون روش نفسه في كتابه" اثنان وثلاثون سنة في الإسلام"(14).
والشيء الذي يحسب لهذا العالم المجدد أنه من بين العلماء الأعلام في عصره الذين شهدت لهم الدراسات والوثائق الأجنبية قبل الكتابات الوطنية بالسمو والفهم العميق لأزمة التخلف التي صاحبت ظروف المجتمع خلال القرن العصيب حيث جمعت الحركة السنوسية بين أعمال القلب وأعمال المادة، إذْ حققت أكبر التصرفات الإسلامية دلالة على وحدة العمل كان توحيد بين الأعمال الروحية وبين الأعمال المادية وهو ما بدا جليًّا في ظاهرة الزهد الإسلامي القويم، فعلى خلاف حضارات أخرى ناقضت أعمال الروح وأعمال المادة، فمالت إلى أحد الطرفين على حساب الآخر، نجد الزهد الإسلامي الذي تمثلته الحركة السنوسية قد نشأ جمعًا بين أمرين: أعمال لتصفية الروح، وأعمال للتعمير المادي، وذلك ما كان متجليًّا في حركة الرباطات والمحارس التي أقيمت على سواحل إفريقية منذ أواسط القرن الثاني، ثم امتدت من أقصى المغرب إلى الإسكندرية وفي هذه الرباطات كانت تتناسق أعمال تغذي الروح على منهج من المرابطة الجهادية وأعمال من الوصال الاجتماعي بمباشرة التعليم والتربية لعامة المسلمين،وأعمال النشاط الاقتصادي بمباشرة الزراعة وتعمير الأرض من قبل المرابطين لما حولهم من الأرض(15)حتى أصبح الرباط بهذا العمل التوحيدي" عاملا من العوامل الثقافية في تكوين الروح الثقافية بالمغرب واتساعها وترسيخ آثارها في النفسية الشعبية، ووصل ما بين العناصر الاجتماعية بسببها، وهذا المنهج التوحيدي هو الذي امتدت به الرباطات والزوايا في سلسلة صحراوية طويلة توازي السلسلة الساحلية(16) ، فقامت الحركة السنوسية في النصف الأول من القرن التاسع عشر توحد في فعالية عجيبة بين أعمال في الزهد روحانية، وأعمال جهادية تربوية، وأعمال تعميرية اقتصادية زراعية وصناعية(17) فكانت مظهرًا بديعًا للتوحيد في العمل يمثل بحق فقهًا متميزًا في التحضر الإسلامي من شأنه أن يفضي إلى ترقية منهجية في نطاق الخلافة في الأرض(18).وهذا ما دعا أحد الباحثين المعاصرين إلى القول أن السنوسية دين ودولة(19).
هذه الحركة الإصلاحية هي التي بثت زوايا المعرفة والعلم في كامل إفريقيا، وعلى الخصوص ليبيا وتشاد والجزائر، ولا تزال آثار هذه الحركة حاضرة من خلال أعمال وآثار محمد بن علي السنوسي الكبير خريج بوقيرات وجامعة فاس العامرة ومدرسة مازونة، ولهذا فأفضال مدارس وزوايا المعرفة والعلم بالريف وحواضر وسهل الشلف، دالة على مكانة الجهة الغربية في حفظ الشعار الإسلامية وركنها الركين الحفاظ على القرآن الكريم ببثه في صدور الرجال والنساء من مختلف الشراع الاجتماعية، ولا تكفي هذه الوريقات لتغطية هذا العنوان الذي يحتاج إلى توثيق جيد واطلاع واع على العلماء الأعلام من الغرب الجزائري.
(من خلال إدريس الأزهر(الأصغر )باني فاس ابن الإمام إدريس الأكبر أول ملوك الأدارسة.
وكانت السنوسية دعوة من الدعوات الصالحات التي أعادت للمسلمين في إفريقيا والصحراء الكبرى مكانتها التاريخية حيث كانت طريقة تمتاز بوضوح مناهجها في الدعوة والإصلاح، حيث دعت إلى إحياء الدين الإسلامي ومحاربة الجمود ونبذ البدع ومؤسسها أصيل محلة الواسطة على ضفتي وادي شلف وأسرته من قبيلة مجاهر التي ينضوي تحتها ما يزيد عن سبعين ألف نفس ولا تزال مستغانم مقرًّا لهذه الأسرة، وقد أسس ابن السنوسي الحركة المنسوبة إلى جده السنوسي.
**السنوسية النشأة والمسار الفكري والتاريخي**
أسس محمد بن علي بن السنوسي حركته على تقوى من الله، فقد ولد ببوقيرات بضواحي مستغانم سنة 1202هـ/1787م في أسرة شريفة ينتهي نسبها إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما وأرضاهما، وينتهي إلى قبيلة بني سنوس التابعة لمقاطعة تلمسان، وإليها نسب، كما نسب إليها طريقته الإصلاحية، تخرج في مدرسة مازونة الشهيرة، ودرس بفاس ومصر ومكة المكرمة بعد هجرته من الجزائر أثناء الحصار العسكري والاقتصادي الفرنسي للجزائر حوالي عام 1824م
نال ابن السنوسي حظًّا وافرًا من التربية والتعليم عن طريق عمته فاطمة المرأة الشريفة العالمة التي كانت تجيز العلماء بما تملك من مرويات عالية السند في الفقه والحديث وعلوم القرآن الكريم، وكان عمدته في التصوف أبو العباس أحمد بن إدريس، وإليه ينتسب أيضًا.
وقبل هجرته إلى المشرق كما كان يفعل علماء السلف من أهل المغرب الإسلامي، عاد إلى مستغانم وتزوج من إحدى بنات عمومته ثم نشب بينه وبين أقاربه الأدنين خلاف حول أملاكه واحتكم للقضاء فحكم له بالأملاك والريع وبالسجن لأقاربه فتنازل عن الريع وطلب إخلاء سبيلهم فكان له ذلك، ثم إنه بعد أن صفَّى أملاكه انتقل إلى عرب أولاد نايل وأسس زاوية بمسعد وتزوج من كريمة من كريمات القبيلة، ومارس الوعظ والإرشاد والتعليم مدة ثم غادر أولاد نايل في طريقه إلى مصر.
غادر ابن السنوسي مسعد والجزائر عامة بعد أن طلق زوجته التي رفضت الانتقال معه لمشقة الطريق ولصعوبة المهمة التي ينوي القيام بها الداعية المصلح فولدت له ولدًا توفي وهو صغير ثم ماتت أمه بعد ذلك في حياة زوجها ابن السنوسي، ودخل ابن السنوسي تونس وقابس وجامع الزيتونة واستفاد من شيوخها وأفاد طلاب العلم بالتدريس والوعظ ثم واصل سيره ودخل طرابلس الغرب وكان ذلك في حكم يوسف القرمانلي الذي كان مستقلا عن الدولة العثمانية، فأكرم نزوله ومكث في مدينة طرابلس مدة ثم انتقل إلى القاهرة وبقي بها مدة ثم غادرها إلى الحجاز.
نزل ابن السنوسي مكة حوالي 1242هـ/1827م،وكانت لهذه الرحالة مكانة كبرى في حياته العلمية والسياسية والإصلاحية حيث ساعدته جملة من العوامل:
1. استطاع محمد بن علي السنوسي الحصول على أنباء عظيمة الفائدة عن حال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
2. أُتيحت له فرصة عظيمة للاحتكاك بالعلماء في مكة وتبادل معهم الآراء حول التغيير والإصلاح مما نفعه في حياته المستقبلية.
3. كانت مكة منبرًا للدعوة ولذلك اشتغل السنوسي بنشر العلوم وتحصيلها والمناظرة فيها، واجتهد في دراسة المذاهب الإسلامية حتى حذق مخاطبة جميع العالم الإسلامي.
4. أتيحت له دراية بحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن قرب وعاشر أتباع الدعوة السلفية ومريديها وتتلمذ على علمائها وشيوخها ودرس الحركة السلفية التي أقامها الشيخ دراسة واعية في مواقفها السياسية واجتهاداتها العملية.
ولا يعرف قيمة المصلح والعالم إلا بقيمة التحصيل والنباهة والإدراك الذي شكل شخصيته وكان علماء مكة الذين تخرج على أيديهم بعد علماء مازونة ومستغانم نذكر جملة من الشيوخ الذين كان لهم الأثر الطيب في تكوينه وتأهيله للتغيير والإصلاح وهم:
· أحمد بن إدريس من أفضل شيوخ محمد بن علي السنوسي الكبير، وقد تأثر به تأثرًا كبيرًا وقد أخذ عنه عددًا من الطرق الصوفية ودرس عليه الحديث والسنة، وابن إدريس من مواليد 1173هـ بميسورة وأصله من المغرب الأقصى،ولما دخل سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود الحجاز عام 1221هـ/1806م لم يتعرضوا للشيخ العالم أحمد بن إدريس بأذى وقد وٌصف ابن إدريس بأنه ذو ميول سلفية.
· أحمد الدجاني: أخذ عنه محمد بن علي السنوسي عددًا من الأوراد الخاصة بالطرق الصوفية.
· أبوحفص عمر بن عبد الرسول العطار.
· أبو سليمان عبد الحفيظ العجمي مفتي مكة وقاضيها.
وتظافرت جملة من الأسباب أدت إلى مغادرة محمد بن علي السنوسي مكة فتوجه أولا إلى" صبيا العسير" وهي من أملاك الحركة السلفية الوهابية ثم قرر الرحيل إلى الغرب والجزائر تحديدًا وهذه الأسباب والعوامل هي:
1. وفاة أستاذه أحمد بن إدريس الذي كان يرعاه ويقدر علمه ومكانته في ذلك العصر كما ساعده في تلقين الناس الأوراد ودعوتهم إلى الخير.
2. عداوة شيوخ مكة له نظرًا لأفكاره الجديدة التي يبثها بين أتباعه وهي دعوة تقلق الشيوخ التقليديين والحكومة العثمانية لاتهامه بأنه داعية من دعاة السلفية الوهابية.
3. ذكر عبد القادر بن علي أحد الباحثين في الشؤون السنوسية رغبة محمد بن علي السنوسي الكبير في العودة إلى الجزائر للجهاد في سبيل الله وهو صاحب القول المشهور وهو يودع الحاج محي الدين وابنه الشاب عبد القادر الذي سيكون له الدور المحوري في جهاد الغزاة الفرنسيين بالجزائر منذ عام 1832م:"إن الدين الإسلامي يحتم على كل مسلم أن يدافع عنه بقدر استطاعته ويحرم على المسلمين الاستسلام للعدو الغاصب المعتدي والمنتهك لحرمات الدين الإسلامي والمعطل لأحكام الله، وإني استوصيك بولدنا عبد القادر هذا خيرًا فإنه ممن يذود عن حرمات الإسلام ويرفع راية الجهاد".
4. فكر محمد بن علي السنوسي في الانتقال بالدعوة إلى مكان آمن يستطيع فيه نشر أفكاره بعيدًا عن أعين الرقباء والعيون الساهرة على النوم العام(الاستعمار).
**استقرار محمد بن علي السنوسي بليبيا وتأسيس زوايا المعرفة والعلم**
استقر محمد بن علي السنوسي في ليبيا الشمالية مدة سنتين أسس فيها الزاوية البيضاء المشهورة وهي الزاوية الأم في إفريقيا كلها وكان ابن السنوسي قبل هذا على اتصال بجهاد الجزائريين حتى وفاته عام 1859م وواصل من بعده أتباعه مساعدة جهاد الجزائريين في ورقلة والغرب الجزائري كما هو مسجل في وثائق العصر.
وبعد سنتين من استقراره في برقة والجبل الأخضر عند حلفائه العواقير(قبيلة عربية ليبية) وانتقل إلى مكان يسمى ماسة وتقدم من ماسة إلى محل يسمى دنقلة حيث مكان الزاوية البيضاء بالقرب من ضريح الصحابي الجليل رويفع بن ثابت الأنصاري t وقد شرع الإخوان السنوسيون في تأسيسها قبل مجيء ابن السنوسي.
ويكفي أن نعرف رواد الجيل الجديد الذي تكون على يديه محمد المهدي وهم العالم الفذ عمران بن بركة، أحمد الريفي، علي بن عبد المولى، ومحمد المدني التلمساني، محمد بن حسن البسكري، عبد المتعال الإدريسي، أحمد أبو القاسم التواتي، أبو القاسم العيساوي، عمر الأشهب، محمد بن عبد الشفيع، محمد السكوري، مصطفى المحجوب، عبد الرحيم المحجوب، عمر الفضيل، محمد بن الصادق الطائفي، أبو سيف مقرب، فالح الظاهري، عبد الله التنسي، محمد بن إبراهيم الغماري، المرتضى فركاش، حسين الغرياني. وكون معظم هؤلاء الرواد المجلس الأعلى للحركة السنوسية فقد كون محمد المهدي السنوسي المجلس الأعلى من كبار الإخوان، يتكون من:
1. العلامة عمران بن بركة(رئيس مجلس الشيوخ).
2. أحمد الريفي(رئيس مجلس الوزراء).
3. على عبد المولى(حاكم الجغبوب) ووزير المالية والداخلية، إلى جانب نظارة الخاصة الإمامية، النظر في شؤون عائلة المهدي).
4. فالح الظاهري.
5. وعبد الرحيم المحجوب.
6. محمد المدني لتلمساني(وزير الشؤون الاجتماعية).
7. محمد بن الحسن البسكري.
8. أبو سيف مقرب.
9. محمد الشريف(وزير المعارف، إلى جانب نيابته عن الإمام المهدي).
10.رؤساء الزوايا(حكام وولاة المناطق والأقاليم، نواب الأمة أمام المجلس الأعلى للحركة السنوسية).
وكان هذا المجلس يمثل قمة الهرم الذي قاعدته الزوايا، وكان يضم كبار رؤساء الزوايا في برقة وطرابلس ومصر والحجاز والسودان وشمال إفريقيا وكان يجتمع سنويا في الجغبوب للنظر في أهم أمور الحركة، وكان يرأسه محمد الشريف السنوسي ثم تعرض قراراته على الإمام المهدي السنوسي للموافقه عليها، أو تعديلها بما يبدو له.
وبالنظر إلى القضية عن قرب كما ذهب إلى ذلك أحد الباحثين تبرز لنا خصوصية هامة اتسمت بها هذه الطرق الثلاث(القادرية(الجزائر)المهدوية(السودان) السنوسية(ليبيا)(11).وتمثلت في اعتماد كل منها فكريا على نوع من الإيديولوجية الإسلامية القريبة بطريقة أو أخرى من الحركة التجديدية في الحجاز وهي الوهابية التي استطاعت عبر هذه التجارب السياسية والدينية بفعل صبغتها السياسية المركزية أن تفرض من فوق نوعا من اللحمة لم يكن تحقيقها في فضاء شعبي بسيط التكوين وتسوده علاقاته الفوضى التي فرضها التفكك القبلي الذي عرفته الجزائر في القرن التاسع عشر من جهة والسيطرة الاستعمارية من جهة أخرى.
وقد كانت الإجراءات المتخذة أيام جيل كومبون ضد الطرق الصوفية تتمثل في تفتيتها وإضعافها والاستفادة منها، دون القضاء عليها أو مواجهتها وسيكون لهذه السياسة عواقبها خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين وكأن هذه الطرق قد اسنتفذت طاقتها وأدت دورها وكان عليها أن تترك المجال لموجة جديدة من "حماة الدين" وهم رجال الحركة الإصلاحية، ثم بعد ذلك الدور الفعال الذي قامت به الحركة الوطنية الاستقلالية التي دخلت في معركة جديدة مع الإدارة الاستعمارية وأعوانها بأساليب جديدة(12).
وكانت فرنسا الاستعمارية لا تزال تراهن على هذه الطرق الصوفية التي استنفذت طاقتها، التي تجددت أيام الحركة الإصلاحية بزعامة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بفعل المساعدات والتوجيه التي تقوم بها مصلحة شؤون الأهالي(13).
وقبل أن نختم هذا المدخل الخاص بالطريقة السنوسية أحببنا أن نقول أن السنوسية ومؤسسها محمد بن علي السنوسي شخصية امتازت بالطموح والهيبة وكان من العلماء الذين تركوا سمعة كبيرة في حياة أتباعه الذين كانوا من المخلصين؛ كما كان محاطًا بفريق من الكوادر العلمية والأدبية مما أهله وأهل ابنه محمد المهدي فيما بعد إلى تكوين حركة كان لها الدور الكبير في مواجهة المصالح الاستعمارية في المنطقة،وما يمكن أن ننوه به هنا أن فرنسا الاستعمارية في أيام السفاح بوجو أرسلت الجاسوس الشهير ليون روش بصحبة مقدمي الطريقة التجانية والطيبية إلى القيروان والمغرب الأقصى والأزهر الشريف ومكة المكرمة من أجل استصدار فتوى وهذا عام 1842م لاستسلام المسلمين إلى واقعهم ولما اجتمع مجلس أعيان وعلماء مكة المكرمة بطلب من الشريف غالب حاكم مكة؛ رفض محمد بن علي السنوسي الكبير التوقيع على استسلام أبناء المسلمين المجاهدين في الجزائر وهو ما ذكره ليون روش نفسه في كتابه" اثنان وثلاثون سنة في الإسلام"(14).
والشيء الذي يحسب لهذا العالم المجدد أنه من بين العلماء الأعلام في عصره الذين شهدت لهم الدراسات والوثائق الأجنبية قبل الكتابات الوطنية بالسمو والفهم العميق لأزمة التخلف التي صاحبت ظروف المجتمع خلال القرن العصيب حيث جمعت الحركة السنوسية بين أعمال القلب وأعمال المادة، إذْ حققت أكبر التصرفات الإسلامية دلالة على وحدة العمل كان توحيد بين الأعمال الروحية وبين الأعمال المادية وهو ما بدا جليًّا في ظاهرة الزهد الإسلامي القويم، فعلى خلاف حضارات أخرى ناقضت أعمال الروح وأعمال المادة، فمالت إلى أحد الطرفين على حساب الآخر، نجد الزهد الإسلامي الذي تمثلته الحركة السنوسية قد نشأ جمعًا بين أمرين: أعمال لتصفية الروح، وأعمال للتعمير المادي، وذلك ما كان متجليًّا في حركة الرباطات والمحارس التي أقيمت على سواحل إفريقية منذ أواسط القرن الثاني، ثم امتدت من أقصى المغرب إلى الإسكندرية وفي هذه الرباطات كانت تتناسق أعمال تغذي الروح على منهج من المرابطة الجهادية وأعمال من الوصال الاجتماعي بمباشرة التعليم والتربية لعامة المسلمين،وأعمال النشاط الاقتصادي بمباشرة الزراعة وتعمير الأرض من قبل المرابطين لما حولهم من الأرض(15)حتى أصبح الرباط بهذا العمل التوحيدي" عاملا من العوامل الثقافية في تكوين الروح الثقافية بالمغرب واتساعها وترسيخ آثارها في النفسية الشعبية، ووصل ما بين العناصر الاجتماعية بسببها، وهذا المنهج التوحيدي هو الذي امتدت به الرباطات والزوايا في سلسلة صحراوية طويلة توازي السلسلة الساحلية(16) ، فقامت الحركة السنوسية في النصف الأول من القرن التاسع عشر توحد في فعالية عجيبة بين أعمال في الزهد روحانية، وأعمال جهادية تربوية، وأعمال تعميرية اقتصادية زراعية وصناعية(17) فكانت مظهرًا بديعًا للتوحيد في العمل يمثل بحق فقهًا متميزًا في التحضر الإسلامي من شأنه أن يفضي إلى ترقية منهجية في نطاق الخلافة في الأرض(18).وهذا ما دعا أحد الباحثين المعاصرين إلى القول أن السنوسية دين ودولة(19).
هذه الحركة الإصلاحية هي التي بثت زوايا المعرفة والعلم في كامل إفريقيا، وعلى الخصوص ليبيا وتشاد والجزائر، ولا تزال آثار هذه الحركة حاضرة من خلال أعمال وآثار محمد بن علي السنوسي الكبير خريج بوقيرات وجامعة فاس العامرة ومدرسة مازونة، ولهذا فأفضال مدارس وزوايا المعرفة والعلم بالريف وحواضر وسهل الشلف، دالة على مكانة الجهة الغربية في حفظ الشعار الإسلامية وركنها الركين الحفاظ على القرآن الكريم ببثه في صدور الرجال والنساء من مختلف الشراع الاجتماعية، ولا تكفي هذه الوريقات لتغطية هذا العنوان الذي يحتاج إلى توثيق جيد واطلاع واع على العلماء الأعلام من الغرب الجزائري.
سأرد لاحق إن شاء الله
السبت 20 يونيو 2009, 17:54
السلام عليكم، أنا إبن الزاوية السنوسية ببوقيرات، سأطلاع مقالكم وأقوم بالرد لاحقا ان شاء الله، لكم ألف تحية على هذا الموقع الرائع
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى