مجرد رأي الصحافة على المقاس...

سمعت أكثـر من مسؤول في الحكومة في الأزمة بين مصر والجزائر، يثني ويشكر الصحافة الجزائرية، على وطنيتها وعلى دفاعها عن البلد باستماتة لا مثيل لها. سمعنا ذلك من الوزير الأول ومن أكثـر من وزير في طاقمه الحكومي، كلها مدحت وأثنت وقالت كلاما معسولا ليس من السهل النطق به. يحدث هذا رغم أن ما قامت به الصحافة في قضية مصر أو في غيرها، هو من صميم عملها ولم تزد أو تنقص منه شيئا، وقامت بذلك دون أن تنتظر جزاء أو شكورا من أي جهة، لأنها فعلت ذلك كقناعة مهنية وليس تزلفا لأي أحد.
لكن هذه الصحافة التي أعطيت علامة عشرة على عشرة سرعان ما تلصق بها شتى أنواع النعوت والأوصاف عندما تكشف خروقات وتجاوزات في هذه الوزارة أو تلك أو تظهر عيوب هذا القطاع أو ذلك، أو فقط لأنها كتبت عن حقيقة يريد هذا الوزير أو ذاك طمسها أو تغييبها عن الرأي العام، لأنها تتحدث عن لا مبالاة أو فشل هذا الوزير في تسيير الشأن الذي له علاقة مباشرة بحياة الجزائريين، كما هو الشأن بالنسبة لقضية وباء أنفلونزا الخنازير وسوء تسيير ملفه من قبل الوزارة المكلفة بالصحة.
وإذا كان من حق وزير الصحة مثلا أو غيره من الوزراء أن لا تعجبهم ما تكتبه أو تقوله الصحافة بخصوص متابعتها لقطاعاتهم، لكن ليس من حق أحد جعل الصحافة على مقاس الوزير وما دون ذلك، فإنها متهمة بعيوب الدنيا كلها، وللأسف الشديد هو المقياس المعتمد من قبل العدد الأكبر من وزراء الطاقم الحكومي الذين تجدهم في أشد السعادة عندما لا تذكر الصحافة قطاعاتهم بـ''نقد'' أو لا تتحدث عنها أصلا، لكنها تتحول إلى شيطان أكبر لما تكشف عما يتستر عنه هذا الوزير أو ذاك من فضائح ومشاكل لا يشرف وجودها سمعة البلد برمته قبل سمعة الوزير.
لقد قال ذات يوم الرئيس الأمريكي طوماس جيفرسون كلمة مأثورة وهي، ''لو أنني خُيّرت بين أن تكون لدينا حكومة بدون صحافة أو صحافة بدون حكومة، لما ترددت لحظة في تفضيل الخيار الثاني''، لكن ماذا لو سئل وزراؤنا عن ذلك وطلب منهم الاختيار؟ الأكيد أنكم تتصورون الجواب.. لسبب بسيط أن بعض الوزراء عندنا لا يعرفون ما يجري في قطاعاتهم سوى عبر الصحافة ومع ذلك لا يحمدونها.