نحو أبناء لا يحسنون الشتائم..!
الخميس 18 مارس 2010, 08:20
نحو أبناء لا يحسنون الشتائم..!
سحر محمد يسري
ترى ما هو السبب؟ هل انخفض مستوى "أحمد" الدراسي؟ أم أن هناك قسط من المصروفات نسيتُ أن أسدده؟ أم أن بعض زملائه المشاغبين قد استدرجوه إلى مشاجرة لم تحمد عقباها؟؟
دارت هذه الأسئلة في رأس والد "أحمد" طوال الطريق.
وفي حجرة المدير عرف الأب السبب.. ؟؟!!
عزيزي المربي:
تظل ظاهرة تلفظ الأبناء بالسباب والشتائم من أكثر الظواهر السيئة التي يحزن المربي كثيرًا إذا اتصف ولده بها، كما أنها تسبب للمربي الكثير من الحرج، خصوصًا عندما يواجه شكاوى المدرسة أو الجيران، إذ يطلبون من الأب تأديب ولده الذي يقول لزملائه: (يا...، ويا...)، وأحيانًا يا أولاد...!!).
فأين ذلك من اللفظة الرقيقة المهذبة وما لها من أثر بالغ في جذب الأفئدة، وزيادة المحبة، وإعطاء الانطباع الجيد عن الابن وبيئته التي تربى فيها ؟
إنها هداية من الله تعالى:
إنَّ انتقاء أطيب الكلمات والعبارات هو سلوك إيماني يتمثله الصالحون في أقوالهم، قال تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} [الحج: 24]، فجعل الكلام الطيب نوعًا من الهداية، ومدحًا للمؤمنين في كتابه العزيز، بل وحث إلى الخطاب الحسن مع الناس جميعًا، قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83].
فرُقِيِّ المؤمن ليس في فكره وتصوراته وقيمه فقط، بل في سلوكه وأخلاقه، وكذلك في بيانه ومنطقه، وهو كذلك مطالب بتربية أبنائه على اللفظ الكريم، وتهذيب ألسنتهم حتى تستقيم على القول الطيب، والكلمات الراقية التي يعبرون بها عن حاجاتهم ورغباتهم ومشاعرهم. [موقع صيد الفوائد، مقال: تقويم ألفاظ الأبناء، بتصرف].
ولكن الأمور ليست بالتمني .. فقد تقابلنا جميعًا تلك المشكلة:
إنها مشكلة: الكلام البذيء
ولهذه المشكلة درجة واسعة من الشيوع؛ لذا فإن الكثير من علماء النفس والتربويون يصفونها "بالظاهرة"، فمعظم الأطفال تقريبًا يستخدمون الألفاظ البذيئة في إحدى مراحل نموهم على الأقل.
ويأخذ الكلام البذيء الصادر من الطفل عدة أشكال:
- الشتم: وهو الكلام الذي يعكس تمني الأذى لشخص ما مثل اللعنات، أو نعته بالأوصاف القبيحة، أو تشبيهه بالحيوانات.
- البذاءة: وهو الكلام الذي يشير إلى موضوعات جنسية أو تخلص الجسم من الفضلات مثلًا.
- التجديف: وهو الكلام بعدم احترام عن أمر ديني أو مقدس [الاضطرابات النفسية للأطفال والمراهقين، د.سعد رياض، ص (25)].
- التعيير: وغالبًا ما يكون بعيب خِلقي، أو عاهة، أو وضع اجتماعي متدني يدركه الطفل المعتدي.
ولهذه الأسباب يتلفظ الصغار بالشتائم:
- تقليد الكبار: إذ لا تخلو تصرفات الأطفال من الأفعال والأقوال الغير مرغوب فيها، وقد يحمل ذلك بعض المربين على سب الطفل بألفاظ قبيحة كاللعن، أو تلقيبه بأسماء بعض الحيوانات، وغير ذلك، ولا ينتبه المربي أن هذه الألفاظ ستنتقل بدورها للطفل؛ ليتعامل بها مع إخوته ورفاقه أو من يتصل بهم [نحو تربية إسلامية راشدة، محمد بن شاكر الشريف، ص(72)، بتصرف].
- إثارة الاهتمام: الأطفال مجبولون على حب إثارة اهتمام الآخرين خاصة الوالدين، فإذا شعر الطفل أنه جذب انتباه الآخرين بكلمة معينة، يعمد إلى تكرار العبارة، حتى تصبح عادةلديه، خاصة إذا وجد الطفل استحسانًا من الكبار الذين يستمتعون بطريقة نطقه الطريفة للكلام، فيطلبون منه تكرار الكلمة حتى ولو كانت من الشتائم.
- تقليد الرفاق: هناك ما يشبه العدوى في انتقال السلوك بين الأطفال، لذلك قد يتعرف الطفل على الألفاظ السيئة من زملاء الدراسة، أو رفاق اللعب في الشارع، وقد يسمعها الطفل من المواد التي يشاهدها عبر الشاشات.
- التحدي والدفاع عن النفس: حيث يجد الطفل في استخدام الكلمات التي تثير انفعال الطفل الآخر وسيلةتناسب قدراته للدفاع عن نفسه.
- إعطاء الكبار شعورًا بالصدمة: فمن الممتع جدًا للطفل أن يصدم الكبار، ولا غرابة حيث أنك إذا أصبت شخصًا بصدمة ستشعر لحظتها بالتفوق عليه، وهذا بالضبط ما يسعد الطفل إذا كان هذا هو هدفه. [مرشد الآباء والأبناء، محمد سعيد مرسي، ص(59)].
وما هو الحل؟ هل نحجبهم عن العالم؟ أم نحبسهم في قمقم؟
إنَّ غلق جميع المنافذ عن الأبناء أمر متعذر، وخصوصًا في هذا الزمن، فالابن قد يكتسب ذلك من المدرسة أو الأقارب أو الجيران.
ولكن السؤال الأهم: كيف يتعامل ولدي مع الألفاظ البذيئة التي يسمعها؟! وما هي ردة الفعل الصحيحة التي ينبغي أن يتخذها تجاه هذه العبارات؟!
كيف أجعل ابني يسمع هذه العبارات، وتمر عليه مر الكرام دون أن يتبناها ؟!
بدايةً لاحظ في أيّ المواقف يتلفظ الطفل بالكلام البذيء؟
هل يسب إذا غضب؟! أم أن ذلك يستمر معه في حالات اللعب والمرح؟!
هل يستخدم معجم الشتم في أماكن معينة؟ مثل المدرسة أو النادي، وسط رفاقه حيث يغيب الرقيب على ألفاظه، ويرى في إطلاق الشتائم فرصة للزهو على زملائه..!
إذا كان في جميع الحالات يقذف بعبارات الشتائم فذلك يعني أن هذه صفة لازمة له وليست عرضًا يزول بزوال المؤثر، مما يتطلب جهدًا ودراسة متأنية لبيئة الطفل ومراجعة دقيقة لألفاظ المربين، فاتجه أولًا إلى معرفة المصدر؛ لتزيله، ومن ثم تبدأ في التغيير.
وقبل العلاج، ابدأ بنفسك عزيزي المربي:
فقبل أن توجِّه طفلك إلى حسن القول وتهذيب الكلام، ينبغي أن تكون ألفاظك كريمة، بعيدة عن فحش الكلام وبذيئه، وهذا الجانب لا يكفي التلقين الشفوي في الوفاء به أبدًا، بل يجب أن يكون هذا التوجيه هو خلقك الثابت أيها المربي الفاضل، وإلا فلتدرب نفسك عليه عمليًا خصوصًا أمام الطفل، فالقيم والمثل لا تؤخذ بتذبذب وتردد؛ بل بحزم وامتثال.
وليكن العلاج هادئًا وفعَّالًا هكذا:
- عند غرس أهمية اللفظة الحسنة ينبغي أن يقرن بذلك محبة الله عز وجل لهذا السلوك الحسن وأنه قربة لله تعالى، وعليه أن يكون مهذبًا في قوله في كل وقت لأنه يتعبد بذلك لله، وحبذا أن يقوم المربي بتحفيظ الطفل بعض الآيات والأحاديث، مثل قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطَّعَّان ولا اللَّعَّان ولا الفاحش ولا البذيء) [صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (1977)].
- عند توجيه الطفل انتقد السلوك الخطأ الذي صدر منه، وبيَّن ما به من سوء، مع احترام ذات الطفل وعدم التعرض لها بالشتم أو السبّ، ليتسنى له قبول نفسه كإنسان سويّ، مما يساعده تلقائيًا في تصحيح سلوكه السيء، ويبعده عن تكرار السباب بدافع التقليد أو الإنتقام. [الآن أنت أب، كريم الشاذلي، ص (103)، بتصرف].
- خصَّص وقتًا كافيًا للجلوس مع أبنائك كي لا تتفاجأ عندما تسمع كلمات وقحة من أحدهم، وعندئذ لن يجدي أن تصرخ عليهم وتهددهم بالعقاب، ما لم تتجه إلى نفسك وتنظر مدى علاقتك بأبنائك، ومنذ متى لم تجلس معهم أو تستمع إليهم؟!
- اضبط نفسك، وتحكم في ألفاظك خصوصًا عند الغضب، فأنت القدوة لأبنائك، والتربية بالمثال والقدوة تؤثر بدرجة عالية في الطفل؛ لأنه لا يملك القدرة على إدراك المفاهيم وإنما لديه القدرة الفائقة في حفظ الكلمات التي يسمعها وتطبيق ما يراه من سلوكيات.
- قد يسمع الطفل كلمة بذيئة من أحد الأقارب، فيكررها بعفوية دون إدراك لقبحها نظرًا لصغره، فإذا كرر هذه الكلمة بكثرة وبطريقة مزعجة؛ عندها يجب أن تخبره أن هذه الكلمة بذيئة، وعليه أن لا يقولها مرة أخرى، ويجب أن يكون إخبارك له بنبرة صوت جادة يشعر معها أن هذه الكلمة مرفوضة.
- درّب ابنك عمليًا من خلال المواقف التلقائية داخل الأسرة، كيف يتحكم في ردود أفعاله، وكيف يأخذ رد فعل مهذب وقوي في نفس الوقت تجاه من يؤذيه أو يعتدي على أشيائه، وإلى من يلجأ؟ إذا لزم الأمر؟ وهكذا.
- يحتاج علاج هذه الظاهرة إلى صبر وإصرار من المربي، إذ الطفل في أشد الحاجة إلى التعليم والتبيين، وتفكيك المعاني، وتبسيط المفاهيم، مع الإعادة، والتكرار حتى نستيقن أن الطفل قد استوعب الأمر، فالطفل ينسى ويغفل، والاستعجال في التغيير والتبديل أمر يتناقض مع طبيعته الطفولية.
- قم بالتصحيح لفوري للألفاظ البذيئة أو الشتائم، بنفس الأسلوب ونبرة الصوت التي نطق بها الطفل اللفظ البذيء استخدم كلمة أخرى مهذبة، وقل له إنها أفضل مما يقول، مثلًا إذا سمعتَه يقول لأخيه: يا غبي..، فقل أنت: يا عبقري.. هذه الكلمة أفضل بكثير..!
- عبّر عن استيائك الشديد من الألفاظ القبيحة التي سمعنها من طفلك في نفس اللحظة التي تظهر فيها أنك تقدر فيها مشاعره من غضب أو حزن، فتقل مثلًا:
"أنا مقدر تمامًا أنك غاضب لانكسار لعبتك، لكن غير مسموح أبدًا لك أو لغيرك أن يتفوه بمثل هذه الألفاظ البذيئة في البيت!".
- ابتكر في طرق العلاج الفعالة مثل أن تحدد غرامة مالية يدفعها الطفل من مصروفه عن أي كلمة سيئة يتفوه بها، ويعلم الطفل أن هذا المبلغ سيكون تبرعًا لفقير أو يوضع في صندوق التبرعات بالمسجد المجاور للمنزل .
وأخيرًا ..عزيزي المربي:
إذا كان التوفيق للطيب من القول والجميل من الألفاظ نوعُ هداية من الله تعالى لعباده، كما بين سبحانه حيث قال عز وجلّ: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24].
فإن ذلك لا يعني أن نتوقف عند الدعاء وطلب التوفيق لهذا الخلق من الله تعالى فقط، فإن من أسباب الهداية أن نعطي من أنفسنا القدوة الحسنة والنموذج المنضبط لأبنائنا فإنهم عنا يأخذون، وبنا يقتدون.. والمربي الحقيقي هو الذي يعطي أبناءه من خلال سلوكه القيم والمبادئ الكلية التي تكون معيارًا لهم يقيسون من خلاله الصحيح من الفاسد، إلى درجة أن يكون الطفل بذاته هو الذي يتخلى عن الألفاظ البذيئة ويخرجها من معجم ألفاظه.
وبذلك يصيرون أطفالًا لا يحسنون الشتائم..!
المصادر:
- موسوعة تربية الأجيال المسلمة، نصر محمد الصنقري.
- نحو تربية إسلامية راشدة، محمد شاكر الشريف.
- مرشد الآباء والأمهات، محمد سعيد مرسي.
- الآن أنت أب، كريم الشاذلي.
- موقع صيد الفوائد، مقال "تقويم ألفاظ الأبناء".
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى