- ilyes fc.1عضو خبير
- عدد الرسائل : 611
العمر : 27
الأوسمة :
نقاط : 421
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 30/06/2008
نقد ينهش عقولنا...حوار هادء مع الشيخ سلمان
الأربعاء 03 نوفمبر 2010, 13:18
مفكرة الاسلام: الحمد لله وبعد، ففي خضم مأساة الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم وتداعياتها ، حرص كل من آتاه الله علمًا على الإدلاء بدلوه في الرد على أراذل الخلق ومن وافقهم في هذه المحنة ، فكان هذا يكتب مقالاً ، وهذا يخطب خطبة ، وذاك يبحث في حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلم، وآخر يذكر قصة لعلها توقظ النائم وتنبه الغافل ، وكان من هذه القصص التي ذكرت في كتابات بعض إخواننا الفضلاء ، ما ذكره حافظ الدنيا في وقته وأمير المؤمنين في الحديث ابن حجر العسقلاني رحمه الله في كتابه القيم:" الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" (3/128 ط. دار الجيل – بيروت) في ترجمة علي بن مرزوق بن أبي الحسن الربعي السلامي زين الدين أصله من الموصل ولد سنة 650 وتعانى التجارة ، ومات في سنة 720 ، ونصها:
" ذكر عن جمال الدين إبراهيم بن محمد الطيبي أن بعض أمراء المغل تنصر فحضر عنده جماعة من كبار النصارى والمغل فجعل واحد منهم ينتقص النبي صلى الله عليه وسلم وهناك كلب صيد مربوط فلما أكثر من ذلك وثب عليه الكلب فخمشه فخلصوه منه وقال بعض من حضر هذا بكلامك في محمد صلى الله عليه وسلم فقال كلا بل هذا الكلب عزيز النفس رآني أشير بيدي فظن أني أريد أن أضربه ثم عاد إلى ما كان فيه فأطال فوثب الكلب مرة أخرى فقبض على زردمته فقلعها فمات من حينه فأسلم بسبب ذلك نحو أربعين ألفا من المغل" اهـ
فتناقلها الفضلاء في دروسهم ومواقعهم ومنتدياتهم وذكروا معها من القرآن والسنة وقصص الصحابة ومن بعدهم ما يؤيد جريان انتقام الجبار سبحانه ممن آذى نبيه على أيدي بعض خلقه من الإنس والجن والحيوانات .
وحدث هذا منذ زمن ، ثم لما تجددت الإساءة لنبينا صلى الله عليه وسلم على أيدي بعض السفهاء، تجدد معها نشر ما ذكر سابقا مما تقدم ذكره، فثار أحد المشايخ على هذه القصة وعلى من ذكرها وحمل الأمور ما لا تحتمله واتهم من ذكرها أو أشاد بها بما لا يستحقه، وقال فيهم قولا عظيما ، من قرأه يظن أن الشيخ يرد على منافق يكيد للإسلام من داخله، أو تارك لبعض قواعد الدين ، مجاهر بعداوة أهله والكيد لهم ، وما ذنبه إلا أن نقل هذه القصة، والتي توضح صورة من صور كفاية الله عزوجل لنبيه ونصرته على المستهزئين .
ولا أستطيع أن أخفي عجبي وغضبي مما قرأته ، بداية من عنوان المقال وهو " كلب ينهش عقولنا" ومرورا بما ظنه الشيخ أدلة ومنهجا وطريقة في التفكير السليم ، وعقلية وقادة مبدعة تأتي بما لا يأتي بمثله مشايخنا الذين ذكروا هذه القصة ولم يخطر ببالهم بعضا مما قاله الشيخ لأنهم مخدرون ومغيبون عن الواقع ...إلخ ما ذكره الشيخ عفا الله عنا وعنه من صفات وألقاب نبز بها أهل الفضل ولم نسمعه يوما يقولها في حق من يستحقون أكثر منها معها !!
فطلب مني بعض الفضلاء التعليق على مقال الشيخ وإبداء الرأي فيه، فاستعنت بالله وذكرت بعض الوقفات مع مقال:" كلب ينهش عقولنا" ، ولو كان هذا المقال يناقش القصة المذكورة مناقشة علمية ويبحث في إسنادها ومتنها ويحكم عليها حكما علميا بما يناسب حالها تبعا لما قرره أهل العلم من قواعد وأصول لما تكلمنا ولا ذكرنا ردا ، ولقلنا هذا رأي الشيخ وما توصل إليه،
وهي مسألة لن يسئل عنها أحد في قبره – كما كان الشيخ يقول عن بعض مسائل الاجتهاد- وليست من أصول الإيمان ، وليست مما يشنع على المرء بمثلها ولكن الأمر لم يكن هكذا بل – وأقولها بمرارة- سلك الشيخ فيها مسلكا غير مرضي حتى في حكمه هو نفسه وفق آرائه التي عرفتها عنه قديما، فلم يكن الشيخ في مقاله مجادلا أو محاولا للوصول إلى رأي وفق قواعد النقد وأصوله المعروفة ، بل الأمر كان أبعد من ذلك ، وكان حكمه على القصة ومن ذكرها حكما قاطعا لا يسع أحدا أن يخالف فيه، وكأن المسألة مما لا يسوغ الخلاف فيه و( ليست القضية قضية جدل ومناظرة فقط، بل نحن نتكلم باسم الله وباسم الدين وباسم القرآن وباسم السنة وباسم الحديث، ولذلك لا نريد من أحد أن يخالفنا لأننا نزعم أننا نمثل الكلمة المقدسة، وهذا يقع في أذهان الكثيرين نتيجة ضيق الأفق وتحجير المفاهيم وإعجابهم بما عندهم من العلم، كما قال تعالى: { فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ } [غافر:83] وكما قال صلى الله عليه وسلم: { وإعجاب كل ذي رأي برأيه }.
فنتيجة لذلك لم يعد لدينا إمكانية أن نتحمل وجهة نظر أخرى، فعندنا شيء من الأحادية في الرأي وضيق الفهم، والمشكل أيها الأحبة -وأقولها بمرارة وصراحة- أننا -أحياناً- نظرياً قد نقول خلاف ذلك! وطالما سمعت من بعضهم وهو يقول: من خالفك بمقتضى الدليل عنده فإنه أقرب إليك ممن وافقك بغير دليل؛ لأن هذا الذي خالفك إنما خالفك للدليل، ويجب أن تكون العلاقة بينكم أمتن.
وهذا كلام نظري جميل، لكن دعنا ننظر في واقعنا العملي، وفي تعاملنا مع من خالفونا، فتجدني أنا ذلك الذي أردد دائماً وأبداً قضية الحوار والنقد البناء، وتقبل وجهات النظر المختلفة، وعدم إلزام الناس بالرأي الواحد، وجعل الناس يعيشون في بحبوحة الشريعة التي فتحها الله سبحانه وتعالى لهم، فأنا لا أحجر واسعاً، وأنا لا أفرض رأيي بثقله وبشريته وخصوصيته على النص الشرعي، أنا ذلك الذي يقول هذا الكلام تجدني أغضب بمجرد أن أرى شخصاً اختلف معي، وترتفع درجة الحرارة عندي، وتختلف نبرة الكلام، ويتغير مجرى الحديث، وتحتد اللهجة، ويبدأ القصف والقصف المضاد.
فهذا -أحياناً- يرجع إلى نوع من التربية الخاطئة على مستوى المجتمع وعلى مستوى الحلقة العلمية أو الارتباط بالعالم وعلى مستوى الدعوة أو الارتباط بمجموعة من مجموعات الدعوة ... فلماذا لا يكمل بعضها بعضاً؟! وإذا لم اقتنع بشيء فعلي ألا أعمله، لكن ليس شرطاً للعمل المثمر أن يمر عبر قناعتي العقلية، فيمكن أن يكون عملاً مثمراً وأنا لم أقتنع به، وقد أكتشف بعد حين أن قناعتي كانت في غير محلها، أو حتى قد أموت بقناعتي غير عابئ بهذا الموضوع، لكن الناس المنصفين يعلمون أن هذا الأمر له ثمرة وله إيجابية، والعدل قد يدل على ذلك)([1]) اهـ .
وكم تمنيت أن يكون ما ذكره الشيخ في آخر كلامه هنا هو موقفه تجاه إخوانه، لا أن يكون موقفه هو ما عابه هو في أول كلامه .
الشيخ لم يكتف بادعاء بطلان هذه القصة ووضعها وأنها من الأساطير والخرافات
إلا أن الشيخ لم يكتف بادعاء بطلان هذه القصة ووضعها وأنها من الأساطير والخرافات ...إلخ كلامه ، بل سفه من ذكرها وأرجع مصائب الأمة كلها وأمراض المجتمع إلى هؤلأ الصنف من الناس وأمثالهم وأنهم سبب بلاء الأمة ...إلخ كلامه
وأعود فأذكر الشيخ بما ذكره من قبل حيث يقول:
(وإذا وجدت مندوحة عن وصف الشخص -مثلاً- بالكفر أو بالفسق أو بالبدعة وهي شرعية بلا تكلف، تعين عليك سلوكها، لأن مهمتي ومهمتك ليست هي نبز الناس بالألقاب وتوزيع المعايير عليهم واتهامهم بشتى التهم، وكأني أريد أن أثبت لنفسي البراءة من خلال الطعن في الآخرين، فهذا من أخطر ما يمكن أن يكون.
وبدون شك أنه يسرنا جميعاً أن يكون الناس أخياراً، ويسرنا أن يكون الناس صالحين وأهل تقوى وأهل سنة، فأي ضرر عليك وعليه إذا صار الناس على الخير؟! هل من جيبي أعطيتهم شيئاً؟! وإذا دخل الناس الجنة هل هم سيأخذون مالي أو مال أبي أو جدي؟! كلا، بل كما قال الله تعالى: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [الجمعة:4].
إذاً: ينبغي أن يكون عندي هذه البحبوحة وهذه السعة وهذه الرحمة للناس، وهذه الفرحة بكل خير يصيبونه، والحزن لكل شر يقعون فيه، والحدب على إصلاحهم والتحري لهم؛ وفرق بين أن تكون مهمتي كأنني مقاتل في ميدان، أريد ألا يدخله أحد غيري أنا ومن يقع عليهم الاختيار، وبين كوني إنساناً يهمه أن يدعو الناس بكل ما أوتي من قوة إلى هذا الباب، كما قال تعالى: { وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [يونس:25].
فعلى الإنسان أن يحرص -فيما يتعلق بالحكم على الناس- ألا يتسرع بالحكم، وألا يعمم الأحكام، وألا يتكلم على الأشخاص بقدر المستطاع)[2]اهـ.
هذا مع أن الأمر لا يستحق كل هذا ولا يسوغ أن يكون موقف الشيخ هكذا ممن ذكر قصة تشهد لها أحاديث صحيحة ووقائع ثابتة وهي في باب يتعلق بالترغيب والترهيب ، حتى ولو كانت هذه القصة بلا إسناد أو لا نعلم صحة سندها، ويكفينا أنها لها شواهد ولا تخالف كتابا ولا سنة ولا إجماعا، وليست مستنكرة شرعا ولا عقلا . وسأبين هذا كله إن شاء الله تعالى في مناقشتي لمقال الشيخ .
كان حريا بالشيخ إذ لم يقتنع بهذه القصة ألا يصنف من ذكرها مثل هذه التصنيفات الجائرة وألا ينبزه بألقاب لا يرضى الشيخ أن يصفه بها أحد
وكان حريا بالشيخ إذ لم يقتنع بهذه القصة ألا يصنف من ذكرها مثل هذه التصنيفات الجائرة وألا ينبزه بألقاب لا يرضى الشيخ أن يصفه بها أحد مهما كان عند المخالف له من أدلة تؤكد خطأ الشيخ في مسائل كبيرة – ليس هذا موضع بيانها- وأن يتأول لمن ذكرها، وكيف لا يفعل هذا وهو القائل:"بل قد يقع في الكفر ولا يوصف بأنه كافر إلا بعد وجود الشروط وزوال الموانع من هذا الإنسان، فقد يكون جاهلاً ومثله يُجْهل، وقد يكون متأولاً، أو قد يكون قاصداً شيئاً آخر غير ما ظننت؛ أنا ظننت أنه يسخر بالدين، ولما سألته تبين أنه يقصد معنى آخر لا علاقة له بهذا الباب إطلاقاً.
وقد يكون يسخر ولكن في حالة غياب عقله وإدراكه عنه، أو غلبه نوع من المواجيد عنده جعلته يقول ذلك.
حتى إني رأيت أن الإمام الذهبي رحمة الله عليه في مواضع كثيرة، يتأول لكلمات واضحة وضوح الشمس، أنها نقض لأصول الشريعة، حتى إنه -أحياناً- يتأول أنه ربما أن الإنسان قال هذه الكلمة في حالة غياب عقله، من أجل ألاَّ يصفه -مثلاً- بالكفر، لماذا؟ لأن أهل السنة هم أرحم الناس بالناس)[3] اهـ.
ولا أريد أن أطيل وأبدأ مستعينا بالله في مناقشة موقف الشيخ من هذه القصة وممن ذكرها، فأقول مستعينا بالله:
تداولت المواقع والمنتديات مقالا للشيخ سلمان العودة بعنوان:" كلب ينهش عقولنا "
ولا أدري لماذا اختار الشيخُ الكلبَ ليتحدث عنه مع أن هناك من هو أشد من الكلب وينهش في عقل وجسد الأمة، وكم كنت أتمنى أن يرتب الشيخ ترتيبا صحيحا من الذي يستحق أن يحظى بوقته الثمين في الرد عليه ومجاهرته بأفعاله القبيحة وبيان خطره على المجتمع ترتيبا صحيحا، مثل ما كان ينصح به قديما ، ولا شك أن هناك في ظل هذه الأزمة ومشاعر المسلمين متأججة، ونفوسهم مقهورة لا شك أن هناك من كان أولى برد الشيخ عليه وتسفيه رأيه وبيان خطره على الأمة من أخيه الذي ذكر هذه القصة ، وأذكره بما نصح به شباب الدعوة قديما حيث قال:
(القاعدة العاشرة والأخيرة: إن كنت مصراً على أن هناك طائفة من دعاة الإسلام هم أعداء لك، فنحن نقول لك: على أقل تقدير رتب العداوات، هل تعتبر أنهم أشد عداوة لك من اليهود أو من النصارى أو من المشركين أو من المنافقين؟ يقيناً لا تعتقد ذلك، إذاً أجل عداوتهم، وإذا انتهيت من عداوة اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين، وأهل المخالفة الأصلية للدين، وأهل البدع الغليظة المعلنة الظاهرة الذين اجتمعوا وتحالفوا وتآلفوا عليها، وما بقي إلا عداوة أخيك الذي هو أخوك في الدين، وأخوك في المنهج، وأخوك في الطريقة، وأخوك في الكتاب، وأخوك في السنة، وإنما الفرق بينك وبينه في نظرة أو في جزئية أو في موقف أو في اجتهاد، فإذا لم يبق إلا عداوة هذا، فالله يقويك ويثيبك.
فإذا كنت مصراً على العداوة فعلى أقل تقدير رتب العداوة، واجعل العداوة تتأخر بعض الشيء، واجعل جل همك في محاربة من لا شك في خطرهم على الإسلام، فأخوك هذا قد يوجد من يشك في خطره، وأنا من طبيعة الحال ممن يشك في خطري، لأن المسلم الصادق لا خطر منه على الإسلام -إن شاء الله تعالى- لكن ذلك اليهودي أو النصراني أو المنافق أو الفاجر المحارب المعلن بالعداوة والبدعة والبغضاء لا شك أن خطره على الإسلام كبير، ومتفق على خطورته، فلماذا لا نبدأ بالمتفق عليه ونترك المختلف فيه إلى إشعار آخر؟!)[4].
لماذا اختار الشيخ هذه القصة ليتعقبها ويحكم على عقول الناس عن طريقها وهو من يتكلم دائما عن فقه الأولويات وعن فقه ترتيب العداوات
لماذا اختار الشيخ هذه القصة ليتعقبها ويحكم على عقول الناس عن طريقها وهو من يتكلم دائما عن فقه الأولويات وعن فقه ترتيب العداوات، مع أن القصص التي تروى بل والمنكرات التي تقع يضيق الوقت عند محاولة الاختيار: بأيها يبدأ الإنكار؛لكثرتها وعظم فسادها ؟!
وأين يقع أصحاب الأقلام والمواقع ممن نحسبهم على خير من الذين نشروا هذه القصة ناقلين عن الحافظ ابن حجر رحمه الله من مبدأ الموازنة بين الحسنات والسيئات ، فهلا التمس فضيلته لهم العذر وجعلها على أسوأ تقدير: عملا مباحا مغمورا في بحور حسناتهم ؟!
قال الشيخ (ومع كون القصة مروية في بعض المصادر التاريخية، إلا أنني أعتقد أن اختيارها من كم هائل من المرويات العادية وإبرازها وتصديقها ينم عن مأساة في العقل المسلم!)
وإذا كانت هذه القصة (من المرويات العادية) فلماذا كل هذه الضجة والعناوين المثيرة والانشغال بالجزئيات- على حد تعبير الشيخ في بعض المناسبات، مع إقراري بأهمية هذه الجزئيات وعدم إهمالها - وشغل أذهان الناس عن الأحداث الكبار بل وعن المأسأة التي طرحت هذه القصة من أجلها، وهي محنة سب الرسول صلى الله عليه وسلم والإساءة إليه على أعين الجميع دون مبالاة بمشاعر المسلمين؟!
بل إنني أعتبر كتابة هذه المقال من الشيخ والانشغال بالرد على أمر لا يستطيع أحد أن يخرجه على أسوأ تقدير من دائرة المباح والاجتهاد الذي يعذر صاحبه به ، مع العلم بأن من ساقها لم يسقها كدليل شرعي لإثبات حكم شرعي عن أمر أو نفيه عنه ، بل ساقها للعبرة وإثارة الغيرة، أعتبر ذلك من الشيخ من محن العقل المسلم في هذا الزمن ، وإلا فوسط كل الردود التي كتبت في الرد على من أساء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ووسط كل الصيحات التي رفعها كل من يحب الرسول صلى الله عليه وسلم لإيقاظ مشاعر الانتصار لله ورسوله وإيقاظ الأمة من سباتها، وسط هذا كله لم يلفت نظر الشيخ سلمان إلا هذه القصة ، ولم يغضبه إلا من أوردها متهما إياه بأشنع التهم ، وواصفا إياه بأقذع الأوصاف ، ومتهما إخوانه بتهم وأوصاف لا يتهم هو نفسه بها أهل البدع ولم نسمعها منه من قبل حتى في رده على بعض المبتدعة!
وأي حاجة هذه التي تسوغ وضع من ينتصر للرسول ويدافع عنه ويوقظ المشاعر بذكر قصة ذكرها حافظ الدنيا في وقته وأمير المؤمنين في الحديث وصاحب علم جم وعقل ناقد وإمام مطلع على الجرح والتعديل ، أي حاجة هذه التي سوغت نشر هذا المقال بهذا الأسلوب بعد تجدد محنة الدانمارك بوقت قصير بل والمواقف السيئة التي قوبلت بها من قبل بعض المتكلمين باسم الدين ممن يحسبون أنهم على شيء وأظهرت وسائل الإعلام لهم بريقا خادعا كالسراب يحسبه الظمآن ماءا حتى إذا أتاه لم يجده شيئا بل وجده غثاء وجهلا ، بعض من هذه صفته هون من أمر الرسوم وطار إلى بلاد من زين لهم الشيطان سوء أعمالهم وصافح من تلطخت عقولهم قبل أيديهم بالدفاع عن أحقر البشر ممن رسم وأساء واتهم سيد البشر ، رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم ،
ومع هذا لم يتنقص الشيخ إلا على مَنْ ذكر قصة فيها إساءة للنصارى، وانتصار للرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يكذب ناقلها ولم يخرف ولم يدّع محالا ولم ينسج القصة من خياله بل نقلها من كتاب قيم ، أليس موقف الشيخ هذا حقا محنة من محن العقل المعاصر .
يقول:( وقد ذكر الرواية ابن حجر في الدرر الكامنة (4/153) عن علي بن مرزوق، ولم يذكر عنه أكثر من أنه تعاطى التجارة، والظاهر أن القصة مرسلة، ليس لها إسناد، وعادة أصحاب الدواوين الكبيرة والتراجم الموسعة أنهم يذكرون ما في الباب بغض النظر عن صحته، ولم يذكر ابن حجر عن ذلك المترجم إلا هذه القصة فحسب، وكفى بذلك دليلاً على نكارتها وإغرابها).
كيف يكون ذكر الحافظ لها وسكوته عنها واختيارها من بين أقوال ومواقف في حياة من ترجم له وإبرازها في كتابه الذين يتكلم عن أعيان المائة الثامنة ، كيف يدل هذا على نكارتها؟!
والشيخ يقصد بالنكارة هنا نكارة المتن وليس الإسناد إذ قد صرح بعدم وقوفه على إسناد القصة، ومعلوم أن من المشهور من معاني المنكر في المصطلح أنه ما رواه الضعيف مخالفا فيه الثقة،
فمن أين علم أن الراوي هذا ضعيف؟!
وأي رواية للثقة خالفها هذا الضعيف؟!
لم يبق إلا أن الشيخ استنكر عقله هذه القصة ، وهذه مشكلة كبيرة إن كان الأمر كذلك، وإلا فماذا يقول الشيخ عن المعجزات والكرامات الثابتة والتي منها ما هو مثلها وثابت في السنة، ومنها ما هو أشد غرابة من هذه القصة، وسيأتي الإشارة إلى بعضها .
يقول:( هذا التصفيق الحاد لكلب في المواقع الإلكترونية، والانبهار المذهل)
هذا الأسلوب الفكاهي أو الساخر في مناقشة محنة وأزمة -في نظر الشيخ- لا يليق أن يستخدمه مع إخوانه، لا سيما وأن شيئا من هذا لم يكن ، فلم نسمع أو نخبر عن تصفيق حاد في المواقع بل كانت القلوب متألمة والأعين دامعة وهي ترى كيف يسيء حثالة من الناس إلى من شرح الله صدره ورفع ذكره ، ومثقفونا مشغولون بالتقارب معهم ومحاولة استيضاح وجهات نظرهم والتعقل ورباطة الجأش وترك التهور والحكمة ...إلخ هذه المنظومة المظلومة .. لم يكن الناس يقرؤون القصة يا فضيلة الشيخ وكأنهم يشاهدون مباراة من التي استنزفت أموال ووقت وجهد الأمة وشبابها وخدرتها ولم نسمع تعليقا على ذلك أو استهجانا له؛ لأن ذلك ليس من الحكمة في هذه المرحلة .
لم يكن الناس يقرؤون القصة يا فضيلة الشيخ وكأنهم يشاهدون فيلما من الأفلام التي خدرت الأمة بحق واستخفت بعقولها وعبثت بمقدراتها
لم يكن الناس يقرؤون القصة يا فضيلة الشيخ وكأنهم يشاهدون فيلما من الأفلام التي خدرت الأمة بحق واستخفت بعقولها وعبثت بمقدراتها، ومع هذا .. سلم أهلها منا ولم يُذكروا إذا ذكروا إلا بإشارات دون تعيين لأننا لا نريد أن نحاصر الناس بأخطائهم – كما يقول البعض ! –
لم يكن الأمر كما ذكر الشيخ ، حتى وإن لم أرهم بعيني ولكنني أحسن بهم الظن وأحب لهم ما أحب لنفسي فلم أصفق حينما قرأت القصة بل حزنت وتألمت وهذا ما ظننته بإخوتي ممن قرأها أو نشرها ، وكيف لا ومن بدهيات الإيمان الاعتقاد والعمل بقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) رواه البخاري (رقم 13) ومسلم(رقم45).
وفي رواية: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ أَوْ قَالَ لِجَارِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)).
فهم إخواننا وجيراننا على الأقل في مواقع الانترنت .
ثم ماذا يكون رد فعل الشيخ لو ذكرنا حديث البقرة التي تكلمت والذئب الذي تكلم ثم صفق فعلا الناس وتعجبوا فهل سينكره نتيجة ردة فعل الناس ؟!
مع أن التعجب عند سماع خوارق العادات أمر مألوف غير مستنكر ، وإنما المستنكر هو التسرع بالإنكار لمجرد أن هذا الفعل أو تلك القصة غريبة!
روى البخاري(3471) ومسلم (2388) في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: ( بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ فَقَالَ فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ قَالَ فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ ).
وفي هذا الحديث من العبر والدلالات الكثير والكثير .
قال:( حتى يقول كثيرون: كلب ينتصر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكيف لا ننتصر له نحن؟، حتى الكلاب تغضب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الكلاب أشد منا حباً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-)
إذن من مقتضى تساؤل كثيرين من الناس كما ذكر الشيخ هنا : (فكيف لا ننتصر له نحن؟) أن هذه القصة لم تخدر الناس بل جعلتهم يتساءلون ويتعجبون من حالهم وتركهم نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا شيء إيجابي ، على عكس ما ذكر الشيخ في أسباب حكمه على القصة بالوضع والبطلان !
ولا أدري ما سبب التعجب والاستخفاف بكون كلب انتصر للرسول صلى الله عليه وسلم ، فهل هذه أول مرة ينتصر فيها حيوان لسيد الخلق؟!
يا شيخ سلمان لقد اعتقد أبولهب أن الكلب يمكن أن ينتصر للرسول صلى الله عليه وسلم - ولا شك أن أبا لهب يعلم أن الكلب لا عقل عنده وليس بمكلف- فما بالنا نستعظم ذلك ونهول الأمر، ونرد الأمر إلى عدم ثبوت ذلك بحجة قطعية ، مع أنه ثبت لدينا ما هو أعظم منه ولعله يأتي ذكر بعضا من ذلك، ومع أننا لم نطلع على تضعيف للقصة مع ذكر الحافظ ابن حجر لها وعدم تعقبها بشيء أو استغرابه منها ولم يكن بحمد الله وحاشاه ممن " نهش الكلب عقله" حينما أوردها، بل أقصى ما يمكن للمتورع فعله هو التوقف في القصة ، واعتبارها على أسوأ تقدير كالحديث عن أهل الكتاب فما دام لا يعارض ثابتا عندنا فإننا لا نصدقه ولا نكذبه ويجوز الاعتبار به وروايته في قول جماهير أهل العلم، فلماذا إذن التهويل ؟!
وسنعود -قريبا إن شاء الله- إلى أبي لهب واعتقاده أن الكلب يمكن أن ينتصر للرسول صلى الله عليه وسلم ،ولم يكن أبو لهب يعلم أن الأسد من سيأكل ابنه حتى لا يقال لم يأكله كلب بل أسد، مع أنه لا فرق من حيث العبرة !
وكذلك لم يسخر أبولهب من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم تلك ، ويقول: ما دخل الكلب في توتر العلاقات بيننا؟! وهل الكلب ممن يعقل حتى يعرف ابني ويأكله؟!
وهذا لأنه يعلم أن الكلب مسخر وإذا حدث هذا فعلا فهو بأمر الله له ، ألم يقل سبحانه: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} (المدثر: من الآية31)
ثم ألا يمكن أن نعتبر حدوث قصة الكلب وتكررها من استجابة دعوته صلى الله عليه وسلم على من سبه وآذاه بأن يسلط عليه كلبا من كلابه، وتكون العبرة هنا مستمرة لبعض من تحقق فيه الوصف نفسه ، حيث دعا رسولنا صلى الله عليه وسلم على من سبه وآذاه بأن يسلط عليه كلبا من كلابه ، ففي الحديث أنه دعا على ابن لأبي لهب لما سبه : " اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابك " فَقَتَلَهُ الْأَسَد . وَهُوَ حَدِيث حَسَن وسيأتي.
يقول الشيخ:( حتى يقول كثيرون: ... حتى الكلاب تغضب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-) .
لقد ثبت تجاوب الكون والحيوانات والجمادات مع الخير والشر في هذا الكون ولا عجب من تأثر الكائنات بما تسمعه من خير أو شر، ألم يذكر الله عزوجل لنا مدى تأثر السموات والأرض والجبال من سب النصارى لله ونسبة الولد له سبحانه، فقال عز وجل: (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً) (مريم:89-91)
وليرجع من شاء إلى التفاسير الموثوقة ليرى كلام العلماء على تجاوب السموات والأرض والجبال ومدى تأثرها بهذه المقولة الفاجرة الظالمة ، ولا شك ان السموات والجبال والأرض غير مكلفات !
وفي الحديث الذي رواه البخاري(3584) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَوْ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا قَالَ إِنْ شِئْتُمْ فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَصَاحَتْ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ قَالَ:" كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ الذِّكْرِ عِنْدَهَا"
قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث:" وَفِي الْحَدِيث دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْجَمَادَات قَدْ يَخْلُق اللَّه لَهَا إِدْرَاكًا كَالْحَيَوَانِ بَلْ كَأَشْرَف الْحَيَوَان " .
فهذا جذع أنّ وحنّ وبكى لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم له عند الخطبة ، فلا عجب إذن من وجود إدراك عند الحيوان يوجهه إلى فعل خير أو انتقام من ظالم إذا أراد الله عزوجل ذلك.
وقد ثبت إدراك الحيوان وكلامه في جملة أحاديث صحيحة بل ومن علامات الساعة تكلم السباع والجمادات فلا أدري ماذا سيقول عن هذا من يقرأ مقال الشيخ دون علمه بهذه الأشياء الثابتة والتي يجب الإيمان بها؟!
ثم أين قصة الكلب التي استنكرها الشيخ لمخالفتها العقل من هذه القصة التي فيها من العجائب ما فيها ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد بسنده من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَأَخَذَهَا فَطَلَبَهُ الرَّاعِي فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ قَالَ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ تَنْزِعُ مِنِّي رِزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ ؟!
فَقَالَ: يَا عَجَبِي ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي كَلَامَ الْإِنْسِ !
فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَثْرِبَ يُخْبِرُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ !
قَالَ: فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُودِيَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ لِلرَّاعِي أَخْبِرْهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" صَدَقَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ وَشِرَاكُ نَعْلِهِ وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ"[5] .
فهذا ذئب وتكلم بكلام بليغ بل ودعا إلى الله تعالى ولم يقف الأمر عند هذا الحدحيث لم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بسماعه فقط بل أمر أن ينادى الصلاة جامعة كما ينادى في الأمور العظيمة والنوازل الكبيرة ثم أمر الراعي أن يخبر أصحابه بما حدث ، ثم أخبر بكلام السباع وغيره قبل قيام الساعة، وهذا الحديث لا يدع لأحد مهما أوتي من عقل مقالا إذا حدثه أحد بشيء غريب فليس له إلا طلب البينة فقط ، وإذا أخبرك ثقة بذلك فحسبك ولا يشترط ما اشترطه الشيخ من القطعيات واليقينيات ...إلخ
ثم هل هذا جعل الأمة الإسلامية – كما يقول الشيخ- " مسخرة لأمم الأرض" ؟!
لأنه من الواضح أن الشيخ لم يشمر عن ساعد الجد في الرد لأن القصة ضعيفة أو لم تثبت أو طالب من ذكرها إن كان عنده مزيد علم أن يبينه له فقد يوجد في الأنهار ما لا يوجد في البحار، بل من الواضح أن الشيخ يرفض ذكر هذه الأشياء لأن الأمم لا تصدقها وستضحك علينا، وأن هذا من قبيل الخرافات والأساطير التي لا يصدقها إلا الأغبياء ومن ذكرهم، مع أن قصة الذئب أعظم من القصة موضوع رد الشيخ بكثير وفيها من المعاني ما لا تحيط به مجلدات، فلا أدري لماذا يفتح الشيخ سلمان باب التحكم والحكم على الأشياء بالرأي ومصادرة الاجتهادات الأخرى وهو لم يزل يذم من يفعل ذلك !
ثم إن هذا الأسلوب من الاسترسال في نفي هذه المعاني لاستهجان غير المسلمين لها أو إنكار عقول البعض لها يعود سلبا على نفي ما هو ثابت من معجزات وكرامات ويساعد ما يسمى بالعقلانيين في ردهم ما لا تستسيغه عقولهم أو يخالف توجههم – وإن لم يقصد صاحبه ذلك- .
ثم حتى لو أخذ من سمع القصة عبرة وقال ما قال لبيان أن المسلم أحق بالانتصار للرسول صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه أشد ممن ينتصر له من الحيوانات ، فهذا دليل على فقهه وليس على ذمه والسخرية منه كما فعل الشيخ،
وقد روى ابن حبان في صحيحه(14/437) حديث حنين الجذع السابق وزاد في روايته:( وَكَانَ الْحَسَنُ إِِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَكَى ثُمَّ قَالَ يَا عِبَادَ اللَّهِ الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إِِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَوْقًا إِِلَيْهِ لِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِِلَى لِقَائِهِ !).
يعني إذا كانت الحيوانات والجمادات تفعل مثل هذا ، فنحن أحق بهذا منها ، وهذا من جنس القول الذي تعجب منه الشيخ سلمان !
قوله:(ويضيف آخرون قصة كلبٍ آخر فقيه في السنة (!!) ولكنه عقور مرّ به شاب ذاهب إلى الصلاة بالغلس فوقف الشاب، فقال له الكلب: جز يا أبا عبد الله، فإنما أمرت بمن يشتم أبا بكر وعمر! ) .
أولا: القصة المذكورة ليست هكذا.
ثانيا: القصة مذكورة بإسناد فإذا كان مقال الشيخ من أجل بث روح التثبت من الرواية قبل نشرها فلماذا لم يرجع ليعلم من روى هذه القصة ثم ينظر في الإسناد ثم يردها حتى يتعلم من يقرأ للشيخ أن الباعث له على الكلام هو تقرير المنهج العلمي في تلقي الأخبار .
ثالثا: حتى هذه القصة ذكرها علماء لم ينهش الكلب عقولهم بل ذكرت في بعض كتب الاعتقاد، وإن كان من ذكرها قد أسندها وكما قيل: من أسند فقد أحال ،
لماذا هذه القصة بالذات يذكرها الشيخ وهو يعلم المتربصين بأهل السنة من الطائفة المذكورة في هذه القصة، وكذبهم على أهل السنة لا يحتاج إلى دليل، وكتبهم مملوءة بالخرافات ولم يذكر الشيخ عنهم قصة هنا
إلا أنني أتعجب لماذا هذه القصة بالذات يذكرها الشيخ وهو يعلم المتربصين بأهل السنة من الطائفة المذكورة في هذه القصة، وكذبهم على أهل السنة لا يحتاج إلى دليل، وكتبهم مملوءة بالخرافات ولم يذكر الشيخ عنهم قصة هنا، حتى من باب الموازنة بين المصالح والمفاسد ، وبيان أن الكلاب لا تنهش عقول أهل السنة فقط ، بل هناك كلاب أخرى عقورة تنهش بعقول الطوائف المخالفة للسنة وسيساعده النقل والعقل وكل برهان في إثبات صحة كلامه، بدلا من طيرانهم فرحا بمقاله للتنفير عن أهل السنة مع أن المقالة لا تثبت الدعوى التي كتبت من أجلها .
رابعا: إسناد القصة التي ذكرها الشيخ ولفظها هكذا من باب الفائدة ، وليس إثباتا أو نفيا لها
قال الإمام اللالكائي رحمه الله:
2371 أنا علي بن محمد بن يعقوب أنا الحسن بن عثمان قال نا محمد بن عبد الله بن إبراهيم قال نا عثمان بن سعيد الحداد قال حدثني محمد بن يوسف بسمتياط قال نا أبو الصقر الخلاطي عن المعافى بن عمران قال قال سفيان الثوري قال:" كنت امرءا أغدو إلى الصلاة بغلس فغدوت ذات يوم وكان لنا جار كان له كلب عقور فقعدت انظر حتى يتنحا فقال لي الكلب جز يا أبا عبد الله فإنما أمرتبمنيشتمأبابكر وعمر"[6].
وقد رواه أبو نعيم من وجه آخر عن سفيان الثوري في ترجمته[7].
وأما قول الشيخ :" كلب آخر فقيه في السنة" !
فأنا والله أتعجب من الأسلوب ومن التعجب في الوقت ذاته، فعلى فرض صحة هذه القصة فهل هي تعني أن الكلب تفقه في السنة حتى صار فقيها من أهلها ، أم أن دلالتها- إن صحت- واضحة ؟!
وقد ذكرت فيما سبق أن للحيوان إداركا وقصة الذئب تقدم ما فيها من عجب
قال الشيخ- غفر الله لنا وله- :( وحين يحتج معلق على هذه الأساطير؛ تنهال عليه الكلمات كاللكمات اتق الله، ربما تهوي بك هذه الكلمة في جهنم سبعين خريفاً!
وكأننا أمام نص قرآني، أو حديث متواتر، وكأن هؤلاء الناس غابت عندهم الفوارق بين الغيب المحقق المقطوع به، وبين الأساطير والخرافات والأوهام والأكاذيب) اهـ
مرة أخرى لماذا يصر الشيخ على أن هذه القصة أساطير مع أنها لا أساطير فيها؛ وجدنا لها سندا أو لم نجد، فلا يوجد فيها شيء مستنكر ، ثم هي لا تؤصل حكما كما سبق ولها شواهد شرعية كثيرة ، ثم على فرض ضعفها أيضا فليست أسطورة بالمعنى المتعارف عليه إذا أطلقت كلمة أسطورة فقد سبق كلام الذئب وغيره من الحيوانات وبكاء الجمادات بل وكلام الجمادات أيضا، ففي صحيح مسلم (2277) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ".
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح الحديث:" فِيهِ مُعْجِزَة لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِي هَذَا إِثْبَات التَّمْيِيز فِي بَعْض الْجَمَادَات , وَهُوَ مُوَافِق لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحِجَارَة : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } وَقَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } وَفِي هَذِهِ الْآيَة خِلَاف مَشْهُور , وَالصَّحِيح أَنَّهُ يُسَبِّحُ حَقِيقَة , وَيَجْعَلُ اللَّه تَعَالَى فِيهِ تَمْيِيزًا بِحَسْبِهِ كَمَا ذَكَرْنَا , وَمِنْهُ الْحَجَر الَّذِي فَرَّ بِثَوْبِ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَلَام الذِّرَاع الْمَسْمُومَة , وَمَشْي إِحْدَى الشَّجَرَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى حِين دَعَاهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَشْبَاه ذَلِكَ " اهـ
وما أشار إليه الإمام النووي من أحاديث كلها صحيحة ، وهي أعجب من القصص التي استنكرها الشيخ سلمان ، فماذا سيقول من يقرأ كلام الشيخ، إذا سمع الأحاديث السابقة؟! هل سيقبلها أم سيستنكرها؟!
قوله:( تنهال عليه الكلمات كاللكمات اتق الله، ربما تهوي بك هذه الكلمة في جهنم سبعين خريفاً!).
هذا أعتبره إرهابا فكريا حتى لا يفكر أحد في الرد، وإذا رد يكون لطيفا في رده ، ولا أدري عن من يتكلم الشيخ هنا ، و أي صنف من الناس هؤلأ ، لا سيما وقد عمم ولم يستثن ، أما كون هذه الكلمة تهوي بالشخص في جهنم سبعين خريفا ، فنحن لا نحكم على معين بجنة ولا نار إلا من عينه الشرع ، مع التأكيد على خطورة الكلمة ، ونسأل الله أن يجعلنا من المتقين .
ثم لماذا ينطلق الشيخ في رده من مفاهيم غير صحيحة وليست موافقة لمنهج أهل السنة والجماعة وذلك بجعل ما يجب التصديق به ما أتى به نص قرآني أو حديث متواتر، وبوضع ما يتداوله الناس ويتلقوه من الأمور بين أمرين لا ثالث لهما:
( نص قرآني، أو حديث متواتر، وكأن هؤلاء الناس غابت عندهم الفوارق بين الغيب المحقق المقطوع به)أو:(بين الأساطير والخرافات والأوهام والأكاذيب)
فهل ما ليس مقطوعا به لا يكون إلا (الأساطير والخرافات والأوهام والأكاذيب) ، وأين العلم الظني، وأين منزلة الحديث الصحيح غير المتواتر؟!
وأين القصص التي فيها بعض الضعف وتروى في الترغيب والترهيب بشروطها التي ذكرها العلماء – كما هو موضح في كتب مصطلح الحديث- ؟!
هل كل هذا يوضع في خانة(الأساطير والخرافات والأوهام والأكاذيب) ؟!
لماذا هذا التشديد فيما وسع فيه أئمتنا ، وليس في مثل هذه القصص فحسب بل حتى في الأحاديث، ومن المناسب ذكر بعض ما قاله بعض العلماء فيما يتعلق بهذه المسألة: وهي رواية الضعيف من الحديث فضلا عن قصة فيها عبرة ولا خطأ فيها ، ولا تثبت حكما شرعيا بل فيها عبرة وعظة تنتفع بها النفوس ولا ضرر منها،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" فَصْلٌ : قَوْلُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ : إذَا جَاءَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ شَدَّدْنَا فِي الْأَسَانِيدِ ؛ وَإِذَا جَاءَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ ؛ وَكَذَلِكَ مَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ :
لَيْسَ مَعْنَاهُ إثْبَاتُ الِاسْتِحْبَابِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يُحْتَجُّ بِهِ ؛ فَإِنَّ الِاسْتِحْبَابَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ وَمَنْ أَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ أَنَّهُ يُحِبُّ عَمَلًا مِنْ الْأَعْمَالِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَقَدْ شَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ كَمَا لَوْ أَثْبَتَ الْإِيجَابَ أَوْ التَّحْرِيمَ ؛ وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي الِاسْتِحْبَابِ كَمَا يَخْتَلِفُونَ فِي غَيْرِهِ بَلْ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ الْمَشْرُوعِ .
وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ : أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مِمَّا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ أَوْ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ بِنَصِّ أَوْ إجْمَاعٍ كَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ ؛ وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ ؛ الْمُسْتَحَبَّةِ وَثَوَابِهَا وَكَرَاهَةِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَعِقَابِهَا : فَمَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَأَنْوَاعُهُ إذَا رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ جَازَتْ رِوَايَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ بِمَعْنَى : أَنَّ النَّفْسَ تَرْجُو ذَلِكَ الثَّوَابَ أَوْ تَخَافُ ذَلِكَ الْعِقَابَ كَرَجُلِ يَعْلَمُ أَنَّ التِّجَارَةَ تَرْبَحُ لَكِنْ بَلَغَهُ أَنَّهَا تَرْبَحُ رِبْحًا كَثِيرًا فَهَذَا إنْ صَدَقَ نَفَعَهُ وَإِنْ كَذَبَ لَمْ يَضُرَّهُ ؛ وَمِثَالُ ذَلِكَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ بالإسرائيليات ؛ وَالْمَنَامَاتِ وَكَلِمَاتِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ ؛ وَوَقَائِعِ الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ؛ لَا اسْتِحْبَابٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ ؛ وَالتَّرْجِيَةِ وَالتَّخْوِيفِ .
فَمَا عُلِمَ حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا فَمَا عُلِمَ أَنَّهُ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ لَمْ يُجَزْ الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَحِيحٌ أُثْبِتَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ رُوِيَ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِ وَلِعَدَمِ الْمَضَرَّةِ فِي كَذِبِهِ وَأَحْمَد إنَّمَا قَالَ : إذَا جَاءَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ .
وَمَعْنَاهُ : أَنَّا نَرْوِي فِي ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثُوهَا مِنْ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُحْتَجُّ بِهِمْ . فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : يُعْمَلُ بِهَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ إنَّمَا الْعَمَلُ بِهَا الْعَمَلُ بِمَا فِيهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِثْلَ التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالِاجْتِنَابِ لِمَا كُرِهَ فِيهَا مِنْ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ . وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو : { بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { إذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ } فَإِنَّهُ رَخَّصَ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُمْ وَمَعَ هَذَا نَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّحْدِيثِ الْمُطْلَقِ عَنْهُمْ فَائِدَةٌ لِمَا رَخَّصَ فِيهِ وَأَمَرَ بِهِ وَلَوْ جَازَ تَصْدِيقُهُمْ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ لَمَا نَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ ؛ فَالنُّفُوسُ تَنْتَفِعُ بِمَا تَظُنُّ صِدْقَهُ فِي مَوَاضِعَ ... فَالْحَاصِلُ : أَنَّ هَذَا الْبَابَ يُرْوَى وَيُعْمَلُ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لَا فِي الِاسْتِحْبَابِ ثُمَّ اعْتِقَادُ مُوجِبِهِ وَهُوَ مَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ ). اهـ من مجموع الفتاوى 18/65 وما بعدها .
وقال أيضا رحمه الله: (وقال النوفلي: سمعت أحمد يقول: إذا روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحلال والحرام والسنن والأحكام شددنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضائل الأعمال وما لا يرفع حكما فلا نصعب) انظر: "المستدرك على مجموع الفتاوى" 2/78.
وقال رحمه الله : (والأئمة كانوا يروون ما في الباب من الأحاديث التي لم يعلم أنها كذب من المرفوع والمسند والموقوف وآثار الصحابة والتابعين لأن ذلك يقوي بعضه بعضا كما تذكر المسألة من أصول الدين ويذكر فيها مذاهب الأئمة والسلف .
فثم أمور تذكر للإعتماد وأمور تذكر للإعتضاد وأمور تذكر لأنها لم يعلم أنها من نوع الفساد ) اهـ من الصفدية 1/287
وقال أيضا: (لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يُعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب. وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقا) اهـ قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة 2/176
والكلام واضح لا يحتاج إلى شرح وهذا في الأحاديث المنسوبة لصاحب الشرع فما بالك بالقصص وغيرها، وقد نص أيضا شيخ الإسلام في كلامه على ذلك ، وعمل السلف في مؤلفاتهم ومواعظهم أكثر من أن يحصى وأشهر من أن يذكر .
ولقد كان الشيخ يعيب على الغزالي مثل هذا التهويل في الرد على من يخالفهم ، واشتراطه في النصوص المحتج بها ما ليس بشرط كقطعية النص فيما لا يطلب فيه القطع ، ولذا أرى من المناسب تذكير الشيخ وأحبابه بكلام له من كتابه "حوار هاديء مع الغزالي"
قال الشيخ سلمان في الكتاب المذكور:
ثم قال- أي الغزالي-: (وأوصي الدعاة الذين يذهبون إلى كوريا ألا يفتوا بتحريم لحم الكلاب فالقوم يأكلونها، وليس لدينا نص يفيد الحرمة، ولا نريد أن نضع عوائق أمام كلمة التوحيد! وأصول الإسلام!).
فرد الشيخ سلمان عليه قائلا:[( ألم يصرح الرسول صلى الله عليه وسلم بنجاسة ريق الكلب كما روى البخاري ومسلم ويقول: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعاً أولاهن بالتراب)، إنه نجس مغلظ النجاسة لا يطهر إلا بسبع غسلات، إحداها مع التراب. . . فهل من معقول أن أهدر النص من أجل سواد عيون الكوريين؟ ومجاملة لأذواقهم وشهواتهم. . . إذاً، كيف سيرد الشيخ على من يقولون: إن الخنزير المحرم في عهد النبوة إنما حرم بسبب سوء تغذيته وعدم العناية به، أما اليوم فالخنازير تطعم طعاماً فاخراً، ويعتنى بها من الناحية الصحية فلا تحريم فيها!
كيف سيجيب الشيخ؟ خاصة وأنهم سيقولون له: لا نريد أن نضع عوائق أمام كلمة التوحيد!! وهكذا يكون التحاليل على النصوص والتلاعب بها!
المهم أنه أصبح واضحاً أن الشيخ حين يرجح قولاً ما، لا يرجحه لأن الدليل معه، آية أو حديثاً أو استنباطاً على وفق الأصول المقررة، كلا، وإنما يرجحه لأنه لا يريد أن يوهن دينه أمام القوانين الوضعية.. . أو أنه لا يريد يغير شيئاً درجوا عليه وألفوه.
•وهو يدرك أنه خسر الاثنتين، فلا القوم أسلموا حين أذنا لهم بأكل لحوم الكلاب، وأعطيناهم فرصة تنصيب المرأة، ولا نحن حفظنا كرامة النصوص، ووقّرنا الإجماع المستقر. . . وهل يمكن أن يصدق أحد أن المانع لهؤلاء القوم من الإسلام هي هذه الجزيئات؟
إذاً فلن يهتدوا أبداً، لأن ثمت جزيئات ثابتة بالنص القرآني، سوف تصطدم مع قناعتهم وواقعهم وقوانينهم، مثلاً: تحريم الخنزير –وهو نص صريح-، تحريم الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، تعدد الزوجات، نظام الطلاق، نظام الميراث. . . الخ.
•هل يشترط الشيخ في النص المعارض للقوانين العالمية أن يكون (قاطعاً)؟؟ إنه يقول: (ولست أحب أن أوهن ديني أمام القوانين العلمية بموقف لا يستند استناداً قوياً إلى النصوص القاطعة)!!
لا مانع أن يختلف اجتهاد أهل العلم في المسائل الفرعية بناء على ثبوت النص أو عدم ثبوته، أو على اختلاف الفهم، أو طريقة الجمع بين النصوص. . . الخ.
أما أن ينتحل منتحل قولاً غريباً لأنه يوافق القوانين العالمية، أو يوافق أمزجة الكفار المراد دعوتهم. . . فهذا منهج غريب.
ولا أدري لماذا نحتاج الآن إلى نص قاطع مع أن المسألة من المسائل الفرعية –وليست الأصولية-؟ لماذا غير المؤلف منهجه وخالف أصوله؟ ! ) ]اهـ
هذا
- ilyes fc.1عضو خبير
- عدد الرسائل : 611
العمر : 27
الأوسمة :
نقاط : 421
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 30/06/2008
رد: نقد ينهش عقولنا...حوار هادء مع الشيخ سلمان
الأربعاء 03 نوفمبر 2010, 13:20
وقال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية 6/156 :( قال البيهقي ... ثنا سليمان بن المغيرة أن أبا مسلم الخولاني جاء إلى دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها فمشى على الماء والتفت إلى أصحابه وقال هل تفقدون من متاعكم شيئا فندعو الله عز وجل.
قال البيهقي: هذا إسناد صحيح .
قلت – القائل ابن كثير- وستأتي قصة أبي مسلم الخولاني واسمه عبد الله بن ثوب مع الأسود العنسي حين ألقاه في النار فكانت عليه بردا وسلاما كما كانت على الخليل إبراهيم عليه السلام، وقصة زيد بن خارجة وكلامه بعد الموت وشهادته بالرسالة لمحمد وبالخلافة لأبي بكر الصديق ثم لعمر ثم لعثمان رضي الله عنهم ) ثم ذكر رواية البيهقي لقصة خارجة بن زيد وكلامه بعد الموت وذكر قول البيهقي عن القصة:( هذا إسناد صحيح وله شواهد ) اهـ.
ثم ذكر ابن كثير رواية البيهقي للغلام الذي كلم النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيها:( جاءه رجل بغلام يوم ولد فقال له رسول الله من أنا قال أنت رسول الله قال صدقت بارك الله فيك ثم قال إن الغلام لم يتكلم بعد ذلك حتى شب، قال أبي: فكنا نسميه مبارك اليمامة)
ثم قال ابن كثير – ولنقارن بين موقف الشيخ سلمان من القصة المذكورة وبين موقف ابن كثير هنا- :(قلت هذا الحديث مما تكلم الناس في محمد بن يونس الكديمي بسببه وأنكروه عليه واستغربوا شيخه هذا، وليس هذا مما ينكر عقلا ولا شرعا فقد ثبت في الصحيح في قصة جريج العابد أنه استنطق ابن تلك البغى فقال له يا أبا يونس ابن من أنت قال ابن الراعي فعلم بنو إسرائيل براءة عرض جريج مما كان نسب إليه) اهـ
مع أن محمد بن يونس الكديمي هذا متهم ، بل قال الذهبي في ترجمته في المغني في الضعفاء 2/ 646:(محمد بن يونس الكديمي القرشي السامي، الحافظ، هالك ، قال ابن حبان وغيره: كان يضع الحديث على الثقات) اهـ
ولكن لما كان الكلام في هذا الحديث لاستغرابه عقلا ؛ أو على الأقل سيوهم ذلك؛ رد ابن كثير رحمه الله بما رد به مما ينفي توهم عدم وقوع مثل ذلك أو استنكاره، وهذا من فقهه ، وذكر أن هذا مما لا ينكر عقلا ولا شرعا وذكر شواهد ذلك .
مع أن الكلام هنا في حديث مرفوع منسوب للنبي صلى الله عليه وسلم، وليس في قصة كقصتنا هذه!
وهذا ما كان ينبغي أن يفعله الشيخ سلمان حتى لو أراد تضعيف هذه القصة أو ردها من جهة الإسناد، فكان الأولى به ذكر أن القصة ليست مما يستغرب ولا يستنكر عقلا ولا شرعا ثم إن أراد بيان ضعفها فلا بأس، أما أن يهجم هذا الهجوم موهما أن القصة مستنكرة وموهما إستحالة وقوعها وأنها من الأساطير فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن تضعيف القصة واستغرابها خارج عن نطاق المسلك العلمي وإنما هو لشيء آخر !
ثم ذكر الشيخ قصة الإسراء وتصديق الصديق رضي الله عنه لها واستنبط منها فائدة عجيبة ، فقال:( الصديق إذاً هو من يصدق بالوحي النازل من السماء، وليس من تتراكم على عقله غرائب الأخبار من كل وضاع ودجال؛ فيتجرعها كالسم حتى ينبت عليها جسده، ويمضي عليها عمره، وتصبح أساساً في ثقافته ومعرفته، وتلتبس عنده معالم دينه! ) .
عدنا إلى حشر المسلم في خيارين لا ثالث لهما عند الشيخ كما ذكر من قبل أنك بين التصديق بالقرآن أو المتواتر أو بين الدجل والخرافة أو نحوا من هذا كما سبق،
وهنا جعل الناس أحد رجلين وأثبت وصف الصديق لأحدهما ثم صب العذاب على الآخر:
فالصدّيق هو من يصدق بالوحي ، فهل من صدق بقصة رواها ثقة أو ذكرها من يغلب على ظنه أنها مقبولة عنده ، أو رواها للعبرة مع خفة سندها إن وجد ، أو ذكرها وإن لم يوجد لها إسناد، مع عدم مخالفتها كما قلنا مرارا لكتاب أو سنة أو إجماع ، هل هذا ينفى عنه صفة الصديقية، وينقلب إلى من يتجرع السم ...إلخ ؟
وما أساس حكمه على هذه القصة بأن راويها وضاع دجال؟!
وهل هذا الوضاع الدجال سيورده الحافظ ابن حجر في كتاب سماه" الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" ويذكر له حكاية موضوعة ويسكت عنها ؟!
مع قرب عهد الحافظ ابن حجر برواة القصة، فقد قال رحمه الله في مقدمة كتابه الدرر الكامنة، الذي ذكر فيه هذه القصة ، واصفا إياه ، مبينا شرطه في الكتاب:( أما بعد فهذا تعليق مفيد جمعت فيه تراجم من كان في المائة الثامنة من الهجرة النبوية من ابتداء سنة إحدى وسبعمائة إلى آخر سنة ثمانمائة من الأعيان والعلماء والملوك والأمراء والكتاب والوزراء والأدباء والشعراء وعنيت برواة الحديث النبوي فذكرت من اطلعت على حاله وأشرت إلى بعض مروياته إذ الكثير منهم شيوخ شيوخي وبعضهم أدركته ولم ألقه وبعضهم لقيته ولم أسمع منه وبعضهم سمعت منه)[ الدرر الكامنة 1/4 ].
وسكوت ابن حجر يغلب على الظن تصحيحه للقصة وهذا معروف عنه حتى في الأحاديث النبوية، فقد قال رحمه الله في مقدمة كتابه العظيم فتح الباري:
(فإذا تحررت هذه الفصول وتقررت هذه الأصول افتتحت شرح الكتاب مستعينا بالفتاح الوهاب فأسوق إن شاء الله الباب وحديثه أولا ثم أذكر وجه المناسبة بينهما أن كانت خفية ثم أستخرج ثانيا ما يتعلق به غرض صحيح في ذلك الحديث من الفوائد المتنية والاسنادية من تتمات وزيادات وكشف غامض وتصريح مدلس بسماع ومتابعة سامع من شيخ اختلط قبل ذلك منتزعا كل ذلك من أمهات المسانيد والجوامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد بشرط الصحة أو الحسن فيما أورده من ذلك) [هدي الساري مقدمة فتح الباري ص/6 ، بتحقيق وتعليق الشيخ عبد القادر شيبة الحمد] .
ثم إن القصة مذكورة عن إبراهيم بن محمد بن سعيد الطيبي، جمال الدين السفار المعروف بابن السواملي ، قال الصفدي في الوافي بالوفيات 6/89 ، و تبعه ابن حجر في الدرر الكامنة 1/59-60:" وكان ينطوي على دين وكرم وبر واعتقاد في أهل الخير" . وقد توفي سنة 706 هـ
ورواها عنه معاصره علي بن مرزوق بن أبي الحسن، زَين الدِّين، السلامي،أصله من الموصل توفي سنة 720 هـ .
وعهد الحافظ ابن حجر بالقصة قريب فليس بينه وبين الراوي مفاوز بل سبق التصريح عنه في المقدمة بأن معظم من ترجم لهم من شيوخه أو شيوخ شيوخه، فيبعد وجود وضاع فيها، مع اختيار ذكره لها في كتاب يتداوله العلماء وسكوته عليها، هذه كلها قرائن تقوي القصة أو على الأقل تسوغ ذكرها والاستشهاد بها والله أعلم ، مع تأكيدي على أن رد الشيخ لها لا يتعلق بالإسناد وإنما ذكر الإسناد من باب مساعدته على بيان مقصوده من رد القصة،
ثم أن كان ردها حقا لإسنادها فسؤالي: كيف حكم الشيخ بوضعها ؟!
لاسيما ولا يوجد في متنها ما يستغرب أو يستنكر بل لها شواهد صحيحة تؤكدها، بل ويوجد من الثابت ما هو أغرب وأعظم مما ذكر فيها !
بل ولم يطلع الشيخ على سندها كما ذكر !!
ثم قال الشيخ:( إن هذا العقل الأسطوري الذي لا يميز بين حق وباطل هو المسؤول عن شيوع الخرافة في مجتمع المسلمين، وغياب التفكير السليم، وضعف التحليل الموضوعي، وتراكم الأخطاء والسلبيات دون علاج، وكيف لنا أن نصحح أو نخطط أن نبني حضارة أو نؤسس مجداً إذا كانت العقول فاسدة والبصائر كليلة، وطرائق التفكير والنظر متردية، لماذا نهادن تسلل الحكايات الوهمية إلى عقول العامة، بل عقول الشباب والطلاب والمتعلمين، الذين يظنون أحياناً أن التصديق أولى على سبيل الاحتياط، ولا يدرون أن التصديق بالباطل مثل التكذيب بالحق).
أي أسطورة وأي باطل في ذكر مثل هذه القصة ؟!
وأي خلط بين الحق والباطل في هذا ؟!
وأي خرافة هذه التي احتوتها هذه القصة وساهمت في نشر مثيلاتها في المجتمع المسلم؟!
وهل حقا عقل من يذكر مثل هذه القصة وإن كان مثل الحافظ ابن حجر هو المسئول عن انحطاط المجتمع وتخلفه ...إلخ ؟!
إنا لله وإنا إليه راجعون، لا زلت متعجبا من حشد كل هذه التهم والحط من قدر أفاضل ذكروا مثل هذه القصة، وكأن فيها نوعا من الشرك أو نشرا لزندقة ، بل إنني لم أسمع أو أقرأ للشيخ نقدا لباطل مما يراه أو يسمعه من حوله في واقعنا المعاصر مثل هذا من قبل !!
وهل حقا من يصدق بهذه القصة يكون مصدقا بالباطل وشبيها لمن كذب بالحق، وفي هذا من الغلو والتحامل ما لا يخفى.
وهل من نشر هذه القصة ونحوها هم أسباب ما نحن فيه من تخلف وإنحطاط، وهم عوائق التقدم والحضارة ...إلخ ما ذكره الشيخ ؟!
هل توصيف الشيخ لآفات واقعه هكذا بهذا الأسلوب وبهذا التحامل ومجافاة الحقائق التي هي سبب تخلفنا بحق ، وتمريرها دون نقد أو تعليق ! ، هل هذا مما يساهم في بناء عقل واع ، وجيل متحضر متقدم ، وجيل يؤسس مجدا ويبني حضارة ؟!
أم أن هذا التوصيف القاصر يؤسس جيلا ساذجا متحاملا على إخوانه متغافلا عن أعدائه الحقيقيين ، وعن أسباب ما نحن فيه من فساد وشيوع للمنكرات ، وكبت لكل صوت لا أقول ينادي بالإصلاح – فالزاعمون للإصلاح كثيرون- ولكن لكل صوت ينادي بإقامة الدين كما أنزله الله ، والتحاكم إليه في كل كبير وصغير ، ونبذ موالاة أعداء الدين الحقيقيين من أهل الشرك والبدع ، وأهل النفاق والشقاق!!
ألم ينعَ الشيخ قديما على من كانوا ينصحون بالتأني في طرح بعض الموضوعات التي يمكن أن تجر الدعوة إلى ما لاتحمد عقباه – وقد حدث هذا فعلا- ألم يرد عليهم قائلا:( (وأيضاً من أخطائنا في التفكير -وهذا باب آخر لكن لأن له علاقة بالاختلاف الذي يقع أحياناً بسبب اختلاف المواقف الفكرية- من ذلك: المبالغة في النتائج والإلزام بما لم يلزم؛ فتجدنا أحياناً إذا حصل شيء يتعلق بالدعوة رتبنا عليه نتائج عظيمة؛ مثلاً: إذا خطب فلان خطبة معينة، وقد يكون صريحاً في هذه الخطبة، ووضع النقاط على الحروف، تجد أننا هولنا وقلنا: الصحوة وهذا يضر الأمة ويضر الدعوة وستقع فتن ومشاكل وقيل وقال!)
أليس ما عابه الشيخ هنا على من ذكر القصة أو نشرها أو صدق بها هو نفسه ما ذكره فيما نقلته عنه، وكان ينهى عنه قديما ؟!!
ثم قال:( ومن أفدح الخطأ الاعتقاد بأن الإيمان نقيض العقل ، أو أن العلم نقيض الدين.
لا يحل للمصلحين والدعاة والمرشدين أن يهادنوا عقول البسطاء أو يداهنوها، نعم سيظل في الناس أوباش لا يعقلون، لكن الخطب الفادح أن تكون هذه هي الثقافة المهيمنة التي تضغط على عقول الناشئة، وتجعل الجيل في خيار ما بين الإيمان الموروث مخلوطاً بترهات ما أنزل الله بها من سلطان، وبين العلم الحديث والحقائق المادية.أمانة الديانة تحتم علينا أن نقدس الإيمان الحق المجرد، وأن نحذر من اللحوقيات والإضافات الأسطورية المتلبسة به، والله أعلم ) .
إن كان الشيخ يقصد أن العقل يحيل مثل هذه القصة وأشباهها فيلزمه نفي المعجزات والكرامات الثابتة لأنها العقل لا يثبتها، وأؤكد على أن المشكلة هنا والاعتراض من الشيخ على هذه القصة وأمثالها يظهر أنه ليس لعدم وجود إسناد لها، بل لأن عقول الأمم الأخرى ستهزأ بنا ، والعلمانيون من بني جلدتنا سيسخرون منا !
والعلم الذي حشره الشيخ في الموضوع هنا لا أدري ما محله من الكلام ، فلا دخل له في كلامنا، وليس حاكما على شيء من الشرع ، وإلا فإن العلم الذي ذكره لا يثبت شيئا من المعجزات أو الكرامات، ومعلوم تخبطه في أمور الغيبيات والشيخ نفسه كانت له ردود على هذا قديما ، بل ذكر في حواره مع الغزالي مدى انحراف ما يسمى بالمدرسة العقلية وكان مما قاله: ( الميل إلى تضيق نطاق الغيبيات ما أمكن، وذلك تأثرا بالتيار المادي الذي يسود الحضارة المعاصرة، ومن هنا جاء إقحام العقل في المسائل الغيبية، وتأويل الملائكة والجن والشياطين... وعند غلاة العقلانيين نجد تأويل الصلاة والزكاة والصوم والحج).
ففي رده على الغزالي قديما جعل الحضارة المعاصرة سببا من أسباب إنحراف العقلانيين وأنها لا تجتمع عندهم مع الدين والغيب فاختاروا تأويل الدين مراعاة لها ،
ثم هو هنا حديثا يقول: (وتجعل الجيل في خيار ما بين الإيمان الموروث مخلوطاً بترهات ما أنزل الله بها من سلطان، وبين العلم الحديث والحقائق المادية) .
فيجعل الحقائق المادية لا تتعارض إلا مع الإيمان الموروث مخلوطا بترهات ...إلخ
فهل هذا الجزء من الإيمان بالغيبيات أصبح عند الشيخ من الترهات لأنه يتعارض مع الحقائق المادية؟!
والجيل فعلا في خيار ولكن بين الإيمان الصحيح النقي الذي تركه العقلانيون إيثارا لماديتهم وبين ما يسمى بالحقائق المادية والتي تنكر الغيبيات والمعجزات وتضيق نطاقها كما سبق في نقد الشيخ للعقلانيين قديما .
ثم كأن هذا الخطاب في كلام الشيخ ليس لنا نحن بل لمن اطلع على القصة من المفكرين العقلانيين أو من الغربيين، فهو نوع طمئنة لهم بأن منهجنا لا يحمل مثل هذه الموروثات والأساطير كما يسميها الشيخ !
قال الشيخ:( والأئمة قد يترخصون في إيراد حكايات بأسانيدها في مصنفاتهم لأن التبعة على الراوي، ويقولون: من أسند فقد سَلِم، خاصة وهي دواوين علمية متخصصة يتعاطاها الفقهاء والعارفون، أما أن تنشر مثل هذه الروايات وتذاع ويستكثر منها، فهو توهين لجانب التكليف، وإزراء بخصوصية الإنسان، وتسلط لأعداء الملة ، وقد وقفت مراراً على أقصوصات من هذا القبيل ينشرها الوعاظ غافلين، وإذا تتبعت مصدرها وجدتها من وضّاعين أو ساخرين، وقد روى أحدهم قصة الميت الذي نبش قبره فوجد مصروفاً عن القبلة، وبالسؤال عنه تبين أنه مدخن (!!) وتحريت بنفسي عن القصة فوجدتها من وضع عيّار مدخن).
أي روايات هذه التي يتكلم عنها الشيخ؟! وأي توهين لجانب التكليف في مثل هذه القصة؟!
هل يظن الشيخ أن من ذكروا هذه القصة سيخرجون على الناس ويقولون لهم: لستم مكلفين بنصرة دينكم والذب عن نبيكم، وسيرسل الله لكم كلبا بل كلابا تأكل من أساء للنبي صلى الله عليه وسلم ولا بأس عليكم، وهنا تنهال الجموع بالتصفيق والتكبير، مستبشرة منتظرة خروج الكلب ليفعل ما لم تفعله هي !!!
الشيخ – غفر الله لنا وله- يستخف بغيره أيما استخفاف ، وهذه القصة بالذات التي قال في حق من ذكرها كلاما مستبشعا ، قد ذكرها فضلاء في كتب لهم وفي مواقع لهم وهم من أعقل الناس ولله الحمد ومن أثبتهم على الحق في زمن التلون والتراجعات، ومن أكثرهم ذبا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأعرف منهم من يفديه بنفسه وأهله وماله ، ومن لا يكل ولا يمل في الدعوة إلى الله ليل نهار، بعلم وبفقه وبعدل ، فلا يجدر بالشيخ أن يستخف بإخوانه هكذا، ولا أريد أن أذكر هؤلأ الفضلاء بأسمائهم حتى لا يظن أحد أن هذا من باب التحريش وإثارة النفوس، وهم ذلك لا يحبون الظهور ، وأسأل الله أن يثبتهم، وإن كان الشيخ يتهمهم بالسذاجة والبساطة، و يستضعفهم فأحسبهم ممن ينطبق عليهم ما رواه البخاري في صحيحه(رقم2896) بسنده عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ" .
وسعد رضي الله عنه هو من هو ، فكيف بغيره ؟!
ثم هو يقول :( والأئمة قد يترخصون في إيراد حكايات بأسانيدها في مصنفاتهم لأن التبعة على الراوي، ويقولون: من أسند فقد سَلِم)
فعلى من سيلقي الشيخ بتبعة إيراد القصة المستنكرة عنده إذا كان الحافظ ابن حجر قد ذكرها بدون إسناد؟!
وهل الحافظ ابن حجر لم يسلم في رأي الشيخ لأنه لم يسند القصة؟!
وهل الحافظ ابن حجر داخل فيمن ذكرهم هنا بأوصاف بشعة أم لا؟!
وإذا لم يدخله في ذلك فكيف يخرجه منهم وهو من ذكر القصة ومهد لنشرها ولم ينتقدها بشيء؟!
أما القصة التي ذكرها عن المدخن ...إلخ فلا فائدة من ذكرها هنا أو التعليق عليها ، فهذه في وادٍ وقصتنا وكلامنا في وادٍ آخر.
ثم ختم الشيخ قالته بقوله:( لا يجوز أن يكون الإيمان بإمكان حدوث الكرامات سبباً في تمرير أي حكاية أو رواية من منطلق أنه يجوز أن تكون من الكرامات، فالكرامات لها أسبابها وطرق إثباتها، وليس يتعين في التكليف الشرعي إلا أن يؤمن المرء بما ثبت في الكتاب والسنة، أما تسارع الناس إلى تصديق الغرائب فهو من جهالات العامة وتسرعهم، وصدق الله إذ يقول: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ" [الزمر:9]. جعلنا الله من العالمين ومن ذوي الألباب.)
لم يقل أحد أنه يجب عليكم أن تؤمنوا بهذه القصة ولو صحت، كما أنه لا يجوز أن تقول لأحد: لا يجوز لك أن تصدق بكرامات لم تثبت في الكتاب أو السنة، إذ هذا سد ونفي لكرامات كثيرة ثبتت للصحابة ومن بعدهم وليست مذكورة في كتاب ولا سنة ، وإنما هي تابعة لإيمانهم وتأييد لتمسكهم بالحق .
ونفي الشيخ لجواز ذكر قصة أو حكاية ليس فيها مخالفة شرعية وإنما تشهد لها الشواهد الشرعية الثابتة لم يقل به أحد من العلماء، وكيف يحرم نقل قصة ولو ضعيفة في باب هو أقرب ما يكون إلى الترغيب والترهيب، ولا محظور شرعي في ذكره ، من قال هذا ؟!
وأما قول الشيخ:( وليس يتعين في التكليف الشرعي إلا أن يؤمن المرء بما ثبت في الكتاب والسنة) وإنما ذكر يتعين حتى إذا عورض من أحد بأنه يجوز أو يستحب قال: إنما ذكرت الوجوب، مع أن سياق كلامه يدل على تضييق باب الكرامات والاقتصار على القرآن والسنة.
ثم ليست العبرة بكون الشيء غريبا أو مألوفا حتى نصدقه أو نكذبه بل العبرة بمدى شهادة الشرع له بالقبول أو الرد، وإلا فكل المعجزات والكرامات هي من الغرائب الخارجة عن سنن العادات.
والحكايات أو الروايات يجب أن تعرض على الشرع قبل روايتها فما لم يكن فيها مخالفة للشرع ، فلا بأس بحكايتها سواء أكانت من باب الكرامات أو من غيرها ، وحتى الاحتياط الذي نفاه الشيخ هنا في قوله (من منطلق أنه يجوز أن تكون من الكرامات) قد أقره العلماء ، كما سبق في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأعيد بعضا منه مرة أخرى لفائدته، قال رحمه الله:
(فَمَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَأَنْوَاعُهُ إذَا رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ جَازَتْ رِوَايَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ بِمَعْنَى : أَنَّ النَّفْسَ تَرْجُو ذَلِكَ الثَّوَابَ أَوْ تَخَافُ ذَلِكَ الْعِقَابَ كَرَجُلِ يَعْلَمُ أَنَّ التِّجَارَةَ تَرْبَحُ لَكِنْ بَلَغَهُ أَنَّهَا تَرْبَحُ رِبْحًا كَثِيرًا فَهَذَا إنْ صَدَقَ نَفَعَهُ وَإِنْ كَذَبَ لَمْ يَضُرَّهُ ؛
وَمِثَالُ ذَلِكَ: التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ بالإسرائيليات ؛ وَالْمَنَامَاتِ وَكَلِمَاتِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ ؛ وَوَقَائِعِ الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ؛ لَا اسْتِحْبَابٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ ؛ وَالتَّرْجِيَةِ وَالتَّخْوِيفِ .
فَمَا عُلِمَ حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا فَمَا عُلِمَ أَنَّهُ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ لَمْ يُجَزْ الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَحِيحٌ أُثْبِتَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ رُوِيَ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِ وَلِعَدَمِ الْمَضَرَّةِ فِي كَذِبِهِ وَأَحْمَد إنَّمَا قَالَ : إذَا جَاءَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ .
وَمَعْنَاهُ : أَنَّا نَرْوِي فِي ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثُوهَا مِنْ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُحْتَجُّ بِهِمْ . فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : يُعْمَلُ بِهَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ إنَّمَا الْعَمَلُ بِهَا الْعَمَلُ بِمَا فِيهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِثْلَ التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالِاجْتِنَابِ لِمَا كُرِهَ فِيهَا مِنْ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ . وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو : { بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { إذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ } فَإِنَّهُ رَخَّصَ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُمْ وَمَعَ هَذَا نَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّحْدِيثِ الْمُطْلَقِ عَنْهُمْ فَائِدَةٌ لِمَا رَخَّصَ فِيهِ وَأَمَرَ بِهِ وَلَوْ جَازَ تَصْدِيقُهُمْ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ لَمَا نَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ ؛ فَالنُّفُوسُ تَنْتَفِعُ بِمَا تَظُنُّ صِدْقَهُ فِي مَوَاضِعَ ... فَالْحَاصِلُ : أَنَّ هَذَا الْبَابَ يُرْوَى وَيُعْمَلُ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لَا فِي الِاسْتِحْبَابِ ثُمَّ اعْتِقَادُ مُوجِبِهِ وَهُوَ مَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ ). اهـ من مجموع الفتاوى 18/65 وما بعدها .
وقبل أن أختم كلامي أذكر بأمور:
منها: أن نقدي هذا ليس لإثبات القصة المذكورة أو نفيها وإنما هو لبيان أن الشيخ لم يوفق في نقده لهذه القصة وفيما أرساه من أمور قد يعتبرها معالم لمنهج يرسخه عند الشباب في تلقي الأخبار، وفيه من التلبيس والخطأ ما فيه.
ومنها: أن نقد الشيخ يتنافى مع أطروحاته التي يؤكد عليها في كل مناسبة يتكلم فيها وهي آداب الحوار وفقه الاختلاف وعدم المسارعة بالإنكار لا سيما في المسائل الاجتهادية ، وعذر المخالف، وسعة الأفق ورحابة الصدر (فأما سعة الأفق العلمي فهي تجعل القارئ والمتلقي قادرا على مناقشة هذه الآراء وأخذ ما يناسب منها وترك ما هو ضد ذلك برحابة صدر وسعة أفق، وأما سعة الأفق الخلقي فهي تضمن للمخالف أن يحترم مخالفه في الرأي فلا تطيش سهامه، فينتقصه أو يحط من قدره أو يرميه بتهم لا يملك دليلا عليها، بل يحفظ له قدره وكرامته وإن خالفه في الرأي ما دامت المسألة مسألة رأي واجتهاد، ولذلك فإن من الوفاء لهذا المنهج الشرعي الصحيح أن تناقش الآراء وفق مسلك صائب) اهـ من كلام الشيخ سلمان.
وإذا كان الشيخ سلمان قد كتب وناقش ورد واغتم لما أسماه: (كلب ينهش عقولنا) فمن حقنا أننقلق وأن نناقش وأن نرد على (نقد ينهش عقولنا) لاسيما إذا جانب الصواب ، ومارس الوصاية ، وسفه الرأي المخالف لما يظنه صوابا .
وأسأل الله سبحانه أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) من محاضرة للشيخ سلمان بعنوان: (قواعد في توحيد الكلمة) .
([2]) من المحاضرة السابقة نفسها .
([3]) من محاضرة (قواعد في توحيد الكلمة) .
([4]) من محاضرة (قواعد في توحيد الكلمة) للشيخ سلمان.
([5]) رواه الإمام أحمد(رقم 11383، 11431) وسنده صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير القاسم و هو ثقة اتفاقا , و أخرج له مسلم في المقدمة ، وصححه ابن حبان والحاكم ثم الألباني كما في السلسلة الصحيحة (رقم122).
([6]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 7/1257
([7]) حلية الأولياء 7 / 74 .
([8]) رواه الحاكم في "المستدرك" (كتاب التفسير، تفسير سورة أبي لهب، 2/588)، وأبو نعيم في ((دلائل النبوة )) (2/585/رقم380)، والبيهقي في ((دلائل النبوة )) (2/338) وقال الحاكم : "صحيح الإسناد"، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: وَهُوَ حَدِيث حَسَن. اهـ قلت فلعل لهذا أورد الحافظ القصة المذكورة ولم يستغربها فهي ليست جديدة ولا مستحيلة بل من جنس ما وقع والله أعلم .
([9]) راجع كتاب أكرم العمري وكتاب منهج تدوين التاريخ ونحوه .
([10]) باختصار يسير من منهاج السنة 8/203 ، وهذه
قال البيهقي: هذا إسناد صحيح .
قلت – القائل ابن كثير- وستأتي قصة أبي مسلم الخولاني واسمه عبد الله بن ثوب مع الأسود العنسي حين ألقاه في النار فكانت عليه بردا وسلاما كما كانت على الخليل إبراهيم عليه السلام، وقصة زيد بن خارجة وكلامه بعد الموت وشهادته بالرسالة لمحمد وبالخلافة لأبي بكر الصديق ثم لعمر ثم لعثمان رضي الله عنهم ) ثم ذكر رواية البيهقي لقصة خارجة بن زيد وكلامه بعد الموت وذكر قول البيهقي عن القصة:( هذا إسناد صحيح وله شواهد ) اهـ.
ثم ذكر ابن كثير رواية البيهقي للغلام الذي كلم النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيها:( جاءه رجل بغلام يوم ولد فقال له رسول الله من أنا قال أنت رسول الله قال صدقت بارك الله فيك ثم قال إن الغلام لم يتكلم بعد ذلك حتى شب، قال أبي: فكنا نسميه مبارك اليمامة)
ثم قال ابن كثير – ولنقارن بين موقف الشيخ سلمان من القصة المذكورة وبين موقف ابن كثير هنا- :(قلت هذا الحديث مما تكلم الناس في محمد بن يونس الكديمي بسببه وأنكروه عليه واستغربوا شيخه هذا، وليس هذا مما ينكر عقلا ولا شرعا فقد ثبت في الصحيح في قصة جريج العابد أنه استنطق ابن تلك البغى فقال له يا أبا يونس ابن من أنت قال ابن الراعي فعلم بنو إسرائيل براءة عرض جريج مما كان نسب إليه) اهـ
مع أن محمد بن يونس الكديمي هذا متهم ، بل قال الذهبي في ترجمته في المغني في الضعفاء 2/ 646:(محمد بن يونس الكديمي القرشي السامي، الحافظ، هالك ، قال ابن حبان وغيره: كان يضع الحديث على الثقات) اهـ
ولكن لما كان الكلام في هذا الحديث لاستغرابه عقلا ؛ أو على الأقل سيوهم ذلك؛ رد ابن كثير رحمه الله بما رد به مما ينفي توهم عدم وقوع مثل ذلك أو استنكاره، وهذا من فقهه ، وذكر أن هذا مما لا ينكر عقلا ولا شرعا وذكر شواهد ذلك .
مع أن الكلام هنا في حديث مرفوع منسوب للنبي صلى الله عليه وسلم، وليس في قصة كقصتنا هذه!
وهذا ما كان ينبغي أن يفعله الشيخ سلمان حتى لو أراد تضعيف هذه القصة أو ردها من جهة الإسناد، فكان الأولى به ذكر أن القصة ليست مما يستغرب ولا يستنكر عقلا ولا شرعا ثم إن أراد بيان ضعفها فلا بأس، أما أن يهجم هذا الهجوم موهما أن القصة مستنكرة وموهما إستحالة وقوعها وأنها من الأساطير فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن تضعيف القصة واستغرابها خارج عن نطاق المسلك العلمي وإنما هو لشيء آخر !
ثم ذكر الشيخ قصة الإسراء وتصديق الصديق رضي الله عنه لها واستنبط منها فائدة عجيبة ، فقال:( الصديق إذاً هو من يصدق بالوحي النازل من السماء، وليس من تتراكم على عقله غرائب الأخبار من كل وضاع ودجال؛ فيتجرعها كالسم حتى ينبت عليها جسده، ويمضي عليها عمره، وتصبح أساساً في ثقافته ومعرفته، وتلتبس عنده معالم دينه! ) .
عدنا إلى حشر المسلم في خيارين لا ثالث لهما عند الشيخ كما ذكر من قبل أنك بين التصديق بالقرآن أو المتواتر أو بين الدجل والخرافة أو نحوا من هذا كما سبق،
وهنا جعل الناس أحد رجلين وأثبت وصف الصديق لأحدهما ثم صب العذاب على الآخر:
فالصدّيق هو من يصدق بالوحي ، فهل من صدق بقصة رواها ثقة أو ذكرها من يغلب على ظنه أنها مقبولة عنده ، أو رواها للعبرة مع خفة سندها إن وجد ، أو ذكرها وإن لم يوجد لها إسناد، مع عدم مخالفتها كما قلنا مرارا لكتاب أو سنة أو إجماع ، هل هذا ينفى عنه صفة الصديقية، وينقلب إلى من يتجرع السم ...إلخ ؟
وما أساس حكمه على هذه القصة بأن راويها وضاع دجال؟!
وهل هذا الوضاع الدجال سيورده الحافظ ابن حجر في كتاب سماه" الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" ويذكر له حكاية موضوعة ويسكت عنها ؟!
مع قرب عهد الحافظ ابن حجر برواة القصة، فقد قال رحمه الله في مقدمة كتابه الدرر الكامنة، الذي ذكر فيه هذه القصة ، واصفا إياه ، مبينا شرطه في الكتاب:( أما بعد فهذا تعليق مفيد جمعت فيه تراجم من كان في المائة الثامنة من الهجرة النبوية من ابتداء سنة إحدى وسبعمائة إلى آخر سنة ثمانمائة من الأعيان والعلماء والملوك والأمراء والكتاب والوزراء والأدباء والشعراء وعنيت برواة الحديث النبوي فذكرت من اطلعت على حاله وأشرت إلى بعض مروياته إذ الكثير منهم شيوخ شيوخي وبعضهم أدركته ولم ألقه وبعضهم لقيته ولم أسمع منه وبعضهم سمعت منه)[ الدرر الكامنة 1/4 ].
وسكوت ابن حجر يغلب على الظن تصحيحه للقصة وهذا معروف عنه حتى في الأحاديث النبوية، فقد قال رحمه الله في مقدمة كتابه العظيم فتح الباري:
(فإذا تحررت هذه الفصول وتقررت هذه الأصول افتتحت شرح الكتاب مستعينا بالفتاح الوهاب فأسوق إن شاء الله الباب وحديثه أولا ثم أذكر وجه المناسبة بينهما أن كانت خفية ثم أستخرج ثانيا ما يتعلق به غرض صحيح في ذلك الحديث من الفوائد المتنية والاسنادية من تتمات وزيادات وكشف غامض وتصريح مدلس بسماع ومتابعة سامع من شيخ اختلط قبل ذلك منتزعا كل ذلك من أمهات المسانيد والجوامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد بشرط الصحة أو الحسن فيما أورده من ذلك) [هدي الساري مقدمة فتح الباري ص/6 ، بتحقيق وتعليق الشيخ عبد القادر شيبة الحمد] .
ثم إن القصة مذكورة عن إبراهيم بن محمد بن سعيد الطيبي، جمال الدين السفار المعروف بابن السواملي ، قال الصفدي في الوافي بالوفيات 6/89 ، و تبعه ابن حجر في الدرر الكامنة 1/59-60:" وكان ينطوي على دين وكرم وبر واعتقاد في أهل الخير" . وقد توفي سنة 706 هـ
ورواها عنه معاصره علي بن مرزوق بن أبي الحسن، زَين الدِّين، السلامي،أصله من الموصل توفي سنة 720 هـ .
وعهد الحافظ ابن حجر بالقصة قريب فليس بينه وبين الراوي مفاوز بل سبق التصريح عنه في المقدمة بأن معظم من ترجم لهم من شيوخه أو شيوخ شيوخه، فيبعد وجود وضاع فيها، مع اختيار ذكره لها في كتاب يتداوله العلماء وسكوته عليها، هذه كلها قرائن تقوي القصة أو على الأقل تسوغ ذكرها والاستشهاد بها والله أعلم ، مع تأكيدي على أن رد الشيخ لها لا يتعلق بالإسناد وإنما ذكر الإسناد من باب مساعدته على بيان مقصوده من رد القصة،
ثم أن كان ردها حقا لإسنادها فسؤالي: كيف حكم الشيخ بوضعها ؟!
لاسيما ولا يوجد في متنها ما يستغرب أو يستنكر بل لها شواهد صحيحة تؤكدها، بل ويوجد من الثابت ما هو أغرب وأعظم مما ذكر فيها !
بل ولم يطلع الشيخ على سندها كما ذكر !!
ثم قال الشيخ:( إن هذا العقل الأسطوري الذي لا يميز بين حق وباطل هو المسؤول عن شيوع الخرافة في مجتمع المسلمين، وغياب التفكير السليم، وضعف التحليل الموضوعي، وتراكم الأخطاء والسلبيات دون علاج، وكيف لنا أن نصحح أو نخطط أن نبني حضارة أو نؤسس مجداً إذا كانت العقول فاسدة والبصائر كليلة، وطرائق التفكير والنظر متردية، لماذا نهادن تسلل الحكايات الوهمية إلى عقول العامة، بل عقول الشباب والطلاب والمتعلمين، الذين يظنون أحياناً أن التصديق أولى على سبيل الاحتياط، ولا يدرون أن التصديق بالباطل مثل التكذيب بالحق).
أي أسطورة وأي باطل في ذكر مثل هذه القصة ؟!
وأي خلط بين الحق والباطل في هذا ؟!
وأي خرافة هذه التي احتوتها هذه القصة وساهمت في نشر مثيلاتها في المجتمع المسلم؟!
وهل حقا عقل من يذكر مثل هذه القصة وإن كان مثل الحافظ ابن حجر هو المسئول عن انحطاط المجتمع وتخلفه ...إلخ ؟!
إنا لله وإنا إليه راجعون، لا زلت متعجبا من حشد كل هذه التهم والحط من قدر أفاضل ذكروا مثل هذه القصة، وكأن فيها نوعا من الشرك أو نشرا لزندقة ، بل إنني لم أسمع أو أقرأ للشيخ نقدا لباطل مما يراه أو يسمعه من حوله في واقعنا المعاصر مثل هذا من قبل !!
وهل حقا من يصدق بهذه القصة يكون مصدقا بالباطل وشبيها لمن كذب بالحق، وفي هذا من الغلو والتحامل ما لا يخفى.
وهل من نشر هذه القصة ونحوها هم أسباب ما نحن فيه من تخلف وإنحطاط، وهم عوائق التقدم والحضارة ...إلخ ما ذكره الشيخ ؟!
هل توصيف الشيخ لآفات واقعه هكذا بهذا الأسلوب وبهذا التحامل ومجافاة الحقائق التي هي سبب تخلفنا بحق ، وتمريرها دون نقد أو تعليق ! ، هل هذا مما يساهم في بناء عقل واع ، وجيل متحضر متقدم ، وجيل يؤسس مجدا ويبني حضارة ؟!
أم أن هذا التوصيف القاصر يؤسس جيلا ساذجا متحاملا على إخوانه متغافلا عن أعدائه الحقيقيين ، وعن أسباب ما نحن فيه من فساد وشيوع للمنكرات ، وكبت لكل صوت لا أقول ينادي بالإصلاح – فالزاعمون للإصلاح كثيرون- ولكن لكل صوت ينادي بإقامة الدين كما أنزله الله ، والتحاكم إليه في كل كبير وصغير ، ونبذ موالاة أعداء الدين الحقيقيين من أهل الشرك والبدع ، وأهل النفاق والشقاق!!
ألم ينعَ الشيخ قديما على من كانوا ينصحون بالتأني في طرح بعض الموضوعات التي يمكن أن تجر الدعوة إلى ما لاتحمد عقباه – وقد حدث هذا فعلا- ألم يرد عليهم قائلا:( (وأيضاً من أخطائنا في التفكير -وهذا باب آخر لكن لأن له علاقة بالاختلاف الذي يقع أحياناً بسبب اختلاف المواقف الفكرية- من ذلك: المبالغة في النتائج والإلزام بما لم يلزم؛ فتجدنا أحياناً إذا حصل شيء يتعلق بالدعوة رتبنا عليه نتائج عظيمة؛ مثلاً: إذا خطب فلان خطبة معينة، وقد يكون صريحاً في هذه الخطبة، ووضع النقاط على الحروف، تجد أننا هولنا وقلنا: الصحوة وهذا يضر الأمة ويضر الدعوة وستقع فتن ومشاكل وقيل وقال!)
أليس ما عابه الشيخ هنا على من ذكر القصة أو نشرها أو صدق بها هو نفسه ما ذكره فيما نقلته عنه، وكان ينهى عنه قديما ؟!!
ثم قال:( ومن أفدح الخطأ الاعتقاد بأن الإيمان نقيض العقل ، أو أن العلم نقيض الدين.
لا يحل للمصلحين والدعاة والمرشدين أن يهادنوا عقول البسطاء أو يداهنوها، نعم سيظل في الناس أوباش لا يعقلون، لكن الخطب الفادح أن تكون هذه هي الثقافة المهيمنة التي تضغط على عقول الناشئة، وتجعل الجيل في خيار ما بين الإيمان الموروث مخلوطاً بترهات ما أنزل الله بها من سلطان، وبين العلم الحديث والحقائق المادية.أمانة الديانة تحتم علينا أن نقدس الإيمان الحق المجرد، وأن نحذر من اللحوقيات والإضافات الأسطورية المتلبسة به، والله أعلم ) .
إن كان الشيخ يقصد أن العقل يحيل مثل هذه القصة وأشباهها فيلزمه نفي المعجزات والكرامات الثابتة لأنها العقل لا يثبتها، وأؤكد على أن المشكلة هنا والاعتراض من الشيخ على هذه القصة وأمثالها يظهر أنه ليس لعدم وجود إسناد لها، بل لأن عقول الأمم الأخرى ستهزأ بنا ، والعلمانيون من بني جلدتنا سيسخرون منا !
والعلم الذي حشره الشيخ في الموضوع هنا لا أدري ما محله من الكلام ، فلا دخل له في كلامنا، وليس حاكما على شيء من الشرع ، وإلا فإن العلم الذي ذكره لا يثبت شيئا من المعجزات أو الكرامات، ومعلوم تخبطه في أمور الغيبيات والشيخ نفسه كانت له ردود على هذا قديما ، بل ذكر في حواره مع الغزالي مدى انحراف ما يسمى بالمدرسة العقلية وكان مما قاله: ( الميل إلى تضيق نطاق الغيبيات ما أمكن، وذلك تأثرا بالتيار المادي الذي يسود الحضارة المعاصرة، ومن هنا جاء إقحام العقل في المسائل الغيبية، وتأويل الملائكة والجن والشياطين... وعند غلاة العقلانيين نجد تأويل الصلاة والزكاة والصوم والحج).
ففي رده على الغزالي قديما جعل الحضارة المعاصرة سببا من أسباب إنحراف العقلانيين وأنها لا تجتمع عندهم مع الدين والغيب فاختاروا تأويل الدين مراعاة لها ،
ثم هو هنا حديثا يقول: (وتجعل الجيل في خيار ما بين الإيمان الموروث مخلوطاً بترهات ما أنزل الله بها من سلطان، وبين العلم الحديث والحقائق المادية) .
فيجعل الحقائق المادية لا تتعارض إلا مع الإيمان الموروث مخلوطا بترهات ...إلخ
فهل هذا الجزء من الإيمان بالغيبيات أصبح عند الشيخ من الترهات لأنه يتعارض مع الحقائق المادية؟!
والجيل فعلا في خيار ولكن بين الإيمان الصحيح النقي الذي تركه العقلانيون إيثارا لماديتهم وبين ما يسمى بالحقائق المادية والتي تنكر الغيبيات والمعجزات وتضيق نطاقها كما سبق في نقد الشيخ للعقلانيين قديما .
ثم كأن هذا الخطاب في كلام الشيخ ليس لنا نحن بل لمن اطلع على القصة من المفكرين العقلانيين أو من الغربيين، فهو نوع طمئنة لهم بأن منهجنا لا يحمل مثل هذه الموروثات والأساطير كما يسميها الشيخ !
قال الشيخ:( والأئمة قد يترخصون في إيراد حكايات بأسانيدها في مصنفاتهم لأن التبعة على الراوي، ويقولون: من أسند فقد سَلِم، خاصة وهي دواوين علمية متخصصة يتعاطاها الفقهاء والعارفون، أما أن تنشر مثل هذه الروايات وتذاع ويستكثر منها، فهو توهين لجانب التكليف، وإزراء بخصوصية الإنسان، وتسلط لأعداء الملة ، وقد وقفت مراراً على أقصوصات من هذا القبيل ينشرها الوعاظ غافلين، وإذا تتبعت مصدرها وجدتها من وضّاعين أو ساخرين، وقد روى أحدهم قصة الميت الذي نبش قبره فوجد مصروفاً عن القبلة، وبالسؤال عنه تبين أنه مدخن (!!) وتحريت بنفسي عن القصة فوجدتها من وضع عيّار مدخن).
أي روايات هذه التي يتكلم عنها الشيخ؟! وأي توهين لجانب التكليف في مثل هذه القصة؟!
هل يظن الشيخ أن من ذكروا هذه القصة سيخرجون على الناس ويقولون لهم: لستم مكلفين بنصرة دينكم والذب عن نبيكم، وسيرسل الله لكم كلبا بل كلابا تأكل من أساء للنبي صلى الله عليه وسلم ولا بأس عليكم، وهنا تنهال الجموع بالتصفيق والتكبير، مستبشرة منتظرة خروج الكلب ليفعل ما لم تفعله هي !!!
الشيخ – غفر الله لنا وله- يستخف بغيره أيما استخفاف ، وهذه القصة بالذات التي قال في حق من ذكرها كلاما مستبشعا ، قد ذكرها فضلاء في كتب لهم وفي مواقع لهم وهم من أعقل الناس ولله الحمد ومن أثبتهم على الحق في زمن التلون والتراجعات، ومن أكثرهم ذبا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأعرف منهم من يفديه بنفسه وأهله وماله ، ومن لا يكل ولا يمل في الدعوة إلى الله ليل نهار، بعلم وبفقه وبعدل ، فلا يجدر بالشيخ أن يستخف بإخوانه هكذا، ولا أريد أن أذكر هؤلأ الفضلاء بأسمائهم حتى لا يظن أحد أن هذا من باب التحريش وإثارة النفوس، وهم ذلك لا يحبون الظهور ، وأسأل الله أن يثبتهم، وإن كان الشيخ يتهمهم بالسذاجة والبساطة، و يستضعفهم فأحسبهم ممن ينطبق عليهم ما رواه البخاري في صحيحه(رقم2896) بسنده عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ" .
وسعد رضي الله عنه هو من هو ، فكيف بغيره ؟!
ثم هو يقول :( والأئمة قد يترخصون في إيراد حكايات بأسانيدها في مصنفاتهم لأن التبعة على الراوي، ويقولون: من أسند فقد سَلِم)
فعلى من سيلقي الشيخ بتبعة إيراد القصة المستنكرة عنده إذا كان الحافظ ابن حجر قد ذكرها بدون إسناد؟!
وهل الحافظ ابن حجر لم يسلم في رأي الشيخ لأنه لم يسند القصة؟!
وهل الحافظ ابن حجر داخل فيمن ذكرهم هنا بأوصاف بشعة أم لا؟!
وإذا لم يدخله في ذلك فكيف يخرجه منهم وهو من ذكر القصة ومهد لنشرها ولم ينتقدها بشيء؟!
أما القصة التي ذكرها عن المدخن ...إلخ فلا فائدة من ذكرها هنا أو التعليق عليها ، فهذه في وادٍ وقصتنا وكلامنا في وادٍ آخر.
ثم ختم الشيخ قالته بقوله:( لا يجوز أن يكون الإيمان بإمكان حدوث الكرامات سبباً في تمرير أي حكاية أو رواية من منطلق أنه يجوز أن تكون من الكرامات، فالكرامات لها أسبابها وطرق إثباتها، وليس يتعين في التكليف الشرعي إلا أن يؤمن المرء بما ثبت في الكتاب والسنة، أما تسارع الناس إلى تصديق الغرائب فهو من جهالات العامة وتسرعهم، وصدق الله إذ يقول: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ" [الزمر:9]. جعلنا الله من العالمين ومن ذوي الألباب.)
لم يقل أحد أنه يجب عليكم أن تؤمنوا بهذه القصة ولو صحت، كما أنه لا يجوز أن تقول لأحد: لا يجوز لك أن تصدق بكرامات لم تثبت في الكتاب أو السنة، إذ هذا سد ونفي لكرامات كثيرة ثبتت للصحابة ومن بعدهم وليست مذكورة في كتاب ولا سنة ، وإنما هي تابعة لإيمانهم وتأييد لتمسكهم بالحق .
ونفي الشيخ لجواز ذكر قصة أو حكاية ليس فيها مخالفة شرعية وإنما تشهد لها الشواهد الشرعية الثابتة لم يقل به أحد من العلماء، وكيف يحرم نقل قصة ولو ضعيفة في باب هو أقرب ما يكون إلى الترغيب والترهيب، ولا محظور شرعي في ذكره ، من قال هذا ؟!
وأما قول الشيخ:( وليس يتعين في التكليف الشرعي إلا أن يؤمن المرء بما ثبت في الكتاب والسنة) وإنما ذكر يتعين حتى إذا عورض من أحد بأنه يجوز أو يستحب قال: إنما ذكرت الوجوب، مع أن سياق كلامه يدل على تضييق باب الكرامات والاقتصار على القرآن والسنة.
ثم ليست العبرة بكون الشيء غريبا أو مألوفا حتى نصدقه أو نكذبه بل العبرة بمدى شهادة الشرع له بالقبول أو الرد، وإلا فكل المعجزات والكرامات هي من الغرائب الخارجة عن سنن العادات.
والحكايات أو الروايات يجب أن تعرض على الشرع قبل روايتها فما لم يكن فيها مخالفة للشرع ، فلا بأس بحكايتها سواء أكانت من باب الكرامات أو من غيرها ، وحتى الاحتياط الذي نفاه الشيخ هنا في قوله (من منطلق أنه يجوز أن تكون من الكرامات) قد أقره العلماء ، كما سبق في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأعيد بعضا منه مرة أخرى لفائدته، قال رحمه الله:
(فَمَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَأَنْوَاعُهُ إذَا رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ جَازَتْ رِوَايَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ بِمَعْنَى : أَنَّ النَّفْسَ تَرْجُو ذَلِكَ الثَّوَابَ أَوْ تَخَافُ ذَلِكَ الْعِقَابَ كَرَجُلِ يَعْلَمُ أَنَّ التِّجَارَةَ تَرْبَحُ لَكِنْ بَلَغَهُ أَنَّهَا تَرْبَحُ رِبْحًا كَثِيرًا فَهَذَا إنْ صَدَقَ نَفَعَهُ وَإِنْ كَذَبَ لَمْ يَضُرَّهُ ؛
وَمِثَالُ ذَلِكَ: التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ بالإسرائيليات ؛ وَالْمَنَامَاتِ وَكَلِمَاتِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ ؛ وَوَقَائِعِ الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ؛ لَا اسْتِحْبَابٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ ؛ وَالتَّرْجِيَةِ وَالتَّخْوِيفِ .
فَمَا عُلِمَ حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا فَمَا عُلِمَ أَنَّهُ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ لَمْ يُجَزْ الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَحِيحٌ أُثْبِتَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ رُوِيَ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِ وَلِعَدَمِ الْمَضَرَّةِ فِي كَذِبِهِ وَأَحْمَد إنَّمَا قَالَ : إذَا جَاءَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ .
وَمَعْنَاهُ : أَنَّا نَرْوِي فِي ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثُوهَا مِنْ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُحْتَجُّ بِهِمْ . فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : يُعْمَلُ بِهَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ إنَّمَا الْعَمَلُ بِهَا الْعَمَلُ بِمَا فِيهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِثْلَ التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالِاجْتِنَابِ لِمَا كُرِهَ فِيهَا مِنْ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ . وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو : { بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { إذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ } فَإِنَّهُ رَخَّصَ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُمْ وَمَعَ هَذَا نَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّحْدِيثِ الْمُطْلَقِ عَنْهُمْ فَائِدَةٌ لِمَا رَخَّصَ فِيهِ وَأَمَرَ بِهِ وَلَوْ جَازَ تَصْدِيقُهُمْ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ لَمَا نَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ ؛ فَالنُّفُوسُ تَنْتَفِعُ بِمَا تَظُنُّ صِدْقَهُ فِي مَوَاضِعَ ... فَالْحَاصِلُ : أَنَّ هَذَا الْبَابَ يُرْوَى وَيُعْمَلُ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لَا فِي الِاسْتِحْبَابِ ثُمَّ اعْتِقَادُ مُوجِبِهِ وَهُوَ مَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ ). اهـ من مجموع الفتاوى 18/65 وما بعدها .
وقبل أن أختم كلامي أذكر بأمور:
منها: أن نقدي هذا ليس لإثبات القصة المذكورة أو نفيها وإنما هو لبيان أن الشيخ لم يوفق في نقده لهذه القصة وفيما أرساه من أمور قد يعتبرها معالم لمنهج يرسخه عند الشباب في تلقي الأخبار، وفيه من التلبيس والخطأ ما فيه.
ومنها: أن نقد الشيخ يتنافى مع أطروحاته التي يؤكد عليها في كل مناسبة يتكلم فيها وهي آداب الحوار وفقه الاختلاف وعدم المسارعة بالإنكار لا سيما في المسائل الاجتهادية ، وعذر المخالف، وسعة الأفق ورحابة الصدر (فأما سعة الأفق العلمي فهي تجعل القارئ والمتلقي قادرا على مناقشة هذه الآراء وأخذ ما يناسب منها وترك ما هو ضد ذلك برحابة صدر وسعة أفق، وأما سعة الأفق الخلقي فهي تضمن للمخالف أن يحترم مخالفه في الرأي فلا تطيش سهامه، فينتقصه أو يحط من قدره أو يرميه بتهم لا يملك دليلا عليها، بل يحفظ له قدره وكرامته وإن خالفه في الرأي ما دامت المسألة مسألة رأي واجتهاد، ولذلك فإن من الوفاء لهذا المنهج الشرعي الصحيح أن تناقش الآراء وفق مسلك صائب) اهـ من كلام الشيخ سلمان.
وإذا كان الشيخ سلمان قد كتب وناقش ورد واغتم لما أسماه: (كلب ينهش عقولنا) فمن حقنا أننقلق وأن نناقش وأن نرد على (نقد ينهش عقولنا) لاسيما إذا جانب الصواب ، ومارس الوصاية ، وسفه الرأي المخالف لما يظنه صوابا .
وأسأل الله سبحانه أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) من محاضرة للشيخ سلمان بعنوان: (قواعد في توحيد الكلمة) .
([2]) من المحاضرة السابقة نفسها .
([3]) من محاضرة (قواعد في توحيد الكلمة) .
([4]) من محاضرة (قواعد في توحيد الكلمة) للشيخ سلمان.
([5]) رواه الإمام أحمد(رقم 11383، 11431) وسنده صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير القاسم و هو ثقة اتفاقا , و أخرج له مسلم في المقدمة ، وصححه ابن حبان والحاكم ثم الألباني كما في السلسلة الصحيحة (رقم122).
([6]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 7/1257
([7]) حلية الأولياء 7 / 74 .
([8]) رواه الحاكم في "المستدرك" (كتاب التفسير، تفسير سورة أبي لهب، 2/588)، وأبو نعيم في ((دلائل النبوة )) (2/585/رقم380)، والبيهقي في ((دلائل النبوة )) (2/338) وقال الحاكم : "صحيح الإسناد"، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: وَهُوَ حَدِيث حَسَن. اهـ قلت فلعل لهذا أورد الحافظ القصة المذكورة ولم يستغربها فهي ليست جديدة ولا مستحيلة بل من جنس ما وقع والله أعلم .
([9]) راجع كتاب أكرم العمري وكتاب منهج تدوين التاريخ ونحوه .
([10]) باختصار يسير من منهاج السنة 8/203 ، وهذه
- الشيخ سلمان العودة يدعو إلى مقاطعة شاملة ورفع شعار (استبدال أمريكا لا تعديلها)
- حتى هذه سنّة أيضا!؟
- عائض القرني: أسيلوا دماء الإسرائيليين أينما كانوا و الشيخ سلمان العودة يدعو الحكام العرب لترك البيانات والوقوف في وجه إسرائيل
- حوار مع دمعة !!!!!!!! موضوع جميل ادخلوا وتعرفوا حوار ما هو.
- حملة العلمانيين بتونس ضد زيارة الشيخ وجدي غنيم و رد الشيخ المجاهد عليهم.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى