الوقود الحيوي... الطاقة البديلة
الخميس 17 يوليو 2008, 15:18
الوسط - فاضل فولاذ
«الوقود الحيوي» اسم جديد في عالم صناعة الطاقة بدأ يتردد بقوة بعد الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار النفط مؤخراً وهو وقود يعتمد إنتاجه في الأساس على تحويل الكتلة الحيوية سواء كانت ممثلة في صورة حبوب ومحاصيل زراعية مثل الذرة وقصب السكر أو في صورة زيوت وشحوم حيوانية مثل زيت فول الصويا وزيت النخيل، إلى إيثانول كحولي أو ديزل عضوي مما يعني إمكانية استخدامهما في الإنارة وتسيير المركبات وإدارة المولدات، وهذا حادث فعلاً وعلى نطاق واسع في دول كثيرة أبرزها أميركا والبرازيل وألمانيا والسويد وكندا والصين والهند، وبقدر مكن دولة نامية مثل البرازيل من الاستغناء نهائياً عن استيراد النفط.
وقد اقتصر سابقاً مصطلح «الوقود الحيوي» على مادتي الإيثانول والديزل المستخرجتين من المحاصيل الزراعية (الذرة، فول الصويا، قصب السكر، وغيرها).
ويعتبر الوقود الحيوي أحد أهم مصادر الطاقة المستقبلية المستخرجة من الكائنات الحية (النباتية والحيوانية)، وأهم مصادر الطاقة المتجددة عكس الموارد الطبيعية (النفط، الفحم الحجري، الوقود النووي).
وتعود بدايات الوقود الحيوي إلى العام 1920 عندما ظهرت طريقة فيشر تروبش التي مكنت من إنتاج وقود حيوي من مادتي الفحم والغاز ومن مادة عضوية تسمى بي.تي.إل والمتمثلة بتحويل الكتلة الحيوية إلى سائل. واهتم بعدها المختصون بطريقة الحلول المبتكرة عند الكائنات الحية والتي تعتبر أكثر فاعلية وذا مردود صناعي مؤثر، مثل استخدام الطحالب لتحويل غازات ثاني أكسيد الكربون أو غازات المصانع إلى زيت يتم استخدامه في تشغيل محركات الديزل. ثم ظهرت طريقة تصنيع الوقود النباتي باستخدام بذور اللفت وعباد الشمس وفول الصويا وقصب السكر والبنجر والحبوب الزراعية المختلفة، لكن الطلب العالمي المتزايد للوقود جعل هذه الطريقة غير قادرة على دعم الطلب العالمي المتزايد للطاقة وكذلك لكونها تنذر بكارثة بيئية وتؤثر بشكل سلبي على الأمن الغذائي العالمي.
وتعتبر البرازيل والولايات المتحدة الأميركية أبرز منتجي الوقود الحيوي بين دول العالم، فالبرازيل تنتج مادة الإيثانول من قصب السكر منذ العام 1975 لاستخدامه وقوداً للسيارات، بينما تنتج الولايات المتحدة هذا الوقود من الذرة، وتستأثر هاتان الدولتان بـ 90 في المئة من الإنتاج العالمي.
وتشكل مادة الإيثانول التي تنتج أساساً من قصب السكر والذرة أكثر من 90 في المئة مجمل إنتاج الوقود الحيوي في العالم، بينما مادة البيوديزل فتأتي في المرتبة الثانية من الوقود الحيوي.
وتستخدم الدول الوقود الحيوي لتقليص اعتمادها على الوقود النفطي، فالولايات المتحدة مثلاً تسعى إلى تقليص اعتمادها على النفط بمقدار 20 في المئة في العام 2017 وتعويضه باستخدام الوقود الحيوي، وقد تم مثلاً إجبار مصافي النفط في ولاية كاليفورنيا على مزج البنزين بمادة ببيوايثانون.
وقد تسبب استخدام الوقود الحيوي ومحاولة بعض الدول التوسع في صناعته إلى أضرار كبيرة لعل أبرزها التسبب بأزمة الغذاء العالمي الراهنة، ويقدر نصيب الوقود الحيوي في سوق الطاقة العالمية حالياً بنحو 1.5 في المئة، لكنه يعتبر مسئولاً عن 70 في المئة من ارتفاع السلع الغذائية وخاصة القمح والذرة وقصب السكر وهي التي يستخرج منها مادة الإيثانول. لدرجة أن الإحصاءات تشير إلى أن ثلث إنتاج الولايات المتحدة من الذرة في العام 2008 سيذهب إلى خزانات الوقود، وهو ما يمثل انتكاسة قوية لإمدادات الغذاء في العالم.
ومن الملاحظ حالياً أن الأنواع الأخرى من الطاقة المتجددة تتفوق على الوقود الحيوي من حيث أثر محايدة الكربون، وذلك بسبب ارتفاع استخدام الوقود الاحفوري في إنتاجه. بالإضافة إلى ناتج احتراق الوقود الحيوي من ثاني أكسيد الكربون، فضلاً عن الغازات غير البيئية الأخرى.
فالكربون الناتج عن الوقود الحيوي لا يتمثل فقط بنواتج الاحتراق وإنما يضاف إليه ما هو صادر عن النبات خلال دورة نموه. لكن الجانب الإيجابي من الموضوع هو أن النبات يستهلك ثاني أكسيد الكربون في عمليات التركيب الضوئي ومن هنا أتى ما يسمى بتعديل الكربون أو «محايدة الكربون».
ومن الواضح أيضاً أن قطع الأشجار في الغابات التي نمت منذ مئات أو آلاف السنين، لاستخدامها كوقود حيوي، دون أن يتم استبدالها لن يساهم في الأثر المحايد للكربون. ولكن يعتقد الكثير أن السبيل إلى الحد من زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي هو استخدام الوقود الحيوي لاستبدال مصادر الطاقة غير المتجددة.
فأوجه الضرر كثيرة، بعضها واقع بالفعل، وبعضها الآخر متوقع في المستقبل المنظور. من الأضرار الواقعة، تلك الموجة القاسية من الغلاء العالمي، التي لم ينج منها غني أو فقير في أية بقعة من الأرض، والتي اضطر معها كثير من الدول ومنها دول بترولية إلى رفع معدلات الأجور، وزيادة نسبة الدعم، مما يعني انخفاض هامش الربح من فروق أسعار النفط إلى الحد الأدنى، ناهيك عما أثاره الارتفاع المطرد في أسعار السلع الأساسية في هذه الدول من ارتفاع نسبة التضخم ومن إضرابات متتالية وتزايد السخط العام، وغيرها من علامات الاضطراب وعدم الاستقرار.
ويبدو أن هذا الوقت قريب بأكثر مما نتخيل، بسبب بزوغ نجم الوقود الحيوي كأحد مصادر الطاقة البديلة والواعدة بيئياً واقتصادياً، وتزايد إنتاجه واستخدامه بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، وبدرجة تنبئ بأن هناك تحولات عالمية كبيرة قادمة لن تطال فقط مستقبل الطاقة العالمي، بل ستطال أيضاً الأمن الغذائي والإنتاج الزراعي والاقتصاديات الناشئة عبر أرجاء العالم المختلفة.
وقياساً على إمكانيات ومزايا المصادر المتاحة حالياً للطاقة المتجددة، سواء كان مصدرها الشمس أو الرياح أو الأمواج أو غيرها، يبقى الوقود الحيوي، على الرغم مما يحيط به من جدل، هو الأكثر قدرة على دعم أمن الطاقة العالمي، وهذا لأكثر من سبب:
أولاً: رخص تكلفته وإمكانية إنتاجه في أي وقت وفي أية بقعة من الأرض، بسبب توافر مواده الأولية وعدم تقيدها بأي عوامل جغرافية أو طبيعية، وهي ميزة كبرى تفتقدها مصادر الطاقة الأخرى المتجددة، مثل الطاقة الشمسية التي ترتبط بمقدار سطوع الشمس، وطاقة الرياح التي لا يمكن توفيرها طوال شهور السنة، والطاقة المائية التي ترتبط بوجود ممرات مائية وسواحل بحرية، وهو أمر لا يتوافر لكل الدول.
ثانياً: هذه أسباب نظافة هذا المصدر وعدم إضراره بالبيئة أو المناخ وتعاظم بالتالي الآمال المعقودة عليه في تخليص العالم من جزء كبير من مشاكله البيئية الحالية.
فمحروقات الوقود الحيوي تتميز مقارنة بالوقود الحفري بإطلاق محتوى أقل من ثاني أكسيد الكربون، المسبب الرئيسي للاحتباس الحراري، ومن الرصاص، أحد العناصر السامة والمسببة للسرطان والأمراض المستعصية الأخرى، كما أن غالبية زيوت الوقود الحيوي، تتحلل تدريجياً وبطريقة تلقائية، مما يعني عدم تأثيرها سلباً على جودة البيئة وعلى الوسائط الايكولوجية المحيطة.
وفي الواقع أن هناك أكثر من إشكالية أخلاقية وعلمية يثيرها استخدام المحاصيل الغذائية وخاصة من الذرة والقمح وفول الصويا في إنتاج الوقود الحيوي.
أولى هذه الإشكاليات تتعلق بتغير استخدامات الأراضي الزراعية والهرولة المتوقعة نحو تحويل الحقول الزراعية المنتجة للمحاصيل الغذائية إلى مناجم كبيرة لإنتاج محاصيل الطاقة الموعودة، وما يتبع ذلك من الإخلال بالتنوع الزراعي العالمي والجور على الغابات والمناطق الخضراء المحمية، وزيادة معدلات انجراف التربة، وارتفاع مستويات التلوث المائي والجوي بسبب الكميات الكبيرة من المبيدات والأسمدة التي يتطلبها استزراع محاصيل الطاقة وخاصة من الذرة.
بالنسبة للدول النامية التي تعتمد على استيراد احتياجاتها الغذائية وللبلاد الفقيرة التي عادة ما تتلقى هبات ومساعدات دولية في صورة معونات غذائية، فإن هذه المخاوف ستتحول ولا شك إلى كوابيس مستطيرة بسبب تصاعد ارتفاع أسعار المحاصيل الغذائية، نتيجة تعاظم الطلب على الحبوب والحاصلات الزراعية، ونتيجة عدم وجود فائض فيها لدى الدول المصدرة، وهذا بدوره يهدد الأمن الغذائي العالمي بشكل مباشر، وقد يؤدي أيضاً إلى انتشار الاضطرابات والقلاقل الاجتماعية والسياسية في أكثر من موقع عبر العالم.
من الجوانب السلبية المتوقعة أيضاً تصاعد الصراع على الموارد المائية بسبب تزايد الحاجة للمياه، سواء لاستخدامها في ري محاصيل الذرة وقصب السكر المنتجة للطاقة، أو في عملية إنتاج الوقود الحيوي ذاتها، حيث يكلف مثلاً إنتاج لتر واحد من إيثانول الذرة نحو 4 ليترات كاملة من المياه. وقد أدت زيادة إنتاج الوقود الحيوي إلى زيادة عدد الفقراء في العالم بنحو 30 مليون إنسان. وذلك بحسب المنظمة الخيرية البريطانية «اوكسفام».
وحذرت المنظمة من أن استخدام مصادر طاقة متجددة في 10 في المئة من عمليات النقل سوف يرفع من انبعاث غاز الكربون سبعين ضعفاً بسبب استغلال مزيد من الأراضي الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي.
«الوقود الحيوي» اسم جديد في عالم صناعة الطاقة بدأ يتردد بقوة بعد الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار النفط مؤخراً وهو وقود يعتمد إنتاجه في الأساس على تحويل الكتلة الحيوية سواء كانت ممثلة في صورة حبوب ومحاصيل زراعية مثل الذرة وقصب السكر أو في صورة زيوت وشحوم حيوانية مثل زيت فول الصويا وزيت النخيل، إلى إيثانول كحولي أو ديزل عضوي مما يعني إمكانية استخدامهما في الإنارة وتسيير المركبات وإدارة المولدات، وهذا حادث فعلاً وعلى نطاق واسع في دول كثيرة أبرزها أميركا والبرازيل وألمانيا والسويد وكندا والصين والهند، وبقدر مكن دولة نامية مثل البرازيل من الاستغناء نهائياً عن استيراد النفط.
وقد اقتصر سابقاً مصطلح «الوقود الحيوي» على مادتي الإيثانول والديزل المستخرجتين من المحاصيل الزراعية (الذرة، فول الصويا، قصب السكر، وغيرها).
ويعتبر الوقود الحيوي أحد أهم مصادر الطاقة المستقبلية المستخرجة من الكائنات الحية (النباتية والحيوانية)، وأهم مصادر الطاقة المتجددة عكس الموارد الطبيعية (النفط، الفحم الحجري، الوقود النووي).
وتعود بدايات الوقود الحيوي إلى العام 1920 عندما ظهرت طريقة فيشر تروبش التي مكنت من إنتاج وقود حيوي من مادتي الفحم والغاز ومن مادة عضوية تسمى بي.تي.إل والمتمثلة بتحويل الكتلة الحيوية إلى سائل. واهتم بعدها المختصون بطريقة الحلول المبتكرة عند الكائنات الحية والتي تعتبر أكثر فاعلية وذا مردود صناعي مؤثر، مثل استخدام الطحالب لتحويل غازات ثاني أكسيد الكربون أو غازات المصانع إلى زيت يتم استخدامه في تشغيل محركات الديزل. ثم ظهرت طريقة تصنيع الوقود النباتي باستخدام بذور اللفت وعباد الشمس وفول الصويا وقصب السكر والبنجر والحبوب الزراعية المختلفة، لكن الطلب العالمي المتزايد للوقود جعل هذه الطريقة غير قادرة على دعم الطلب العالمي المتزايد للطاقة وكذلك لكونها تنذر بكارثة بيئية وتؤثر بشكل سلبي على الأمن الغذائي العالمي.
وتعتبر البرازيل والولايات المتحدة الأميركية أبرز منتجي الوقود الحيوي بين دول العالم، فالبرازيل تنتج مادة الإيثانول من قصب السكر منذ العام 1975 لاستخدامه وقوداً للسيارات، بينما تنتج الولايات المتحدة هذا الوقود من الذرة، وتستأثر هاتان الدولتان بـ 90 في المئة من الإنتاج العالمي.
وتشكل مادة الإيثانول التي تنتج أساساً من قصب السكر والذرة أكثر من 90 في المئة مجمل إنتاج الوقود الحيوي في العالم، بينما مادة البيوديزل فتأتي في المرتبة الثانية من الوقود الحيوي.
وتستخدم الدول الوقود الحيوي لتقليص اعتمادها على الوقود النفطي، فالولايات المتحدة مثلاً تسعى إلى تقليص اعتمادها على النفط بمقدار 20 في المئة في العام 2017 وتعويضه باستخدام الوقود الحيوي، وقد تم مثلاً إجبار مصافي النفط في ولاية كاليفورنيا على مزج البنزين بمادة ببيوايثانون.
وقد تسبب استخدام الوقود الحيوي ومحاولة بعض الدول التوسع في صناعته إلى أضرار كبيرة لعل أبرزها التسبب بأزمة الغذاء العالمي الراهنة، ويقدر نصيب الوقود الحيوي في سوق الطاقة العالمية حالياً بنحو 1.5 في المئة، لكنه يعتبر مسئولاً عن 70 في المئة من ارتفاع السلع الغذائية وخاصة القمح والذرة وقصب السكر وهي التي يستخرج منها مادة الإيثانول. لدرجة أن الإحصاءات تشير إلى أن ثلث إنتاج الولايات المتحدة من الذرة في العام 2008 سيذهب إلى خزانات الوقود، وهو ما يمثل انتكاسة قوية لإمدادات الغذاء في العالم.
ومن الملاحظ حالياً أن الأنواع الأخرى من الطاقة المتجددة تتفوق على الوقود الحيوي من حيث أثر محايدة الكربون، وذلك بسبب ارتفاع استخدام الوقود الاحفوري في إنتاجه. بالإضافة إلى ناتج احتراق الوقود الحيوي من ثاني أكسيد الكربون، فضلاً عن الغازات غير البيئية الأخرى.
فالكربون الناتج عن الوقود الحيوي لا يتمثل فقط بنواتج الاحتراق وإنما يضاف إليه ما هو صادر عن النبات خلال دورة نموه. لكن الجانب الإيجابي من الموضوع هو أن النبات يستهلك ثاني أكسيد الكربون في عمليات التركيب الضوئي ومن هنا أتى ما يسمى بتعديل الكربون أو «محايدة الكربون».
ومن الواضح أيضاً أن قطع الأشجار في الغابات التي نمت منذ مئات أو آلاف السنين، لاستخدامها كوقود حيوي، دون أن يتم استبدالها لن يساهم في الأثر المحايد للكربون. ولكن يعتقد الكثير أن السبيل إلى الحد من زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي هو استخدام الوقود الحيوي لاستبدال مصادر الطاقة غير المتجددة.
فأوجه الضرر كثيرة، بعضها واقع بالفعل، وبعضها الآخر متوقع في المستقبل المنظور. من الأضرار الواقعة، تلك الموجة القاسية من الغلاء العالمي، التي لم ينج منها غني أو فقير في أية بقعة من الأرض، والتي اضطر معها كثير من الدول ومنها دول بترولية إلى رفع معدلات الأجور، وزيادة نسبة الدعم، مما يعني انخفاض هامش الربح من فروق أسعار النفط إلى الحد الأدنى، ناهيك عما أثاره الارتفاع المطرد في أسعار السلع الأساسية في هذه الدول من ارتفاع نسبة التضخم ومن إضرابات متتالية وتزايد السخط العام، وغيرها من علامات الاضطراب وعدم الاستقرار.
ويبدو أن هذا الوقت قريب بأكثر مما نتخيل، بسبب بزوغ نجم الوقود الحيوي كأحد مصادر الطاقة البديلة والواعدة بيئياً واقتصادياً، وتزايد إنتاجه واستخدامه بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، وبدرجة تنبئ بأن هناك تحولات عالمية كبيرة قادمة لن تطال فقط مستقبل الطاقة العالمي، بل ستطال أيضاً الأمن الغذائي والإنتاج الزراعي والاقتصاديات الناشئة عبر أرجاء العالم المختلفة.
وقياساً على إمكانيات ومزايا المصادر المتاحة حالياً للطاقة المتجددة، سواء كان مصدرها الشمس أو الرياح أو الأمواج أو غيرها، يبقى الوقود الحيوي، على الرغم مما يحيط به من جدل، هو الأكثر قدرة على دعم أمن الطاقة العالمي، وهذا لأكثر من سبب:
أولاً: رخص تكلفته وإمكانية إنتاجه في أي وقت وفي أية بقعة من الأرض، بسبب توافر مواده الأولية وعدم تقيدها بأي عوامل جغرافية أو طبيعية، وهي ميزة كبرى تفتقدها مصادر الطاقة الأخرى المتجددة، مثل الطاقة الشمسية التي ترتبط بمقدار سطوع الشمس، وطاقة الرياح التي لا يمكن توفيرها طوال شهور السنة، والطاقة المائية التي ترتبط بوجود ممرات مائية وسواحل بحرية، وهو أمر لا يتوافر لكل الدول.
ثانياً: هذه أسباب نظافة هذا المصدر وعدم إضراره بالبيئة أو المناخ وتعاظم بالتالي الآمال المعقودة عليه في تخليص العالم من جزء كبير من مشاكله البيئية الحالية.
فمحروقات الوقود الحيوي تتميز مقارنة بالوقود الحفري بإطلاق محتوى أقل من ثاني أكسيد الكربون، المسبب الرئيسي للاحتباس الحراري، ومن الرصاص، أحد العناصر السامة والمسببة للسرطان والأمراض المستعصية الأخرى، كما أن غالبية زيوت الوقود الحيوي، تتحلل تدريجياً وبطريقة تلقائية، مما يعني عدم تأثيرها سلباً على جودة البيئة وعلى الوسائط الايكولوجية المحيطة.
وفي الواقع أن هناك أكثر من إشكالية أخلاقية وعلمية يثيرها استخدام المحاصيل الغذائية وخاصة من الذرة والقمح وفول الصويا في إنتاج الوقود الحيوي.
أولى هذه الإشكاليات تتعلق بتغير استخدامات الأراضي الزراعية والهرولة المتوقعة نحو تحويل الحقول الزراعية المنتجة للمحاصيل الغذائية إلى مناجم كبيرة لإنتاج محاصيل الطاقة الموعودة، وما يتبع ذلك من الإخلال بالتنوع الزراعي العالمي والجور على الغابات والمناطق الخضراء المحمية، وزيادة معدلات انجراف التربة، وارتفاع مستويات التلوث المائي والجوي بسبب الكميات الكبيرة من المبيدات والأسمدة التي يتطلبها استزراع محاصيل الطاقة وخاصة من الذرة.
بالنسبة للدول النامية التي تعتمد على استيراد احتياجاتها الغذائية وللبلاد الفقيرة التي عادة ما تتلقى هبات ومساعدات دولية في صورة معونات غذائية، فإن هذه المخاوف ستتحول ولا شك إلى كوابيس مستطيرة بسبب تصاعد ارتفاع أسعار المحاصيل الغذائية، نتيجة تعاظم الطلب على الحبوب والحاصلات الزراعية، ونتيجة عدم وجود فائض فيها لدى الدول المصدرة، وهذا بدوره يهدد الأمن الغذائي العالمي بشكل مباشر، وقد يؤدي أيضاً إلى انتشار الاضطرابات والقلاقل الاجتماعية والسياسية في أكثر من موقع عبر العالم.
من الجوانب السلبية المتوقعة أيضاً تصاعد الصراع على الموارد المائية بسبب تزايد الحاجة للمياه، سواء لاستخدامها في ري محاصيل الذرة وقصب السكر المنتجة للطاقة، أو في عملية إنتاج الوقود الحيوي ذاتها، حيث يكلف مثلاً إنتاج لتر واحد من إيثانول الذرة نحو 4 ليترات كاملة من المياه. وقد أدت زيادة إنتاج الوقود الحيوي إلى زيادة عدد الفقراء في العالم بنحو 30 مليون إنسان. وذلك بحسب المنظمة الخيرية البريطانية «اوكسفام».
وحذرت المنظمة من أن استخدام مصادر طاقة متجددة في 10 في المئة من عمليات النقل سوف يرفع من انبعاث غاز الكربون سبعين ضعفاً بسبب استغلال مزيد من الأراضي الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى