- rababعضو خبير متطور
- عدد الرسائل : 1096
الأوسمة :
البلد :
نقاط : 367
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 04/06/2008
كيف نتعامل مع الجنازة ؟ (3)
الجمعة 18 يوليو 2008, 10:53
يجب على أقارب الميت حين يبلغهم خبر وفاته أمران:
- الأول: الصبر والرضا بالقدر لقوله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157].
ولحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة عند قبر وهي تبكي، فقال لها: اتقي الله واصبري، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، قال: ولم تعرفه فقيل لها: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها مثل الموت، فأتت باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: يا رسول الله إني لم أعرفك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الصبر عند أول الصدمة" (1).
والصبر على وفاة الأولاد له أجر عظيم، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة أذكر بعضها:
1- "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم" (2).
2- "ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله وأبويهم الجنة بفضل رحمته، قال: ويكونون على باب من أبواب الجنة، فيقال لهم: ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يجيء أبوانا، فيقال لهم: ادخلوا الجنة أنتم وأبواكم بفضل رحمة الله " (3).
3- "أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا حجابا من النار، قالت امرأة: واثنان ؟ قال: واثنان" (4).
4- "إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيِّه من أهل الأرض فصبر واحتسب بثواب دون الجنة" (5).
- الأمر الثاني: مما يجب على الأقارب: الاسترجاع، وهو أن يقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون) كما جاء في الآية المتقدمة، ويزيد عليه قوله: "اللهم اجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها"، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ما من مسلم تصبه مصيبة فيقول ما أمره الله (إنا لله وإنا إليه راجعون)، اللهم اجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا منها. قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له، فقلت: إن لي بنتا وأنا غيور، فقال: أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها، وأدعو الله أن يذهب بالغيرة" (6).
ولا ينافي الصبر أن تمتنع المرأة من الزينة كلها، حدادا على وفاة ولدها أو غيره إذا لم تزد على ثلاثة أيام، إلا على زوجها، فتحد أربعة أشهر وعشرا، لحديث زينب بنت أبي سلمة قالت: "دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر (أن) تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" ثم دخلت على زينب بنت جحش -حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست، ثم قالت: مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.. " فذكرت الحديث. أخرجه البخاري.
ولكنها إذا لم تحد على غير زوجها، إرضاء للزوج وقضاء لوطره منها، فهو أفضل لها، ويرجى لهما من وراء ذلك خير كثير كما وقع لأم سليم وزوجها أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنهما، ولا بأس من أن أسوق هنا قصتهما في ذلك -على طولها- لما فيها من الفوائد والعظات والعبر، فقد قال أنس رضي الله عنه: "قال مالك أبو أنس لامرأته أم سليم -وهي أم أنس-: إن هذا الرجل -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- يحرم الخمر، فانطلق حتى أتى الشام فهلك هناك، فجاء أبو طلحة، فخطب أم سليم، فكلمها في ذلك، فقالت: يا أبا طلحة ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر، وأنا امرأة مسلمة لا يصلح لي أن أتزوجك، فقال: ما ذاك دهرك، قالت: وما دهري؟ قال: الصفراء والبيضاء، قالت: فإني لا أريد صفراء ولا بيضاء، أريد منك الإسلام، (فإن تسلم فذاك مهري، ولا أسألك غيره)، قال: فمن لي بذلك ؟ قالت: لك بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبو طلحة يريد النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه، فلما رآه قال: جاءكم أبو طلحة غرة الإسلام بين عينيه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالت أم سليم، فتزوجها على ذالك. قال ثابت (وهو البناني أحد رواة القصة عن أنس) فما بلغنا أن مهرا كان أعظم منه أنها رضيت الإسلام مهرا، فتزوجها وكانت امرأة مليحة العينين، فيها صغر، فكانت معه حتى ولد له بني، وكان يحبه أبو طلحة حبا شديدا. ومرض الصبي (مرضا شديدا)، وتواضع أبو طلحة لمرضه أو تضعضع له، (فكان أبو طلحة يقوم صلاة الغداة يتوضأ، ويأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيصلى معه، ويكون معه إلى قريب من نصف النهار، ويجئ يقيل ويأكل، فإذا صلى الظهر تهيأ وذهب، فلم يجئ إلى صلاة العتمة). فانطلق أبو طلحة عشية إلى النبي صلى الله عليه وسلم (وفي رواية: إلى المسجد) ومات الصبي فقالت أم سليم: لا ينعين إلى أبي طلحة أحد ابنه حتى أكون أنا الذي أنعاه له، فهيأت الصبي (فسجت عليه)، ووضعته (في جانب البيت)، وجاء أبو طلحة من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليها (ومعه ناس من أهل المسجد من أصحابه) فقال: كيف ابني؟ فقالت: يا أبا طلحة ما كان منذ اشتكى أسكن منه الساعة (وأرجو أن يكون قد استراح) فأتته بعشائه (فقربته إليهم فتعشوا، وخرج القوم)، (قال: فقام إلى فراشه فوضع رأسه)، ثم قامت فتطيبت، (وتصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك)، (ثم جاءت حتى دخلت معه الفراش، فما هو إلا أن وجد ريح الطيب كان منه ما يكون من الرجل إلى أهله)، (فلما كان آخر الليل) قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا قوما عارية لهم، فسألوهم إياها أكان لهم أن يمنعوهم ؟ فقال: لا، قالت فإن الله عز وجل كان أعارك ابنك عارية، ثم قبضه إليه، فاحتسب واصبر. فغضب ثم قال: تركتني حتى إذا وقعت بما وقعت به نعيت إلي ابني (فاسترجع، وحمد الله)، (فلما أصبح اغتسل)، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصلى معه) فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بارك الله لكما في غابر ليلتكما، فثقلت من ذلك الحمل، وكانت أم سليم تسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، تخرج إذا خرج، وتدخل معه إذا دخل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولدت فأتوني بالصبي، (قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقا، فدنوا من المدينة، فضربها المخاض، واحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو طلحة: يا رب إنك لتعلم أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى، قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد فانطلقا، قال: وضربها المخاض حين قدموا)، فولدت غلاما، وقالت لابنها أنس: (يا أنس لا يطعم شيئا حتى تغدو به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وبعثت معه بتمرات)، قال: فبات يبكي، وبتُّ مجنحا عليه (أي مائلا)، أكالئه حتى أصبحت، فغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وعليه بردة)، وهو يسم إبلا أو غنما (قدمت عليه)، فلما نظر إليه، قال لأنس: أولدت بنت ملحان ؟ قال: نعم، (فقال: رويدك أفرغ لك)، قال: فألقى ما في يده، فتناول الصبي وقال: (أمعه شيء ؟ قالوا: نعم، تمرات)، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم (بعض) التمر (فمضغهن، ثم جمع بزاقه)، (ثم فغز فاه، وأوجره إياه)، فجعل يحنك الصبي، وجعل الصبي يتلمظ: (يمص بعض حلاوة التمر وريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أول من فتح أمعاء ذلك الصبي على ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انظروا إلى حب الأنصار التمر، (قال: قلت: يا رسول الله سمه، قال: ) (فمسح وجهه) وسماه عبد الله، (فما كان في الأنصار شاب أفضل منه)، (قال: فخرج منه رَجِلٌ كثير، واستشهد عبد الله بفارس)" (7).
وقد عنيت عناية خاصة بجمع روايات هذه القصة وألفاظها، لما فيها من روعة وجلالة، وليأخذ القارئ عنها فكرة جامعة صادقة، وذلك تتم العبرة والفائدة .
_________________________
(1) أخرجه البخاري (3/115-116) ومسلم (3/40-41) والبيهقي (4/65) والسياق له.
(2) أخرجه الشيخان والبيهقي (4/67) عن أبي هريرة.
"تحلة القسم" قال البغوي في "شرح السنة" (5/451): «يريد: إلا قدر ما يبر الله قسمه فيه، وهو قوله عز وجل: { وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، فإذا مر بها وجاوزها، فقد أبر قسمه».
(3) أخرجه النسائي (1/ 265) والبيهقي (4/68) وغيرهما عنه، وسنده صحيح على شرط الشيخين.
(4) أخرجه البخاري (3/94) ومسلم والبيهقي (4/67) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(5) أخرجه النسائي (1/ 264) عن عبد الله بن عمرو بسند حسن.
(6) أخرجه مسلم (3/37) والبيهقي (4/65) وأحمد (6/309).
(7) "رَجِلٌ كثير" جمع راجل، وهو ضد الفارس.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم 2056) والسياق له، ومن طريقه البيهقي (4/65 –66) وابن حبان (725) وأحمد (3/105-106، 181، 196، 287، 290) والزيادات كلها له كما سيأتي، ورواه البخاري (3/132-133) ومسلم (6/174-175) مختصرا مقتصرا على قصة وفاة الصبي، وروى النسائي (2/87) قسما من أوله، والزيادة الأولى له، والسادسة والثامنة والخامسة عشر والسادسة عشر للبخاري، والتاسعة عشر والثانية والعشرون لمسلم، وسائرها لأحمد كما سبق .
- الأول: الصبر والرضا بالقدر لقوله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157].
ولحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة عند قبر وهي تبكي، فقال لها: اتقي الله واصبري، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، قال: ولم تعرفه فقيل لها: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها مثل الموت، فأتت باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: يا رسول الله إني لم أعرفك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الصبر عند أول الصدمة" (1).
والصبر على وفاة الأولاد له أجر عظيم، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة أذكر بعضها:
1- "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم" (2).
2- "ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله وأبويهم الجنة بفضل رحمته، قال: ويكونون على باب من أبواب الجنة، فيقال لهم: ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يجيء أبوانا، فيقال لهم: ادخلوا الجنة أنتم وأبواكم بفضل رحمة الله " (3).
3- "أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا حجابا من النار، قالت امرأة: واثنان ؟ قال: واثنان" (4).
4- "إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيِّه من أهل الأرض فصبر واحتسب بثواب دون الجنة" (5).
- الأمر الثاني: مما يجب على الأقارب: الاسترجاع، وهو أن يقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون) كما جاء في الآية المتقدمة، ويزيد عليه قوله: "اللهم اجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها"، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ما من مسلم تصبه مصيبة فيقول ما أمره الله (إنا لله وإنا إليه راجعون)، اللهم اجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا منها. قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له، فقلت: إن لي بنتا وأنا غيور، فقال: أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها، وأدعو الله أن يذهب بالغيرة" (6).
ولا ينافي الصبر أن تمتنع المرأة من الزينة كلها، حدادا على وفاة ولدها أو غيره إذا لم تزد على ثلاثة أيام، إلا على زوجها، فتحد أربعة أشهر وعشرا، لحديث زينب بنت أبي سلمة قالت: "دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر (أن) تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" ثم دخلت على زينب بنت جحش -حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست، ثم قالت: مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.. " فذكرت الحديث. أخرجه البخاري.
ولكنها إذا لم تحد على غير زوجها، إرضاء للزوج وقضاء لوطره منها، فهو أفضل لها، ويرجى لهما من وراء ذلك خير كثير كما وقع لأم سليم وزوجها أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنهما، ولا بأس من أن أسوق هنا قصتهما في ذلك -على طولها- لما فيها من الفوائد والعظات والعبر، فقد قال أنس رضي الله عنه: "قال مالك أبو أنس لامرأته أم سليم -وهي أم أنس-: إن هذا الرجل -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- يحرم الخمر، فانطلق حتى أتى الشام فهلك هناك، فجاء أبو طلحة، فخطب أم سليم، فكلمها في ذلك، فقالت: يا أبا طلحة ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر، وأنا امرأة مسلمة لا يصلح لي أن أتزوجك، فقال: ما ذاك دهرك، قالت: وما دهري؟ قال: الصفراء والبيضاء، قالت: فإني لا أريد صفراء ولا بيضاء، أريد منك الإسلام، (فإن تسلم فذاك مهري، ولا أسألك غيره)، قال: فمن لي بذلك ؟ قالت: لك بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبو طلحة يريد النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه، فلما رآه قال: جاءكم أبو طلحة غرة الإسلام بين عينيه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالت أم سليم، فتزوجها على ذالك. قال ثابت (وهو البناني أحد رواة القصة عن أنس) فما بلغنا أن مهرا كان أعظم منه أنها رضيت الإسلام مهرا، فتزوجها وكانت امرأة مليحة العينين، فيها صغر، فكانت معه حتى ولد له بني، وكان يحبه أبو طلحة حبا شديدا. ومرض الصبي (مرضا شديدا)، وتواضع أبو طلحة لمرضه أو تضعضع له، (فكان أبو طلحة يقوم صلاة الغداة يتوضأ، ويأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيصلى معه، ويكون معه إلى قريب من نصف النهار، ويجئ يقيل ويأكل، فإذا صلى الظهر تهيأ وذهب، فلم يجئ إلى صلاة العتمة). فانطلق أبو طلحة عشية إلى النبي صلى الله عليه وسلم (وفي رواية: إلى المسجد) ومات الصبي فقالت أم سليم: لا ينعين إلى أبي طلحة أحد ابنه حتى أكون أنا الذي أنعاه له، فهيأت الصبي (فسجت عليه)، ووضعته (في جانب البيت)، وجاء أبو طلحة من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليها (ومعه ناس من أهل المسجد من أصحابه) فقال: كيف ابني؟ فقالت: يا أبا طلحة ما كان منذ اشتكى أسكن منه الساعة (وأرجو أن يكون قد استراح) فأتته بعشائه (فقربته إليهم فتعشوا، وخرج القوم)، (قال: فقام إلى فراشه فوضع رأسه)، ثم قامت فتطيبت، (وتصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك)، (ثم جاءت حتى دخلت معه الفراش، فما هو إلا أن وجد ريح الطيب كان منه ما يكون من الرجل إلى أهله)، (فلما كان آخر الليل) قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا قوما عارية لهم، فسألوهم إياها أكان لهم أن يمنعوهم ؟ فقال: لا، قالت فإن الله عز وجل كان أعارك ابنك عارية، ثم قبضه إليه، فاحتسب واصبر. فغضب ثم قال: تركتني حتى إذا وقعت بما وقعت به نعيت إلي ابني (فاسترجع، وحمد الله)، (فلما أصبح اغتسل)، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصلى معه) فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بارك الله لكما في غابر ليلتكما، فثقلت من ذلك الحمل، وكانت أم سليم تسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، تخرج إذا خرج، وتدخل معه إذا دخل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولدت فأتوني بالصبي، (قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقا، فدنوا من المدينة، فضربها المخاض، واحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو طلحة: يا رب إنك لتعلم أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى، قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد فانطلقا، قال: وضربها المخاض حين قدموا)، فولدت غلاما، وقالت لابنها أنس: (يا أنس لا يطعم شيئا حتى تغدو به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وبعثت معه بتمرات)، قال: فبات يبكي، وبتُّ مجنحا عليه (أي مائلا)، أكالئه حتى أصبحت، فغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وعليه بردة)، وهو يسم إبلا أو غنما (قدمت عليه)، فلما نظر إليه، قال لأنس: أولدت بنت ملحان ؟ قال: نعم، (فقال: رويدك أفرغ لك)، قال: فألقى ما في يده، فتناول الصبي وقال: (أمعه شيء ؟ قالوا: نعم، تمرات)، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم (بعض) التمر (فمضغهن، ثم جمع بزاقه)، (ثم فغز فاه، وأوجره إياه)، فجعل يحنك الصبي، وجعل الصبي يتلمظ: (يمص بعض حلاوة التمر وريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أول من فتح أمعاء ذلك الصبي على ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انظروا إلى حب الأنصار التمر، (قال: قلت: يا رسول الله سمه، قال: ) (فمسح وجهه) وسماه عبد الله، (فما كان في الأنصار شاب أفضل منه)، (قال: فخرج منه رَجِلٌ كثير، واستشهد عبد الله بفارس)" (7).
وقد عنيت عناية خاصة بجمع روايات هذه القصة وألفاظها، لما فيها من روعة وجلالة، وليأخذ القارئ عنها فكرة جامعة صادقة، وذلك تتم العبرة والفائدة .
_________________________
(1) أخرجه البخاري (3/115-116) ومسلم (3/40-41) والبيهقي (4/65) والسياق له.
(2) أخرجه الشيخان والبيهقي (4/67) عن أبي هريرة.
"تحلة القسم" قال البغوي في "شرح السنة" (5/451): «يريد: إلا قدر ما يبر الله قسمه فيه، وهو قوله عز وجل: { وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، فإذا مر بها وجاوزها، فقد أبر قسمه».
(3) أخرجه النسائي (1/ 265) والبيهقي (4/68) وغيرهما عنه، وسنده صحيح على شرط الشيخين.
(4) أخرجه البخاري (3/94) ومسلم والبيهقي (4/67) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(5) أخرجه النسائي (1/ 264) عن عبد الله بن عمرو بسند حسن.
(6) أخرجه مسلم (3/37) والبيهقي (4/65) وأحمد (6/309).
(7) "رَجِلٌ كثير" جمع راجل، وهو ضد الفارس.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم 2056) والسياق له، ومن طريقه البيهقي (4/65 –66) وابن حبان (725) وأحمد (3/105-106، 181، 196، 287، 290) والزيادات كلها له كما سيأتي، ورواه البخاري (3/132-133) ومسلم (6/174-175) مختصرا مقتصرا على قصة وفاة الصبي، وروى النسائي (2/87) قسما من أوله، والزيادة الأولى له، والسادسة والثامنة والخامسة عشر والسادسة عشر للبخاري، والتاسعة عشر والثانية والعشرون لمسلم، وسائرها لأحمد كما سبق .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى