التقارب بين الملائكة و الشياطين !!

بعد اجتماع تكتله الذي يسمى التيار الوطني الحر خرج الزعيم الماروني ميشيل عون ليعلق على ما أطلقت عليه بعض وسائل الإعلام وثيقة التفاهم بين حزب الله والسلفيين قائلا: نحن مع التقارب بين الملائكة والشياطين و بالطبع يقصد عون بالملائكة حليفه حزب الله و من المعروف أن ميشيل عون قد دأب في الآونة الأخيرة بالهجوم على أهل السنة في لبنان محاولا الانتقاص من حقوقهم و تحجيم دور و صلاحيات رئيس الوزراء في لبنان و هو المنصب الذي يؤول لأهل السنة منذ أن عرف لبنان كدولة 0

و لكن بعيدا عن شطحات عون نعود للوثيقة فمنذ عدة أيام فوجئ المراقبون للوضع اللبناني بخبر عن قرب توقيع وثيقة تفاهم بين حزب الله و ما أطلقت عليهم وسائل الإعلام السلفيين حتى جاء نهار أمس الاثنين ليشهد توقيع تلك الوثيقة بين شخصيات محسوبة على التيار السلفي اللبناني و حزب الله0

وجاء في نص الوثيقة : في ظل التحديات الجسام التي تتعرض لها امتنا العربية والإسلامية وأخطرها إثارة النعرات الطائفية والمذهبية من اجل الانقضاض على المنطقة لنهب ثرواتها ومقدراتها خدمة لمصالح إسرائيل وأميركا. وما يجري على الساحة اللبنانية من تداعيات سلبية تصب في مصلحة العدو الإسرائيلي لأن إسرائيل تريد أن تأخذ من اللبنانيين ما لم تستطع أن تأخذه بقوة السلاح وبخاصة بعد حرب تموز والتزاما بالواجب الإسلامي سعينا جاهدين لوأد الفتنة وحصر الخلاف بين السنة والشيعة ضمن الإطار العلمي الفكري الذي يتولاه العلماء من الطائفتين ويحظر على العامة الخوض فيه أو العزف على أوتاره ومن أهم عناصر إدارة هذا الخلاف الحفاظ على خصوصية كل طائفة واحترام مبادئها ورموزها والالتزام التام بأصول النقاش العلمي الهادئ وان التعبير الحاد عن الخلافات السياسية بين جميع الأطراف له تأثيراته وانعكاساته السلبية على عامة الناس وسائر الساحة اللبنانية عموما والساحة الإسلامية خصوصا. على ما تقدم تم اللقاء بين قوى سلفية وقياديين من حزب الله وتم التوافق على البنود الآتية:

1ـ انطلاقا من حرمة دم المسلم فإننا نحرم وندين أي اعتداء من أي مجموعة مسلمة على أي مجموعة مسلمة أخرى. وفي حال تعرض أي مجموعة إلى اعتداء فمن حقها اللجوء إلى الوسائل المشروعة للدفاع عن نفسها.

2 - الامتناع عن التحريض وتهييج العوام لأن ذلك يساهم في إذكاء نار الفتنة ويخرج القرار من أيدي العقلاء فيتحكم بالساحة السفهاء وأعداء الأمة الإسلامية.

3 - الوقوف في وجه المشروع الأميركي-الصهيوني الذي من ابرز أدواته إثارة الفتنة وتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم.
4 - السعي بجد وجهد للقضاء على الفكر التكفيري الموجود عند السنة والشيعة لان تكفير عموم الشيعة مرفوض عند السلفيين وتكفير عموم السنة مرفوض عند حزب الله.

5 - في حال تعرض حزب الله أو السلفيون لأي ظلم ظاهر وجلي من أطراف داخلية أو خارجية على الطرف الآخر الوقوف معه بقوة وحزم ضمن المستطاع.

6- تشكيل لجنة من كبار المشايخ في الدعوة السلفية وكبار المشايخ عند حزب الله للبحث في النقاط الخلافية عند الشيعة والسنة ما يساهم في حصر الخلافات ضمن هذه اللجنة ويمنع انتقالها إلى الشارع.

7 - كل جهة هي حرة فيما تعتقد ولا يحق لأي جهة أن تفرض أفكارها واجتهاداتها على الجهة الأخرى.

8 - يرى الطرفان إن من شأن التفاهم منع الفتنة بين المسلمين وتعزيز السلم الأهلي والعيش المشترك بين اللبنانيين جميعا.
و الجدير بالذكر أن من يستمع إلى التحليلات و التعليقات التي تداولتها وسائل الإعلام و الفضائيات حول هذا الخبر يلاحظ حجم التشرذم و الضعف التي تمر بها الحالة السنية في لبنان

الملاحظات الظاهرية على هذه البنود أنها قد ذكرت المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة و لكنها لم تأت على المشروع الذي لا يقل عنه خطورة و هو المشروع الإيراني في المنطقة و محاولة استخدام حزب الله كذراع لهذا المشروع و هو بدوره يتلاعب بالدولة اللبنانية لخدمة هذا المشروع

و بالرغم من أن الوثيقة تدعو لتوثيق التفاهم بين السنة و الشيعة فإن الموقع عليها من طرف حزب الله كان هو أول من خرقها فبعد التوقيع مباشرة و قبل أن يقوم الموقعون من مقاعدهم قال إبراهيم الأمين رئيس المكتب السياسي لحزب الله و هو الموقع الرسمي على الوثيقة من قبل حزب الله: نعلم أن هذا التفاهم سيواجه بكثير من التشويه والتضعيف من قبل أعداء الأمة في الداخل والخارج فالرجل وصف أي معارض لهذا الاتفاق الذي هو بالأساس اتفاق مصالحة بأنه عدو للأمة 0و يقول أحد بنود الوثيقة في حال تعرض أي طرف لأي ظلم من أطراف داخلية فعلى الطرف الآخر الوقوف معه بحزم و لا تتطرق الوثيقة مثلا لمعنى الظلم فحزب الله اعتبر مثلا أن بسط الدولة اللبنانية سلطانها على شبكة الاتصالات في الدولة ظلم له استوجب معاقبتها باجتياح بيروت و قتل أهلها من السنة فهل يقف السلفيون مع الحزب ضد سنة بيروت ؟؟؟

لقد كان من الأولى لحزب الله الاعتذار لأهل السنة عن اجتياحه لبيروت الغربية السنية بدلا من الالتفاف حول مجموعة صغيرة من السلفيين ليقيم معها ما أسماه وثيقة تفاهم 0
و يتساءل الباحث اللبناني أحمد الأيوبي ماذا سيكون موقف رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشيل عون الذي ينتقد السلفيين دائماً؟ وكيف سيكون تعاطيه مع حليفه حزب الله الذي أقدم على هذا التعاون؟ وهل سيوقف أعلام المعارضة حملته على السلفيين وخاصة تلك الحملة الشعواء التي تستهدف مدينة طرابلس واتهامها بالتسلح؟ وهل سيضغط حزب الله بهذا الاتجاه؟.

و للوقوف على خلفيات هذه الوثيقة لابد من تحليل الأسباب التي دفعت طرفي الوثيقة للتوقيع فالسياسة غالبا لها وجهان :وجه علني ووجه آخر مستتر نحاول أن نبرزه من خلال تتبع القوانين و السنن التي تحكم الظاهرة السياسية 0

بالنسبة للطرف الأول و هو الطرف السني : هناك غموض في هذا الطرف الذي تزعم وسائل الإعلام أنه سلفي التوجه و هناك أيضا غموض بالنسبة للأسماء الموقعة التي قيل أنها سلفية كما أن درجة تمثيلها للتيار السلفي في لبنان محل شك و ريبة كبيرة فما حجم هذا التمثيل ؟ و ما هو أصلا حجم التيار السلفي في المحيط السني اللبناني ؟

المثير أنه في الآونة الأخيرة و مع الهزائم المتتالية و المحن التي تحيط بأهل السنة في لبنان بدء من اجتياح بيروت و ليس انتهاء بتفجيرات طرابلس و النزاع بين العلويين و السنة في طرابلس بدأت وسائل إعلام لبنانية موالية للشيعة و سوريا و تنقل عنها وسائل إعلام عربية و غربية تظهر تعاظم السلفيين و شعبيتهم داخل المجتمع السني و كأنها حملة تخويف لها أهدافها و أبعادها فالتيار السلفي التقليدي غير الجهادي هو تيار يستنكف العمل السياسي لأسباب عديدة ليس هنا مجل ذكرها أما السلفية الجهادية فهي محاصرة في مناطق معينة في العالم الإسلامي و فقدت قدرتها على التمدد و الانتشار منذ فترة فالحديث عن خطر سلفي في العالم الإسلامي إما تروجه قوى خارجية عالمية أو إقليمية لأسباب تبرر به تجبرها و استمرار سيطرتها على العالم الإسلامي أو قوى عربية سنية تحاول به محاولة إحداث توازن مفقود مع التمدد الشيعي0

و هنا يجيء السؤال الحتمي ما هي حقيقة و حجم التيار السلفي في لبنان ؟
والحديث عن السلفية في لبنان صعب للباحثين نظرا لشحة المعلومات و لكن وجدت سلسلة من التقارير عن السلفية في لبنان نشرتها صحيفة السفير اللبنانية في سبتمبر 2005 بمناسبة الحديث الذي أثير عن بعض فصائل السلفية الجهادية و الذي ترعاهم سوريا لأجندة خاصة بها كما أوردت بعض وكالات الأنباء و بالرغم من أن التقارير التي أوردتها السفير يشوبها رائحة العلمانية إلا أنها تحتوي على كثير من المعلومات التي لم نجدها في مصادر أخرى و قد استعنا ببعض التقارير الأخرى التي كتبت في صحيفة المستقبل اللبنانية و غيرها من المصادر الأخرى فمدينة طرابلس كانت أول من استحضر الفكر السلفي إلى لبنان في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي. حيث أنشأ مؤسس التيار السلفي في لبنان الشيخ سالم الشهال حركة أسماها الجماعة مسلمون كانت تقوم على اعتناق منهج السلف الصالح لكن هذه الحركة لم تنطلق بشكل واسع حتى العام 1976 حين أنشأ شيخ السلفيين في لبنان سالم الشهال تنظيماً عسكرياً أسماه نواة الجيش الإسلامي وكان دوره محصوراً في الجانب العسكري خلال الحرب اللبنانية.

وبدأ دور التيار السلفي في لبنان يتعاظم مع بداية الثمانينات. وبدأت رقعة انتشاره تتوسع بسرعة خارج المدينة مستفيدة من توسع انتشار حركة التوحيد الإسلامي التي احتضنت آنذاك معظم التيارات الإسلامية وشكل حضورها العسكري والسياسي بزعامة أميرها الراحل الشيخ سعيد شعبان غطاء جيداً لتوسع نشاط السلفيين الذين كانوا قريبين جداً من شعبان.

وبمعزل عن النقاش في فتاوى وأحكام الفكر السلفي فإن سرعة انتشار هذا التيار في الشارع السني في الشمال كانت تتعاظم انطلاقاً من النشاط المكثف الذي مارسه هذا التيار في المعاهد الشرعية الرسمية والمساجد والأحياء والمصليات التي أحدثت في عدد من الشقق التي تحولت إلى مدارس في الطرح السلفي.

وبرغم كل ما يقال عن أعمال أمنية مارسها التيار السلفي وأدت إلى بدء حملة رسمية للتضييق عليه وملاحقة المنتمين إليه وإقفال معاهده الشرعية بعد سحب رخصها إلا أن أياً من تلك الأعمال لم تثبت على هذا التيار بشكل مباشر. وساهم صراعه المفتوح مع جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية الأحباش في ازدياد حركة المنتمين إليه فكراً وتعاظم حضورهم أكثر مما سبق. لكن هذا الانتشار كان سبباً في ما بعد في تعدد مرجعياته خصوصاً بعد أن بدأت ملاحقة رأس هذا التيار التنظيمي الشيخ داعي الإسلام الشهال نجل الشيخ سالم بسبب ما كان المعهد التابع له يدرسه من فكر اعتبره البعض متشددا وتكفيريا لعدد من المذاهب والفرق الإسلامية وبعد أحداث الضنية الشهيرة حيث كان معظم عناصر مجموعة الضنية من المنتسبين فكرياً إلى السلفية.

جاء توسع هذا الفكر على حساب العديد من التنظيمات الإسلامية إلا أنه بات من دون مرجعية واحدة حيث باتت هناك أكثر من جمعية وأكثر من رمز وداعية وأمير تقاسموا الحالة السلفية بحسب المنطقة والمسجد والحي .

و بالنسبة للشيخ صفوان الزعبي و هو صاحب المبادرة إلى عمل الوثيقة مع حزب الله هو زعيم جماعة وقفية تدعى إحياء التراث و كما يقول الشيخ داعي الإسلام الشهال هم مقربون من السفارة الكويتية ويتحركون وفق توجهاتها و تشير كثير من الأخبار التي تتم تتبعها من قبل أن نشاطات الشيخ المذكور يجري جزء كبير منها في استقبال السفير الكويتي في لبنان و افتتاح مشاريع كويتية في المناطق السنية و قد حاول على ما يبدو الشيخ الزعبي جذب فئات عديدة سلفية إلى مشروعه في التباحث مع حزب الله فنجح في استقطاب الشيخ حسن الشهال و هو زوج أخت داعي الإسلام الشهال رئيس جمعية الهداية والإحسان و ابن عمه و لكن هناك خلافات بينهما و لا يمثل الشيخ حسن الشهال إلا نفسه لذلك يتحدث مراقبون و محللون أن الغرض الأساسي من هذه المجوعة السلفية الصغيرة هو الظهور و الإعلان عن نفسها في وسائل الإعلام و يبرر الزعبي في حديث للشرق الأوسط وردا على سؤال لماذا قاموا بهذه الخطوة رغم العداوة المعروفة بين السلفيين وحزب الله قال الزعبي: لدينا شعور أن ما يحدث هو خطأ لأننا نواجه حزب الله بطريقة عسكرية مع علمنا المسبق أننا غير قادرين على ذلك. الصف السني مشرذم وممزق.. السلفيون ممزقون وحتى تيار المستقبل في داخله ممزق.. هذا مرض سني.. لقد هزمنا في بيروت وصيدا عسكريا لذلك اخترنا المواجهة الفكرية.فهل هذا تبرير مقبول ؟ و هل الهزيمة تبرر ذلك المنطق الانهزامي الاستسلامي ؟ بدلا من السعي لإيجاد إستراتيجية واضحة و خارطة طريق لأهل السنة في لبنان تجمع شتاتهم و تجمعاتهم في طريق واحد و موقف واضح يواجهون به التحديات التي تجابههم و المؤامرات التي تحاك ضدهم؟

أما الطرف الثاني و هو حزب الله فهو يد إيران في لبنان الذي هو جزء من إستراتيجية إيرانية تسعى و ترمي إلى مد نفوذها على المنطقة و تحقيق حلم الدولة الصفوية الفارسية و من المعروف أن حزب الله أداة إيرانية استخدمتها إيران مؤخرا لإثبات قوتها أمام المشروع الأمريكي في انتزاع ما تظنه حقها في اعتراف أمريكي بدور لها و نصيب في كعكة المنطقة و لإثبات جديتها سعى حزب الله إظهار أنيابه المسلحة باجتياح بيروت و نشر الفوضى الأمنية في طرابلس في محاولة منه لاحتواء أهل السنة في لبنان و الذين يقفون عثرة في سبيل تمدد المشروع الشيعي في لبنان و من وسائل حزب الله لاحتواء أهل السنة في لبنان هو إحداث مزيد من الشقاق في أحزابهم و تنظيماتهم فقد نجحوا بالفعل في إحداث فرقة داخل جماعة الإخوان المسلمين في لبنان و المسماة الجماعة الإسلامية عبر استقطاب الشيخ فتحي يكن فانشق بجماعة العمل الإسلامي الموحد التي ما لبثت أن أصابها الشقاق مرات عديدة و ها هو اليوم يستدير حزب الله تجاه السلفيين و خاصة سلفيي طرابلس فأحدث الشقاق بوثيقة التفاهم مع بعض من رموزهم 0